Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats


492 سلسلة كتب نقافية شهرية يصدرها‎ ١ 
المجلس الوطني للتقافة والفنون والآداب - الكويت‎ 


المجلس الوطلي 
للتفافت والفنون والآداب 


المجاس الورطلنی 
للتفافة والفنون والآداب 


Withe 


0 سلسلة كتب زقافية شهرية يصدرها 
المجلس الوطني للتقافة والفنون والآداب - الكويت 
صدرن السليسلة في ناير 1978 


سس ها أحمد مشاري العدوا (1990-1923) ود.فؤاد زكريا (2010-1927) 


مارس 2022 
492 


سلسلة شهربة يصدرها 
المجلس الوطني للتفافة 
والفنون والآداب 
اسسها 
أحمد مشاري العدواني 
د. فؤاد زكرا 


المشرف العام 
الأمين العام 


مستشار التحرير 


rumaihimg@gmail.com 


أ. جاسم خالد السعدون 
أ. خليل علي حيدر 
د. محمد شهاب الوهیب 
د. علي زيد الزعبي 
| ۵ عيسى محمر الأنصاري 
أ. 3. طارق عبد ال محسن الدويسان 
أ. منصور صالح العنزي 
1 د. ناجي سعود الزيد 


عالية مجيد الصراف 


a.almarifah@nccalkw.com 


سكرتيرة التحرير 
هلل فوزي اممجيبل 


ترسل الاقتراحات على العنوان التالي: 
السيد الأمين العام 
للمجلس الوطني للتقافة والفنون والآداب 
ص. ب: 28613 - الصفاة 
الرمز البريدي 13147 
دولة الكويت 
هاتف: 22431704 (965) 


www.kuwaitculture.org.kw 


التنضيد والإخراج والتنفيذ والتصحيح اللغوي 


وحدة الإنتاج في المجلس الوطني 


ISBN 978 - 99906 -0- 701-7 


العنوان الأصلي لاكتاب 


Places of Mind 
A Life of Edward Said 


Timothy Brennan 


Copyright © 2020, Timothy Brennan 


All rights Reserved. 


طبع من هذا الكتاب اثنان وثلاثون ألفا ومائتان وخمسون نسخة 


رجب 1443 4 ۔- مارس 2022 


المواد المنشورة في هذه السلسلة تقب 
عن رأى كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 


المحتويان 


كلمة المترجم 


الفصل الأول : 
الددرزةة 

الفصل الثاني: 
عدم الانستفرار 
الفصل الثالث: 
التلمذة في مدارس الصفوث 
الفصل الرالع: 
العميل اللسزي 
الفصل الخامس: 
قبل وسلو 
الفصل السادس: 


عقل الأغيار 


2 


99 


63 


87 


119 


161 


193 


الفصل السايع: 

مل سایغون إلى فلسطين 
الفصل الثامن: 

في مواجهة الآلهة الزاذة 
الفصل التاسع : 

بضع أفكار بسيطة 
الفصل العاشر: 

العالم الثالث ينكلم 

الفصل الحادي عشر: 
شعبان في أرض واحدة 
الفصل الثاني عشر: 
اللسباق صد الزمن 

ملحق الصور 

الهوامش 

مفتاح للمصادر 


ببلیوغرافیا 


221 


25 


293 


927 


01 


401 


429 


451 


501 


509 


إن هوية سعيد تتحدى مكان الولادة 
والإقامة هي هوية مرتحلة مكانا 
وزمانا 


كنت جالسا في اممقعد الذي کان يجلس 
فيه الطيب صالح عندما كانت الحافلة تقلنا 
من الفندق إلى امجلس الأعلى للثقافة لحضور 
جلسات مؤتمر الرواية في القاهرة. كان ذلك 
بعيد رحيل إدورد سعيد. قلت للطيب: «كان 
صديقنا إدورد» يا طيب» أسطورة جميلة». 
أجاب الطيب: «وستزداد الأسطورة جمالا مع 
الأيام». قبل ذلك ذكر لي صديقي باتريك بارندرء 
الناقد البريطاني اممعروف» أن «خارج اممكان» 
السيرة الذاتية التي كتبها إدورد سعيد هي خير 
سيرة ذاتية قرأها في حياته» وأنه يأمل في يوم 
من الأبام» أن يجد إدورد سعيد من يكتب سيرة 
له تثري السيرة الذاتية التي قدمها لنا صاحبها 
وتزیدها جمالا. 

ويبدو أن أمر هذه السيرة الذي راود 
صديقي کان هاجسا لعقود مضت لدی مشي 


9 


إدورد سعيد 
برنن» الذي طلع علينا هذه الأيام بهذه السيرة: أماكن الفكر: سيرة حياة ثقافية 
لإدورد سعيد. وهي باللغة التي تبت Places of Mind: An Intellectual :l‏ 
f Edward Said‏ ifeا.‏ وبهذا تكون الأسطورة قد اكتست حلتها البهية» وتحققت 
الآمال اممنشودة. 

بداية من هو تمُثي برنن؟ طالب مقرب إلى أستاذه إدورد سعيد. بدأ مسيرته 
مع شيخه منذ العام 1980ء حفظ السيرة بتفاصيلهاء وحفظ الجميل بكل إخلاص» 
وحفظ درسه من شيخه وعن شيخه. كتب كثيرا عن أستاذه قبل السيرة الحالية. 
ومن يقرا هذه السيرة يدرك أن كاتبها يستحق من الثناء أجزله؛ إذ إنه فعلا وق 
بالوعد والعهد الذي يبدو أنه قطعه على نفسه منذ أن وطئت قدماه جامعة 
كومبيا وقابل أستاذه. وقد حظيت بالتعرف على تمشثي عندما اتفقنا على أن 
نلتقي ف بيروت قبل عدة سنوات. لجمع المادة حول السيرة الذاتية؛ كان لا بد 
من زيارة ميدانية لبيروت التي تشکل ركنا مهما في حياة إدورد سعيد» كما هو 
معروف» مثلما أن القاهرة تمثل تجربة ثرية وفق ما تشير إليه تجلياتها في «خارج 
المكان». زار تمثي الأماكن التي كان إدورد يتردد عليها ويقيم فيهاء خصوصا تلك 
التي كان يقيم فيها مع أسرة آل سعيد. كذلك مم يدخر جهدا بالاتصال من كانت 
لهم معرفة بالراحل. قدمته لصديق لي عرف إدورد عن قرب هو أسعد خيراللهء 
أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية ورئيس تحرير مجلة «أبحاث» التي 
تصدرها الجامعة الأمريكية. 

جلسنا ثلاثتنا في بهو الفندق. أسعد يروي وتمثي يسجل مباشرة ما يسمع على 
آلة الكمبيوتر وبسرعة مذهلة. عاد تمثي إلى أمريكا حيث يعمل أستاذا لدراسات 
ما بعد الاستعمار في جامعة مينيسوتا. استمر التواصل بيننا وكنت بين الحين والآخر 
أزوده ها تيسر لي من مادة يمكن أن تكون لها علاقة بالسرة. 

وقد أدهشني ما بذله تمثي من جهد خارق في إنجاز المهمة. أيقنت أنه لا 
بد من مشروع لاحق ينقل السيرة إلى العربية لتكون سهلة المنال بالنسبة إلى 
القارئ العربي خصوصا إن م تتوافر لديه مهارة قراءة النص الإنجليزي الذي 
كتبت به أصلا. تواصلت مع سلسلة «عامم اممعرفة». ووجدت ترحيبا من القاتيمين 
عليها باممشروع. 


10 


تقدیم 


لن يتسع ام مجال هنا لعرض السيرة بالتفصيل. لكني سأوجز القول بشيء من 
ا ملاحظات العامةء علها تقدم السيرة بشيء من الإيجاز هكن أن يحث القارئ على 
الاطلاع على العمل كاملا 

لا تكاد تفرغ من قراءة السيرة» حتى تشعر بأنها رواية توثيقية أو فيلم 
وثائقي حصل فيه اطمخرج سلفا على أسرار شخصية الفيلم» وبلغة كونراد؛ الروائي 
الذي عاش إدورد سعيد معجبا به طوال حياته» تجعلنا هذه السيرة نتصور مشي 
کأنه شريك سري sharer‏ secret؛‏ عنوان آشهر القصص القصيرة التي كتبها كونراد 
والتي ظلت بنیتها تسري في عدید من کتاباته أو شخصيات رواياته. هل قرأ ثي 
قصيدة إليّت بروفروك ليلتقط منها ثيمة التردد بين الخوف والتحدي» ليجعل 
مسيرة إدورد سعيد تسير في اتجاه مغاير تماما لاتجاه بروفورك؟ إذ إن التحدي 
عند إدورد سعيد يغلب الخوف» وذلك عكس حالة بروفروك الذي يعيش في حالة 
ذعر من العام المحيط به» على الرغم من وجود رغبة جامحة لديه في التعبير 
عن مشاعر لا تتحقق بل تظل تجربة تجريدية. وتؤكد السيرة في كل نواحيها 
وشواهدها شجاعة إدورد سعيد قولا وفعلا. 

يخلص باتريك بارندر في سياق نقده لرواية العصر الفكتوري إلى أن الراوي 
أو الروائي أو الاثنين معا يحرصان على مد جسر التعاطف مع شخصية الرواية. 
هذه» على سبيل اممثال لا الحصر» جورج إِليْت في روايتها المشهورة «مدطمارش» 
Middlemarch‏ * لا تترك شخصية الرواية وشأنها بعد فشلها في الحياة بل 
تسعى إلى تيسير وظيفة عمل خيري يدل على نجاحها لاحقا. أما تمثي فيذهب 
عكس ذلك تماما؛ إذ إنه يجعل إدورد سعيد هو القادر على مد بد العون والعطف 
إلى الغيرء إلى الواقح؛ آي أن إدورد سعيد مم يواجه الواقع اممعطوب بالانسحاب منه 
أو الانكماش» كما توضح الرواية التجريبية على يد فيرجينيا وولف» وجيمز جويس 
صاحب تيار الشعور بوصفه تقنية رئيسة في الرواية» بل بالتحدي الذي يؤكده 
ثي بوصفه منهجا في حیاته وفکره. من هنا یتضح لنا تقدیر إدورد سعيد للناقد 
الهنغاري الشهير لوكاش» وقد قام تمثي بالتركيز على أهمية لوكاش في تجربة إدورد 


(*) وهو اسمها ا مستعارء واسمها الحقيقي ماري آن إيفانز.[المحرر]. 
( #*) وهو اسم قرية مُتخيلة دارت فيها أحداث الرواية.[ا محرر]. 


11 


إدورد سعيد 

سعيد. ومدى التأثير الخاص الذي تركه في إنجازه جملة وتفصيلا. أود أن أذكر هناء 
من قبيل التوضيح» بتصنيف لوكاش للواقعية قي الرواية قدهها وحديثها؛ إذ إنه 
رأى أنها تقع ف ثلاثة أبواب: الأول هو أن يتعامل الروائي مع الواقع الذي يعيشه 
مجتمعه كما هو مشيرا إلى اممثل الشائع: «عندما تكون في روما افعل ما يفعله 
أصحابها». وهذاء كما يشير لوكاش» ديدن الرواية التقليدية. ما الباب الثاني فهو أن 
ينسحب الروائي من الواقع وينكمش على نفسه خوفا من مواجهة الواقع المعطوب 
أو الرعب. وهثل لذلك بالرواية التجريبية التي تبناها المحدثون من الروائيين أمثال 
كافكا ووولف وجويس. أما النظرة الثالثة للواقع وهي التي يتبناها لوكاش فهي أن 
يسمو الروائي فوق الإذعان إلى الواقع كما هوء وفوق هاجس تيار الشعور أيضاء 
متحديا هذين الشكلين من الواقع منظور يضع واقعهما في مستقبل إيجابي يحمل 
بذور التغيير والتقدم» أي أن لوكاش حث الروائي على أن يحمل معه الواقع المعطوب 
ويتدبر أمره بطريقة مغايرة لتلك الطريقة التي تعامل بها الروائيون التقليديون 
وا محدثون التجريبيون. وهذا الصنف الأخير هو الذي ينتمي إليه إدورد سعيد 
في طريقة تعامله مع الواقع من خلال منهج نقدي يتحدى عطب الواقع بجرأته 
المعهودة. وفي هذا السياق أود أن أضيف ملاحظة إلى ما جاء في عرض قامت به 
صحيفة «الغارديان» أخيرا للسيرةء مشيرة بشكل خاص إلى السبب الذي دعا إدورد 
سعيد إلى أن يُقصي من أجندته كتابة الروايةء وهو: خشية إدورد سعيد من أن 
تعجز الرواية عن الاضطلاع بالدور الإيجابي مقارنة بالفكر النقدي في مواجهة الواقع. 
الملاحظة هي أن إدورد سعيد ذكر لي في أغسطس 1983 أنه ينوي الانسحاب من 
هذا العام ليكتب رواية. تصريحه هذا جاء مباشرة بعد غزو إسرائيل للبنان» ذلك 
الحدث الذي لا بد أنه ترك في نفسه أثرا سيئا لأسباب معروفة. في مقدمتها حالة 
الحصار التي كانت والدته تعيشها ف أثناء الحرب» وصعوبة الحصول على فيزا 
تؤهلها للانضمام إلى ابنها وأسرتها في نيويورك. ذكر لي في السياق نفسه» ونحن 
نتناول طعام الغداء في مطعم يوناني مجاور لحرم جامعة كوطبياء كيف أنه قضى 
أسبوعا في مؤتمر والحرب مشتعلة في لبنان؛ يرى هارولد بلوم صباح مساءء وكثيرا 
ما جلس معه على طاولة الطعام من دون أن يسأله لا عن أهله ولا عن والدته في 
لبنان. أردف قائلا: «هل هكن أن أنسى مثل هذه التجربة اللاإنسانية؟!». ما أود 


12 


تفقدیم 
إضافته هنا إلى ما ورد من عرض اشتقته صحيفة الغارديان من رواية ثي برنن هو 
أن إدورد سعيد أحجم عن كتابة الرواية لاحقا؛ لأنه كان يخثى أن ينزلق إلى شكاي 
الواقعية اللذين أقصاهما لوکاش؛ معنى أنه كان لا يريد لنفسه أن يعيش مخاوف 
ا مجتمع مثل كافكاء ولا يريد أن ينحصر إنجازه في أسلوب تيار الشعور الذي ينتج 
عن تقوقع الفرد بعيدا عن هموم واقع امجتمع الذي يعيش فيه؛ أي أنه اختار 
الشكل الثالث الأخير من تصور لوكاش للواقع والواقعية الذي يقضي بخلق منظور 
اجتماعي لواقع مستقبلي متخيل» وقد ظل هذا الاختيار نبراسا لإدورد سعيد في 
كتاباته بأشكالها امختلفة. 
يقدم لنا ثي معلمه في هذه السيرة باعتباره شخصية تحمل الواقع معها على 
رافعة واقح جديد. لتحْدتٌ فيه ما ِتَطلبٌُ من تغيير من دون أن تدع الواقحَ ا ميش 
اقاب بالجموة يحمل الوا الجديد صاب الجدية ذذ الجموة: بإيجان 
يقدم تمثي إدورد سعيد لنا باعتباره أكبر من الواقع بكثير. فهو على سبيل ال مال 
فم يحضر إلى أمريكا بل أمريكا هي التي حضرت إليه. ويعني ذلك آنه استطاع 
بوجوده في أمريكا أن يحرك المياه الراكدة في المجتمع الأمريكي بدلا من أن يذوب 
فیما بُعرف ب «وعاء الذوبان» هم عنام كناية عن أمريكا؛ امكان الذي يجمع 
الوافدين إليه ويصهرهم ف بوتقته ليعيشوا متجانسين» بعد أن كانوا غير ذلك سابقا. 
ویشیر مشي في السيرة إلى اهتمام إدورد سعيد بصيغة الطباق ٣٤1‏ امهإ٤١هء؛‏ والتي 
تعني تلاقي الأصوات اممختلفة وتقاطعها لتنتج في النهاية صوتا مشتركا من دون أن 
تلغي فردية تلك الأصوات» كما هي الحالة في الأوركستراء أي أن الطباق عند إدورد 
سعيد كما يبن تشي يحل محل التهجين ,انفإاوط الذي شاع في دراسات ما بعد 
الكولونياليةء القريب من مبدأً وعاء الذوبان؛ معنى أن بنية ال مجتمع عند إدورد 
سعيد طباقية أكثر منها تهجينية. و مزيد من التوضيح» نستذكر كلماته التي نطق بها 
أمام إدارة الطيران عندما ألمت به الوعكة الصحية القاضية وهو في طريق عودته إلى 
نيويورك. كان غاضبا طبعا عندما طلبت منه تلك الإدارة أن يحضر إلى المطار قبل 
موعد إقلاع طائرته لاستجوابه حول ما بدا لهم في سجله من آمور غير مرغوب فيها 
بوصفه مواطنا أمريكيا. الكلمات هي - كما رصدها تمثي برنن: ولدت في أمريكا 
وعشت فيها زهاء أربعة عقود. هذه كلمات لا تعني شيئا غير أنها معلوماتية 


13 


إدورد سعيد 


بالنسبة إلى آي محقق» لكنها تعني الكثير ممن يعرف إدورد سعيد وتصوره للهوية 
التي يرى أن على المثقف أن يدعو إليها. لو قال في تحقيقه إنه أمريكي لكان قوله 
في مستوى التحقيق» واممحقق الذي لا يعباً طبعا بصورة الهوية كما يراها المثقف» 
والتي يتخيلها إدورد سعيد تسمو فوق الممكان والعرق والجنس والدين» وما إلى 
ذلك من صفات ضبْقة تختزل حريتنا ودهوقراطيتناء بل وإنسانيتنا التي عاش إدورد 
سعيد ينادي بها. صورة المثقف هذه تجعلنا نستذكر تلك الصورة المقاربة لشخصية 
ستيفن في صورة الفنان في شبابه التي يقول فيها جويس على لسان شخصيته إنه من 
دبلن التي ولد فيهاء وإن دبلن جزء من أيرلنداء وإن أيرلندا جزء من بريطانياء وإِن 
بريطانيا جزء من أوروباء وإن أوروبا جزء من العام» ونحن نعلم أن مصطلح العام 
والعاممية nesنا1dاwo‏ مصطلح مهم في أدبيات إدورد سعيد. 

إن كلمات إدورد سعيد سالفة الذكر خير توضيح لعنوان سيرته الذاتية التي كتبها: 
«خارج اممكان» وهي أيضا تنير لنا اختيار تمثي برنن لعبارة: «أماكن الفكر» ضمن 
عنوان الكتاب؛ أي أن هوية إدورد سعيد تتحدى مكان الولادة والإقامة» هي» كما يؤكد 
إدورد سعيد نفسه» هوية مرتحلة مكانا وزمانا مثل النظرية. 

وعودة إلى ملاحظات تمثي برنن: أمريكا حضرت إلى إدورد سعيد» وليس هو 
الذي حضر إليها. تأ تجليات هذه المملاحظة من خلال حضور اممؤسسات الأمريكية 
على اختلافها إلى منصة إدورد سعيد الأكادهية والثقافية والسياسية والاجتماعية 
لتكتسب أبعادا تتحدى محليتها. ففي الناحية الأكادهية يعلق تمثي برنن على وجود 
إدورد سعيد في جامعة كوطبيا قائلا إن وجوده هو الذي جعل من جامعة كومبيا 
جامعة مميزة من بين الجامعات الأمريكيةء وجعلها تنتسب إلى عُصبة النخبة (-ر۷آ 
مائ وليس العكس. ويستشهد تمثي برنن بقصة احتجاج بعض طلبة الجامعة 
على وجود إدورد سعيد في جامعتهم إثر حادثة بوابة فاطمة وإلقاء حجر من 
خلف السور الفاصل بين إسرائيل وحدود جنوب لبنان مناسبة الاحتفال بالنصر 
(والقصة أخذت أبعادها في الصحافة العامية). اجتمع رئيس الجامعة بالطلبة 
اطمحتجين وأخبرهم بداية بأنه م يكن في برنامجه الاجتماع بهم لأمر سخيف كالذي 
حاولوا التعبير عنه» لكنه أراد أن يذكرهم أن الامتيازات التي يتمتعون بها بعد 
تخرجهم في جامعة كوم بيا تعود ف أصلها إلى وجود ما ادعوا تسمیته زورا وبهتانا 


14 


تقدیم 
ب «أستاذ الإرهاب» إلى إدورد سعيد» أستاذ جامعة كوطبيا وأمثاله. أي أن سمعة 
الجامعة وشهرتها لا تأتيان من فراغء بل من العاملين فيها الذين يعطونها من 
تميزهم ما يجعلها تكتسب هذه السمعة وتلك الشهرة. وهذا ما يعنيه تمثي برنن 
بلغته المجازية أن أمريكا حضرت إلى إدورد سعيد وليس العكس. 
مثل هذا الموقف من إدورد سعيد يردده عديد من رجالات الفكر البارزين في 
الغرب بشكل خاص. هذا هو تون جودت يخص إدورد سعيد ف كتابه: «إضاءات: 
تأملات حول ما فات استذكاره في القرن العشرين» (2008)» مقالة تحت عنوان 
«إدورد سعيد: الشخصية العاممية التي اقتلعت من جذaرlk« Edward Said: 1he‏ 
.Rootless Cosmopolitan‏ هكذا تدا المقالة في فقرتها الأولى: 
«عندما توفي إدورد سعيد في سبتمبر 2003 بعد صراع مع اللوكيميا 
دام عقدا من الزمن» كان رماء أشهر مفكر عرفه العام؛ ف «الاستشراق» 
وهو أكثر أعماله جدلاء حوّل استحواذ فكر الغرب وأدبه على الشرقء 
الذي شيد في حد ذاته فرعا من فروع المعرفة الأكادهية. وعلى الرغم 
من مرور ما يقرب من ربع قرن على ظهوره [الاستشراق] فإنه مازال 
يثير الحنق والاحترام وا محاكاة... ولو مم يقم مؤلف «الاستشراق» بأي 
شيء آخرء فإن عمله التدريسي» حصراء بجامعة كومبيا في نيويورك منذ 
أن تعين فيها في العام 1963 إلى حين مماتهء سيجعل منه أكثر شخصيات 
الفكر تأثيرا في أواخر القرن العشرين». 
ويستطرد جودت بعد ذلك قائلا: «إن إنجازات إدورد سعيد تعدت «الاستشراق» 
ومهنة التعليم في جامعة كوطبيا». 
وما پوجزه جودت هنا يفصله تمثي برنن في السيرة؛ إذ إنه يتناول كل عمل من 
أعمال إدورد سعيد بالتحليل والتدقيق والتمحيص ليخلص في النهاية إلى إخراج 
المشهد الثقافي في أمريكا من مخيلته إلى سياق الثقافة العاممية ssء«ذافاإمس»‏ وذلك 
من خلال ركيزة الأدب المقارن في جامعة كومبيا التي شكلت متكا رئيسا لبنية 
الطباق التي سار على نهجها؛ فالأدب المقارن يؤول في النهايةء كما يلاحظ إدورد 
سعيد نفسه» إلى الدهوقراطية بسبب مكوناته التعددية التي تتفوق على أدبيات 


الأدب ال محلي الأحاديةء وما فيها من سياقات متعددة؛ إذ يعتقد إدورد سعيد 


15 


إدورد سعيد 


أن امعنى ق الأدب وامموسيقى مثلاء لا يتكون من مجرد ما تقدمه اللغة مباشرة 
من تعبير ينحصر ف قواعد اللغة ومخرجاتها من تدريبات لغوية ترتبط بالأعراق 
التراثية «٥١‏ «هء بل بالسياقات اممختلفة التي تظل مختفية حول اممعنى الظاهري. 
ولتوضيح أهمية السياق في ال معنى الكاي للعمل الأدبي؛ يقدم إدورد سعيد في كتابه 
«الثقافة والإمبريالية» قراءة غير مسبوقة لرواية «مانسفيد بارك« Mansfield‏ 
)۲ه للروائية جين أوستن؛ إذ يشير إلى أن الإصلاحات التي قدمتها شخصية الرواية 
للنهوض متنزه مانسفيلد بارك تعود إلى ما جمعته الشخصية من مال من مستعمرة 
بريطانية؛ معنى أن الرواية لا بد أن تأخذ في الحسبان السياق الاستعماري ممشروع 
التمويل» حتى لو كان البُعد الاستعماري بعيدا عن مقصد الرواية والروائية ف الأصل. 
والتوضيح الآخر من عام الموسيقى» إذ يقدم إدورد سعيد قراءة غير مسبوقة لأوبرا 
عايدة ملاحظا أن قراءة الأوبرا المذكورة لا بد أن تشمل سياقها الاستعماري من دون 
ا لمساس بقيمتها الجمالية الموسيقيةء فلا خلاف على فيردي ولا على موسيقى الأوبرا 
في حد ذاتهاء ولا على إخراجهاء بل على إهداء عرضها إلى مكان يقع تحت الاستعمار 
مما يجعلها احتفالا استعماريا بامتياز. وقد أشار تمي إلى عبارة مفصلية ف التعامل 
مع إنجازات إدورد سعيد تعد بوصلة في قراءة أبعاده الفكرية وهي الجغرافيا 
ihklتخluة .imaginative geography‏ 

وعندما نتأمل كتاب «الثقافة والإمبريالية» نتبين أن إدورد سعيد وضع 
منذ البداية «الجغرافيا امتخيلة» مظلة للخطاب الاستعماري. إن الاقتباس 
الذي يقتطفه إدورد سعيد من «قلب الظلام»» ويضعه في صفحة مستقلة في 
بداية كتابه بوصفه إضاءة لاستراتيجية معقدةء يكشف لنا عن أهمية الجغرافا 
بوصفها فضاء بَلْج منه الاستعمار. فالاقتباس الذي يبدا ب «إن الاستيلاء على 
الأرض» طاإجء »the conquest of ike‏ يعني أن الفتوحات الاستعمارية لا تبدو 
أمرا سارا عند تأملها. لكن ما يشفع لهاء كما مضي كونراد في القول» هو الفكرة 
التي تكمن وراءها والتي هي آشبه بتمثال نقيمه [نحن المستعمرون] ثم ننحني 
له [بإجلال]. في ضوء هذا الاقتباس هكننا أن نشتق وصفا للاستعمار ومراحله 
كما يرد في تمثيل إدورد سعيد وتطبيقاته ضمن كتابه «الثقافة والإمبريالية»؛ 
وهو آن الاستعمار يبدأ بتخيل جغرافيا استيطانية خارجة عن حدود الزمان 


16 


تقدیم 


والمكان» وعندما تصبح هذه الجغرافيا امتخيلة لسبب أو لآخر واقعا محسوساء 
يدرك صاحبها المستعمر أن واقع تلك الجغرافيا المتخيلة غير منطقي وغير 
مقنع» بل وغیر سار» على الرغم من تشبثه ها يرد قي المقتبس اممذكور. يبادر 
حينئذ بفكرة متخيلة تدعمه ليحافظ على استمرار هيمنته التي طاطما رغب في 
تحقيقها على أرض المحسوسء» أرض الغير. والفكرة كما هو معروف» هي تفوق 
الرجل الأبيض الذي اعتقد أن الله منحه حق الوصاية على أرض غيره» أي أن 
هذه الوصاية أضحت عبتا لا بد من تحمله؛ معنى أن الاستعمار أضحى فكرة 
متجددة خارج المكان والزمان. هذا ما جعل إدورد سعيد يحث على إقصاء 
السابقة «ما بعد» (-1ءهم) التي تشكل جزءا من دراسات ما بعد الاستعمارء 
الحقل الذي حمل إدورد سعيد نفسّه الريادة في تقدهه والتعريف به» وذلك 
كي لا نظن أن الاستعمار قد وضع أوزاره وانتهى» وأننا في دراساتنا للموضوع 
نعود إلى الماضي كما هكن أن تحدد لنا السابقة «ما بعد» (-اءمم)» معنى أن 
الاستعمار في أصله استيطاني» أو لنقل استيطاني إمبريالي في کل زمان ومکان» هو 
فعل حول صاحبه فكرة وهمية متخيلة إلى واقع محسوس من خلال الاستيلاء 
على جغرافية الغير لاحقاء التي كانت جغرافية وهمية سابقا. 
KKK‏ 

ألقى إدورد سعيد محاضرة بجامعة أكسفورد في العام 1983 بعنوان «إسرائيل 
تجتاح لبنان» بين فيها ما خفي على العام من وراء غزوها لبنان وهو تصدير أزمتها 
الداخلية المزمنة بوصفها نموذجا يتكرر بين الحين والآخر» ومن نثمة يُشتت انتباه 
البشرية ويْبَْدٌ عن الاعتقاد بأن إسرائيل تقوم على أرض ليست أرضها. مثل هذا 
النموذج هو الذي جعل العديد من آفراد الصفوة اليهودية يغادرون إسرائيل بعد 
هجرتهم إليها عندما اكتشفوا أن إسرائيل تتعدى في أجندتها «الجغرافيا الوهمية» 
إلى غزو جبرانهاء ومن الأمثلة على ذلك ناعوم تشومسكي الذي قال لي شخصيا في 
مقابلة أجريتها معه ونشرت ف ال مجلة الثقافية إنه هجر الإقامة ف الكيبوتس في 
إسرائيل عندما أدرك عن قرب انزلاق إسرائيل» على حد قوله» إلى السياسة العدوانية. 
وهذا ما فعله دانیال بارنباوم» عازف بیانو شهیر وصدیق دورد سعید. فهو م یکتف 
بالج فن اا غ ا ات جا ا ار و 


17 


إدورد سعيد 


والتفرقة العنصرية التي تنتهجهاء وذلك كما يظهر في فيديو ناسبة الذكرى الأولى 
لرحيل إدورد سعيد. كذلك فعل توني جودت وآفي شلایم وغیرهما. 

وفي هذا السياق» نستذكر ما قاله جودت في مقالة ظهرت في المؤلف نفسه 
المذكور أعلاهء وهو أن اليهود الذين هاجروا من أوروبا إلى فلسطين مم يهجروا 
آوروبا» بل جعلوها تهاجر معهم؛ معنى آن وجودهم ف ٳسرائيل هو نوع من 
الهجرة الأوروبية إلى رض الغير. أما آفي شلايم؛ آحد اممؤرخين الإسرائيليين الجدد 
الذي هجر إسرائيل إلى بريطانيا والذي يقيم حاليا في أكسفورد بوصفه أستاذا 
في العلاقات الدوليةء فقد علق في إحدى المناسبات على إقدام إسرائيل على 
هدم بيوت الفلسطينيين بحجة أن أصحابها م يحصلوا على رخصة بناء مسبقا. 
يقول شلايم في هذا العدد إن إسرائيل نسيت أو تناست آن بيوتها غير مرخصة 
أصلا. وعلق على تصريح نتنياهو على التلفاز: «هذه أرضنا» بالقول: عليك أن 
تبز «الطابو». 

يروى آن لجنة نوبل للسلام استبعدت ترشيح شاعر إسرائيل الكبير آميكاي 
للحصول على جائزتها لأنه قال شعره على أرض الغيرء وينسجم هذا ال موقف مع 
رؤية إدورد سعيد لأوبرا عايدة. كذلك كن أن ينسحب هذا على الأدب العبري. 
فروايات عاموس أوزء على سبيل اممثال» والتي تمجد جهود أبطالها في تحويل الأرض 
الجدباء إلى أرض خضراء مقاربة بأرض الغير ا مجاورة يجب ألا تتوقف قراءتها عزد 
ما فیها من جماليات» إن وجدت آصلاء بل لا بد آن تشمل عنصر إقامتها على رض 
ليست أرضهاء كما هي الحال في قراءة رواية جين أوستن وأوبرا عايدة. 

kd 

وعودة إلى السيرة الثقافية لإدورد سعيد. أود أن أكرر ما ذكرته سابقاء وهو 
أن هذه الأسطر لن تفي المؤلف تشي حقه» لكني أود أن أضيف أيضا ملاحظات 
عامة أخرى؛ فهذه الأسطر أولاء وقبل كل شيء» لقت الضوء على سيرة إدورد سعيد 
«خارج المكان» وأضاءت كثيرا من الأماكن التي كانت بحاجة إلى مزيد من التأويل. 
وف الوقت نفسه» فإنها ملأت الفراغ الذي كان إدورد سعيد ينوي ملءه بكتابة جزء 
ثان من السيرةء وكأن تمثي برنن أخذ على عاتقه أن يشارك صاحب السيرة في كتابة 
ما عالت الظروف دون اجان عدا قان غان ق الكاة 


18 


تقدیم 


ولا يفوتني عند الحديث عن إنجاز هذا العمل المميز الذي اضطلع به تمثي 
برننء والذي سيحظى بعروض في وسائل الإعلام الغربية على الأقل توفيه حقه»ء آن 
أنبه إلى الخاتمة التي كتبها تمي بلغة قصيدة النثر! 

اختار سعيد آلا بُدفن ف فلسطين؛ فالعواطف هناك تستمر فی تهدید وجوده 
داخل قبره؛ إذ اقترح آقرباء مريم أن يدفن في مقبرة صغيرة لجماعة الكويكر مغطاة 
بالأعشاب وسرب من الأشجار تقوم على تلة منحدرة في برمانا بلبنان. هناك يرقد 
شاهد بسيط من الرخام الأسود كتب عليه اسمه بالعربية والإنجليزية. ومع أن قبره 
يطل على فلسطين من ناحية الجنوب من خلال سلسلة جبال ترسو فوق بيروت 
حيث دور الشوير التي كان يطل على فلسطين من خلالها يام شبابه. حتى هذا 
المكان الذي يرقد فيه مرتاحا لیس هو مکانه تماما. 

أين مكانه إذن؟ هذا ما يفسر لنا معنى كلمات العنوان الذي وضعه 
تمثي بالإنجليزية وأبدع في ذلك الوصف: أماكن الفكر: حياة لإدورد سعيد 
.Places of Mind: A Life of Edward Said‏ 


19 


إذوزد سعيد 


20 


كلمه الملرجم 


هذا الكتاب يدين بالكثير للصديق العزيز 
مخ قان موا اک مه لاف 
في أثناء كتابته أو ما قدّمه للمترجم ف أثناء 
ترجمته؛ ولذلك فإنني أضيف إلى تنويه 
المؤلف بفضله تنويه المترجم بهذا الفضل. 

في الترجمة نفسها سيلاحظ القارئ حرص 
ا مترجم على الدقة في لفظ الأسماء وا لمصطلحات» 
وذلك باستعمال الأحرف الجديدة التي أضافتها 
المطابع العربية العصرية» وهي الأحرف «پ» 
«چ» «غ» «ف» التي تقابل ۲ .°84 6 ۷۰ 
على التوالي» وقد كان بوذي استخدام الغين 
ا مثلثة ولکن حاسوبي م يساعدني فاضطررت 
إلى استخدام الغين العادية مقابل ال G‏ كما 
تلفظ في كلمة مثل مع أو عاط ولجأت في 
حالات قليلة إلى استخدام الحرف الفارسي «گ» 
لتمثيل هذا الصوت. 


21 


إدورد سعيد 


والشيء الثاني الذي أريد الإشارة إليه هو استخدام الحركات العربية (الفتحة 
والكسرة والضمة) لتمثيل أحرف العلة القصيرة ف الأنماء والكلمات الأجنبية 
فکتبت إِذْوَرّد ولیس إدوارد» وریغن ولیس ریغانء وتثي بُرتن وليس تيموڻي 
برينان؛ وذلك لأن الحركات تمثل اللفظ الأصخء ولأنها جزء ۷ يتجراً من نظام 
الكتابة العربية. ولا بد لي في هذا الصدد من أن أشكر ال مؤلف نفسّه على تكزمه 
بتوضيح كيفية لفظ بعض الأسماء غير المألوفة لي باستعمال الرموز الصوتية 
أحيانا وامقاطع الممتناظرة من كلمات مختلفة للإيضاح» لأن تهجئة الأسماء باللغة 
الإنگليزية لا تخضع لقواعد منطقية في كثير من الأحيان. 

ما الإخراج النهاني ممخطوطة الكتاب باللغة العربية فيدين بالفضل الأكبر 
لحفيدت المبدعة هديل حمُو التي بذلت جهدا كبيرا لتقديم المخطوطة بأفضل 
صورة ممكنة. 


محمد عصفور 


22 


جعل سعيد العلومَ الإنسانية علومًا 
لا هكن تجاهلهاء وعلومًا مقلقة أكثر 
لقادة الرأي في کل من أمريكا وأوروبا 
والشرق الأوسط 


يبقی إدوَرّد و. سعيد بعد وفاته في العام 
3 بوقت طویل شريكا في أحاديث خيالية. 
ويكاد الذين عرفوه يفتقدون تلك الأحاديث 
بقدر ما يفتقدونه هو؛ بعینيه اللتين تفيضان 
عاطفة ولهيباء عيني رجل واسع الأفق» حاضر 
البديهة» يثير الشعور بقدر من الرهبة» ولكنه 
کثرا ما یکون ا 

كنت قد وجدت نفسي في جامعة مدراس 
في جنوب الهند في ديسمبر من السنة التي 
توفي فیهاء وکان سرطان الدم قد ټهکن منه منذ 
أشهر قبل ذلك فقط. أما وقد غاب عنا فقد 
أخذت كلمات التأبين تتری. وعندما دعت إلى 
الحديث عن أعماله في بلد بعيد عن مسكنه في 
نيويورك توقعت أن أجد نفسي في قاعة صغيرة 
للندوات الدراسيةء ولكنني أخذتُ إلى مكتب 


رئيس الجامعة لشرب الشايء ووجدت أحد 


23 


إدورد سعيد 


مسؤول القنصلية الأمريكية معهء وكان كلاهما على معرفة مدهشة بكتاباته» ومن 
ثم إلى قاعة محاضرات تبلغ مساحتها مساحة قاعة رياضية في مدرسة ثانوية. كانت 
المقاعد زاهية بألوان المدرسة» والقاعة غاصة بالحركة الدائبة. 

کانت ابمقاعد کلھا مشغولة» وكان كثيرون واقفين على امتداد الجدران والنوافذ: 
من الطلبةء ومن أفراد المجتمع» ومن الزوار من بلاد أخرى. وبدا أنهم جميعا راغبون 
في الحصول على شيء له صلة بالرجل. وقد ذكرت الروائية المصرية أهداف سويف 
أن الشباب كانوا يقتربون من سعيد لا لثيء إلا لكي يلمسوه". وقبل أن أصل 
إلى اطمنصّة» وقف صفان من الطابة الجالسين على المقاعد الخلفية فجأة (وكانت 
حرکتهم هذه مخططا لها فيما يبدو). وأخذوا ينشدون مقطعا من كتاب «ابمعذبون 
ف lلأرض« Wretched of the Earth‏ لفرا اتس فانن «Frantz Fanon‏ کأنهم کانوا 
في اجتماع سياسي حاشد. 

كان ضجيج امناسبة لا يتماشى مع الاستقبال امتباين الذي لقيه سعيد على 
مر السنين» والتمرد في تلك ال مناسبةء الذي بدا أنه يعبر عن شعور العام الثالثء 
كان بعيدا إلى حدٌ ما عن مواقف سعيد المتقلبة وعواطفه الموزعة. ففي العقد 
السابق» ف الواقع» كان سعيد قد هدد بالاختفاء «ف الصفحات الأولى» (كما قال 
الكاتب الأيرلندي فرد هالیدي yههنا1ه۲1‏ ۴۲۵۵ عن الروا سلمان رشدي ۸هصاه؟ 
)Rushdie‏ بعد ن اس أيقونةء على رغم أن هذا التهديد يتناف مع تواضعه الذي 
غرف به» ومع طبيعته الساعية إلى اللاآمان كما عَهدَ نفسَّه على الدوام. 

لكن بدا أن حرارة المناسبة من الناحية الثائية تليق بالرجل الذي تمن من تحويل 
عراك الشوارع إلى مناقشات راقية ف قاعات ام محاضرات الأجنبية. وبوجود سعيد حصل 
الفلسطينيون على ناطق متحضر يتعمُق في الأفكار التي تلبس ال مركز ووجد من 
يدعمون إسرائيل نضابهم الخبيث وإرهابيّهم؛ ووجد دارسو الشرق عدوهم الاح 
تسليحا جيدا باممرآة التي تريهم المنظر الخلفي؛ وشكره شتات من غير البيض لحمُل 
الشعلة التي تقود بزوغ ثقافتهم ذات الأصول ابمتعدّدة. وحك اليساريون العاملون 
في الجامعات رؤوسهم متسائلين عن الكيفية التي تمکن بها شخص له آراء کآرائه من 


() يقسم الأوروبيون والأمريكيون العام إلى مركز وأطراف» وهم يضعون أنفسهم ف المركز بطبيعة الحال. [المترجم]. 


24 


الحصول على المكافآت من أصحاب السلطة. لقد أصبح من الممكن - باختصار - 
تحويل سعيد إلى سلسلة من الشعارات التي تخلو من العمق وظلال اممعاني. 

غير أنه كان من الصعب ألا ينتبه الناس إلى تأثيره الكليء فإذْوَرْد سعيدء ذلك 
الناقد الفلسطيني الأمريكي» المفكرء الناشطء يعد الآن واحدا من اهم المفكرين 
الذين غبّروا مط التفكير في نصف القرن الأخير. هذا الشاعر والمنظ الماهر في 
الإقناع والتخطيط الإستراتيجي» كان يألف الكتابة للدوريات العلمية واممجلات 
الشعبية والصحف ذات التوزيع الواسع. ولاتزال كتبه ومقالاته تقرأً ما يربو على 
ثلاثين لغة» ويحظى بالإعجاب في جميع أنحاء العام. وقد اعتلى سعيد عددا كبيرا 
من حقول التأثر. فقد عمل مديرا لأوركسترا قا هار وساردا لحكايات على التلفزيون 
القومي» وكاتبا محليا في صحف القاهرةء ومفاوضا من أجل الحقوق الفلسطينية في 
وزارة الخارجية الأمريكيةء بل كان في بعض الأحيان ممثلا في أفلام يدي دوره هو 
في القصّة. كانت سرته العلمية أشبه بالرواية إلى أن وقع ضحية للمرض الذي أصاب 
دمه طوال العقد الأخير من عمره» يضيء حياته من الخلف ما يكتبه عن اقتراب 
نهايته هو ونهاية الحضارة الإنسانية. 

ولد سعيد في العام 1935 في القدس لأب يعمل ف التجارةء وحرم هو وعائلته من 
البيت والوطن بواسطة الانتداب البريطاني في العام 8 “*“* والعمليات العسكرية التي 
تبعته. كان تلميذا لامعا وإن كان يفتقر إلى الانتظام» وكان مولعا بآلة البيانو منذ الصغرء 
وترعرع في صباه ف القاهرة. ووصل إلى الولايات اممتحدة ف العام 1951ء وهناك التحق 
فيما بعد بجامعة پرنستن ۴١۲0١‏ في المرحلة الجامعية الأولى ثم بجامعة هارفرد 
في مرحلة الدكتوراهء قبل الالتحاق بهيئة التدريس في جامعة كومبيا في العام 1963ء 
حيث بقي معظم بقية حياته. وبحلول العام 1975 كانت سيرته المهنية في طريقها إلى 
الأسطوريةء إذ أخذت تنهال عليه الجوائز من العام الأكادهي على شكل محاضرات 
مدعومة» وشهادات فخريةء بعد أن افتتح حقولا للبحث غيّرت ملامح الحياة الجامعية. 

م يقتصر نشاطه السياسي على تأليف الكتب. لرها كانت الكتابة هي الجانب 
الأبرز من هذا النشاط غير أن سعيد كان أيضا ذا مهارات عالية ف التخطيط 


(#) هكذا يقول امؤلف» وهو خط تاريخي واضح. [امترجم]. 


25 


إدورد سعيد 

السياسي» وأخذ يدعو إلى اتخاذ مواقف سياسية مم تكن تحظى بالشعبية في البداية 
ولکنها صارت تتبع فيما بعد من جانب حركات تمارس عملها على الأرض. وأقام 
تحالفات غير متوقعةء وحجز أمكنة مؤسساتية جدیدة وأقلق الديبلوماسيينء وقدم 
المشورة لأعضاء الكونغرس» وصار ناقدا قاسيا مؤسسات الأخبار الأمريكية» وشخصية 
بارزة في مجال وسائل الإعلام. وما أكثر ما أربك أعضاء الفرق الاستشارية المرّة 
تلو الأخرى في برامج الأخبار المسائية في أثناء كم ريغن وبُّش» وهو حُكم مم 
يكن يرحب به» وجعل الجامعة مكانا أكثر إثارة وصار أساتذة الجامعات جزءا من 
الحوار الحيوي الدائرء وعمل أكثر من أي شخص آخر على نقل العلوم الإنسانية من 
الجامعة إلى مركز الخريطة السياسية. 

م يقتصر الأمر على أنه تمن إلى جانب نوم Noam Chomsky Jwagg‏ 
وعدد قليل آخر» من تمزيق الختم «سرّيٰ» من القصة الرئيسة التي مكانها صفحة 
الغلاف» بل فعل ذلك بشخصيَّة اتسمت بنفاد الصبر وبأنها تعاني وجودها في 
موقف الضعف.» بإظهار الغضب مرَّة والرومانسية مرّة أخرى» وجعل القضايا 
المكثفة الصعبة أحيانا مصدرا للفكاهة. وقد فتح الأبواب للآخرين باحتلاله 
مانا بارزا على مسرح الأحداث مواقف كانت قبل سنوات قليلة مضت بعيدة 
المنال. وقد عبر الباحث الإيراني حامد دباشي نطوةطاة2 4نصة عن ذلك بقوله: 
«المحارب الجبّارء صلاخ دين حُجَجنا ضدٌ خصومنا اممجانين» مصدرٌ حكمتنا في 
غفا اا ههان ف ا وة جام فعا ان رومع ادا 
عن إسرائيل أن يتجاهلوا القضية الفلسطينية تجاهلا تاماء ولكنه بعد عقد من 
الزمان كان قد ابتكر مفردات جديدةء وقاثمة جديدة بأسماء الأبطال. وجعل 
مفرده تقريبا الموقف الصهيوني موقفا يخلو من القداسةء وصار انتقاده محترماء 
بل صار موقفا ذا شعبية لدى بعض الدوائر. 

غير أن الأنشطة الروتينية في الحياة الجامعية م ترق لسعيد في كل الحالات على 
رغم أنه طبعها بطابعه. فبصفته تذكررا بنمط سابق من شخصية ا مفكر - الواسع 
الاطاتع والراشب ف معركة ما لا عرق = بشعر بالاتمذاب إل «الوضات: 
الأكادهية مثل الخيال العلمي الذي يصور المجتمعات التي تسيطر عليها 
الحواسيب kصسمإءمر‏ أو نظرية الأثر رإهءط1 ءاه أو ما بعد الإنسانية 


26 


.Posthumanism‏ بل کان قرب إلى أن يكون الممترجم اممعنيّ بالقديم» والعام 
والحسن» وهو ما عبر عنه بهذه الكلمات بالذات. 

وعلى الرغم من كل ما كتبه عن النفي والمنفى فإنه كان رجلا عميق الجذور - 
هو في فلسطين في خياله» وي نيويورك فعليّاء متيّما دانما «بإيقاعاتها المضطربة ذات 
الحيوية الدافقة التي لا تستقرء بل تقاوم» وتلتهم الآخرين». وقد عاش فيها أطول 
فترات حياته» وم يتركها على رغم الفرص الكثيرة التي أتيحت له لتركها”. المكان 
ومکان الفکر کا لذلت عا طرق تقيض عند ولان گان مو وچومسی وة آرنٹ 
Hannah Arendt‏ وسوزان سونتاغ Susan Sontag‏ أشهر اشکريڻ المعروفين لن 
الجمهور الأمريكي في فترة ما بعد الحرب» فقد كان الوحيد من بينهم الذي كسب 
قوت يومه من تدريس الأدب. 

كانت تلك الحقيقة تسعده فالأدب في فكره ليس مجرّد مهنة يحبهاء بل 
هو الأساس الذي تقوم عليه أفكاره السياسية والسرٌ الكامن وراء حب الناس له. 
وقد استلهم مصادر غير معتادة تشمل النصوص الموسيقية والمخطوطات العربية 
القروسطية» مثلما استلهم كتابات المحللين الصحافيين البريطانيين والشعراء 
الباكستانيين الاشتراكيين. فتمكن من وضع الإنسانيّات في مركز الحياة العامة وعمل 
على إحياء الاهتمام ب «الكتب العظيمة» بالحماس الذي يآتي مع الحرب والثورة 
ا ا وا ك ف اه هو اعام اکن اک مها ن ن وة 
للقضية الفلسطينية» وليس هنالك في القرن العشرين مَن تقدّم بحجّة أقوى مما 
قذّمه هو عن أن الخلافات على معنى النصوص الدنيويةء وليس الدينية فقط تؤثر 
في مصائر الحقوق والأوطان. 

KKK 

إن الذين عرفوا إِذوَرْد سعيد من قراءة كتبه فقط مم یروا کل ما فيه: م يروا 
صبيانيته بلا شك» مثلما م يروا ولاءه العميق لأصدقائه» وتسامح هؤلاء مع قدر 
ي السلوك السيئ: الاعتداد بالنفس» والنزق الذي يظهر أحياناء والحاجة امستمرة 
إلى الحبٌ والدعم المعنوي. وقد رأى فيه حتى بعض المعجبين به» كامؤرّخ توني 
جوذت الس[ مثلاء شخصا هو بالدرجة الأولى غاضب» على رغم أن تلك النظرة 
تجاهلت اللطف الذي رآه فيه کثيرون منا عندما کان يتبادل الحديث مع سائق 


27 


إدورد سعيد 


التاكسي» أو عندما كان يجلس مستغرقا في مشاهدة رجال الشرطة الذين ينتمون إلى 
الطبقة العاملة ف برنامج «القانون والنظام» إملإ0 »& سه1 ويتميّزون بالصلابة 
والواقعية. وقد قال صديق له منذ عهد الطفولة زاره في شقته في وقت متأخُر من 
حياته إن أعداءه لو كان بإمكانهم أن يروه باللطف الذي أبداه ا وهو 
يقدّم لها الشاي ما نبذوه بوصفه رجلا عنيدا يحب الجدال“. 

التحقتٌ بكليّة الدراسات العليا في جامعة كوممبيا في العام 1980ء ومم أكن أعرف 
الكثير عن سعيد وسمعته الممتنامية. وعندما ذهبت مقابلته في مكتبه على آمل 
القبول في الندوة الدراسية التي تتعلق با ماركسية البريطانية في فترة ما بعد الحرب 
م يوبٌخني على جرآي» بل بدا أنه يستمتع بالتعامل مع شخص م يتعلم بعد كيف 
يبدي الاحترام المعهود» وقال لي فيما بعد آي بعد أن تقدڏمت مشروع بحٿي عن 
الثورة الثقافية للحصول على زمالة داخلية: «يا عزيزي» هذا عصر ريغن. لا مكنك 
أن تضع الأمور على هذا النحو». وما كنت قد جئت إلى كلية الدراسات العليا بعد 
أن قضيت ثلاث سنوات من التنظيم السياسي في ال مجتمعات السوداء واللاتينية فقد 
سررت وفوجئتٌ قليلا لأنه كان يشجُعني على رواية القصص عن حياة «الشارع». 
ومن المفارقات أن هذا الرجل القادم من عام المدارس التحضيريةء وا منسجم تام 
الانسجام مع ذلك العام على نحو مم يرق لي» قد أصبح ملجئي العقلي من الاستعلاء 
الط افاس ارق كاي و اة ف ركت كه اة ف 
البرنامج» رأيته يسير في طريق الكلية بعد أن نشرت مقالة افتتاحية في جريدة الكلية 
عن رونلد ریغان بعنوان «تکويj‏ |k|جرۃ« .The Making of a Criminal‏ iegدle‏ 
التقت عينه بعيني ابتسم ابتسامة تآمرية ومرٌ بي من دون أن ينطق كلمة رافعا 
قبضة يده إلى الأعاى. 

وقد وجدنا نفسینا في يوم من الأيام بعيد صدور كتابه «العال والنص» والناقد» 
he World, the Text, and the Critic‏ ضف العام 1983 نسیر باتجاه مكتبة بتلر 
ayاibا Butler‏ عبر الحرم الجامعي. وأبديت إعجاي بالإنجاز البلاغي الذي حققه 
في ذلك الكتاب السليط. كان جوابه التقليل من قيمة ما أنجزه. وقال إن واجبنا 
هو قبل كل شيء أن يكون لدينا ثيء نقوله بطبيعة الحال» ولكن من المهم ألا نقع 
فريسة الرغبة الإستطيقية التي تضع الناقد في دور الفنان. كانت تلك الرغبة في تلك 


28 


الفترة تؤكد حضورها ف الدواثر النظرية. قال بلهجة تأكيدية: «أنا لست فنانا». وكان 
کلامه یتضمّن القول إن قصاری ما يطمح له الناقد هو أن يكتب ليُفهم» وهذا فيه 
من الفن ما يكفي. 

کان سعيد يعاني بعض نقاط الضعف على نحو يثير الاستغراب أحيانا. ففي 
مناسبة غداء جمعتني وإياه والروائ إلياس خوري (كان هذان المسيحيان العربيّان 
یحبّان آن پزحا بالقول إنهما «مُسلمان شرفيّان») عبر عن شعور بالأم وهو يروي 
کیف آن سوزان سونتاغ قد حنشت بوعدها آن تشارکه في مشروع يعملان عليه 
فی فرنسا بعد آن حصلت على جائزة كبيرة من إسرائيل (کان هو ونادين غوردمر 
Nadine Gordimer‏ قد رجواھا کل على حدة أن تعتذر عن عدم قبول الجائزة 
ولکنهما فشلا في مسعاهما). وها أنه کان يتساءل عما کان عليه أن يفعل فإنني 
تسرّعت واقترحت أن يغخسل يديه منها علنا. فابتسم ابتسامة خفية وحدق في عيني 
وقال: «آم تدرك أنها تعبر عن استهانتها بي؟». 

کان سعيد خليطا يصعب التنبؤ بأفعاله» وكان أصدقاؤه هازحونه أحيانا بوصفهم 
ياه بآنه مزيج من «ٳدواردو» (وهو مفکر إيطالي من عصر النهضة) و«أبو وديع» 
وهو اسم يتبع عادة الثؤار الفلسطينيين في اتخاذ أسماء مستعارة بدلا من الأسماء 
الحقيقية. ومما لا يكاد يصدّق أن سجله لدى مكتب التحقیقات الفدرالي [۴81] 
يشير إليه ب «إدوردو سعيد» ويعرف أيضا باسم إد سعيد» - كأن ذلك اممكتب كان 
تحت الانطباع السائد في العام 1979ء قبيل حرب الكونتراء بأن الإرهابي يحتمل 
أن يتخذ اسما لاتينثًا”. غير أن التهمة تبدّدت تحت الممراقبة المستمرّة. والحقيقة 
أن سجلات مكتب التحقيقات تكشف أن المکتب بحث مطرًلا في كتبه ومقالاته 
في صحيفة «نيويورك تاهز» وأن مخبري ال مكتب قد زودوا رؤساءهم في واشنطن 
ملخصات صحيحة. وف النهاية تركت تقاريرهم انطباعا مؤذّاه أن أعماله تثير 
الاهتمام («كاتب متمرس» ذو «ابتسامة جذابة وصوت ناعم» «ترجمت أعماله 
إلى ثماني لغات»)» وانتهى الأمر بأن أنتجوا عملا أشبه بعمل التلاميذ اممتردذدين*. 

وعلى الرغم من أن مزاجه يسوء عندما بُنتقد ويسارع إلى الردء فإنه يتحمَل 
المزاح أحيانا. فقد كتب له صديقه العزيز الناشط والباحث الباكستاني إقبال أحمد 
قبل أشهر من وفاته رسالة تعود إلى أبريل من العام 1999 للسخرية من الصورة 


29 


إدورد سعيد 


الرومانسية التي تحيط به. وفيما كان يشكر سعيد على مقالة كان قد كتبها عن 
الحرب التي دارت في كوسوفو للصحيفة الباكستانية سه0 (الفجر) داعبه فيها 
مداعبة لا يجرؤ عليها إلا صديق» وأنهى رسالته بلهجة المستعطف: «يا ابن فلسطينء 
يا قمرا يطل على القدس» يا نور الساميّينء يا ملجاً العام يا ظلّ الله على الأرض... 
حفنة متواضعة من التراب تقدّم لك التحيات من تحت قدميك اممجيدتين اللابستين 
ما هو غالي الثمن» ويرحب بعودتك إلى أرض القنابل والقذائف والحليب البارد 
الل ااا م ك اا وة تو صتن اخرجن اصفات هو 
الصحافي وامعلق السياسي آلکسندر کوکبرن Alexander C0ck)bur1‏ «ینزل من 
قاعدة تمثال الشهيد ليضحك على نفسه»"'. 

تذكرنا مبالغات أحمد بأساليب التقدير التي قوبل بها سعيد على مر السنين 
والاستقبال الفائق الذي اعتاد عليه في حياته. فقد كان محمد حسنين هيكلء 
الصحافي البارزء واليد اليمنى للرئيس المصري جمال عبدالناصرء قد نظر إلى صورة 
مشهورة من صور سعيد وقال: «يبدو وجهه الذي هلاه الأم النبيل شبيها بالصور 
العظيمة التي تصور آلام اطمسيح»"". ويشبه هذا النوعَ من المبالغات ما قاله الرواني 
السوداني الكبير الطبّب صالح رذا على قول صديق من أصدقائه: «إذوَرد رواية 
عظيمة وجميلة»» إذ قال صالح: «ستنمو مع الأيّام» وستكون أجمل»”'. 

ولكن إلى متى تبقى الهالة على حالها؟ لقد عامل العصر الرقمي هذا الكاتب 
الذي يكتب بقلم الحبر معاملة مدهشة في لطفها. والشابكة (الإنترنت) مملوءة 
با مواقع والمدونات ءعه!1ط وأفلام الفيديو التي تروي حياة هذا المبعوث الحديث 
من عام الأدب في نيويورك الذي لايزال يتحدث للشباب بعد وفاته على رغم أن 
مؤهلاته لا تعد بذلك. فالقديم خدم الجديد برغم مبالغات القديم في الهندام 
وبذلاته من طراز بيربيري وساعاته الرولکس» وهو م يکن قط آخر من يستعمل 
ما أنتجته ميلان» ولا استعمل المنتجات الرديئة التي عرف باستعمالها الجنتلمان 
الإنگليزي» وکان هيل إلى بذلات شركة ساقیل رو سه۸ eااذہه؟‏ آكثر من بذلات شركة 
بارنیز 84۲٣٤5‏ قي کل حال. کل صديق من أصدقائه لديه قصة واحدة على الأقل 
عن هوس سعید باملابس («هل كنك آن تتخيّل رجلا نعه انشغاله عن مراجعة 
خبّاطه؟») أو عن إلحاحه على أصدقائه في لندن لاصطحابه إلى شارع جيرمن لشراء 


30 


الأحذية وإلا «فلن مكنني أن ه بصحبتك»”'» وقد کان من رأي بعضهم أن 
انتماءه لليسار يتناقض مع ملابسه الثمينةء ولكن الحقيقة غابت عنهم» فصورته. 
ها فيها من جاكيتات التويد وكل أمور الهندام الأخرى م تمنع الناس من «تنزيل» 
صورته باستمرار من الشابكة وتعدیلها بالفوتوشوب» بحيث يبدو مرتديا تي شيرت 
الانتفاضة وأنه يشارك في مظاهرات تجري من لندن إلى لاغوس. 

وقد اعترف أعداؤه أنفسهم» من أمثال جوشوا مورافچك uaطءه[‏ 
kنطc Mura‏ بقدرة سعيد على البقاء في عام الأفكار» وعلى استمراریته بعد 
التغبرات التي تحدث مع تعاقب الأجيال. ففي كتاب «تحويل داود إلى جالوت: 
کیف تحوّل العام ضدّ إسرlڌJı« Making David into Goliath: How the‏ 
World Turned Against Israel (2014)‏ ذر المولف أن أكثر من أربعين كتابا 
كتبت عنه» وأن الجامعات ف جميع أنحاء العام تدرّس مواد مخصّصة لكتاباته» 
لكن ليس من بينها كتاب يرسم صورة كاملة لشخصيتيه العربية والأمريكية 
وهما تتحدان» أو یفسّر تداخل کتابات سعید عن فلسطین. وامموسیقی» ومفکري 
المجتمع» والأدب» ووسائل الإعلام. کل مجالاته الفكرية مهمة» لاسبّما عندما 
تربَط معاء وذلك على رغم الحقيقة القائلة إن كثيرا من قرائه يعرفون بعضها 
ويجهلون البقية. 

وعلى مستوى آخر» جعل سعيد العلوم الإنسانية علوما لا هكن تجاهلهاء 
وعلوما مقلقة أكثر لقادة الرأي في کل من أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط. فهو 
مم يقف عند حد فضح الفظائع التي ارتكبتها الإمبراطوريات الأوروبية والأمريكية. 
وهو ما یری بعضهم أنه هدفه الوحيدء بل أحيا معيارا أخلاقيًا قدها يستند إلى 
الالتزام ا تقوله الكتب في مكانها وزمانهاء وهذا هو ما كان يدعو إليه طوال حياتهء 
وهو أن ما حدث ق الماضي مم يعد فهمه خارج إمکانياتناء بل مکن استعادته من 
خلال عملية التفسير. وقد أوجد على هذا ا مسار بديلا جذابا ما يقوله القانمون على 
وسائل الإعلام ومفكرو وزارة الخارجية الذين كانوا (على عكسه) «هِجّدون الأقوياء» 
کما کان يحب أن یقول. 

وعلی رغم أنه مؤلفٌ له شعبیته (قال مره انه یکسب من کتبه ومحاضراته کار 
من راتبه)» فقد كتب سعيد عن مسائل فنية في اللسانيات» والفلسفة» والنظرية 


31 


إدورد سعيد 


الاجتماعية بثلاث لغات. ونحن كلنا على علم بالنظرة الساخرة التي تبدو ملامحها 
على الأوجه عندما تذكر كلمة «أكادهي» اما سعيدء بصفته شخصية تلفزيونية 
ومؤلفا لكتب تحقّق مبيعات استثناثية. فقد کان فخورا بکونه أکادهيّاء ودافع عن 
الجامعة ا ملجأً من السياسات الفجُّةء ومكانا للتدريب على الفكر الحرٌ الذي 
تنهض عليه. ولثن كانت كلمة اهام طءء*) تعني على النحو نفسه شيئا خارج 
ا موضوع أو شيئا غير مفهوم للصحافيين الذين يكتبون عن أولئك الذين مم ينجحوا 
في الجامعات وصاروا يكتبون عن فاشلي وادي السليكون» ويعدّونهم عباقرة 
ويفترضون أن شعراء فرمونت حكماء» فإن هذه المشاعر بعيدة كل البعد عن العام 
الذي حاول سعيد أن يوجده: فالنظريات المتعلقة باللغة والثقافة والصورة م تكن 
مشحونة با لعنى عده فقط بل كانت جميلة بحدٌ ذاتهاء وأثبت باستمرار أنها ذات 
آثار ماديّة عميقة. 

لقد تمكن سعيد بقوة شخصيته وكل شيء آخر لديه من جعل النقد الأدي 
والاجتماعي شيا يريد كل طالب مثابر من الجيل القادم أن يفعله وأن هتلكه. 
واد اظ حت ما خی شاع ن هذه الأيام عن العصر التالي للجيل الناقد (من 
فيهم من ينتمون إلى اممؤسسة الأكادهية) وكأنه انتقام النظام القائم منه ومن العام 
الذي أوجده بتلك الدرجة من الفعالية. ولكنني أشك في أن هذا الانتقام سينجح 
تماما. والسبب هو أن سعيد أبقى الروح النقدية حيّةَ ضدٌ قوى متعددة على مدى 
ثلاثة عقود بدا أنها لا تعد بالكثير» وأعطاها شكلها الأدفاً والألطف فضلا عن شكلها 
الأشد غضبا وصدقا. 


(#) التي تدل على الدفّة والإحاطة. [المترجم]. 


32 


بدا له أن تفادي الإساءة بلباقة شيء 
مناسب بالنظر إلى أن كيرا من مواقفه 
ذات طابع خلافی 


أبتاه العزين أمّاه العزيزة 

إخوتي وأخواتي في امسيح ليسوا قربي 

وهوء سلامي ووداعي» سيف وکفاح. 
من قصيدة «آن أبدو الغريب» 
للشاعر جرد مانلي هو كنز 


ولد إدورد ك سر( ٭) عصر الأول من 
مشرقة والجو لطيفا في القدس» واستقبلته 


() Gerard Manley Hopkins, “To seem stranger...”. 

(#+*) قد لا يعرف بعض القرّاء أن نظام التسمية لدى الأقوام 
الأخرى مختلف عما هو متبع لدينا؛ فالوليد قد يُعطى عددا من 
الأسماء تكون لها دلالة لدى أهل الوليد» وليس اسما واحدا كما 
نفعل نحن ف العادة. «إذوزد» هنا أعطيّ اسمين هما «إذوزد 
وليم» قبل الوصول إلى اسم أبيه «وديع» واسم العائلة «سعيد». 
ومن الواضح أن هذا تقليد لنظام التسمية في الإنگليزية. [المترجم]. 


33 


إدورد سعيد 
أغاني ا مدام بير القابلة اليهودية. وكانت هذه القابلة قد استدعيت لتوليد الابن 
البكر للعائلة بناء على اقتراح نبيهةء أخت وديع» وذلك في بيت العائلة الذي كانوا 
يسكنونه في تلك ال مدينة. وقد فتح سعيد عينيه للمرة الأولى في هذا العام الباذخ؛ 
فی بیت مدهش ببهائه ومحيطه» في حي لايزال غير مكتظ في القدس الغربية يعرف 
باسم الطالبية. تحيطه الأراضي المنبسطة والحدائق. وقد رذدت القابلة ف أثناء 
توليده بالعبرانية أحيانا وبالعربية في أحيان أخرى عبارة «يا سيّدنا نوح/ خلص روح 
من روح» - رها لأن الطفل الوليد كان أنحف من امعتادء وكان من الضروري أن 
يفحصه طبيب أطفال» وهو الدكتور غرونفلدرء وهو طبيب يهودي أماني. 

ماذا اختیر اسم «إذوزد»؟ ستکتب والدته هلدا موسی سعید Hida Musa‏ 
Said‏ ي ر مذكراتها: «لا تسألني عن السبب. كلانا أحبٌ الاسم. كان هناك 
کلام کثیر عن إذوزد» آمیر ویلز» فاخترنا اسمه» لکن إِذوَرّد کرهه عندما کبر» وکان 
يفضل اسما عربيّا»*. 

تجمُح أفراد العائلة الممتدّة حول غرفة التوليد. حيث اتخذت كل الاحتياطات 
ا لممكنة لجعل هلدا تنسى تجربتها ا مريرة وهي في التاسعة عشرة في جناح لقسم 
التو د قل سة ونصف السة ق مستشفى يوتان ماز باحدت الأجهة ف القاهرة 
ففي تلك الممناسبة أمر طبيب نمساوي مشهور - قيل إنه كان سكران آنذاك - بإعطاء 
الطامل م ااشكاةت أكثر من اللازم في أثناء الطلق» فأذى ذلك إلى أن يولد الطفل 
ميْتا. وقد سببت تلك الحادثة حزنا شديدا لكلا الأبوين ف السنوات اللاحقةء ولعلها 
تفسر شدّة تعلق أمْ إذْوَرّد بابنها الصغير. كذلك سبّبت تلك الحادثة شعورا بالأسى 
ظل يرافق ودیع أیضا. وکتبت هلدا تقول إن زوجها کان پوجعه ألا یکون قد خف 
سوی ابن واحد. «فقد ظل یحدوه الأمل أن بُرزق بابن ثان»*. وقد ذکر سعید فیما 
سآن اة آے بوجوو كانت فصل بك رها علدت افا فل م کب 
له الحياة. وقد ظلَ شعور الأبوين بالذنب يلازمهما. فقد كان وديع من الحرص 
على أن يولد بكره ولادة سليمة أنه أصرّ على استخدام آخر ما وصلته التكنولوجيا 
الطبية» وأحدث مستشفى» والطبيب الحاصل على أفضل تعليم غربي. وعندما انتهى 


(٭) جاء الاسم «سعید» بحکم زواجها من والد إذوزد سعید» وهذا تقلید آخر لنظام التسمية ف الإنگليزية. [امترجم]. 


34 


الشرنقة 


كل ذلك نهاية كارثية صمم الوالدان على أن يعتمدا على الطرق التقليدية وعلى 
الطمأنينة التي تتيحها أرض الوطن» وعلى اختيار القدس الريفية على القاهرة ذات 
الصفة العاممية؛ وهذا النمط هو الذي اتبعه الوالدان في حالة الأخت جين [٠١‏ 
وأدوا الحج للقدس ليضمنوا أن الولادة ستكون في عاصمة فلسطين. 

يبدو سعيد في القدس في الأفلام التي صورتها العائلةء والعائدة إلى عقد 
الأربعينيات - عندما كان في نحو العاشرة من العمر - كثير الحركةء ميالا إلى 
السمنة. منحني الكتفين كما أصبح في حياته فيما بعد شديد الوعي بالكاميرا. كان 
في الواقع یحتل مرکزا ما ترکز عليه العدسة في تلك الأفلام البيتية» يركض» بتسلق. 
کأنه سعيد الذي نعرفه إن أسقطنا ما صار يتّصف به من تحفُظ. وظلّ طوال عهد 
الطفولة صورة مصغرة عن الرجل الناضج, أكبر من سنه ولكنه غير ناضج في الوقت 
نفسه. وإذا ما شئنا استعمال مصطلح هذه الأيام قلنا إنه كان «مفرط النشاط». 
وبعد عدة سنوات بدا في الصور التي التقطت له في الكلية"' أنه كان قوبْا صلب 
البنية أكثر من زملاثه في الصف - رجلا بين صبية (وهي صورة ستتعدّل ف المرحلة 
الثانوية). لقد كان» إذا أخذنا بنظر الاعتبار كل الأشياء الأخرىء» كبيرا. كان حضوره 
إذا أضفنا العمق ال مخيف لشخصيته ولسانه السليط. حضورا طاغيا. وهو يدعي 
فیما بُروى من حكايات عن العائلة أنه كان «شقيًا» و«كذابا». ولکن يبدو أنه لا 
يوافقه على ذلك أي من أفراد العائلة. ففي رواياتهم عنه م يكن ثمة فيه ما يشهد 
على شخصية «الشاب الجاذ المكبوت» التي وصفها في لقاء معه عنوانه «الذوات 
والآخرون» ءإمطا0 4ه sم1۷ءS‏ ق أثناء النظر إلى صورة له وهو في سن الثالثة 
عشرة. لرا كان هر بنوبات من الاستغراق في التفكير» ولكنه كان في نظر المحيطين 
به» بصفته رجلا وصبيّاء «عاصفاء قويًا» صريحا إلى حدٌّ الوقاحةء دائم الحركةء كأنه 
ممل ق مشهد مرجي ومسایا متدرا 

كان الذكور في جيلهء إن م نقل في طبقته الاجتماعية» يحصلون على کل شي 
ویغفر لهم کل . وم تحصل قصص «شقاوة» سعيد الصبي على التقريع الذي 
اسقحقه. کان يحب اللعب مام خزانة والديه في غرفة نومهما في أثناء النهارء وكان 


(#) أي كلية فكتوريا في الإسكندرية. وهي مدرسة للبنين وليست ضمن كليات المرحلة الجامعية. [امترجم]. 


35 


إدورد سعيد 


يرمي من جوارها حبّات الجوز على أخواته وصديقاتهن» فتصرخ هؤلاء مستمتعات 
في حين يتفادين قذائفه”. وكان لا بد مع كل هذه الحركة من أن تنقلب الخزانة؛ 
فانكسرت الممرآة الأمامية وتسبب زجاجها بجرح أخته غريس 6۲4٥١‏ فوق العين 
بقليل. وكانت النتيجة أنه عوقب بالضرب بسبب سوء التصرّف هذاء لكنه صار في 
الوقت نفسه» موضوعا لقصص تروى للزوّار عنه تعبيرا عن حب أهله له. 

كانت أسرة آل سعيد تسكن في البناية الرقم 1 في شارع العزيز عثمان في الزمالكء 
في بناية فيها مصعد صمم بأسلوب الفن المعروف باسم ١ءء‏ اه الذي شاع في 
فرنسا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين» وهو أسلوب ميّز عمارات 
تلك الضاحية. وخلافا للمناطق الراقية الأخرى - كالواحة الحضرية المعروفة بالغاردن 
ستي ام مجاورة للسفارة البريطانيةء آو ضاحية اممعادي إلى الجنوب - كانت ضاحية 
الزمالك تتميّز بأنها ذات موقع مركزي ومنعزل» وهو عبارة عن جزيرة جميلة وسط 
نهر النيل» وكانت تؤذي بواسطة الجسور إلى الجيزة في وسط القاهرة والأهرامات 
إلى الغرب. وخلافا ما هي عليه في هذه الأَيّام كانت الجزيرة في الأربعينيات ممتلئة 
مساحات كبيرة من الحدائق غير المكتملة والغابات والطرق المخصّصة لركوب 
الخيل» وملاعب الغولف» وبرك السمك. أما نادي الجزيرة الشهيرء وهو أشدها بذخا 
واحتفاء بالمظاهرء فكان على مبعدة حارات قليلة. 

هذا الحلم الذي جاء به الاستعمار يشتمل على ميادين للپولو وملاعب البولنخء 
وملاعب التنس ذات الأرضية الحمراء «واممعزولة عن الفلاحين» كما وصفها سعيد 
فيما بعد» كان أيضا ميدانا طبيعيًا مارس إذوَرد فيه ركوب الخيل والدراجات في 
الملعب الخاص بهم» بعيدا عن زحمة البشرء وكان محاطا بالأوروبيين الذين كانت 
علاقتهم بهم محدودة جدا". وإذا ما موا من نادي الجزيرة كان في إمكانهم 
الذهاب إلى نادي التوفيقية للعب التنس» وإلى نادي ال معادي ممشاهدة أفلام الأطفال 
مڻJ Roy Rogers The Lone Ranger 9 Tom Mix‏ ولاسln‏ أفلام طرزان التي 
ظل سعيد يحبّها طول حياته. ففي سنوات العقد السابع من القرن التاسع عشر أعاد 
الخديو إسماعيل تصميم مدينة القاهرة على غرار ما فعله جورج يوجين هاوسمان 
Georges Eugene Haussmann‏ فی باریس. كان هناك حزام آخضر يفصل a‏ 
القروسطية ذات الأبنية الرثة بأزقتها املتوية وأحياتها الفقبرة المكتظة التي تشكل 


36 


الشرنقة 


واجهة تفصلها عن القاهرة البرجوازية”. كان إسماعيل قد سمّى الزمالك (وهي 
كلمة تركية تعني كرم العنب) ها۴ يمل «نلءه[ (حديقة النباتات)» وبالفعل 
كانت الحديقة - التي تقع عبر الشارع حيث كان آل سعيد يسكنون - تضم مجموعة 
نادرة من الأسماك الأفريقيةء وكانت حدائقها من بنات أفكار ضابط إنكليزي. 
تذكر هدى ونادياء ابنتا آل الجندي الذين كانوا يسكنون العمارة التي يسكن 
فيها آل سعيد في حي الزمالك الراقي ف القاهرةء تلك الحديقة بكل المحبَّة. وكان 
إدوزد* يتنافس ممعرفة من يتمكن من الوصول إلى القمة آولا. كان 
إذوَرّد هو الفائز باستمرار» وكان مجرد أن يصل إلى القمة حتى يأخذ بالرقص 
ويإنشاد أشد الأغاني التي تعلموها في ا مدرسة تعبيرا عن العقلية الاستعمارية: 
«أنا ملك القلعةء وأنتم حثالة البشر"*»*. وها أنه كان الذكر فإنه لعب 
دور القائد الذي يقود الصغار صعودا ونزولا على درج العمارة محدتا ضجيجا 
مزعجا ومثيرا غضب الأبوين. لكن أمه كانت تروي القصص عن سوء تصرفاته 
مع طمعة الحب في عينيها. وكان ذلك ينسجم مام الانسجام مع اللازمة التي 
تقول: «آخوکن»» وهي دعوة لهنّ ليحققن ما حقق» وليك مثله من حيث 
الأناقة والجمال. وم يقتصر ذلك على الأمُء إذ حتى معلمو الممدرسة كرروا عليهن 
اللازمة التي تقول إن إِذْوَرّد كان مثالا للتميز. كان أحيانا يظهر فجأة من خلف 
الباب ليطلق الصرخة الطرزانية التي تخرق الأذن E‏ للممثل جوني ايْسْمُلر 
Johnny Weissmuller‏ لقد کان الخ الذي يعذب أخواتهء وتعلم أن يتجشاً 
عند الحاجة ليزعج الجميع”. لقد كان ال محرّض على الألاعيب الصبيانيةء لكنه 
كان هو أيضا من يضطلع بالأفعال في حين يتفرّج الآخرون» وتقتصر مهمتهم 
على تقديم الممعونةء واممديح» والتهدئة» وعلى حضور مباريات التنس» وتقليب 
صفحات سوناتا بيتهوقن» ونقل الطير البري الذي اصطاده ق أثناء رحلات الصيد 
النادرة في الجبال المحيطة بضهور الشوير. وقد ا ي يوم من الأيّام على 
() يستعمل ا مؤلف كلمة «سعيد» باستمرار عند الإشارة إلى إذوزد. وقد يكون ذلك طبيعيًا في الكتاب» أما في العربية 
فإن دعوته باسمه الأول هي الطبيعيةء ولذلك فإن من الضروري في هذه المرحلة من السيرة أن أحافظ على الاتساق 


فأدعوه «إذوزد» حتى عندما يكون الاسم في الأصل هو «سعيد». [المترجم]. 
(kx) Tm the king of the castle, and you are the dirty rascals.‏ 


37 


إدورد سعيد 


الوقوف بجانب أخواته لأخذ صور للعائلة ف القاهرةء فرفض أن يضع ذراعه 
اليسرى على كتف الأخت التي تقف بجانبه كما فعل الباقون"'. 

لكن هذا لا يعني أن الأخوات م يحاولن إثبات وجودهن. فقد تنافسن معه 
آنذاك وفيما بعد» ولاسيّما روزي روه۸» وجين التي م تكن قريبة من إذْوَرْد مثلما 
انت زوز وكا أصبحت مله مال إل الف وة لكاب مذکرات غ 
إحدى حروب الشرق الأوسط («شتات يروت» 1990 j (Beirut Fragments.‏ نشرت 
قبل مذکراته هو. یا عقا لموس فد کن ل كل 8ة وتا ها كرا 
طول حياتهما. كانت جين هي الابنة الوسطى فافتقدت العلاقة الخاصّة التي شکلتها 
کل من أخواتها الأخريات» واتجهت باتجاه أخيها إِذْوَرْد الذي أحبّته كثيراء وهو 
من جانبه کان یتحبّب لها مخاطبتها بكلمة طنط (روبیان)". آما غریس فقد 
اشتكت بقولها: «ننتمي إلى ثقافة ذكورية». وما كانت هي الأخت الصغرى فإنها 
أخذت تشير إليه بعبارة «العم إذوزد» كلما عاد من دراسته في العطل الصيفية 
في الخارج. وعلى رغم أن غريس شاركت آختها جويس ١ءره[‏ في غرفة واحدة 
واشترکٽت جين وروزي في غرفة أخرى» فإن إِذْوَرْد استقلٌ بغرفة له وحده وتعرّز ذلك 
الظلم كلما قالت الأ صراحة إن إِذْوَرد هو ابنها المفضل. 

كان نثمة تيّاران في حياته فيما يبدو التيّار الأوّل: الانضباط. ونظام العائلة 
والدراسة» وهذه كان يفعل المطلوب منه فيها ولكنه لا يؤمن بها. والتيْار الثاني تيار 
خفيْ يجري تحت السطح هثل الفتى الممتشوق لا لقراءة الكتب فقط, بل لأن يكون 
کتابا هو نفسه” . وکان کل ما هو فني ينتمي إلى سعيد الثاني: ذوقه في القراءةق 
عشقه للموسيقىء» الإبداع الذي يعبر عنه في مذکراته بكلمة «الکذب» ڇہنطط. 
وقد وافق أصدقاؤه من عهد الطفولة على هذا الوصف: «طم يكن سعيد جزءا منا في 
يوم من الأَيّام... كان يعيش حياة منفصلة عتاء يلقى الدلال من أبويه وأقاربه على 
طريقة الناس في الشرق الأوسط»”. 
(#) لا يمكن الدفاع عن الكذب بطبيعة الحال» ولكن الفرق بين ع«نططا وعدا هو أن الأولى توحي باللعب وعدم 
الجذية في حين أن الثانية توحي بأهمية موضوع الكلام. وتتصل الأولى بكذب الأطفال والثانية بكذب الرجال في 
الأمور المهمة. كذلك فإن ربط الإبداع بالكذب شبيه ا يفعله الشعراء والروائيون في خلقهم لعا متناسق يشبه عالمنا 


الذي نعيش فيه ولكننا لا نصدّق أن له وجودا حقيقيا. نحن نقبل العام الذي يخلقه الشاعر أو الروائي مع علمنا بأنه 
مختلق» ولا نرمي الكتاب جانبا بحجة أنه «كذب». [امترجم]. 


38 


الشرنقة 


وعلى رغم أن سعيد مر بحالة تمد ضدٌ والديه فإنه تابع ما لديهما من صفات. 
كانت هلدا والدتهء امرأة اجتماعية منفتحة على الآخرين» بينما كان والده «بطبعه 
ا عن هة ورقف عا دوو ف دوعا ای ااي که غا 
على كل جملة من جمل «خارج اممكان» كان لديه «ميل صبياني إلى المرح» أخفى 
به «ميله إلى القلق المرضي»*". وقد تشابهت شخصية سعيد مع شخصية أبيه 
الذي اعتمد على نفسه بصفته مهاجرا إلى أمريكا ومؤسسا لتجارة عائلية ناجحة 
مرتين. وهنالك تلميحات لنقد يوجّه نحو الذات عندما يصور سعيد قرينه الأبوي 
الطاغي «بأنه ملك مطلق» أشبه بالشخصية الدكنزية التي تلجأ إلى الطغيان عند 
الغضب وإلى الرقة في غير تلك الحالة»”". الصدر العريض» الكتفان اممحنيتان» ا مهارة 
الرياضيةء الروح القتالية؛ كل هذه الصفات تكرر نفسها لدى الانتقال من الأب إلى 
الابنء وقد خفت حدّتها تحت تأثر المرحة عند هلدا. 

ما أخوات سعيد فقد أزعجتهن ن الصورة التي وجدنها عن آبويهن ف «خارج 
المكان»". فبدلا من الطاغية المتصلب والجاهل في الأمور العاطفية الذي عانى 
الانهيار العصبي ولجاأً إلى «الجَلد القاسي»» بدا آبوهن لهن آبا رقيقا هادئا عاملهن 
بلحي والدطه واد تحمل جن ى حف طرال اليل شا ايت بالا 
وغنى لهاء ولاعبها بالحيل السحرية. وتذكر ناديا الجندي حب وديع الخالص» وميله 
إلى تمثيل دور سانتا كلوز وارتداء زيه ف عيد ايلاد لزيارة الأطفال ف العمارة”'. 

وعلى رغم أن سعيد - «أعجوبة القاهرة» كما يناديه زملاء ا مخيم في مين 
م«نةN‏ - يصور حياته الخاصة» التي يفعّل سعيد خياله الواسع خلالهاء تصويرا 
يجعلها هروبا من متطلبات عائلة تتحرك نحو الأعلى وتتكون من أفراد يتفوقون 
على الآخرين في معدلات الإنجاز؛ فإن أعباء طفولة خلت من الراحة أو أوقات الغراغ 
يبدو نها جاءت نتيجة لدوافع داخلية أكثر مما جاءٽ نتيجة لتدخغل عائلة کان کل 
إنجاز فيها نوعا من الفشل”'. أما نوبات القلق اللياي اممتكررة وام ميل إلى العزلة 
فكانت وسيلة للحصول على فسحة لعمل ما ينبغي عمله. 

ممح أندريه شارون ١٥4ط؟ .An dre‏ وھو واحد من أصدقاء العمر وزميل 
من زملاء كلية فكتوريا في القاهرةء إلى وجود مصادر أخرى للقلق. كان للحاجة 
الدامة إلى التأييد الخارجي جانبها الدالٌ على قذّر من الفراغ الداخلي. كان 


39 


إدورد سعيد 


إذْوَرّد - وفق شارون - طالبا لامعا ذا إحساس رهيف بالنكتة. كان محط النظر 
على الدوام» وكان عاقدا للعزم طوال الفترة التي يبدي فيها عدم الاكتراث”'. 
أما نبيل (بل) مالك )اة (811) 1:اه الذي کان یعرفه منذ بدایات شبابه 
فیذکر آنه كلما اقترب من سعيد لعب کان يعتذر ويتحجّج إما بالبيانوء وإما 
بالتنس» وإما باللغة الفرنسية. ks‏ كان الأصدقاء يتجمُعون حول جورج 
کردوش Kad uc1e‏ مgإدعت‏ الممحبوب» وهو من زملاء سعید فی قکتوریاء کان 
سعيد يقف على مبعدة”. كان بإمكان جورج ومجموعة معجبيه أن يسمعوا 
الهمهمات السوداء خلف تصرفات سعيد لكنه بذل جهده لأن يشارك ف ال مرح 
كأن ذلك كان واجبا آخر» ونجح في الأغلب؛ فعلى الرغم من أنه قارئ أفضل 
منهم؛ ۾ يظنْ أحدٌ أنه دودة كتب. 

كان الأجانب من أصحاب الحسابات البنكية الكبيرة والمهارات المهنية مثل آل 
سعيد يعيشون حياة مريحة في القاهرة نحو منتصف القرن على الرغم أن من 
مکانتهم الاجتماعية تعد آدنى من بعض النواحي. ففي مدينة عرف عنها أنها منفتحة 
على ثقافات العام کان آل سعيد أقلْبّة أنغليكانية صغيرة ضمن أقلبَّة مسيحية تبلغ 
نسبتها 10 في المائة من مجموع السكان» تسيطر عليها الكنيسة اليونانية. وعلى 
الرغم من صغر حجم فئتهم فإنهم كانوا يتوقعون» ضمن الطائفة امسيحية التي 
يحابيها البريطانيونء أن يتلقوا معاملة تفضيلية. لكن ذلك م يحصل. ففي فلسطين 
نفسها في تلك السنوات «أخذ الأسقفيون العرب في فترة الانتداب يواجهون اتثهامات 
بالتعاون مع اممحتلين البريطانيين ومن ثم مع الحركة الصهيونية»*. وها أن تجارة 
الأب كانت هي اممزوّد الرئيس ملعدات ال مكاتب للجيش البريطاني امحتل ولحكومة 
الانتداب المصرية» فقد كان على أفراد العائلة أن يعملوا وقتا إضافيًا لإثبات انتمائهم 
وكونهم عربا فلسطينيين أصليين. كانوا بالنسبة إلى البريطانيين في القاهرة يُعرَفون 
باسم «الشوام»» أي القادمين من بلاد الشام» وهي منطقة تشمل سورية والأردن 
ولبنان وفلسطين تقاسمها الفرنسيون والبريطانيون بصفة محميات بعد انهيار 
الإمبراطورية العثمانية”. وأن يكون ال مرء مسيحبًا أو يهوديًا كان معناه الانتماء إلى 
قبيلة آخرى. وكما قال شارون [صديق سعيد]: «كنا نقول عن أنفسنا: «أنا سوري 


مسيحي»› آنا سوري يهودي». 


40 


الشرنقة 
غیر أن اندماج سعید کان أصعب لأنه - مثل أخواته - کان قد حصل على جواز 
سفر أمريكي منذ الولادة لأن والده كان مواطنا أمريكيا. ثم إن جنسيته الأمريكية 
كانت تعطيه وضعا ثقافيًا وليس مجرّد وضع قانوني» وذلك بسبب عادات أبيه 
الشاذّة مثل تناول عشاء من لحم الديك الرومي في عيد الشكران» وترديد الأغاني 
الأمريكية. وعندما كان في سن الرابعة عشرة أثارت جنسيته الأمريكية اهتمام زملائه 
القاهريين» وأشعرتهم «أغراضه الأمريكية» بشيء من الرهبة. هذه الهالة كانت 
لاتزال بادية للعيان في عودته من الخارج لزيارة لبيت في كل صيف في أثناء دراسته 
في امرحلة الجامعية الأولى في جامعة پرنستن. وتذكر هدى الجندي أنه في تلك الفترة 
«كان قد أصبح في نظر البقية منا التي بقيت ف البلاد ونحن نتابع دراستنا المملة 
موضوعا للرومانسية کک لأنه كان «يدرس في الخارج» وهي عبارة تكرّرت 
پو مكبوت من الرهبة»“ 
شكل «الشوام» وهم مجموعة من الكثاب» والمثقفين» ورجال الأعمالء 
والصناعيين» شريحة اجتماعية ذات علاقات داخلية وثيقة كان لها أثرها ف تشكيل 
حياة آل سعد مع أن قيمهم البروتستنتية وتجاربهم الفلسطينية الخاصة بهم 
جعلتهم أقليّة ضمن أقلّة. ولئن كانت لهم صلات أخرى مصريين خارج الدائرة 
السورية أو ببعض الأوروبيين على نطاق أضيق فإن هاتين المجموعتين ظلتا 
هامشيتين في حياتهما الاجتماعية"“. وعلى الرغم من كل الكلام الذي دار حول 
انتماء آل سعيد إلى مجتمع النخبة فإنهم فم يصلوا أعلى الطبقات في مجتمع القاهرة. 
بيد أن القاهرة كانت هي المدينة التي رسا مركب طفولته فيها. رها كانت 
القدس مركز فلسطين التاريخي» وام مكان الذي ولد وعْمُد فيه» والذي حجُت إليه 
العائلة باستمرارء والذي حصل فيه على تعليمه المدرسي المبكرء ولكنه يذكرها 
كأنها مدينة نانمة لا ترحْب به باممقارنة مع الحياة اطمدنية امثيرة ف القاهرةء وقي 
الخلفية منها قلاع القوةء وعامم من القؤّادين» والنضصًابين» والشخصيات المشبوهة 
من الذين هربوا من أوروبا وغيرها. وف العشرينيات من القرن العشرين 
كان حمس سكان القاهرة من الأجانب» واختلط الأقباط المصرتّون باليهود 
السفرديم» وباليونانيين» والإيطاليين» والفرنسيين» وأعداد لا تعرف من الروس 
البيض» والفرس» واممونتينغريين» وغيرهم من الغرباء الذين وصفهم سعيد بأنهم 


41 


إدورد سعيد 


خليط مكتظ من المتاهة الثقافية””. وما بين العام 1930 - أي قبل مولد سعيد 
ببضع سنين - والعام 1950ء وهو العام الذي غادرها فيه متجها إلى الولايات اممتحدة 
كان سكان القاهرة قد تضاعفوا. ومع مرور الوقت تحولت الزمالك التي عاش فيها 
فی طفولته إلى شيء لا يزيد كثيرا على كونه سوقا”. أما طالبية القدس بامقارنة فلم 
يكن فيها سوى بيوت آنيقة. ذات موتيفات عمرانية من الأساليب اممغربية والعربية 
التي تحيط بها الأشجار والحدائق على نحو يدل على الذوق الرفيع. 

ظلّت الأديان ا مختلفة ا متجاورة في القدس منغلقة على نفسها على رغم اختلاط 
أتباعها اليومي. وكان الجر ا مذهبي في المدينةء وهو جو يخلو من روح الدعابة 
توازيه حركة سياحة دينية روادها أناس يفتقرون إلى الأناقة من الجنسين ويبلغون 
منتصف العمرء ويتجؤّلون متذمرين على محيط كنيسة القيامة «المتهذم» سين 
الإضاءة». أما المدينتان اللتان لا تتشبثان بالانتماء إلى الطبقة الوسطى» صفد 
والناصرة» حيث وجدت والدته أصولهاء فقد فضلهما على القدس» مدينة أبيه التي 
تذکره بالوق. وفحن تح بأن اد ذكريات سعيد عن القدس تعبا عن حبّه لها 
تاق تابي اللواجب مع كل ما فيها من احترام: ضورة أبيه فح قريق لخبة الكت 
«cricket‏ lzklقة‏ على جدار مدرسة القديس جورج» التي راه أبوه إياها فا ا 
والذكريات ال مرحة عن زملائه اليهود في المدرسة عندما التحق باممدرسة في العام 
7 وهو في سن الثالثة عشرة» وصورة العائلة وهي تواجه فندق الملك داودء ها 
فيه من بهو آشوري» وقاعة استراحة حثية. وقاعة طعام فينيقية. كانت القدس أرض 
الوطن» ولكنها م تكن رض العائلة. 

علي أن شذكر أن مص كافت ف طلبعة العام التري وكانت لها قاف أدبية 
محترمة وصحف راسخة الأقدام ثَقراً في جميع أقطار الشرق الأوسط. وقد لاحظ 
أحد ا مفكرين الذين أثروا في سعيد فيما بعد أن مصر كانت «من بين أقطار الشرق 
الأدنى جميعهاء عربية وغير عربيةء هي الدولة الأولى التي تحققت فيها بنية الدولة 
الحديثة وشكلها. فقد سّبقت الإصلاحات ذات التوجه الغري» والتي جاء بها القائد 
والعسكري العظيم محمد علي» إصلاحات أتاتورك ورضا شاه بأكثر من قرن من 
الزمان»”. وكانت القاهرة آكثر من أي ا عربية أخرى هي العاصمة التي 
أرسلت عائلاتها أبناءها للدراسة الجامعية. ولكن ليس الممهم ما كانت القاهرة عليه 


42 


الشرنقة 


- أكثر العواصم العربية استعدادا لاستقبال الناس بعد بيروت - ولكن ما يهمنا 
هو الوقت الذي قضاه سعيد فيها. فقد كانت لاتزال عاصمة ساحرةء غير مزدحمة 
نسبيّا» ذات طبيعة علمانية عامميةء تنتظرها تغبرات سياسية جذرية وشيكة. كان 
سعيد محظوظا من حيث التوقيت» وم يكن ذلك للمرّة الأخيرة. 

كان الخليط المربك من الأقليّات الدينية يعكس صورة التقسيم الجذري للفضاء 
القاهري. حيث نجد السكان المسلمين الفقراء نسبيًا ممن وصفهم نجيب محفوظ 
في روايتيه «بين القصرين» و«زقاق المدق» من ناحية» والضواحي ذات التصميم 
الهندسي الراقي التي يسكنها المهاجرون الذين يتحركون نحو الأعلى من الناحية 
الأخرى. ومهما تكن نقاط الضعف عند الروائي المصري الكبيرء فإنه صور بصدق 
مسارا جسده هو نفسه؛ فتنقل في رواياته (وف حياته) بين القسم المزدحم المأهول 
بالطبقة العاملة المسلمة من مدينة «الجمالية» القدهة» إلى ضاحية العباسية 
الداخلية ذات الطراز الأوروي. 

كانت التحولات التي مرت بها قاهرة سعيد ذات طبيعة عاصفة هوجاء. فقد 
مر القطرء ما بين هروب أبيه وديع إلى الولايات اممتحدة ف أثناء الحرب العالمية 
الأولى لكي يتفادى التجنيد في الجيش العثماني إلى حين تخرج سعيد في الكلية في 
العام 1957ء بحكم عثماني أعقبته سلطنة يدعمها الاحتلال البريطاني» ثم ثورة 
لاط لحار اة عه الفافن وكات رظانا ك اكات فر مضب الأه اة 
الاستراتيجية لقناة السويس بدرجات مختلفة من العام 1882 حتى العام 954 وأٹر 
وجودها على الثقافة من كل الوجوه الممكنة؛ من تأسيس النوادي إلى المؤسسات 
التعليمية. وكان مضمار الجزيرة لسباق الخيل نشطا. وفي الخلفية من الصورة التي 
يختلها املك فاروق اتعشت تخبة رجال الأعمال الأجانب. وكان «الغواجات» 
ملكون نسبة مدهشة من رأس الال بلغت 96 ف اممائة مع بداية القرن العشرين. 

كان الشعور بالحضور الأمريكي من خلال الممدارس التبشيرية قويًا في اممجتمع 
القاهري على رغم أنه ظل هامشيًا في آخر المطاف شأنه شأن الأنغليكان الشاميينء 
إا تات أي من الطاتفعن ها هكن أن سمح بالدخول ف الشبكات اة وع 
ذلك کان ثمة تميّز ممن هو من أمريكا في السنوات التي أعقبت الحرب العامية 
الثانيةء قبل أن تبدأ الإمبراطورية الأمريكية الآخذة في التوسّع منافسة الإمبراطورية 


43 


إدورد سعيد 


البريطانية في الاحتلال الأجنبي الذي لا يشبع. وكان وديع قد هاجر إلى الولايات 
المتحدة بوصف ذلك جزءا من الحركة العربية باتجاه الغرب في عهد النهضة العربية 
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وصار جزءٌ من مانهاتن يعرف 
بسورية الصغيرة في أوائل القرن العشرين» وكسب سكانها حكما قضائيا أعطاهم 
الحق في أن يعوا قوقاسيين [أي من الجنس الأبيض] وفق القانون الأمريكي”. 
وقادهم نصرهم القضاني ذاك إلى التماهي مع كل ما يعد ممثلا للرأي العام السائدء 
ها في ذلك المشاعر العنصرية الأمريكيةء وبدت مشاعرهم الوطنية مشاعر طبيعية 
لانتمائهم إلى بلد تخلص من الحكم البريطاني. 
KK‏ 

في الزمالك» شكا سعيد من أن والديه أبعداه عن السياسة» ولكن عاممه المثالي 
داخل العائلة مهد في الواقع لأول يقظة سياسية مر بها. فهذه العلاقة العائلية 
الوثيقة مكنته من مراقبة العمل التطوعي الذي قامت به عمته نبيهة ممصلحة 
الفلسطينيين الذين لجأوا إلى مصر بعد العام 1948 وكان من بينهم أعضاء من 
عائلته الممتدّة. ولم تكن معرفته بالتاريخ كبيرة ولكن كان في وسعه أن يرى الكارثة 
الفلسطينية في الوجوه المرهقة لزؤار العائلة”“. ووجد فيما بعد شيئا رمزيًا في 
توافق عيد ميلاده مع تاريخ إعلان وعد بلفورء وهو الإعلان الذي أصدرته الحكومة 
البريطانية ودعمت فيه إقامة وطن قومي لليهود في المنطقة. ولكن مستقبله م يتأثر 
بحرص آهله عليه بقدر ما ثرت فيه الثرثرة العائلية وسخافات الكتب الهزلة9. 

تخلص أوّل ما تخلص من هذه الرتابة في فترات مكوثه الصيفية الطويلة 
في ضهور الشوير. وف منتصف العقد الثاني من حياته صادف الأفكار الجاذّة 
للمرّة الأولى على يدي منير نضّارء وهو جار يكبره قليلاء وهو ابن أحد كبار 
المسؤولين في شركة تأمين مقرّها ف لندن. فقد أعاره منير وإخوته الذين يكبرونه 
ستاء وكانوا جزءا من الحياة الفكرية ف الجامعة الأمريكية في بيروت الواقعة 
أسفل الجبال نزولا من مسكنهم - أعاروه بعض كتبهم وناقشوا كانت وهيغل 
وأفلاطون» الذين كان يسمع أسماءهم للمرّة الأولى”. كان صبيًا على أعتاب 
شباب يتحدّثون بحماس عن آفکار م يسمع بها من قبل: «محمد علي» بوناپارت» 
اهال باشاء ثورة عرابي» حادثة دنشواي». 


44 


الشرنقة 


ولكن إلى جانب هذه اللقاءات كان التحرر من الحماية الشديدة التي تمارسها الأم 
يأ عن طريق الاستمتاع بالبيانو في خلوته. وهناك كان يسمح للبنات أحيانا «بكرم 
يليق باللوردات» باستراق النظر إلى الغرفة» وفي مرات نادرة يعطيهن الحق في تخطي 
عتبة المكان المقدّس ليحبسن أنفاسهن على كتبهء ولاسيما على البيانوء أهم ممتلكاته. 
الذي كان يلجأ إليه ليعزف على مدى ساعات". وقد يكون من اممغري أن نحسب أن 
البيانو كان وسيلة للانعزال عن بقية أفراد العائلةء ولكنه كان في الواقع وسيلة للانتماء. 
فالأطفال الخمسة ظلوا جميعهم يعزفون مدةٌ طويلة بعد انتهاء الدروس المطلوبة في 
مرحلة الطفولة. أصبحت الموسيقى إلى جانب القراءة هي المصدر الرئيس لانضباطه 
الفكري والخياليء وأول «نظرية» يستقصيها قبل أن تدخل الفلسفة في مرمى نظره. 

كانت الكتب الأول التي درسها بحق» إلى جانب تدريباته المستمرّة على البيانو 
تتعلق بتاریخ عرض الأوپرات وسر حیاة ف الموجودة في کتاب ئغbاbاە»‏ 
Opera Book‏ eteا€0mpP.‏ ما فيه من ملخصضات للأوپڀرات من مونتيقيردي 
Monteverdi‏ إل ياناچك ekءaصه[‏ وفيه مختارات مقاطع توضيحية من النص 
الموسيقي. كان قد بدأ تعلم العزف على البيانو في سن السادسة» ثم صار يأخذ 
الموضوع بجدّية في سن العاشرة والنصف. وعندما بلغ الخامسة عشرة كان 
بإمكانه شراء أسطواناته الخاصة به وفق ذوقه. وقي سن الحادية عشرة أخذ يحضر 
العروض التي تقدّمها دار الأوپرا الخديوية التي كانت صورة مصغرة من دار 
الأوپرا التي صممها غارنيیه #۲ندعه في باريس. كانت تلك الدار قد خلدت آوپرا 
عايدة في عرضها الأول وهي الأوپرا التي كتب عنها فيما بعد بحثه ال مثير للجدل. 
وقد ذكر بوضوح تام موسم الأغاني الإيطالية الذي حضره في أواخر الأربعينيات؛ 
وهذا أمر يثير الاهتمام لأنه أخذ يحتقر الأوپرا الإيطالية في مرحلة لاحقة من 
حیاته. وکان قد وجد ف الأو پر بصفته مشاهدا من داخل الحياة القاهرية ومن 
فوقهاء «طمحة من العام الجنسي الذي كانت لغاته المفهومة وحبكاته العنيفة 
وعواطفه الطليقة» شديدة الإثارة”°. 

صحيح أن سعيد وصل بهذه الملهمات امموسيقية إلى درجة أعلى من أخواتهء 
لكن أفراد العائلة كلهم استمتعوا بها. وقد اثبع الوالدان سياسة اصطحاب الأطفال 
إلى آوپرا القاهرة مجرد وصولهم إلى السن التي 6 من الاستمتاع بها . ثم إن 


45 


إدورد سعيد 
استغراق سعيد في عام الموسيقى وحبّه للكتب (مثلما يتبين من حبّه لأقلام الحبر 
الثمينة والورق الفاخر في المرحلة اللاحقة من حياته) كانا إرثا مباشرا من تجارة أبيه 
التي أسهمت في تشكيل الجو الجمالي للبيت. كان ثمة فوق لوحة مفاتيح البيانو 
العائلي - وهو بیانو کبیر من صنع شركة بلوتار ۴۲«ط)ں81 من لايبزغ يعزف عليه 
الأطفال - غطاءٌ مخماي ذو لون بني مائل إلى الاحمرار طرزت عليه الزهور على 
جانبي الاسم «ألفريدو بیرتير« |لق|ھرة« .Alfredo Bertero, Le Caire‏ ¢ یکن 
البيانو وملحقاته جزءا من تجارة وديع» ولكنه ناسب رخاء الجر العائلي العريق تماما. 
كانت الرسالة التعليمية للعائلتين الممتذتين» آل سعيد وآل موسى» من فيهما من 
معلمين وعاملين متطؤعين ف الخدمة الاجتماعية تتصل بتجارة العائلة. كانت شركة أبيه 
المتخصصة بالقرطاسية تزود العديد من مدارس القاهرة ها تحتاج إليهء وكانت واحدة 
منها تخص مدرسة الآنسة بدر (الخالة ميليا) للبنات. كذلك غصت «اممكتبة الكبيرة» التي 
تخص عائلة سعيد ليس بالكتب فقط بل بالأسطوانات الكلاسيكية أيضا. وقد تضمُنت 
امقتنيات الأدبية واموسيقية لشركة فلسطين التربوية في القدس كتابا بعنوان «كتاب 
الأغاني العائلية» )ههطع«ه؟ را۴۳ 4 الذي كان سعيد يستعمله في ليالي الضهور 
الطويلة لبم نفسه بالترنم بالأغاني المعروغة John Peel s The Minstrel Boy Jin‏ 
كانت هلدا تشارك أخاها الخال إميل بأن تعزف على الدربكة (آلة إيقاعية) 
مصاحبة عزفه على العودء وهذه آلة كان أبو هلدا يجيد العزف عليها أيضا". وما يدعو 
إلى الاستغراب أن كل ذلك مم يخلف أثرا في سعيد. لكنه وجد نفسه مدفوعا في فترة 
لاحقة من حياته للكتابة تعبيرا عن تقديره للمطربة وامممثلة المصرية أم كلثوم ولكنه م 
يكن لديه الكثير مما يقوله من الناحية الفنية عن الموسيقى التي ترافقها والتي شبّهها 
بالنواح. وقد سأل في يوم من الأيام صديقا له هو فواز طرابلسي عما يحبه ف اموسيقى 
العربية لأنه هو نفسه م يجد شيئا يحبُه فيهاء معترفا بعدم فهمه إياها وليس كرهه لها 
تفوق سعيد على بقية أفراد العائلة اموهوبين في الموسيقى كما تفوّق في كل شيء 
آخر» وکان تدرب من دون انقطاع بإشراف سلسلة من خاس کان أشهر هؤلاء 
إغناس تيغرمان ٣۵٣۲ء‏ ع٤٣‏ ٤۵ع[‏ وهو يهودي بولندي فخال مكانة مهمة إلى 
جانب صلته بسعيد» بوصفه عازفا أسطوريا للموسيقى الرومانسيةء وبخاصة موسيقى 
شوپان «¡مە C1‏ وبرامز 8s‏ طھ8r.‏ وم يكن سمح إلا للمتفوقين بالدراسة تحت إشراف 


46 


الشرنقة 


تيغرمان ف ال معهد الموسيقي التابع له في رقم 5 فی شارع شامپوليون خلف اممتحف 
المصري. وكانت نيفين ملر إماان۷ مدب ابنة رئيس وزراء املك فاروق*) واحدة 
من تلاميذه» وكانت اللغة الفرنسية هي لغة التخاطب. وكان تيغرمان يتقاضى جنيها عن 
كل درس (وهو مبلغ كبير آنذاك)» وكانت الدروس شديدة الانضباط. «م يكن يسمح 
با مناقشة». «كان محقا دانما.. وكان يريك كيف يجب أن تعزف القطعة التي تستعد 
لعزفهاء وإن تجرأت على ال مناقشةء فكل ما كان عليه فعله هو أن يريك النوتة ا موسيقية 
التي وضعها ا مؤلف» وكان ذلك كل ما هنالك»“. 

ذكر هنري بارداء أحد تلامیذ تيغرمان» «ثورات غضب الأستاذ عندما م يكن 
التلميذ على الدرجة المطلوبة من الاستعداد: كثيرا ما كان باب الاستوديو ينفتح 
بعنف» وتطير أوراق القطعة امموسيقية متبوعة بالتلميذ نفسه.. كانت عيناه 
تخترقان التلميذ كالسكاكين»”“. ومع ذلك فقد أعجب به سعيد آها إعجاب» وكثيرا 
ما تحدّث عنه - م يكن يذكر قسوته بل دقة عزفهء ورشاقته وابتعاده عن ال مبالغة 
لاسيّما عندما كان يشرح كيف ينبغي أن تعزف القطع في قاعة التدريب» حيث كان 
ركز كيرا غائ الدؤاسة اف4 ءاصحا تلاميذه «بشنظيف» الصوت ف بذاية توابفة 
نغمية 10۲۵ء جديدة”“. کان سعید يدعو تيغرمان في بعض الممناسبات إلى تناول 
العشاء مع العائلةء وكان يتجول وإياه بالسيّارة في أنحاء المدينة. 

وقد ذكر تلميذ سابق اسمه موريس إسكنازي أن قاعة التدريس كانت مرتبة على 
نحو فخم» وفیها آلتا بیانو متقابلتان من صنع سَتابُنوي 5)1٣,‏ يجلس هو للعزف على 
إحداهما ويقابله التلميذ للعزف على الآلة الأخرىء ليعزفا في الوقت نفسه. وكان يحب 
السخرية: «ليس مطلوبا منك أن تؤلف في أثناء عزف تلك القطعة» عندما يعزف التلميذ 
نغمات ليست موجودة في النص المكتوب"“. وعندما ذهب سعيد إلى الولايات ا متحدة 
فإنه تابع دراسته مع ستة من کبار المت في مدرسة جولیارo Juilliard School‏ 
بنیویورك وف بوسطنء ولکنهم «لو جمعوا کلهم معا ما ساووا خنصر تیغرمان» . 

فمن الناحة الفكرية كان رمان آول من اروا ن سعبه قافرا اما كانت 
علاقة الأستاذ بتلميذه علاقة حميمة أصبحت فيما بعد صداقةء وأخذا يلتقيان في 


(#) لا يعرف رئيس وزراء طمصر باسم «ملر»؛ ولعله مستشار للملك. [المترجم]. 


47 


إدورد سعيد 


الخمسينيات «لعزف امموسيقىء» وتبادل الذكريات» ونعيد نفسينا إلى الوقت الذي 
كانت فيه القاهرة أشبه بالقاهرة التي ألفناها: مدينة عاممية الطابع حرْةء مملوءة 
بامميزات الرائعة» حتى إنه زار أستاذه السابق في كتسبوهل 1ءطں طا في النمسا 
ف آولباآت السیات بت کان فن کی ا اکا ب کان دران کد مک من 
الحصول على نظرة خاطفة من القاهرة الفرنسية التحت-أرضية غير الشرعية ذات 
الصالونات واممسارح والاستوديوهات؛ القاهرة ال مرحة إن شئت. كان تيغرمان قد جاء 
إلى القاهرة في العام 1933 لأن «ممكناتها» جذبته» وفق تعبير سعيد الغامض» وأطلع 
سعيدا على عام من «المتع غير ا معروفة» وأنواع مختلفة من العلاقات الإنسانرة”“. 

لقد أذى سعيد دورا مهما في الإرث الذي خلفه تيغرمان“. فهو الذي اکتشف 
تسجيلا ضائعا كان ف ذلك الوقت قد حاز إعجاب الممتخصصين» وصار المصدر الرئيس 
مؤرُخي امموسيقى الذين كانوا يسعون إلى ملء الفراغات في حياة عازف البيانو. ومن 
المفارقات المذهلة أن تسجيلات تيغرمان كانت أندر من اممعتاد؛ وذلك لأن الإذاعة 
ا لمصرية حذفت أشرطة تيغرمان التي اا لاستعمالها لتسجيل أسطوانات دانيل 
بارنبویم 01 aren‏ 8 e1ن«0a»‏ صدیق سعید وکاتم آسراره فیما رد . 

KK 

كانت الحياة اليومية في الشرق الأوسط في سنوات طفولة سعيد حياة مملوءة 
بالتنقل لأكثر السكان. فعلى مدى سنوات قليلة انتقل سعيد من كلية القديس جورج 
في القدس إلى مدرسة الجزيرة العامة» ومنها إلى مدرسة القاهرة للأطفال الأمريكيين 
(1949-1948)» وانتهاء بكلية قكتوريا التي التحق بها ما بين العامين 1949 و1951. 
وانتهى التحاقه بتلك الكلية على نحو فجائي عندما اضطر إلى تركها بعد أن نشب خلاف 
بین معلْم أغضبه رفض تلامیذه قراءة شیکسپیرء واتهم سعید بأنه المتمرد الأکرء وطرحه 
أرضا في نوبة الغضب, بينما أخذ بقية التلاميذ يصرخون غاضبين وقد هالهم ما رأوا. 

كانت كلية فکتوریا قد وصفت نفسها بأنها تدرب طلبتها لیکونوا إِيتنيًٍي ٠١‏ 
الشرق الأوسط على رغم أن إنگليزية سعيد مم تكن بريطانية الجرس تاما. لكن هذا 
الأمر تغبّر مع مرور الزمن بطبيعة الحال بعد أن ترك بقاؤه الطويل ق آمريكا آثره 


(*) أي مستوى خريجي كلية إيتن #عفء!ااه) 8٥۸‏ وهي من أعرق مدارس بريطانيا وأرقاها. [المترجم]. 


48 


الشرنقة 
في لغته التي حافظت على وقعها الأجنبي إلى النهاية. وكان يتكلم الفرنسية منذ 
أيام دراسته في مدرسة الجزيرة الإعدادية (أما أمه فكانت تستعملها ف اممناسبات 
الاجتماعية بطلاقة)» وتعلم مزيدا منها في كلية فكتوريا وف «النادي» حيث كانت 
شخُم الأحاديث الرسمية”". أما الدروس العربية التي أجبر الوالدان أطفالهما على 
دراستها فقد شعروا بآنها كالعقاب» ولو أنها م يكن يقصد منها أن تكون كذلك. 
وديع م يكن يتكلم العربية بطلاقة. ومع أن هلدا كانت تتقنها وكانت تستعملها في 
البيت فإن الأطفال كانوا يجيبونها باللغة الإنجليزية. ولكن بعد مضي وقت طويل 
تعلم الأطفال اللغة العربية رسميًا تضامنا مع ثقافتهم التي تتعرّض للتهديدء وقد 
عاد أغلبهم إلى العيش ف الشرق الأوسط بعد أن قضوا ردحا من الزمن في الخارج. 
عاد وديع إلى القدس بعد مكوثه في الولايات ال متحدة في فترة الحرب العاممية 
الأولى في أوليات العشرينيات تلبية لرغبة والدته التي عبرت عنها وهي على فراش 
الموت. ولكي ينح ابنه الحرية التي خُرمَها هو؛ رفض إجبار إذوزد على البقاء في مصر 
ورات غ جار افا وف جب وع م مان اقا الى ر با 
الأمريكان» وهذه صفة اذعى سعيد ادعاء غير مقنع أنه مم يشارك بها أباه. فعلى 
رغم أن وديع كثيرا ما تناول اللبْتة التقليدية أو الزيت والزعتر لوجبة الإفطارء كان 
يستمتع بتناول البيض المخفوق مع الكاثشب والفطائر المحلاة بشراب القيقب. 
أما وجبة عيد الشكر فكانت تشمل صلصة التوت البرّي والبطاطا الحلوة ا مغطاة 
بطبقة من السكر. وکان يفخر ببياض جلده. ويقول ممن يسأله إنه من كليشلند 
4اا وکثیرا ما کان یکتب اسمه «ولْيّم». وما يشل عکسا لحالة أبیه هو 
أن اسم إذوزد الأوسط هو في الواقع وليم على رغم أن بعض المصادر تحاول تعريب 
الاسم بأن تجعله «وديع». 
وعندما اختلف وديع مع شركائه في التجارة سافر مع عائلته إلى الولايات اممتحدة 
ف ضيف العام 1948 بوفكر ق البقاء هناك من ذون رجح وكان السب الرثيس 
(#) هذه مسألة ثانوية بطبيعة الحال. لكن علينا أن نلاحظ أن المؤلف يشير إلى الأب باستمرار باسم وديع» وأن 
إِذْوزّد سمى ابنه وديع. أما أن إذوزد يحصل على اسم ثان هو وليم فتفسيره أن الأبناء كثيرا ما كانوا يسمُون باللغة 
الإنگليزية باسم ثان أو ثالث يدعى «الاسم الأوسط» بعد الاسم الأول تكرها لبعض الأقارب. وأما أنه هو الاسم 


المزعوم للأب فيبقى مسألة داخلية لا قيمة قانونية لها تشبه امرك الأب في كثير من العادات التي يرد ذكرها في 
الكتاب. [امترجم]. 


49 


إدورد سعيد 


وراء تلك الرحلة عملية خطرة للكاى احتاجت إلى اختصاصيين أمريكان. وبالنظر 
إلى التعاسة التي سببتها تلك الرحلة لإذوزدء إذ كان ال ممعسكر ماراناكوك 
Maranacook‏ ض ولاية مین «نه لتعویده على البيئة الأمريكية التي سيعيشون 
فيها. ولتعاسة إذوزد في ذلك المخيم؛ شعر بالارتياح بعد أن تحسّنت حالة والده ها 
يكفي للعودة بالعائلة إلى القاهرة. 

كان سفر آل سعيد اممستمر في أنحاء المشرق. إلى جانب زيارة الأقارب في 
المناسبات العائلية أو بحثا عن الجو الألطف في فصل الصيف» جزءا من السعي 
إلى كسب الرزق بالنسبة إلى وديع. وكان اهتمامه بالقاهرة نابعا من رغبته 
في توسيع شركة فلسطين التربوية Palestine Education Company‏ لتکكون 
شركة القرطاسية lلluiسuة (Standard Stationary Company‏ بفروع تفتح 
في الإسكندريةء والقاهرةء مع فروع في منطقة قناة السويس. وكان هذا الوقب 
يحتاج إلى الكثير من التنقل جيئة وذهاباء مع كل أفراد العائلة في كثير من 
الأحيان. وكثيرا ما كمن اختلاف المفاهيم الخاصة باطمكان» وهو غير المستقرْ في 
هذه الحالةء خلف التهمة الزائفة القائلة إن الفلسطينيين قوم رل لا حق لهم 
في الأرض لأنهم لا يبنون جدرانا ولا ينشئون نظما تنظم حقوقهم القانونية. 
وأسهم عدم الاعتراف بالحدود الرسمية التي أقامتها الإمبراطوريتان البريطانية 
والفرنسية ق هذا الاضطراب. 

بعد ذلك بوقت طويل» وقبل وفاة سعيد بسنوات قليلةء أخذت مقالات لئيمة 
تلعب على هذا الاختلاف الثقافء وتذعي أن سعيد مم يعش ف مدينة القدس قط وأنه 
م تکن له أصول عائلية فيهاء وأنه کان یقیم بأمان في القاهرة البرجوازية“ »> وها آن 
امتكلم الرئيس باسم القلسظسن كان كدت قا عاق بأصله فإن جميع اذڏعاءات 
الفلسطينيين كانت كاذية. لكن كان الرة على هذا الهجوم سهلا بإثبات التحاق 
سعيد فعلا مدرسة القذيس جورج (مدرسة المطران كما كان الأهالي يسمُونها)» وأن 
البيت اممقدسي الذي ولد فيه كان مملوكا للعائلةء ولذلك فإن وديع كان هملك نصيبا 
من العقار امسجّل باسم أختهء وذلك وفقا للعادة اممتبعة في العائلات امممتدة. ويبدو 


(#) هذه هي الترجمة الحرفية لاسم الشركة الإنگليزي ولا بُعرف لها اسم عربي معتمّد. [المترجم]. 


50 


الشرنقة 


أن أصحاب هذا الاتهام ع كفا اميم عاد مقاب سيد تسه وة وسوا إن 
مقابلة أي من زملائه في مدرسة القديس جورج الموجودين في نيويورك. 
كانت إمراتل .ف اة اإطاف هى الى حلت ققل الففسطيتن بن بلا 
الإقليم إلى شتات منتشر في جميع أنحاء العام. ومن الواضح أن آل سعيد وآل موسى 
بُعثروا مثلما بُعثرت عائلات كثيرة نتيجة لذلك. وسكنوا ف بيروت وعمان وا مناطق 
امحتلة أو خارج هذه البلاد. وتطلب بقاؤهم على صلة أن يتحركوا من مكان إلى 
آخر. بقي إخوة هلدا - منيرء وعاطف» ورايق» وإميل - في فلسطين» وكما يذكر 
سعيد: «كنا نزورهم هناك بين الحين والآخر؛ وبعد العام 1948 كانوا يأتون إلى 
القاهرة ويغادرونها.. وكنا نذهب إلى تبغة من صفدء حيث كان خالي منير يعيش 
وحيث كنا نقضي بعض الوقت عنده في الصيف ونلقی عنده تكرها خاضًا»*". ولتن 
کناء كما تذكر جين» «قد مكنا في القاهرة من العام 1948 حتى أوليات الستينيات 
فإن ذلك لا يعني آنا م نقم برحلات إلى الصحراء المصرية أو الجبال اللبنانيةء عندما 
كنا نؤخذ في سن الطفولة في رحلات عائلية ممتعة» لإشعال النيران احتفالا بعيد 
الصليب. وطا كان أندريه شارون» صديق سعید» قد انزعج من الإيحاء بأن سعيد 
م يكن فلسطينيا حقا فإنه أخذ على عاتقه أن يوضح معنى كلمة ١٥ط‏ (وطن) 
لجيله في رسالة غير منشورة أرسلها لصحيفة «نيويورك تامز»: 
«م يكن نمة حدود ذات معنى في أثناء سني ناء لاسيما الحدود 
الذهنية.. كان ذلك إرثا إيجابيًا ورثناه من الإمبراطورية العثمانية. 
فأجداديء أنا اليهوديّ المصريّ» جاءوا من سورية. وجاء جي إلى مصر 
من العراق مع إحدى القوافل.. وم يكن السكان يهتمّون بأن أصولهم 
تعود إلى العراق أو.. أو [المملكة] العربية السعودية أو غمان» وكذا 
الأمر مع وزارة الخارجية في الكي دورسي ayءإ2”0‏ نهسQ‏ في باريس. 
باختصارء فإن تنقل سعيد بسهولة من فلسطين إلى مصر ولبنان ليس 
فيه ما یدهش سوی آنه لیس فيه ما یدهش له ومن کر في السن معه. 
كان فلسطينيا عربيًا مثلما كنت أنا يهوديًا مصرنًا. يا للجَلبّة اممثارة!»”“. 
غير أن الطقوس الدينية تركت آثارا عميقة في نفسه° 
أحتفظ بكتاب الصلواٽ Book of Common Prayer‏ منù‏ يام القاهرة» وأنه 


. فقد صرح قائلا «لاآزال 


51 


إدورد سعيد 


كان مايزال يقرأه (في العام 1998) «للتأسُّف على الصيغة السوقية المسماة الطبعة 
الجديدة المنقحة المعتمدة* .New Standard Revised Edition»‏ وبدلا من 
السخرية من نصوص المذهب الأنغليكاني فإنه سخر من التنقيحات التي أجريت 
على النص الأنيق الذي وضع ف القرن السابع عشر المملوء بصلوات الصباح والمساء 
وا مواعيد. والابتهالات» وصلوات عيد العنصرة هلواط والعقوبات التي 
تتهذّد المذنبينء وامزاميرء والأسئلة التي تختبر ال مؤمن» رها من دون الالتفات إلى 
النصوص غير المعتمدةء ها في ذلك دعوات الشكر الغريبة لنجاة املك جيمس الأول 
من المؤامرة التي كان القصد منها تفجير البرمان. وقد ظلٌ سعيد حتى أخريات 
حياته عضوا في اللجنة الاستشارية للرقيب الأنغليكاني التابع للأمم المتحدة. وأخبر 
کل من سأله عن ذلك بشيء من الاعتزاز“ 

كانت مظاهر التقوى هذه نتيجة طبيعية موقعه الاجتماعي والجغرافي. 
وبکلمات شخص کان له حضور مهم في حیاته هو تشارلز ملك Charles Malik‏ 
(زوج إيفا 8۷١‏ ابنة عم أمّه» نتجت الحضارة الغربية مما كان قد ا به» وفهم» 
وعشق» وعُونيء وذْفْدٌ في.. عشر مدن والمناطق المحيطة بها.. وهي أثينا وإمطنبولء 
وأنطاكيةء وبيروت» ودمشق» وبغدادء والقدس» والإسكندريةء والقاهرة ومكة». 
ولذلك فإن الطقوس الدينية - إن مم نقل الدين نفسه - كانت ذات أهمية مركزية 
في حياته» وجاءت من منطقة لا يلتقي فيها الشرق بالغرب فقط باممعنى الجغراق» 
بل (وفق ما قاله سعيد في العام 1969) من منطقة «يحمل فيها ال مرء أثقل حمل من 
الأفكار امطلقة التوحيدية المتنافسة.. على أي بقعة من بقاع الأرض». 

المزيد من الشهادات تظهر في ما ينقل عن أصدقاء طفولته. أحد هؤلاء؛ نزيه 
حبشي - وکان طالب قانون في جامعة هارقرد حينما کان سعيد يعمل على نيل 
شهادة الدكتوراه - كان يلتقي به لتناول الغداء برفقة عضو ثالث هو جورج أي 
صعب؛ مفكر لبناني عاش في مصر وأصبح فيما بعد نجما في دوائر القانون الدولي ذا 
خبرة عملية في جنيف. كان هؤلاء خصوما وأعداء بعضهم لبعض بود دانما يناظر 
لحاهو الآغر لكر التمكن من جال الكش وقة قد كر تزيه حبفى فاا كان 
الثلاثة نذهب معا لتناول وجبات الطعام بانتظام.. وكان ذلك شيئًا يثير الاهتمام لأن 
الدین کثیرا ما کان هو موضوع النقاش»”. كان جورج صريحا حول إلحاده» في حين 


52 


الشرنقة 
اعترف نزيه بأنه مواظب على الذهاب إلى الكنيسة» أما سعيد فقد كان يصرٌ على 
أنه يقع «في منطقة وسطى بينهما». وبالفعل» أجاب عن سؤال في استبانة يقول: 
«هل أنت غير مؤمن؟» بقوله: «لا». ثم ترك خانة الجواب اممتعلقة بالسؤال اللاحق: 
«إذن لا بد أنك مؤمن؟» فارغة. وبعد ذلك بسنوات ذكر محمد شاهين» وهو 
ناقد ضليع في مجال الأدب الإنگليزي الفكتوري وكثير الكتابة فيهء آن سعيد جاب 
عن سؤال من أحد الحضور المتديّنين حاول فيه أن يحرجه بإظهار إلحاده هناسبة 
كلمة ألقاها سعيد في الجامعة الأمريكيّة في القاهرة. كان السؤال: «ما هي علاقتك 
بالله؟» فأجاب سعيد: «أنت تسألني عن شيء خارج اختصاصي. أنا متغصّص في 
مجال الأدب المقارن والأدب الإنگليزي. لكنني أقول لك إن الله يتحكم بهذا العام 
الذي نعيش فيه وهو يتحكم بنا جميعا». 
وقد تمن شاهين من إظهار بعض نواحي الغموض عندما روى كيف أنه وسعيد 
كانا قد ذُعيا إلى تناول الغداء في عمان ف النادي الأورثودوكسي. اذا دعاه هذا 
النادي من بين كل النوادي الأخرى؟ أجاب ضاحكا: «رها حسبوا آثني مسيحي». 
وفي فترة لاحقة من حياته بعد أن تمكن منه المرض» وناسبة تناول الغداء في مطعم 
لبناني مع تلمیذ سابق من تلامیذه» تعرّف عليه ق لبناني کان يجلس بقربهما - 
فجاء إلى منضدتهما وبارك إذوزد وحرك صلیبا کبیرا بیده تحریکا متکررا. وبعد آن 
عاد القس إلى منضدته نظر إذورد إلى الطالب وحرك كتفيه وقال: «لا ضرر من 
ذلك»”. ويبدو أنه وضع الموضوع جانبا في كلمة التخرُج في مدرسة ماونت هيرمن 
فی نورٹفیلد Northfield Mount Hermon‏ ض العام 2002» وهي كلمة حاول فیها 
التوفيق بين ما يبدو من تناقض: «أنا ملتزم بالعلمانية. ولكن هذا لا يعني آنني 
ضد الدين» فالدين في رأيي مسألة اختيار وإهان». ولكن سعيد مم يكن هناء كما في 
حالات أخرى» متسقا مع نفسه. ففي ملاحظة مضافة بخط اليد أرسلها إلى تامار 
جاکوبي yەە[‏ 14 من كناب افتتاحيّات النيويورك تاز قال بلا تفکیر بعد 
أن سألثه عن دوره ف المجلس الوطني الفلسطيني كأنه يسعى إلى تهدئتها: «أنا 
عمدت وثقت ن الكيسة الإنكليزية؛ وهذه حقيفة ليست غير ذات أهمية! كان 
انتماءه إلى ديانة راسخة جعل دفاعه عن القضية الفلسطينية لا يكفي لأن يكون لا 
أمل فيه" . ومن المفارقات» كما بين شاهين» أنه بسبب مساواة العرب والإسلام من 


53 


إدورد سعيد 


وجهة نظر الغرب «عمل [أي إذورّد] لدعم الإسلام أكثر من كل شيوخ العام» ولو 
كان مسلما بالفعل «لكان مثلي ومتلك عاجزا عن الدفاع عن الإسلام»”. 

من الممكن أن يُعزى عدم الوضوح فيما يتصل معتقداته إلى حرصه على عدم 
الإساءة في مور الدين. فقد بدا له أن تفادي الإساءة بلباقة شيء مناسب بالنظر 
إلى أن كثيرا من مواقفه ذات طابع خلاف» ولأن الناس يتوقفون عن الإصغاء عندما 
يشعرون بأن المتكلم يستهين بالذات الإلهية. فقد دار حديث بينه وبين سائق سيارة 
أجرة يوما من الأيام» وكان السائق عربيّاء وسأله سؤالا مباشرا عما إذا كان مسلماء 
فما كان منه إلا أن رد بعبارة «الحمد لله»؛ وهذه عبارة هكن أن يفسُرها الآخر 
وفق ما یروق له. وقد كان هذا الحرص شيا اعتاد عليه. أما بصفته رجلا ناضجا بين 
أفراد عائلته فقد أشار إلى نفسه بقوله إنه يلحد يوما ويؤمن ف اليوم التالي» وقال 
لأبنائه إن الكتاب ال مقدّس ليس سوى «قطعة تثير الاهتمام من الأدب». وهو نم 
يذهب إلى الكنيسة في أي يوم من الأيام التي عاشها في نيويورك وفي أثناء سيره في 
شوارع المدينة كان بإمكانه أن يستمع إلى الطقوس الدينية التي تنشد فيها التراتيل 
البروتستنتية. ولكنه م يبد أي اهتمام بالوقوف ليستمع". 

ولكن المظاهر امماذية للدين» وهي أمور تركت أثرا أعمق ف أخواته من الأثر 
الذي ترکته فیه» کانت تٌری في کل مکان من عالمه. کان أبو هلدا رجلا من رجال 
الدين البروتستنت» وكانت أمها لا تفارق الكتاب المقدّس ذا الغلاف الجلدي باللغة 
العربية» وهي عادة اكتسبتها بصفتها ابنة أول قس عربي من الطائفة البروتستنتية 
الوليدة في سورية التاريخية. وليس من الممستغرب والحالة هذه أن تصدر عن هلد 
ضمن النطاق العائاي الذي لا يحتاج إلى الحذرء عبارات مسيحية بين الحين والآخر 
:Khreisti siheti‏ (بعث اممسیح) أو «یا ساتر» یا ربْ»» في معرض التقریع أو 
التعبير عن عاطفة ا ما وديع» الذي مم يكن شديد اممشاعر الدينية في العادة 
فلرما صدرت منه عبارات من موعظة الجبل: «کثيرون ولون يکونون آخرين 
وآخر ون أولين». كان الأطفال جميعهم يتلون «الصلاة الربّانية» مع أمهم ك ليلة 
قبل الخلود إلى النوم. 

وعندما تدخل المسيحية فيما بروبه سعيد عن حياته فإنه بخفف من وقعها 
عادة. ومع ذلك كانت الكاتدراثية الوطنية ف القاهرة (كاتدرائية كل القديسين) 


54 


الشرنقة 


مركز البريطانيين في القاهرة. واممكان الذي قصدته العائلة وأصدقاؤها لحضور 
القاس كل يوم أحد» ولحضور مدرسة الأحد» وفيها جرى تثبيتهم. کان کل يوم 
من يام الدراسة يبدا بترنيمة بروتستنتية» وهي عادة م تتوقف بعد مغادرة مصر 
ف سن الخامسة عشرة. ففى ففي القسم الداخاي من مدرسة ماونت هرمن Moun‏ 
ùl» Hermon‏ بُطلب منا أن نحضر الطقوس الكنسية أربع مزات في الأسبوع (ها 
في ذلك أيام الأحد)»”. وفي وقت الغداء كان يطلب من الطلبة كل يوم أن يقفوا 
خلف كراسيهم قبل الجلوس لينشدوا معا صلاة المائدة بصوت واحد للتعبير عن 
الشكر مما هم على وشك تناوله. وباختصار» حضر سعيد عددا لا يحصى من الطقوس 
والترانيم والصلوات» وهي تؤسس إيقاعات أذنيه وتدرّبه على اختيار الكلمات 
الإنگليزية ذات اللون الخاص”. م تكن المؤثرات كلها ذات طبيعة رسمية خالصة. 
فالأوامر التي تطلب معاملة الفقراء بالعدل والإحسان تداخلت مع اللياقة الليبرالية 
السياسية التي اتصفت بها عائلة وجدت نفسها على رغم ثرائها مضطرّة إلى التركيز 
على مصیر من خرموا من حقوقهم. 
KKK‏ 

رما کان سعید الأول بين مكافتات ٠‏ في العائلة العربية التي تتمركز حول 
الذکور ف آیام شبابهء ولکنه اقام فکره على فطرة المساواة المسيحية التي تعلمها من 
النساء في حياته بدءا بأمّه. وقد عبر بصراحة بالغة فيما يخص ذلك الفرد من العائلة 
الذي کان مستعدا للبوح له بأسراره: «كانت والد من غير شك أقرب رفيق لي في 
السنوات الخمس والعشرين الأولى من حيات... بينما كانت صلتي بأخوات الأصغر 
سنا مني... فاترة وغير مرضية بالنسبة إلى على الأقل 72 . وقد بقي هذا القرب من 
الأم على حاله إلى النهاية» من دون أن ينطبق هذا على العلاقة مع الأخوات. وقد 
عبر عن شعور با مرارة عندما اذعى أن أباه م يكتب له «رسالة شخصية حقا» - بل 
كان هلي الرسائل على سكرتيرته ويوقعها بعبارة «امخلص و. أ. سعيد» لكن أوراق 
سعيد تحتوي في الواقع على رسائل من الأب هلأها الشعور بالأم وعدم الشعور 
بالأمان. ففي العام 1965 مثلا توسّل وديع إلى ابنه أن يكون أكثر ترحيبا بالأقارب 


(٭) اممکافئات هن أخواته؛ وسعيد هو الأكبر سنا بينهن. [المحرر]. 


55 


إدورد سعيد 


عندما يزورونه» وأن يتصل بشريك له في العمل نيابة عنه. لكن سعيد أجاب بقوله 
إنه «مل من تذكيره بأنه شخص سين وأنه لا يرتقي إلى الدرجة المطلوبة من الأخ 
الطيب والابن البا... إلخ»””. ثم أضاف: «أظن أن الوقت قد حان لأن يقال لأخواتي 
إن عليهنْ أن يعاملنني بطريقة تليق بالأخ الأكر». 

تمكنت أخته غريس» التي تكفلت بالعناية بهلدا في أثناء العلاج من السرطان 
في واشنطن في أواخر عمرهاء من رؤية تصرفات سعيد نحو أَمّه عن كثب» وتعجّبت 
كيف أن الاثنين كانا يقضيان الساعات وهما يثرثران على التلفون كل يوم. لا ذكر 
من هذا القبيل في كتاب «خارج المكان»: تأثير الاحتضان العاطفي للاأمُ ا 
ذلك من حلاوة ومرارةء دورها الرقابي والإداري تجاه أبنائهاء و(فيما يقول سعيد) 
لامتكا اما ماح العلاب فل وجا ققد وا ووی موک حاف ع 
أخواتي والعامم»”) ولا نجد شيا في الكتاب عن حكمها القاسي بأن أطفالها جميعا 
قد «خَيّبوا أملها». تتذكرها جارتها ناديا الجنديء التي وجدتها «جميلة بحق... 
بوجنتين عاليتين وبشرة رقيقة» وتتزين دانما «بقطع مدهشة من الحلي» على 
عکس ما کان سعيد يصفها به: فتتذكرها وهي «تعدّد مواهب أطفالها»**... أما 
غريس فتقول بوضوح: «أعتقد أننا كلنا حصلنا على تقافتنا السياسية من أمُّي. 
كانت تؤمن بالقومية العربية... وكانت دانيما ما تشارك في القضايا الاجتماعية»”. 
كان عبدالناصر قد ألغى ا محاكم الدينية التي تتحكم ف القوانين المتعلقة بالأرة 
وأرسل اممهندسين والأطبّاء إلى الأرياف» وخصص معونات حكومية للفتانين» وشجع 
الإصلاح الزراعي» وأعطى النساء حق الانتخاب. م تكن هلدا ذات نشاط سياسيء وم 
تنتم إلى حزب» ولكنها كانت «متحمسة» لعبدالناصر» وتشعر شعورا عميقا بالظلم 
الاجتماعي فى مضر *: 

أثر الأسلوب الفكري لدى الأم في ابنها الوحيد. وكما قالت جين: «كانت ماما تميل 
دانما إلى خلق القصص وروايتها. حتى لو كانت الحادثة بسيطة» كانت ماما تزدنها 
بالتفاصيل والألوان» وتسبخ عليها هالة من الأهمية الاجتماعية والتاريخية». 
وعلی غرار أصحاب الواقعية السحرية ءاءناهء وعم قي روايات أمريكا اللاتينيةء 
وَجَدَّت الواقع من الغرابة بحيث يحتاج إلى ابتكار القصص لاكتشاف معناه. كذلك 
شكلت والدة هلدا تيتا منيرة - المرأة الأخرى التي تقود حياة آل سعيد - مثا 


56 


الشرنقة 

آخر يصعب تجاهله. فقد احتفظت «بقاعدة بيانات ضخمة عمُن غادر فلسطين 
ومتى في حرب العام 1948 التي أبعدتها هي وبنيها عن وطنها. كانت تعرف أين 
حطت الرحال بكل فرد من داثرة معارفها الواسعةء وأين انتهى بهم الأمر بصفتهم 
لاجئين»"“*. كانت عائلتهم عائلة «من رواة القصص وحفظة السجلات». 

حصلت حالات متماثلة غريبة جعلت العائلة الممتدّة تتماسك أكثر من قبل. 
فنحن نعرف أن هلدا فقدت بكرها الذكر أما أمها فقد فقدت ابنتها البكر. 
وكان من نتيجة ذلك أن سعيد م يحصل على إخوة مثلما أن هلدا م تحصل على 
أخوات. وها أن سعيد كان محاطا بالبنات والنساء فإن الفرصة أتيحت لتقوية 
العلاقة مع ابني عمته نبيهة اللذين يكبرانه بنحو سبع سنوات. ولكن الغريب 
أيضا أن أقدم أصدقائه وأعزهم على قلبه» وهو إبراهيم أبو لغدء كان - كما لاحظ 
سعيد في نعيه الذي نشره في العام 2001 - محاطا بالنساء هو الآخر؛ «أبا لثلاث 
بنات موهوبات وزوجا لباحثة متميُزة»» ولذلك فإنه كان «أكثر تسامحا مع النساء 
مما هو معتاد لدی عربي». 

حافظ أنسباؤه على هذا النمط. فقد كانت مريم قرطاس (التي تزوجها في العام 
0 ) البنت الوحيدة لعائلة ثرية تعرف في أنحاء لبنان كلها بصناعة الأطعمة 
ا معلبة وأنواع المرنى. وهكذا ارتبط سعيد بهذا الزواج بأنسباء يشبهون عائلته من 
حيث الثراء المتحقق من تجارة حديثة العهدء ومن حيث الانتماء إلى أقلية دينية 
مسيحية (هي الكويكرز لهه في حالة آل قرطاس)ء ولكنها أقلية مملوءة بالنساء 
المربّيات امملتزمات اجتماعيًا. كانت تجارة عائلة قرطاس اممتخصصة في حفظ الأطعمة 
قد نمت مباشرة من عملها الخيري في حقبة المجاعة التي اصطنعها الأتراك إِبّان 
الحرب العامة الأولى بتحويل المؤن إلى العسكر. وكانت آزمة الطعام شديدة الوطأة 
على منطقة جبل لبنان» حيث أقام آل قرطاس خدمات جمع الأطعمة وتوزيعها. 
وعندما لاحظ الزؤار الكويكرز البريطانيّون ذلك دعوا عددا من أفراد العائلة إلى 
إنكلترا ليعلّموهم فن التعليب. فأسّس أبو مريم تجارته من الصفرء كما فعل وديعء 
وكان مثله نيق ال مظهرء رياضي البنيةء وفاز فيما بعد ببطولة التنس في لبنان. 

أسست جماعة الكويكرز الصغيرة المكؤّنة من خمس عوائل مجتمعها الصغير 
في برمانة حيث يقع منزل عائلة آل قرطاس» على مبعدة اڻني عشر کيلومترا من 


57 


إدورد سعيد 


المنتجع الصيفي لآل سعيد في ضهور الشوير» وهو المكان الذي دفن فيه سعيد 
فيما بعد. كان الكويكرز الذين انتقدوا الأنغليكانيين ودعوهم «طائفة الشلن» 
congregation of the shilling‏ علمانیین إلى الحدذ الذي هكن لطائفة مسيحية 
أن تبلغه: يهتمون بأمور الجماعة ولا يكترثون بالوغاظ ويهتمُون بعمل الخير”. 
وعلى عكس والد هلدا المعمداني الذي يؤمن بأنه ولد من جديد ق الناصرة» كانت 
آم مريم» وداد مقدسي قرطاس» التي أبدت ميلا ملحوظا في طفولتها إلى قراءة 
الكتاب المقدس» قد منعت منعا صريحا بأمر من أبيها من حضور ال مدرسة الإنجيلية 
الأمريكية خشية اممبالغة في التدين”". بيد أنها في النهاية أصبحت مبشرة إلى حدّ 
ماء وعملت بإخلاص ف تدريس الإنسانيّات في كلية بيروت للنساء. أما النساء اللواقي 
م يلتحقن بسلك التعليم في مجتمع شكل تعليم النساء فيه خطوة مهمّة للإصلاح 
الاجتماعي» فقد أصبحن كاتبات أو مكافحات لحصول المرأة على المساواة. 

وعلی رغم أن وداد» مثلها مثل والدي سعید» كانت تحب أن تصدر مواعظ عن 
ضرورة عدم إضاعة الوقت» وعدم ترك الفضلات على الأرض» وعن ضرورة احترام 
الجيران وما إلى ذلك فقد كانت من نواح عديدة - فيما تقدّر مريم - «اشتراكية 
من اشتراكيي القرن التاسع عشر»**. وقد أدخلت وداد هي ومريم فكرة العداء 
للإكليروس ف حياته. وتذكر مريم أن وداد قرّرت في صيف إحدى السنين «أن تغير 
كل الترانيم التي تنشد في المدرسة لأنها كانت باللغة الإنگليزية وكانت ذات محتوى 
ديني. وکانت على مر السنين قد فقدت تعلقها بالكتاب اممقدٌس واشتكت من الدور 
الذي كان الدين يؤذيه في الشرق الأوسط. وأمضت أيامها في قراءة الشعر العربي 
واختارت قصائد لكي تلحُن». وإلى جانب إدارة منزل العائلة وإعفاء سعيد من أي 
من الواجبات المالية والتنظيمية الممترتبة على تربية طفلين عرفته مريم وعائلتها على 
ا مجتمع البيروتي والحياة الفكرية امحيطة بالجامعة الأمريكية في بيروت. 

غير أن قطبي نشاطه في مجالي العمل الفلسطيني والتعليم الجامعي رمزت لهما 
شخصيّتان مهيمنتان أخريان هما آنتي ميليا (التي كانت في الواقع أخت جدَته لأْمّه) 
وآنتي نبيهة (أآخت آبيه). الأولى - وهي التي يعرفها تلاميذها باسم «مس بدر» 
غير اممتزؤجة. الحازمة» صغيرة الحجم» بعينين زرقاوين نفاذتين - كانت (كما يذكر 
حَبَّشي) «واسعة الشهرة» في القاهرةء ويقَرٌ الجميع بأنها كانت معلمة لامعة ومربّية 


58 


الشرنقة 

قاسية للشابّات اللواتي صقلتهن صقلا يتوافق مع ما أرادته لهن من استقلال 
واحتشام: «كانت سيّدة تنحو للشدَّة»**. أمام هذه السيدة الفولاذية التابعة 
للكلية الأمريكية للبنات في القاهرة «كان يقف جيل من الطالبات اممرعوبات»*. 
أما أخوات سعيد فلم يحببنها؛ كانت في نظرهن شديدة البرود واممزاجيةء وعلى 
التقيض من جذها الواعظ اللعمدان. لكن ليس من الواضح كيف كن عبد 
من كسر نطاق أسلوبها ا منقر ومن أن يصبح «الأثير لديها»» وكيف أصبحا صديقين 
«الروح بالروج» كما يقال. فحفلات الشاي شبه الرسمية التي ترأستها مع أخواته م 
تشمله» ولکنهن دهشن فیما بعد عندما اکتشفن عاطفته نحوها”. ۾ يکن أيّ من 
ذلك باديا للعيان عبر سنوات النم. لقد كن في وضع مكنهن من تقدير النوايا الطيّبة 
خلف قسوتها. ومع ذلك فإنه وثق بها وأودعها أسراره. ومن المغري أن نحسب أن 
شينا منها قد وجد طريقه إلى قصيدة سعد بعنوان «احتفالٌ في ثلاث حركات» 
:A Celebration in Three Movements‏ 

کل من عرفها أحبّها: تلاميذها 

مضوا فَدما غلی موجات ما حققته... 

صرختٌ: كانت شوكة جميلة ... 

انا عن التصبُّب عرقاء والغرف اممنعزلة العلياء والتصميم 

اجلس وابتكر» هذا كل ما هنالك 

اشتر كل ما تحتاجه من المخزن ال مجاور - الضوء والغراء» وامسطرة*. 

کان التعليم الذي تمارسه ميليا أكثر من هداية جيل الشباب؛ كان دعوة إلى 
الانضباط الذي يعتمد عليه التطور القومي. وبهذا المعنى كان حبه لها لا ينفصل 
عن التشدد الذي خشيه الآخرون عندها. 

ما نبيهة» عرابة إذوزد (أي أمّه في العماد)» وهي امرآة قصيرة القامة ممتلئة 
الجسم» فقد ترکت فيه أثرا كبيرا ها روته من قصص محزنة عن المصاعب التي 
واجهها الفلسطينيون بعد العام 1948 خلال تناول وجبات الغداء امعتادة في يوم 
الجمعة في بيت سعيد”. ويروي سعيد بالتفصيل كيف آنها لهمت إحساسه 
بانتمائه الفلسطيني عند زيارة المستشفيات ومخيّمات اللاجئين مرافقتهاء ليراقب 
عن كثب المأساة الإنسانية التي يعانيها من فقدوا أملاكهم ووطنهم وهم يتدفقون 


59 


إدورد سعيد 


إلى القاهرة بعد العام 1948. وكانت قصصها عن سوء التغذيةء والدوسنتاري 
وفقدان الوطن» ومطالباتها الدانمة من السلطات الحكومية وا مؤسسات الخيرية 
لتقديم اممعونة للاجئين الفلسطينيين الذين قو على القاهرة قد أثرت في سعيد 
بأن جعلته يدرك هويته للمرّة الأولى. كانت نبيهة وميليا شخصيتين مختلفتين تماما: 
إحداهما باردة العاطفةء والثانية صبورة متعاطفة. كانتا تنتميان إلى جيلين مختلفين 
ومن فرعين مختلفين من العائلة. ولكنهما مثلتا القطبين اللذين تأرجح بينهما المدى 
العاطفي الواسع لسعيد. 

لكن إلى جانب النساء اللواتي مثلن الجانب امتصلب من التربية السياسية التي 
تلقاها سعيد» كان ثمة عدد من الرجال الراديكاليين في حياته. فحتى قبل وصوله إلى 
منتصف العقد الثاني من حياته كان يكن احتراما أخلاقيا لليسارء لليساريين ا متطرفين 
أحيانا من غير أن يصبح واحدا منهم. وعندما قال في كتاب «خارج المكان» إن حياة 
فريد حدّاد وموته» «وهو ناشط ملتزم من أعضاء الحزب الشيوعي... ومناضل من 
أجل قضية اجتماعية ووطنية» كانا «موضوعا ضمنيًا في حياتي على مدى أربعة 
عقود»» فإنه م یکن يعترف فقط باتجاه من اتجاهات الشباب» بل کان يعلن أن 
مثال فرید کان یکمن ۰ 

تحت كل ما عرف به بعد ذلك ويعلن كذلك أن أولئك الذين عرفوا جوانب 
أخرى من حياته تجاهلوا تلك الحقيقة". 

کان سعيد يعرف فريد وهو صبيٰ في القاهرةء ولكنه أمضى معه فيما بعد وقتا 
في منتصف الخمسينيات ف القاهرة بينما كان طالبا ف ال مرحلة الأولى من الدراسة 
الجامعية في پرنستن في رحلاته الصيفية حيث تعيش العائلة فوجد أنه يقتصد في 
الكلام عن أفكاره السياسية وأنشطته التي تقع خارج مهنة الطب حتى إن أل 
سعيد عليه طلبا للمعلومات عن كلا الجانبين". وقد أحس سعيد بالصدمة عندما 
علم في شهر ديسمبر 1959 أن فريد قد تعرّض للضرب حتى الموت في السجنء 
وأن ذلك كان جزءا من «حملة الكبت الوحشية التي شتت على ال معارضة في مصر؛ 
بوفديّيهاء وشيوعيّيهاء والإخوان المسلمين فيها”». كان سعيد يتفق مع فريد في 
الرؤية السياسيةء ولكن أشد ما جذبه إليه هو ما فرق بينهما: عمل فريد بصمت وبلا 
مردود ماذي» تواضعه وعدم اكتراثه بالترقي الوظيفي» التضحية بالنفس» والخضوع 


60 


الشرنقة 


للانضباط الحزبي فيما هو يقف حياته مساعدة الفقراء. ما فعله - بكلمات سعيد 
- «فعله بصفته إنسانا له نشاط سياسي» وليس بصفته فلسطينيا بالضرورة»”. 

لقد وصف سعيد عمل فريد بكلمات ذات أصداء مسيحية واضحة بأنه كان 
يشبه عمل أبيه [أي أبي فريد] (وهو طبيب عائلة سعيد» وهو أيضا ذو نشاط 
سياسي) في أنه «إرسالية خيرية» مثلما وصف عمل نبيهة بأنه «يليق بالقديسين». 
ومن الممكن أن نقول الشيء نفسه عن اممثال الآخر لسعيد» كمال ناصء وهو 
مسيحي فلسطيني ومناضل بعڻي (اشتراکي عربي)» کان يعمل صحافيًا ومحاميا 
ومتخصصا بعلم السياسةء ويعمل ممصلحة منظمة التحرير الفلسطينية. كان سعيد 
قد تناول معه طعام العشاء في الليلة السابقة لاغتياله في أبريل 1973 على يد فريق 
اغتيال أرسله الجيش الإسرائيلي إلى لبنان”. م يجد سعيد كلمة تفوق في اقتصادها 
ا لمحسوب أفضل من كلمة «فاضلين» وصفا للرجلين. 

م يكن سعيد في الواقع - كما حسبه كثيرون - مترفعا عن السياسة ثم أجبرته 
حرب العام 1967 على الانخراط فيها. ففي قصاصة مطبوعة على ورقة ممزقة. 
وهي واحدة من كثير من أوراق تشبهها مدفونة في أوراقه التي تنتمي إلى ال مرحلة 
الجامعية الأولى» نجد محاولة لتعريف الذات: «أن يكون المرء مشرقبًا معناه أن 
يعيش ف عاطمين أو أكثر من دون الانتماء إلى أي منهما... معناه العجز عن الإبداع 
والاكتفاء با محاكاة... يكشف عن ذاته بالضياع» والتظاهرء وعدم الإهان بشيء 
واليأس». ومهما يكن ثمة من تقريع للذات عندما وصف طفولته بأنها «شرنقة» 
من الحظوة والدلالء فإن الثرانق تنمو وتحتضن» وتحضر الضعيف للاستقلال. 
ومهما يكن من أمر فإن عهد شرنقته كان عهدَ نضج قبل الأوان. 

کان ق عد الاب کا ها آم لون عه بوت جوج وع اومان 
وعد بلفور من دون أن يفهم عما يتحدّثان. ولکنه کان يحس بغضبهما ا فيه 
الكفاية. وتذكر نقاط التفتيش ف القدس الواقعة تحت الانتداب» والاحتكاكات 
الغامضة بين المستوطنين القدماء والجدد ف الطالبيةء وكان مايزال يصغي إلى إذاعة 
القاهرة وهي تصبٌُ جام غضبها على العدو الصهيوني"". أما ناديا فتتذكر أن إِذوزد 
كان أكثر وعيا وأشدٌ انتماء: «كان سعيد منذ صباه شديد الانتقاد ممظاهر الاستعمار 
البريطاني» ويتمرّد على مراكز الإمبراطورية الجغرافية؛ ولكن صوته في تلك الأيام 


61 


إدورد سعيد 


كان صوتا في البرَيّةء صوتا غريبا»”. وعلى نحو لا يقل لفتا للنظر» وصف سعيد 
نفسه وهو يزور تيغرمان ف القاهرة ف الخمسينيات والستثينيات بأنه «ناصيٰ 
ومناهض عنيف للإمبريالية»'. وم یکن بوسع أحد سوی صبيٌ لا يتأثر بحماس 
أمه في الأمور السياسيةء أو متمرد ضدٌ عمته الحبيبة التي أدارت مركزا معونة بني 
وطنهاء أن یکون مغایرا ما كانه سعید". وبینما کان سعيد نظ معتقداته ضمن 
برنامج للعمل فإنه كان يتصارع مع عبثية الثوريين في الشرق الأوسط وتشرذمهم 
الذي يبعث على اليأس. وعلى رغم أنه وجد في مواقفهم ما يدعو إلى الابتعاد عن 
المنظمات فإن شخصيته السياسية كانت قد تبلورت في سنوات مراهقته. 


62 


طرحَ عليه هذا السؤال: «أستاذ 
سعيد. ألا تشعر بشيء من الغربة في 
أمريكا؟»» فقال: «أشعر بهاء ولكنني 
أتجاوزها» 


عدم الاستقرار 


جرح دنيوي مزعزع» مقلق» يسبْب العجز 
( 


وفقدان التوازن". 

كان سعيد في الخامسة عشرة عندما وصل 
برفقة والديه إلى الولايات اممتحدة في العام 1951 
للالتحاق بالقسم الداخلي في مدرسة ماونت 
هيرمن» وهي مدرسة أسّسها الواعظ الإنجيلي 
ذوايْت ل. مودي M100 dy‏ .1 ٤٣چiسw(‏ ف ریف 
ماساتشوستس في العام 1881 ب « نيو إنغلند». 
ومع أن الوالدين تحدَّثا حديثا عابرا عن انتقال 
العائلة إلى الولايات المتحدة (وتفخصا جديا 
بعض البيوت في مادسن بولاية ويسكونسن)»ء 
فإنهما تخليا عن الفكرة وسرعان ما عادا إلى 


63 


إدورد سعيد 


القاهرة. وكان أبواه يأملان من المدرسة أن تزؤد ابنهما صعب القياد بالانضباط 
الديني الذي يحتاج إليه حاجة ماسّة بعد الصدامات التي واجهها مح مسؤولي كلية 
قكتورياء إلى جانب تزويده ببداية جديدة. لكن سعيد كره تلك اممدرسة كرها بالغاء 
فقد وصفها بأنها «تكتم الأنفاس» على رغم أن الأدلة ا متوافرة لا تؤبّد ذلك الوصف. 

لكن لا شك في أن ضيق أفق البيئة الجديدة بدا خانقا عند مقارنته بانفتاح 
ال رة ت اة عن أنه ب لطا الط ولفاق بن 
استاء من نمط التعليم الأخلاقي الذي تارسه المدرسة ويطلب فيه من التلاميذ أن 
يظهروا التواضع بأداء وظائف يدوية مثل تقشير البطاطاء ولكن ذلك كان بعيدا كل 
البعد عن أن يكون العمل اليدوي الوحيد الذي ذاه سعيد» فقد تضمُّنت واجباته 
العمل «منقذا» في السباحة» ومشرفا على الأنشطة الترفيهية لدى الرابطة المسيحية 
في هضبة پوكونوء وعاملا في كافتيريا الكلية بأجر قدره دولار واحد ف الساعةء وآمينا 
للصندوق لدى وكالة لكرة القدم» وجليسا للأطفال2. 

وعان رقم أن العليم الديني كان جوا اساسا من اواج الإجباري انه م يكن 
يتصف بالتشدد أو بتلك النوعية من التدين التي تعرف باسم «ولدتُ من جديد» 
والتي ترتبط في الأذهان با معمدانيين؛ ولذلك فإن من المحتمل من الناحية النفسية 
أن قسوة فصول الشتاء في نيو إنغلندء والأفق الفكري الضيّق للحقبة المكارثية في 
أمريكا أسهما في تشكيل حكمه القاسي أكثر مما أسهم به أي تلقين مذهبي أو عقاب 
جسدي. والحقيقة هي أن هذه الفترة من حياته شهدت ازدهارا إبداعيًاء واكتشافا 
معلم يوق به وأول أعتراف واسع النطاق بقدراته. 

ل فان اا الأمريكيةء لكنه مم يكن قد تأمرك ثقافيًا. وكانت 
حركية الثقافة المشرقية قد أسهمت بتسهيل التأقلم مع متطلبات العيش ف بلده 
الجديد» لاسيما - كما سنرى - قعلقه بالأفلام السينمائية الأمريكيّة الشعبية. لقد 
وجد سعيد منذ البداية أن الحياة في الولايات اممتحدة تشجع على الغلق با معنى 
السلبي له". فقد بدا له أن مثقفي البلاد ضبقو الأفق إلى درجة منفرةء واستاء على 
وجه الخصوص من كارة أولئك الذين ينتمون إلى اليسار والذين تقبّلوا طموحات 
حكومتهم الإمبريالية. أما المشروع الصهيوني» ذلك المشروع الذي قبله مشكلو الآراء 
السياسية ف البلاد من دون الخوض ف أسسه» فقد بدا له أشبه بإعادة تدوير للوحة 


64 


عدم الاستقرار 

ذاتية ثُصَوّر - بفخر - صاحبتها بوصفها دولة استعمار استيطاني أحلت شعبها محلٌ 
السكان الأصليين بإرادة ربّانية لتحقيق رسالة في البريةء إن شئنا استخدام عبارة من 
موعظة آلقيت ف ماساتشوستس ف العام 1670“ . 

باستحضار صورة البيوريتانيين وهم يهربون من الاضطهاد الديني في إنجلتراء 
كان المنفى دانما جزءا من الذخرة اللغوية للبلاغة الأمريكية» وهذا هو ما جعل 
سعيد يسعى إلى التنصل من العبارة: «ثمة قدر من المبالغة في وصفي باللاجئ». 
ولكنه م يقصد أن فقدانه موطنه الأصلي» بغض النظر عن السبب» أشعره بأنه 
لا ينتمي إلى هذا العام الجديد. فقد كانت صورة البلد المكون من منفيين يبنون 
العام من جديد على رغم صلتهم القوية بالعام القديم أقرب إلى الصورة المتكررة في 
الرواية الأمريكيّْة على الأقل. وبعد مضي سنوات قال هاري لَقْنْ د16 ۲٣y‏ إن 
الموضوعين الكلاسيكيين ف فن الرواية الأمريكية هما الو المتجول» و«الهولندي 
الطائر» وهما شخصان متنقلان لا ينفكان ينظران باتجاه الوطنء ويعيشان ف حالة 
وسط بين «عشق السفر والحنين إلى الوطن»*. 

سيعترف سعید مع مرور الوقت بأمریکيته ها قد يبدو لکثير من القراء بأنه 
شعور غريب بالوطنية؛ وذلك بسبب انتقاداته السياسية: «يجب ألا ننسى أن بلدنا 
جمهورية من المهاجرين: هذا ما يجعله فريداء وعلى درجة غير عادية من الانفتاح» 
وعدم الثبات» ومن الجاذبية اممثيرة... [إن أمريكا] تمر دانيما بعملية الكشف عن 
نفسها والتحوّل من حال إلى حال»”. ولکنه م یکن متسقا مع نفسه حول هذه 
النقطة. ولتن كيّف نفسه للتأقلم مع نيو إنغلنْد ألا ومن ثم مضى لاحتقار ما وجد 
أنه ثقافة شعبية بلهاء («كانت حياتي خالية من آلات سكب الممشروبات الغازيةء 
ومعذيها» بتعبيره الساخر) فإنه اكتشف ف الأفلام الأمريكية ممحة غير مباشرة من 
الحياة الجنسية التي تعرّف عليها ثم حرم منها في الحياة الليلية في القاهرة". 

كان انتماء ال مرء إلى أمريكا وإلى العام القديم في الوقت نفسه غير ممكن 
إلا في نيويورك. مدينته «امتلوّنة» وفقا لتعبيره» مدينة التحولات الجذرية في السياسة 
والفنون» «مدينة الاقتصاد الرأسمالي ا معوم»» مرجل «الوافدين المنشقين المبدعين 
من اممدن الأخرى»”. ومن ال ممکن آن نقول إن سعید کان نيویوركيًا قبل انتقاله إلى 
أمريكا. وف السنوات 1948 و1950 و1951 قضى سعيد كثيرا من وقته وهو يتسکع 


65 


إدورد سعيد 


في دور السينما فيها أو في متاجرها ومطاعمها. وكانت طريقه إلى البلاد ومغادرته 
إياها تأخذه عبر شوارع هذه الممدينة الكبيرة ذات البنايات الشاهقة"'. 

ومع حلول الزيارة الثالثة وقبل أن يودعه أبواه في ماونت هيرمن من دون 
حفاوة كبيرة» كان إدمانه على دور السينما في الشارع 42 قد ترسخ؛ وهو موقع 
عرض الأفلام السينمائية اممعتادة قبل أن تصبح اممنطقة منطقة سيئة السمعة بوقت 
طویل. فقد کان قبل ثلاث سنوات وهو ف طریقه إلى مخيّم ماراناكك الذي کرهه 
قد اكتشف في مانهاتن «عام الأفلام ا ملونة الباذخ... الذي كان يتوقع أن يجده في 
أمريكا»". وبعد التخرج في ماونت هيرمن طاف ف أنحاء نيو إنغلندء برفقة ابن 
عمه وعائلته التي أشعرته بام ملل وهي رحلة م يشفع لها سوى الأسبوعين الأخيرين 
اللذين قضاهما في فندق ستانهوپ المعروف ف الجهة الممقابلة ممعرض ا متروپولتن 
للفنون في مدينة نيويورك التي م تعد أرضا غريبة. 

على آن إذوَرد م يكن وحيدا في العام الجديد مهما بلغ من إحساسه بالوحدة. 
فقد كان هنالك من بين أقربائه من العرب الذين يعيشون في الولايات اممتحدة 
شارل مالك سفيرٌ لبنان في واشنطن فيما بعد» وصاحب الشخصية الجذابة التي 
لا تملك إلا أن يكون لك منها موقف» إذ كان يعيش في واشنطن مع زوجته إيقاء ابنة 
عم هیلدا. كان هنالك ایضا آي نط4 الذي کان یعیش ف وودساید» ي کوینز(**. 
وقد تصرف كلاهما تصرف ولي أمر سعيد عند حاجة سعيد إلى شيء من المال أو غير 
ذلك من الحاجات الضرورية» على رغم أن العلاقات مع الطرفين زادت صعوبة مع 
مرور الوقت”". وفي حالة آبي» وهو ابن عمه الراحل سعد الأخ الأكبر لأبيهء كان 
امهرب الوحيد لسعيد من روتين ماونت هيرمن هو زيارة العائلة آبي ق العطلتين 
المدرسيتين. كان سعيد يكره هذه العائلة» ويهرب كلما سنحت الفرصة ليشاهد 
فیلما سینمائیا بعد آخر”. 

إن الصبي الصغير في كتاب «خارج الممكان» وهو صبي يثير الرثاء من بعض 
النواحي» ويتصف بالبطولة من بعضها الآخرء ويوصف دانما وصفا فيه قدر 
() شارل مالك ليس قربباء بل هو نسيب» لكن علاقة القرابة باللغة الإنگليزية تشمل القرابة بالدم والقرابة بالنسب. 


[اممترجم]. 
(* *) قصبة من قصبات نيويورك. [المترجم]. 


66 


عدم الاستقرار 

كبير من ال مفارقة. لا يتحدّث أبدا. ولذلك فإن مشاعره وأفكاره تبقى حبيسة في 
حساسية هي له في جانب منهاء ولكنها أكثر من ذلك؛ لأن الذات الأكبر سنا تعرف 
الذات الأصغر ستاء بينما العكس ليس صحيحا. وعلى سبيل الممقارنةء نجد أنه في 
شعره ورسائله المرسلة من اممدرسة في بداية منفاه الثاني (بعد مغادرة القدس) 
ب هة 9 اها ف بطل اة رات ااك الي ل هوف له وك أغنت 
معامها تتضح للمرّة الأولى. 

لد أا الاتتقال إل مريك إل وضع حه اللسفل إل عمس هارن اة 
على مدی ست سنوات. وكان قد ترك كليّة فكتوريا في جو من الشك: هذا أمر 
مؤكد. ولیس بإمكاننا البتٌ فيما إذا جاء فصله منها بسبب وقاحته أو شجاعته 
في الوقوف ف الصف ضد الطغيان» ولكنه كان في كل الأحوال طفلا صعب المراس؛ 
«ليس مستقزًا تماما» كما وصفه مدرب التنس في مدرسة ماونت هيرمن. ما م بقل 
هو أن سعيد كان فظا في مواجهة السلطة؛ إن مم يكن يتحدّاها علانية. م يطل 
الوقت جني قشت العادة مسك اللات مح طالب مشر ققد لكمه ست 
لكمة على أنفه أرسلته إلى المستوصف. 

يشير سعید إلى أنه «طرد» من كلية کور ولکن 5 ايس ححا نااج 
الإجرائيةء إذ كان الأمر أقرب إلى فصل مۇقت دة أسبوعين بعد مجادلة مع م 
آزعجه عدم امتثال طلبته له» ففقد أعصابه واتهم سعيد بأنه المحرّض. وهنا رى أبوه 
أن من الأفضل إبعاد ابنه عن المدرسة» وأدرك أن نظام التعليم البريطاني قد أصبح عبئا 
جسدیًا ومعنویًا على إذْوَرْدء وأخذ يؤر فی دراسته. ثم جاءت دوافع أخرىء» فقد أوضح 
مدير الكلْيَة بالإنابة س. هاول-غرفث أن سعيد ليس له مستقبل في النظام البريطانيء 
وه ابلق بقرت سيد خان ادى اوجن من أن سالك توصي الي 
سيكتبها ستكون فاترة اللهجة» وهي توصية مم تستغرق سوى سطرين ونصف السطر 
ا ا 
وقذر على تقرير جاهز اهتماماته الفكرية وحسن تعامله مع الآخرين بقوله إنها من 
الدرجة الثانيةء وم يجد فيه سوى «وعد عادي» إذا ما التحق بالدراسة الجامعية. 

أما ا مدير الذي عاد للعمل» ج. ر. غ. پرايس فلم يكن تقريره بهذه الشدّة 
فقد طمأن مدرسة ماونت هيرمن بأن إِذوَرد لو بقي سنة أخرى في كلية فكتوريا 


67 


إدورد سعيد 


لکان من المتوقع ن یحصل على قبول من أوکسفرد أو کیمرج". لکن م يکن 
من المستغرب أن يسعى وديع بالنظر إلى هذه التقديرات المتباينة إلى تحسين 
فرصه بطلب رسالة من صديق للعائلة تخرج في مدرسة ماونت هيرمن هو جون 
س. بادوء رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة. وكان بادو هو الذي عرف عائلة 
سعيد بتلك المدرسة» وشكلت توصيته دعما ضروريًا للطلب المهزوز للالتحاق 
بالمدرسة. فقد طمأن اط مدرسة (وليس ثمة ما يدعو إلى التشكيك في صدق ما يقول) 
بقوله إن الأب «حريص على أن يضع ابنه في مدرسة ذات آثر مسيحي طيّب»'. 
وي محاولة منه لإبرام الصفقة كذب سعيد» استجابة لنصح والديه من غير شك 
وقال: «هكنني أن أؤكد بثقة أنني م أصادف مصاعب سلوكية في كلية فكتوريا 
أو أ نة آعرى 

كانت هنالك أسباب أخرى وراء «شحن» إِذوَرّد إلى أمريكا. كان وديع يحس 
بان غلاق إذو الحميما وال د عا صح وآها أعذت ف مره 
العاطفي. ولكن الدافع الرئيس كان الاحتفاظ بالجنسية الأمريكية كما أوضح إذورد 
في رسالة الطلب المكتوبة بخط اليد: «ا أنني عشت في مصر طوال حياتي فإن 
علي وفقا للقانون أن أقضي خمس سنوات ف الولايات اممتحدة إلى أن أبلغ الحادية 
والعشرين من العمر. أبلغ الآن الخامسة عشرة والنصف» ولذلك فإنني سأكون 
مضطرًا مع نهاية هذه السنة إلى الذهاب إلى أمريكا للمحافظة على جنسيّتي»*'. 
ولئن اضطرًّ وديع إلى العودة إلى وطنه من الولايات اممتحدة بسبب وعد قطعه لأمه 
فإنه صمّم على أن يحصل إذوزد على فرصة للبقاء. كان ما حصل في كلية قكتوريا 
شيثا عجًل باتخاذ القرار. 

م تكن الدلائل في البداية تبشر بخير. كان الطلب الذي كتبه للالتحاق هاونت 
هيرمن بدائَيّاء بل كان مملوءا بالأخطاء النحويةء تلوح منه لهجة أرستقراطية صارخة 
ا معاطم. فقد بين أن اهتماماته اللامنهجية تشمل التنس» وكرة القدم والسباحة 
وركوب الخيل؛ وكان عضوا في جمعية المناظرة والجمعية العلمية. م يكن قد وصل 
إلى قرار نهائي بشأآن هدفه في الحياة بعد ولكنه «هيل إلى أن يدرس الطبٌ». وقد 
مضت دراساته وفق النمط المعهود للطلبة الذين ينوون الالتحاق بكلية الطب 
ولكنهم يكتشفون أنهم ينتمون إلى الفنون والإنسانيات بعد الرسوب في مادة 


68 


عدم الاستقرار 


التفاضل والتكامل. وكانت علاماته في السنة الأخيرة في كلية قكتوريا غير متميزة: 
4- في اللغة الإنگليزية؛ ٤‏ في علم الأحياء؛ +٥‏ في الكيمياء؛ -٥‏ في اللغة الفرنسيةء 
وهذه علامة تثر الاستغراب. 

وبغض النظر عن نواحي ضعفه ف البدايةء فإنه خلف انطباعا لا يُنسى. فقد 
كان طالبا منتقلا وصل ال مرحلة السابقة ممرحلة التخرج» وكان قد قضى سنتين في 
كلية قكتورياء وم يكن قد بلغ السادسة عشرة بعد. وكان يبدو في الصورة ا مرفقة 
بالطلب كأنه في الحادية والعشرين» وهذا ما يفسُر كثرة الأعباء التي ألقيت على 
عاتقه ف امدّة التي قضاها هناك. وقد أسهم حجمه الجسماني» وميوله الرياضية 
وطريقته الناضجة في التصرّف في ترسيخ عادة ظلت ترافقه طول حياته» وهي 
البحث عن رفقة أصدقاء أكبر منه ستا. كان ذلك هو الحال كما رأينا ف حالة جيرانه 
في الضهورء منير نضار وإخوته» واستمرٌ ذلك في علاقته الرومانسية الأولى بإيقا 
عماد (التي کانت تکبره بسبع سنوات)» وبابتي عمّه روبرت وآألبرت» وبصدیقاته 
في ال مرحلة الجامعية الأولى في پرنستن» ومن ثم في علاقاته مع مجموعة الزملاء 
التي كؤّنها عندما أصبح عضوا في هيئة التدريس في جامعة كولومبيا؛ وكانوا كلهم 
یکبرونه بسبع سنوات تقریبا. 

كان الضعف الواضح في تفكيره الذي كشف عنه تقرير نفسي أعدته اممدرسة 
نتيجة لاختبار معتمد يقوم على اختيار الإجابة الصحيحة من عدد من الإجابات 
دليلا آخر على المرحلة الانتقالية. فقد أربكته أسئلة بسيطة ف الرياضيات» وكذلك 
فعلت أسئلة عن التعرّف على بعض العلاقات البصرية واممكانية. م تكن العلامة 
التي حصل عليها بالغة السوء» لكن الأخطاء كشفت عن بعض نواحي الضعف 
العاطفي» ففي الجزء الأخير أعطي سلسلة من الأسئلة التي تعتمد على صيغة 
«ما هو عكس الأمل؟»» حيث كان الجواب الصحيح هو «اليأس» طبعا. كذلك 
أعطى الجواب الخطاً عن سؤال يقول: أي الجمل الآتية هي الأصح: الآباء أحكم من 
أبنائهم: 1) داتما؛ 2) عادة؛ 3) بکثیر؛ 4) نادرا ما یکونون؛ 5) لا یکونون أبداء فأجاب 
بكلمة «دانما» فكان جوابه خطأ. كذلك أجاب عن سؤال يقول: «الأمٌ ----- من 
ابنتها»: 1) أحکم؛ 2) أطول؛ 3) أضخم؛ 4) أكبر سنا 5)؛ ذات تجاعيد أكثر» فأجاب: 
«أحکم» وبذا کشف خطؤه عن جانب من نفسه. 


69 


إدورد سعيد 


شر آنه سرغان ها اعفة وشكة بع هذ البدارة اى وااشت مانا 
الكامنة في داخله» وأصبح بعد سنة واحدة قضاها في ماونت هيرمن «عازفا متميُزا 
للبيانو» واكتسب القدرة على التعبير عن نفسه بثقة وبأسلوب يقرب من المملق. 
ويظهر من الصورة المنشورة في الكتاب السنوي أنه نيق المظهرء ولا يبدو أنه ينتمي 
إلى منطقة جغرافية بعيدة؛ وهو في الكتاب واحد من ثلاثة من الطلبة «غير البيض» 
إلى جانب اثنين من الأفارقة الأمريكيين من فريق الإنشاد. وقد علق سعيد ساخرا 
فيما بعد أنه بلغ مسك المكان بصبغته الثقافية الخالصة مبلخ أن الطالب القادم 
من هونولولو ضمٌ إلى النادي الدولي. وعلى رغم أن الوقاحة م تبلغ بأيّ من زملاثه 
في الدراسة حدّ أن يدعوه عه“ بحضوره فإنهم عاملوه على هذا الأساس وفقا 
لأصدقائه في تلك الآونة”". وقد بلغ من عنصرية البيئة في تلك الفترة أن وليم 
سپانوس ۸05 هم؟ ١ه‏ ناء مؤْسّس الصحيفة ذات التوجْه ما بعد الحداثي المسماة 
dary 2‏ 0unط‏ الذي کان کٹثیرا ما یتراسل مع سعید فیما بعد صادف أنه کان مدرسا 
شاا فی ماونت هرمن في ذلك الوقت؛ وکان تلامیذه يطلقون عليه لقب ء1م**) 
من وراء ظهره بسبب أصله اليونانی. 

ومع ازدياد ثقة سعيد بنفسه» غامر للمرَة الأولى بدخول عام الأدب. وفازت 
قصيدته بعنوان «القلعة» مءاائة٤‏ مط1 بجائزة هيو فندلي Hugh Findlay‏ 
للشعر في سنته قبل الأخيرة في المدرسة. وفيها مهد اتون بالاستعانة باممتكآت 
المتوقعة. «هناك. على قَمَةَ جبل وعر... يستعرض الصليبيون الشجعان حشود 
ا مسلمين»***. وتعلو باتجاه الجدران صرخات عالية «من السراديب القذرق 
وتنتج سيمفونية من أصوات متنافرة»“. وفي محاولة غريبة تمزج فرانز كافكا 
وألفرد لوزد «Alfred Lord ‘Tennyson ji3‏ يلمح سعيد إلى موضوعاته 
الساسية الي اتضجت قا بد امان بان لاوت الذي بظرةق إل اسر 
«نظرة ملؤها الكبر والاحتقار». ولا ينقشع الجو الرهيب إلا على يد قوّة أعظم من 
)%( كلمة تستعمل في اللهجة السوقية البريطانية للتعبير عن احتقار الملؤنينء لاسيما القادمين من شمال أفريقيا أو 
غرب آسيا أو جنوبها. [ايمترجم]. 
(#*) كلمة تُستعمل في اللهجة السوقية للتعبير عن احتقار شخص من أصول إسبانية. [امترجم]. 


 ×(‏ ) الكلمة الأصلية هي 5۲4٥٤۸۶‏ وقد اختلف في أصلهاء ولكنها تشير في العادة إلى المسلمين في سياق الحروب 
الصليبية. [المترجم]. 


70 


عدم الاستقرار 


القسوة الإنسانية؛ القوّة الطاحنة للطبيعة التي تنخر الجدران إلى آن تنهار «كأنها 
لعبة من الطين تحولت إلى غبار». 

لرا كان سعيد قي مرحلة النضج سيعامل هذه القصيدة بالقسوة التي عامل 
بها «الشويعر اممتبسم» كث بَلنٰ ١ء811‏ طاءء ذلك اممدرس المكروه في مدرسة 
الجزيرة الحكومية الذي ان الخيزرانة معاقبته على سوء تصرُفه. ففي كتاب 
«خارج المكان» سخر سعيد من «الأشعار المنمُقة المتحذلقة» التي كتبها معذبّه 
سابقاء ا «فيها من كلمات غريبة الوقع وأسلوب مفتعل» (مثل عبارة «الخوخ 
امدمى» .)Peach incarnadine‏ لکن لو کان سعيد قد فعل ذلك طا کان منصفا؛ 
فخلافا ا بلن: «العطور llعiنيغفة« Perfumes Violent‏ تلك العبارة التي ترد 
ف قصيدة کتبت لتنشر في اة أدبية ليقرأها البريطانيون خارج البلادء كتب سعيد 
قصيدته بدافع الغضب ضد نظام لا يقبله العقل. ولا ننسی أنه كان ف السادسة 
عشرة من عمره. 

إن ا محافظة على كناية القلعة على مدى خمسة وثلاثين سطرا أمرٌ يثير الإعجاب 
بحدٌ ذاته» بعرضه الواثق لحركتين مختلفتين هما القوّة والاضمحلال. إذ مم تكن 
هاتان الفکرتان مجرّد انطباعین عابرین» بل شکلتا سردا متماسکا یقوم علی هدف 
أخلاقي جارح الصراحة. وفضلا على تمتعه بإحساس مرهف بالأصوات الأدبية. فإنه 
م يكن بوسعه مقاومة إغراء الصيخ الفكتورية التي لا هكن ذكر القوة (إمس0م) 
فیها معزل عن الجبروت (۲۲عن.)» وذکر اللبلاب (ر1۷) دون تشبيهه بالثعبان 
(nممSerp).‏ وعلى رغم أن القصيدة تعاني التقليدَ على هذا النحو فإنها حاولت 
تحويل اللغة الشعرية القدهة العالية إلى سلاح لتدمير القلعةء ليس فقط لأنها ظاممة 
بل لأنها ضذ الطبيعة. ومن الصعب علينا ألا نرى أن البنيان المتهاوي في الأسطر 
الختامية يرمز إلى آي شيء سوی ا من كلية فکتوريا. 

شعر سعید بالسعادة بسبب ما تخلص منه» لکنه کان مترددا بشأن ما یعرضه 
الحاضر. وكان النفي من بيت حَسَن التأثيث ث في مدينة ذات صبغة عامية سيئا ما 
فيه الكفايةء ولكن كان عليه الآن أن يرضى مدينة نورثفيلد بولاية ماساتشوستس 
التي هي عكسها تماما. كانت الخدمة الهاتفية فيها مذبذبةء وفرص استعمالها نادرة. 
ما الرسائل البريدية فكانت من البطء بحيث تشبه الأعمال الورقية في بنك في كلكتا. 


71 


إدورد سعيد 
وقد عنت حياته «الرهبانية» - على حد تعبيره - التي عاشها في تلك ال مدرسة أكثر 
بكثير من التعليم الديني المنتظم والحمامات ال مشتركة ومراحيضها المفتوحة. فعلى 
غرار الترتيب السائد في منطقة رابطة اللبلاب مuعهء1‏ رآ“ قصلت مدارسها 
الثانوية الخاصة التابعة لها بين الجنسين وأسكنتهما في موضعين منفصلين. وكانت 
اطمدرسة اممقابلة ممدرسة ماونت هيرمن هي مدرسة نورثفيلد للبنات. وقد حمى 
سعيد ذهنه من الاستغراق في الأفكار الملوثة بالنشاط الدائب ف النادي الدولي 
(حيث عمل نائبا للرئيس)» والنادي الفرنسي (حيث عمل نائبا للرئيس)»ء ونادي 
هواة الطوابع (حيث كان الرئيس)ء ونادي المناظرات» وفريق الإنشادء مع أنه صار 
بعد ذلك مكانا غير مريح إلى حدٌ كبير كأن الثلوج تقيّد حركة الناس فيهء وحيث 
كان يشعر بالغربة النفسية والفعلية. وقد تحمل بسبب هذه الغربة الابتسامات 
الكاذبة وتعبيرات الاستهانة الخفيةء وخر من أن يوضع في المكان الشرف الذي 
يسعى الطلبة إل أن يوضغوا فيه (ث الكتاب السنوي أو بصفته عضوا ف ابمكبة» 
وهذان مكانان يخصّصان للطلبة الذين يحصلون على ما حصل عليه من ميُز 
أكادهي. وهو عندما يقول إنه م يشعر «بأنه كان جزءا من الحياة المدرسية العامَة» 
فإننا نحس بأن ذلك أشبه بالاعتراف» مع أن ثمة ما يدعو إلى أن نرى فيه شيثا من 
التبجح أيضا. كان يلعب وفق قواعد المدرسة على رغم احتقاره لهاء وينتمي للمكان 
ا 

غر أن التجخل الفعلي 6ل على أنه كان حريصا على المشاركة في الأنشطة العامة. 
ففي امخض الإداري الذي صدر قبيل التخرج بقليل وجد المسؤولون أنه «ذو شخصية 
محبَّبة» وأنه «متعاون طوال الوقت». وكتب المدير هاورد ل. روبندال آنه کان محبوبا 
جدل وأن مدربیه وجدوا أنه «عضو بارز في ا أما زملاۋه في الدراسة فقد رأوا أنه 
اا شات حاذ الطبع» طموح» وأنه أشدٌ اهتماما بالأمور الدنيوية منهم. وعلى عكس 
الوضع في كلية قكتوريا وقع في بعض اممشكلات في ماونت هيرمن بوصفه عام العلماء 


(#) تشير هذه العبارة إلى و من اني جامعات وکلیات ف الشمال ل الشرقي من الولايات المتحدة »> وهي 


جدران بنایات الكليات"ٌ القدهة کانت مکسيًة باللبلاب. الأ م من ذلك أنها تعد من أفضل الجامعات الأمريكية. 
[امترجم]. 


72 


عدم الاستقرار 
الذي لا يرضيه شي»ء وهو ما أعطاه فيما بعد تفسيرا مختلفا بقوله إنه م يكن محبوبا 
«لأنني م أكن ذا شخصية قياديةء وم أكن مواطنا صالحاء وم أكن متدينا». كذلك 
جری تخطیه من دون تفسیر في عدد من مناحي التميُن وآيمه جدًّا أنه حرم من التكليف 
بإجراء بحث في الممكتبة. فبما أن ذلك التشريف كان يعطى لأفضل طالب في السنةء فإن 
ذلك هو ما طمح للحصول عليه أكثر من أي ثيء آخر. 
كذلك كانت هنالك مسألة السياسة الإمبرياليةء وهي المسألة الكامنة خلف 
قول إن مجو أن أغذت الور السياسية اللعاقة بالعاة الحرن قوذي ورا قري 
أهميته في الحياة الأمريكية» حتى وجد نفسه منبوذا اجتماعيا في بيئته الأكادهية 
الجديدة. فحتى في مدرسة ماونت هيرمن عرف سعيد بين أقرب أصدقائه إليه 
بأنه شديد الحماس للقضية الفلسطينية. كان هناك شعور بالإحباط سببه جهل 
الأمريكيين بثقافة گ من مصر وفلسطين وتاريخهماء ولكن اضطراره إلى مكافحة 
النظرة الضيقة م يكن هو المصدر الرئيس لخضبه. م يكن يحصل على ما يستحقه 
من تقديرء وترك ذلك أثرا بالغا فيه. قد يكون وصفه بالداعية إلى قضيته سابقا لأوانه 
في هذه ابمرحلةء ولكنه كثيرا ما تكلم عن الوضع الفلسطيني السيّنَ في مراهقته. 
وكان واضحا لكل من أصغى إليه أن القضية كانت تؤرقه باستمرار. ونتيجة لذلك 
وجد هو وزميل له في المدرسة اسمه غوتفريد بريغر قذرا من التضامن المتبادل في 
کونهما غریبین. فقد قدم کل منهما عرضا مام نادي الروتاري عن بلده. وعد أن 
وجد بريغر أنه كان عليه أن يجيب عن أسئلة من نوع «هل توجد أبقار في آممانيا؟» 
علق ساخرا لسعید بقوله إنه کان عليه آن يتكلم عن فلسطین بینما يتحدّث سعيد 
عن أمانيا؛ لأن المستمعين الجهلة م يكونوا يعرفون الفرق. 
وعندما اقتربت سنته الأولى من الانتهاء أخذت مواهبه اممتعدّدة تظهر للعيان» 
فد اخ ب ك ما أن سن دا عا 815 طرق ارط وغل ذز 
عصر التنوير وكيركغور ف اممادة التي كان القس جيمز ري وات يدرسها عن الكتاب 
الق س وط رت افعافات القافة عا الموسقى الك كة إل اة نة 
لتاريخ الأداء الكلاسيكي واللبرتو نااء ٣نا‏ الأوبرالي» وسر ا مؤلفين» والكتب 


(#) هو النص الذي ينطق به شخوص الأوپرا غناء أو محادثة. [امترجم]. 


73 


إدورد سعيد 


المتخصصة في فنْ الطباق الموسيقي 011 .c0u terp‏ وف أثناء دراسته کتاب «تاریخ 
غروق للموسيقى وùıgwghl« Grove History of Music and Musicians‏ 
استمع إلى كل الأسطوانات التي كانت مكتبة المدرسة تحتفظ بهاء والتحق بفريق 
الإنشاد وبنادي غلي ١٠اع*»‏ وعاد إلى التدرّب المستمر على العزف على البيانو 
فاستعاد بذلك اهتمامه الذي خف بتلك الآلة في السنين العاصفة التي قضاها في 
كلية فكتوريا. وعند نهاية الفصل الثاني كان قد تقدّم ف تصنيف طلبة الصف وحصل 
على جائزته الكبيرة الثانية؛ وهي الجائزة المخصصة لقراءة الروايات ونقدها. وإذا ما 
زفعا هذه الاتسارات هة ق خان الاب افون جافة فإفا دهد آله كان 
لايزال من وجهة نظره طالبا يتحضر لدراسة الطب وتتضمن قانمة ال مواد الرهيبة 
التي درسها: الجب والأحياء والرياضيات (اممستوى الرابع)» والكيمياء. والحقيقة 
هي أن جائزة «فلورنس فلاغ» ع۴1 ۴10۲۵۸۰۲ التي فاز بها قي سنة التخرُج کانت 
لقاء «التميُز في العلوم الحياتية». 

غير آنه كان يقترب شيئا فشيئا نحو العلوم الإنسانية على رغم أن الانتقال م يكن 
سهلا. اعترف مدرسوه بإمكانيّاته الفكرية الواعدةء ولكنهم م يكونوا بالوضوح نفسه 
فيما يتعلق بامؤهُلات التي تتطلبها العلوم الإنسانية: الإبداع والخيال «والتعبير 
الشفوي عن أفكاره». واعتمادا على رأي والديه» اعتبرت المدرسة أن نواحي الضعف 
عنده كانت نتيجة لوضعه العاطفي غير امستقرء وهو وضع اتخذ شكل الكسل 
الشديد حتى بعد الحصول على قسط وافر من النوم. وقد ذهب طبيب المدرسة 
الدكتور و. ف. دد إلى حدٌ القول في تقريره الصحي إن استيقاظ سعيد مح الشعور 
بالتعب «رها كان شعورا موروثا» لأنه موجود في العائلة. وعد مشكلته مشكلة 
افا ل فة وط فعا ساسا لجن موق الك ق الف وح 
بأن يأخذ مقويا «لتنشيطه»”. 

حدثت تغييرات مؤممة في منتصف المدّة التي قضاها ف المدرسة عندما تحوّل 
التعب اممستمرٌ إلى ذعر. عاد إلى القاهرة واممنتجع المعهود في ضهور الشوير لقضاء 
صيف العام 1952ء وعندما حان الوقت لكي يعود إلى ماونت هيرمن طلب من 


(*) يتكوّن هذا النادي من فريق من الممغنين يغنون معا قطعا قصيرة. [المترجم]. 


74 


عدم الاستقرار 


أهله أن يسمحوا له بالبقاء. وكانت الرسائل التي أرسلها والداه منذ بداية مكوثه 
هناك إلى امسؤولين في مدرسة ماونت هيرمن تعبر عن مزيج من الحرص والتحذير 
وتتجاوز الخط الفاصل قي التعبير عن حب الأبوين بلغة غير معهودة في الثقافة 
الأمريكية وعن رقابة وضعه وكأنهما محاميان عن مصلحته. فقد كتبت هيلدا 
من نيويورك رسالة تاریخها 21 سبتمبر 1 تحت فيها المدرسة على استخدام 
كل خبرتها معالجة الشباب الذين هم في سته» وأن يأخذوا المشكلات التي يعانيها 
ابنهم في الحسبان”*. ثم كتبت بعد ستة أشهر لتقول إن إذوزد يعاني نوعا أكبر من 
النوع اممألوف من مرض الشوق للوطن ۸٤8‏ )رهط . ثم سرعان ما جاءعت 
«الأحداث الفظيعة» في القاهرةء وهي أحداث دفعت بالأمور إلى أكثر مما يطاق. 
فكما ذكرت آخته جين: «كنا في ضهور الشوير كما تعودنا عندما اندلعت الثورة 
المصرية يوم 23 يوليو 1952»“. أخذنا جميعا «نصغي إلى الراديو طول الوقت» 
لنعرف ما الذي سيحصل. وكان هناك نذير شؤم في شهر يناير 1952؛ أي قبل رسالة 
هيلدا الثانية اموجهة إلى روبندال بشهر واحد. وفيها تطلب منه التدخّل من أجل 
ابنها الذي يعاني القلق الشديد. ففي اليوم الذي يعرف تقليديا ب «الأحد الأسود» 
رذ البريطانيون على التمرد الذي حدث في منطقة قناة السويس بشدّة فسارت 
حشود الناس وأخذت تهاجم الفنادق واب مدارس وامتاجر وا مطاعم وكل ما تشتم منه 
رائحة المصالح الأجنبية. وكان من بين المتاجر التي أحرقت تماما متجر القرطاسية 
الذي هلكه وديع سعيد المعروف فضلا على مؤسسات تجارية أخرى في شارع الملكة 
فريدةء الذي سمي باسم زوجة ال ملك فاروق الأولى. 
هنالك وصف معاصر بالخ الوضوح لتلك الأحداث كتبه وسيط تجاري هو إزمند 
وورنر Esmond Warner‏ إل شركة و. هھ. سمث طانصہ؟ .83 W۷.‏ وشرکاہ المحدودة 
الواقعة قي القاهرةء وإلى أبيه السر پلم وورنر Sir Pelham Warner‏ يوم 28 ينایر 
2ء وهي رسالة تصور الخوف الذي ساد بين أفراد الوسط التجاري الأجنبي: 
«يؤسفني أن أخبركم بآنه في نحو الساعة الخامسة والنصف من 
مساء یوم السبت الممصادف 26 ینایر جری حرق محلاتنا تماما في 
العنوان المذكور أعلاه على يد حشد من الرعاع... كان الحشد مكؤنا 
من عذَّة مئات» وقد تمكنوا من تنفيذ عملهم ال [...] دون أن تتدخل 


75 


إدورد سعيد 


قوّات الشرطة منعهم» ويبدو في الواقع أن رجال الشرطة ساعدوا 
أفراد الحشد». 


وتابع إزمند الوصف في رسالة أخرى تعود إلى تاريخ 31 يناير: 


«امدينة يعمها الذمار. م تعد ثمة ثقة بشيء. قصة ال طںا€ u۴‏ 
أشدٌ القصص إثارة للرعب. آخر مرّة خرجت فيها باتجاه المدينة في 
السادسة إلا ربعا مساء: وجدتها كأنها جحيم دانتي. كل تلك السيارات 
جيء بها إلى الشوارع لتحرق هي والبنايات المشتعلة؛ لو كانت هنالك 
ريح لذمّرت القاهرة... الخوف يسود الناس جميعا من نشوب حركة 
ثورية بحجة وجود الاحتلال البريطاني... هل هو [أي امملك] قادر على 
سحق «سراج دينهم»* وسواه من «الدهوقراطيين» ال [...]... النهب 
نسي في كل مكان في غمرة الرغبة في الثدمیر. متجر شپرد والمحلات 
الكبيرة في شارع فؤاد» محلات غروي الأربعة» كل سينمات القاهرة 
بنك باركليس» كل مطعم وكل بار ومعظم محلات الساعات» واممعهد 
البريطاني» ومكتبة القرطاسية (وهي تقدّر مائتي ألف باوند فيما 
فهمت)» وكانت قد زؤدت بأحدث الآلات اممكتبيةء أحرقت كلهاء كل 
وكلاء السيارات» كل باعة الأسلحة في المدينة تهبوا». 


ثم تابع إزمند ووضع نظريته الساعية إلى تفسير رمزية الحرائق على النحو الآتي: 
«ام معام البريطانية التي ترمز للثروة (امحلات الراقية أصحاب محلات المجوهرات» 
وكلاء السيّارات» استهدفتهم حركة السلام [الشيوعية] والحزب الاشتراي التابع لأحمد 
حسين؛ مواقع المتعة (دور السينماء البارات حيث تقدّم «الخمور» و«الرذيلة») 
استهد فها الإخوان امسلمون». ثم لخْص الوضع بقوله: «امسيحيون من كل الأجناس 


هنا مرعوبون». 


ما رواية سعيد عن تلك الأحداث فقد اختلفت اختلافا جوهربًا مع الحقائق. 
إذ كتب فيما بعد ما مؤذاه أن فروع تجارة العائلة «م تؤْمّم بل بيعت لحكومة 
ناصرء وم يحرقها الثوريون» بل حرقها الإخوان امسلمون»”“. لكن الموضوع مس 


(#) المقصود هو محمد فؤاد سراج الدين؛ وزير الداخلية المصري الذي أمر رجال الشرطة مقاومة الاحتلال 


الإنگليزي. [اممحرر]. 


76 


عدم الاستقرار 


أمورا غير الدين أيضا. فمحلات غروپي مثلا كانت معلما ثقافيًا لكل من له معرفة 
بالحياة القاهرية اليومية: قاعة تنتمي لعا البحر الأبيض المتوسط لتناول الشاي 
بديعة التصميم» بنوافذ زجاجية عالية وواجهات مقوسة» أسسها جاکومو غروپي 
GropPP¡‏ c0m0هGi»‏ وهو مهاجر من لوغانو في سویسرة. کان اممکان ملتقی جذابا 
لا يقتصر رؤاده على أبناء الطبقات العلياء واشتهر بآنواع الشوكولاته التي يشتهيها 
الملوك والباشوات ف جميع أنحاء الشرق الأوسط. 

أرسلت هلدا عقب فورة التخريب هذه رسالة إلى مدرسة ماونت هرمن تعر 
فيها عن قلقها الشديد لأن إدورد «كان شديد الحساسية» ولأنه كان في سن بالغة 
الأهمية في تشكيل حياة أي شاب. وم تكن قد مضت ستة أشهر بعد أحداث 
القاهرة عندما كتب سعيد لأهله رسالة مقلقة يقول فيها إن أبويه يجب «ألا يشعرا 
بالفخر بابنهما لأن مستواه دی من مستوی تلامیذ آخرین في ماونت هیرمن». وقد 
خمّنت هلدا أن «عقدة الشعور بالنقص المقلقة هذه» قد يعود سببها إلى عدد من 
الظروف التي فم تكن في مصلحته» منها «التنقلات الكثيرة في أماكن دراسته»”*. أما 
مسؤولو ماونت هيرمن فقد حاروا ف الأمرء إذ إنهم مم يروا أي دليل على ما ورد في 
الرسالة من جانبهم. وم يكد شهر يناير من العام 1953 يحل حتى وافقتهم هلدا 
على رآيهم؛ فقد تجاوز سعيد همومه التي عإر عنها في رسائله السابقةء وحصل على 
الوظيفة التي كان يرغب فيها في ال مكتبةء وكتب رسالة إلى أهله يعبر فيها عن فرحه 
الشديد» وعاد «حبيبنا إدي ثانية»(*. 

وعلى رغم ذلك فإن الفترة التي قضاها في ماونت هيرمن اختتمت بقدر من 
المرارة. وكان لأسو ما حصل صلة بتجاوزه وعدم تكليفه بإلقاء الكلمة الترحيبية في 
حفل التخرج على رغم أن علاماته كانت تؤهله لذلك التكريم. وقد كتب في الحقيقة 
للمسجل ۲۵۲ءiعه‌R۸‏ في يونيو من العام 3 لتأکید أنه کان الثاني في فة (ومن 
اللافت للنظر أن أدنى علامة حصل عليها كانت في اللغة الإنگليزيةء بينما كانت 
أعلاها في الدراسات الكتابية وتذوق الموسيقى). وبعد سنوات» بعد أن نشرت 
مذكراتهء كتب له فرد فشر الطالب الذي أوكلت إليه وظيفة إلقاء الكلمة الترحيبية 


(#) صيغة التحبُّب من اسم إدورد باللغة الإنگليزية. [المترجم]. 


77 


إدورد سعيد 


للاعتراف بأن معدل علاماتهما كان متطابقاء وللتعبیر عن حیرته بسبب ما تعرْض له 
من تجاهل". أما سعيد فقد عد التجاهل دليلا نهاثيا على أن مواقفه الهجومية ضدّ 
من هم أعلى منه ستجعله غريبا دانما بغض النظر عما قد يفعل. 

كانت مشاعر سعيد نحو القاهرة قبل هذه الأحداث تثر الاستغراب ما فيها 
من فتور علی رغم آنه قضی سنوات تشکلت فیها شخصيّته. وهي لا تبدو في کتاباته 
بصفتها هدفا يسعى إلى الوصول إلیه بقدر ما تبدو مکانا مکٹ فيه يسمح له 
بن يتسکع في حوافه. کان قد أرسل إلى مكان بعيد غريب» وأخذ يواجه الآن 
مهانة الاضطرار إلى مشاهدة العنف الذي تتعرّض له عائلته ويتعرّض له وطنه. 
أنباً عجزه هذا ها ينتظره بعد عدد قليل من السنوات وهو في جامعة پرنستن 
عندما غزت إسرائيل مصر وقصف البريطانيون القاهرة رذا على تأميم قناة السويس» 
«تلك الحادثة التي مررت بها عن بعد بقدر كبير من الضغط النفسي لأن أهاي 
كانوا هناك». ثم اضطرٌ بعد ذلك بثلاثة عقود» في العام 1982ء إلى أن يتابع 
من نيويورك قصف الإسرائيليين مدينة روت حيث كانت تعيش والدتهء وأخته» 
وعائلة زوجتهء وأقرب أصدقائه إليه. وبينما كان يبحث قي مختلف المصادر عن 
معلومات عما يحدث في أرض الواقع» على أمل الحصول على أحدث الممعلومات» 
كانت العاصمة تتعرض على مدى أيام للقصف من البحر والجو والأرض قبل آن 
يتقدّم الجيش الإسرائيلي بدباباته إلى قلب المدينة في مواجهة مقاومة عظيمة انتهت 
بالهزهة العسكرية. 

مم تستثر الاضطرابات امصرية فيه مشاعر تشبه الاحتقار الموجه إلى الحشود 
الغاضبة من «الرعاع»» وهو الاحتقار الذي نجده في الرسائل المرعوبة التي كتبها 
وورنر للشركة. فهو على شاكلة بقية أفراد العائلة رحب بالتمرد الذي أدى إلى 
طرد فاروق من السلطة وإلى تأميم منطقة القناةء ووافق جين التي عبرت عن 
الرأي القائل «إن الأحداث قد قللت من البون الشاسع بين الطبقات المصرية 
العليا ذات الثراء الفاحش والفقر امدق إل درجة كبرة: وتذكر صديقه 
حبشي» وهو قبطي (أي ينتمي إلى كبرى الطوائف المسيحية في مصر)» أن آل 
تلقوا أحداث الثورة» حتى تلك التي دمُرت مخزنهم» على نحو إيجابي. 
وعلى رغم آنهم سيعانون اقتصاديا مع مجيء ناصر فإن عوائلهم فهمت آنها 


سعید 


78 


عدم الاستقرار 


ليس لها مكان في مصر الجديدة. وقد عبرت هلدا عن موقفهم الجماعي: «لايزال 
الشرق الأوسط بكامله في حالة اضطراب» ولكن يبدو أن مصر وجدت الجواب 
على بعض مشكلاتها على الأقل. أما نحن فقد أصلحنا محلنا الذي لحق به أذى 
شديد» وهذه الإصلاحات جعلته يبدو أجمل مما كان». 

م يغادر آل سعيد مصر إلى بيروت إلى غير رجعة إلا ف أوائل الستينيات بعد 
التحولات القلقة التي جعلت سلامتهم غير مضمونة. كان سبب الانتقال في جانب 
منه الجو السياسي غير الممريح وإقرار عدد من القوانين الاشتراكية التي قيّدت 
تجارتهم. وقد تبين أن شركة وديع م تؤْمّم قط (بينما أممت شركات أخرى)» ولكن 
في العام 1962 وجد أن من الأفضل غلق أبوابها قبل أن تخضع للتأميم» وأسّس فرعا 
لها في بيروت» وبقي هناك إلى أن وافته اممنية في العام 1971. 

تكن أحداث الدراما السياسية تحدث كلها في الخارج. ولا شك في أن من 
الطبيعي أن يكون دخول سعيد إلى الولايات امتحدة في ذروة الحرب الباردة قد 
لون مشاعره تجاه هذا البلد في بقية حیاته. وعلی رغم آنه کان طموحاء راغبا في 
ترك انطباع قوي ولیس منتميا إلى فكر سياسي معین» فإنه كان شديد الحذر من 
عقلية الحرب الباردة السائدة من حوله» ومن الرهاب المعادي للسوقييت» ومن 
غض النظر عن حقائق العام الثالث» وبالطبع» كان شديد الحذر من أن يُطلب فز 
المفكرين ألا يحيدوا عن الخط المعلوم. كذلك فإن التسليم الجذل للعادات الذي 
وجده في ماونت هيرمن بهذا الجو الفكري قد صدمه؛ فميل الأمريكيين إلى إلقاء 
النكات السطحية والروح الشلليّة العالية ذات النزعة إلى سرد القصص يخفيان شيا 
أكثر خبثا. أي تمرد على روح «الشلة» ممنوع. ولكنه مثلما وضع قواعد الجدل فيما 
بعد بشأن النظم الاجتماعية في مصر فإنه فهم الحرب الباردة من وجهة نظر قومية 
وعرقيةء فقد وجد أنه من المستحيل ألا يرى ال مكارثية على أنها هالة تحيط بالورطة 
العربية: «منذ بداية وصولي إلى الولايات امتحدة في منتصف الخمسينيات كان على 
العربي أن يشعر بأنه متهم بجرهة أو بنوع من الجنوح... بأنه خارج المقبول أو 
ا معقول»"“. اللغة العربية «لا تتكلم الإنگليزية». 

م تكن استجابته لأمريكا الخمسينيات صعبة الفهم إذن. فقد كان عدد من 
ایا ق ره کا ا قوف وع رای کرت ااه این طب 


79 


إدورد سعيد 


العائلة في القاهرة. أضف إلى ذلك أن الجماعات المسيحية المارونية في لبنان» وهي 
جماعات تسٽت له رؤیتها من كثب ف زياراته الكثيرة للبنان على مر السنينء قادته 
إلى أن يربط العداء للشيوعية بالانحياز الأعمى للغرب وكره التأثيرات الإسلامية 
على الثقافة العربية. وعندما وصل إلى پرنستن بعد سنتين فقط من مجيئه إلى البلد 
فإنه ضاق ذرعا بعدم اكتراث الأمريكيين بالجهل الذي زرعته الحرب الباردة بين 
ظهرانیهم. واشتکی من أن ماركس «كان لا يكاد يقرأ أو تطلب قراءته» في الجامعة 
وأنها «عاملت اممكارثية كأنها شيء تافه»”. 

كان سعيد قد تصدّى للكلام المألوف عن الرعب الأحمر في أشد اللحظات 
حساسية حتى قبل أن تجعل حركتا الحقوق اممدنية ومناهضة الحرب الكلام 
عن قضايا كهذه مسموحا به. ففي بداية الطلب الذي تقدّم به للقبول في كلية 
الدراسات العليا في جامعة هارقارد في العام 1958 استعان بحادثة قصد منها 
لفت نظر لجنة القبول؛ وهي تدور حول لقائه ببائع كتب «نبيه من القاهرة» 
كان يرعى سلسلة من الترجمات إلى اللغة العربية تشمل كل الكتب الممهمة في 
الفكر الاشتراكي“. تحدَثا لأربع ساعات عن الاشتراكية ضدٌ «ما يسمى بالنظم 
الدهوقراطية». أمح سعيد إلى أن أحاديث صريحة كهذه كانت ممكنة ف الخارج؛ 
في حين آنه في أوروبا والولايات المتحدة كان كناب مُمَجّدون کجورج آوزول 
اOrwel George‏ وأندریه جید ف¡ 4٣۲٤‏ مشغولين محاكاة الإجماع َ 
إعلانهم عن خيبة أملهم بالاشتراكية. وقد أيّد سعيدٌ بائحَ الكتب في أنه بإمكان 
هذين الكاتبين «تحمُل» خيبة الأمل؛ إذ إنهما - «خلافا لإخوتهما» في مصر - كانا 
يكتبان لجمهور مم يعد يهتم بالأفكار. أما المؤرخ ريتشارد هوفْسْتتر Riha‏ 
Hofstadter‏ فقد کان یروق له أکثر من الرواتبّین لأنه فشر عدم الاکتراٹ هذل 
والتنافس بين النظم الاجتماعية» بالقول إن التعليم صار لكثيرين قي الولايات 
امتحدة «تحصيليا» وليس «روحيّا». وكان واضحا أن العبارات اممتكررة في ماونت 
هيرمن عن المواطنة الأخلاقية» وهي العبارات التي سخر منها في وقت سابقء 
كانت هي المقصودة في تركيزه على هذه النقطة. وأكد أن العملية التعليمية 
برمتها يجب آن تجد حيويّتها «بنوع من الحميّة الدعوية التي لا تخبو». وعلى 
المعلم أن يكون «لحوحا على نفسه وعلى الآخرين»“. 


80 


عدم الاستقرار 


لقد كان بعيدا كل البعد عن أن يكون اممنبوذ الذي يفتقر إلى الاستقامة 
الأخلاقية أو «الاتجاه الصحيح» كما يقول في كتاب «خارج اممكان» بل كان يكتب 
الرسائل إلى المسؤولين بأسلوب مرح بعد التخرج. وعندما نظر إلى السنتين اللتين 
قضاهما فی ماونت هرمن ف أثناء زیارته لأهله ف مصر کتب لرودندال لیخبره 
عن الخبر السعيد بأنه حصل على الزمالة المسماة زمالة وودرو ولسن س0أكه ۷0 
Wilson Fellowship‏ ق جامعة پرنستن» مضیفا آنه «يؤسفه أنه م يعد في سن 
أصغر تؤهله للعودة إلى ماونت هيرمن للاستمتاع ليس فقط بالصالة الرياضية بل 
بكل التجهيزات الرائعة التي تملكها المدرسة. لا تقلق يا سيد رودندالء فإن ماونت 
هيرمن تملك مكتبا دعائيًا ممتازا ف القاهرة». 

ومع ذلك فإنه کان هناء يبني حیاته ف آمریکاء وکان على غرار توکفیل 
leا0cquevi›‏ والقایكاونت ° برايْس is0» 8ye‏ eطt»‏ وسیمون دي 
بوفوارء يشخص حالة الولايات اممتحدة متسلحا بتلك الصلاحية الغريبة التي اعتاد 
الأمريكيّون أن هنحوها للغرباء عند رسم شخصيتهم الوطنية. هذا التفوق النقدي 
اعتمد اعتمادا كبيرا على قدرته على الظهور مظهر الأمريكي؛ ذلك أنه كان من 
اصعب عا كر من قافة أن بكرو آنه قاسطيني أصيل ئ فووا فة 
لتصويره على آنه نيويوركي يلعب لعبة الإثنية. ولذلك فإنه بدا في وطنه كأنه ينتمي 
إلى الثقافة التي انتسب لهاء وظلت عروبته خفيّة على ما لا يقل عن نصف جمهوره. 
وفي آوائل الثمائينيات» وبينما کان شي مع دافيد يروشَُلّميء الذي کان يعلم مريم» 
و مه ال ال رة ا داه ماهو ا ست آلا قر جى 
من الخربة في أمريكا؟»» فقال: «أشعر بهاء ولكنني أتجاوزها»9“. 

غير آن ذلك تطلب جا [إضافا وإ كان نا أن فع من غالا فاته ظل 
يحتقر صناعة الترفيه الأمريكية» ويوجه انتقاداته الشديدة للقوة التي تتمتع بها 
الآفلام والصحف وقصص التسلية وما يرافقها من رسوم» وهي قوة تنتج مزيجا 
متجانسا اسمه الثقافة الأمريكية”. وقد أحاط نفسه بقلعة عاطفية تحميه 
من بؤس الحياة الأمريكية الوسطىء» وعبر عن رثائه لأولئك «التائهين في بروکلن 


(*) فايكاونت ٤«uهءء۷1:‏ رتبة ينالها الرجل البريطاني النبيل تكون فوق البارون 8٥١‏ ودون الإيرل اه٤‏ . [المحرر]. 


81 


إدورد سعيد 


ولبناتهم المراهقات اللواتي يبالغن في ألبستهن» وفي علك العلكةء ويتحدّثن 
بأصوات أشبه بالزعيق». وتكن من إتقان لغة التحبير غير الرسمية مح مرور 
الوقت» ولكنه مم يتقن استعمال ال ع«هاء* بلا شعور أكيد بالسخرية من 
ذاته وبلا تغلص من آثار غامضة للكنة البريطانية. وقد أثر المَيْل الأمريي 
نحو إزالة الفروق حتی على اسمه. فقد کان یکره أن يُدعی «إد» [بدلا من 
إدورد] ويرد بلهجة عدوانية على كل من يشير إليه بتلك الصيغة برغم وجود 
استشناءات*» أو تسامح على الأقل. چومسكي مثلا م يدعُه إلا «إد»» ولكن سعيد 
وجه قط ووا كان بخاوه أضدقك الدراسة ف كل من ورتس وماوفت 
هيرمن» وكذلك آبوه. وسعید نفسه کان يوقع رسائله بصيغة «إد سعيد» ف 
السنوات الخمس الأولى من حياته في أمريكا. 

كان سعيد غير متسق مع نفسه كما حدث ف الحالات التي حاول فيها 
فهم مشاعره المختلطة بصفته آمریکیا. وکان قد تشرب إلى حدٌ ما بتوجُهات 
أبيه الإيجابية نحو الثقافة الأمريكية بوصفها جنة الأعمال التجارية» واستفاد 
من درسها الكبير اللتعلّق بالتجريب والتابعة وتحقيق الذات" لا بل إنه 
وجد بعض البقع الزاهية في المشهد الكثئيب الذي ساد قي الفترة الممكارثية. أم 
يجبر الرئيس آيزنهاور إسرائيل على التخلي عن شبه جزيرة سيناء مصلحة مصر؟ 
آم تکن دورو توميسن 0۸ءم1 1101 yط†هإە(.‏ عميدة الصحافة النسوية. 
تصف الصهيونية في تلك السنوات بأنها وصفة للحرب الداثمةء بينما كانت تصف 
العرب وصفا مرهفا في «مجلة البيت للنساء» 21ہ .Ladies Home [our‏ فإلى 
جانب خطابات التخريج التقليدية التي تركز على المبادئ العلياء عبر سعيد عن 
مکنون قلبه في الخطاب الذي کتبه بعنوانه في ماونت هيرمن قبل عام واحد من 
وفاته» حيث تحدّث عن «جمهوريتنا... التي لا مثيل لهاء ا منفتحة على نحو لا 
مثيل له» المتغيرة باستمرار» التي تلهب المشاعر باستمرار»”. ذلك أن آمريكا 
هي أيضا أمريكا أصحاب الرآي المخالف - وهو ما سجّله (كما بين سعيد) هاوَرْد 


() تدلٌ هذه الكلمة على مستوى لغوي طبيعي بين فئات خاصة تجمعها المهنة أو الخلفية الاجتماعيةء وهي ليست 
اللغة العامية كما نفهمها باللغة العربية. [امترجم]. 


82 


عدم الاستقرار 


زن Howard Zinn‏ ق «تاریخ الولایات المتحدة من وجهة نظر الشعب» ۸ 
History of the United States‏ esاPeop‏ وأمريكا حركة الحقوق المدنية 
وحركة المواطنين التي قادها طالب القانون في جامعة هارقلرد رالف نادر 
Ne‏ طماRa‏ الممتحدر من أصل لبناني» والثورة النسوية التي آخرجت النساء 
من وراء ستار السريّة... إلى وضح النهار. 

ساعد وجوده غير امستقر ف بواكير حياته على تفسير ولاءاته الثقافية اممتغيرة. 
وقد أعلن أن «الثقافة الشعبية لا تعني لي شينا على الإطلاق إلا من حيث إنها 
تحيط بي»» وعلى رغم ذلك فقد سحرته الأفلام الشعبية في صباه» وجذبته للمتعة 
التي يرافقها الشعور بالذنب في فترة لاحقة من حياته”. أما ثقافة الرياضة فقد 
دعاها تخديرا للحس النقديء» وكان من رأيه أن صلة العام العقلي المحيط به في 
طفولته بالأمور الجدَيّة أو الأكادهية كانت شبه معدومة بحيث إن تحوله إلى عام 
الفكر والثقافة يثير العجب؟“. ومع كل ذلك فإن من الواضح أنه كان يشاهد 
برامج التلفزیون آکثر مما اعترف به بینما کان يلتهم روایات روبرت لدم Robert‏ 
صumاud[‏ التھاما. 

كان سعيد في مقابلة غير منشورة أجريت معه في العام 1993 آكثر صراحة 
من آي وقت مضى حول تأثير الأفلام الأمريكية على تفكيره في القاهرة وأمريكا 
في العقدين الأولين من حياتهء فقبل مغامراته في دور السينما في نيويورك كانت 
هناك سينما ديانا الواقعة في شارع عماد الدين الذي لا يعد من الشوارع الراقيةء 
وحيث كان يسمح له بحضور الأفلام مرّة واحدة في الأسبوع عصر يوم السبت» 
«وكان ذلك ال مهرب الوحيد» من السلسلة التي لا تنتهي من الدروس الخصوصية 
ودروس المملاكمة”. وما كانت والدته قد منعته من مشاهدة أي فلم مرَتين فان 
کل مشهد من مشاهد الل كا 5ا هة اة ف ققرة وعددما اقل وة 
في نيويورك فإنه اعتاد ۳ مشاهدة الفلم نفسه مرات متعدّدة في الشارع رقم 
42 حیث کان العرض مستمرا. لکن کان من شأن اممتعة ذاتها أن تصبح نظاما 
متبعا. ففي نيويورك شاهد فلم «سالومي» 81٥٥٣٤‏ الذي مثلته ريتا هيوورث 
مع ستیوارت غرینْجرء ضس زات متتابعةء «إذ كان ذلك ما تدرّبت على فعله: 
کل شيء بآقصی ما پمکن من الترکیز». 


83 


إدورد سعيد 

كانت ميولة الأمريكة ف الاك السيتماة قد دفكلت ق القاهرة حيث 
كان قد «طوّر نظاما معقدا حول ما يجب أن تتناوله الأفلام [الهوليوودية]». 
لكن نظامه مم يكن ف الواقع على تلك الدرجة من التعقيدء إذ اشتمل ذلك 
النظام وفقا لتفسيره له على «فتيات بثياب مغرية ويشبهن دبي رنولدز وسد 
چاريس». وف العام 1946ء عندما كان في الحادية عشرة تمنى أن يشاهد فلم 
«کارمن» ٤٣‏ ءھ٤‏ الذي تمل فيه ريتا هيوورث دور البطولة. وأساء اا 
مع والدته لإجبارها على امموافقة. لكنها أصرّت على الرفض» وبقي هو بعد ذلك 
«تحت المراقبة الشديدة» وفقا لتعبيره”. 

وما كان عاجزا عن معاندة والدته فإنه وجد طرقا لتجاوز القيود التي 
فرضتهاء فتتبّع کل ما منعته من مشاهدته في مجلة yهامهاه‏ ط۲ حیث عوْض 
ما حرم من رؤيته على الشاشة بأخبار هوليوود ذات الطابع النميمي صذوومB»‏ 
وأشبع فضول المراهق بتقليب صفحات الصور اللامعة لريتا هيوورث وغيرها. 
وکان تبادل أخبار السينما تسلية داثمة. وكان يتجادل مع صديق لبناني کر منه 
سنا حول روبرت تيلر الذي كان يعود دانما إلى باربَرّه ستانوك من أجل أن تأي 
له وطن رلبوك وکن مووا کیو وگن نید غ رگن چا به 
ووصفه بأنه «حقیر». 

كذلك فإنه استغل افتراضات والدته غير ا مثبتةء وبينما حاولت هي وزوجها أن 
یوخهاه نحو برامج مثل «لاسي» مiوئه1»‏ و«رن تن تن» ٣آ‏ ٣آ‏ «نR»‏ و«صديقتي 
فلیکا» ckaنا۴ Friend‏ مال هو نحو ۹ م المغرية في «مبارزة تحت 
الشمس» ہں؟ eطt Due ¡n‏ وھو فلم مم س الوالدة ما هنع من مشاهدته لأنه 
كان فلما عن الغرب الأمريكي. کا أن فلم «أغنية برناديت» گە ڇ”٥$‏ م11 
Béadellê‏ کان آمنا لأنه فلم عن الرا امات کانت الام تغڏي خيالات ابنها من 
دون أن تدري. 

عندما وصل إلى مرحلة الدراسة الثانوية صارت مقاومته أشد عناداء فقبل 
مغادرته متوجها إلى أمريكا في سن الرابعة عشرة - وهي السنة التي امتلأت شهادة 
علاماته بعلامات مثل ° و٣-‏ - غاب عن ال مدرسة لحضور «الأفلام ا لممنوعة». كان 
يفضل أي شيء على الروايات الرومانسية التاريخية التي تنتج ف الشرق الأوسطء 


84 


عدم الاستقرار 


وكان أبواه يفضلانها ك «ألف ليلة وليلة» و«علي بابا والأربعون حرامي» وهي 
اللمحة الوحيدة التي أتيحت له عن العام العربي الذي كان يعيش فيه بحكم 
التعليم البريطاني الذي تلقاه. 

م تكن الصور النمطية محصورة في الشرق. صحيح أن الخيالات العربية 
استخدمت ممثلین وممثلات ملونین معروفین من آمثال مارا مونتيزء وسابو 
وطرخان بك (وهو نمساوي ذو أصل تركي)» ولكن لوس أنجلس التي صوَرتها الأفلام 
كانت ل فل زيغا عن تلك الى تصور النحصيات الفركة ما جااها من شخصيات 
تقدمها لنا «الأفلام ا موسيقية التي ينتجها ستوديو MG‏ (مترو-غولذون-مايّر)... 
سؤاق التاكسي» صبية التلغراف الذين يرتدون بدلات رسمية وبابيونة oe‏ 
وعندما زار كاليفورنيا للمرّة الأولى في سن الثالثة والثلاثين في العام 1968 فإنه م 
يستطع منع نفسه من محاولة اكتشاف هذه الأماط في الحياة الواقعية وهي تسير 
في شوارع اممدينة. 

مم تستطع هوليوود أن تقدّم له تلك الشريحة القاهرية المنحلة التي رآها 
في أيام تيغرمان؛ أستاذه في العزف على البيانو ولكنها قدمت شيئا شبيها من 
حيث دغدغة الحواس» وقد اندمج المكانان معا في ذهنه إلى حدٌ ما. تركت فيه 
التقافة الشعبية المافدة أثرا قوي لا وه ق وقت مبك أف ظل براحم تار 
الثقافة العالية التي ترتبط بطبقته الاجتماعية وما يتصل بها من ميول. وعلى 
رغم أنه کان من متابعي برنامج 1٣٤٩٤٤١‏ ٤ءء1م۲ءtیهN‏ الذي يعود الى عقدي 
السبعينيات والثlnنينيlاG Bridesheadg «Upstairs Downstair lewis)‏ 
Revisited‏ وMystery‏ مع دیانا رغ) وم يرق له ما کان آطفاله يتفزجون 
عليه» فإنه كان يشعر بامملل من الأفلام التي تقدّم نفسها على أنها للخاضة. 
كذلك تفادى الأفلام الوعظية ذات الرسالة السياسية» «لا أريد أن أشاهد أيا من 
تلك الأفلام الأنثروبولوجية»”. وظل ما برغب في مشاهدته في الجانب الأكبر 
من حياته اممهنية هو أفلام «الأکشن« من ÎمڻJl Die Hard‏ و Total Recall‏ 
“Lethal Weapon s‏ . 

بقي سعید بعد أن حصل على شهادته من ماونٽ هيرمن في 7 يونيو 1953 على 
صلة بأستاذه القديم روبندال. فقد أحس بأن بإمكانه أن يتعامل مع هذا الإداري 


85 


إدورد سعيد 


اللطيف الذي كثرا ما تعامل مع رسائل هلدا ا متوثرةء وساعده على الاستقرار كأنه 
أب ثان. والظاهر أن السنوات الأولى المتوترة التي قضاها سعيد في أمريكا كانت 
كاف غلاق انطاع قري دی الیل جول ما سیکون سعیت عله غ المستقبل. فقي 
توصيته التي كتبها لكلية الدراسات العلياء أبدى روبندال ملاحظة تقول إن «خلفية 
السيد سعيد القادم من الشرق الأوسط تؤهله بطريقة غير معتادة لأن يكون فعالا 
في إثارة الفكر لدى الآخرين»". وبذا يكون إحساسه بنفسه وإحساس الآخرين به 
قد التقيا معا. 


86 


مم يكن هو المثقف البارز الوحيد في 
دائرته» فقد کانت کلھها دائرة تثبر 
الإعجاب» ولكن سعيد وحده هو الذي 
تمثلت فيه صورة «رجل هذا العام» 


التلمذة في مدارس الصفوة 


الشعر هو الطفل الأثير للخة للشفتيّن والكلام 
المنطوق: لا بذ من أن بُنطق» ويبقى مفتقرا للأداء ما م 

ينطق؛ هو ليس هو ما مم يرافقه الأداء 
جررد ماني هوپکنز". 


عندما التحق سعيد بجامعة پرنستن في العام 
3 کان واثقا من أن سمعتها ستمکنه من 
نسيان مظاهر التزمت المعهود في نيو إنغلند 
الذي خبره في ماونت هيرمن. کان قد اختار 
الجامعة من دون أن يعطي الموضوع أهمية 
کبیرة (وکان قد قبل في هارفرد أيضا» وذلك في 
جانب منه لأنه كان قد زار الموقع مع والديه في 
صيف العام 1951. وعلی عکس هارقرد. کانت 


87 


إدورد سعيد 


پرنستن تعد ملجأ آمنا لأبناء النخبة الأجانب» ومع أن آل سعيد كانوا بعيدين عن طبقة 
الملوك» فإنهم كانوا أثرياء بالتأكيد. غير أنه خاب ظنه ق النهاية لأنه وجد أن پرنستن 
ما هي إلا مدرسة متضخمة لإكمال الدراسة «في مجاهل نيو جيرزي»» تعطيك مزيدا 
من الألاعيب ال معهودة. والأحاديث ال مملة التي تحمّلها في ماونت هيرمنء على رغم أنه 
يرافقها الآن إسراف زملاء صفك ف الشرب”. 

جاء شغفه الوحيد باممكان من القسم التجريبي للموسيقى الذي كان قد استقطب 
أشدَّ ا موسيقيين جرأة ف الولايات اممتحدة من فيهم ملتن بابت :اه8 ١0اان‏ وروجر 
سشنز S1018‏ ع۸0 فضلا عن جون إیتن ۴401 jeh‏ عازف موسيقی الجاز على 
آلة البيانو ومؤلفهاء وعن امتخصصين في علم الموسیقی من أمثال آرثر مندل ۲طا۸ 
Mendel‏ وأولقر سترنك gag .Oliver Stronk‏ أن قلة من قراء سعد فيما بعد قد تتوقع 
ذلك فإن سعيد مم يكن واثقا تماما من أنه لن يتابع دراسة الموسيقى طوال الوقت. فقد 
جاء التحاقه بجامعة پرنستن عقب فترة من أشد فترات حياته تركيزا ف التدرب على آلة 
البيانوء وأصبح الآن على صلة بأبرز شخصيات البلاد في تأليف امموسيقى وفي النظرية 
الموسيقية. وكانت نيويورك لا تبعد کثيرا عن پرنستن» وعندما أجاد العزف إلى درجة 
أهلته للفوز بجائزة أصدقاء الموسيقى سمح له بالدراسة تحت إشراف عازف البيانو 
امتميّز فرانك شردّن S۲1۵‏ )مه۴ في اممدينة ليتابع الدراسة فيما بعد في جوليارد. 

تیر آن ھا جذ عه بدا عن الموسيقى مم يكن الأدب بحدٌ ذاته» بل طريقة 
تدریسه في پرنستن. فخلافا لجامعات رابطة اللبلاب (الآيقي ليخ) الأخرى» كانت 
أجرأً الأشكال الأدبية ف پرنستن تبتعد عن قسم اللغة الإنگليزية. واختارت بدلا منه 
شهادة ها سمي ب «الإنسانيات الخاصة» »Specia1 Humanities‏ وهي شهادة كانت 
جامعة پرنستن هي الوحيدة التي تقدّمها. وكان برنامج الشرف اممجدد هذا متاحا 
لأممع الطلبة؛ ويجمع الفلسفة والأدب وامموسيقى واللغة الفرنسية. وقد ناسب هذا 
البرنامج سعيد كأحسن ما تكون اممناسبةء فالتحق به بشغف» مشبعا بذلك رغبته 
في دراسة واسعة المدىء غير متخصصةء طم يتخل عنها أبدا. وبابلقارنة على سبيل 
ا لمثال مح هاررد التي كان لديها شاعرها اللامع ومدير مكتبة الکونغرس آرچبولد 
مکلیش »1ء5 a14انط‏ 4۲ء کانت پرنستن أجرأء وكانت تفخر بناقدها البارز 
ذي الأطوار الغريبة ر. پ. ڊlاكمر .R. P. Blackmur‏ 


88 


التلمذة في مدارس الصفوة 

كان هم نشاط اضطلع به سعيد جمعّه مجموعة من الأصدقاء الخلص الذين 
أصبحوا مراسليه في المستقبل» وکان أعزهم عليه زمیلاه فی الصف آرثر غولد ۸۲۲1۲ 
ەي وتوم فیرر 10m Farr‏ اللذان انتقلا معه من پرنستن إلى هارقرد بعد التخرُج 
ف الكل فشکل الثلاثة حلقة استمرّت تسع سنوات من أخصب سني حياته. وكان 
نزيه حبشي قريبا منهم على رغم أنه فم يلتحق بالحلقة إلا في كلية الدراسات العليا. 
وكان هنالك آخرون من زملائه في جامعة پرنستن مهمون أيضاء ولكن بصورة غير 
مباشرة - هدنخ کارتر الثالث 111 ء2 ع«نف 10۵4 الذي حصل سعيد من خلاله 
على دعوة من وزارة الخارجية في عهد الرئيس كارتر» وف هارقرد رالف نادر الذي 
ساعده على مقاومة التجنيد وكذلك معاصره ف كلية الدراسات العليا إرك سيغال 
Erich Seg‏ الذي أعجب سعید بروايته «قصة حبٌ» $0 10e‏ وما فيها من 
براعة حصل بسببها ذلك الكلاسيكي الشاب على ميزة أعلى الكتب مبيعاء مع ما رافق 
ذلك من حملة تسويقية شخصية بارعة جذا. 

کان سعید آسعد حالا في پرنستن فما يبدو مما کان عليه ف ماونت هیرمن. 
«شاب جذاب.. یحظی بإعجاب زملائثه الذین يعدّونه واحدا منهم» هذا ما کتبه 
مساعد العميد في رسالة توصية“. وهذا يعني أنه نجح في أن يُقبل على رغم أنه م 
يكن واحدا منهم. ويذكر الدكتور جرلد سانذلر (ف العام 1957) أن زميله في الصف 
فة سيك رها شعر بالعرلة بصفته قلسطييا مثلم شعرتا تحن اليهود». وكان 
من يحيطون به في السنوات التي قضاها في الكلية كثيرا ما يسمعونه وهو يتكلم 
عن القضية الفلسطينية بكثير من الحماس. وقد يلمح الإحساس بأن ذلك قد يثير 
مخاطر إثنية من بعض الملاحظات الرسمية التي كتبت بقلم الرصاص على أوراق 
رسمية تعود بلكب القبول ف پرنستن تضمنت ملاعظات لا تنسب إلى أخد من 
الواضح أنها فصد منها أن يقرأها مسؤولون آخرون» تقول إن سعيد «شديد السمرة 
کبیرء ومن أصل عريي”». وكتب أحد الأساتذة ممتدحا جديّته» ولكنه خص مظهره 
بالقول إنه «يتصف بقدر من الخشونة»*. 

لرا م يخنع أمام چ العنصريةء ولكنه م يجابهها؛ على الأقل في ذلك الوقت. 
إذ لجأ بدلا من ال مجابهة إلى تجاوزها بإظهار عقلية عامية الطابع وجد كثيرون 
أنهم عاجزون عن مقاومتها. م يكن هو المثقف البارز الوحيد في دائرته فقد 


89 


إدورد سعيد 


كانت كلها دائرة تثير الإعجاب» ولكن سعيد وحده هو الذي تمثلت فيه صورة 
«رجل هذا العام»”. وقد كان المال عاملا مساعدا. كان بإمكانه الاشتراك في كل 
مغامرة من ال مغامرات التي اقترحها المتامرون معهء وكانت علاقاته السياسية التي 
تضمُنت زيارات لأقربائه البارزين في واشنطن أو قضاء ليال في مقر البعثة اللبنانية 
ف نيويورك تغذي تلك الهالة. کان أقرب زملائه له ف پرنستن ف الغالب من اليهود 
ومن سكان المدنء وكانوا من أبناء مالك ال محلات التجارية أو من أبناء أصحاب المهن 
ئfessionaاp*»‏ بینما کان مشارکوه في سکنه من بلدات مغمورة في مناطق 
غرب الوسط الأمريكي ومن أبناء الطبقة العاملة. وقد ساعد واحدا منهم خلال 
محنة** الالتحاق بإحدى الجمعيّات الطلابية بأن أعانه على الانضمام إلى النوادي 
الاجتماعية المناسبة. وقد أصيب أحد أصدقاء سعيدء واسمه آلكس مَكلاودء بالدهشة 
من تصرُفه الغريب بينما كانا في رحلة إلى نيويورك لحضور حفلة موسيقية: «لو كان 
هناك يهودي أورثودوكسي يسير باتجاهنا فإنني سأقطع الشارع إلى الجهة الأخرى 
بدلا من مواجهته». وقد فسّر مَكلاود ذلك السلوك على أنه احتجاج رمزي وتعبير 
عن الغضب الذي كان يشعر به نحو الموجودين ف فلسطين ويسبّبون الأذى لشعبهء 
واتّفق مع شلة سعيد على أنه «يخلو اما من أي شحور معاداة السامية»"". لكنه 
دهش من عنف تلك الحركة. 

وقد لاحظ مكلاود أن «مسيحية سعيد كانت ذات أهمية بالغة له» طوال فترة 
دراسته ف الكلية. فقد صرح للجنة القبول أنه ينوي دراسة الطب من أجل أن يصبح 
«مبشرا طببّا»» وتطوع فيما بعد لأن ينشد رسميا مع جوقة المنشدين في الكنيسة 
وكان ذلك يفوق ما تتطلبه الكلية من حضور الطقوس الدينية التي تناسبهم"". 
لكن رغم كل ما تضمّنه ذلك من حسابات للمستقبل فإن هذه العودة للطقوس 
الدينية م تخدع زملاءه لتصديق أنه استقرًّ في بيئته الجديدة. فالقلق الذي ظل 
یساوره حول عزف البیانو والترذد 2 مساره المهني» وعادته المتمثلة ف عدم 
رضاه عن نفسه وعد ذلك شبيها بترفع بيه وطغيانه» كل ذلك قاد إلى الشعور 
() تشير الكلمة هنا إلى إحدى ال مهن الثلاث: الطب والقانون والكهنوت. [المترجم]. 


(x x)‏ یتطلب الانضمام ا إحدی الجمعيات الطلابية ف الجامعات الأمريكية النجاح ف امتحان أو محنة یکلُفه 
بها زملاۋه. [المترجم]. 


90 


التلمذة في مدارس الصفوة 
بالأزمة. لرها كان في الظاهر منسجما مع بيئته ومستمتعا بهاء لكن ثارت التساؤلات 
عندما أسرّ لأصدقائه بأنه كان يراجع طبيبا نفسيًا. وقد استمر ذلك بقية حياته. 
KKK‏ 

کان لسعید جانب «فیه قدر من الخبث»”“ على رغم آنه کان محبوباء کما 
لاحظ مايكل فريد. زميله في كلية الدراسات العليا. فقد اندمج مع عادات پرنستن 
اندماجا كاملا واستمتع بطقوس نوادي الطعام بشکل خاص» ولکن کان بإمکانه أن 
يسخر منهاء وأن يهزاً من مبالغتها في الجر الاحتفالي. فقد كانت لكل ناد شخصيته 
الخاصة به» وكان ناديه» وهو «نادي الحرم الجامعي» ubا٣ «the EDIE‏ 
مقصورا على المثقفين. ولكن مشاركته في الأنشطة الاجتماعية اب مختلفة ف پرنستن 
كان نمنها الدراسة المحمومة في وقت متأخر من الليل وم يكن قادرا دانما على 
تحمُل الضغوط. ففي الليلة السابقة للتقدٌم للامتحانات الشاملة المشابهة للبكالوريا 
الفرنسية من حيث تحديدها للمستقبل الأكادهي للطالب؛ وجده أصدقاؤه في 
منتصف الليل في غرفة الجلوس اممشتركة غير المضاءة وهو يضرب الحائط برأسه'. 

و فعدها قاق همها مع مح كان ا6ا اخاماي اغا کارا غای 
الوصول إلى أعماق مدهشة. وقد وجد شريك له في غرفته أنه عندما يتكلم في نومه 
فإنه يستخدم اللغة العربيةء أما في أثناء اليقظة فإنه كان يعدّل اللغة وفق الزائر: 
العربية عندما تتاح الفرصة» والفرنسية الجميلة مع من يعرفون اللغةء ونوعين من 
اللغة الإنگليزية. إحداهما أمريكية والثانية أوكسفرديةء منتقلا فجأة بسرعة من 
الواحدة إلى الأخرى إما لإيضاح نقطة ما أو ممضاهاة لهجة محادثه“. وكان سعيد 
سريع القراءة على نحو خارق للعادةء وكان قد دعم هذه المهارة بالالتحاق بدورة 
تدريبية في القراءة السريعةء وشجع أخته غريس على الالتحاق بها" . وعندما 
وقعت يده على نسخة من رواية «الدكتور جيقاغو» ط7 .ا5 قرا الكتاب 
ابتداء من الساعة السابعة مساء حتى منتصف الليلء بينما تقب يداه الصفحات 
باستمرار. وعندما فرغ منها قال: «ها هي انتهت»» فیما کان زميله في الغرفة ينظر 
إليه مندهشا. 

کان غولد خو الى جه تشك بحل أن نون ظا سان 6ا اغد الات 
والبيانو يتنافسان على اهتمامه”". وم يخطر ببال أحد في ذلك الوقت أنه سيختار 


91 


إدورد سعيد 


الأدب. فمن ناحيةء م يكن ثمة الكثير مما يحدث في ذلك الحقل؛ كان أكبر نجم فيه 
هو الناقد الأدبي الكندي نورثرپ فراي ۴,۵ ٥‏ ۲ط۲إه" الذي کان مهتما بالتصنیف 
والتبويب؛ وكان ذلك متجاهَلا من قبل زملاء سعيد باستثناء غولد. وقد تبن أن ما 
اختاره سعيد جاء نتيجة لضغط سلبي. فعلى رغم احتواء پرنستن على مجموعة 
من أساتذة اموسيقى الممتميّزين فإنها كانت ضعيفة في الأداء*'. كان فيها مكؤن 
نظري طاغء وتركيز على الهارموني والطباق والتأليف» وكان قسم ال موسيقى قد أعيد 
تشکیله ۳ يد روي دکنسن ولچ Roy Dickinson Welch‏ الذي استقطب مانیة 
من أشهر العاملين في هة < 

غير أن عوامل الجذب هذه كان من امممكن اكتشافها في جانب الأداء أيضاء رها 
بدرجة أقل من الوضوح. فعندما وصل إلى سنته الأخيرة في الكلية كان يدرس تحت 
إشراف إرك إیتور کان Eric t0r Kahn‏ الشهیر» وهو یهودي آخر کان قد هاجر من 
العام القديم [أي من أوروبا]ء وكان يي مر واحدة في الأسبوع من نيويورك ليعلمه 
مع بضعة طلاب آخرين. ومع أنه م يكن راضيا عن مدرسه الآخر ف ماذّة البيانو 
في تلك السنوات» فقد كان هناك أيضا اثنان من الممدرسين الأوسع شهرة ف پرنستن 
هما إِذْوَرّد ت. کون Edward 1. C٥”‏ وإِلُت فوریس ٥bطإ٥۴ E110‏ اللذان قد 
لا يرتقيان إلى الدرجة الثانية". وقد انتقل الثاني منهما إلى هارقرد فيما بعد ليصبح 
قوة موثّرة خفية فيهاء بينما سافر الأول وهو حفيد رالف والدو إمرسن طماة۸ 
Emerson‏ d0اWa.‏ وأخذ يتحرك بين الدوائر المؤثرة في بوسطن التي كانت تملك 
من الوك ما مكنا من دفن الحاة اة لض الأفمخاض. 

وعلى الرغم من الجرعات الثقيلة التي تلقاها من النظرية ام موسيقيةء ومن 
التعرّض للموسيقى المتسلسلة وغير النغمية التي كان يؤلفها كل من بابث وسشنز 
إل جاب واتار اغا موا اوم امه ات فة 
ومع أن سعيد كان العازف الأول الذي يرافق أغاني نادي الغلي طںا٤‏ ءا فإنه 
کان هيل بالدرجة الأولى لباخ وشوپان وشومان بصفته عازفا منفردا واعترف بأنه 
كلما تعمُق في دراسة البيانو وجد أن المسافة بين أسلوبه (الذي وصفه أحد الأصدقاء 
بأنه يخلو من العيوب) وأسلوب العازف ف الحفلات المموسيقية لا تكاد تذكر". 
كان الجميع يعرفون أنه كان يفكر في اتخاذ العزف مهنةء ولكنه كان يعاني تور 


92 


التلمذة في مدارس الصفوة 
الأعصاب» وكان في بعض الأحيان يسرع في العزف أكثر مما يجب”. غير أن مهاراته 
كانت مع ذلك تثير الإعجاب. وف 11 مايو 1957 عزف كونشرتو لآلتي بيانو من 
تأليف باخ تحت قيادة نكس هارسانييء أثبت فيه قدرة رائعة على تعديل طبقات 
الصوٽ «modulation‏ وال عة التي تشبه سرعة البرق في التسجيلات ام موجودة. 
لقد کان یتمتع بالجسم ال مناسب للبیانو: يدان قویّتان» ضخمتان مثل يدي الملاكم 
إلى حدٌ ماء وجذحٌ يناسب آلة البيانوء ويعزف في وضع الانحناء فوق ال مفاتيح كأنه 
لد غلن غJgد Glenn Gould‏ . 

۳ آن خف عَرَلّه مع الطب والتجارة. وأصدر حكما بالفيتو من دون رغبة 
منه ضدٌ اختيار الموسيقى مهنةء أصبح غولد «أخا» له كما قال ماري-إلينء أرملة 
غولد بعد وفاة صديقه في أواخر العام 1988 . كانت علاقتهما الحميمة قد 
نشأت ف جانب منها من الدراما العائلية لکل منهماء لاسيما (كما لاحظت ماري- 
إلين) العلاقة امؤممة مع الأب المتسلّط*. وقد كانت التجارب الصعبة التي مزا بها 
قد آذّت إلى انتعاش خصائص أخرى: «قدرة آرثر العجيبة على تخيُل وجهة نظر 
الشخص الآخرء وقدرته على التعاطف الفكري». لقد كان غولد هو الذي عرف 
سعيد بأعمال جامبتيسُتا فيكو 0ء۷1 aاءنا٤ة‏ ا۳ هى» الذي کان يشتغل بالبلاغة 
في أوائل القرن الثامن عشرء والذي عاش ف مدينة ناپولي» وألف ذلك العمل الفذ 
بعنوان «العلم الجدید» (1744) ٤c٥ءci؟ eW‏ 116 وقد بلغ من تأٹیر قیکو فی 
خد آل فک إطارا ل ر کو من ر وای رغ آن عولد نکن هدور 
في تشكيل القراءة ا مبدعة التي اضطلع بها سعيد لأعمال فيكو فإنه (أي غولد) 
تجسّدت فيه اممعرفة التلقائية وغير العملية التي جعلت الحياة الفكرية شيا لا 
يقاوم. كان بوسع أستاذه في الفلسفة آرثر سوتماري ۲ه طاهz؟ A۲1٥۲‏ فقط 
وهو شخصة أغری من شخصیات جامحة پرفسی التي ثرت ق سین آن کون 
له أثر مشابه في تعليمه أساسيّات الفكر النقدي”. كان هذا اممدرّس جريئاء ميالا 
إلى الشك» وإلى تقبّل وجهات نظر طلبته» وقد أعطاه أول إحساس بتعقيدات 
الكتابة والكلام ونواحي الغموض فيهما. 

التحق كل من غولد وسعيد بالبرنامج الخاص بالعلوم الإنسانية في ستتهما الأولى 
في الجامعةء وظلا لا ينفصلان طوال العقد التالي حتى إن حدثت بينهما توترات. 


93 


إدورد سعيد 


وغولد على سبيل المثال هو الذي كان الأول ف الصف» وألف أيضا مسرحية بالغة 
الجودة من فصل واحد» وكتب رسالة طموحة عن هنري جيمز وفلوبير وصفها 
أساتذته بالتلميح إلى اسمه (الذي يعني «ذهب») بأآنها «ذهب خالص». كذلك 
شكلت السياسة قضية شغلتهما؛ فقد اختلف الشابان حول أزمة السويس التي 
تعرف ق العام العربي بالعدوان الثلاڻ (وهو غزو مصر من جانب بريطانيا وفرنسا 
وإسرائيل) ورأى كل منهما جانبه الذي رأى أنه المعتدى عليه. 

كان سعيد» ملابسه الأوروبية وشعره الأجعد الأسودء يثير إعجاب النساء آما 
غولد فكان هش الصورة التقليدية للدمامة. كانت نظارته السميكة تنسجم هي 
وبنطلونه الكوردروي الواسع مع ما وصفه سعيد «بضعف بنيتهء وتدخينه الذي لا 
ينقطع» وجبینه المحضن ويديه اللتين لا تکفان عن ونغمة صوته التي لا 
تو بالعوفل إل قراو وكا مقاطكة لكك لفن 

لكن الاختلاف الأوضح بين الشخصيتين يتبين عند النظر إلى قلة الإنتاجية عند 
غولد مع تقدّمه في حياته المهنية. لرها كانت تعليقاته العابرة ذات ألمعية تفوق 
ما عبر عنه الآخرون في كتبهم» وأفكاره التي تصلح للتطوير في مقالات لا حصر 

لهاء ولكن العمل الأكر مم يظهر أبدا"". وخلافا بمعظم نجوم الآيفي ليخ رفض 
غولد الذهاب إلى أوكشفرّد أو کيمرج بعد التخرج بل فضل قبول زمالة من نادي 
الروتاري للذهاب إلى الهند لأنها بلاد شاسعة ذات تاريخ عريق» ولأنها هكن أن 
تغیره. لقد کان لیبرالًا لا یلین في عصر آیزنهاور. وي طرق عودته من الهند اتفق 
مع سعيد على اللقاء في مطار القاهرة للتحدُث عن قلة إنتاجيته. ولا بد أن غولد 
أخس بنسيج هوية سعيد النابعة من الشرق الأدنى (وفق وصف سعيد للمنطقة 
في تلك الفترة)» وهو وصف عرضه سعيد بوضوح في مقالته السياسية الأولى؛ وهي 
مقالة عن أزمة السویس کانت قد نشرت فی جريدةö The Daily Princetonian‏ 
في العام 71956 . 

في هذه اممقالة كانت إيقاعات آسلوب سعيد الناضج بادية للعيان ما فيها 
من نقمات مطمخنة يرافقها ذلك العمفط الرفع الذي يذل على المحرفة الواثقة 
بالعلاقات الدولية. فقد كتب سعيد ما مؤذّاه أن تأميم ناصر للقناة م يكن فعلا 
متسرٌعا قام به ثوري» بل کان تعبیرا منطقيًا «عن عدد من الممواقف التي لا حل لها 


94 


التلمذة في مدارس الصفوة 
بين العرب والغرب». إذ بينما وافق البنك الدولي على تمويل جزء من سذ أسوانء 
فإنه وضع شروطا قاسيةء إذ طلب من مصر آولا أن تقيم سلاما مع إسرائيلء وأن 
الغرب يجب أن يوافق على كل القروض معدلات فائدة غير معقولة. أما العرض 
المقابل من الاتحاد السوقييتي فكان» كما لاحظ سعيد» أيسر بكثير: «ادفع عندما 
تستطيع»» وبلا فوائدء وبلا اشتراطات تتعلق بإسرائيل. ومع التسليم بأن العرض 
السوفييتي كان يخفي مآرب أخرىء فإن الحقيقة تبقى» وهي أنه كان العرض 
الأفضل. أضف إلى ذلك أن القصلب الغربي ألحق الأذى بالولايات ال متحدة في نظر 
العام. ما حدث هو أن ثقة ناصر بالغرب اهتزت» وليس العكس كما ظنْ جون 
فوستر دلس esاا2u‏ ءtءە۴‏ «طمل وزير خارجية الولایات المتحدة. فقد ظلّت 
الولايات المحدة هي الداعم الرئيس لإسرائيلء علما أن جميع المظام التي يشكو 
منها الإقليم «مصدرها القضية الفلسطينية». ويبدو أنه ليس من بين القوى الغربية 
قوّة أدركت أن الصداقة مع العرب هي من مصلحة الغرب على المدى الطويل. 
غير أن دفاعه م يذكر أي شيء عن مساندة عائلته للسياسة الناصرية» سواء 
أجاء ذلك الدفاع لأسباب تكتيكية أو لغموض حقيقي ف موقفه. كذلك يلفت النظر 
أن اممقالة تجاهلت مؤتمر باندٌنغ ع«س ل١8‏ الذي عقد ف العام 1955؛ ذلك اللقاء 
الأسطوري الذي جمع تسعا وعشرين من دول العام الثالث ف باندنغ بإندونيسيا 
للتعبير عن تأييدها المستقل لحق تقرير المصير» من دون النظر إلى مواقف القوى 
العظمى ف العام. وقد كان الحديث عن الخط الفاصل الذي وضع في باندنغ هو 
حديث الساعة ف ذلك الوقت» كما أوضحت حماته ف المستقبل وداد قرطاس 
في معرض مدحها للإنجازات النظرية التي حققها مؤتمر باندنغ في فضحه لجرائم 
الاستعمارء مع التركيز على ناص الذي كسب بتحذيه لشرعية إسرائيل «نصرا رمزيًا 
لفلسطين». م يأت ذكرٌ لذي من هذا ف مقالة سعيدء وهو ما يثير التساؤل لأن 
الإجراءات الصارمة التي تعرّض لها ا معارضون» والتي ذهبت حياة صديقه فريد 
حدّاد نا لها في سجن مصري» كانت ماتزال في علم الغيب» ولأن عجْز ناصر عن 
تحقيق النصر في اممعركة التي خاضها ضذ إسرائيل مم يكن قد ظهر بعد”". ومهما 
يكن السبب فإن الزعيم المصري لا يرد له ذكر في سلسلة كبار القادة العرب الذين 
يذکرهم سعید. 


95 


إدورد سعيد 

وفان ری کل ا حه سیه ن ران قان طت الجا م نکی ادا لار 
عن النوازع الجنسية. فقد احتفظ بسيارته من نوع ألفا روميو ف مرآب خارج 
الحرم الجامعي خلافا للأوامر الجامعية التي تمنع امتلاك السيارات (وكانت امخالفة 
تعاقب بالفصل الممؤقت)» وكان يستعملها للهرب إلى الجامعات الأخرى بحثا عن 
صحبة النساء بلا جدوى في الأغلب”“. لكن أخواته ساعدنه في مسعاه بالمصادفة. 
فقد کانت روزي» کبری آخواته» تدرس ف كلية بُرن مور عندما كان ف سنته الثانية 
في الكليةء فقابل إحدى صديقاتهاء وتدعى انی داز التي غدت علاقته بها علاقة 
غرامية» وإن مم تكن الأولى. ففي السنة السابقة كان سعيد قد وقع في غرام ابنة 
صاحب مصنع للصابون ميسور الحال اسمها إيقا عماد تحب الثقافة الفرنسيةء 
وكان قد التقى بها في العطل الصيفية في ضهور الشوير. وفي هذه اللقاءات الغرامية 
الأولى اكتشف سعيد متعة العلاقات الحميمة بعيدا عن إشراف والدته الشديد. 

كانت فترة التودد مشبوبة في السنة السابقة لسنة التخرج وكانت تجري عن 
بعد طوال تسعة أشهر في السنة» ثم تستأنف في لبنان في الصيف. وقد استمرّت 
العلا سات حكن ق ف الدراسات الفلا ولك ذلك كان مقطا سيب 
الاختلاف في نمط الحياة وبعد اممسافة. وف النهاية مم تعد إيقا مناسبة له لأنها 
م تكن تطمح إلى أن تكون لها مهنة خاصة بها ولأنها تنتمي إلى طائفة الروم 
دكن وقهه هن مذكاة أن حا راع هح ادات والدت بمب 
سن إيفاء وانتمائها الطائفي» وميولها الفرانكوفونيةء ولكن كانت هنالك أسباب 
أخرى أقوى. كانت إيغا فتاة طيبة. مستقيمة. ومخلصةء ولكن تعليمها م يتخط 
المرحلة الثانويةء وكانت عائلتها من العائلات المحافظة. كل ما كانت تفعله هو أن 
تصغي بصبر بينما يتكلم هو عن أفكاره من دون المشاركة فيها. وقد ظلت العلاقة 
تخطو خطوا وثيدا حتى أواخر الخمسينيات» وكانت قد ضعَفت وم يعد بالإمكان 
إصلاحهاء لكنها انتهت عندما أعلن سعيد خطبته امرأة أخرى ف العام 1961. 

بعد أن أخذت علاقته بإيقا تضعف» رها ظْنْ من كانوا حوله أن تلك المرأة هي 
نانسي داير لأن علاقتهما بلغت من الجديّة حدًّا جعله يدعوها إلى القاهرة للقاء 
عائلته» ولكن ذلك أيضا وصل إلى حدّه في العام 1959 برسالة تستدعي النظر قطع 
بها العلاقة وأشار إلى بعض الإسطوانات التي رافقتها: 


96 


التلمذة في مدارس الصفوة 
«أرجو أن تغفري لي هذه النغمة الحزينة التي أكتب بهاء ولكنها 
تعبر عن الحزن الحبيس في داخلي وهو يعبر عن نفسه هذه المرّة؛ مع 
الرجاء أن تكون هذه الممرَّة هي الأخيرة. إن جمال هذه الموسيقى نابع 
من جمال الکثیر مما جرى تذکره مع مزيج من الأسى والابتهاج. لقد 
تكشفت لك المرارة التي لا غور لها لنفس عربية تبحث عن قرار في شكل 
من أشكال التناغم الداثم.. ونحن لذينا الكثير مما يستحق العرفان من 
أجله بسبب تلك اللحظات القصيرة من الوحدة التي حصلنا عليها.. نا 
لوم نفسي. لا تندمي أبداء أبدا لخطيئة الحماس.. اصغي لهذه الموسيقى 
وكوني نت بهاء بتلك النغمات النابعة من الجمال الدائم الذي لا يذوي 
مع الزمن.. ولعله يكون من نصيبناء نصيبنا نحن فقط»”. 
وبعد سنوات قليلةء أي في العام 1962ء وكان سعيد آنذاك طالبا في كلية 
الدراسات العليا في هارقردء تزوج من مايرة يانوس بدلا منهاء وهي امرأة قابلها في 
العام 1959ء عبر إحدى أخواته هذه اممرة أيضاء لكن الأخت هذه اممرّة كانت جين 
التي كانت تدرس في كلية قاسار. كانت مايرة زميلتها في الصف. وكانت أكثر من 
عاشقة وصديقة. كانت شريكة حقيقية في البحوث التي كان يجريهاء امرأة م يكن 
ما لديها من فكر ثاقب أو مهارات لغوية أقل من فكره ومهاراته. وف أثناء اشتغالها 
للحصول على شهادة الدكتوراه في الأدب» اشتركت هي وسعيد في قراءة الفكر 
النظري الذي كان سائدا في القارة الأوروبية. كانت السنوات الأولى التي قضياها 
معا تفيض بالسعادةء وكان كلاهما منفبّين يعرفان عددا من اللغات ويعملان على 
الالتحاق مهنة آخذة بالانفتاح لنظرتهما الدنيوية الخاصة وميولهما الفلسفية. 
التقى سعيد بإبراهيم أبو لد قبيل التخرج في جامعة پرنستن في العام 1957 
بينما كانت حرب الجزائر تمر في بعض من أعنف مراحلهاء وكان إبراهيم طالبا 
فلسطينيًا يافاوي الأصل ف مرحلة الدراسات العلیا فی پرنستن. کان سعيد قد تطوع 
للعمل في كشك البطاقات التابع لناد موسيقي عندما اقترب إبراهيم منه للدردشة. 
كان التعارف ق البداية عابراء لكن ذلك الرجل هو الذي جثده فيما بعد للمشاركة 
في النشاط العربي الأمريكي» وتعاون معه في كتابة المقالات والكتب وعَمَل الأفلامء 
ووَصفه سعيد ف الكلمة التي كتبها لتأبينه في العام 2001 بأنه «شيخه». ومن 


97 


إدورد سعيد 
المصادفات أن أبو لخد التقى في طريقه للعمل في فرع اليونسكو في القاهرة بسعيد 
الذي کان ينوي الذهاب إلى هناك أيضا لأسباب أخرى. وقد آذْى هذا القرب إلى 
تميق العا مهيا امه أو نه الأكبر ستاء مداخل التمرد السياسي في العام 
الثالث ومخارجه» ما في ذلك الأحداث التي كانت تجري ف الجزائر وتهم الشاب 
الذي ظل بُعرف دانما بانحيازه للثقافة الفرنسية. 

كان اللقاء مصيريًاء فقد جاء بعد موافقة سعيد. التي م مض عليها وقت طويلء 
على طلب أبيه أن يقضي السنة الأكادهية 1957 - 1958 في القاهرة للتلمذة على 
إدارة تجارة أبيه قبل الالتحاق بكلية الدراسات العليا في هارفرد. وم يكن القصد من 
الخطة تهدئة أبيه فقط. فعلى رغم الحرية التي شعر بها في حياة الفكر عند التخرج 
في پرنستنء > ظل متمسّكا بخطته الأصلية وظل يعلن أن هدفه هو الاستقرار في 
«الشرق الأدنى»*» وأن خیاريه الرئیسين کانا «التعليم والتجارة (في فرع متخصص 
من الحكومة)»”. 

ولذلك فإنه عندما أجل «الزمالة الدسمة» التي تتيح له الالتحاق بجامعة 
هارفرد دة سنة» فعل ذلك للابتعاد عن إيفا إلى جانب محاولة تخفيف الضغط 
عن أبيه الذي كان يحتاج إلى الراحة لأسباب صحيةء ولإعطاء نصيحة عمته ميليا 
ة“. وكان هنالك سبب آخرء وهو آنه أراد 
إعادة التعرّف على تیغرمان. «ثم عدت إلى الشرق الأوسط ممدة سنة لأستطيع 
العزف على آلة البيانو»”“. وهكذا نجد أن عقليته بقيت تقليدية حتى بينما 
کان يتعلّم عن ورية العام الثالث من أبو لخد. وقد حرص - بینما کان في طریقه 
إلى مصر - على أن سل مجلة خريجي پرنستن الأسبوعية Princeton Alumni‏ 
yااWee‏ إلى صندوق بريده ف القاهرة على نحو يذكر برسائل التملق التي 
أرسلها إلى روبندال في ماونت هيرمن. 

ولكن على الرغم من کل متع السنة التي قضاها خارج الولايات ا متحدة فإنها 
مم تخل من الأمور السلبية. فقد قرّر ألا يتابع العمل في تجارة العائلةء وألا يصبح 
عازفا محترفا للبيانو أو طبيبا على رغم أنه كان قد تابع دراسة الممواد التحضيرية 


بأن يكرّس حياته للتجارة فرصة حقيقية 


() رها لاحظ القارئ أن عبارة «الشرق الأدنى» وعبارة «الشرق الأوسط» كثيرا ما تردان في الكتاب معنى واحد. 
[امترجم]. 


98 


التلمذة في مدارس الصفوة 


لتخصص الطب ف الكيمياء وعلم الأحياء طوال وجوده في پرنستن. وفي رسالة ترافق 
تجديد طلب الالتحاق بكلية الدراسات العليا بعد التأجيل شرح الوضع بقوله «إن 
هذه السنة التي قضيتها في مصر للعمل في شركة والدي كانت لها إيجابيّاتها... فأنا 
الآن أشدٌ ثقة من أي وقت مضى ها أريد فعله: أن أعلم... وقد أضافت السياسة 
ا لمضطربة في الشرق الأدنى بُعدا جديدا إلى أفكاري»”“. لكن الحقيقة هي أن النفور 
من حياة التجارة م يكن سببه اليل إلى حياة الفكر العالي» بل كان من الواضح 
أنه سببٌ شخصيٌ أيضا. فالإحساس بأنه يؤذّي دور التابع - الواضح من اختلاف 
الخطاب: «سید سعید» 4نه؟ اء في مقابل «سيدي» ز5 التي يُنادی بها 
وديع بين موظفي شركة القرطاسية الأساسية - كان من العوامل التي فم تشجعه 
على المضي في طريق أبيه. 

ثم إن البيئة التي وجد نفسه فيها كانت عادية مبتذلة. كان كأنه موظف في 
وظيفة مدفوعة الأجرء وبلا مسؤوليات يعتذ بها. وها أن الوقت كان متاحا فقد أخذ 
یدرس کتب کیركغور, ونيتشه» وفرويد دراسة مكثفة للمرة الأولء شر في قضایاها 
بینما يكتب نقدا موسيقيا وشعرا نشر بعضه ف مجلات بیروت“. ولیس واضحا 
تماما ما إذا جاء هروبه من حياة عقود البيع وسجلات الاستيراد نتيجة لرسالة أعلى 
تشغل فكره» أو بسبب بيئة العمل القلقة في مصر تحت حكم عبدالناصء أو لأنه م 
يكن هلك خبرة أبيه مع الأرقام والتفاصيل الصغيرة. ومهما يكن من آمرء فإنه وجد 
نفسه للمرّة الأولى في حياته من دون أن يدري. 

على أنه منذ بداية هذه السنة في مصر ظلٌ قلقا بشأن مسألة التجنيد في 
الولايات اممتحدة. وقد كتب لجامعة هارقرد في صيف العام 1957 ليقول إنه سيكون 
ol Gee RE O A O E‏ 
اة بلول الام 58و1 قب خا 4ا معي أت قبل العجية الفرري. اكد هكن 
من تعطيل قرار مجلس التجنيد بعض الوقت» ثم اضطر ف أغسطس 1960 إلى 
الذهاب إلى مدينة لونغ آيْلند للفحص الطبّيء وهي الخطوة الأخيرة قبل الالتحاق 
)%( يرجم كلا اللفظين إءاءM‏ و8 إلى العربية بكلمة «سيد» مما يخفي الاختلاف بين معنييهما ف الإنگليزية 


وهو أن Mister‏ مجرد لقب للتأآدب ف مخاطبة آي رجل من دون أن تكون له مكانة تعلو على مكانة المخاطب» آما 
ع¡ فلقب تخاظب به الرجل الذي تعلو مكانته على مكانة امخاطب. [اطمحرر]. 


99 


إدورد سعيد 


بالجيش. وأوضح أن أباه كان مريضاء وأنه يعتمد عليه ليساعده في تجارة العائلة 
کل صف لكن نصيحة رالف نادر هي التي كان لها أبعد الأثرء وقد هكن سعيد 
معونته من الحصول على التأجيل الذي هنح للطالب. 
KKK‏ 

تشكلت حياة سعيد الفكرية على مدى ماني سنوات أو يزيد قليلا بالحضور 
الطاغي لأربع من الشخصيًات التي أذت دور اممثال الذي يحتذى: بلاكمر وسوتماري 
في پرنستن» وهاري لَفْنْ في هاررد › وشارل مالك رجل الدولة اللبناني وأستاذ 
الفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت» الذي استمر تأثيره طوال تلك السنوات 
الثماني. كل واحد من هؤلاء زوّده بنموذج لأسلوبه البلاغي وأهدافه البحثية على 
رغم كرهه الرؤية السياسية عند مالك. فقد كانت كراهيته مسيحيته اليمينية من 
الشدة بحيث دعاه فيما بعد ب«الدرس الفكري السلبي الكبير في حياتي»*“. وعلى 
رغم كل ذلك فإن عمل سعيد مزيج من تشخيص بلاكمر للمشهد الثقافي الأمريي 
الذي لا أمَل فيه ومن الرسالة التي يدعو إليها مالك نيابة عن إنسانية ذات ملامح 
عربية متميزة. 

كان بلاكمر مولعا بالقول إن «قوة العقل» الأوروبي وقدرته على العمل على 
مستويات معقدة من الفكر كانت أعلى من تلك التي هلكها الأمريكيونء ولا شك 
في أن ترويج سعيد الرائد لفلسفات آوروبية مختلفة في الستينيات والسبعينيات 
انبثق من تلك النظرة. فكثرا ما اشتكى من ضحالة الحياة الفكرية الأمريكية» ومن 
«الغياب غير العادي» فيها لذلك النوع من «التأمل الفلسفي... الذي يجده اممرء في 
الكتابة الفرنسية والأمانية والإيطالية»”“. ومن الناحية الثانية كان لدى الأمريكيينء 
فيما رأى بلاكمر» زخم أقوى. والمفارقة هنا هي أن هذا الزخم الأمريكي وهذه 
ا لمشاعر الأوروبية هكن أن تُرى بوضوح في رجل أساء راء كتاب «الاستشراق» فيما 
د او إنه مناهض لأوروبا. 

م يتول بلاكمر مَهَمةَ الإشراف الرسمي على عمل سعيد على رغم أنه كلف 
رسميًا بقراءة آطروحته التي قذّمها في سنة التخرج بعنوان «الرؤية الأخلاقية: أندريه 
جید و غر 3م غۈرùı« .The Moral Vision: Andre Gide and Graham Greene‏ 
وكان بلاكمر هو الذي كتب التوصية التي آدّث إلى حصول سعيد على زمالة وودرو 


100 


التلمذة في مدارس الصفوة 
ولسن. وفي ملاحظة قصيرة مكتوبة بخط اليد تعود إلى تاريخ 13 ديسمبر 1957 
ل لامر إن مره الخصرة بسر ا و بها وا رق زد إل اتطاع عا 
بالحيوية والجاذبية العامة» ومع ذلك فإنه قرأ الأطروحة «باهتمام حقيقي ها 
فيها من ذكاء متصل» واتساع في المدىء» ونفاذ النظر هنا وهناك في طبيعة الرؤية 
الأخلاقرة». 

أما سوتماري فقد بلغ من اهتمامه بالشاب أنه كاد يصل حد اممحبّةء فقد وجد 
فرنسية سعید بلا أي عيب» وسعى بين زملائه لي يعڏوه «طالبا جادا من دون أن 
یکون ثقيل الذّم» متحضرا من دون أن يبدو عليه عدم الاکتراث» مثقفا من دون أن 
يبدو عليه الضجر». کان أستاذاه ينتميان إلى حقلين مختلفين. وكان لكل منهما 
أسلوبه» ولكنهما كانا متمردين أصيلين على شاكلة سعيد نفسه» وكانا يختلفان عنه 
ف أنهما فم يولدا ضمن هذه البيئةء بل كانت تدعمهما مؤْسّسة وتحميهما وتكافئهما 
لقاء ما يبديانه من جرأة مقبولة. وقد كان تأثير سوتماري ذا طبيعة عامة على رغم 
أنه أساسي: فقد علمه «أساسيات الفكر النقدي»". أما عندما كان في ا مرحلة 
الجامعية الأولى فقد جاء التأثير الدائم من بلاكمر. 

قد يبدو أن ما جعل أستاذيه مختلفين غير مفهوم قي هذه الأَيام» ولكنه 
حفز سعيد تحفيزا هائلا. فبعد الحرب العام مية الثانية حصل تنافس في طريقة 
دراسة الأدب في الجامعة. إذ انخرط العمل غير النقديّ الذي يركز على التاريخ 
وعلى التنقيب ق الأرشيفات» وهو العمل الذي كان يضطلع به الفيلولوجيون 
التقليديون» في معركة ضد التحدّيات الراديكالية التي جاء بها «النقاد الجدد» 
.New Cs‏ كان النقاد الجددء الذين بُعَذّون الآن محافظين» ثوريين في أيْام 
عزهم لأنهم أصرَوا على أن قراءة الأدب مسألة تذوّق إستطيقي وشكل أديء 
وليست مجرد تتبّع للتغبرات في أصول الكلمات أو اشتقاقها. وكان تركيزهم على 
الأبعاد الكنائية الفريدة لن - ها يشبه «الثورة في اللغة» التي حدثت في النظرية 
الأدبية في القارة الأوروبية في الستينيات - هو ما تميّزت به حركتهم في تلك الأيام. 

لقد بالخ النقاد الجدد في رد فعلهم على المعرفة المتخصصة التي تميّزت بها 
فيلولوجيا المدرسة القدهة بحيث محوا كل التاريخ والسياسة من النقدء وتخيّلوا 
قارا مثالبًا لا يعرف شيئا باستشناء القصيدة أو القصة التي يجدها أمامه. وبهذا غدا 


101 


إدورد سعيد 


العمل الفني شيئًا مغلقا على نفسه» وآلة تنتج المعنى وفق قواعدها ا مشفرة الخاصة 
بها. م تعد هنالك حاجة إلى استخراج تفاصيل عن الكاتب أو لاستقصاء المعلومات 
عن كيفية كتابة النص وأسباب كتابته. لذلك فإن سعيد انجذب منذ البداية إلى 
مدرسين يستمتعون بالشكل الإستطيقي ولكنهم يقاومون هذه الاتجاهات بالتركيز 
على اممؤسسات السياسية والاجتماعية خلافا للاتجاه السائد. 

وما كان بلاكمر واحدا من هؤلاء الذين يقعون خارج النمط السائد فإنه أخذ 
هثل اتجاهات عَملّ سعيدٌ على دعمها. وعلى رغم آنه ينتمي إلى اليسار السياسي 
فإنه هو ولفنْ. الشف على عمله في كلية الدراسات العلياء كانا لا يرتاحان مماركس: 
یحترمانهء ke:‏ يبقيانه خارج دائرتهما على رغم اقتباساتهما الكثيرة منه. وتحدّثا 
عن الرأسمالية بلهجة من تعب منها وباحتقار» ورأيا في فنون اللغة انتقاما من 
مجتمع لا یری و آي شيء يخلو من الفائدة المباشرة. وف ملاحظة مكتوبة 
بخط اليد وجدت بين أوراق مخصّصة لرواية في طور الإعداد اقتنص سعيد سطرا 
غامضا كتبه بلاكمر يقول فيه: «اطمعرفة نفسها سقوط من جنة الإحساس غير 
ا محدّد». كان يرمي إلى القول إن هنالك مأساة في المعرفةء وتخليا عن جمال 
الدافع الأصلي طعرفة تنتهي بيقين لا برضي عند إشباعها. الحياة التي تستحق أن 
تعاش مفتوحة للأسرار الإستطيقية. 

رها م يكن الجميع متفقين مح رأي سعيد القائل إن بلاكمر كان أعظم ناقد 
أمريكي في النصف الأول من القرن العشرين» ولكنه كان ممعظم معاصريه نسيج 
وحده. م يكن من ذلك النوع من الرجال الذي هكن أن «يقلدء ويعاد إنتاجهء 
و استعماله کأنه درس أنْقنَ ثم أعيد تطبيقه»”. فهو کان لطلبته أکثر من 
عاي کان فة وراه غال مق خان الاه عرف ال واک ماه 
(ومنهم و. ھ. أودن H. Audei‏ ولویز بوغان Louise Bogan‏ ووالس ستنفنز 
ce teens‏ اWa1).‏ وکان مشغولا بتدريس أشعارهم. كان يقرأ الشعر بصوت عال 
لطلبته على مدى ساعات ف قاعة الصف وهو يحمل سيكارة بيده. وقي أثناء و 
محاضراته كان سعيد يدرس الكيفية التي تؤثر فيها مادية الجسد والشخصية بالنقد 
بحيث يتخْلل ذلك الجانب من الإقناع الذي يقع فيما وراء الكلمات. ولئن امتدح 
فيما بعد شخصية من يعلم نفسه بنفسه» فإن الشخص الذي كان في ذهنه هو 


102 


التلمذة في مدارس الصفوة 
بلاكمرء وهو أستاذ فم يكن يحمل شهادة الدكتوراه بل م يكن يحمل شهادة الثانوية 
العامة ”.كانت الجاذبية التي يتمتع بها بلاكمر تعود إلى مزجه نفاذ البصيرة النقدية 
مع قدر من «الغرابة اللعوب»”. 

وعلى رغم أن بلاكمر م يكن بعيدا عن السياسة وم يكن مجرّد شكلانيء فإنه 
كان ف تظر أهام الل اة واعدا من القاد الجذد كن ماي الأر أن 
العودة إلى العمل الأدبي نفسه» وهي من العلائم الدالة على النقد الجديدء م 
تمنعه من كتابة مقالات عن مصير العقل» أو من الاحتجاج ضد الفكرة القائلة 
إن العقلانية ملك خاص للرياضيات والتكنولوجيا. وقد ميّز نفسه بريادة الدراسة 
المتشككة بوسائل الإعلام التي تبث الأخبار والبرامج الترفيهية» وبدراسة الكتابة 
الإبداعية بعيدا عن مسألتي الموهبة وصوت المؤلف «باتجاه القوّة الفاعلة لجميع 
المؤسسات الاجتماعية التي هثلانها طوعا أو غصبا». كما درس اقتصاد الأدبء 
ودافع الربح» والتهديد الذي يتعرّض له الفن في ظل «رأسمالية التمويل» وفعل 
ذلك بطرق أوضح من نواح كثيرة مما فعله سعيد نفسه. 

کان سعيد يعد باستمرار ناقدا من نقّاد فن القصة وفن الرواية على وجه 
التحديد» ولكن رها كان الشعر هو الذي يكمن في القلب من تكوينه الفكري. 
وقد كان لبلاكمر يد في ذلك أيضاء وبخاصة عبر حبّهما ا مشترك لشعر جرَزد مانلي 
هويكنزء الذي كان يؤمن بأن الكتابة العظيمة تملك مقومات الخطاب المباشر. 
والعبارة التي يتكرر اقتباس سعيد لها من بلاكمر - «تقريب الأدب إلى الأداء» 
- كانت شكلا من الأنكال التي الجأ إليها سيد للفتفادة من المهنة التي تغلى 
عنها وهي مهنة عازف البيانو» وذلك بأن يتخيّل الناقد ا مثالي موسيقيًا يودي دوره 
أمام المستمعينء وبأن يتخيّله أيضا خطيبا يدافع عن قضية في محكمة”. وكان 
بلاكمر قد قال في كتابه «اللغة إlgء«‏ )1935( Language as a Gesture‏ إù‏ 
الكلمات تصتع من الحركةء أما الكلمات في قلم [الكاتب] فليس لها من الحياة 
ما للکلمات في فمه». 

وليست اممسألة أن بلاكمر قد وضع إصبعه» محاكاة هوپكنزء على مصدر القدرة 
الخاصة التي تمكن منها هو وسعيد بصفتهما ناقديْن» تلك القدرة على الكتابة 
بعفوية خلابة. بذلك الحضور الجسماني لشخصية المتحدّثء بل هي أن كلا منهما 


103 


إدورد سعيد 


استمدٌ القوّة من الرؤية الدينية عند هويكنز لجعل النقد رسالة دنيويّة. وكان من 
امهم لهما أن هوپكنز كان أنغليكانيًا متحمَسا تحوّل إلى الكاثوليكية الرومانية 
ثم أصبح راهبا يسوعيًاء وأن قصائده تنبض بالقوة المتعالية تحت سطح الأشياء 
الطبيعية. وقد كان إعجاب سعيد بهوپكنز لا تحذه حدود لهذه الأسباب مجتمعة 
ولكن لأسباب نفسية أيضا. 

ومن الصعب تقليل أهمية الأثر الذي تركه بلاكمر على نواح آخرى من سعيد 
أيضا. فمع أن بلاكمر كان حداثيًاء وهذا يعني لأكثر الناس أنه يعشق الرؤى الظلماء 
السوداوية التي يجري التعبير عنها بنثر تجريبي مملوء بالصور الشعرية» فإنه كان 
يرى أن الكتابة الإبداعية هي في آخر المطاف كتابة ذات رسالة تدعو إليها - أي إن 
لها هدفا وفكرة تود توصيلها - وأنه أراد إحياء الأدب التعليمي لكل من هوراس 
Milton jil Horace‏ وسُوفت .SWift‏ وھذہ آراء ما کان کن أن يفوق هرطقتها 
شيء من وجهة نظر الحداثة. غير أن بلاكمر م يكن سياسي النزعة بشكل مكشوف. 
فقد حسب أن من الأفضل أن يبقی «مازحا» فلا ينخرط في الأنظمات أو الأحزاب 
التي وصفها وصفا لا ينسى بأنها «صراع في مر الحمضيّات»”. وقد سخر سعيد من 
«إنسانية بلاكمر البورجوازية في مقبرة الكنيسة»*) ولكن ليبرالية بلاكمر السياسية 
هي في جوهرها ليبرالية غاضبة وسطية؛ أي إنها مناهضة للشيوعية وللمكارثية في 
الوقت نفسه. وقد قارن «مخترعات موسکو.. مخترعات مادسن آفنيو»**. 

کان بلاكمر» على غرار سعيد فيما بعد داخل هذه الحركة الأدبية المهمة 
حركة الحداثة الأدبيةء وخارجها. وقد كانت هذه الحركة تعرز مكانتها ف التوجهات 
المركزية في السياسة والإستطيقاء في العلوم الإنسانية والفنون في الخمسينيات. وعلى 
رغم أن بلاكمر كان من محطمي الصور التقليدية فلا شك في أنه کان يشاركها في 
بعض آرائها اممركزية. فإلى جانب أن مصطلح الحداثة كان يعني حقبة ف تاريخ الفن 
(من العام 1880 إلى العام 1940 تقريبا) فإنه عنى أيضا مجموعة غير متماسكة 
من المواقف الإستطيقية والاتجاهات الفنية التي تشمل التجريبية الطلائعيةء وكره 


() يلمح سعيد هنا إلى قصيدة شهيرة للشاعر توماس غْرَّي عنوانها «قصيدة رثاء في مقبرة كنيسة ريفية». [ا مترجم]. 
(# #) مادسن أقنيوء شارع في مانهاتن بنيويورك يتسوّق منه أثرياء العام. [المترجم]. 


104 


التلمذة في مدارس الصفوة 
الدهوقراطية, والثورة ضد الثقافة الجماهيرية. أما أين يتفق بلاكمر وسعيد فهو في 
مقاومة الحداثة للروح التجاريةء والاعتزاز القومي» والتفاؤل الذي يودي إلى الكبت. 
وقد امتدح كلاهما المواهب الغامضة لدى المؤلفين غير ا محبوبين الذين يتصفون 
بالصعوبة والسوداوية (بكلمات بلاكمر) وهلكون في دواخلهم القدرة على الخلق 
باستیعاب الاضطراب وتحویله إلى انتظام. 

لكن بلاكمر لاحظ علامات تنذر بالخطرء ووجد في الحداثة جانبا من العدمية 
الكامنة في الفيزياء والرياضيات حيث بدا أن الفنون والعلوم تدعي أن بني البشر 
لا هكنهم أن يعرفواء وأن «الشخص» فكرة مختلقةء ولا يزيد على كونه مجموعة 
من الدوافع ال ميكانيكية. وقد اتفق سعيد مع بلاكمر بشأن هذه ال مخاوف» ولكنه 
وضع خطا فاصلا عندما وصل إلى رؤية بلاكمر للنقد بوصفه نوعا من ال مصير 
البطولي ا محتوم الذي يشن حربه في فضاء لا أمل فيه بين ال ١ء«ں×‏ (القوى 
الكامنة فينا التي تدفعنا نحو مثال يهيمن علينا) وال 101 الكلمة السنسكريتية 
التي استعارها من صديقه روبرت أوپنها مر «Robert Oppenheimer‏ والتي 
تشير إلى القنبلة الذرية («غباء الإنسان الذي يثير الاحتقار» ويستسلم ل «الفعل 
الضروري الأعمى»). لقد كان سعيد ينطلق باتجاه مرى الحمضيّات» غير مبال 
بنصيحة أستاذه. 

KKK 

سنسيء فهم موتيفيْ الدنيوية والأصالة اللذين هلآن كتابات سعيد اممنشورة 
الأولى إن مم نتعرّف على شارل مالك؛ وهو أكثر من مجرّد قريب بالنسب. ففي 
مواجهة آراء مالك الدينية «القاسية غير ال مقبولة» وجد سعيد نفسه على رغم كل 
شيء تلميذا من تلامذة مالك فكريا“. 

تتفق كل الآراء على أن مالك كان من عمالقة السياسة في الشرق الأوسط وف 
العلاقات الدوليةء وتاريخ الأمم ال متحدةء والحياة العامة في لبنان. ومما لا شك فيه 
أنه كان من كبار مفكري العام العربي في القرن العشرين. كان مالك من ا موقعين 
الأضلين عان التاق التي أتفعت منظمة الأمع التحدة جوجبة وكان أيضا أحد 
الأعضاء الأساسيين إلى جانب إلنور روزفلت ق اللجنة التي أعلنت الإعلان العامي 
لحقوق الإنسان» وعمل ف الأمم المتحدة على مدى أربعة عشر عاما ليتولى ف نهاية 


105 


إدورد سعيد 


ا مطاف رئاسة الهيئة العامة. وعلى رغم آنه كان رجلا اتخذ قرارات صعبة بصفته 
رجل سياسة» فإن ذهنيته كانت ذات صبغة ميتافيزيقية. وكان وزيرا للخارجية إِبان 
الحرب الأهلية اللبنانية الأولى بين العامين 1956 و1958 ودعا القوّات الأمريكية 
إلى دخول البلاد بتفويض من الرئيس كميل شمعون» الذي كان ينتمي إلى الطائفة 
المارونيةء شأنه في ذلك شأن جميع رؤساء لبنان بعد الاستقلال. كذلك أصلح مالك 
وضع قسم الفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت» وعمل فيه بصفة أستاذ شرف 
بين العامين 1962 و1976» وحصل على سلسلة من شهادات الدكتوراه الفخرية من 
بعض الجامعات المرموقة. 

م يكن سعيد قد التقى بأحد له من التميّز الفكري ما مالك“ . فقد كان 
مالك قد درس تحت إشراف آلفرد نورٹ وlیiٹهد Alfred North Whitehead‏ 
في هارقرد ف العامين 1934 و1937 وتتلمذ في الفلسفة على يدي الفيلسوف 
مارتن هایدغر في جامعة فرايبرغ في العامين 1935 و1936 . وف أثناء زيارات 
سعيد مالك فی واشنطن عندما کان یدرس ف ماونت هیرمن ثم ف پرنستن تعمقت 
العلاقة في جو مريح يشبه الجر الذي كان يستمتع به مع والديه في القاهرة 
م يكن مالك من الأقرباء الأقربين» ولكن كان سعيد من اممفضلين لدى إيفاء زوجة 
مالك» وكان مالك نفسه يحب أبا سعيد حبا جماء ولذلك کان يزوره ف البيت في 


(66) 


أيام الحرب في القاهرة. كان مالك ذا شخصية مهيبةء وقد يوصف بأنه مختال» وله 
صوت رنان» وقد جمع بين الجدية والسمنة لدعم أدواره ا متعدّدة بصفته أستاذا 
ودبلوماسیا وسیاسیًا. 

غير أن الدور السياسي مالك ف النقاط الحسّاسة صار إشكاليًا عندما تكشفت. 
فقد تحوّل من ناطق باسم الفلسطينيين في الأربعينيات إلى المهندس الفكري 
للتحالف المسيحي اليميني مع إسرائيل بعد العام 1949. وقد حقق سعيد انتقاما 
صغيرا بالسخرية من مالك في مذكراته» وذلك بأن قذّم صورة عنه بصفته العلامة 
الفهامة الذي يدمدم عن كيفية احتساب علماء الفلك القدماء بعد النجوم باستعمال 
الزوايا الأرضية. وعلى الرغم من اختلافهما في الس والمكانة (كان مالك قد حقق 
الشهرة بينما كان سعيد في سنته الثانية في جامعة پرنستن) والآراء السياسية فإن 


العلاقة نمت ف ضهور الشوير خاصة» حيث کان مالك وزوجته بزوران باستمرار. 


106 


التلمذة في مدارس الصفوة 
وکان سعید قد أخذ مل من العطل الصيفية هناك ولكن الحديث مع مالك أنقذه 
من بلادة الجو العائلي. 

ظلت طرقهما تلتقي. فقد استضافت جامعة هارقرد مالك بصفة أستاذ ضيف في 
العام 1960ء حيث كان سعيد طالبا في كلية الدراسات العلياء e e‏ 
عضوا مثبتا في هيئة التدريس في جامعة كولومبيا يقضي سنة التفرُغ العلمي في 
بیروت کان مالك عضوا في هيئة التدريس هناك» وكانا على اتصال دائم. ووفقا ا 
قاله سعید فإنه ظل يطلب النصيحة من مالك حتى العام 1967ء وقد أذهله تمن 
مالك من اللغات العربية والإنگليزية والأمانيةء ومعرفته ف مواضيع تمد من فختة 
Fichte‏ ای .Plotinus e‏ روايات العائلة إن سعيد كان کتب 


الوقت 0 کان سعید یزور فيه E‏ و للتأآثر من حول 
في مقال نشره مالك ف العام 1952 في مجلة «الشؤون الخارجية« «Foreign Affairs‏ 
وهي مجلة تستخدمها القوى السياسية في واشنطن لرصد ردود الأفعال - وضع رجل 
الدولة اللبناني تصوره مموضوعات البحث الخاصة بعلاقات الشرق والغرب» وهي 
مقالة لا بد أنها تركت أثرا عميقا في ذهن سعيد: ففي الممقالة المعنونة «الشرق 
الأدنى: البحث عن llلzحıêةة« jÎ The Near-East: The Search for Truth‏ 
مالك موضوعات عمل سعيد فيما بعد على تناولها بالتفصيل» واستعمل أسلوبا 
أبوبًا جذابا رما تعلمه سعيد منه". فقد قال إن على من يريد التعامل مع تنامي 
الشعور القومي عند العرب أن يفهم وجهة نظرهم. فلقد أخذت الحركة الوطنية 
تنظر إلى الغرب لا باعتباره محرّرا بل باعتباره يخطط للتقسيم والهيمنة. وأنه ينوي 
أن يوطن ف الأراضي السورية «أعدادا لا حصر لها من اليهود» ضد رغبة سكانها. 
ثم يستعرض مالك كل دولة عربية أو إسلامية في المنطقة وبين مشكلات 
تطورها لإظهار آن وحدتها وهمية. وأن ما يوخدها توحيدا سلبيًا هو خلق إسرائيل 
على يد القوى الغربية. ويصرٌ على أن السياسة العاممية لها بُعدان ثقافي وروحانيء ولا 
مكن اختزالها في صراع على الموارد الطبيعية. وبلغة ا مجازء هكن القول إن الصراع 
كما تصؤره فاعلوه الأساسيون وعاشوه م يقتصر على الأرض فقط بل شمل أبناء 
إسحاق وإسماعيل: «هنالك هوة عميقة بين إسرائيل وبقية الشرق الأدنى... والتاريخ 


107 


إدورد سعيد 


م یشهد مثالا کھذا على شعب يكنْ عداء أبديًا مح عالمه اطباشر"» وعلى الغرب 
أن يتعلم أن الإسلام وحتى الا في الممنطقة» هو قدرهم. الوا لیس دینا 
فقطء بل هو نظرة كلية ظل فهمها نادرا على الرغم من أن تقدما ألا حصل في 
الأبحاث الرائدة التي اضطلع بها كل من ألبرت حورانيء ولویس ماسنیون» وفلپ 
حتيء» وقسطنطين زريق. وهذه هي الأسماء التي كان سعيد يقرأها للمرة الأولىء 
وهي أسماء رسخت ف ذاکرته. 

حدّد مالك في هذه امقالة امتميّزة حقول ام معرفة الأساسية التي ينبغي استقصاؤها 
إن ريد التوصل إلى فهم ثقا: ظاهرة «امستشرق» التي شاعت ق العقود الأخيرة. 
ما مقدار الخير والأذى اللذين سببهما الاستشراق؟ اذا م تظهر ظاهرة توازيها هي 
ظاهرة «المستغرب»؟ كذلك أشار مالك إلى أمور أخرى لها دلالاتها: هل هناك من 
بداية مطلقة؟ إن كانت غير موجودةء فأین نبداً؟ ثم شدّد» على غرار ما فعله سعيد 
فيما بعد» على المشكلة الأساسية» ألا وهي مشكلة الجغرافياء «البعد الجغرا» 
للثقافة العربية. فقد وجه رجاءه إلى العرب المنكوبين لأن ينخرطوا ف النقد الذاقء 
وأن يتوقفوا عن أن ينحوا باللامة على الغرب في كل شيء. وأن يثيروا مسألة الأصالة 
والتقليد في ا مواجهة مع الاستعمار. ثم قدّم وصفا ما ينبغي عمله وشدّد على ضرورة 
إقامة معاهد للدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأدنى في الولايات اممتحدةء وكان 
من رأيه أن أهم ما على العام العربي فعله هو أن ينشر كل سنة «مائة أو مائتي 
مجلد من الأعمال الكلاسيكية العاممية». وم يهمل الإنسانيّات» وختم مقالته بقوله 
إنه في غياب الطبقة الوسطى يرتفع نجم شاعر البلاط: «عليك لكي تحكم أن تستخدم 
بلاغيًا أو شاعراء أو أن تكون أنت البلاغي أو الشاعر»°0 

وما کان على وعي تام بحركات التحرّر التي تجتاح قارّتي أفريقیا وآسیاء فإنه 
أقام تة لى اماي هذى انكف اة وقد أتاح هذا الصراع من أجل 
مستقبل العام الثالث الممجال للمثقفين العرب معرفة التحذير اليائس الذي كان 
يوجهه إلى المسيحيين في كل مكان» لاسيّما في الغرب. علينا أن نلاحظ أن «كارل 
ماركس وامماركسية اللينينية لا ينتميان إلى الماضي امميّت... فهما واقع حي تماماء واقع 
يبتلعنا طوال الوقت». وقال محذرا «إن العام غير الغري يسيطر غلى الخرب 
بالتدريج» بواسطة امماركسية!. 


108 


التلمذة في مدارس الصفوة 
أما سعيد فكان أشْدٌ تحفظا فيما يتّصل بالتأثرات الهايدغرية على عمل مالك 
ورفضها بذات الروح التي رفض بها تحاملات مالك على الإسلام“”. ولكن بعض تلك 
التأثيرات مم تختف تاما. فكلمة «امصیر» ۴۵۲۲ مثلا بالشكل الذي ترد فيه عند 
هايدغر شغلت فكر سعيد لأنها مل عكس ما تعنيه كلمة «القدر» [المكتوب سلفا! 
.Predestination‏ فالوضع الإنساني بالنسبة إلى الفيلسوف الأماني كان وضعا من 
الحرية الأساسية» وهو وضع يستتبع المسؤوليةء وهذا رأي يتفق تماما مع الأخلاق 
ا لمسيحية العلمانية التي يؤمن بها سعيد. أما الشكل ا مخيف الذي اتخذته امسيحية 
في حملة مالك المناهضة للشيوعية فقد خلصته من أي انجذاب صريح نحو عقيدته 
ا موروثة وعجّلت في تحوله باتجاه العلمانية. وعلى الرغم من اعتراف مالك با مركزية 
الثقافية للإسلام في الهوية العربية فإن عنجهيته الطائفية ومديحه الذي لا تحدُه 
حدود ممنجزات أوروبا الروحية قادا سعيد باتجاه ما هو غير أوروبي وأعطياه شعورا 
رافقه طوال حياته بكراهية العداء للشيوعية بكل أشكاله”. 
kd‏ 
قبل التحاق سعيد بجامعة هارقرد ببضعة أشهرء وف أثناء زيارته الأولى للحفل 
الموسيقي في مدينة بايرويت طاںءإره8 وهو في الثالثة والعشرين «مرٌ بحادث 
اصطدام دموي مرعب» مح راكب دراجة بخارية قي سویسراء ا بجروح في الرأس 
استدعت قضاء بعض الوقت ف المستشفى”. فعلى مقربة من مدينة فرايبورغ التي 
كان يقصدها ليزور ابن عمه جورج (الذي كان قد تحوّل إلى الكاثوليكية» واستقرٌ 
هناك في كميون ديني) التفت سيّارته الألفا روميو حول منعطف على جبل شديد 


ك 


الانحدار واصطدمت براكب الدرّاجة التي كان يقودها شاب في مثل عمره. وقد توفي 
ذلك الشاب في وقت لاحق من ذلك اليوم في المستشفى. وبعد غيبوبة دامت أربعا 
وعشرين ساعة استيقظ سعيد في غرفة العناية امركزةء ووجد أن أمه تنحني فوقهء 
وبقي ف فرايبورغ بقية الصيف لكي يستعيد عافيته. والوصف ال مجرّد الذي يورده 
سيد للخادلة ق مذ راف مئل مقا وه الخد يك غا اة حي قت الحا 
والظاهر أن الحادثة كانت مؤمة إلى حد مم يستطع معه الشفاء منها. 

باستثناء زواج سعيد في العام 1962 من مايرة يانوس» صديقة أخته جين في كلية 


فاسار» فإن نموه الشخصي في جامعة هارفرد م يكن على تلك الدرجة من الإثارة 


109 


إدورد سعيد 


التي كان عليها في جامعة پرنستن. فقد عاش مع زوجته بعّزلة نسبية في وقت شهد 
«القفزة العظيمة إلى الأمام» التي دعا إليها ماو تسي تونخ, والإطاحة بحكم باتيستا 
في كوباء ومذبحة شارپقيل» وغزوة خليج الخنازير. وكما قال في مقابلة أجريت معه 
فيما بعد ضخى بانغماره ف عام البيانو وغاص في عام الكتب: «م أفعل الكثير 
باستثناء الدراسة على مدى خمس سنوات»”. في تلك الأثناءء وبناء على الصداقة 
العميقة التي نشأت مع إبراهيم أبو لد في أثناء السنة التي انقطع فيها عن 
الدراسة ق القاهرة كان سعيد يتقدّم ببطء باتجاه وعي سياسي جديد. كان ذلك 
لايزال يسبق بعدة سنوات سعي أبو لخد إلى إدخال صديقه الشاب ف عام السياسة 
بن طلب منه أن يكتب المقالة اممعنونة «صورة انعر« The Arab Portrayed‏ 
(1970)» وهي المقالة التي أشاعت اسم سعيد ف العام العري. ولكن بقيت هنالك 
ممحات من روح التحدَّي في العام الثالث» التي نقلها أبو لخد له مبثوثة في جميع 
أوراقه الممتناثرة من عهد التلمذة. 

مضت الحياة في هارقرد بروتينها اللطيف الذي يتضمن الحفلات امموسيقيةء 
والدعوات المتبادلة إلى تناول وجبة الغداء والمؤامرات الفكرية مع غولد وفيرر. 
وبين العامين 1959 و1962 استغل الفرصة التي أتاحتها له مدينته التي اختار 
السكنى فيها لحضور كل حفلة أقامها غلن غولد للعزف على البيانو ا منفردء وكانت 
أجمل حفلاته تلك التي عزف فيها تحت إشراف الموزع الفرنسي پول پاري اه۲ 
ره مع أوركسترا دترويت السمفونية. وتابع الزيارات التي كان يقوم بها لأخواته 
بانتظام ويلتقي کا السابق بنساء جدیدات. وکان مایکل روزنثال 2e1طMic‏ 
R sent‏ الذي أصبح فيما بعد واحدا من أقرب أصدقائه في هيئة التدريس 
في جامعة كول بياء جزءا من المجموعة نفسها التي تتواعد للقاء. وفي يوم من الأيام 
فاجأه في غرفته في سكن الطلبةء وها أنه كان قد أخذ امتحاناته الشفهية من فوره 
فإنه بدا باختبار روزنثال حول روایات وندَم لويس 1ew‏ ص2طكصرW‏ کأنه م 
بُفاجا بالزيارة*. فوج روزتثال بذلكه لكته. أعجب بالجراة وصار بعد ذلك 
صديقا من أصدقاء العمر. 

أما عندما ظهرت مايرة على اممشهد فإنه جنح إلى الاستقرار. وسرعان ما 
عرف الزوجان بإقامة الحفلات الراقية في حديقتهما في بيتهما المبني على الطراز 


110 


التلمذة في مدارس الصفوة 


الکولونيالي* في شارع فرانسس في كيمبرج» وكان بيتهما بيتا بستحق المشاهدة في 
اا اسح أن اا طون ا وع عرو آي اسع اسه دو 
الخاص ف السيغار والغلايين» وعندما لا يكون أي من هذين متوافرين» كان يلجأ إلى 
السجائر التي كان لا يخجل من طلبها من أصدقائه. وقد ظل مخلصا للتدخين طول 
حیاته» ولکنه مدخن مختلف يکتب الرسائل لشركة آلفرد دنْهل 11ز Du‏ ۸1۴۲۵۵4 
ا محدودة لطلب علب من «خليط من التب رقمه 2»34596”. 

اة اللو الأززق» د تلك كانت صورة بلأكر لفان وسن يضفي غ تضاعيف 
عمله - وهي صورة عبرت عن الجر العام للسنوات التي قضاها سعيد في هارقرد". 
فباستثناء الزواج» م يحصل الكثير في حياته على رغم أن ذهنه كان يتفجًر. وجد 
العزاء في التحليل النفسي» وغطى مصاعبه العاطفية بالإنتاجية. كان آنذاك في 
منتصف العشرينيات» فصرف كثرا من الوقت لاستيعاب الكتب التي سيحفر في 
مناجمها في بقية حياته - كتاب «العلم الجدید» »1he New Science‏ لقیکو Vico‏ 
وکتاب «التاریخ والوعي الطبقي» «History and Class Consciousness‏ لغıورغ‏ 
لوكاتش 6e0 1u acs‏ وكتاب »lلوجوذ‏ lgئعدe« «Being and Nothingness‏ 
لجان پول سارتر» ودراسات موريس میرلو-پونتي ê Maurice Mer[eau-Poıty‏ 
الفينومينولوجيا والإدراك. وبا مقارنة مع پرنستن اكتسبت كتاباته فجأة قذرا أكبر من 
الأصالة والشخصية. فمقالتاه اللتان كتبهما في ال مرحلة الجامعية الأولى» أي تلك التي 
تتناول روايات هنري جيمز وتلك التي تحمل عنوان «العلاقة بين العَظمة والكمال 
llفùj« The Relation between Greatness and Perfection in Art‏ تؤديان 
وغيف الشرخ أا مقالات مرجلة الدراسات افا فخا 

ما تكشفه هذه المقالات يجب أن يكون ذا أهمية لكل من يهتمُ با محتوى 
الكامن والظاهر ف الأفكار التي طبعها سعيد بطابعه. ولرها كان آكثرها لفتا 
للنظر تعمقه في الأعمال الكلاسيكية التي أنتجتها الفلسفة الغربية. ويلفت 
النظر أيضا تفضيله غير المتوقح للشعر على الروايةء وهذا ما تفعله أيضا دراسته 
اا فارخ الل ولا يفن أ من هذه الحقول موشوها يجن الركر 


(*) طراز معماري ساد في أمريکا قبيل الثورة التي أدت إلى الاستقلال. [امترجم]. 


111 


إدورد سعيد 


عليه في كتبه المنشورةء ولكنها كانت هي الموضوعات السائدة في بداياته. فهناك 
علی سبیل الممثال ملاحظات کثیرة عن کتاب کارل پیرسن a۲1 ۴٥۵۲0۸‏ «نحو 
llعlلp« The Grammar of Science‏ الذي يتناول «الاحتمال» و«العرَّض» 
و«الحقيقة» و«السببية» إلى جانب قاثمة طويلة من المصادر والمراجع عن 
فلسفة العلم. وقد جعلت مقالته المعنونة «بحث هيوم في مبادئ الأخلاق» 
Inquiry Concerning the Principles of Morals‏ eص1uظ‏ آستاذہ وولتر 
جاكسن ږَıٽ Walter Jackson Bate‏ يعلق عليها بقوله: إن المقالة» على رغم 
أنها كتبت بأسلوب رشيق» ليست «ذات جمالية أدبية» ها يكفيء وأنها مغرقة 
في الفلسفة*. ونمة مقالات انتقلت من القصائد الصوفية للشاعر كراشو 
ple» dj Crashaw‏ العروض عند الشاعر كاميين وتنضيد النصض» ك«دزمدصه٣‏ 
.Prosody and Text-Setting‏ وإلى فلسفة کل من هوبز وهیوم. ومع أن جانبا 
من التأسيس التربوي كان تقليديا في ذلك الوقت فإن جوانب أخرى منه كانت 
أكثر استعدادا للمغامرة. فتحت باب «الفلسفة والفنون» تعمُق في دراسة فلاسفة 
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرین (بندیتو کروچي 0٤۸ء8‏ 
٤0ا€»‏ وهنري بیرغسن ١٥۲ء8 ۲1٥۲1‏ وجون دیوي) والفنانین (لیوناردو دا 
ڦنچي» وپیت موندرjlı «Piet Mondrian‏ وأندريه lhلزرg (Andrea Malraux‏ 
وعلماء النفس (كارل ينغ» وسغمُند فرويد وأوتو رانك ص۸ 00)» وعلماء 
الاجتماع (غيورغي پلیخانوق 10¥ 1ek1‏ ¡orgە‌تG»‏ وآرنولد هاوزر dاArn0‏ 
«Hauser‏ ıjgغèرıد‏ اور .(Siegfried Kracauer‏ 

هنالك» في ملاحظة موجُهة إليه هو نفسه عن مقالة عنوانها «دراسة لقصة 
الدبُ» لولیم فوكiر‏ )1960( «A Study of William Faulkner's The Bear‏ 
عبارة ترز مكتوبة بخط اليد بحر احم وتحتها خط على ورق أضقر مسطر: 
تقول العبارة: «الشكل بوصفه تَتمُة آخلاقية للموضوع». وفيها نجد تلميحا آخر 
نحو محاولات بلاكمر للتوفيق بين اممتناقضات» وفيها يستعمل مفهوم الشكل 
الى مقت عه القة الخدية فق خدمة الفلن الس © عا الد ا 
الذي ينبن ممارساته الكتابية ف أوج سيرته المهنية» وهو جهد نشهده في هذا 
المخطوط الذي مم يخضع للمراجعة» كتب فيما يبدو دفقة واحدةء وبفقرات 


112 


التلمذة في مدارس الصفوة 


سلسة واضحة. إن كثيرا من الحوافز التي تفعل فعلها في قراءاته امموسعة في 
کتاب هوبز «بخصوص امواطن» ٣1۷e‏ 0 وق کتابات مان tonاMi‏ السياسية› 
وکتابات إرنست کاسرر ss¡e۲چ٤‏ 1یع8 کانت مؤشرات إلى المبادئ التي لجا 
إليها في مناقشاته: استعادة ابمثل الدينية للعلمانية والفكرة القائلة إن على ال مرء 
أن یکون سياسيا إن أراد أن يكون أخلاقيا. 
اتخذ سعيد في مقالة عنوانها «الموسيقى الصامتة في الشعر التأمُلي» !ن؛؟ 11" 
Music of Meditative Poetry (1959)‏ الأسلوپ الاعتراق وابتداً بحادذة: «سألني 
طالب يدرس الطب عن السبب الذي يدعوني إلى دراسة الأدب. مصر بلد فقيرء 
وشعبها يعاني امرض وسوء التغذيةء وأراضيها الزراعية قليلة وتعاني الظمأ». فأحرج 
سعيد واضطرٌ إلى الاعتراف بأن الشعر لا يمكنه أن يغذي رجلا فقيرا. ولكن أم 
يكن ثمة قدر من الحكمة لدى القدماء الذين وجدوا أن الشعراء فلاسفة عمليونء 
ووصفوهم بأنهم «أصحاب رؤى تشريعية» ۲٥ء‏ iveاھاونعەل‏ لقد شعر بأنه 
عوقب» ولكنه م يقتنع واختار أن يرذ. قد لا تكون سياسة الشعر مباشرة أو آنيةء 
ولكنها تقدّم قوّة اجتماعية فريدة: «سياسة القلب»*“. 
كان الحوار الداخلي الذي دار ف خَلده ف أوائل الستينيات حول مناسبة الدراسة 
الأدبية للعمل الاجتماعي حوارا كاشفا: 
[ها آن] كل أنواع الكتابة سياسية الطابع... فليس ثمة ما يدعو إلى 
الخوف من أن يحسب المرء على معشر السياسيين؛ ها يتضمنه ذلك 
من قلة الذوق وتلطيخ السمعة. السياسة علم من علوم العلاقات... 
لا أستطيع التسليم بأنه من الممکن - ولو من بعيد - أن يكون أي من 
الرجلين [أفلاطون وملتن] قد كتب ما كتب لتزجية الوقت» لأنني واثق 
بن كلا منهما شعر بان من واجبه أن يتك ثم أن يؤثر ويُصلح... 
آنا أنتمي إلى الشرق الأدنى... ولذا فإنني عندما أنظر في تأثير الكتب» 
والصحف» والمجلات على المشهد المصري... فإن كل فكرة مطبوعة 
منفصلة عن سياقها أو مجموعة مع غيرها من أفكار الآخرين» هكن أن 
تفر (بل هي تفسّر) في ضوء معركة سياسية حاسمة: مصر في مقابل 
بقية العام. 


113 


إدورد سعيد 


وقد بدا له أن كل ما يكتب في العام الثالث سيعدٌ معارضة خشنة تفتقر إلى 
الوك عند هة انط كان اخهامة أف فذق لحطة الاتهال بن #لمدف 
الأصلي من قطعة من الكتابة وما فعله بها الحماس المفرط»”. 

تلك كانت حالة سعيد الذهنية عندما بدا رحلته طلبا لشهادة الدكتوراه في 
الأدب الإنگليزيء متّجها نحو مشرفین تبن فیما بعد أنهما کانا خيارا محتملا. کان 
مونرو إنغل More ٤g e1‏ وھو زوا حصل على جوائز على ما کتبه عن جررد 
مانلي هوپکنزء ومحررٌ في مطبعة فایکنخ ۴۲۲۶۶ ڇہ )۷ء أحدّھماء وکانت مشورته 
أكثر ودا من مشورة زميله. أما هاري لقْنْء أستاذه الثاني الذي ولد ف منياپولس 
وقضى وقتا في المنفى في باريس» فكان من المخلصين لثورستين قبلن داعاءامط1 
اا۷ أيقونة التمرد في منطقة الغرب الأوسط وهو عام اجتماع واقتصاد كان 
قد آثار حفيظة العام الأكادهي في بداية القرن العشرين بكتابه «نظرية الطبقة 
klترفة«‏ )1899( Theory of the Leisure Class‏ الذي پشکل إضعافا إثنوغرافا 
لأخلاقيات المحارب الأمريكي. 

وعلى رغم أن لَشْنْ م يكن في الأصل من صفوة رجال الآيفي ليغ فإنه تعلم 
عادات المؤسّسة وأتقنها رها أكثر من غيره» وأخذ هثل دور الأستاذ الهارقردي 
تمقیلا آقرب إلى الکاریکاتیر"*. غرر آنه تمکنء علی غرار بلاکمرء من أن یکون 
مختلفا وأصيلا. وما عدّه سعيد ادشكل الشاحب للدراسة الأدبية ف پرنستن 
(«تاريخ تقليدي وشكلانية شاحبة») وجدَ في هارقرد على هيئة التبجح ال منسوب 
إلى إرقنغ بابٽ Irving Babbitt‏ الور الطاغي في العام الأكادهي في 
الساحل الشرقي في فترة ما بين الحربین» وصار مع تلمیذه پول إِممر مور اuه۲‏ 
Elmer More‏ واحدا من آباء الفلسفة المحافظة الجديدة“. كانت هذه 
الثقافة بالضبط هي التي عرفت لقن سلبيّاء وعندما مُنحَ كرسي إرقنخ بابث 
ى فقت لق من سرك اة اسل الفرهة شه الرجل بقسوة ف 
الكلمة التي ألقاها في تلك اممناسبة وجعله نصيرا للسكان الأصليين 1۷٤١ء‏ 
ومتعصبا دينيا"*. أما حملة بابت ف فترة ما بين الحربين» وهي الحملة التي 
شتّها للدفاع عن «اممذهب الإنساني الجدید» nصینر٘ھےصHu New‏ الذي فهمه 
على أنه الفضيلة البيوريتانية التي كانت تحشى ف أذهان الطلبة عبر الأعمال 


114 


التلمذة في مدارس الصفوة 
الكلاسيكية اليونانية فقد شابهت تاما تقريبا الحملات التي قام بها أن بلوم 
Aan Bloom‏ وروجر کمبٌل ا1ةطاصہنK‏ إمعه۸R‏ في الحروب الثقافية في عقدي 
الثمانينيات الات 

فلل سد فن آعم العا ون ااذه لظ بقل غار أن أطروحتة 
كتبّت «تحت الإشراف اللطيف لكل من مونرو إنغل وهاري لَقْنْ» كأن العلاقة م 
تكن عميقة أو مستمرّة. لكنها كانت تتصف بهاتين الصفتين ف الواقع. فقد فتح 
لقن أبواب بعض الدوريّات الأساسيةء وأذى دور الخبير الداخلي» وظل سعيد ينشد 
ااه ن حع أ أا ا و ف اف ای 
الفكري قدر انبهاره بأسلوب بلاکمر فی پرنستن» حیث کان جزءا من مجموعة دعاها 
مایکل فر ید Micheal Fried‏ «لواصق بلاكمر» Blackmun barnacles‏ *› ولکن 
التأثير الذي خلفه لَفْنْ كان أبعد وأعمق وإن خلا من الحركات المسرحية”. وقد 
کتب سعید لصدیق من بیروت أنه تبین له بینما کان يقرأ کتاب لقن «مسوٌغات 
المقارنة» Grounds for Comparis0‏ بعد مرور سنوات ان تأٹیر المشرف علی 
اطروحته في تفکیره أخذ ينضح له بعد كل تلك الدٌح". 

كان لَقْنْ بالإضافة إلى عدد قليل آخر قد برز بصفته واحدا من كبار اممشتغلين 
بالأدب اممقارن ضمن بيئة واضحة ام معام من المتخصّصين. وعلى رغم أنه كان ينتمي 
من الناحية الرسمية إلى قسم اللغة الإنگليزية. فان مقالاته کان هكن أن تكون عن 
سرفانتس أو غوته أو بلزاك بقدر ما کن أن تکون عن إدغر ألن پو أو جورج إِليُت. 
وبينما كان الحقل مشغولا بلغة الطليعيين التي لا هكن تفسير معانيها كان هو 
يبني سمعته بصفته منظرا للواقعية وهي حركة عرفها بأنها حركة وقفت نفسها 
على تشخيص «عظمة البرجوازية وأفولها». وقد أثار عمله الأكبر بعنوان «بؤابات 
الحقيقة» (1963) "10 ۴ه Gates‏ مط1 من الإعجاب في سعيد قدرا جعله دة 
نذا للمهاجر الأماني الكبير» الفيلولوجي واممشتغل بالأدب المقارن إرخ أورباخ E1۸‏ 
Aue‏ وللفيلسوف الماركسي وا منظر الشهير للواقعية غيورغ لوكاتش عإهء6 


() اللواصق هي أحياء بحرية قشرية تلتصق بالصخور أو بالسفن. وقد نخفف العبارة بقولنا «أتباع بلاكمر». 
[المترجم]. 


115 


إدورد سعيد 


سا ”. وف رسالة أرسلها للقن في العام 1965 أَقرٌ بقوله «كلما قرآته أحسست 
بأنه كتاب عظيم وعميق» وأنه ل يفهم تماما إلا في جيل قادم»”. 

توقع لَقْنْء إلى درجة تلفت النظرء كثيرا من المواقف النقدية التي فضلها سعيد. 
کما في حالة دفاعه عن الانتقائية النقديةء والحس بالترابط العام للأشياء والتحذير 
من طغيان «النظم» الفكرية الكبرى التي تفقد الصلة بالتناقضات واممكتشفات 
التي تأتي بالمصادفة”. وقد عرف لقن سعید بأعمال إرنست رینان ۴٥٤٤‏ 
Renan‏ الباحث الکبیر ف الكتاب المقدّس وتاريخ الدين» الذي کان قد قارن في 
كتابه «مستقبل العلم»(1890) [Avenir de la science‏ الدراسة الأدبية «بعلم 
النبات رصهاهط القديم الذي كان هارسه الهواة» وهو موضوع من مواضيع كتاب 
«الاستشراق» الكبرى”. وطما كان سعيد قادرا على قراءة اللغات العربية» والفرنسية 
والإيطالية. واللاتينيةء والأمانيةء والإسبانية فإنه كان ملك المهارات التي تمكنه من 
أن يكون من اممشتغلين بالأدب ال مقارن على غرار لَفنْء وأن يكون مثله شديد الرغبة 
في توجيه الدراسات الإنگليزية باتجاه الأدب العام .٠۹‏ 

م يعد موضوع النفي الذي عند لقن وعند سعيد فيما بعد يقتصر اقتصارا 
آليّا على الأمريكان اممغتربين ي باريس كما كان الأمر لدى الجيل السابق. فقد أخذ 
ذلك ال موضوع يشمل ضحايا الهروب السياسي وتعارض اللهجات في أوروبا الشرقية 
والشرق الأدنى. وكان لفن قاسيا بشكل خاص على كناب الحرب الباردة اممأجورين 
من أمثال آرثر کستلر Koesilet‏ urطAtء‏ واشتکی من أن هذا الكاتب وغبره جعلوا 
الاقتلاع أقرب إلى المهنةء فزودوا الرآي الأمريكي العام بالدروس الأيديولوجية التي 
طلبها اعتمادا على ال معرفة الخاصة التي يأتون بها بحكم كونهم مُقتلعين من البلاد 
التي آتوا منها. وقد أفادت الجهود التي بذلها سعيد في دراسته لكونراد من ملاحظة 
لَفْنْ القائلة إن كونراد مثلّء بحكم كونه مهاجرا استقرٌ في أحد البلاد ا مركزية «أكبر 
تفاهم متعدد اللغات في عصرنا هذا»”. ولا يقتصر الأمر على أن الأستاذ 
كتب عن كثير من الموضوعات التي تميّز بها التلميذ قبله - منها رَيْمُند وليَمُز 
«Raymond Williams‏ وور باخ» وليو شپتزر «Leo Spitzer‏ وشُوفت» ولوسیان 
غولدمن 211ص 4اەB‏ «ucieا‏ - ولکنه أظهر في مقالات مثل «الأدب موسّسة» 


Literature as an Institution‏ آنه ناقد آمریک شبیه بولیّمُز من حیث الممنهج 


116 


التلمذة في مدارس الصفوة 


ويتتبّع بالقدر نفسه من الحيوية السوسيولوجية تأثير التكنولوجيات الإعلامية في 
الدراسات الأدبية”. وف المقالة اممعنونة ب «نحو علم اجتماع الرواية» Toward a‏ 
of the Novel (1965‏ ogyاSocio)‏ استبق لفنْ مديح سعید اة غولدمن من 
سبك «امموقف الوجودي والأيديولوجيا الماركسية» سبكا يثير الإعجاب. 

لا شك في أن لَقْنْ رسخ في ذهن سعيد أهمية كتابات أورباخ الذي كان آنذاك 
مهاجرا امانا ن جامعة ييل حتى العام 1957. فقد كان الأستاذ الهارقردي 
يتبادل الرسائل مع أورباخ ومع الأسلوبي الکبیر شپتسر على مدى سنوات بعد لقاء 
عابر مع أورباخ في مؤتمر عن سرقانتس في العام 1947". وكانت العلاقة بينهما 
وذيةء وآذى اللقاء إلى مراسلات شابهت مراسلاته العديدة مع شپتسر الذي كان 
يدرس آنذاك ف جامعة جونز هوپکنز.. فعلی عکس آ. آ. رچردز R11۲‏ .۸ .1 
الذي كان من أشهر نقاد تلك الفترة (والذي كان من رأي لفنْ آنه غدا مرسالا 
من الدرجة الثانية من العلوم السلوكية)» حافظ شپتسر على المنهج «الحرباوي» 
chameleonic‏ الأفضل الذي بتبعه عام الفیلولوجياء معنى أن علمه غير اممقيّد 
سمح له بالتجريب باستخدام الأساليب العلمية الجديدة بدلا من الاختناق 
بشكلانية رچردز المتصلبة"". وكان لَفْنْ قد لاحظ نمطا انتشر ف العقود التالية 
يضمن نوعا من «المهاجرین القابلین للقكیف... بعد أن کانوا قد تدرّبوا في بلادهم 
الأصلية وبأسفارهم السابقة بحيث أصبحوا خبراء في ثقافات غير تقافتهم الأصلية. 
وقد كان اممختص الإيطالي بالدراسات السلافية ریناتو پوجيولي انع عه Renato‏ 
واممختص الچیکوسلوقاک بالدراسات الإنگليزية رنيه ولك )ءا۷۷1 ۸e٣‏ قد وصلا 
معا تقريبا إلى جامعتي ارد و وبع کل جاء سعيد» وهو فلسطيني 
من القدس والقاهرة يكتب عن الحداثيين البريطانيين» وعن آمريكاء ولم يطل به 
الأمر قبل أن يصل إلى كولومبيا. 


117 


إذوزد سعيد 


118 


وجد سعید نفسه منجذبًا إلى تمد 
البنيوية ولکنه م یکن على استعداد 
للتخلي عن التاريخ والتقدُم» فحاول 
التوفيق بين الجانبين 


العميل السزيه 


أن أكون» أن أبقى كما أريد 
شاعرَ رڻاء لعوبه «تل»() العري. 
سعید: «أغنبة مختص شرقی بالإنسانیات» 


Song of an Eastern Humanist 


بينما كان سعيد ومايرة يقضيان شهر 
العسل في اليونان في العام 1962 كانت الأمور 
كلها تشر إلى أن اممستقبل سيكون بهيجا. فقد 
كان امسار المهني لكل منهما ينبن بأنه يجه 
نحو الأعلى» وبالفعل مم تقض سنة كاملة حتى 
(*) هذا العنوان مستمدٌ من عنوان إحدی روایات جوزف کونراد 
وسيتبين في موضع لاحق من هذا الفصل أن العميل السري في حياة 
سعيد الأدبية هو كونراد نفسه. [امترجم]. 
(<*<) «تل» اسم لفلاح لعوب عرف مغامراته ومقاابه ف التراث 


الألمانيى کتب رچرد شتراوس عنه قصيدة سمفونية َد من أجمل 
مؤلفاتە عنوانها «مقالب تل پولنشبیغل». [المترجم]. 


119 


إدورد سعيد 


فاز سعید بجائزة باودن فی هارقرد علی رسالته عن کونراد» فالتحق بأمثال امسن 
وهتري آدمز» وجون أيدايك ء)نل ما [٥١‏ في ذلك التشريف. 

كانت مايرة قد كتبت على صفحة من صفحات مخطوطة رواية من تأليف 
سعيد: «المفعول به الثاني: نطنص 0نانسه ٤ئ۴‏ - هو عون ي ٹم کتبت تحتها 
مباشرة: «زوجي العزيزء ليس هنالك شيء في الدنيا يشبه القلب الملآن»”. كانت 
غربتهما المشتركة قد ساعدت كلا منهما على دعم الآخر قبل أن تصبح شيئًا معيقا 
لهما. وجد سعيد في مايرة نذا له: امرآة عصرية أرادت الحصول على كل الحرية 
التي طمحت لها مع ما كانت تتمتع به من إرادة حديدية للحصول عليها. أما هو 
فإن إمكانية الحصول على شريكة في الحياة تختلف عن صديقته إيقا وتعرف كل 
دلالات ما كان يقرأه ويفكر فيه أثارته إثارة عميقة. وكانت الجاذبية جسمانية أيضا 
بطبيعة الحال. 

أا عاتلة بسع فقن وخدت: مانرة حافة ومنفرة. اوقت وصضقها أحد الحارف 
بآنها «غادة حقيقية من ثلج الشمال» وكانت بكلمات جين «مثقفة متشذدةء 
أمانية جدًا». لكنها في الحقيقة إستونية الأصلء وتتكلم الأمانية بطلاقة كالكثير 
من مثقفي أوروبا الشرقية. كانت قد عرفت الحزن في حياتها. فأبوها اختفى في 
الحرب» وم يكتشف أحد ماذا حدث له. وعندما وجدا آنهما اكتشفا أشياء مشتركة 
في الفلسفة الألمانية والفرنسية في كلية الدراسات العليا شعرا بأن مواهبهما بعضها 
يكمل بعضها الآخر. وتعادلت قدرات سعيد على الإقناع وإشاعة جو ال مرح واستعمال 
اللغة الإنكليزية الدارجة مع خبرة مايرة في ثقافة القرن الثامن عشر (وهي خبرة أفاد 
منها سعید في تطویر مشروعه عن سُوفت). ولکنهما أخذا يتنافسان عندما وصلت 
مشاريعهما ا مختلفة إلى مرحلة التبلور» وظهرت اختلافاتهما في الأسلوب. ومع أن 
كليهما كانا ينتقدان إسرائيلء فإن أصدقاءه» وكان العديد منهم من اليهودء أزعجهم 
رأيها القائل إن اليدش ليست لغة حقيقية**» وأحسّوا مصيبين أو مخطئينء ببقايا 
معاداة السامية التي مرت بها في فترة طفولتها في أوروبا الشرقية*. 
() هذه العبارة تخص قواعد اللغة اللاتينية. هكن التمثيل لها بعبارة مثل «أعطيته الكتاب» حيث نجد مفعولين: 
الكتاب الذي وقع فعل الإعطاء عليه» والضمير الذي يشير إلى من تلقى الكتاب. [المترجم]. 


(* #) اليدش لغة يتكلمها اليهود في بلاد أوروبا الوسطى» وهي خليط من عدد من اللغات منها الألمانية والعبرية 
والآرامية. [امترجم]. 


120 


العميل السري 

ليس نمة من دليل مباشر على أن سعيد كان يفكر مايرة عندما كتب قصيدة 

بقلم رصاص باهت على دفتر أزرق من دفاتر الامتحانات في جامعة هارقرد في العام 
2 ولكن القصيدة عبرت عن جدة ارتباطهما الرومانسي. 


بعيدا عن القوةء وبلغة مخادعة 
بأنغام المقام ا موسيقي الذي يذكر بأيام السعادة 
وتوصف هکذا: حبٌ. 


يجرحها املح 
يوم عطلة حافية القدمين غارقة ف الحلم 
مجروحة» ولكنها كعهدها - بهية. 


خليط حذر من النهوض والدخول 
سقط عبر السائل اللزج والقطنء 
قابل للاحتمال» لزج» يلتصق» 
والآن یدخل: خداع. 


عدم استقرار الحب» حيث تنقلب السعادة فجأة إلى شك وفجأة يبدو ذلك 
الذي عرّيت له روحك عدؤا: هذا هو المعنى الذي عبر عنه سعيد في هذه القصيدة 
التي كتبها في الدفتر الأزرق القصيدة التي أعطاها عنوان «تحولات صغيرة» ا)1 
ansformationا"‏ ف التعديلات التي هة فيما بعد. ففي مدى كلمات قليلة 
تنتقل القصيدة من الشوق إلى الرفض» من تشوق الشاعر للاهتمام إلى الشعور 
بالنفور من الالتصاق» ولذا فإن أفعال النهوض والدخول تأت غير خالصة. 

كان واضحا منذ الزواج في ضهور الشوير فصاعدا أن مسألة العائلة ستكون 
منطقة خطرة لهما. ومع أن مايرة كانت قد نجت من عنف الحرب بالهرب 


121 


إدورد سعيد 


إلى انيا مع آمّها فإنها عجزت عن فهم التزامات سعيد نحو العائلة حيث 
يتصرف الأعمام والعمات [أو الأخوال والخالات] كأنهم آباء أو أمهات» وحيث لا 
تحجب الأسرار عن أحد منهم”. كذلك رها ترك إصرار مايرة على الإلحاد أثره 
هي المفتقرة إلى شغف سعيد بالطقوس الدينية*. وقد كتب سعيد رسالة عبر 
فيها عن قلقه لوالده في 2 يونيو 1965 ممح فيها إلى موقف مايرة وإلى رغبته في 
الاستقلال عن نصائح العائلة بينما كان يشق طريقه نحو الشهرة ناقدا ومدرسا 
في نيويورك. ورجا بلهجة تكاد تكون صريحة أن يعفى من شرف استضافة قريب 
له لا يقدّر «التضحية» التي يقوم بها هو ومايرة وصعوبة العيش في الولايات 
المتحدة حيث «تضطرني مهنتي إلى العمل سبعة أيّام في الأسبوع ما في ذلك 
الأماسي»”. وكانت رسائل أبيه ا موجهة إليه مدهشة من حيث تجنبها للجرأة 
في الطلب. آما رسائل هلدا فكانت مملوءة بالشكوى واملامة» وكانت تطلب من 
ابنها أن يعود إلى الطريق الصحيح لأنها كانت تحس بأنه يبتعد عنها في غمرة 
التحديات التي يحس بها في أثناء صعوده في مهنته. 

ف البداية أخذ يكتب إلى أهله للتعبير عن ابتهاجه الشديد بلقاء كثير من الناس 
المهمين ف أيام العطلة الصيفية التي كان يقضيها ف لونغ آيلند. ومع مضي الوقت» 
شعرت هلدا بضرورة السؤال: «ماذا لا تكتب لنا؟ إن كنت مشغولا ألا تستطيع أن 
تطلب من مايرة أن ترسل لنا بطاقة بريدية على الأقل؟» ظلت الرسائل المؤسفة 
تتبادل طوال تلك الصيفية وحتى فصل الخريف من العام 1965ء وفیها اشتکى 
سعيد من أن والديه غير مهتمين بسيرته ا مهنيةء واشتكى الأب من عدم اهتمام سعيد 
بأخواته. وقد أحس سعيد بأن تلك كانت إهانة لأنه كان في أثناء مكوثه في هارقرد 
ثم في نيويورك يزور أخته جين وکانا يقضيان کثرا من الوقت معا هو ف بيتها 
وهي ف بيته. وم يكن بوسع وديع أن يفهم السبب الذي يجعل ابنه يتجاهل طلبه 
المُلح بأن يكون صلة الوصل م شريك في العمل في نيويورك. کان رد سعید قاسیا: 
«مشاعري نحو ماضيٌ كلها تحطمت.. امال من أجل المال.. هذا هو الثيء الوحيد 
الذي له قيمة». أما أمه فقد قالت محقة إلى حدٌ ما: «ماذا كان سيحصل لك لولا 
شركة أبيك؟» ومع مجيء التاسع من نوفمبر کانت هلدا قد أصبحت شبه عاجزة 
عن التعامل مع الجفوة الحاصلة مع ابنها إلى أن أصابت كبد الحقيقة: 


122 


العميل السزي 
کان من الطبيعي ټاما يا ٳِڏوَرّد آن نکون متوجسين من زواج 
فتاة غريبة من ابننا الوحيد. وقد حاولنا مخلصين أن نحبّها. هل تذكر 
كل ما حصل قبل حفل الزواج: رذ فعلك؟ نحن مم نكن نعرف مايرة 
آنذاك» ومازلنا لا تعرفهاء بل نعرفها أقل من السابق. كل ما نعرفه ونحن 
على ثقة منه هو أنها لا تقيم وزنا لأيّ منا نحن الستة بأي شكل من 
الأشكال"'. 
بعد اللقاء الذي جمعهما في كلية فاسار تنقل إِذْوَرْد ومايرة كثيرا بين كيمبرج 
وپکپسي* في اممراحل الأولى من علاقتهما الغرامية. وأخذا يتهاتفان بين الليلة 
والأخرى. لكن ذلك خلق مشكلة مع مضي الوقت. كان سعيد متقدّما أكثر من مايرة 
في دراسته إلى حدٌ ما. وكانت هي قد انتقلت إلى كيمبرج لتكون قريبة منهء ولتتابع 
تامج الد وراه ركان لقن حه كفن قرا أطروكها «تومان مان الكل 
والسيرة» 1968 Mann: Form and Biota‏ 0masط1h).‏ ولکن سرعان ما 
واجها بعد اطمسافة بينهما عندما حصل سعيد على الوظيفة في كوممبيا"". ولذا كان 
من الضروري التنقل بين كيمبرج ونيويورك. وهو ما ضاعف القلق والإرهاق الفكري 
اللذين يشعر بهما كل من يكتب أطروحة. 
جاءت قاصمة الظهر عندما قبل سعيد زمالة من مركز الدراسات المتقدمة 
Center for Advanced Study‏ ف جامعة إلنوي مدينة شامپین-إربانا 
.Cham pain - Urbana‏ م یکن اممکان بالخ الجاذبيةء وكانت المسافة أبعد» وكانت 
ا مشاغل الذهنية أكثر مما يُطاق» فيما كانت مايرة مشغولة بكتابة الأطروحة. ووجد 
الزوار في آثناء مکوث الزوجین في شامپين-إربانا أن جو البيت كان مظلماء وأن 
7. وقد عبرت مايرة عن هذا الاضطراب 
الداخلي ملاحظة كتبتها له اقتبستها من رواية قصيرة لتوماس مان عنوانها «تونيو 
کروغر» 1٥0 ۸۲٥8۲۲‏ حیث یوصف بطل الروایة فی نهایتها بأنه یعیش في عامین 
غير مريحين. ولاحظت أن «سعيدوس» (كما دعته مازحة هنا) يعيش في ثلاثة عوام 
كلها غير مريحة. كان «هكنه أن يكون فيلسوفاء وشاعراء وناقدا - هو فعلا ثلاثة في 
واحد. ثالوث يثر الأعصاب». 


شعور سعرل القديم بالعزلة زاد ف 5 تعقیده 


(٭) کيمبرج تقع في ولاية ماسچوستسء أما پکپسي فهي مدينة في نيويورك» حيث تقع كلية فاسار. [امترجم]. 


123 


إدورد سعيد 


ولكن «الوصول» إليه ظلّ صعبا - ظلَ «العبقريّ ثلائي الأرجل» الذي لا هكن 
فهمُه عبر أيّ من جهاته الثلاث لأنه كان «مركبا معقدا». وأضافت تقول: «يا 
لتعاستي! يحول الفلسفة إلى إستطيقاء وينتقد الأدب والإستطيقا»”". وكان الموقف 
اطمشار إليه من رواية مان بالغ التعبيرء ففيه نجد تونيوء اممولود لعائلة برجوازية 
ويتوقع منه أن يلتزم بقيم طبقته الاذبَةء ولكنه ينجذب للشعر. وبدلا من أن 
يختار أن يتخطى عام الأحداث اليومية فإنه يقسم الاختلاف قسمين في محاولة منه 
لإدخال الهيام الرومانسي إلى الحياة العادية. 
جرب سعيد بين السنة التي قضاها في القاهرة ونهاية الدراسة ف كلية الدراسات 
العليا أن يكتب رواية. وکانت أشد محاولاته طموحا قد جرت ف بیروت ف صيف 
العام 1962ء وهي رواية أعطاها العنوان المؤقت «مرثاة» رعا وهي تتكوّن من 
سبعين صفحة من النثر المصقول وثلاث عشرة صفحة من المملاحظات“'. ومن حسن 
الحظ أنه ترك سجلا معاركه اليومية وأفكاره التي تعرّضت للتعديل: 
9 مارس: طاذا أعجز عن مقاومة هذا الكسل؟ لقد احتجت إلى 
عدة أيام للعودة إلى هذا الكتاب. يا له من شيء ينفي ذاته.. 25 مارس: 
عمل قليل أو لا عمل هذا اليوم .. هل آنا صادق الآن بنما أكتب؟ ها أنا 
ذا مضي كالرجل الذي «يكتب آفكاره».. أريد فرصة (لا هكن أن توجد) 
أكون فيها نفسي لنفسي. لو كان بوسعي أن أعبّر عن ذلك في قصة قصيرة 
جدًا أو في رواية طويلة لكنت سعيدا*". 
لكن مع مضي الوقت حصل على ما كان يسعى إليه» فرواه بشيء من السخرية 
من النفس» وقال في ملاحظة موجّهة إلى نفسه: «تمكنت أخيرا من وضع مخطط 
للرواية: ثلاثية؛ 3 قصص تشكل كيانا واحدا.. تجارب من انعدام اللافشل!» ويتضح 
من ملاحظاته أنه تلقی الإلهام من مؤلف م یکن يحبّه (کان إلى جانب غرين 
Green‏ موضوع آطروحته ف المرحلة الجامعية الأولى): أندريه جيد ءأ¡G .A ۲e‏ 
فقد 5 على سطر من رواية «الباب الضیق» ذه٤ ۲۴٥۲٤١‏ 14 هو: «وضعت كل 
طاقتي في العيش» وها هي فضيلتي قد نفدت». 
کانت قصته» کما یحصل مع کثیر ممن یکتبون روایتهم الأولى» تصويرا شبه 
مخفي لعناصر من طفولته» ومحاولة لبعث الحياة في القاهرة في الأربعينيات. 


124 


العميل السرّي 


وكانت شخصيّاتها الكثيرة ا مخزولة من طبقات المدينة وقومياتها وأديانها كلها 
تغطي شريحة طموحة من مجتمع القاهرة. ونجد بين الشخصيّات صيغة مشوّهة 
من بيه باسم حليم خوري» وهو مسيحي لبناني ولد ف اممدينةء ويلك «شركة فاشلة 
للطباعةء ودكانا قذرا للقرطاسية»» وتورط في صفقات تجارية مشبوهة. وهو يسعى 
إلى الاستشمار في تجارة الأسمدة. وله زوجة مشلولة «مركونة في شقة مهلهلة في 
شبرا» ويقضي كل دقيقة من وقته في الانتقام لنفسه بعد أن خسر قدرا کبيرا من 
أموال الناس في استثمارات سيئة. أما الدكتورة (الآنسة) إذونا توماس» رئيسة الكلية 
الأمريكية للبنات» التي تدور كثير من أحداث الرواية e‏ فذات جسم «مستدیرء 
يفتقر إلى الأناقةء ولا يبدو عليه أي أثر من آثار الانضباط الغذاني» على رغم أنها 
عاقبت نفسها باب محاولة. وذلك بأن تنهض باكرا على غرار أندادها العرب» وتستعمل 
نظارات تخلو من الحواف كتلك التي تستعملها الآنسة نصر التي تحافظ بكل 

قواها غل الانضباط وتخمل مدنرة للمدرسة ود وأعدة من مؤشسها: 
ولدت الآنسة توماس في أوهايوء وهي «تنتمي إلى السلالة الأنغلوسكسونية من 
الشخصية الأمريكية التي أعطت البلاد نغمتها الأخلاقية وعلو شأنها.. فكأنها جين 
أوستن وقد شكلتها الثورة الصناعية». ومن الأدوار الثانوية دور أسند لتوتينو ذي 
الجسم المكور» وهو مثلي مسجون هلك جوهرة أعطاه إياها والدهء وهو متزوج 
من توافت وي أخان فالات الان ك وة قق ف اا 
العربية وا موسيقى لدعم سرتها ا مهنية بصفتها عازفة بيانو في الحفلات الموسيقية. 

أما جَذْسن فهو أمريكي ببلغ طوله سبع أقدام» «نحيف» أعزب» ويائس». 
ترکز الحبكة في أحد الجزأين المكتملين على الآنسة نصر. ويروي سعيد وفي ذهنه 
الخالة ميليا (حيث نجد الآنسة نصر بدلا من الآنسة بدر) معاركها مع الآنسة فوربس 
التي تسعى إلى استقطاب الطلبة للمشاركة في مسرحية امدرسة. أما الآنسة نصر من 
ناحيتها فترى أن امسرح لا يليق بالسيدات ويشكل عقبة في طريق رسالتها التعليمية 
ألا وهي تثبيت فكرة الصلابة من دون آي آثر ما يقال عن عاطفية الإناث. 

TET 

تريد التظاهر بأن فكرة العرض اممسرحي بعيدة كل البعد عن اممعقولء 

عما هكن للعقل المهذب أن يقبله.. وعند موتها بعد عشرين سنة كان 


125 


إدورد سعيد 


المطلوب أن شيد بها ثلاثة أجيال من النساء المصريًات اللواتي أغدقن 
عليها المديح بصفتها فصلا كاملا من تاريخ الشرق الأدنى.. كانت عاداتها 
الشخصية التي شكلت نمط حياتها في الكلية أشبه بشبكة هائلة دقيقة 
الت لكون مح دنك غرية الأطوان ورجا كان ذلك تاج سا مبكرة 
تكون فيها وحيدة في غرفتها المكتظة» حيث تعلو سريرها ناموسية قدهة 
الطراز تحميها من البعوض» وتتغطى ا لا يقل عن خمس بطانيات» 
بينما هي تحتسي قهوتها التركية. 
ممن لديهم الجرأة مثلهاء كان العام يضم أكثر من التباهي البغيض بالحياة 
الطببة التي يفضلها القلدون السخقاء الأين تشلب أذهائهم تحو الغرب ويل 
حيثما تميل الريح 
تضمُنت العبارة تلك تعريضا خفيًا بالذات كأنه وضعها على لسان الخالة ميليا 
لفضح ضعفه هو. وهو لا يطلق العنان إلا ماما في ايمقابلات التي أجريت معه 
مموهبته في تقمُص الشخصيةء وهي ھی الوه الى سا ق قفهه ت فن 
ملاحظة التفاصيل الصغرة والقدرة على التعبير عن نغمات الصوت اممختلفة جزءا 
مهما من قدرة اممؤلف على الإيهام بالواقع. ففيها أطلق سعيد العنان لذلك الذي 
وصفه أصدقاؤه موهبته في المحاكاة الساخرة حيث مارس» عندما واتاه الج أداء 
مشاهد کوميدıة Monty Pythons Beyond the Fringe ja‏ حıیٹû‏ قلد اللهجة 
الهندية وعرض «شخصية جورج ستایثر عرضا ناجحا جدٌ ا9٠‏ 
کان نثره يتوافق توافقا تامًا مع متطلبات المشهد. فبيْت ميشيل وإلين الياس 
ذو الطابع البرجوازي الأدنى يوصف بعبارات تدل على النقد اللاذع: الخدم السودء 
النوافذ العالية الخيارء العرق» السكوتش» الغلايين. اللوحات السوقية التي 
رسمها محمود سعيد بك تزيْن الجدران: مناظر وادي النيل التي تثير الشجن 
«وقد بُولخٌ فيها إلى حدّ قصدَ منه إخفاء الضعف الفني والبنية المضطربة؛ كل 
ما فيها هو الشعور نحو الأشياءء فهو الذي يسود ويغمرء وهحو. البيت يعج 
بالإمعات» ولاعبي البوكرء والأصدقاء الأثرياء». حتى «الذباب استقرٌ في أماكن 
راحته کالتلامیذ امؤدبين وهم يعودون ممقاعدهم بعد النهوض احتراما للكبار». 
آما الآنسة كوليء التي کانت تغش المستأجرين» فقد ووت بعد أربعة عشر 


126 


العميل السرّي 


شهرا في غمرة نشوتها وهي تمسك بكتاب «رحlة‏ الچ« (®Pi]lgrim’s Progress‏ 
على صدرها بشيء من الغبطة اممحمومة». 
أمّا الجزء الثاني الذي وصلنا من مخطوطة الرواية فيعطينا الانطباع بأنه لو توافر 
الوقت وم يكن لديه شيء آخر يفعله لأكمل المشروع وأوصله إلى مرحلة النشر. 
فالكتابة سيّالة واثقةء مكتملة. والشخصيات التي يوجد بعضها ف القاهرة وبعضها 
الآخر في هليوبولس تمضي قدما بترتيب يثير الإعجاب: حامد» جورج» صمويل أبرام 
الذي بُنيت شخصيته على شخصية ديقد إزرا من أيام سعيد في مدرسة القدڏيس 
جورج في القدس» والأستاذ كورتونسكي الذي استمذت شخصيته من شخصية 
تيغرمان. وهنالك شخصيتان آخريان هما مفيد وأحمد» وهما صورتان معدّلتان 
من السيرة الذاتية. يذهب الثاني منهما إلى العمل ويصبٌ جام غضبه على الشرطي 
المسکین» ویدرس كتاب «التحولات» نمطم ۲ه صهاهN‏ لأوقد 0۷1۵ من دون تركيز 
حقيقي» ويلقي بالتعليمات على السائق بواسطة جهاز الاتصال اللاسلكي. أما مفيد 
فهو شخصية يسخر سعيد بواسطتها من نفسه فتستمد ماذتها من السنة التي 
قضاها في شركة القرطاسية: 
اليوم» كما في كل يوم» وخلال الجزء الأكبر من الوقت في مكتبه 
ا مغر الحا سيدفع مفيد كرسيّه إلى الخلف بعيدا عن المنضدة 
وسيّميل إلى الأمام ويضع كوعيه على ركبتيهء ويداه تحت ذقنهء بينما 
تتدلى السيكارة من شفتيهء وينظر إلى الأسفل باتجاه الأرضية المبقعة 
بالحبر. وأما دفتر الأستاذ الضخمٌ فوق المنضدة فكان رفيقا م يكن 
بإمكانه أخذه مأخذ الجدٌ لأن ثمة شيا مضحكا ف الأرقام الصغيرة 
غير المحمية التي وضعها هوء وهي أرقام تسير بثقة عبر صفحات 
لا تنتهي. كانت الأرقام حقيقية لأنها كانت حسنة الترتيب» وهذا 
الترتيب كان من صنعه هو: أي | تكن المبيعات والخسارات التي تعبّر 
عنها لرؤسائه فإنها كانت أشياء غير مفهومة مفيد. كان مشغولا بشيء 
مختلف هو الآخر غير مفهوم لأي شخص آخر. 
(#) من تأليف جون بَنيّن» وهي رواية رمزية نشرت في العامين 1678 و1684. يدل عنوانها الكامل على محتواها من 


وجهة النظر امسيحية: «رحلة الحاج من هذا العام إلى العام القادم». يقال إنها ترجمت إلى نحو 200 لغة. [المترجم]. 


127 


إدورد سعيد 


أي إن سعید کانء وهو على وشك أن يصبح أستاذا جامعيّاء مايزال يفكر في أن 
القصص قد تكون منصة يعبر بواسطتها عن كل تلك الصراعات الداخلية التي كان 
عمله البحثي هر عليها مرور الكرام. ستبقى رواية «مرثاة» غير مكتملة إلى الأبد 
ولكنه أكمل قصة قصيرة ممتازة أرسلها j The New Yorker «ڌرgڍgill» dj‏ 26 
فبراير 1965ء وهي أحادیث صيغت مهارة استمدت ماذّتها من ذكريات سعيد في 
ليالي الصيف في ضهور الشوير التي لا هدف لها. 

قصة «سفينة ممن يصغy» An Ark for the Listener‏ هي قصة آل أندراوس 
ا مكؤنة من أم وابنتيها السمينتين» وكنْ قد جتن إلى البيت الصيفي لصديق بعد أن 
اضطررن إلى الخروج من فلسطين”". يتنقلن من بيت إلى آخر من بيوت الجيران 
السابقين والأقارب البعيدين كمن مشي في نومه. وبينما يحدث هذا في أحد الأمكنة 
فإن اهتمامات القصة تتصل مكان آخر. ففي الوطن الفلسطيني على مبعدة أميال 
كثيرة تتجول قوات يهودية شبه عسكرية في ال مناطق الريفية ممهاجمة البريطانيين. 
أما هنا في التلال اللبنانية فإن الراوي الذي يتأثر ا يجري حوله من أحداث يشعر 
بأنه تعب من التعب وهضي ف أعماله الروتينية ناسيا الأحداث التي أخذت تجبره 
على التعامل معها. 

استعار سعيد عنوان القصة من قصيدة The Wreck «دنlıgڏ iw hs‏ 
the Deutschland‏ ٤ه‏ للشاعر هوپكنز؛ حيث يشير العنوان إلى السفينة الإلهية 
(اءه) التي تحمي التعساء في اممياه العاصفة لأن الشاعر أراد أن يحيي ذکری موت 
خمس راهبات فرانسسیات ۸هءءذء ۴۲۵۸ غرقا. وفي اللحظة التي يظهر فيها السطر 
الذي يشير إلى العنوان يكون هويكنز قد عقد مقارنة بين أولئك الذين سمعوا النداء 
الإلهي وأولئك الذين مم يسمعوه. الرحمة تشمل الماء كله وتأتي بسفينة إلهية ممن 
يصغي» أما ا متباطن (الذي لا يصغي) فينزلق إلى أبعد من الموت والظلام. أي إن 
رحمة الله الواسعة وفق ما يلمح هوپكنز ستحول التائهين إلى أناس عقدوا العزم 
وتدعوهم إلى «أن يحترقواء وقد ولدوا من جديد في هذا العام». وهر الراوي بتحوّل 
مثل هذا في سياق القصة. 

تتكشف تفاصيل قصة «سفينة ممن يصغي» وهي أفضل ما أنتجه سعيد من نثر 
إبداعي» على شكل حديث يجري عصر یوم آحد کسول «في موقع عال على جبل یعری 


128 


العميل السزي 
ببطء في وسط لبنان». يؤدي الشاب بدلا من أبويه الغائبين واجِبّه باستضافة الزوار 
الذين قدموا من دون ترتيب مسبق. وهو يشعر بالذنب لأنه أضاع أشهر الصيف 
وليست لديه رغبة في إضاعة مزيد من الوقت مع زوار لا يكاد يعرفهم. وتثير البيئة 
الموسرة المحيطة بام منتجع الذي اختاره أبواه في الضهور والعادات البرجوازية التي 
ترافق عائلة أندراوس الط متخمة فيه الشعورَ بالاستياء بدلا من التعاطف» ولا يشعر إلا 
بالاحتقارء ویفکر «في كباش الفداء العرب الذين يؤخذون من صور رسمها حاممون 
غربيون.. شعور قذر صامت بالاستحواذ ينضح بالكسل الوحشي الذي أرعبني بقوًة 
المال التي لا رادع لها». وما يخيفه هو أن ثمة قذرا من الصحة المدفونة في هذه 
الصورة الكاريكاتبرية» وأنه هو نفسه دليل على ذلك. 

ومن رأيه أن آل أندراوس» بصفتهم من أبناء الطبقة الوسطى اموسرينء 
«تهمُهم مصلحتهم بالدرجة الأولى أكثر مما يهمهم وضع اممخيّمات.. لقد اختاروا 
طريقهم» وهي طريق بدأت بالتحديق بلا معنى من زجاج نافذة السيّارة القذر 
وهم ينطلقون بها في بيروت» بينما كانت أعينهم تأخذ في الحسبان نشاط اممدينة 
الكثير واممتنوع. وكانت لقاءات كهذه قد انتهت في رأيه في معظم الأحيان إلى 
الجلوس في فترات ما بعد الظهر وتشكيل منضصات للثرثرة وتجريح الذات» 
حيث يعاقب اللاجئون أنفسهم بالغوص ف الجراح المفتوحة. وينغمس الراوي 
في متعة تعذيب الذات والتشكي من أنه إذا كان الوقت في الغرب يتحول إلى 
مال فإنه عند العرب أشبه بالفول السوداني الذي يلتهم بشكل آل» أو ليُزال 
سريعا. ومع ذلك فإنه بينما يوزع الحلوى بصفته مضيفا مضطرًا تهدأ نفسه 
ببطء لأسباب إستطيقيةء إذ على رغم كل ما في ثقافة قومه مما يثير الأعصاب 
فإنه لا ملك إلا التسليم بجمال الرَجَل؛ «تلك المهارة التي ترتقي بالثرثرة المهذبة 
إلى مصاف الفن العالي». 

عفدما ياس عو عان الك فة ات السار التسدة وها هو رامل عة 
والفهه لوحا تجذب لقصضص اأ حيبت «غلقة الفط الرتة اة لا جال 
فيها على عصا نحيلة من النثر النؤاح» ليس فيها شيء درامي؛ كلها تفاصيل عاديّة 
عن حياة تحطمت وتقطعت: صور لجارة تتعرّض للإهانة ف بيتهاء ليهود وعرب 
مسيحيين» أغنياء وفقراء» يعيشون جنبا إلى جنب. ما يلف انتباحه هو الترفع في 


129 


إدورد سعيد 


أثناء السرد» وفن القص العربي: «كانت لغتناء عندما ا استعمالهاء مأدبة فيها 
ا ف اهن اب الزن الروت وا يا اليغى لاض المت 
اهرك ن اهام إلا عهما كوب اهار كن هات ووس الك اتل الأ 
والغضب. ومع أن سعيد أرسل قصائد عمل عليها مرارا وتكرارا إلى المجلات الأدبية 
منذ أواخر الخمسينيات (نشرت اثنتان منها في مجلة «الكلية» في العام 1958)» فإنه 
انسحب عندما رفضت مجلة «النيويوركر» نشر القصّةء وتوقف عن كتابة القصص 
على مدى خمس وعشرين سنة آخرى'. 
KKK‏ 

التحق سعيد بهيئة التدريس في جامعة كومبيا برتبة مدرس في قسم اللغة 
الإنگليزية فأعاده ذلك إلى اطمدينة التي مم يتركها تماماء وعندما وصل تقبّل بكثير 
من العرفان مشورة زميل أقدم کان من آتباع تروتسکي kyیاه1۲'‏ ومن منظمي 
الك اا وى ذه دوپي مد۲ ۴۲۲۵ الذي أدخله إلى عام الكتابة في 
نيويورك. وقد کان او اد المحررين الذين أسّسوا مجلة «امراجعة الحزبية» 
he Partisan Review‏ ویسهم کتيرا في مجلة «مراجعة نيويورك للکتب» 
New York Review of Books‏ وقد عژفه على مختلف المحررین» وعلی 
كيفية التعامل مع تراتبية الأقسام الأكادهية في كومبيا. 

في العام 1983 وضعت الصحفية الممناهضة للحرب ميري مكار اج۸ 
McCarthy‏ التي کانت کٹيıرö‏ luklھnة  «The Partisan Review‏ تأبينها 
المضحك الدليل على أن علاقة سعيد بدوپي كانت منزلة زواج العقول”" من غير 
أن تقصد*/. کان دوي قد كتب دراسة قصيرة رائعة عن هنري جيمز (1951)» 
وكتابا يتلألاً من المقالات الجريئة الخالية من الرطانة عن الكتابة والكتاب عنوانه 
«ملك القطط» (1965) اھ٤‏ طا ۴ہ g«نK.‏ کان دوپي على علم بأنه یکتب ضمن 
جنس أدبي دعاه ببساطة: «ملاحظات» و)إهدطه۸. وكانت مجموعة أعماله كلها 
تميل إلى أن تتناول «رسائل الكتاب» وسیّرهم» والستر الذاتية لغيبر الكتاب... والأعمال 
(٭) هنا تلمیح إلى إحدی سونیتات شیکسپير التي تبدأ هكذا: 


Let me not to the marriage of true minds admit impediment 


أي ليس هنالك ما يقف حائلا دون زواج العقول الصادقة. [المترجم]. 


130 


العميل السزي 
المتأخرة للكتاب» وتتجنّب أعمالهم الكبرى» - وهذا هو النمط الذي اتبعه سعيد في 
حياته ا مهنية. كانت النماذج التي احتذى حذوها تنتمي إلى من يرسمون بالكلمات 
الصورة الأدبية للكاتب - آمثال سانت-بيف eB‏ ومكولي Macaulay‏ 
وإدمند ولسن ١٥ءازW‏ 4دك زوج ميري مكارث السابق. وعندما يفكر المرء 
في عودة سعيد امستمرّة إلى مجموعة صغيرة من الكنّاب واطمفكرين الذين يقدّمهم 
للقراء كأنهم أصدقاء أو جزء من العائلةء والذين لشخصيّاتهم من الأهمية ما 
لأفكارهم» فإن هذا النموذج يبدو أنه مستمز. وقد أضافت مكارڻ: «كان يجري 
في دم دوپي قدر من الفطنة الأوروبية التي تجعله أشد دماثة من زملاثه ا 
في هيئة ار :Partisan Review JI‏ راق› وفلپس» وذوايُت مد ۇتلد»: کان فنه 
قوم على التاق من دون بذل الجهد» على أن يكون ممتعاء شديد المملاحظة»ء عديم 
الاكتراث» «يعطيك الانطباع بأنه حديث عادي». 

أضف إلى ذلك أن دوپي كان متعاطفا مع ما حققته الشيوعية الأمريكية. فقد 
حزر جريدة «الجماهير الجديدة» sمءیة۸1 "ew‏ ف الثلاثینيات وکتاب تروتسکي 
«تاريخ الثورةö‏ الرس« plzll j History of the Russian Revolution‏ 1959« 
وقارَن ذلك الکتاب بكتاب ٹوسدديز esلiفرءںط1‏ «الحرب الپلوپونيزية» 11۲ 
Peloponnesian War‏ وکا «الشروح» Commentaries‏ لیولیوس قیصر 
1. فعای غرارهم کان اممؤْرّخ (مثلما کتب سعید فيما بعد عن سُوفت) مشارکا 
في الأحداث التي كتب عنهاء «رجل آدب ورجل أفعال». وقد شعر سعید بالإجلال 
لدوپي وهو يقف خارج مخازن التموين ليجمع التواقيع ضدَ حرب فييتنام على 
رغم أنه م يفعل ذلك هو نفسه. 

ف السنوات الأخبرة من عقد الستینیات کان كتاب «البدايات» ڇم ند ہ¡ڇٍ‌8 
الذي مثل نقطة الانطلاق الأولى في حياة سعيد مايزال بانتظار انقضاء نصف 
عقد من الزمان» وکان هو قد استقرٌ في كومبيا بصفته عضوا طموحا من أعضاء 
فئة مثقفي نيويورك. وقد بدأت كتاباته بالظهور في المجلات نفسها التي كانت 
تستعملها تلك الفثة من النقاد والكتاب (وأكثرهم يهود)» وكان هو على معرفة 
شخصية بكثير منهم» وكان يطلب النصح من الفرويدي الساخر لاينل ترلنغ 
ring‏ ع0ا زمیله المقیم في کومبیا. ولکنه مضی ف اتباع توجیهات کو 


131 


إدورد سعيد 


الذي قدمه مکارٹی التي کان دوي قد أ بها إلى كلية بازد ءعه1!اه٥‏ إ8 قبل أن 
يأتي به ترلنخ إلى كوم بيا بعد سنوات قليلة. كانت الدائرة صعبة الاختراق. وفي تلك 
الأثناء كان سعيد يعمل على تطوير سلوب هزج الأدب بالفينومينولوجياء وهو 
سلوب م يکن له نظير «في مهنة النقد الأدبي الراقي» quality lit crit biz‏ 
بعبارة جيمز وولکت James Walcott‏ . 

غير أنه من حسن الحظ أن جامعة كومبيا كانت تكافن هذه الأذواق اممتعدّدةق 
وإلى جانب سعيد كان هنالك عدد من أعضاء هيئة التدريس الذين كثرا ما 
قدمت اللجلات والصحف الكرق فى فوبوك اال ففكوا ذلك هجا أشبة 
بالنقابة المهنية. أما سعيد فقد حسب أن من الحكمة أن يوازن بين رهاناته وأن 
يدرس الساحة الفكرية بطريقة جديدة. وم يكن ذلك صعبا لأنه بصفته قادما من 
الشرق الأوسط كان أشبه بالصورة السالبة م1†ةعه١-ه٤هطم**)‏ لنظرائه اليهود. 
فاموضوعان اللذان ظل هؤلاء النظراء يتناولونهما - النفي وتجربة الهجرة - كانا 
موضوعه هو أيضا ولكن من زاوية مختلفة تاما. 

ظهرت استقطابات الجماعة بشكل واضح في التناقض بين ترلنخ ودوپي حيث 
«يُغرق الأول بالغموض,» والدقائق الجدليةء والعبارات البراقة ذات اممعاني الخفيةء 
كأنه مير الدماثة والتلميحات غير اممباشرة»» أما الثاني «فيعبر عن التحذّيء» والعناد 
الصبياني.. يتخذ موقفه كأنه يسير بلا هدف ف عصر النقد الأكادهيء» والتخصُّص 
في حقل من الحقول من ناحية والقراءة المدققة المتعمّقة من الناحية الثانية»””. 
وقد حظي ترلنخ في كوم بيا مكانة خاصّة بين مثقفي نيويورك. وکان الناس ينتظرون 
صدور كتبه» وهي كتب تحصل على تقريظ عال عند صدورهاء كأنها آتية من الأعالي 
اف ف كى آقري وا لاط مه ا0 وا عله ف2 ع وح 
أمريكية من ماثيو آرنولد ٤W ۸٣١014‏ 1ا13 شخصا محافظا يتمتع بذائقة أثيرية 
في الفنون» ويشخص القيم الاجتماعية والنفسية من موقعه الأدبي البعيد. 
() بإهمال النصف الثاني من کل من الكلمات الثلاث الأخيرة: sوعدووںط‏ ,ءذإ ,eإatuءite‏ وهو شيء مألوف 
بين «أهل الصنعة» الواحدة. [امترجم]. 


(#) مفهوم ينتمي إلى فن التصوير الفوتوغراف ويعني الصورة ذاتَ الإضاءة العكسية للصورة الأصلية؛ حيث تبدو 
شد امناطق إضاءة في الصورة الأصلية أشدّها ظلمة في الصورة السالبة والعكس بالعكس. [المحرر]. 


132 


العميل السزي 
لقد بدا لسعيد أنه يترفع أكثر من اللازم عن المواهب الجديدة مع أن حميمية 
رسائله التي كتبها لترلن (وردود ترلنغ الوذْبّة عليها) توحي بقدر أكر من الممودّة 
التي لا ينتقص منها شيء سوى العناية المدروسة في التعبير من الجانبين. وف النهاية 
شارك سعيد صديقه قي الأسلوب التهكمي وقال ناظرا إلى الوراء بعد مرور الزمن 
«إن لاينل عاش الدور الذي مثله لاينل». وقد احتفظ سعيد بأحكامه لنفسهء 
ولکنه سمح لعواطفه بالخروج من مکمنها في مدخل في دفتر یومیاته بعد وصوله 
إلى کوطٰبيا بوقت قصیر: 
رغ أناني يصعب اختراق عاملمه. لا تهتز له جارحة. یحاول أن یکون 
كالآلهة وآن يكون كامل الأناقة من دون أن يدرك آن هاتين الصفتين 
لا تختلطان. يصبح مضحکاء ولکنه يبلغ من الذكاء حذا يجعله خبيثاء 
فعندما يصل الذكاء منتهاه يصبح الذكاء خبثا يتعامل به المرء مع العام.. 
وباممقارنة معه أشعر بأنني أخرق» وألجاً إلى الصمت*. 
وبعد سنوات کتب مونرو إنغل 1ءعہ۴ 1٥٥۲0۴‏ ما یفید بان آراءہ فی ترلنغ م 
تتغْبّر: أجد ببطء أنه ذو نظرات رجعية.. تلفها.. خيبة الأمل.. إنه يربط Sb‏ 
بكلمتي «السادة» و«الجامعات»*. وکما قد يستشف من ملاحظات كهذه فإن 
سعيد م يكن معجبا بجامعة كومبيا قي البداية. وعندما قزر القسم رفض طلب 
أحد الزملاء وهو ميسن كولي رءاهه٤‏ «ه0ءه1. للتثبيت بعد الاحتفاظ به عضوا 
في هيئة التدریس على مدی تسع سنوات قال سعید لزمیل له غاضبا إنه «اكتشف 
الآن.. عجرفة [القسم] وتعالیه»9. 
آما دوپي» من الناحية الأخرى» فكان شخصا أقرب إلى النفس بكثيرء شخصا 
يستهين بالتقاليدء ولذا فإنه مناسب تماما لرغبة سعيد في أن ينسجم تمام الانسجام 
مع جامعة من جامعات الآيقي لیخ. کان دوپي ملك بيتا مرتفع الثمن في شمال 
الولايةء وكان يتصف بالدماثة واللطف» ويستمتع بصداقاته مع ا متمردين من أمثال 
غور قيدال 1هل۷1 ١ه‏ المنتمي إلى الطبقة الراقية. وها أن دوي ضم سعيد 
تحت جناحه فإنه حسبه كاتبا لامعا ولكنه ليس أفضل الكتاب دانما”. والكلمة 
الشائعة بين أعضاء هيئة التدريس ف كوطبيا هي أن مقالات سعيد كانت تفتقر إلى 
جمال النثر الفرويدي الذي ينحته ترلنخ وإلى امعرفة الواسعة البهيجة التي يتصف 


133 


إدورد سعيد 


بها دوپي. ومع ذلك فان دوپي لاحظ في مدائح سعيد للنظرية الفرنسية بدايات 
أسلوب جماهيري» ولذلك أعلن بصوت عال» ليُخرس النقادء أنه «عضو قي نادي 
إذوزد سعيد للنثر». ۰ 

لرا کان سعيد مثل دوپي من حيث تجاهل الأصول الأكادهية التي 
يقتضيها إرضاء الجيل القديم. فبما أنه قادمٌ جديذ غير مثبّت فإنه م يحشر آنفه 
في ما لا يعنيه» ولكنه م يكن على تلك الدرجة من الحرص في كل الأوقات كما 
قد يُظْنء أو آثه عمل كل ما بوسعه لتهدئة القامين على آمور القسم .غير آنه 
كان من وجهة نظره أشدّ حذرا من اللازم. ففي نوبة من تقريع الذات كتب في 
مدخل إحدى يومياته في شهر يناير من العام 1966: «من الضروري لي - رها لنا 
جما آل تم إا ذا كا تة إل دعم فوئ كسب الدع والوافقة هو 
السبب الذي يدعوني إلى الكلام معظم الوقت - رها كل الوقت - كيف أنظر إلى 
دلالات الحساب: أراقب کیف تتحول من اتفاق» إلى تقدیر» أو فوضی. كلمات؛ 
فم؛ إهاءة». 

کان دوہی کی من مج مغد دائ مک سیه من فر ابات کان دا 
عزيزا. كان واحدا من عدد قليل من الزملاء الذين زاروه في إربانا مح مايرة وبعد 
سنوات قليلة في بيروت حيث عاش سعيد مع زوجته الجديدة مريم ممذة سنة. 
وبعد أن قام دوپي وزوجته بزيارتهما التي استمزت عشرة أَيام كتب سعيد لأستاذه 
القن اقل هولة عن كل ها إأى مت وريا آل شه مبب سا 
العميق ومتعتنا الشديدة بوجودهما معنا»*. وعلی غرار دوپي» كان سعيد التلميذ 
يوحي بأن حياته مملوءة وممتعة» والصورة التي تعبر عن ذلك هي الصورة التي لا 
تنسى والتي تجمعه مع مايكل روزنثالء زميله من أيام الدراسة ف كلية الدراسات 
العلياء وهما يسيران في شارع بُروذوّيء ويدخنان السيغار ويرتدي كل منهما معطفه 
الشتوي الطويل. 

أدرك سعيد بفطنته أن احتمال نجاحه في مهنته يكون آكر إذا كتب دراسة 
تقليدية عن أحد المؤلفين الإنكليز المعتمدينء لكنه كان لذيزال موزعا بين مكتشفاته 
في فلسفات اللغة عند الفرنسيين والأّممان. ومع مرور الوقت تمكنت هذه الفلسفات 
من إبعاده عن اممشروع الذي كان قد اختاره» وهو دراسة كونراد بصفته شخصية 


134 


العميل السزي 
ظاهرية ۲0۱م ابتکرت لتؤذي وظيفة المؤلف» وانتهى بأن أدخل أفكارا مستمدّة 
من تلك الفلسفات بين أسطر أطروحته التي كانت في حالتها الأصلية «آمنة» تسر 
الجيل السابق الذي م ينتبه إلى الإحالات الخفيةء بينما هي تلمح إلى من له عينان 
يرى بهما ما خفي على غيره. ذلك أن ا منظرين اليساريين الهايدغريينء والوجوديين. 
وامماركسيين في فرنسا وأممانيا بدوا له أغنى وأشدٌ استعصاء على التوقعات من قضاء 
بقية حیاته تحت مسمُی «باحث ف آعمال کونراد». 

كانت النتيجة أنه بدأ بشرح النظرة الفرنسية لقراء «النيويورك تاهمز» 
وبإدخالها إلى عام أكادهي يهيمن عليه النقاد الجدد. ولتحقيق هذه المَهَمَةَ 
استعان بالأسلوب المبسّط الذي كان يستعمله [إدمند] ولسن» وهو أسلوب 
قدّره حقّ قدره مما فيه من تحدٌ للتقاليد السائدة بين الاه ولاسيما لاستغنائه 
عن الحواشي والإحالات”. وبينما كان سعيد منهمكا في دراسات الأنطولوجيا 
ogyاOnto‏ وعلم الدلالةء فإنه أغدق اممديح أيضا على ولسن» من بين كل الناسء 
«سبب سعة علمه الذي يخلو من التشج والتمحل ولآته كان مهما بالجاتب 
الإنساني من الكتب والتاريخ»» وكان لذلك السبب أشدٌ النقاد جاذبية باللغة 
الإنگليزية «في آي مكان وأي زمان»”*. ولرها فرت هذه الأذواق الروابط الوثيقة 
التي كانت تربطه بالناقد الأدي رچرد ڀوارییر Richard Poitier‏ الذي يعمل في 
جامعة رتعز ١إ#عانا۸»‏ وهو أحد مؤسُسي مكتبة أمريكاء وصديق عمر لسعيدء 
وكان هو أيضا يسعى إلى الكتابة عن الأمور النظرية بطريقة غير نظريةء وأبرز 
بصفته محرَرَ مجلة «راريتان» صهانإه۸/مقالات جادّة سهلة القراءة واعتمد 
على سعید بصفته أ كبار المساهمين فيها. وقد عد سعید پواريير واحدا من 
أعظم النقاد الأمريكيين قي فترة ما بعد الحرب. 

أصرٌ سعيد» فيما هو يكتب بصفته صحافيًا حسن الاطلاع» على أن النظريات 
الأوروبية الخاصة باللغة والوجود كانت تتخذ بغض النظر عن صعوبتهاء مواقف 
ثورية حول سياسة الثقافة» وهي مواقف حيوية للحياة والفن قي هذا العصر. 
وقد شكلت الأماط البنيوية للسلوك الإنساني وهي الأماط التي كشف عنها 


Raritan (%)‏ اسم نهر ف ولاية نيوجیرزي. [المترجم]. 


135 


إدورد سعيد 


الأنروبولوجيون اللغويون ومنظرو النظم المعرفية من أمثال كلود ليقي-شتراوس 
ودوم چومسكي» تحديا ناء تفرد الإنجاز الغري بينما شككت ف منافع الحضارة 
الصناعية. وكان من رأيه أن من واجب الجميع أن يدركوا ما هو على اي محك. 

كان سعيد حريصا باستمرار على مراسلة ذوي السمعة الراسخة من الأساتذة 
الذين كان معجبا بهم أو يرغب في التعرُف عليهم» ولذلك فإنه أخذ يلفت نظر كبار 
المنظرين بعد مدّة لا تزيد على سنة أو سنتين من تخرُّجه في كلية الدراسات العليا. 
وقد حرصت شخصیات من آمثال ررد ماكسي yع‌ء)ءMa‏ 14۲4ء Ri‏ ویوجینیو 
دوناتو Eugenia D0"‏ وجون کف B6 Miller jl‏ .[ علی أن یدعی رسمنًا 
إل حقو رار الان دق العام 1966 وجل البىة القرفة ت مار ف 
الجامخات الأريكة وال طادة وكان موضوعه «لغات النقد وعلوم الإنسان» 11٠‏ 
Languages of Criticism and the Sciences of Man‏ وعقد في جامعة جونز 
هوپكنز ف أكتوبر من تلك السنة. 

م يكن نثمة ما يضير في أنه كان في الأشهر التي سبقت الممؤتمر قد نشر مراجعة 
تفيض بالإطراء لکتاب ملږ بعنوان «شعراء القع« )1965( j Poets of Reality‏ 
hE Raa‏ ا ا كرا رخات اوسن غو مان الله 
الخفي» )1956( .1he Partisan Review û The Hidden God‏ أما دراسته 
ا لمخصصة لكونراد فقد نشرت بعد سنتين من المراجعة والتعديل في مطبعة جامعة 
هارقرد مساعدة من لَقْنْ. ولذا مكنا أن ندرك أن الأسماء الكبيرة في البنيوية 
الفرنسية ومنها أسماء رولان بارت» وغولذمان» وجاك دریداء وجورج پوليه 
Georges Poulent‏ ¢ تكن مجرّد أسماء يعرفها من أغلفة الكتب. كلهم حضروا 
ا مؤتمر» وراقبهم في آثناء العملء وتابع أفكارهم باللغة الفرنسية. 

لا يدهشنا إذن آنه ا بحمُى النظرية ووجد نفسه يتبادل الرسائل مع 
میشیل فوکوء وبارت» وإیلین سکسو وuه×ا٣ ۲11٥۸۵‏ وغیرهم. وبعد مرور 
سنة على ذلك المؤتمر قال في رسالة إلى جان ستاروبنسکي Jean Starobinski‏ 
الفينومينولوجي السويسري الذي كان يدرس آنذاك في هوپکنزء إِن بارت «موجود 
هنا ف زيارة قصيرةء وإن سعيد وجده ساحرا ولكنه مغلق»“. ما بارت نفسه فقد 
أرسل إلى سعيد بطاقة يشكره فيها على إرسال مقال من مقالاته: «يا لقوتهاء ورهافة 


136 


العميل السزي 
فكرها وعنايتها. متعة خالصة لي. أشكرك من صميم قلبي. هل هكننا أن نلتقي يوما 


ما؟ هل تنوي القدوم إلى باريس؟ لا تنس أن تخبرني»7. 

صارت اهتماماته الجديدة جزءا من شخصبّته» وأخذت تكشف عن نفسها حتى 
في أوقات فراغه. ففي العام 1966 انطلق في رحلة إلى إسبانيا مع مايرة وزميله 
وصديقه العزيز لن بيرغسن» وهناك أقاموا في الفنادق الريفية التي تملكها الدولة 
(«لأتها اأفضل»)ء وحتاك اشترى سبارة شحتها إل فرنسا عن طريق السكة الحديد 
لقضاء الجزء الأخير من الرحلةء على أمل صلم السيّارة بعد سفرهم في قطار الركاب 
ا مزؤد بوسائل النوم”. في هذه الرحلة وقع سعيد في غرام شيء بعيد الاحتمال: 
مصارعة الثيران. وبعد سنوات قليلة من تلك الرحلة روى سعيد بعض القصص 
عن تلك التجربة لزوجته الثانية مريم في مرحلة الخطبة وأهداها نسخة من كتاب 
«موت بعد الظهر» Death in the Aftern00۸‏ لهمنغوي لتأكيد غرامه ذاك. 
وقد قال في وقت لاحق إنه «حضر عددا من مصارعات الثيران ف الستينيات» منها 
واحدة شارك فيها أنطونيو أوردونييز Antonio Ordonez‏ العظيم الذي رآہ فی 
أحد الأيام في مدينة باذاخوث zهزةلة8*»‏ وهي مدينة مغبرّة شديدة الحرارة في 
إشترمدورا | .“»Estremadura‏ ولو أزحنا كل هذه اممغامرات الساحرة جانبا فإن 
ا می کو آله کن ن اكات م همه مو اكم اء ارا عن غرف 
الاستقبال ام مختلفة في الأماكن التي نزلا بها وكيف أن النقد له مصداقية لا تقل عن 
مصداقية الأدب» وأن كلا منهما له أولويته الخاصة به. 

غير أنه م يعط الانطباع دانما بأنه صاحب نظريّات في تنقله جيئة وذهابا 
بين اللغة العادية ولغة المصطلحات الفنية. وقد قال صديقه اممؤرخ الفلسطيني 
طريف الخالدي إنه كان في حقيقته «فيلسوفا هاجر إلى عام الأدب»» ولكنه - 
بعد أن وقع ف شرك الممجادلات الغاليّة ءiااه6**)‏ - عد قضيته أوسع من أن 
ينخرط - إلى جانب اللسانيات التي أخذت تؤكد حضورها بعد الحرب العامية 
الثانية - في عراكها مع ما هو معقول“. وعلى الرغم من الأسلوب الجذاب الذي 


(*) «بطليوس» بالعربية. [المترجم]. 
(#) نسبة إلى بلاد الغال. [المترجم]. 


137 


إدورد سعيد 
كتبت به مقالاته ومراجعاته ال مبكرة التي نشرت في أماكن مخصَصة لعامة القراء 
)aڙٿJ Ihe New Yorks The Centennial Reviews The Kenyon Review‏ 
)NReview f Books‏ فإن النظرية الأدبية غبرت سعيد إلى الأبد. ومع ازدياد وقوعه 
تحت تأثيرها فإنه أخذ يعود بشكل من الأشكال إلى ميوله التي تشكلت لديه طوال 
سني دراسته نحو الكتب الكلاسيكية في الفلسفة. 
حاول لَقْنْ أن يثنيه. كان سعيد يسعى إلى الحصول على دعم أستاذه عندما 
أرسل إليه LL‏ لكتاب ملر في ١0اه‏ ط1 وهي مراجعة مفهومة قاماء 
ولكنها ركزت على مواضيع صعبة مثل مبدأ الحلول» وعلی کتابات پوليه عن وعي 
ۇف ولكن لَقْنْ رد بجفاء: 
عزيزي إد.... يسعدني أن أرى أنك مازلت مهتما بآرائي على رغم 
أنك عبرت عن حماسك لكتاب يتعارض بوضوح مع المبادئ التحليلية 
والتجريبية التي أحاول شنا وها أن الهوّة التي تفصلنا وصلت إلى 
هذا الح فإنني لا أرى أملا في ردمها برسالة قصيرة... وبكلمة مختصرة 
قول إن هذا المنهج لا يسعى إلى فهم الأدب بل إلى استخلاص نماذج 
ميتافيزيقية من المؤلفين بفرض تجريدات تدعمها اقتباسات مأخوذة 
خارج سیاقها. 
لكن سعيد على غير عادته مم يدافع عن نفسه» وعندما حل الوقت الذي 
استدعى كتابة كلمة الوداع للنظرية في كتابه «العامم والنص والناقد» 11e W1,‏ 
the rext and the Critic (1983)‏ فإنه کتب لليقن ليقول إن أستاذه كان محقا 
طوال الوقت. لكن كتابيه التاليين اللذين نشرا قبل حلول ذلك الوقت أهملا نصيحة 
لَقْنْء لأنه كان سعيدا بتلك «النماذج الميتافيزيقية» التي كان يحاول بطريقته أن 
ا لهد اقطان اة راطا ا موك ارا 
RK‏ 
في 24 نوفمبر 1965 أرسل سعيد إلى ليقن مقالا عن رواية «نوسترومو» 
Nostr0om0‏ لکونرادء وعلق بقوله انه یحسب آنه «سیکون آخر بحث له عن 
كونراد»““. لكن تبين فيما بعد أن ذلك القول بلغ من خطئه أنه احتاج إلى 
تفسير نفسي لأنه في آخريات حياته سيلاحظ, باستعمال صورة موسيقية اعتدنا 


138 


العميل السزي 
على أمثالها مء أن كوئراد «ظل النغم الأمامي الذي لا يعيب لكل ما مر ن من 
تجارب»» وهنالك دانيما عدد من الفقرات» بل من الأقسام الرئيسة» في كل كتاب من 
كتبه اللاحقة» عن كونراد. هذا إذا أغفلنا المقالة المهمُة بعنوان «كونراد ونيتشه» 
Conrad and Nietzsche‏ التي نشرت ق العام 1976 

کان لا بذ من إبقاء كونراد شريكا سرَيّا لأسباب وجيهة. فكلاهما كتب بلغة 
مستعارة. وشهد فظاعات الاستعمان وکان له فضول مَرَضيّ فيما صل بالتطرف 
السياسي. وعلى غرار كونرادء كان سعيد ثلاثي اللغات» ويحب اللغة الفرنسيةء وظل 
متيْما بشاغار طول حیاته. ولا شك ف أن سعید کان مسحورا بوعي کونراد بأثه 
آ ا روط إل اق كاف واه مفطر ال كت الات ية 
شيثا شبيها بالتجارب الإنسانية التي م يكن بقع من أبناء جلدته أن يفهموها 
تماما. لقد بدا الأمر على هذا النحو على الأقل ق أوائل سيرة سعيد اممهنية لأن كتابته 
أصبحت - على نحو قريب من موتسارت - أقرب إلى نقل الكلام عن مصدر ما لأن 
الكلمات صارت تأتيه بكل سهولة”. 

هذا التعلق بکونراد لا يبدو على هذا القدر من الوضوح إلا إذا تجاهلنا 
الاختلافات. إذ يرى سعيد أن كونراد كان إمبريالي النزعة» متشانماء كارها للبشر*'. 
وي مقابلة آچریت مع سعيد في تاريخ لاحق وضح سعيد هذه النقطة: «كان 
كونراد ينتمي إلى الحداثة في ذروة مسارهاء وكان عمله ينصب على إستطيقا 
التجربة أو بالأحرى على تحويل التجربة الإنسانية إلى موضوع إستطيقي... وأنا 
أرى آنه نقيضي من نواح عديدة»”“. کان صریحا على نحو مدهش حول هذه 
القضايا الحسَاسةء بشكل يشبه الحوار الذي جرى بينه وپین کونور کروز أوبراین 
Conor Cruise O° Brien‏ وآخرین في سنة 1986 وهو حوار وصفه فیما بعد 
بأنه عراك فكري: «قلب الظلام» ssمم)اه( ۳1٥2۲۲ ٥۴‏ ليس كتابا عن الإمبريالية 
فقطء بل هو كتاب من الإمبريالية نفسها... صي الكتابٌء بشيء من الفراغ» عن 
اذلف الأهالي والسود". 

كثيرا ما انجذب سعيد» لكتاب بدا أنهم لا يناسبون ذوقه أو آراءه السياسيةء 
اشع د الات ا وليس وليّم بيك keه81‏ صهنااW‏ المعادي 
للاستعمار و الأشعار الرؤيوية WOH‏ (وکان سعید یعشق آشعاره» وکثرا 


139 


إدورد سعيد 
ما أنشدها لأصدقائه)» وفضل كونراد ذا المواقف السياسية المشكوك في أمرها 
غای: ر کننقم غرم Cunningham Graham‏ .۸ء وھو کاتب اشترای متمکن 
(قارن عبد اة با بعفنه غ84 ا351 وف كوتراد الموداوي من اروج 
الإنسانية”. لقد مثل الرواثي البولندي كل شيء كان سعيد يكرهه: السواد الأخلاقي 
من دون مسؤوليةء الإحساس بأن أوروبا هي منارة العام الوحيدةء بولندا بصفتها 
موقعا غرييًا متقدّما ضدّ وحدة الشعوب السلافية. كل هذه الآراء كانت في نظر 
سعيد مشابهة لأيديولوجية مالك القائلة إن مسيحيّي لبنان هثلون خلاص العام من 
الجحافل الإسلامية”. 

ولکن حتی کتاب اليمین السياسي مکنهم» كما لاحظ سعید» آن يکونوا «مبدعين 
في استخدام اللغةء وأن يكونوا شهودا قلقين على التيارات السائدة في زمانهم». وقد 
ساعد ذلك على انتشار الولاءات المنحرفة“. كان قلبه ميالا لسارترء ولكنه وقف 
سنواته اممبدعة الأولى مميشيل فوكوء ا مناهض لسارتر. وآحبٌ دروس فيكوء ولكنه 
أقرً بأن فيكو كان مغروراء سريع الغضب» كريها”. وأممح فيما بعد إلى أن استمتاعه 
بالحداثي البولندي العظيم» على رغم ترذده» يعود إلى اتفاقه مع نيتشه في الاهتمام 
با مفارقات الشخصية الإنسانية على رغم أن سعيد لا يقدّم أدلّة على أنه قرأ أعمال 
نيتشه كلها أو أنه درس أي جزء منها دراسة نصْيّة عن كثب (باستثناء ما يحصل 
عليه طلبة الدراسات العليا من معرفة سطحية). 

وسواء جاء الأمر بالغريزة أو بالتخطيط الممسبق فإن سعيد أصبح من آتباع 
الغموض. ويبدو آنه فهم هذه الحركة من جانبه باعتبارها صيغة من فكرة بلاكمر 
الخاصة «بالأداء» في الأدب» بنقد «غير واثق من استنتاجاته» مستعد باستمرار لأن 
یکون وحیداء منحصراء م أت ھن مۇثرات خارجيةء ولا ينتج آتباعا» على رغم أن 
تردد بلاكمر كان يثير أعصابه هو وحركاته الخفية. فقد طالب بأن تكون للمرء 
معتقدات خاصة به”. كان يحاول في كل الحالات أن يحقق طعم النظرات العابرة 
وليدة الظرف الآني في نقد بلاكمر الناتج من الحديث العابر الذي يسود فيه «مبداً 
عدم اليقين» مبدأً العلاقات التكميلية امتنوعة». 

كانت كلمة «ديالكتيي» بلغة أقدم مقالات سعيد قد غدت هي الراية التي 
تعمل تا هذه الأفكار اللقدة وتن ته خد الكامة ق جم قابات اشكر 


140 


العميل السزي 
ففي محاضرة ألقاها عن ولیم بتلر ییتس ۲٥۵۲‏ .8 .۷ في العام 1971 قال إن كلمة 
اهن تعني له عدم السير في تسلسل منطقي مستقيم بل في صور متتابعة 
تستثير صورا جديدة بدورها. ولكنها فم تكن مجرّد دعوة إلى الانفتاح الفكري. 
فقد كان يبحث عن لغة بإمكانها أن تستوعب فلسفات غير متوافقة من دون آن 
يبدو أن لها صلة بالفلسفة. 

كانت هنالك أسباب أخرى للنظر في هذا الانفتاح. ففي كومبيا احتفظ بهويته 
الفلسطينية لنفسه ف البداية. ولذا انتشرت شائعة عند وصوله تقول إن قسم اللغة 
الإنگليزية عين يهوديًا إسكندرنًا. ولذا فإنه وجد في کونراد رجلا نجح من بين 
ما نجح فيه في إخفاء نفسه. وعندما حول أطروحته إلى كتاب (ظهر تحت عنوان 
«جوزيف كونراد وروايات السبرة lلذlتuة« Joseph Conrad and the Fiction of‏ 
j Autobiography‏ llعlم‏ 1966( أممح إلى أن هوسه بكونراد كان يستند إلى حقيقة 
أنهما كانا مغتربين في عواصم العام الإمبريالي في زمانهماء وأن كلا منهما يخفي تضادًا 
داخليا: «كان هنالك كونرادان: أحدهما كونراد ا منتظرء الكاتب الممهذب الذي يسعى 
إلى إمتاع القارئء أما الثاني فهو شيطان غير متعاون». ومع مرور الوقت سيعبر 
سعيد عن المقارنة بشكل أوضح: «عندما بدأت بالتعليم قي كوطبيا... عوملت”كأنني 
شخصان... مدرس الأدب والشخص الآخر الشبيه بدوريان غري Dorian Gray‏ 
الذي عمل تلك الأشياء التي لا يجوز ذكرها». 

ليس نة من شيء مفاجن إذن في أنه يشير إلى نفسه في قصيدة كتبها سنة 1960 
بأنه «كاتب شعر رثاي لعوب» صيغة عربية من تل»» حیث يشير إلى تل يولنشبيغلء 
وهو مخادع آماني من القرون الوسطىء» يخدع زملاءه فيما هو يؤدي دور الأحمق» 
ويفضح عيوبهم وطمعهم ونفاقهم. ولذلك فإنه شعر بأن من الضروري قي کتابه 
عن کونراد ن يآتي بأسلوب نثري یکون مفهوما على مستوى المفردات والتراكيب 
النحويةء ولكنه ممتلن بام معاني المضمرة والتلميحات. وكما قال عن دوافعه فيما 
بعد: «حاولت داتما أن أطور آفكاري أكثر بطرق تجعلها عصيّة على الفهم وعلى 
الصياغة بشكل مختلف»” . 


(#*) بطل رواية أوسكار وايلد «صورة دوريان غُري» .The Picture of Dorian Gray‏ ]îhlرجp[.‏ 


141 


إدورد سعيد 

لقد بدا أن القضية الأساسية في كتاب سعيد عن كونراد هي عرضه آليّات 
التأليف» الحضور الفعلي لشخص معين ف العالم يباشر اختراع نفسه. هذه القضية. 
بالإضافة إلى الاستقصاء المألوف مموضوع النفي والاغتراب (وهذا موضوع حداڻي 
مألوف)ء جعلا القرّاء يشعرون بأنهم ف عام التقاليد المألوفة قي الأدب. لكن سعيد 
كان في الواقع يتعامل مع اذعاء البنيويين الفرنسيين بأن التأليف لا وجود له في 
الحقيقة لأن كل الإبداع والاختيار الظاهرين يقعان في الواقع تحت رحمة نظام 
كامل من القواعد النحوية والوظائف الدلالية؛ وهو ما يدعى باللغة الفرنسية 
«اللغة» مسعمه1. آما البنيويون قي الممقابل فقد استعملوا مصطلح «الكلام» 
pare‏ لدل على مجموعة من أفعال الكلامء لاسيما تلك التي يقوم بها اتخون 
العاديّون» وهي التي لجأ إليها سعید كما بِينا. وإذا ما قیل إن ا6ن درون 
عملهم وبذلك مکنهم التحکم SE NOE a‏ 
ا معنى تحدده مسبّقا بنى لغوية متوارثة. 

أدرك سعيد أن الإكثار من التجديد قد يزيد على حدّه لذلك فإنه أعطى 
الانطباع بن أصالة آطروحته ارتکزت على رسائل کونراد أکثر من ارتکازها على 
رواياته. وقد بدا أن هذا التغيير الثانوي كان مقبولا. وغاب عن كثيرين أنه اختار 
جنسا من الكتابة (الرسالة الشخصية) يغلب فيه «الكلام» ماهإةم على «اللغة» 
ngueها.‏ كذلك كان ثمة داقع نفسي كامن خلف ذلك الخيارء ذلك أن الكتاب 
كان أيضا وسيلة للغوص ف «ديالكتيك شخصي» مۇم معروف كما کان يفعل 
هو أيضا. وقد أممح إلى أن رسائل كونراد تحتوي على شهادة «غنية إلى درجة 
محرجة» على حياة فكرية تقوم على قصة بيولوجية من صنع الخيال“. فقد 
کان كونراد أيضا قد «استعمل البحر ليكون مرآة تعكس صورا عنه لجمهور 
القرّاء لاستقصاء دلالات ما کٹیرا ما دعاه غربته». غیر آن سعید اشتکی من 
دون وجه حق (لأنه عمل كل ما في وسعه للخروج بهذه النتيجة) من أن 
مراجعي الكتاب م تكن لديهم أي فكرة عما كان يحاول فعله على رغم أنهم 
کانوا إيجابيين قي أغلب الأحيان*. 


(٭) آي اللغة بصفتها نظاما مجرّداء وهي تقابل «الكلام» 41۲م آي اللغة المستعملة للتواصل اليومي. [المترجم]. 


142 


العميل السزي 
کان «البنيوبُون» متنوٌعين» وم يكن أي منهم يشبه الآخر تاما. وقد أبرز سعيد 
اختلافاتهم على نحو خاص في تأملاته ذات الأهمية البالغة حول البنيوية في مقالته 
امعنونة «ألفباء الثقافة: البنيونَة الغياب« |lكılîة« Abecedarium Culurae:‏ 
»Structuralism, Absence, Writing (1971)‏ وهي مقالة اقترحها في الأصل لجريدة 
«النيويورك تاهمز» وأكسبته شهرة واسعة ف الدوائر الأكادهية. ولكنهم جمعتهم أهداف 
مشاركة كما أشار جيل دولوز عندما وصف ما اشارك به میشیل وکو مع معاضریه: 
تدميرٌ بارد منظمُ للموضوع» كراهية شديدة لفكرة الأصل» والأصل 
المفقود» والأصل المستعادء وتفكيك للتركيب المزيّف الموحد للوعيء 
ورفض لكل محاولات تغليف التاريخ بهالة من الأسرار باسم التقدُّم» 
والوعي» ومستقبل العقل” . 
ومن العلائم الصغيرة على ميل سعيد إلى المشاكسة آنه نصح أصدقاءه بقراءة 
دولوزء وقال لهم إنه كان يكثر من قراءة أعماله أخيرا مع أن كل هدف من الأهداف 
التي کان دولوز يدعو إليها كانت تتعارض مع آرائه*. 
أصبحت البنيوية بعد عقد مؤتمر جامعة جونز هوپكنز في العام 1966 أقرب 
إلى قوّة خفية هائلة بين ليلة وضحاهاء وساد شعور بين النقاد والكتاب الطلائعيين 
بان آیوکیا جیا کان ق طور اکل مزا ربکا غ انکر حول فركرية 
اللغة في كل ابمعاني السياسية والاجتماعية. وقد وجد سعيد أن هذه ا مشاعر الآخذة 
بالظمور آنرة لسن قط (تاشا ببلاكمن لن الفلمفة الأورويية دة بالامى ف 
مقابل الأفكار المحلية الأمريكيةء بل أيضا لأن «النظرية» مم يعد بالإمكان الاستهانة 
بها على أنها لعبة تتسلى بها النخبة التي تقضي حياتها بين الكتب. فهي على العكس 
تكلم بثقة وبلهجة التمرد عن قضايا السلطة» والتواصل» واممعنى التاريخي» وبذكاء 
نفاذ ما عاد بإمكان أحد أن ينظر إليه من عل. 
فد ميد تق وة بال اليو وة يكن لن اموا ااي عن 
التاريخ والتقدّم» فحاول التوفيق بين الجانبين. وعندما أنعم النظر في روايات كونراد 
فإنه م يجد فيهاء كما وجد الآخرون الصيغة الرومانسية التي تقول إن المؤلف يخترع 
عاما خياليًا. أما هو فكان من رأيه أن المؤلفين يخترعون أنفسهم في عملية الكتابة. 
وهذا يعني أن وجود الكاتب في العام يعتمد إلى هذا الحدٌ على الكتابة. ولكن كانت 


143 


إدورد سعيد 
هنالك مؤثرات أخرى. فقد كان يكمن في هذه الصياغة للفكرة اهتمام مالك الأقدم 
بالأساس الذي تقوم عليه التجربة اليومية - دنيوية وجود المرء («#1ئة٥)‏ - وهي 
فكرة خلّفها فيه أستاذه السابق. الفيلسوف هايدغر. لكن خلق الذات هذا كان في 
حالة کونراد خلقا مراوغا (وفق ما يقوله ا غر شخصيته بارتداء «أقنعة 
غريبة الشكل» وهذا ما عذه سعيد هدف كونراد الرئيس. 

وجه سعيد» بهذه الروح» كيرا من الانتقادات إلى البنيوية في كتابه عن كونراد. 
فقد قال مثلا «إن الأسلوب... والنحو» عند كونراد يجب أن يفهما «باممعنى الفيزيان 
الخالص» وإن معنى ذلك أنه يجرد اللغة من الاستقلال الذي أرادت البنيوية أن 
تمنحها إيّاه"”. وي موضع آخر أشار باستهانة إلى البنيوية بوصفها «صناعة فكرية 
ثانوية في فرنسا»» واشتكى من أنها قد تكون ساحرةء ولكنها تثير الأعصاب””. وأغدق 
المديح على ليقي-شتراوس» مؤسس الحركة إلى جانب رومان ياکبسن» فيما هو ينبش 
الأساس الذي قام عليه فكره. 

کان سعید» على عادته» مهتما باللغة بوصفها کلام وم یکن يحفل بالخروج 
باستنتاجات رهيبة عن عجز الأفراد عن التصرّف وعن التعبير عما يقصدون على 
أساس طغيان اللغة ال مكتوبة. وقد وجد حليفا بالدراسات اللسانية الساحرة التي 
اضطلع بها إمیل بنقنيشت Benveniste‏ eاEmi‏ ف کتابه «مشکلات اللسانیات 
العامَة» (1966) de linguistique gênê‏ emesاProb‏ الذي قام على آساس أن 
الناس فاعلون تاريخيون وأنهم أشخاص مكتملون» وذلك ف مقابل البيئة الفكرية 
الفرنسية السائدة التي كان يسودها آنذاك - مثلما يسودها ف الوقت الحاضر - 
الفكر ما بعد الإنLnıاي Posthumanism‏ لکل من نیتشه وهابدغر. 

يكثر البنيويُون من استخدام كلمة †ءءزانء التي استمتعوا ها فيها من تورية. فقد 
عكست الكلمة ما دعاه فرويد «باممعاني اممتعاكسة لبعض الكلمات الأساسية»*) 
من حيث إنها تشير إلى فاعل الفعل (كما في قولنا «فاعل الجملة» fه‏ اءعزطuء‏ 
)a sentence‏ والخاضع للحاکم (کما ف قولنا «أحد أفراد الرعية الخاضعة لحكم 
الملكة» subject‏ ensعuي‏ eطt).‏ ولذلك فإنها كانت مفيدة للبنيويين من حيث 


(x) Antithetical meaning of primal words. 


144 


العميل السزي 

إيحائها بحرَية مفترضة ولكنها من صنع الخيال في الواقع. نحن نتخيّل أنفسنا 
مواطنين واعين» فاعلين ف التاريخ» أفراداء بينما تجبرنا قواعد اللغة على الخضوع 
ا رة سن الاوك وفجحل فى اكان موخوعات الاش اة 
منذ البداية. 

کان بنفنيشت (وهو من اليهود السفرديم)» مثل سعيدء مهاجرا من الشرق 
الأوسط. ولد في سورية في عهد الانتداب الفرنسيء وانتقل إلى مرسيليا للالتحاق 
بالدراسات العليا. وقد جاء بتمييز مشهور بین hlژوJ enonce (statement)‏ 
ihklyطgق senunciation (utterance)‏ آي بين ما يقال وكيفية قوله. وباستعمال 
فكرة عن اللغة لا تبتلعها البنى ونظم الرموز الشاملةء بل تخضع ما يطراً في أثناء 
تبادل الحديث» كان من ري بنقنیشت أن الأدب نوع من الكتابة التي تعتمد 
على القول اإمروي على عكسن القول المياشر] “.اوقد استغل سيد هذه الفكرة 
واستعملها للتخفيف من آثر تهجمات البنيوية غير المرب بها على صنع التاريخ 
والقدرة على الفعل. 

غير أن أشدٌّ حلفائه تأثيرا في هذه الأمور كان المفكر الذي يتجاهله قرّاء سعيد 
مع أن أهمیته يصعب تأکیدها ما يكفي. فکتاب لوسیان غولذمان بعنوان «الإله 
الخفي» مم يكن مجرّد دراسة مرهفة الأسلوب لشخصيتين متناقضتين من شخصيات 
عصر التنوير (عام الرياضيات والفیلسوف بلیز پاسكال 1ء۲4 مءنه81 وكاتب 
المآسي جان راسين ”ء۸ ٣ه[‏ الذي ينتمي إلى عصر الكلاسيكية الجديدة)» بل 
كان محاولة طموحة (وإن كانت مقنعة) لصنع بدائل للبنيوية التي كانت تهيمن 
على ال مشهد الفكري الفرنسي”. کان غولڏمان» وهو ماركسي من رومانيا يکتب 
باللغة الفرنسيةء ويعذ نفسه تلميذا لغيورغ لوكاتش sء‏ )ں1 عإهء6» قد صار 
يعني الكثير لسعيد في منتصف الستينيات» وذلك في جانب منه لأنه ساعد في تقديم 
لوكاتش إلى الجامعات الأمريكية. وقد أعطى غولذمان لسعيد الوسائل لتخفيف 
أثر مقتبسات مالك من هايدغرء ولتقريب انشغالات ذلك الفيلسوف من صراع 
الأحداث الجارية. 

أما التعليق الجانبي في كتاب «خارج المكان» الذي قال فيه سعيد إنه في 
كلية الدراسات العليا «كان غارقا في دراسة كونراد وقيكو وهايدغر» وإن هؤلاء 


145 


إدورد سعيد 


الثلاثة ظلوا مهمين في حياته الفكرية فأمر يثير الحيرة في بادئ الأمر”. فالاثنان 
الأولان موجودان في كل مکان من كتاباته» أما هايدغر فلا يُذكر إلا ذكرا عابر 
عا کا ا کے رون او ا جد ان مد ق 
بدايات سيرته المهنية ينحي باللامة على النقاد لأخذهم عن هايدغر من دون 
اعتراف» وهذا يوحي معرفة وثيقة بأعمالهء وف العام 1968 دعي 4 قبل جمعية 
الفينومينولوجيا والفلسفة الوجودية إلى حضور مؤتمرها السنوي قي جامعة 
نورثوستزن Northwestern‏ وهو ما يعني أنه كانت له سمعة في الحقل”. وهو 
بالقعل يخصص صفحة من أواخر صفحات رسالته عن كونراد لإشارة من إشاراته 
القليلة إلى هذا الفيلسوف في أعماله. 

غير أن ما يدين به سعيد لهايدغر أو لا يدين مهم لأسباب كثرة. فالحضور امملموس 
لأفكار هايدغر ف النظرية الفرنسية في عقدي الستينيات والسبعينيات - التحول مثلا 
إلى مسائل الوجود بدلا من مسائل الط معرفة» والنظرة القائلة إن الإنسانية شكل غير 
أصيل من أشكال الوجود» وامذهب القائل باستحالة ترجمة اللغة (وهو ما يعني 
أننا مسجونون في ثقافتنا الوطنية ولا نستطيع الفكاك منها - يبدو أنه يتعارض 
مح تدخلاته نقطة بنقطة. ولذلك فإن سعيد شكا «من مصير هايدغر الصابر 
وامموجع داخل اللغة» وهو مصير يجعل تلامذته يقبلون الثقافة بدلا م «التمرد 
عليها»”. والأشيع من ذلك ملاحظته في أثناء روايته لأحداث أمسية قضاها مع 
جان جينيه ٤1۴ء6‏ ۸ه[ حول كونه مندهشا من ملاحظة أن الناشط جينيه دعا 
دریدا «صدیقا» لأن سعید افترض أن دریدا م يکن سوى «مسامم هايدغري في ذلك 
عر قارات امغر اة م کے و عة عل ر 
نها قد يُساء فهمها. 

فبیغما استخدم غولدمان لیکون خصها فان هایدغر الذي استخدمه کان هایدغر 
الخاص بجان پول سارتر الذي تفوق على ال في کتابه «الوجود وال 
.Being and Nothingness (1943(‏ ففيه حول الموقف المناهض للفلسفة 
الإنسانية إلى ضدّهاء وفعل ذلك على أساس حرَيّة الفرد ومسؤوليّته الأساسية؛ 
أي على عكس ما أراده هايدغر. وأصبحت كلمة «الوجود» بصفتها حالة أو صفة 
لأفياء هي شروط التجربة افاريخية (وهنا أيضا بقصد إقماد لأست الهايدغري 


الوقت» 


146 


العميل السرّي 


الأصلي). ومن هنا فإن سعيد يدعو في دراسته عن كونراد إلى منهح سايكوغراف» أي 
منهج يقوم على وصف تاريخي لنفسية الشخص,» وليس إلى منهج تحليلي نفسي في 
النقد؛ لأن اممنهج التحليلي النفسي كان ينحو إلى طمس الذات في متاهة من الأعراض 
التى لا تفيں. 

هذا الخوض ق الفلسفتن الفيتوميتولوجيين لكل من إذمند خوسيرل وسارتر 
كان ضروريًا من وجهة نظره لكشف الضعف الأساسي في الدراسات الأدبية التي 
كانت تجري في ذلك الوقت» وهو أنها عدت الأدب أمرا مسلما به . أما هو فقد 
أراد أن يجعل من مصطلح «الأدب» مشكلةء وكان معنى ذلك من بين أشياء أخرىء 
توسيع مداه توسيعا كبيرا جدّا. وقد انعكس ذلك المدى في ملاحظات مكتوبة بخط 
اليد ممادة عن اللغة كان يدرّسها على نحو متكزّر في أواخر الستينيات» وكان لا يجمع 
فيها نظريات مختلفة فقط بل يجمع أيضا آنماطا من التفكير في حقول دراسية 
مختلفة - العلامة اللاتيني قارو ۷۲۲٥‏ (أحد «شيوخ» قيكو) عاطم اللغة الأحيا 
Biin gust‏ چومسكي؛ النحوي الدانيماري وتو ڍسqرسj ‘Otto Jesperse¬‏ 
اللساني البنيوي فردنان دي سوسير؛ وعددا من المعجميين العرب” . 

كانت قراءات سعيد ف الفينومينولوجيا والوجودية والتحليل النفسي واسعة 
ولكن ولاءاته كانت سطحية. تعلم قدرا هائلا من هذه الطرق الدراسيةء ولكنه 
حافظ على استقلاله» إذ إن ما كان يهمه هو الطريقة التي تخلق بها الأعمال 
الفنية «في بيثة كاملة». فبينما كانت هذه الحركات النظرية تكتسب حظوتها كان 
هو پبحث عما هكنه من خلع القيود التي يفرضها نقد يقوم على قراءة الروايات 
والقصائد فقط. لذلك فإنه - كما اعترف في وقت لاحق - كان يستعمل مفرداتها 
واا حل غر آن فك اعمال سار كان أسة وأعن لن أف ذلك 
التعلق: والاتسحاب منه فبما بعد كائث سياسية وفكرية. 

م يكتب سعيد إلا أقل القليل عن أعمال سارتر باستفناء إشارات عابرة في 
کتابه عن کونرادء غير أنه ظل مشغولا بكتاباتهء وبخاصّة من بداية التحاقه بكلية 
الدراسات العليا حتى أوائل الثمانينيات. وكان الانجذاب طبيعيا من بعض النواحي. 


(*) يلفظ الاسم وارو أيضا. عاش ما بين 27-116 قبل امميلاد. قيل إنه آلف أكثر من 600 كتاب في مختلف فروع 
ا معرفة. [المترجم]. 


147 


إدورد سعيد 


فقد كان سارتر يتمتع بشهرة واسعة بين ال مثقفين العرب» وكان مفهومه المعروف 
ڊ engagée littérature‏ قد چ بعبارة «الأدب امملتزم» وعبارة «أدب الالتزام» 
في كتابات الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني“. وكانت مواقف سارتر اممعادية 
للاستعمار باستمرارء وانفتاحه نحو النظم الاشتراكية القانمة» ومقدمته الشهيرة 
لکتاب فانو «معڏبو الأرض» قد دفعت سعيد إلى أن يدعوه في يوم ما بأنه «واحد 
من عظماء المفكرين في القرن العشرينء رجلٌ كانت نظرته النافذة ومواهبه الفكرية 
موقوفة على خدمة جميع القضايا التقدّمية في زماننا هذا»". وكان سعيد قد التقى 
بسارتر مدة قصيرة في محكمة رَسل لجرائم الحرب في العام 1966 وصرّح لأصدقائه 
عن تشوقه للتعرف على الرجل شخصيًا. وكان ذلك آمرا يسهل ترتيبه من خلال 
مجلة «مراجعة اليسار الجديد» سعذرم۸ ۴ء1 سء" التي كانت في السبعينيات 
قريبة منهماء ولکن على رغم کل ما کان يتمتع به سعيد من رغبة ف إنشاء علاقات 
جديدة فإنه م يقم بامبادرة”* 

على أن إعجاب سعيد اضمحل اضمحلالا ملحوظا بعد المديح الأولي للعدد 
الخاص الذي أصدره سارتر من مجلة «الأزمنة الحدıة« Les Temps modernes‏ 
في پونيو من العام 7 وخصصه للصراع العربي - الإسرائيلي. وحتى ذلك الوقت 
ا نكن قدخل ارتي جما عن عوقده االتاهض امار الذي وة مح من 
الرجل العظيم ذلك لأن الفيلسوف لجأ إلى توازن كاذب عندما عبر عن أسفه لأن 
بطلين من أبطال التاريخ الحي جلسا جنبا إلى جتب في الشرق الأدل» وكل منهما 
عاجز عن لقاء الآخر إلا بصفته عدوا" . وف نهاية المطاف مم يكن سعيد قادرا على 
أن يغفر لسارتر دعمه لإسرائيلء وفي مقالة متأخرة نشرها في مجلة «مراجعة لندن» 
j The London Review‏ lzllم‏ 2000 قذّم سعيد صورة حلوة مرْة للرجل الذي 
أنهكته السنون» صورة ممتلئة بالأسف على الفرص الضائعةء وروى فيها قصة لقاء 
ثان مع سارتر في شقة قليلة الأثاث تعود إلى الفيلسوف الشهير ميشيل فوكو في العام 
1979 حيث التقت مجموعة من مشاهير المدعوين (من فيهم سعيد) حيث عقد 
لقاء حول طاولة مستديرة عن فلسطين. كان سارتر قد أنهكته السنون ويحيط به 
عدد من أتباعه المؤيدين لإسرائيل وظلٌ صامتا معظم الوقت إلى أن أخجله سعيد 
بأن طلب منه الکلام» فلم يصدر منه سوی کلام عام تافه. 


148 


العميل السري 


غير أن سعيد تمسّك بشخص غير سارتر من البيثة الفرنسية نفسها هو موريس 
میرلو-پونتي Maurice N1 e-۴٥1,‏ الذي عمل هو وسارتر وسیمون دي بوقوار 
على تحرير مجلة «الأزمنة الحديثة» ذات التأثير الواسع» والذي أصبح في الواقع 
بدیل سارتر. وبصفته اف کتاب «فینومینولوجيا الإدرIك« Phenomenology‏ 
of Perception (1945)‏ فإنە يکون قد قذم أرضية وسطى بين انخراط سارتر 
الصريح في قضايا العزق» والطبقةء والعداء للساميةء ومناهضة الاستعمار من ناحية 
اهاب كي ساني مئ كعاب ل عامل اة مخ الات الخة من 
اللغة؛ أي انشغالها خارج الزمان مع الأماط اللغوية المنفصلة عن أي معنى مقصود. 
لقد قدم میرلو-پونتي ما دعاه سعيد «جنسا ثالثا من الوجود بين الذات الخالصة 
وا موضوع»» ورؤية اللقاءات الإنسانية على أنها لذلك أشكال من التجسد. 

یکن مرلو-پونتي یخشی اتخاذ مواقف سياسية» ولکنه کان أشدٌ 
انتقادا للحركات الشيوعية من سارترء ولذلك كان مقبولا أكثر من سارتر لدى 
اليسار. وتأثيره في فكر سعيد لا هكن إنكاره. واستعارته مصطلح «القصدية» 
ityاntentiona!‏ من هوسیرلء ای الفینومینولوجیاء حولها سعید في کتابه اللاحق 
«البدايات» إلى عبارة «الإرادة والقصد» مم1 and‏ 11ا¡W.‏ كذلك فإن كلمة 
«الدنيوية» ا1ء وهي من امصطلحات الأساسية عند سعيد. لا شك 
في أنه استعارها من كتاب إرخ أورباخ «دانتي: شاعر العام الدنيوي» 541٤٤:‏ 
Poet of the Secular World‏ (1929)». حيث هكن ترجمة الكلمة الأمانية 
irdische‏ (أرضيء مستند إلى الأرض) بكلمة إهانءمء أو yااءwo.‏ وهي كلمة 
وجدت طريقها إليه أيضا من الترجمة امعتادة عند ميرلو-پونتي للفكرة التي 
يعبر عنھا ھوسیرJ‏ ڊکnlة Lebenswelt‏ (أي عام الحياة 1dامw-feن1).‏ وقد کد 
ميرلو-پونتي الطبيعة الدنيوية للذات التي هي في نهاية المطاف وفوق كل شيء 


جسد فيزيائي [آي طبيعي]. وقد انخرط سعيد الى جانب میرلو-پونتي في معرکته 
(4) كلمة «الدنيوي» ءءء هنا صفة لكلمة «العام». وفي اللغة الإنگليزية تفهم كلمة هانءءء على أنها نقيض 
للديني أو الروحاني. أما عند سعيد فإن الصفة الهس والاسم ءوeدافاإمس‏ يشيران إلى هذا العام الذي نعيش فيه 
للتأكيد على الواقع في هذه الدنيا دون الإيحاء بالنقيض» أي الديني والروحاني. أما كلمة «علماني» في مقابل إهااءمء 
فهي اختراع حديث لا أراه موفقا. [امترجم]. 


149 


إدورد سعيد 
ضدٌ «الفكر ذي الاتجاه المطلق» tںاهءطه!‏ م éeء«مم‏ ها بتأكيد الغموض وأن 
الحقيقة تخضع للظروف. 

هذه المصادر كلها كافحت لأن تتكلم بين الأسطر في كتابه المتواضع عن كونراد 
ولكن كان هنالك مصدر آخر. فقد كان سعيد يتصدّى في الوقت نفسه لعملاق الفكر 
البنيويء ألا وهو موْسّس الحركة في أذهان معظم الناس: عام الأنثروبولوجيا كلود 
ليقي-شتراوس ءءuںهء†؟-¡1ev de‏ uه1٣.‏ ففي مقالة من أهم مقالات سعيد المبكرة 
عنوانها «طغيان الفكر« )1967( The Totalitarianism of Mind‏ (وهي بلا شك 
أبعدها تأثيرا)» قارن سعيد بلهجة ساخرة نظرية ليقي-شتراوس عن «قانون الفكر 
4ن... بقوانين الفكر اإعده طا العلمي المعاصر»*”. وم تكن تلك اممقارنة من 
قبيل الإطراء. كان ليفي-شتراوس أحادي الجانب ف إهانه بامنطق العلميء وأشد 
يأسا حتی من کونراد في اعتقاده أن البشر نوع من الأحياء یسمّم البيئة بسموم 
الحداثةء وبذلك كان مثالا على الفكر ٤ءءلاءام‏ المتصلّب. 

غير أن سعيد» ها غرف عنه من عناد ومشاكسة» ما کان ف إمکانه غير أن يعبر عن 
إعجابه بأوصاف ليقي-شتراوس «الألمعية ذات الصبغة الشاعرية مطممارسات الأهالي 
الأصليين في جميج أنحاء العام»”. وعلى رغم كل ما في دراساته للأساطير القدهة من 
استعلاء فإنها كانت» من بين أمور أخرى» علاجا لثرك الهوية الشخصية. وقد شعر 
سعيد بأن طريقة ليقي-شتراوس اممتغطرسة «ابتلعت عمله» في آثناء محاولته 
تفسير الاختلافات الثقافية الضخمة بواسطة أنهماط من النظم المتكررة في جميع أنحاء 
العام. ومع هذه اممغامرات في حقلي الفلسفة الوجودية والفينومينولوجيا سرعان ما 
أخذ سعيد يعرف بأنه رسول «النظرية» على رغم أن تلك الفكرة أرعبته”. وبعد 
سنة واحدة أو أكثر قليلا تحوّل من مدعو مراقب في مؤتمر جامعة جونز هوپكنز 
إلى مشارك على الممنصة مع پوليه ٤ا0‏ ا وهانس-غیورغ غادامر -5415 
Georg Gadamer‏ ف ندوة قي زيورخ عنوانها «نظرية التفسير الأدبي وممارسته» 
(#) قد تعكس هذه الترجمة جانبا من مشكلة المصطلحات ق العلوم الإنسانية وف العلوم الطبيعية. فكلمة «الفكر» 
استخدمت مقابل كلمتين مختلفتين في اللغة الإنگليزية. وف اللغة العربية كثيرا ما تترجم كلمة 4« بكلمة «العقل» 


التي تستخدم أيضا ترجمة لكلمة ءء1٤٠1‏ التي سترد بعد قليل. ويبقى الأمل في أن السياق قد يوضح الفرق إن 
وجد. [المترجم]. 


150 


العميل السرّي 


.The Theory and Practice of Literary Interpretation (1968)‏ ãlد‏ أصبح 
الآن في أذهان كثير من الناس الوجه الأكادهي للنظرية نفسها. 
KK‏ 

في آثناء تحركه نحو مركز الحياة الأكادهية بين العامين 1963 و1968 حدثت 
حادثتان دمرتا شعوره النسبي بالأمان. كانت الأولى هي كارثة «حرب يونيو» أو 
«حرب الأيام الستة» في العام 1967 (التي دعتها الصحافة العربية بالنكسة)» 
وهي حربٌ مثلت إشارة إلى بداية احتلال إسرائيل لكل الأراضي الفلسطينية 
مع نية البقاء فيها إلى الأبد. أما الحادثة الثانية فكانت انهيار زواجه الأول ف 
السنة التالية على رغم أنه رفض الطلاق حتى العام 1970. وأذى انقلاب مثقفي 
نيويورك إلى اليمين بعد حرب العام 1967 إلى اتساع الهوة بينه وبين الجماعات 
التي کان يتقرّب منها. وبينما كانت مجلة ٤١ءءوا‏ لا تنشر الكثير عن إسرائيل 
قبل العام 1967 باستثناء إشارات ساخرة إلى القوميين امتعصبين اليهود فإنها 
انقلبت فجأة إلى مجلة صهيونية متعصّبة. وقد لاحظ چومسكي أن «إرنغ هاو 
Howe‏ عvinا1‏ بلغ من التطرّف حذًا جعل الصحافة الإسرائيلية تسخر منه». 
وأخذ آناس م بُعرَف عنهم تأييد إسرائيل يؤيدونها مع آنهم كانوا يناهضون 
حرب قییتنام. 

وفي حادثة أقلٌّ قتامة. تمكن الفلسطينيون المحليّون في معركة الكرامة التي 
حدثت قي العام 1968 من إثبات قدرتهم على الصمود أمام القوة الإسرائيلية 
الغازية. وي تلك السنة توقف في لبنان لزيارة أبيه ا مريض» ومكث في بيروت مدّة 
أسبو ع قبل مواصلة السفر لحضور مؤتمر زیورخ حیث ساعده پول دي مان اه۴ 
e Man‏ في الوصول إلى مسكنه. وبعد ذلك دة وفق ما یذکره سعید» «کنت في 
عمان ف العام 1969 ثم في سنة 1970... بصفتي زائراء ولكن أيضا بصفتي مشاركا 
مبتهجا باليقظة القومية التي شاهدتها»”. وقد شاهد «جزءا من مرارة أيلول 
الأمود وعنفه في العام 1970 عندما اذى التوثر بين منظمة التحرير الفلسطينية 
الموجودة في الأردن والقوات الأردنية إلى خسائر كبيرة ف الأرواح على الجانبين» 
ولكنه أذّى أيضا إلى منجزات مؤْسّسية مهمّةء أهمُها ازدياد حضور منظمة التحرير 
الفلسطينية نفسها على المستويين الإقليمي والدولي. 


151 


إدورد سعيد 


لكن م يكن اهتمام سعيد بالسياسة حتى قبل العام 1967 على تلك الدرجة 
من الضعف التي حسبها الكثيرون» فحكاية هَجُره عام السياسةء كما رأيناء كانت في 
انب ما من مه ی تاع ا ا ع کن مداه اکر ما کان 
كما عبّر عن ذلك بلا هوادة في أوّل تحليل منشور للوضع الفلسطيني» وهو تحليل 
ظهر في مجلة خرّيجي جامعة كومبيا في العام 1969: 
[بعد العام 1948] كنت أقول إنني من لبنان» وقد بلخ ذلك من 
الجن ما بلغه الامتناع عن قول أي شيء لأن معنى هذا الامتناع هو 
قول شيء قصد منه عمدا عدم التحدّي. ومع مضي الوقٿت حصلتُ 
على الدرجات العلمية وصرت أستاذا جامعيًا... ولكن ذلك مم ينفعني 
في ذلك الأسبوع الفظيع من يونيو [1967]. كنت عربيّاء وكنا - 
«أنتم» ممعظم أصدقاني المُخرجين - نتعرّض للجلد. كتبت رسالة أو 
رسالتين بليغتين لجريدة «التاهز» (م تنشرهما) واشتركتُ مع حفنة 
من العرب الآخرين في جلسات للتفكير الجماعي كانت في الواقع 
أشبه بالعلاج الجماعي... وبعد جرعة من رثاء الذات كتبت مقالة 
«صورة العربي». 
لکن على رغم جلد الذات هذا فإن طلبته يتذكرون هذه الفترة من حياته على 
نحو مختلف جذا. فبعد انقضاء السنوات الخمس الأولى من التعليم في كوطبياء م 
نکن لدئ اخ ك في أصله. وكان كثيرون ممن عناهم المموضوع يهودا إما بحكم 
الملاحظة أو نخ ينتمون إلى حركة التجديد اليهوديةء ومنهم ألن منتز ١ةا۸‏ 
Min‏ ودیقد ومایکل ستبرن David aہnd Miche21 Ste1‏ ودیقد لیمان David‏ 
Lehman‏ الذي کتب له في العام 1973 ليقول له إنه أهدى له «سلسلة من 17 سونيتة 
جديدة (قصائد هايكو*' تتبح النمط 5-7-5)»"". وقد وَجَدَتْ تلك ا مجموعة هذا 
الفلسطينيّ الذي م يُخف هويته شخصية ساحرة. فبَحَثثُ عنه» ووجدت أن من 
السهل التحدث معه عو شيء"". ولذا فإن مقالة «صورة العري» التي عرفت 
الجمهور العربي باسمه م تكن ف الواقع أول إعلان عن الانخراط في السياسة حتى لو 


(*) نوع من القصائد اليابانية التي تتكوّن من 17 مقطعا ورتب وفقا للنمط ابمذكور في النصًء لكن الشعراء أخذوا 
يغبرون عدد المقاطع أحيانا. [ا مترجم]. 


152 


العميل السزي 
أنها كتبت من قبل. بيد أن إعلانه عن ذلك أشار إلى أنه كان يلتحق بجماعة ثورية 
ثانية مثلما ارتبط مجموعة الثوريين اللسانيين في مجال النظرية. 

وقد قَدر له أن يسعى إلى التوفيق بين الجانبين في إربانا في ولاية إلنوي عندما 
حصل على زمالة أمدها سنة كاملة من مركز الدراسات NT‏ الأكادهية 
1968-7. وعندما غادر نيويورك للالتحاق باممرکز کان لدیه مشروع واضح ف ذهنه. 
كان اسم المشروع الأصلي «سُوفت في التاريخ» ها۳ مذ زس8 وكانت مطبعة 
جامعة هارقرد قد كلفته بهء وكان الهدف من المشروع تقضي الكيفية التي تقدّم بها 
الروائي الشاعر الناقد الأيرلندي بنظرات غير متوقعة في «علم اجتماع المعرفة»". وقد 
کتب سعید نصف المشروع في أثناء عمله زمیلا فی إرباناء ولکنه کان موزعا أيضا بين 
هذا المشروع ومشروع مختلف تماماء وهو مشروع اتخذ فیما بعد شکل کتاب سعید 
الثاني» أي كتاب «البدايات». لكنه نشر قي أثناء وجوده في ال مركز صيغة مختصرة من 
کتابه الثاني عنوانها «تأَمُلّ «A Meditation on Beginnings (1968) «ٽlılدبll Ja‏ 
وتبعها بسرعة مقالتين هما «السرد: البحث عن الأصول واكتشاف الضر يبح» N2۲۲4:‏ 
g Quest for Origins and Discovery of the Mausoleum (1970)‏ «التمنعء 
1 لتجثب» التعڙًف«)1971( .'™Witholding, Avoidance and Recognition‏ 

هنا أيضا كان تأثير غولذّمان واضحا. وكما بيّن ف مشروعه الأصلي للكتاب (الذي 
عرف بعنوانين آخرین - «تناسق سوفت» Coherence of wif‏ 1heء‏ «سُوفت 
ف :(Swift as Intellectual‏ ا کان قد أخذ بعضا من «مبادثه الاد ف 
کتابه عن کونراد من نقاد معاصرين من آمثال جان ستاروبنشُکي ورولان بازت» 
فإن اهتمامه هنا «بسبب الأهمية السياسية الخاصة لحياة سُوفت» كان «شبيها 
باهتمام غولذمان الي أظهر ق دراه الخخهة لكل من باسكال وراسن اانه 
بين عام السياسة والشكل الإستطيقي لأعمال الكاتب»'. 

فاقت كثافة الإبداع في تلك السنة كثافة أي فترة سابقة. ولا يعني ذلك أنه 
جازی كرم ال مركز بالعرفان داثما؛ ففي البداية كان دح بحذر: «ليست إربانا بالمكان 
الجميل - كما أنه لا شك ف أنك تعلم - ولكنها مدهشة من حيث إنها لطيفة 
والعيش فيها سهل. المكتبة رائعة (وهي بالتأكيد أفضل من مكتبة كوطبيا)». 
وبعد مضي شهر تحول انطباعه المبدئ إلى احتقار: 


153 


إدورد سعيد 


حتى إلى ما قبل أسبوع واحد كانت الممدينة مكانا يثير الفضول - 
أقصد من الناحية الاجتماعية. إنها مدينة بالغة القبح» ولكن هذا ينطبق 
على معظم المدن الأمريكيةء رها باستثناء مدن نيو إنْغْلند. النحات 
جوتن شان وأنا عملنا سجلا مطوّلا يضم العبارات المتكرّرة التي يكثر 
استعمالها هي والأفكار الس بها التي تتحکم في الحياة: تلك ال مهنة 
ا لمضحكة التي لا تنتهي... أرجو ا معذرة لهذه القرطاسية الرديئة. 
لكن هذه القرطاسية هي التي مكن لقرّاء أوراقه امجمعة أن يقرأوا عليها بعضا 
من أعمق الأفكار التي كتبها في حياته. وعلى الورق الرسمي «الممرؤس» نجد على 
بقعة صفراء على شكل شمس وصفا مختصرا مما سيصبح عليه كتاب «البدايات» إلى 
جانب كتاب سُوفت الذي لن یری النور”"". 
وها أنه أخذ يشعر بأنه منفيْ إلى المقاطعات البعيدة فإنه أخذ يتابع أخبار 
البيت» وكتب لجاره في نيويورك جري لونثال owenthalا Jerry‏ لیشکو من 
أن ا موسيقى في إربانا كانت «ثقيلة على الطلائعيين الذين يصعب الاستماع إلى 
موسیقاهم. وکان جون کچ [hn‏ عضوا من أعضاء مركز الدراسات اممتقدمة 
على رغم أنه غائب معظم الوقت أو يجمع نبات الفطر» (وقد تبجح سعيد في 
وقت لاحق بأنه عزف موسيقى كيج على آلة البيانو)*"". وفي رسالة أرسلها لونثال 
بعد ذلك مدّة قصيرة لتسلية سعيد أخبره فيها عن تناول اق ت کون 
راو Arr‏ udi0اC»‏ وعن زواج جاکلین دوپري Jacqueline DuPre‏ من دانیل 
بارنبويْم .Daniel Barenboim‏ وم یکن سعید یحفل کٹیرا بلیونارد ا 
Berit‏ eonardا'»‏ وم یکن یذکره إلا عندما يكون موضوع الحديث هو 
الأنا المتوزمة. فهو مم يغفر لبيرنستين إصراره على إقامة حفل موسيقي وضع فيه 
موسيقاه على قدم امساواة مع موسيقی بيتهوقن"'. 
فن املوب وسح آمألوف اهل دون أن بكون سماعاة مح مقارته يرات 
ا لممثل الكوميدي ى ,“"DDanny Kaye‏ 
وعلی رغم التوتر الذي ساد العلاقة بين سعيد ومايرة في إربانا فإنهما كانا يعملان 
معا على إنجاز مشروع مهم. كان المشروع الممشترك الذي أنجزاه ف العام 1965» وهو 
ترجمة طقالة أورباخ «الفيلولوجيا والأدب llعl «Philology and Weltliteratur «4k‏ 


وقد أمتعته رواية لونثال 


154 


العميل السري 

يقترب من الظهور بعد أربع سنوات» ثم ما لبث أن ظهر في العام 1969. كان ذلك 
مشروعا بالخ الأهمية من كل النواحي» فقد كانت المقالة سابقة لزمانها وتقف 
موقفا جريئا ضدَّ التيار البنيوي”". وفي المقدّمة القصيرة التي كتبها ا مترجمان والتي 
أعادا النظر فيها كثيرا انشقا عن الأعمال الوطنية الضيْقة باسم «تناغم بين كل 
الآداب التي أنتجها الإنسان عن الإنسان» وامتدحا ا منهج التاريخي» وتبتيا شمولية 
تقف ضدَ معيارية السوق» واتخذا موقفا كان آنذاك مستهجنا مؤدّاه النقد 
يجب آن کون أکثر مق س للروايات أو القصائد» وأن يكون بدلا من ذلك تفسرا 
سياسيًا اجتماعيًا لكل الأنشطًة اللغوية التي يقوم بها البشر أو معظمها. وکانا ! ف 
هذه الإهاءات أبعد ما يكونان عن الاتجاهات النقدية السائدةء ولكنهما اتخذا 
الخطوة الحاسمة الأولى في نهوض الأدب العاممي الذي أصبح بعد أربعة عقود حقلا 
من أبعد الحقول تأثيرا في مجال الإنسانيّات. 

ولا یدهشنا مع تصاعد التوثر في حياته الزوجية. > وتشوقه للعودة إلى نيويورك» 
والتنقل u‏ بين المشروعات البحثيةء أنه وصف سنة التفرُغ العلمي بأنها سنة 
محمومة(۱٩‏ . كذلك كانت سنة مُحبطة. فعلی رغم کل ما أبداه من إبداع لا يدا 
فإنه م يتمكن من العودة باممشاريع اتی شخلت ذهنه آكار من غرها: فظول سه 
العلمية كان هنالك مشروعان کبيران اشتغل عليهما على مدى عقود ولکنه م ینته 
منهما: الأول هو دراسة المثقفينء والثاني هو هذا الكتاب عن سُوفت» الذي کان 
في الانتهاء منه قي إربانا. هذا لا ر يعني أنهما م يظهرا قطء إذ نجد أجزاء من الفكرة 
وفقرات من النص منثورة هنا وهناك في جميع أعمالهء وقي حالة سُوفت ظهر 
المشروع على هيئة كتاب بشكلِ آخر. أما المشروع الآخر فلا هكن أن يكون - بأي 
قدر - ا ضمن أهداف سعيد الفكرية على الممدى الطويل. 

ظل سُوفت حاضرا في فكر سعيد منذ البداية مع أولئك الكتاب الذين اكتشفهم 
فی صباہ فی القاھرۃ إلى جانب ایند بُلایتن ١٥ر81‏ 14۔٤‏ ولویس کارُل 1e wis‏ 
11ع وإِذْغر رانس بروز .Edgar Rice Burroughs‏ لکن آکٹر ما وجدہ سعید 
في شخصية سُوفت هو أنه» على غرار كونراد قدّم له طريقة في شن حرب غير 


() بلايتن: كاتبة قصص أطفال واسعة الشهرة. كارل: صاحب قصة «ألس ف بلاد العجائب». بّروز: مبتكر شخصية 
طرزان. [امترجم]. 


155 


إدورد سعيد 


مباشرة على الاتجاهات النظرية ا معاصرة. وقد تمكن سعيد بهذه الطريقة وباتباع 
إستراتيجية غولذمانء من تحييد استياء معاصريه مسرحة مناقشات القرن العشرين 
بأن ألبسها أزياء القرن الثامن عشر“". وعلى غرار لَقنْ» عبر سعيد عن إعجابه ببراعة 
وق اتال الوت وة ال الل من اعت رخال الا 
ا ملكونه من آلات بارعة ينسجون بواسطتها بيوتهم العنكبوتية من أحشائهم 
وبتخليهم عن النور والجمال وتفضيلهم القذارة والسموم» بتعبير لفْنْء الذي ضاف 
قوله إنه في تاريخ الأدب الإنگليزي مم يقف أحدٌ نفسه مثلما وقفها سُوفت على 
فضح «التوجه المعادي للإنسانية لكثير من الكتابات التي ظهرت أخرا»5. 

وفي الحقيقةء وبكلمات سعيد نفسه» كان التركيز الأكبر للمشروع يقع «على الطريقة 
التي يشكل النقد الأدي بواسطتها موضوعه أو يعبر شكله أو طبيعتهء أو يفعل الشيثين 
معا»*"". كان امطلوب أن يُفهّم النقذ الأدبي على أنه امكان الأول لإنتاج المعرفة ووضع 
الخطط؛ لذلك كان من المتوقع تماما أن ندوة من الندوات الدراسية الأولى التي كان 
سعيد سيدرّسها بعد الوصول إلى كومبيا ستكون مخصّصة لسُوفت وأنه كان قد أكمل 
خطة الكتاب المقترح في السنة نفسها التي ظهر فیها تابه عن گونراد, كذلك وجه 
سعيد نظره نحو سُوفت للمادّة التي عرض تدريسها في فصل الصيف ف جامعة هارقرد 
في العام 1968؛ وکان ذلك منزلة إعلان من نوع ما؛ لأن ترك انطباع حسن كان أمرا مهما 
فلك اكان وان شوفت كان ف العجية من عوكة اة ` 

استقبل مشروع الكتاب بحرارةء فقد حفز داليل بل 1ا8 امنصهط الذي کان 
يعمل أذ ي جامعة شيكاغو غا التوصية حه زمالة جامعة إلنوي التي حصل 
ها فا يخن وقد كب له بلجا فول غل اال اتر هن ك غر الحدود 
اللمكروع وقال إنه آحب الات ميد لهولدمان وإنه أسعدة أن متهجة - خلافا 
JکارJ‏ lilڍp Karl Mannheim‏ - ¢ يجعل الأفكار مجرّد تعبير عن قوى اجتماعيةء 
بل إنه أخذ على عاتقه أن يبين كيف أن الخيال الفي يوازي بنية الفكر السياسي 
والاجتماعي”". واقترح على سعيد أن يطلع على دراسة تعود إلى العام 1934 
أجراها فرانز بورکناو )اه8 ۴۲۵۸2 الذي کان آنذاك عضوا ف معهد فرانکفرت 
للحت الاي (اللي ضرف بام مدو رانك رت عن افطة اتجوازة 
للعام. وقد عمل سعيد بالنصيحة وانتقد غولذمان فيما بعد في مراجعته لكتاب 


156 


العميل السزي 
«الإله الخفي» لأنه م يعد إلى دراسة بوركناو الذي عاد سعيد إلى أعماله بقدر من 
التفصيل في أطول مقالة من جقالاته ن موقت 

وان و آذ ازا عة عن ات غا ا عن وك اجان 
فإنه أخرها لأنه م يعد يشعر بأنها هكن أن تکون ناجحة بشكلها الأوغسطي هذل 
فالتقاليد الأكادهية اممتشددة اممتعلقة بالخبرة ستضعه في النهايةء بصفته متخصّصا 
في الأدب البريطاني الحديث» تحت رحمة أولئك الذين قطع الطريق عليهم عندما 
وصفهم بأنهم «فئة امتخصصين بأبحاث القرن الثامن عشر». وأدرك أن من امحتمل 
أن يُستهجن سعيّه لإنقاذ سُوفت من صورته الرسمية التي تجعله «كاهنا أنغليكانبا 
جافي الطبع»*. وعلى اك فإنه أشار في رسالة تعود إلى العام 1969 إلى كتابه 
الذي «سيصدر قريبا» من جامعة هارقرد بعد أن أصبح عنوانه «فوضوية وف 
laklفۈظة« .Swift Tory Anarchy‏ 

وفي رسالة للاينل ترلنغ ذكر أن كتابه عن سُوفت يعاني الانتفاخ وأنه مشغول 
بإعادة کتارته'. کن اکا في الواقع کان ا اختراعه باستمرار: مجموعة من 
المقاطح اللامعة التي م تشكل كلا متكاملا على الإطلاق. وكان ينوي أن ينشر كلا 
الكتابين (عن سُوفت وعن ال مثقفين)» أحدهما في مطبعة جامعة هارقرد والآخر في 
دار النشر المسماة «كتب أساسية» .Basic Books‏ وعلى رغم أن طريقة عرضه 
للمشروع تغيّرت كثرا بين الستينيات والثمانينيات بحيث أصبحت لهجة كل صيغة 
من صيغخ الكتاب مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرىء فإن كتاب «العام» والنص» 
والناقد» (1983) هو الشكل الذي تجسّد به المشروع في نهاية المطافء» وفيه عبر 
عما يريد التعبير عنه'. 

ّل سُوفت ف الأدب الإنگليزي المشتغل بالسياسة الذي دُشكل اللغة عنده 
مشكلة نظرية. ويعبر سعيد في المقالة التي كتبها بعنوان «فوضوية سُوفت 
المحافظة» عن هذه اممشكلة تعبيرا موجزا: «مواجهة درامية بين فوضى مقاومة 
الكتابةء والنظام ا محافظ الدائم ا مجسّد في الصفحة المكتوبة»". ومما لا شك فيه 
أن كذا من الك باق هنا ولكن هالت أيضا تلميح إلى مااحظة بلاكمر القائلة 
ِن في الفوضوية قذرا من المحافظةء معنى أن التصلب السلطوي هو ما ينتج عن 
التحرر من القواعدء مع ما في ذلك من مفارقة”". وقد بدا أن سعيد يقترح شيئا من 


157 


إدورد سعيد 


الانضباط («النظام»). واشتك» من دون تسمية النظريات التفكيكية والتأويلية التي 
كانت في الستينيات تغزل شبكات للتشكيك ف اممعنى النعي > من أن هذه الآليات 
اة عامل مخ التضوص ع تاف تقسا ع اما بايغل هة الك 
الأول”'. وكان ذلك» مع مسعاه إلى توسيع النقد إلى ما بعد الأدب الإبداعي» هو 
ما أخذ على عاتقه فعله. 

کان سُوفت - حرفیًا - محافظا ولکن على رغم أنه يؤمن بالنظام الملكي فإنه 
س من التجربة السياسية اڪ الحاجة إلى النظام اللغوي في سلوب «لا يتهاون» 
صلب» متماسك». وقد حقق ذلك فیما یری سعيد» بتعقيد تعريفه للنص 
بطريقتين: أولاء بالانتقال السريع من جنس أدبي إلى آخر استنادا إلى حاجات المناسبة 
التي تقطلٰب المخاطبة المباشرة. فكتاب «رحلات غلقر» Ilia Gulliver’s Travels‏ 
يبدو مضطربا بالطريقة التي تصبح الكتابة فيها بديلا عن الأحداث؛ ولذلك كانت 
كتابة سْوفت في نظر سعيد فعلا «أقلٌ أهمية بكثير من فعل التكلم» 

كذلك كانت لفاة .التكلم والكاية آقان ساسية. إحداها الطرفة الى 
تجاهلت بها مؤسستا الأدب والنشر الثقافات الشفوية في العام غير الغري حيث 
كانت للكلام والحضور الجسدي أهمية أكر من مجلدات الأبحاث العلمية الخاصة 
في مكتبة من المكتبات. ثم إن الكتابة في مقابل الكلام استدعت للذاكرة الثوابت 
المذهبية للأديان التوحيدية (أهل الكتاب في اليهودية والإسلام والمسيحية)» وهي 
الثوابت التي مارست دورا بالغ الأهمية ف تاريخ الشرق الأوسط. في مقابل هذه 
الثوابت نجد محاولة سعيد لإنقاذ «امموضوع» من صيغته البنيوية بوصفها الأثر 
غو امون الصو أا التكم ق اإغابل فان وي فة فص حفن 
مام الإنسان» شخص ملموس» من هذا العام» مجسد. ولثّن وضع الكتاب الذي 
خْصّص لكونراد التراث الأدبي الإنگليزي في مواجهة الفلسفة الأوروبيةء فإن الدراسة 
المخصصة لسوفت كان يراد منها أن تفضح الكارثة السياسية الكامنة في نظريات 
المظضال اذاق اة ول فرت اة رة بحفك مو ماك با 
أيرلنديا في العاصمة الإنگليزية. ورجلا ذا مزاج ثوري ولديه ميول محافظة» وهو 
فوق كل شيء ناشط سياسيّ رأى بنفسه الواقع القبيح لسلطة هزمته في آخر المطاف. 

فد ما يفط اللحاقظون تفط الل ولون إل السات اللغون الذي 


158 


العميل السزي 
نجد علاتمه المحزنة في المراحل المتأخرة من سيرة سُوفت المهنية. فبينما كان سعيد 
يدق مخطوطات سوقت وجد آدلة مدهشة على الألعاب الشاذة التي كان الكائب 
الأيرلندي هارسها. E‏ امستمر بالألفاظ جعل من المستحيل قراءة أي شيء كتبه 
الرجل من دون الشك ف أنه «قد تكون هنالك حيلة أو معنىء» أو رسالة سرّية كامنة 
فيه»*". وقد قاد ذلك إلى ا موقف المضاد: فقد كان سُوفت يدعم الفكرة القائلة 
«إن سلامة موقف الكاتب تعتمد على سلامة موقفه تا حالة الأمور الفعلية» 
حتى إن كان إتقان سوفت لاستعمال التفاصيل الواقعية اتخذ شكل الإغراق في 
E‏ القذاة الإضسافة الات اتجاتية السادية وكراهة العا اة كان 
فته بکلمات سعيد «زجلا ليس من السهل أن نحت»: 

GE o 
الاستفادة من الدروس المستفادة من سيرة سُوفت السياسية. ففي البداية كانت‎ 
نشرات سُوفت تتماشی بلا عقبات مع الواقع الاي الذي كانت تسعى إلى التأثير‎ 
فيه عى رغم آن الرجل فيما بعد وضع اللغة في مقابل الواقع السيامي متخذا لنفسه‎ 
دور المعلق فقط”“. وقد سجلت تقلبات سُوفت نحو الكتابة تغيبرات خطرة‎ 
في المناخ السياسي. وأتى التحديد التدريجي لسلطة ال ملك معه بحركة من الهواة‎ 
الوضوين لصوا سياسيين رقن وباتال من ية من الجدل الراذكال إن‎ 
غت قاتا ھک ودا ا أن امساواة امهمُة التي جاء بها‎ 
سعيد هي هذه: كلما زاد الموقف السياسي ضعفا ويأسا زادت الحركة نحو نظرية‎ 
من نظريات اللغة المستقلة بذاتي".‎ 

ولذا فإن ما بدأ سعيد بالتصفيق له كان هو العكس؛ ألا وهو «فيض اللغة ذات 
الصقل العالي»» ووضع «الكلمات ال مناسبة ف ا محلات المناسبة». ومن اللافت للنظر 
في ضوء كتابات سعيد التي ظهرت فيما بعد عن الروايات السياسية التي كتبت 
في الشرق الأوسط أنه أثار الإمكانية التي تستوقف النظر عن أن نصوص سُوفت 
تقاوم المفارقة نفسها: «ما تقوله هو ما تعنيه... المفارقة تنهي اسا ق قاد 
وهنا أيضا نجد أن الكلام امباشر وفن المحادثة يحصلان على المكانة العليا لدى 
سُوفت أيضاء فقد وضع اختياره للجنس الأدبي كليهما في المقدّمة: الاقتراح المتواضع» 
والحكية والوماك والججاج واأوعة الدرهة وباختصان مل مسار شرفت 


159 


إدورد سعيد 


- بصفته كاتبا - مأساة المبالغة في الأسلوب الأدبي في عام سياسي”. وفي نهاية 
المطاف» أسّر سعيد إلى أحد أصدقائه سبب تخليه عن الممشروع ا متعلق توفت 
بقوله: «وجدت ف النهاية... أنني عاجز عن التعاطف مع غضب الرخل وكرباة 
فضلا عن غياب الاهتمام بحياته الشخصيةء تلك الحياة التي وضعها دانما في امحل 
الثاني بعد قضية من القضايا أو خدمة يؤديها للأرستقراطيين». 

في هذه الأثناء قاوم سعيد الضغوط التي مارستها عليه جامعة إلنوي للبقاء فيها 
برتبة «أستاذ» وبراتب کان يلذ له أن يصفه بأنه «خیالي»”'. وقي العا 2 جاءه 
العرض الأول من عدد من العروض للانتقال نهائيا إلى جامعة هارقردء إلى جانب 
عرض من جامعة كاليفورنيا-سانتا كروز وجامعة نيويورك ف بَفلو. بعد العرض 
المغري الذي قدمته جامعة إلنوي والذي تضمُن مكانا مايرة أعطته جامعة كومبيا 
هة الماك مخ تيت مبكى واغطت خابرة فة ف اران باعار ذلك 
جزءا من العرض للاحتفاظ به. وقد حققت مايرة نجاحا مثل نجاحه فنجحت في 
الدفاع عن أطروحتها في الأشهر التي شهدت بداية الجفاء بينهما في العام 1968. 
أما الرفقة العلمية فكانت من القوة بحيث داومت مايرة على حضور محاضراته 
حتى بعد إتمام الطلاق في العام 1970“. كانا معا في آخر المطاف» ولكن ذلك م 
يعد أمرا مهما: 


160 


قبل آوسلو 


يقف خراب المماضي 
أنصعَ من صورة الشمس على صفحة السَبّف. 
كأنه سجن محمومٌ لأحلامنا الإنسانية. 

سعيد» من قصيدة «أزهار الصحراء» 


Desert Flowers 


على رغم آن کو مبیا كانت مکانا محترما جِذا 

لفط فة الرخال انها كانت لازال تسف 

بقدر من الخشونة في أواخر الستينيات وأوائل 

السبعينيات. فهي تقح في منطقة مورننغسايد 

هايس في الجانب الغربي ال مرتفع من مانهاتنء 

ويتداخل حَرّمها الجامعي مع بعض من أفقر 

حب العقل والعرفة تعرض هديد أجزاء الجزيرة وكانت لها تقول إنها 


161 


إدورد سعيد 

خطرة, وقد كب اعد أصدقاه سيد الاين وكان آنذ اك يدون ق فة امعلمن: 
معبرا عن نفاد صبره من «حوادث الطعن والضرب والاغتصاب والعنف اللانهائية 
من كل الأنواع. فقد ترك أحد الأساثذة الشباب ودمه ينزف من رأسه... في وسط 
بُرودوي... [نا] أتحاشى أمستردام أقنيو مهما كان الثمن»”. 

م تكن كومبيا مبانيها التي يبدو عليها القدم ذات جاذبية تنافس بها مثيلاتها 
من جامعات الآيفي ليخ وكان الالتحاق بها أيسر مما هو عليه الآن. وم يكن طلابها 
كلهم من خريجي المدارس التحضيرية الواقعة في الساحل الشرقي بل من سكان 
نيويورك الممتخرجين في المدارس الحكوميةء وكثير منهم من اليهود". م تكن متنوعة 
الأعراق بعد كما ستصبح ف التسعينيات (مساعدة من جهود سعيد لجعلها كذلك)» 
ولكنها كانت تتصف بالشجاعةء والرغبة في التجديدء وبالحيوية الفكرية. 

غير أن كولبيا كان لها سحرها الخاص بها. كانت الجامعة تتشكل من قسمين: 
«الكليّة» كما كانت تعرف - وهو القسم ا مخصّص لطلبة المرحلة الجامعية الأولى - 
والدراسات العليا. وكان من النادر أن يختلط القسمان على رغم كونهما متجاورين“. 
وقد كان سعيد يدرك وضعه منذ البداية. كان مكتبه يقع في قاعة هاملتن حيث تقع 
«الكلْيّة»» وليس قاعة الفلسفةء حيث كان قسم اللغة الإنليزية يودي أعماله. 
وقد انسجم انسجاما تاما ف العقد الأول والنصف من سيرته التعليمية مع مسيرة 
الحياة الهادئة في الكليةء حيث مم يكن من بين أهدافها تخريج مهنيين يسعون 
إلى الالتحاق باللعبة الأكادهية. كان التشجيع ينصب على أن يتصارع الطالب مع 
الكتب العظيمة مصارعة الندّ للندّء من دون تزويده بالعدّة البحثيةء إلى أن يتمكن 
من هضمها واستنشاق أنفاسها. 

غير أن الاحتجاجات التي اندلعت ضد الحرب ف العامين 8 و1969 حطمت 
هذا ا موقع اممتقدّم للفكر العالي وأضافت الإحساس بأن الجامعة منطقة حربية. 
كانت أنشطة طلبة كوممبيا ضدَّ حرب فييتنام من أشدّها دلالة على عقد الستينيات. 
وعندما کتب لقن مفتخرا لزمیله هنري هاتفیلد ٤614‏ y٣ه۲1‏ (کانا یتراسلان 
بان طروت مایق آن ميد قل عرض كوا الغا فا أغاف ماشرة رات 
على ثقة ممن يريد البقاء في كوممبيا في هذه الأيام» فقد أعلن راديو الصباح أن إدارة 
الجامعة استدعت الشرطة»*. كان سعيد لايزال يقضي سنة التفرغ العلمي عندما 


162 


قبل وسلو 


اندلعت الممظاهرات» وكان يسعى بكل وسيلة للحصول على الأخبارء فزوده صديقه 
هیب لیبووتز zاز‏ 0ء11 ا11۲ با معلومات التي شاهدها بنفسه: 

م يتفوق على البلاغة الثورية شيء سوى عنف رجال الشرطة... 
والصدمة لدى رؤية الطلبة الذين علمتهم وقد تضرجت رؤوسهم 
بالدماء» أو لدى رؤيتهم وهم بُضربون ويْلقون على الأرض فيما هم 
يرمون خارج البناية في عربات الشرطة؛ ورجال الشرطة بألبسة جنود 
الهجوم وبوجوه يشوهها غضب سادي”. 

ومثلما كان سعيد ف ماونت هيرمن ف أثناء ثورة القاهرةء وجد نفسه ثانية في 
ا مكان الخطاً في الوقت الصحيح. فبينما كان طلبته يواجهون عصيٌ رجال الشرطة أو 
ينشرون رسائل احتجاج في مجلة «مراجعة نيgويgرك‏ للكت« New York Review‏ 
6 ه کان دوپي يفعل الشيئين معا وانتهى الأمر بحصوله على عين متورمة؛ كان 
هو لايزال منعزلا في إرباناء تحدوه الرغبة الشديدة في معرفة كيف ستنتهي الأمور. 
کان بعض زملائه موجودين على الخط الأمامي: ھومر ڊرjgl Homer Brown‏ 
عضو هيئة التدريس امبتدئ الذي يشبه ریمند ولیمُز Raymond Williams‏ 
شکلا وصوتاء ولیو بُرودي yلنه:8 1e0‏ - بینما E‏ بعیدا*. 

وعندما عاد إلى كوطبيا في خريف العام 1968 كانت آثار الأحداث لاتزال 
واضحة. وتذكر أنه «انخرط تماما في الأنشطة التي كانت تجري في الحرم الجامعي 
ضدٌّ الحرب ف فييتنام» لأن كثيرا من طلابه «كانوا جزءا من الثورة»”. كان واحدا 
من عدد قليل من الأساتذة على سبيل الممثال الذين دعموا الإضراب الوطني للطلبة 
الذي دعت إليه منظمة الطلبة من أجل مجتمع دهوقراطي» وضدَ إجراء انتخابات 
في تلك السنةء ووافق على عدم التدريس في الحرم الجامعي تضامنا مع المضربين"'. 
آما رأية ق الاتجاة اليساري ق .الك فق كان معقدا كما كان روبرت فريدمن 
Robert Friedman‏ وهو صحاف» وناشطء ومن طلبة سعيد» يعرف تام اممعرفة 
فقد تبين من خلال أحاديثهما العديدة في تلك الفترة أن سعيد كان دانما يطلب 
مزيدا من المعلومات عن الأنشطة السياسية ويسأل عن التفاصيل كلها" . 

لكنه تراجع عن موقفه عندما استوعب طبيعة ما يشكو منه الطلبة. فقد 
وجد أن موقف المحتجين الشامل ضدٌّ السلطة موقفٌ تعوزه الحكمةء ذلك أن 


163 


إدورد سعيد 


رفض الضوابط الاجتماعية كلها معناه عدم الاعتراف بأن الجامعة موجودة لإنتاج 
أحكام لها صفة القطع؛ إذ ليس دورها إلغاء القوانين بل تقييم القوانين التي تناسب 
حكومة تستحق اسمها. وكان في ذلك الوقت على الطرف اممناقض من موقف صديقه 
المستقباي في السلاح إقبال أحمد الذي كان له دور في إشعال الحركة المناهضة 
للحرب» بل يكن النظر إليه على أنه من شخصياتها البارزة بعد أن اتهمته وزارة 
العدل في إدارة نكسن هو ودانيل بَرغن Danie1 Berrigan‏ ہالتخطیط فی العام 
0 لاختطاف هاري کسنی 12. 

كان أحمد قد فعل ما فعله أبو لد من قبلهء وهو إحياء الماركسية الإنسانية 
المناضلة لدى الأطراف العاميةء وكان على معرفة شخصية بالعديد من ثوريِي 
العام الثالث. ولد أحمد ف بيهار في الهند في العام 1934ء وكان أبوه من ملاك 
الأراضيء لكنه انتقل إلى باكستان بعد تقسيم الهند وشهد مقتل أبيه في أثناء تمرّد 
للفلاحين بينما كانا نانممين أحدهما إلى جوار الآخر. وكان مثل سعيد طالبا من طلبة 
جامعة پرنستن في الخمسينيات» وغادرها للالتحاق بصفوف الثوار ضدٌ الفرنسيين 
في الجزائر» وعمل إلى جانب فرانتس فانو في تحرير جريدة الحزب. وقي وقت 
لاحق أخذ سعيد يعتمد كثيرا على مشورة أحمد ف تعامله مع منظمة التحرير 
الفلسطينيةء وقد تبلورت آراؤه حول احتجاج الطلبة من خلال صداقته مع أحمد 
الذي التقاه سعيد في العام 1970 نتيجة لقراءة أحمد مقالة سعيد عن «صورة 
العربي» وطلب من أبو لخد أن يعرف أحدهما على الآخر. 

كانت لدى سعيد مشكلات أخرى مع الطلبة المحتجين» فعلى رغم أن 
احتجاجات الأمريكيين ضدٌ الحرب مم تكن من دون تمن - إذ غامر الطلبة بالسجنء 
ودفع الغرامات» والطرد - فإِنّ ما كان يدفعه امحتجون من أنمان كان أَقَل بكثير 
مما يدفعه أعضاء جبهة التحرير الوطنية التي تبجُحوا أحيانا هقارنة أنفسهم بها؛ 
ولذلك فإنه كان يرفض إجراء مقارنات كهذه» وانتقد بلا هوادة الطلبة الذين أخذوا 
يتباهون بهيئة ال محاربين الفدائيين التي م يستحقوها”'. وعند التفكير في الاحتلال 
الإنراتياي واغتيال ممقلى منظمة التعرير الفلطيتية (الذين كان بعضهم أصدقاء 
شخصيين له)» وجد أن الطلبة م تكن لديهم فكرة كافية عن الخطر السياسي. وم 
يطل به الوقت بعد حتى عاد إلى التدريس ف فبراير من العام 1969. وقد اعترضت 


164 


قبل وسلو 


منظمة الطلاب من أجل مجتمع دهقراطي نحو أربعین حصة دراسية في ست 
بنايات من بنايات الجامعة وذلك بالدخول إلى تلك الحصص عنوة وتوزيع نشرات 
تدعو إلى الاحتجاج بالجلوس ضد الفريق اممكون من ضباط احتياط التدريب التابع 
للقوات البحرية الأمريكية. 

ووفقا ما نشرته صحيفة «كومبيا ديلي سq>تuڌر« «Columbia Daily Spectator‏ 
دخل ثلاثة من أعضاء منظمة الطلاب من أجل مجتمع دهقراطي القاعة التي كان 
سعيد لايزال يعطي محاضرته فيهاء فطلب منهم الذهاب وهددهم بأنه سيخرج إن 
بقوا. وطالبت أغلبية الطلبة الذين يبلغ عددهم خمسة وسبعين طالبا وطالبة بأن يغادر 
ابمتطفلون» ولكن سعيد خرج من القاعة قبل أن يجري التصويت, واستدعى المسؤولين 
عن الأمن الجامعي من مكتبه لإخراج المتطفلين“". وكانت حجْته أن قاعة التدريس آخر 
مكان تشن فيه الحرب ضدٌ الدولةء وشدّد على هذه النقطة فيما بعد في جدل مع أحد 
النشطاء من طلبته على الدرجات الممؤذية إلى مكتبة لوي ر٣ةإطن1‏ 10۷#. «ما ا مقصود 
بكل هذا؟ لست أفهم»". واتخذ الموقف الذي اتخذه العديد من المدرّسين وهو أن 
الحياة الفكرية يجب ألا تعطل على رغم عدالة ما يطالب الطلبة به. فمن احيةء عندما 
قفز مايك ستيرن ١۲ا5‏ ء۷ وهو طالب من طلبته» من نافذة قاعة التدريس التي 
کان يدرس فيها في هاملتن هول لتغطية امظاهرة الجارية فإن سعيد تعاطف معه 
ضاحكا على جرآة الطالب» ومبديا إعجابه ما في الحركة من مهارة“'. 

اشقك ترلنغ في وقت لاحق ف تعليق طويل كتبه بخط اليد وأرسله إلى سعيد 
کا ل سل Ce‏ واه 1ا4 بجامعة أوكسفرد حيث كان يقضي إجازتهء 
من انحدار مستوى الحياة الفكرية في كوممبياء وأشار على وجه الخصوص إلى «التأثير 
المقلق على معنويّاتنا» الذي جاءت به احتجاجات العام 1968 وإلى الحاجة إلى 
إعاك الاح اوا الاجاة السات السام يكل ىء ف اك أا س 
فقد لجم لساته في رده لأن ترلنغ أساء فهم رسالة من سعيد أرسلها إليه قبل ثلاثة 
اهر افق فوا ل من أن حصت العقل والعرقة برض اهديب ذلك آنه 
يقصد الان إن التجاجات بل ال مضي الصمة أو ضير الحا وااع 
التقليد السائد» وسرعة الزوال»*". ولذا فإن امقصود مم يكن أن النشاط السياسي 
يهذد سكينة ا معرفة بل إن الانزواء يعني التخأي عن واجبات المفكر. 


165 


إدورد سعيد 


وحتی لو مم يحمل سعید یافطات تود القییتکونغ ۷1٥۲٤٥7‏ فإنه م يكن يتعالى 
على العرق والضجيج المصاحب لتنظيم الأنشطة ف الحرم الجامعي» ففي العام 1970 
نظم مع صديقه سامي البنا (وهو أستاذ ممادة الصور الحاسوبية computer graphics‏ 
في كومبيا) مظاهرة تثير الإعجاب اتخذت شكل الجلوس حول المسألة الفلسطينية 
في كوممبياء وفيها تحدّث سعيد إلى الجمهور”'. وفي تلك السنة نشرت مقالة طويلة 
عن الممقاومة الفلسطينية كتبها أحمد بشارة في جريدة «الجامعة» اليومية عبرت 
عن دعم القضية بعد حرب يونيو“. وفي وقت کان الفلسطينيون قد جردوا من 
هويّتهم (وصار لا يشار إليهم إلا بأئهم أردنيون) كان من اممتوقح أن تثير لغة بشارة 
الفزع لدى كثير من الطلبة بدفاعه عن «انبعاث شعب حمل السلاحَ لضمان الحقوق 
الأساسية لوطنه»”. وتحدّث سعيد أيضا بحماس مع أصدقائه في تلك الفترة وقال إن 
أعمال العنف الرمزية التي تجري لدعم ضحايا القصف والتعذيب والعقاب الجماعي 
الإسرائيلي عمال مسوغة في مواجهة عسكرية مم يكن لهم دور في البدء بها . 

KKK 

کان انهيار زواج سعيد قد جعل أواخر الستينيات فترة مكفهرّة في حياتهء 
واعترف فيما بعد بأن كتاباته فيها جاءت «من فترة مظلمة في حياته». وشعر 
لبعض الوقت بأنه ضائع”“. وف العام 1967ء أي قبل سنة من انهيار علاقته مع 
مايرة. التقى مريم قرطاس في غرفة في مستشفى بنيويورك. حيث كان في زيارة 
لأخته جويس التي كانت تعاني كسرا في الرجل» وعندما دخلت إلى الغرفة «كان 
يجلس على كرسي يأكل الفشار» تبدو عليه الأنفة”*. كان أهلها ينتمون إلى طائفة 
الكويكرز في برمانةء وكانوا ينتمون من بعيد إلى حلقة آل سعيد الاجتماعية. وقد 
شعرت هلدا بالسعادة الغامرة وهي تراهما يقعان ف الحب» ولكنها حذرت ابنها 
من الالتزام بشيء إلى آن يكون واثقا من مشاعره فيما هي تری آن علاقته ايرة في 
طريقها إلى الانهيار. وقد تبين أن مريم - وكان تخصصها الرئيس ف الجامعة ف إدارة 
الأعمال والاقتصاد وتعمل في مجال العقارات - قد التحقت بعمل مؤقت في مكتبة 
الجامعة الأمريكية ببيروت بينما كانت سوق العمل تشهد كسادا ولا شك في أن 
البيئة الجامعية اممألوفة ساعدت ف تنامي العلاقة الرومانسية ف آثناء زيارات سعيد 
المتكررة ف أثناء الصيف والعطل الأخرى. 


166 


قبل اوسلو 
تزوج سعيد ومريم في العام 0 وبدا أن کل شيء على ما يرام» إذ استقبل 
سعيد بحرارة من جانب عائلة مريم المسيحية التقدُمية وهي عائلة تشبه عائلته 
شبها کبیرا. وبعد سنتین عاد متمتعا بزمالة غوغنهایم ٣1٤طہ٥eععںت‏ إلى لبنان مع 
زوجة جديدة وطفل صغير اسمه وديع (على اسم أبيه)» وأذى دور رب الأسرة. وكان 
وديع الأب قد توفي في شهر فبراير من العام 1971 بعد صراع مع سرطان الجلد 
المتنقل دام عقدا كاملا. وبذلك زال الجدار العاطفي الذي كان يفصلهماء ولكن ظل 
قدر كبير من الأشياء التي م تقل» والتي ستبقى كذلك إلى الأبد. وف جلسة مبللة 
بالدموع مع ا معالج النفسي سكب سعيد مشاعره حول الصلة التي ظل يبحث عنها 
مع أبيه وم يجدها. أما في اللحظة الآنية فقد كان كل ما بوسعه فعله هو الصبر 
الجميل. واستذکر آخر لقاء مع آبيه فيما هو يصحو من غيبوبته ثم يغرق فيهاء 
فاحتضنه ووجد في موته القريب رمزا ل «الخاتمة المخيفة» لفلسطين» لبيت مغلق 
مسدل الستائر مم يعد بإمكانه الدخول فيه . 
أمضى سعيد السنة الأكادهية 1973-1972 في بيروت» وتخللت هذه الإقامة 
سفراتٌ قصيرة لتلبية دعوة إلى إلقاء محاضرات في كراكاو (في بولندة) ولنز (في 
النمسا) في الذكرى اممئوية يلاد بيرترند رسل: («آفاق التأثير في عصر اغرال 
Spheres of TÎ Gêiieê in the Age of Imperialism‏ وقضاء عطلة في إيران 
بناء على طلب من مریم («من السخف آلا نری پیرسپولس» حيث إنها «قريبة» 
من لبنان. وفي أصفهان» «ذلك المكان السحري بالكامل»)”. وف تلك السنة 
انخرط سعيد في دراسة اللغة العربية الأدبيةء وأجرى اتصالات منظمة التحرير 
الفلسطينية بعد انتقالها إلى بيروت من الأردن بعد الأحداث الدامية التي جرت 
في يلول الأسود (1970) - وراجع كتاب «البدايات» وهو الكتاب الذي كان 
قد بدا بکتابته في إرباناء حيث كانت مريم تطبع صيغه ا مختلفة. وظل يشكو 
مرارة» على عادته» من الالتزامات العائليةء ولكنه وجد الممدينة خليطا ساحرا 
آشبه بشانغریلا ٩1-:اعصهط؟*)‏ في جانب منھاء ولکنها في مکان بعید کل البعد 
عن الاهتمامات الفكررة. 


(#) جنة خيالية في مكان بعيد كما صوَرها الروائي جيمز هلتن في روايته «الأفق الضائع» (1933). [المترجم]. 


167 


إدورد سعيد 


مثلت السنوات التي انتهت بنشر هذا الكتاب الثاني من كتب سعيد تحوّلا 
جذريًا في حياة سعيد وعمله. فهو مم يعد كتابة مسودات «البدايات» التي كان قد 
كتب نصفها بين العامين 1967 و1968 فقط بل واجه بداية شيء أسوا. فقد اندلعت 
أحداث الحرب الأهلية في السنة التي ظهر فيها الكتاب واستمرّت على مدى عقد 
ونصف العقد. تتخللها المذابح أحياناء وفترات من الهدوء ف أحيان أخرى. وقد كتب 
لصدیقه مورس دکستاین ءءء¡ Mois‏ (وهو من خريجي جامعة کومبیا 
وکان یدرس آنذاك في نيويورك) من العاصمة اللبنانية في شهر يناير من العام 1973ء 
يطمئنه بآنهم كانوا بخير «على رغم تعرضهم لغارة هنا ومناوشات حدودية هناك... 
واليد الأمريكية الثقيلة ملموسة بوضوح». 

وها آنه كان راغبا في التخلص من عناء ا مراجعة وعاجزا عن تجاهل العنف 
الذي يحيط به فإنه رغب في أن ينخرط أكثر في العمل السياسي» وبحث عن 
حتا میخائیل 1ن1 M1)‏ 1114[ وهو من معاصریه فی هارقرد ویعیش الآن ف 
بيروت» وكان قد فتح له عاما مختلفا. فبعد التخرّج في كلية الدراسات العليا 
انتقل للتدريس في جامعة واشنطن قبل التخلي عن وظيفته الأكادهية الآمنة 
ليصبح عضوا عاملا طوال الوقت في منظمة التحرير الفلسطينية في عمان. أما 
وقد انتقل إلى العاصمة اللبنانية فإنه أصبح صلة الوصل السياسية بين سعيد 
والرجال البارزين محلَيّاء ومنهم الكاتب المسرحي الشهير جان جينيه ١ء[‏ 
tعمnهت»‏ الذي جعل ميخائيل شخصية في مسرحيته «أسıر‏ الح« Presoner of‏ 
10۷e )1986(‏ باسم حرکي هو أبو عمر. وکان میخاثیل قد توف في العام 1976 
إذ راح ضحية اغتيال ف ظروف غامضة. 

م يكن اللقاء الأول بجينيه مريحاء إذ أعطى الإحساس باللقاءات العابرة التي 
تتميّز بها تلك الظروف. کان یعیش مع مریم قي بیت آل قرطاس قي راس بيروٽت عند 
حافة الحرم الجامعي المزروعة بأشجار النخيل عندما زاره جينيه في إحدى الليالي 
على حين غرّة. وقد وصفه سعید بقوله «إنه طائر غريب ميال إلى فترات طويلة من 
الصمت» وقال كذلك: «م تبدٌ عليه الرغبة في اممغادرة إلى أن أخذ كلانا يتثاءب 
بشكل ملحوظ عند الواحدة والنصف تقريبا بعد منتصف الليل». وقال: «قد رأيته 
فيما بعد وهو يتسكع في الشوارع. وهو يتحدّث كثيرا عن طفولته وعن الدين». 


168 


قبل وسلو 


والتقى كذلك بشخصيات أخرى لا تنسى ولا تقل غرابة اجتذبتها صفات بيروت 
الخاصة؛ من فيهم ال مثقف الناري صادق العظم على سبيل ام مثال. 
ذلك آن سحر الممدينة م يكن قد تعرّض للدمار بعد بحرب لاتزال على مبعدة 
سنوات قليلة خلف الأفق. إنها خليط لا مثيل له من القدَم والحداثةء وكان ما فيها 
من بقايا فينيقية» ورومانيةء وعثمانية» وفرنسية قي كل جانب» وبشوارعها اممنحدرة 
وأزقتها الساحرةء ومطاعمها الأرمنية» ومناطقها الخضراء أقرب إلى الأساطير. آما حرم 
الجامعة الأمريكية ببيروت ها فيه من جَرسيات» وتماثيلء ومتاحف آثارء وآبواب 
حديدية فيذكر بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس أو جامعة جنوب كاليفورنياء 
ولكنها كانت أكثر تنؤعا من حيث تضاريس الأرض. أما من حيث العراقة فهي 
لا تقل عراقة عن أثينا والإسكندريةء وهيء» إلى جانب إسطنبول وحلب» تقع على 
ملتقى الطرق الرئيسة. كانت بيروت آنذاك ولاتزال أشد المدن الساحلية سحرا 
في ا منطقة الشرقية من البحر الأبيض المتوسّطء وهي أشدّها انفتاحا من الناحية 
السياسية. وقد أذت بيروت» بصفتها ملجأً للمنفيين سياسيا وفكريًا في العام العريء 
الدور الذي تؤذيه مكسكو ستي في أمريكا اللاتينية. 
تباهى سعيد بتالف ال مختلف فيهاء فهي مدينة «قادرة على تقبل كل شيء» 
اختيارا أو اضطرارء مدينة انفصلت عن سورية الكبرى» وهي الآن مكان يقصد 
مموقعه ولجماله: 
العيش في بيروت يعني من بين ما يعني آن يكون لك الخيار في أن 
تفعل» وتشعرء وتفكر. وتتکلې بل أن تکون ما يلي بتنوع شديد: مسيحيًا 
(بروتستنتيًاء مارونيًا رومًا أورثودوکسيًا› مَلکیا نط1 *) روميًا 
کاثوليكيًا... إلخ)» مسلما (ستَبًا أو شيعيًّا)» درزيًاء أرمينيّاء هودنا فرنسيًاء 
أمريكيًاء بريطانيّاء عربيّاء كرديًاء فينيقيًاء جزءا من العام الإسلامي» جزءا 
من القومية العربيةء قلي عامميّاء ناصريًاء شيوعيًاء اشتراكياء رأسماليًاء 
مؤمنا هبدأ اللذة. متطهرا غنيًاء فقيرا أو لا هذا ولا ذاكء منخرطا في 
الصراع ضد إسرائيل... مبتعدا عن الصراع ضد إسرائيل» وهكذا. ولذا 


(#) من أتباع فرع من الكنيسة الأورثودوكسية في بلاد أنطاكية والقدس والإسكندرية. [امترجم]. 


169 


إدورد سعيد 


فإن قصور تسميات من آمثال «الجناح اليساري» أو «الجناح اليميني» 
سرعان ما ینکش ف °0. 

أما انتماءات سعيد فكانت تقع بين هذه التسميات. ولئن اتفقت مشاعره 
ومشاعر أم مريم نحو القومية العربية واستقلال لبنان الذاتق» فقد كان محاطا الآن 
مؤذرات أشذ التزاما بالكفاے**. 

رها م يعبر مصطلحا «اليسار» و«اليمين» عن جميع الدلالات المقصودة بهماء 
ولكن الفلسطينيين اطمنتمين إليهما وجدوهما كافيين. فحزب الكتائب اللبناني مثلا 
كان حزبا فاشستيا صريحا يستهدف تفكيك النقابات العماليةء كما قال سعيد عندما 
أشار إلى أن القائد الكتائبي أمين الجميّل تصور نفسه «شاها لبنانيا». وعندما 
اندلعت الحرب الأهلية في العام 1975 فإن التركيبة الطبقية في البلد كشفت عن 
نفسها ف الاستياء من الفلسطينيين الذين نظرت إليهم اممليشيات اليمينية اللبنانية 
وهي في أغلبها مليشيات مسيحيةء على أنهم يشكلون تهديدا للنظام السياسي في 
البلد“. لكن الجامعة الأمريكية ببيروت كانت تعتبر في وقت سابق هي المكان الذي 
ولدت فيه القومية العربية» حيث ناقشت التجمعات الأولى من العراقيين والأردنيين 
والفلسطينيين والسوريين مستقبلهم اممشترك”. وبعد العام 1948 دفعت الأزمة في 
فلسطين جميع الأفكار القومية باتجاه اليسار. 

أحسّ سعيد بهشاشة لبنانء ولاحظ أن انفتاح البلد وتفثنه حرماه من الأساس 
الصلب. فإسرائيل التي تجاوره مم تحدّد حدودهاء وكانت لها مطامعها الواضحة 
في الجنوب اللبناني. وتسبب التسامح والتعدد الثقافي في خلخلة السرديات التي 
أق بها السلاطين والزعماء ومتطرفو الأديان» فصار بذلك مصدر تهديد لأعداثه. 
وقد أذى ذلك أيضا إلى جعله عرضة للتجزئة الداخلية وال مكان المنطقي لتنظيم 
المطالب السياسية العربية. كما فاقم وصول ا منظمة التحرير الفلسطينية 
الهاربين من الأردن بعد الاصطدام بقوات الجيش الأردني في أحداث يلول الأسود 
الوضع للطرفين. 

صادف دخول سعيد في عام ال مجتمع اللبناني من خلال عائلة مريم في أثناء 
تمنعه بزمالة غوغنهايم التي تمد سنة أكادهية فترة كانت بيروت تمر فيها بتحؤل 
يقودها باتجاه مزيد من اممواقف الثورية. وما كان سعيد باحثا وزوجا وأبا لابن 


170 


قبل اُوسلو 
رضیع» وشخصا یزداد دوره وضوحا بصفته ناشطا محلیا فإنه مم يعد مجرّد شخص 
عابر للشرق الأوسط. فمنذ أن ترك المنطقة في العام 1951 كما أوضح لچومسكي» 
كانت تلك الفترة أول فترة حقيقية يقضيها هناك منذ عهد الممراهقة'. كانت الحياة 
اليومية أكثر من مليئة على رغم أنها كثيرا ما كانت تسبّب الإحباط لأنه وجد 
الحديث في البيت وفي الجامعة لا يستثير التفكيرء لا بل وجده مناهضا للفكر. 
غير أن الاستثناء الكبير من هذا الوضع الرتيب كان قسطنطين زريق» أبرز أساتذة 
الجامعة الأمريكية ببيروت» ومؤلف كتاب «معنى النكبة» (1948)» وهو كتاب 
جعلت شهرته مصطلح النكبة مرادفا قي نظر الأغلبية العظمى من العرب لإنشاء 
إسرائيل. كان زريق متزوجا من عمة مريم» وكان كثير الحضور في حياة سعيد. 
ما الشخص الذي كانت علاقته بسعيد أوثق ف تلك السنة فكان صادق العظم؛ 
حليفه السوري في ا معارضة. فقد كان الرجلان يلتقيان عدّة مرّات في الأسبوع لإجراء 
مناقشات طويلة يدعمها كتاب العظم امثير «نقد الفكر الديني» (1969) الذي كان 
مع حلول العام 1972 قد منع في كل بلد عربي باستثناء لبنان» وكان المفتي قد حرم 
تداوله ووصفه بالکفر”. 
وعلى رغم جاذبية هذه ال مؤثرات التي من شأنها أن تثير الصراعات في الشوارع 
فإنه كان يتفادى التجؤل بعيدا عن مكتبه. ولم تكن أولى محاضراته في الجامعة 
الأمريكية ببيروت في سنة الزمالة عن المقاومة الفلسطينية بل عن فوكوء وكانت 
بيروت هي التي شهدت نشر أول مقالة مطولة عن أعمال هذا الفيلسوف 
الفرنسي”. وهو م يقابل آيّا من كبار القانمين على منظمة التحرير الفلسطينية 
حتى العام 1974ء أي بعد سنة من مغادرة بيروت عائدا إلى الولايات اممتحدة. 
وكان من أقرب أصدقائه ومشاركيه ف العمل شفيق الحوت» وهو شخصية تتصف 
بالاتزان والشجاعة في قيادة اممنظمة. وقد وصفه سعيد بلهجة الإعجاب واممحبة بأنه 
«يحب المبارزة». وإلى جانب الحوت كان هنالك کل من صلاح خلف» وخليل 
الوزيرء وياسر عرفات نفسه («أبو عمار») الذي مم يتعرّف سعيد عليه إلا في العام 
4 عندما وصل إلى نيويورك لإلقاء خطبته الافتتاحية أمام الأمم امتحدة. وكانت 
تلك هي المرَّة الأولى التي اعترف فيها منظمة التحرير الفلسطينية علنا في الساحة 
الدوليةء وق فلك الأثناء کان سيه قد وطد صداقه مخ كمال تام عضو حزب 


171 


إدورد سعيد 


البعث الاشتراي» ال مناهض للإمبريالية. وكان كمال ناصريًا قابله سعيد عدَّة مرّات في 
أثناء مكوثه في القاهرة في الخمسينيات. وهو من النشطاء الثوريين» وكان سعيد 
يكن له محبَّة خاصة» وقد اغتاله الإسرائيليون في العام 1973 في الليلة التي كان قد 
قضی ساعات منها في حدیث مع سعيد ومريم في آثناء حضوره للمراسم التي تسبق 
دفن العمُة نبيهة“. 

روى الحوت الحادثة فيما بعد: ففي 0 أبريل 1973 نفذ رجال الكوماندو 
الإسرائيليون عملية استهدفت قلب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت. 
«فقد دخلت مجموعة من الكوماندو الإسرائيليين بقيادة إبهود باراك Ehud Barack‏ 
رئيس الوزراء في المستقبل» بنايتين في شارع قيردون قرب الصنوبرة واغتالوا كمال ناصر 
واثنین آخرين» وم يتمكنوا من اغتيال عرفات محض الصدفة». وفي وقت سابق 
من تلك السنة كان سعيد مشغولا بإجراء مقابلات مع جناح فتح التابع لعرفات من 
منظمة التحرير الفلسطينية. فقد كان هو وصادق العظم يحاولان فهم الكيفية التي 
تجري بها الأمور في ا کا کا غ راقن ابراه واا أن ار 
يقتصر على وجود فصائل منفصلة بل يشمل أيضا الارتجال و«اللافعل». وكان مستوى 
البيروقراطية مفزعا؛ تعويضا في رأي سعيد عن النشاط الفدائي. وعندما تقدم سعيد 
من الشاعر الطليعي أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر) ليطلب منه أن يكتب رسالة 
احتجاج على سوء ال معاملة التي يتلقاها الطلبة في مصر؛ عطلها الشاعر ستة أسابيع 
بحجة آنه «م ينزل عليه الإلهام». كذلك حاول سعيد أن يشكل مجموعة بحثيةء ولکن 
م يحضر أحد بعد اللقاء الثاني“ . لكن الأثر الذي تركته خيبة الأمل الناتجة عما رآه 
من مظاهر الضعف هذه زادت من التزامه السياسي. 

هذا العزم الجديد شكل خلفية الجهود التي كان يصرفها في كتابة «البدايات». 
ففي محاضراته عن فوكو في بيروت كانت إحدى المهمات الرئيسة تفسير استعمال 
فوكو ممصطلح ١ءإ٥ءءنف»‏ وهي كلمة عرّفها سعيد مؤقتا وإِن يكن على نحو 
متوقع منه بأنها «إمكانية تشكيل نصوص أخرى وقاعدة ذلك التشكيل»*. 
() الترجمة الشائعة لهذه الكلمة هي «الخطاب» وقد خضعتٌ لقاعدة الشيوع ف ترجمات السابقة وسأفعل ذلك 


هنا على رغم اقتناعي بأن كلمة «حديث» التي يقترحها قاموس «المورد» وقاموس «اممغني الأكبر» أقرب إلى ال معنى 
الأصلي وللشرح الذي جاء به سعيد» مع أن «الحديث» يوحي باطمشافهة بينما توحي «النصوص» بالكتابة. [المترجم]. 


172 


قبل اوسلو 
وكان يشير بذلك إلى الحقيقة القائلة إن أي مقولة معزل عن معناها الحرف 
تعلن ام مجال الذي ستتحرك فيه امسألة وامفردات التي ستستخدم» واللجوء إلى 
مرجعية معينة وليس إلى أي مرجعية أخرى. وكان من رأي فوكو أن أي مقولة 
تقريرية تتضمَن أكثر بكثير مما تتضمنه من قول لأنها تملي كل مقولة من أجل 
أن تَتَبّح؛ وذلك بحجب الخيارات الأخرى التي مم يعد بإمكانها البقاء خارج عامها 
اللفظي. ولذلك فإن سعيد كان حريصا بشكل خاص (سواء في الكتابة أو في 
السياسة) على القيام بالحركة الصحيحة الأولى". 
أما التفسير اممنضبط الذي نجده في الكتاب المخصّص لكونراد فقد بدا أنه غير 
قادر على أداء هذه المهمة» ولذلك فإنه بحث عن مبدأ مختلف للتنظيم» عن شيء 
یبقی صادقا ما کان یدعوه آنئذ ب «اغتصاب»« lنلغة ‘molestations of language‏ 
وهي الكلمة التي كان يستخدمها للتعبير عن التظاهر الذي يلجأ إليه المؤلّفون 
فيما هم يبتكرون واقعهم الخيالي*“. هذا النحت اللغوي الذي استخدمه للمرّة 
الأولى في ندوة زيورخ في العام 1968 ومن ثم في مقالة تعود إلى العام 1971 أثارت 
اهتمام كبار العاملين في الحقل الأكادهي وساعدت في انطلاق سيرته العلمية في 
دوائر النظرية الفرنسية الآخذة في الظهور”“. فقد بدا لهم أنها تستوعب الحداثة 
التجريبية التي تقوم النظرية على أساسهاء وتعلي من شأن الإخلال المتعمُد بالقصد 
وا معنى المباشرين. لكنه في حقيقة الأمر م يقصد أن تفهم الكلمة بهذا ا معنىء وم 
يتضح ذلك إلا في وقت لاحق. 
تحكمت التجديدات الشكلية التي أجراها الأدباء الحداثيون من أمثال پول 
قاليري وإزرا پاوند وقطيعتهم المسرحية مع الماضي» وطلبهم من معاصريهم أن 
يجعلوا كتاباتهم جديدة» في الحقل الظاهري للكتاب بحيث بدا أن السؤال المركزي 
فيه هو: هل هكن للمؤلفين أن يحفّقوا الأصالة أو أنهم كتب عليهم التكرار؟ هذا 
التوجًه لاستثارة الكتابة*' بعيدا عن ابتكار المؤلفين 9 أشار إلى ابتعاد خفي 
(*) هاهنا إشارة ضمنية إلى تمييز للنصوص تحدّث عنه رولان بارت باستعمال المصطلحين lisible‏ وbleؤscripta‏ 
(وباللغة الإنگليزية: yاإمفه٠إ‏ وراإهازإس)» ومعناه ببساطة أن النص قد يكون نصا يرسله الكاتب لک يستقبله 


القارئ بقضه وقضيضه كما هو (كما يحصل مع النصوص الدينية أو السياسية)» أو قد يكون نضا يستثير القارئ لكي 
يستجيب ويفسر ويرفض أو يقبل ويضيف. أي أن القارئ في هذه الحالة يسهم في خلق المعنى. [المترجم]. 


173 


إدورد سعيد 


عن الكتاب المخصّص لكونراد على رغم أنه سيعود إلى قضايا الكتاب السابقة عند 
آخر العَقد. 

وعندما اقتربت اممسودات من صيغتها النهائية فإنه كان بوسعه أن يرى آنه 
صاغ شيثا فريدا. فقد كان يدعو اممنتمين إلى مهنة الأدب ف آمريكاء من بين ما 
يدعو له من آمور أخرىء ليس إلى فتح الأبواب للنظرية الأوروبية فقط بل إلى 
صناعة ا معاجم العربية أيضا. وبوصفه وسيطا ماهرا استثار أعداءه وأصدقاءه على 
حد سواء ليبتعدوا عن الاتجاه الفكري الأبوي في العام الأكادهي الأنغلوأمريكيء 
واتفق مع هيئة الإذاعة الوطنية على إعطاء سلسلة من الأحاديث عن فوكو وليقي- 
شتراوس“. وعلی رغم کل ما فی کتاب «البدایات» من تحدّیات فإنه فعل ما فعله 
بالروحية نفسهاء قاصدا أن يجعل هذا الفكر الدقيق الآ من فرنسا والشرق الأوسط 
العربي متاحا لجمهور عريض من القراء. 

وقد بدا قي رسالة كتبها لناشر كتابه sجهه8‏ ءوه8 أنه يريد طمأنة المحرّرين 
حول كون «الدفعة الأولية» الكبيرة التي دفعت له كانت مسوغة. «دعوني أضع 
التواضع جانبا: سيكون الكتاب كتابا مهما... الطرق في رأيي جديدة كل الجدّق 
والمجال الذي يشملة واس جدا. وها آنتي عان اطلاع جيذ على تراث رثيس هڻ 
خارج التراث الأوروبي فإن بوسعي أن أقيم مقارنات في التاريخ والأدب في مجال 
واسع من المادة الغربية والعربية». وكتب على ال منوال نفسه إلى آخرين» وأسرّ 
ممرشده القديم في جامعة هارفرد» مونرو إنغل 1ءع"۴ 10١۲0١‏ بأن عملية صنع 
الكتاب كانت تستحق العناء على رغم كل مات من عذاب. فقد انزوی بعیدا 
ليعمل من دون توقف على كتابة ا مخطوطة على مدى أشهرء ومنع نفسه من قبول 
ا مشروعات الجانبية اممعتادة أو الانتقال المحموم من موعد نهائي إلى آخر كما كان 
يفعل في السابق. أما وقد فرغ من أتعاب البحث ووصل إلى مرحلة المراجعة في 
دقائق الأمور فإنه وجد أنه ما عاد قادرا على قراءة أي شيء باستشناء بعض القصص 
القصيرة لغريّم غرين. 

کي لكاب عا فلات فة كان مقط ق الصا دورق آنا 
الشقة» ومسك بهذا الشيء أو ذاك. وقد لاحظت ابنته نجلا هذا النمط في 
وقت لاحق من حياته» حيث کان قلقاء لا يهدأء ويتنقل من مکان إلى آخر 


174 


قبل اُوسلو 
ويتعذب. وكان عمله في ذلك الوقت كما في أوقات أخرىء يجري على شكل 
وفقات مط سرت رة خلق الوضوع با كت أمضى فما وكذا 
فإنني بحثت ما أردت بحثه من دون التزام بامماذة المقَرّرة ومن دون محاولات 
شعائرية ل «تغطية» دراسات الباحثين عن الموضوع... إلخ»” وبعد بضع سنوات 
ا لزميل أصغر سنا بأنه ساورته الشكوك بشأن قدرته على كتابة کتاب جرى 
تصؤره مسبًّقا من ألفه إلى يائه: «أحسب أنني أصلح لكتابة المقالات» على غرار 
«فیشات» ٥1ء‏ بارت التي یرتبها على شکل مقالات». ولکن ها أنه کن ف 
هذه الحالة من كتابة شيء متكامل بغض النظر عن أن اللصق يظهر هنا وهناك. 
فإن الكتاب ظل مشروعا أثرا لديه. 
خلافا لصمت الدراسة المخصصة لكونراد عن ثقافة الشرق الأوسط فإن هذا 
الكتاب آظهر عودة سعيد إلى الحياة العربيةء وسردها أحيانا سردا خفيًا. وعلى 
مدار السنة التي فكر فيها جِدَيَّا بترك كومبيا والذهاب إلى بيروت» لا بل اتٌخذ 
الخطوات الأولى لفعل ذلك قبل أن تقنعه مريم بالعدول عنه. وقد صار ذلك 
أسهل بعد أن تبين وضعه القلق في بيروت. فالظاهر أن الحسد جعل أعضاء هيئة 
التدريس ف الجامعة الأمريكية ببيروت يتجاهلونه ويتجاهلون عرضه لتدريس 
إحدى المواد من دون أجرء بل يضعون العراقيل التي لا معنى لها أمام حصوله 
على شيء يبلغ من البساطة ما يبلغه الحصول على بطاقة تخوّله استعارة الكتب 
من ال مكتبة. ولا شك ف أن الاستياء جاء نتيجة شهرته المتنامية وصلاته بالآيقي 
ليخ. وقد عبر سعيد عن شعوره بالإحباط في رسالة إلى صديق في القاهرة: «أرى 
أنه مكان لا أمل فيه» لا بل هو مكان شديد الأذىء لذلك فإنني حفاظا على سلامة 
عقلي لن تكون لي صلة به... ليس هنالك من آحد, لا أحد حرفيًاء يفعل شيئًا يثير 
الاهتمام... كل من فيه خير - على رغم أن حليم [بركات] المسكين [كاتب االرواية 
السوري] رجل وديع باممقارنة مع صادق العظم - يوضع على الرف د یخصی بخص أو 
یرمی بعیداء يفعلون به کل ما هكن فعله منتهى الرخص»”. في هذه البيئة 
المُذلة حيث يخال الكتاب من أمثال بركات بالدرجة تفسها من عدم الاحترام 
الي سال بها مثير للقلاقل مثل صادق العظم» كان مالك هو الوحيد الذي دعاه 
إلى إلقاء محاضرة في الجامعة وليتحدّث في سمناراته. 


175 


إدورد سعيد 


غير أن دراسته ال مكثفة للغة العربية لوّنت كل سطر من أسطر «البدايات». 
فقد اتفق سعيد من ناحية مع الرأي الجريء الذي جاء به عبدالله العروي في 
كتابه «أزمة اممتقفين العرب» (1974) وقال فيه إنه ليست هناك حضارة من 
الحضارات وضعت تقتها ها ترى آنه الحقيقة في بنية لغتها أكثر مما فعلته الحضارة 
العربية*. كذلك كان من رأي العروي في حركة استعملها سعيد ف كتاباته وهي 
أن هجوم النظرية الفرنسية على دراسة التاريخ - تشكيكها بالسعي إلى استعادة 
حقيقة الماضي بقراءة النصوص - قد جعلها على وفاق مع «اطمعطيات الأساسية» 
عند المسلمين السَنَّة”. ومن وجهة نظر العربي التقدّمي التي كانت تصغي دانما 
إلى المواقف الفكرية الفرنسيةء كان من المؤسف أن يرى هذا العربي أن الطلائعيين 
الأوروبيين يشبهون التوجهات الثقافية العربية المحافظة التي كان يتوقع منهم 
التنديد بها. وتابع العروي فكرته بقوله إن اممعرفة التاريخية مكنها آن تظهر «ما 
کان جذّابا عندهم» ورها ما کان مضللا آیضا»*. 

أثر التعليم الذي تلقاه سعيد في اللغة العربية الفصيحة المكتوبة (وهو كان 
يتكلم اللهجتين ا محكيتين الفلسطينية والقاهرية بطلاقة) في فهمه ممعنى كلمة 
«الأصل» نفسهاء وهي كلمة كانت أساسية في كتاب يحمل عنوان «البدايات». 
فالخبرة العربية في الفيلولوجيا سبقت الخبرة الأوروبية بعدة قرونء وكانت قد 
وصلت درجة عالية من الإتقان» ولاسيّما في السنوات السابقة واللاحقة طمحافظة 
المأمون ف القرن التاسع الميلادي على الكتب الكلاسيكية اليونانية القدهة في 
ترجمات عربية. هذا الاهتمام باللغة وبناها استند في آخر المطاف إلى «الثبات 
القطعي» ,انحا ءiاهصعهل‏ بتعبير سعيد للغة العربية الكلاسيكية التي ساد 
الاعتقاد بأنها وصلت إلى كمالها في القرآنء ولذلك نظر إليها الباحثون العرب على 
أنها نقطة البداية النصيّة المطلقة. وقد عبرت الرسائل التي كان سعيد يرسلها إلى 
بلاده عن شعوره بالسعادة فيما هو يبذل جهودا مضنية لتعلم النحو العربي» 
وهو نحو اعترف بأن معرفته به تحتاج إلى «إصلاح» بعد قضاء اثنتين وعشرين 
سنة في الولايات اممتحدة. 

کان قد بدأء كما قال «بالتكلم باللغتين العربية والإنگليزية وهو في حضن أمه»“. 
أما الآن ف بیروت فقد وجد نفسه منشغلا «بجمع حقائق من نوع غریب» تعود لافتتانه 


176 


قبل اُوسلو 
امستمر مشكلة اللغة كما كان قد تابعها في سمنارات الدراسات العليا في منتصف 
الستينيات وأواخرها. فقد وجد أن الخليل (ابن أحمد الفراهيديء مؤلف أل قاموس 
عربي) «جذابٌ جدًّا»» وأضاف أنه کان يتمنى أن يكون لديه من الوقت ما يكفي ليدرس 
كل اللغات الساميةء مح عناية خاصة باللغة الأوغاريتية من القرن الخامس عشر قبل 
الميلادء وهي لغة مكتوبة بالخط المسماريء وتعود إلى أوغاريت في سورية التي نعرفها 
في هذه الأيام. وكان دور الفيلولوجيا العربية وقيكو في سنة الزمالة التي قضاها في 
یوت کت اتا ساعن رش اھ اہ ادا عن کل ای کی عن جد کو من 
قيمة العلم العربي في سبرته الذاتية وعن وصفه لابن رشد بأنه عديم التقوى: 
الفصاحة بالنسبة إلى العربي المخقف في هذه الأيام أقربُ إلى ما 
مر به فيكو وتكلم عنه منها إلى الناطقين باللغة الإنگليزية... والبلاغة 
والفصاحة ف التراث الأدبي العربي يعودان إلى ألف سنة خلت للكتاب 
العبّاسيين من أمثال الجاحظ والجرجاني الذين وضعوا قواعد لفهم 
البلاغة تدهشنا ما فيها من حداذة. 
وبینما کان مشغولا ببحوث تخص كتاب «البدايات» ويعمل على كتابة 
مسوّداته» فإنه وجد متسعا من الوقت لأخذ دروس منتظمة مع أستاذ متقاعد 
للغة السامية هو أنيس فريحةء وهو صديق للعائلة أعطاه دروسا اة عن 
«زوايا بعيدة من زوايا اللغة»“. ووفقا للحالة النفسية التي كان هر بها فإنه 
نظو إلى الجهد غا آنه مقي لاوت حي لو ان 5ا فيمة اة كته ف 
أوقات أخرى كان يقول العكس» ويرى أن الفيلولوجيا والنحو العربي جعلا «الكلمات 
تحت الكلمات وكل ما هنالك» - وهذه عبارة أخذها من أبي البنيويةء عام اللغة 
السويسري فردينان دي سوسير - عبارة تليق بالهواة. وقد قضى سعيد شهرين وهو 
يخوض في بحر العلوم العربية من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشرء فوجده علما 
مدهشا: «بارت ورهطه هكنهم أن يتعلموا الكثير من التحليلات التي أجريت في 
العصور الوسطى»”. ووعد أنه في المستقبل سيجعل من هذه التحليلات تحضيرا 
أساسيًا لأعماله كلها . 
مضى سعيد من هذه الخلفية التي تزداد استعداداتها العسكرية في بيروت إلى 
تراث أدبي مهمل ولكنه غير منسي يعود للقرون الوسطى. فاممؤرخ وعام الاجتماع 


177 


إدورد سعيد 


الكبير عبدالرحمن بن خلدون الذي ولد في تونس ف العام 1332ء واطمتحدر من 
عة من عة قاق رة وف وجا وة امه ار وق عه ما 
فصاعدا. فقد بدأ من خلال ابن خلدون بالنظر في إمكانية الحديث عن إستطيقا 
عربية كانت ذات جاذبية خاصة بسبب التماثل بينها وبين فيكو الذي كان بلا شك 
تقریبا قد تأثر بسلفه امغربي”. وقد ا بعد عقدین من الزمان آنه «کان 
يخطط ما لا يقل عن ثلاثين سنة لتدریس سمنار عن فيكو وابن خلدون» وأنه 
قضى وقتا لا بأس به بالفعل في بعض المقالات التي جمعها في كتاب «نهاية عملية 
السلام» )2000( he End of Peace Process‏ يدرس أوجه التشابه بین قیکو 
وسلفه العري» ويدعو كتاب «العلم الجديد» 0۷ں 24١ء1ء؟‏ لقيكو و«اممقدمة» 
لابن خلدون (1377) «كتابي الألفية» و«أروع إنجازين حققهما الفكر العلماني». 

أظهر ابن خلدون ميولا أدبية تشبه ميول سعيد قبله بوقت طويل. ففي رائعة 
ذلك الممؤرّخ العري» أي ف «اممقدّمة»» كانت الكلمة الأساسية هي «العصبية» أي 
امبدأ الذي تعتمد عليه الجماعات ف تماسكها. ولئن كان اعتماد الولاءات سابقا 
قانما على روابط الدم فقد سعى ابن خلدون إلى توسيعها لتشمل التضامن القائم 
على الأفكار أو الأهداف الممشتركةء فابتعد بذلك عن الرابطة القبلية. وقد أعطت 
«امقدّمة» سندا لحالة سعيد المعاصرةء وهي أن سياسة الأدب يجب ألا تفهم 
حرفيًا بحيث تجري مساواتها بالآراء الراديكالية التي يعبر عنها الكتاب من ناحية 
أو بالتجارب الرسمية التي يقال إنها تبين فساد آنماط التفكير السابقة من الناحية 
الثانية. كان المطلوب أن تفهم السياسة الأدبية من زاوية الدور الذي تؤديه الفصاحة 
البشرية في تشكيل الشعوب فضلا عن السجل النضّي لنهوضها واضمحلالها. 

مم يكن سعيد الوحيد من بين ا مثقفين العرب من أبناء جيله الذين وجدوا أن 
ابن خلدون مصدر عالي القيمة على رغم أنه كان الوحيد الذي أقام إستراتيجية 
إستطيقية عربية تحديدا على أساس هذا المصدر. فقد بدا من أكثر من ناحية أن 
«اممقدمة» تن تنبن مقاصد سعيد في «البدايات». ففي مخطوطة يبلغ عدد صفحاتها 
ألفاً ومائتي صفحة ويشير عنوانها إلى أنها مقدمة للتاريخ وحُکمُ عليه (کما يحصل 
في ال محاكم) كان ابن خلدون مشغولا مثل سعيد بالكيفية التي يتخذها العمل 
الفكري» وذلك بإعطاء الدروسء» وأماط الحجج. والاستراتيجيات البلاغية» وطرق 


178 


قبل وسلو 


انت الى بجت أن اا كل ف برشب .ق الات ف السام ف 
هذا السياق امحت الخطوط التي تفصل الأدب الخيالي عن التحليل الاجتماعي 
أو التاريخي. فقد جعل ابن خلدون علم التاريخ ذا صلة بدراسة وسائل التعبير 
البلاغيةء وبالأجناس الأدبية» وخصائص اللغة» وهي امموضوعات التي تشغل الجزء 
الأخير من «اممقدّمة» بكامله. وما كان سعيد شديد الوعي بهذه الحقيقة فإنه 
دة عأ الغاتج اللمة لسهامة الغرق الأوسط كما قفت ق القارخ اغوي 
السابق لفكر ابن خلدون: 
في القرن الحادي عشر في الأندلس ظهرت مدرسة بالغة الفطنة من 
النحويين الإسلاميين الذين كان جدلهم ينبن بالجدل الذي دار في القرن 
العشرين بين أصحاب القواعد البنيوية والقواعد التوليدية... وقد حولت 
مجموعة صغيرة من هؤلاء اللسانيين الأندلسيين مسألة المعنى ق اللغة 
إلى تمارين غيبية وأليغورية... هذه المدرسة الظاهرية كانت تعارض 
المدرسة الباطنية. فالباطنيون كانوا يقولون إن اممعنى في اللغة يختفي 
داخل الكلمات... استمد اسم الظاهريين من الكلمة العربية التي تدل 
على ما هو واضح ظاهر؛ أما كلمة «باطن» فتدل على ما هو داخل» 
وتوحي بان الکلمات لیس لها سوی معنى سطحي” . 
هنا يبدو أن إشارة التأييد في دراسته عن سُوفت للكتابة «الواضحة الظاهرة» 
تود للظهور بشکل جدید: فما کان بهم سعید هنا هو موقغة الرافض لعدد 
من الأفكار البارزة في العام الأكادهي ف السبعينيات والثمانينيات» وهي آفكار 
اشتملت على مذهب التفسيرات الممبتكرة غير الصحيحة» أو الفكرة القائلة إن 
معنى الكتب يقرره قرَاؤها ولا تقرره مقاصد مؤلفيها أو الخصائص الكامنة في 
النض. وقد كان في الوقت نفسه يقاوم التشاؤم اممعرف لتأويلية هانس-غيورغ 
غادامر» وكذلك فكرة البنيوي الفرنسي ال ماركسي لويس ألتوسیر ۲‌ءیںط)]A 10u‏ 
عن «قراءة الأعراض» عنكةءR‏ ءiةهاصرS‏ بدعوتها إلى استخدام النصوص 
مادّة أوّلية تسمح للنص بأن يقول كل ما هو في مصلحتهم السياسيّة. فكأنه كان 
يقول إن التفسير أمر معقد. ذو أحمال معبّنة وكثرا ما يكون غامضاء ولكنه ليس 
غيبيّاء ولا يكون من قبيل العبث. 


179 


إدورد سعيد 


استخل سعيد أيضا مصطلح «البيان» وهو مصطلح يتكرر وروده في 
«اممقدّمة»» وهو يعني بكلمات ابن خلدون «القدرة على استخدام اممفردات 
للتعبير عن الأفكار التي يرغب المرء في التعبير عنها... والقدرة على ملاحظة 
شكل التأليف الذي يجعل الكلام متوافقا مع متطلبات ا موقف»”". كان البيان 
فرعا مهما من العلوم الإنسانية العربية يشير إلى ذلك النوع من البلاغة التي 
تشرح وتوضح وتبین - کما قال ابن خلدون مرذّدا قول القرآن - أن رفعة مقام 
البشر مصدرها أن الله خلقهم قادرين على البيان". وكانت هنالك دلالتان 
أخريان لا تقلان عن ذلك أهمية: الأولى هي أنها في وظيفتها التوضيحية مكن 
أن تعني مانفیستو t0ءfeنص‏ هص أو البيان الرسمي ٤uéإاندصuاصدتء»‏ وبالفعل 
أصدر سعيد في أعقاب الانتفاضة الأولى دعوة إلى مؤتمر دولي تحت عنوان 
«بيان»””. لكن العرب في مجال النظرية البلاغية يتكلمون عن «علم البيان» 
حيث تشير كلمة «علم» إلى «علم» الإنسانيّات والأدب كما قد تشير إلى علم 
الكيمياء والرياضيّات*7*. 

هذا التأمُل بتصادم السياسة واللغة ظل يشغل سعيد قبل حصوله على زمالة 
غوغنهايم وف أثنائها. وكان العمل التمهيدي له قد تم بصراحته اممعهودة في تبادل 
حامي الوطيس مع عام اللسانيات الکبير نوم چومسكي حول «التکلم واللغة» 
and language‏ eaking‌مS»‏ ف مراجعته لکتاب پول دمن Paul Goodman‏ 
«دفاع عن الشعر» yاا۴0e‏ ۴ه Defence‏ في جريدة «نيويورك تا هز» في العام 
2. فعلى شاكلة الكثرين من أبناء جيله» كان سعيد قد سحره مقال 
چومسکي بعنوان «مسؤولية المشقفين» The Responsibility of Intellectuals‏ 
الذي ظهر في ا «ذا نيو يورك The New York of Books «ںكgڊ فوÎ ıı)‏ 
في العام 1967. وبسبب من الإلهام الذي شعر به تحت تأثير هذا النداء الذي 
يدعو الأساتذة إلى التصريح بآرائهم الناقدة للدولة أخذ يراسله من دون انقطاعء 
والتقی بچومسكي مرارا في لقاءات عن قضية إسرائيل /فلسطين. وقد شجعه مثال 


(*) كانت كلمة ءء١ءiءء‏ تستعمل في اللغات الأوروبية كما كان العرب يستخدمون كلمة «علم» وتخصصها بالعلوم 
الطبيعية حديث العهد. ومن الملاحظ أن كلمة «علم» في اللغة العربية تخصَّصت هي الأخرى وأخذت تدل على 
العلوم الطبيعية (مع استثناءات قليلة). [المترجم]. 


180 


قبل اُوسلو 
جو ا هو اع ماه الاني ا بدا تحتوي على هذا البيان 
الشهير المعادل لبيان «إني آتهم» A ccuse‏ إل جانبپ ا ضخم من مقالات 
چومسكي» وكتب فيما بعد كلمة افتتاحية لكتاب «المثلث المصيري: الولايات 
امتحدة< وإuرlثJı«‏ وlلفلıطٰùuı« The Fateful Triangle: The United‏ 
States, Israel and the Palestinians (1983)‏ حیث رفع من شأنه ووصفه 
بأنه مجدّد نادر اممثال”. 
لکن على رغم اتفاق هذين المفکرین في كثير من الأمور - وكانت صداقتهما 
قد قوطدت ي أوائل السبعينيات د فإنهما مشكا باراء متعارضة حول قايا 
لغوية أساسية. وقد برزت خلفية هذا النزاع قبل سنة من ذلك ف تعليق سعيد 
المفصّل على الثورة التي أحدٹها چومسكي في علم اللسانيّات في مقالة عنونها 
هكذا: «اللسانيات وعلم Îثlر‏ lئعJa« Linguistics and the Archeology of‏ 
Min (1971)‏ وفيها وضع سعید چومسكي» على نحو مثير للحفيظة. في مقابل 
IT‏ ف نظن دعاك آلا وو اال النفسي والمنظر الفرنسي الق جاك لاكان 
من المدرسة ما بعد الفرويدية 9. وقد تذکر چومسکي من جانبه آنه «دهش آها 
الدا عدا جد آنا کان ك ي أن ي اعد خا الك ما غد انيت 
- حيث تشير كلمة «الهراء» إلى اللغة بوصفها خلقا تعبيريًا خالصاء أو في حالة 
لاكان» بوصفها مرآة اللاوعي وبنية الرغبة الاجتماعية واللبيدية”**. أما سعيد 
فقد حافظ على موقفه باحترام. 
في مقالة علم آثار العقل بدا أن سعيد تقصّد أن يضع موقفين لا يتفق 
أحدهما مع الآخر جنبا إلى جنب: منهج علم الاجتماع واممنهج ال معرف لعلم 
اللسانيات الأکادهي المعتمد» وهو العلم الذي کان چومسکي يهيمن عليه 
بلا منازع» والفكر الإستطيقي النظري ممجموعة متنوعة من النقادء وعشاق 
الشعرء والفلاسفة الفرنسيين. أضف إلى ذلك أنه فعل ذلك بنوع من السذاجة 
الكاذبة بحيث وضع كل قدم من قدميه في حقل الآخر الأجنبي كأن الجمع بين 
الطرفين كان أمرا طبيعنًا. غير أن هذه الحركة حبرت كلا الطرفين وأزعجتهما 


(*) للرواني الفرنسي إميل زولا. [امترجم]. 
(# #) نسبة إلى اللبيدو أو الرغبة الجنسية. [امترجم]. 


181 


إدورد سعيد 
ها فاا من اتقانة موعت وعجر كل طرف من الطرقن عن العف عن 
مکانه فیها. 

كان أكثر ما أعجب سعيد في أعمال لاكان هو «تحليلات الممواقف الملموسة» التي 
أ مح إلى أنها تختلف عن نموذج القواعد النحوية الشاملة. وقي غمرة المراسلات التي 
كانت تحتدٌ وتدافع أحيانا بعد ظهور المراجعة التي كتبها سعيد عن عُذْمَّن ضغط 
على چومسكي لأن يقرا بارت» وقال له إن دراسة بنقنيست ستكون مفيدة أيضا. 
آما چومسكي فقد رفض» وعڏهما متطفلين م يقوما بي بحث علميٌ حقيقيء 
وم يقرآً إلا القليل» وخلطا المصادر التي قرآها فعلا. وقد انزعج بشکل خاض من 
حماس سعيد لنفور عُذْمَن من التخصّص (كان العنوان الفرعي للمراجعة «الرجل 
الطيب* في مواجهة النظریات» ءا110 nt‏ نھچ Good Man‏ 4) ومن تمسکه 
الرومانسي بأفعال الكلام بدلا من منهجه هوء وهو المنهج المتضمن دراسة الأسباب 
اللغوية لأَيّ كلام ممكن أو حتى لأَيّ فكرة. 

وف الرد على موقف چومسكي قال سعيد «إن تعقيدات الكلام اليومي لا هكن 
اختزالها إلى تنويعات على جمل إخبارية بسيطة»”". وأكد أن عُذْمَّن كان مُحقا في 
احا ر وا افخ وه ا ا ق ای و ا 
عما إذا كانت المعالجة الچومسكية التي تتحكم في كل تفاصيل اللغة م تكن مقطوعة 
الصلة بثراء الحياةء وأن تلك ا معالجة وضعت محل ذلك الثراء «إطارا للتواصل أو لإرسال 
الرسائل مقطوع الصلة بالأشخاص». فوفقا لغذمَن (وسعيد الذي وافقه)» م يکن بوسع 
چومسكي أن يفسّر «لهجة الكلامء ونغمته» والحركات اطمرافقة له» وفترات الصمت التي 
تؤذي دورا مهما ف السلوك اللغوي»". ثم إن العناد بلغ من چومسكي حذًا منعه 
من التسليم بأن القواعد الكونية ۳6۲ ”ه6 یمو *) بغض النظر عما فیها 
من نظرات صائبة» كانت مقطوعة الصلة باط مواقف الفعلية والأحداث اللغوية؛ حيث 
يستغل الأفراد الكلمات بوسائل تعبيرية لا نهاية لها كثيرا ما تكون شخصية جدا. 
(#) تلعب العبارة على اسم ةك هم6 وتجعله 7ة .60٥4‏ [المترجم]. 
(۴) القواعد الكونية تعني نظام التصنيفات والإجراءات والمبادئ النظرية أو الافتراضية التي تشترك بها جميع 


اللغات» وهي ترى في قدرة جميع الأطفال على اكتساب اللغةء وهي قدرة كامنة في كينونتهم البشرية منذ الولادة. 
[امترجم]. 


182 


قبل وسلو 
لقد أحس سعيد أن عدم الاكتراث الضمني لدی چومسكي بقدرة الإنسان على 
الفعل يدل على وجود عيب في رؤيته السياسية. والتجميع الرائح للحقائق التي 
تفضح آكاذيب الإمبراطورية في کتب چومسكي السياسية كان في نظر سعيد مبهم 
ا معنى» واشتكى بقوله: «أنت تنتهي بأن تسبّب الكآبة لنفسك» وتجعل من الصعب 
على قرّائك أن يعرفوا ماذا يفعلون بكل هذه المعلومات»”*. هذه الفضائح م تعط 
القرّاءء مهما بلغ من شجاعتها وصدقهاء أي فكرة عن كيفية محاربة هذه المظامء 
أو عن سبب الردٌ عليها وكيفية هذا الرد. لكن عْذْمَّن من ناحيته م يكن هو الحلء 
وقد خفف سعيد من استياء صديقه عن طريق توجيه النقد الشديد لصورة غدمن 
الشخصية التي تدغدغ الذات بأنه خارجيْ مناهض للثقافة العقلية السائدة. فغْذمّن 
لا يفتاً يستشهد بالفرد والحرية كأنه شاعر رومانسي» وهو يفتقر إلى التحليل الذي 
للقيود التي تفرضها وسائل الإعلامء والشركات» والدولة على الحرية. «إنه يترك قارثه 
على مستوى اللغة» يبدي إعجابه بجمالها أو قوتها التعبيرية وفق تفسير سعيد 
«من دون رؤية طريق العودة إلى العام الواقعي ليغيره». وهنا احتجٌ سعيد بالقول 
«إن هذه الأخلاقيات اللرالية» ليست سوى طريق مسدود”. 
على أن ذهنه كان مشغولا أكثر مقالة أخرى نشرها بعد شهر عشية وصوله إلى 
بيروت. هذه الزاوية الأخرى من القصة الكامنة في خلفية «البدايات» هكن الرجوع 
بها إلى مقالة من مقالاته م تظهر باللغة الإنگليزية قط عنوانها «التمنع التجتب» 
التعرّف» (1972» > وهي مقالة نشرت باللغة العربية في اا اا سواه 
وهي مجلة فصلية يشرف عليها أدونيس**. فقد رضخ سعيد بعد ثلاث سنوات 
من إلحاح أدونيس عليه ليكتب للمجلّة". وتبيّن أنها تخاطب شعبه مخاطبة 
مباشرة مؤلمةء وهي امقالة الأولى من مقالاته الفلسطينية المموجهة إلى الجمهور 
العريي فقط. عالجت مقالة «التمنع. التجثب» التعرف»» وهي مقالة تعد صيخة أشد 
إيلاما وراديكالية من المقالة التي كتبها في العام 1968 بعنوان «البدايات» استعدادا 
لكتاب «البدايات» قضايا ذات صلة من زاوية مختلفة. 
مضى في تلك اممقالة. بحذر أحيانا ودون حذر في أحيان أخرىء مدركا آنه قد 
بُری كآنه دخيل من نيويورك يجرب مياها لا يعلم عمقها”. لذلك فإنه آحسن 
صنعا بالسماح لأدونيس» وهو حداثي أدبي يتمتع بقدر من الأهمية في أدب القرن 


183 


إدورد سعيد 


العشرين» وصديق الرواتي إلياس خوريء» الصديق اللبناني لسعيد بالحكم عليها. 
وما كان أدونيس يجمع إلى صفة الشاعر صفتي المُتّظر والمترجم» فإنه وجد المقالة 
مثيرة للفكر وذات أصالة عاليةء ولكنه اختلف مع منهجها بلطف» ووجد أجزاء منها 
غير قابلة للترجمة. وانتقد اممقالة بسبب إثارتها لقضايا خلافية تركتها من دون حل؛ 
ولاسيما علاقة الأدب الإنگليزي بام معضلة العربية. كذلك وجد فيها أكثر من اللازم 
عن آمثال نيتشه» وأقل من اللازم عن «المصادر القومية»*. 

تعقدت ردود الفعل على المقالة في الحقل المكتظ الذي التحقت به. فقد كان 
عدد من ال مثقفين العرب في ذلك الوقت قد كتبوا «تشريحات» لنكسة العام 1967ء 
مع كلام قاس حول ما يجب عمله منذئذ فصاعدا. وقد عبر الروائي الفلسطيني 
البارز غسان كان عن اسعيائه من موجة لته الذان شوه إثها فة اة 
لشتم الذات»”*. وقد كانت مقالة سعيد تنتمي إلى تلك الموجة» وكان هو على 
وعي بذلك. وكان كثير من اممثقفين العرب قي تلك الفترة على استعداد للنظر إلى 
كتاب العظم» صديقه الجديد الماركسي السوريء بعنوان «النقد الذاتي بعد الهزهة» 
(1968) على أنه قمة ما كتب في هذا النوع من الكتابة وأنه قنبلة الموسم. فإلى 
جانب كتابه الذي يعود للحقبة ذاتهاء والذي انتقد فيه أسس الفكر الديني» جعله 
هذا الكتاب مشاغب العام العربي الذي لا يكترث باللياقة. وقد بدا أن سعيد يقلد 
أسلوب العظم الذي يثير الحفيظة باختتام المقالة بتفسير ممسرحية عطيل استعاد 
فيه شخصية البطل الذي تعرّض للإساءة ليكون أهوذج القائد العربي المعاصر الذي 
حیکت ضدّھ ا مؤامرات من كل جانب. وقد رز سبو عاب النطر الذي یقول فيه 
عطيل «عندما تروون هذه الأحداث العاثرة. تحدَّثوا عني کما أناء ولا تخفوا من 
الحقيقة شيئا» وأصرَ على أن مأساة عطيل الحقيقية م تكن غيرته» أو سذاجته» أو 
المؤامرة التي حیکت ضدھ بل هي افتراضه أنه کان يعرف من هو. 

ومادامت «الذات» على ال محك فقد احتل التحليل النفسي مكان الصدارة 
قي مقالة «التمنع» التي وصفها سعيد بأنها «تاريخ نقدي نفسي للواقع العربي 
المعاصر»". تساءل عن سبب افتقار العرب إلى أي إحساس «بالكفاية. بالتقدم... 
بالعلم أو بالحيوية الثقافية»» وقال إن من الواضح أننا «مزيج من الم مؤثرات الغربية 
والتقليدية» ولهذا السبب بالذات «فإنه ليس هنالك من يستطيع القول بصراحة 


184 


قبل وسلو 


ما الذي يتبغي للعرن أن يكوئة». ليس هنالك ما يستدعي أن يسير تقدمنا على 
وفق الإتقان الغربي لتكنولوجيات الكتابة التي جعلتنا أوروبيين من الدرجة الثانية. 
لقد تمكن الغرب تحت سلطة «الكتاب المقدّس» والسبّورة. واممطبعة» أن ينشر 
صيغته من الواقع. أما وقد أصبح العام «نظاما معقدا من النظم المتشابكة» حيث 
يلغي الإعلام الرقمي قيمة النصوص المطبوعة» فإن النوع البشري نفسه أخذت 
قيمته تضمحل في وجه «الظواهر التي تتجاوز البشر مثل نظم التحكم» أو الفضاء 
الفاصل بين الكواكب. في شبكة الحداثة الزائفة هذه ينتج العربي لكي تستهلكه 
ثقافة عدوانية تسعى إلى الاستحواذ». 

فسر سعيد سبب كتابة ال مقالة التي كانت قد ظهرت قبل أشهر قليلة في رسالة 
حارقة لصديقه سامي البنا في يوليو من العام 1972 بعد وصوله إلى بيروت لقضاء 
فترة الزمالة. وقد شهدت حدّة الرسالة وطولها على تعقيدات ظهوره الأول ف أوضاع 
الشرق الأوسط السياسية والأدبية» ولرما أعطت أفضل صورة منفردة عن فكره 
في واحدة من أوضح المراسلات في حياته. فقد اشتكى من أن الجميع في بيروت 
يتصرّفون كأن الأمور ظلت على حالها (املابس» التحيّات ما إلى ذلك) على رغم أن 
ما حدث كان رهيبا. «ف الأسبوعين الأخيرين... فقدت کل من مص والعراق» ولبنانء 
ومراكشء والسودان عددا من الجارالات» وقغي على عدة آلاف من الفلمطينيينء أو 
استسلموا لسراتیل» آو اختفوا»» ومع ذلك فان کل شيء يجري «کان کل ما حدث 
كان مجرّد استراحة لشرب القهوة». وفي غمرة غضبه فسّر الأسباب: «اممجتمع... 
فقد الذاكرةء فقد الإحساس بالأبعاد (ليس لديه تصور عن اممستقبل» أو قدرة على 
التخطيط)ء فقد الاستقرار باستشناء ذلك الذي ينتج عن التوازن ا مجرّد». 

وف استباق يلفت النظر إلى مخاوفه ا متعلقة بأصالة العام الثالث ف «البدايات» 
استنتج مرارة أن «الحركة التي هكن توفعها من العربي هي الحركة الدائرية... 
ولذلك يُظَنْ أن التكرار تجديد. وذلك خاصة لأنه يفتقر إلى الإحساس بالتعرف». ثم 
اشتكى من أنه على رغم كل ما يتشدّق به مدعو المواقف الراديكالية فإنهم ليست 
لديهم أي فكرة عن كيفية البدء بالثورة. «الواقع عندنا نحن العرب وظيفة من 
وظائف اللغة. ومع أن ذلك يصح على الغرب بشكل من الأشكالء فإن هناك في 
الغرب وعيا بذلك» أما هنا فهذا الوعي مفقود». لقد حدّد المشكلة تحديدا واضحا 


185 


إدورد سعيد 


في مقالة «التمنع» عندما اشتكى من أن لغة العرب أخذت منهم عندما قيل لهم إنها 
لغة الله. وهي بهذا الشكل لغة ثابتة لا هكنها أن تتغْبّر مع مسيرة التاريخ. عليهم 
إما أن يستعملوا لغة الغرب أو لغة الله» وهم واقعون بين اللغتين”. والإمكانيّات 
التي تتيحها اللغة الشعبية* تحجبها اللغة العربية الكلاسيكية ال منمقة. «الثابتة 
ولذا فإنها تتصف بالکمال»» ولا تتیح للمرء سوی «تکرار مجموغه صفر»”. 

وعلى غرار مالك فإنه شعر بان الوضح يسمح بالكلام عن «العقل العري» عاى 
امتداد الحدود الوطنية في الشرق الأوسط؛ فقد شعر بأن نثمة نسخة مشتركة على 
رغم وجود اختلافات لا حصر لها. ومما يؤسف له» من وجهة نظرهء أن المتثقفين 
من آمثال طه حسين في مصر في رذ فعلهم على حرب العام 1967 استعملوا البنى 
الفكرية الغربية التي م تفحص. وحتّى فانو الذي استعان سعيد به استعمل فرويد 
وماركس وسيلتين للاحتجاج ضدٌ الاستعمار الأوروي» وبذلك أجل مهمة خلق ثقافة 
ذات أصول محلية خالصة. وبالنظر إلى الاقتباسات الطويلة ق الكتاب من قرلينء 
و ا 3 وع فال 3 وما وا عر ھی 
كان يسعى إلى عمله في أثناء العمل على إنجاز «البدايات» على رغم كل ما في ذلك 
من بعد الاحتمال. 

KK 

عندما غادر بیروت متوخها إلى بلاده**) م يكن الكتاب قد اكتمل. فعند انتهاء 
السنة امملوءة بالأحداث ف العاصمة اللبنانيةء عاد سعيد إلى نيويورك عن طريق 
أوروبا في صيف العام 1973ء قبل اندلاع حرب أكتوبر ببضعة أشهرء وهي الحرب 
التي شتتها كل من مصر وسورية لاسترجاع سيناء ومرتفعات الجولان اللتين احتلتهما 
إسرائيل في العام 1967. كذلك كانت أخبار التحقيقات الجارية بخصوص فضيحة 
ووترغیت ۷4)۲4 لدی توقفە ومریم في فرنسا في پونيو قد سرته» فکتب الى 
() الكلمة الأصلية هي ءناه ء1 وتشير في العادة إلى اللغة اليونانية الحديثة في مقابل اللغة الكلاسيكية. 
واستعمالها يوفر لسعيد مقابلا مفيدا يخلصه من الصعوبات التي تنتج عن استعمال مصطلح اللخة العربية 
«اممحكية» لأن هذه اللغة شديدة التنوع» وليس من السهل تحديدها بالوضوح الذي ينتج عن استعمال cناهصمك‏ 
في حالة اللغة اليونانية. [المترجم]. 


(# #) المفارقة هنا هي أن بلاده في هذه الجملة تعني الولايات امتحدة وهي بلاده فعلا بحكم جنسيته الأمريكية. 
[امترجم]. 


186 


قبل وسلو 


أصدقائه من سکن کول بيا في ريد هول» في 4 شارع دي شیقروس في باريس» وکشف 
عن مشاعره اممتباينة حيال ما مر به ف لبنان: «الرقابة شديدة جذا»*. النزاعات بين 
اللبنانيين والفلسطينيين كانت تتكرّر» شأنها شأن الغارات الإسرائيلية”. «ولكنني 
أشعر بأن الحركة أبّلت بلاء حسنا عسكريًا وسياسيًا في ا مواجهة الأخيرة». 

يطل ج الوقت هه عودت قل أن دقح با فاط ف غار اة 
الفلسطينية مدفوعا ها كان يحس به من تفاؤل. وقد ميد معارفه في بيروت السبيلء 
ولكن هذا امسار كان حتميا بالنظر إلى النجاح الذي حققته مقالة «صورة العربي» 
التي كانت انتشرت في الشرق الأوسط وف الشتات العربي انتشارا واسعا. كان قد 
أصبح شخصا معروفاء فطلبّت منه ا معونة في الترجمة الإنكليزية لخطاب عرفات 
في الجمعية العامة للأمم اة في شهر نوفمبر من العام 1974. وكان أحد أقرب 
مستشاري عرفات» أي الحوت» صديقا منذ الطفولة لأبو لغدء وكلاهما من لاجئي 
يافاء «عروس فلسطين». وفي أثناء مكوث الوفد الفلسطيني الذي هثل منظمة 
التحرير الفلسطينية إلى الأمم ا متحدة توطدت العلاقة بين سعيد والحوت مباشرة 
هما أغطى سعيد [مكافة الوصول إل كبار المسؤولين ف انظمة. وهن اعروق أن 
سعید أهدى كتابه «سياسة الحرمlن«‏ )1994( The Politics of Dispossession‏ 
إلى الحوت وزوجته بيان» وبقيا صديقين طوال حياتهما بعد ذلك . 

كان نبيل شعث هو الذي وضع الصيغة الأصلية لخطاب عرفات ثم أرسلها إلى 
الحوت للنظر فيها"". وقد أعيد النظر فيها مساعدة من وليد الخالديء وصلاح 
دباغ» ومحمود درويش» الذي مم يكن يعرف اللغة الإنگليزية ما يكفي على رغم 
مكانته العالية في الأدب العري» وعلى رغم كونه أمير الشعراء الفلسطينيين. ثم 
أعطي الخطاب بشكله هذا لهدى عسيران للعمل على ترجمته مع فريق عرفات» 
ولكن النتائج م تكن مرضية. هنا فاتح الحوت سعيد في هذا الأمر فوافق على 
تنقيحه» وعمل مع رندة خالد فتال» وهي تعمل في مهنة التحريرء فأنتجا الصيغة 
التي ألقيت ف الأمم المتحدة ف 13 نوفمبر 1974. كان سعيد قد أضاف أمورا يعرف 
أنها ستترك أثرا حسنا لدى مستمعيه الأمريكيين» وأضاف بحماس خاتمة الخطاب 
الشهيرة: «لا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي». وما كانت مريم هي الوحيدة 
في ا مجموعة التي تعرف الطباعة» فإنها أنهت الصيغة النهائية على آلة الطباعة 


187 


إدورد سعيد 
امھلھلة من نوع سمثٹ کورونا ٤٥١٥۸2‏ طانہ؟ ف البيت قبل أن اا الحوت 
بنفسه في الساعة الرابعة من فجر يوم إلقاء الخطاب"'. 

قبلّت نصيحة سعيد في هذه المناسبة ولكنها َدَرَ أن قبلّت بعد ذلك على 
رغم أن تأثره ظهر بطرق أخرى. فعندما حضر مندويو المنظمة إلى نيويورك ف 
أواخر السبعينيات لإلقاء خطب ف الأمم المتحدة عمل سعيد على ترتيب لقاءات 
مع مجموعات صغيرة من المتعاطفين مح قضيّتهم والمنتقدين طمواقف المنظمة. 
كانت هذه الندوات مصمَمة لإسماع القيادة آراء بعض الممؤيدين لقضيتهم من أمثال 
چومسكي» وأحمد. واممؤرخ الروسي آلکزاندر إرلخ اط۴ إمفصه×ا4 عن كيفية 
تقدیم وجه جدید أمام الجماهير. فقد وجد چومسكي مثلا أن المنظمة تختلف عن 
بقية حركات التحرير ف العام الثالث من حيث عجزها عن التفكير إستراتيج'. 
ففنادق نيويورك الباذخة وحفلات العشاء المكلفة كلها كانت أعراضا خبيثة ممنظمة 
لها كبرياؤها يتعرّض أعضاؤها للتجاهل ولكنها وجدت نفسها فجأة تحت الأضواء 
عندما نالت الاعتراف الدولي في السبعينيات. ففي أحد المواقف وصف أحمد هذه 
ا مناسبات ساخرا بآنها «ولائم تقام بصفتها آخر أشكال الكفاح»'. 

آما وقد حصل سعید على موطی قدم ف بیروت فإنه كثيرا ما عاد إليها في 
السنوات اللاحقة وزار عرفات زيارات روتينية. وفي كتاب شفيق الحوت «حياتي في 
منظمة التحرير الفلسطينية» (2011) سرد الكاتب كل الأحداث اممثيرة في قصة أشبه 
بآفلام الرعب واممخاطر التي يتعرّض لها الناطق بلسان الفلسطينيين. فقد نجا الحوت 
نفسه من ست محاولات اغتيال تراوحت ما بين تفجير مكتبه والقناصة الإسرائيليين 
الذين جرحوه بإطلاق النار من سيارة متوقفة بينما كان يغادر مسكنه"". أما 
عرفات» وهعزل عن حب الفلسطينيين له وتأييدهم إِيّاهء فقد كان ذا مظهر يلفت 
النظرء بعينيه النفاذتين» وابتسامته اللطيفةء وحضوره الطاغي. وقد وصفته بيان 
بقولها «إِنه م یکن يصلح لأن یکون نجما سینمائیاء ولکنه کان شدید الانتباه على 
الدوام» ويحمل معه قلما ودفترا صغرا لكتابة امملاحظات»'. أما شخصه فقد 
كان - على عكس الصورة التي ابتكرت له في وسائل الإعلام الغربية - حساساء بالغ 
ات ا کا شك مسليا. وكانت مؤهلات الشتات التي اكتسبها 
تناسب الوقائع الفلسطينيةء فقد ولد في القدس بينما كانت العائلة تعيش ف مصرء 


188 


قبل وسلو 


وكان يتكلم بلهجة مصريةء وكان مقرّه في الكويت قبل أن ينتقل إلى الشرق الأوسط 
ليقود منظمة التحرير الفلسطينية. 

عندما كان سعيد وعرفات يلتقيان كانا يتحدّثان باللغة العربية فقطء ويستعمل 
سعيد لهجة بلاد الشام وليس اللهجة امصرية على رغم أنه كان بإمكانه استعمال 
اللهجة التي تعلمها في طفولته عند الحاجة". وقد ظل سعيد مخلصا ل «الخثيار» 
the o14 man‏ کما کان یدعوه حتی اتفاقات اوسلو؛ وکر سن عرفات هو ا کان 
يتعرّض للانتقاد الشدید بسببه حتى من قبل حلفائه. فعای رغم کل عيوب عرفات 
قائدا - أسلوبه الزئبقي» تشدد قيادته» تذبذبه بين التعنت المذهبي والتنازلات غير 
الضروريةء وعدم قدرته على فهم الثقافة الأمريكية وعجزه عن مخاطبتها بالطريقة 
الصحيحة - فإن الحركة الفلسطينية كانت لا تنفصل عن وجود عرفات» سواء أكان 
ذاك لحسن حظها أم سوئه. ولكن سعيد مارس قدرا من الضغط غير ا مباشر حتى في 
الأيام الوردية التي تسبق أوسلوء» وجعل آلكزاندر Alexander Cockburn E‏ 
يلوم عرفات بسبب احتفاظه بالكفية واللحية غير الحليقةء والزي العسكريء وهي 
صفات جعلته هدفا سهلا لسخرية ا مجلات الأمريكية منه”“. 

غير أن عرفات هو الذي «أقام ا مؤسسات» ووزع الأسلحةء وزرع في الناس 
الإحساس بالأمل والاعتزاز» من خلال منظمة فتح'. ولذلك كان من المفهوم أن 
نان سعيد» في السنوات التي تلت» حملة دفاع عن زعامته بعد حصول تمد داخل 
الأنظمة بدعم من سورية والأزمات التي سببها الغزو الإسرائياي الذي أجبر المنظمة 
على مغادرة بيروت'. وم يترد سعيد في مساعيه إلى أن دب الخلاف بينهما. 
ففي ا «إنترفیو» ٤W‏ 1"۷ (وهي مجلة تعبّر عن آراء اندي وارهول و٣۸‏ 
1 وتنشر آخر الصرعات في عام أزياء ما بعد الحداثة) روى سعيد بحرارة 
لقاء مع عرفات في امقر الجديد لقيادة المنظمة في تونس» وأعطى صورة لا تنسی 
عن جاذبية شخصية عرفات» عن وقاره» وعن محبّته له على رغم کل عیوبه وخیبات 
الأمل التي سبّبها“"'. 

كان من بين النتائج التي نجمت عن كتابة مقالة «التمنع» تخصيص أرضية وسطى 
بين الفلسفة والنشاط السياسيء وبذا شحذ فهمه لعبارة مثل «سياسة الأدب» 11e‏ 
Politics of Literature‏ (وهي عبارة كانت في ذلك الوقت الشغل الشاغل للجامعات). 


189 


إدورد سعيد 
وقد كان عدم استعداده للفصل بين حياته اممهنية وحياته السياسية قد أعطى خصومه 
مدخلا يدخلون منه. فقد استعانوا با مفاهيم الخطاً الشائعة عن التخصًّص وسخروا مما 
وقف نفسه لخدمته. ومن هؤلاء آھس [عاموس] ا gag «Amos Perlmutter‏ 
eT‏ وسائل الإعلام ومن المقرّبين من الحكومة الإسرائيلية. فقد قلل من أهميته 
في برنامج «الساعة الإخبارية کنیل َر« the MacNeil/Lehrer New Hour‏ 
باللعب على الكلمات بقوله إن سعيد بصفته أستاذا للغة الإنگليزية «يحبٌ القصص» 
كأن التهم الموجّهة لإسرائيل كانت من صنع الخيال"". وم تكن هذه هي اممرة الأولى 
التي يفشل فيها أعضاء لجان الخبرة في الارتفاع إلى مستوى الحجج التي يطرحها سعيد. 
وكثبرا ما لاحظ سعيد أن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية كثرا ما اتخذت شكل الصراع 
على خلق الصور. «م يؤذ علم البلاغة في أي صراع من صراعات العصر الحديث دورا 
بلغ من أهميته ما بلغه الصراع العربي - الإسرائيلي في إعطاء الشرعية لأفكار تجافي 
امنطق (وهو ما يوصف أيضا بخلق الحقائق)»'. 
ظلت كتابات سعيد تول مسألة قدرة الخيال على تنظيم العلاقة بين العقيدة 
والفعل أهمية خاصة. فقد كان موقفه با مقارنة مع مواقف غيره من نقاد الأدب في 
يمه مناقضا تماما للموقف الذي استهدفته غمزة پيرلمتّر. إذ كان يؤمن بأن الواقع قد 
يكون مستقلا عن القصص التي تُروى عنهء ولكن معنى ذلك الواقع لا يكون كذلك أبدا. 
فالحقائق «تخلق» مقدار ما تتجاهل فيه حقائق أخرىء ويجري اختيار بعضها اختياراء 
ثم ترتب على شكل سرد يكون هو الطريقة الوحيدة لجعلها ذات معنى. وفي الأغلب 
يكشف الإصرار على «الحقائق» عن «احتقار للرأي والتفسير» مع الانحياز مما يعد 
حقيقة في الرأي التقليدي» ولذلك يكون جزءا من «مذهب الموضوعية والخبرة»'. 
وبینما کان يعمل على کتاب «البدایات» فإنه م یکن قد انتهى من صياغة موقفه من 
مسؤوليات تمثيل الواقع بهذا المعنى» ولكنه مع نهاية عقد السبعينيات وجد صوته في 
ملاحظة كتبها بخط يده على ورقة من ورق فندق جامعة كورنل: 
أرى أن النظرية النقدية التي ظهرت أخيرا شددت أكثر من اللازم 
على لامحدودية التفسير.. وهذا موقف أعارضه ليس فقط لأن النصوص 
توجد في العام» بل أيضا لأنها من حيث إنها نصوص تضع نفسها [في 
مکان وزمان]» وهي على ما هي عليه ا تفعله في العام“ . 


190 


قبل وسلو 


من الواضح أن هذا الرأي نشا في آثناء السعي إلى التوفيق بين الفيلولوجيا وفوكو 
في «البدايات». لكنه رأى في فترة متأخرة من حياته أنه على رغم أنه «بدأ بالفكرة 
القائلة إنه لا وجود لشيء اسمه التفسير الصحيح» فإنه انتهى إلى التخلص من هذا 
الرأي. لكنه مم يقل لنا إنه حقق ذلك لأسباب عملية بينما كان يعمل على صياغة 
مواقف سياسية وقرارات تصدرها الأمم امتحدة حيث تكون اممعاني الدقيقة أساسية 
للسيادة القانونية والسياسيةء ناهيك عن خلق دولة فلسطينية يكون فيها الأساس 
القائم على الحقائق للسرديات المتنافسة ذا أهمية قصوى”'. 

وها أن عددا من أقرب حلفائه كانوا يقتلون أو يتعرّضون للتهديد فإن أنشطة 
سعيد في أثناء تنقلاته بين نيويورك وبيروت في السبعینيات كانت لها مخاطرها. ففي 
إحدى المرّات قي ذروة العواطف الممتأجْجة ف أثناء الحرب الأهلية م يشر إلى أن 
من كانوا في سيارة مفخخة كانوا «شهداء» (وهي كلمة التكريم امفضلة)ء بل فعل 
ما هو سوا بقوله إن العملية كانت تخلو من الحكمة. وسرعان ما علم أن إحدى 
الجماعات قد قررت اغتياله. ولذلك فإنه عاش هو وعائلته مهددين خشية تنفيذ 
التهديد الذي صدر بحق آخرين ارتكبوا الخطيئة نفسها. ومما زاد الأمور سوءا أن 
سعيد فهم آنه قال بعد بضع سنوات في مقابلة مع جريدة «الشرق الأوسط» إن 
الكفاح المسلح «ليس سوى شعارء وأنه مفهوم عفى عليه الزمن»"» وهو ما نفاه 
فيما بعد. وما قال سعيد مورخ الشرق الأوسط فرد هالدَيّ هنال ۴۲۵۵ كانت 
«الضجُة التي أحدثها ذلك.. تكاد لا تصدٌّق.. ف الانتقادات اتهمتني بالخيانة 
بالدعوة إلى الاستسلام» بالعمالةء بأنني عميل للإمبريالية الأمريكيةء أضحوكةء وهكذا 
دواليك.. وقد شنت جريدة «الهدف» في آخر عدد لها في بيروت حملة إجرامية 
ضدّي»”'. غير أن الخطر سرعان ما زال» ولكن سعيد شعر بنفاد الصبر إزاء هذه 
ا لمواجهات التي جعلت حياته الثانية في الأدب تبدو أشد جاذبية. 

م تكن رحلاته إلى الشرق الأوسط تقصد لبنان دانما. ففي صيف العام 1975 
وجد أن القاهرة المدينة التي ترعرع فيهاء مغبرّة تتوسع» وتفتقر إلى الخدمات 
الاجتماعيةء واذعى أنه لن يعود إليها (وهو اذعاء م يثبت عليه). ومع ذلك أتيحت 
له الفرصة وتوافر الوقت ممشاهدة الراقصة المصرية الكبيرة تحية كاريوكا وهي تمثل 
في مسرحية ساخرة أعطت المجال» وفق ما قال آسفاء لظهور توجه هيني یتنامی 


191 


إدورد سعيد 


ويضيف حاجزا آخر مم يكن ف الحسبان أمام طموح الفلسطينيين لإنشاء دولة 


خاصة بهم"*''. وفي العام 1977 بقي سعيد في كوطمبياء بينما سافرت مريم وابنه 
الصغير وديع وابنته الجديدة نجلا إلى لبنان في يناير في أثناء توقف مؤقّت للصراعء 
ثم التحق بهم فيما بعد في رحلة منفصلة قي يونيو. وي السنة التالية جعلت الحرب 
الأهلية السفر إلى هناك أخطر من أن يسمح باممغامرة'. 
غير أنه تمكن من القيام برحلات إلى لبنان عندما سمح بالقتال» في محاولة منهء 
من بين أمور أخرىء» لاستقطاب بعض الأكادهيين من أجل القضية. ففي العام 1979 
فكر في أن أحد امستقطبين قد يكون الناقد الأمريكي فردرك جيمسن ١۵۲ء۴۲‏ 
صل وهو تلمیذ سابق لأورباخ» وکان سعید یسعی إلى استقطابه بعد ظهور 
كتابه البارز «الماركسية والشکل» (1971) ٣ا٥۴‏ 4صھ صین×Mar.‏ وکان قد قم 
جيمسن لصادق العظم. أما الآن» فمادام جيمسن قد جاء إلى الشرق الأوسط في 
رحلة رتبها سعید مع إقبال أحمد ومع وجود دد ilڄر David Dillinger‏ 
ورامزي كلارك )ها٤‏ رءه۸ ومشاركة آخرين من العاملين من أجل السلام فإنه 
رأى أن الفرصة متاحة'. وقد کتب فیما بعد لروبرت آولتر ۸)6۲ R۲۲‏ من 
بيروت رسالة تکلم فیها عن دوافعه: 
من المصادفات الطريفة أنني فكرت أن الوقت قد حان ليسهم 
فردرك جيمسن ومجموعة صغيرة أخرى كنت أنا قد شجُعتها ورتبت 
ا إلى حدٌ ما (خاصة فردء الذي تعرف أنني أحبه وأكنْ له الإعجاب) 
في قضية سياسية تتضمن شعبا وحرکات» وکفاحاء وحتی حرباء ولا تقف 
عند حدٌ النظرية إن كنت تفهم قصدي. الوضع هنا وضع يائس شديد 
التوتر: العنف منتشر في كل مكان.. سآخذ فرد والبقية إلى الجنوب غدا 
لكي يشاهدوا الوضع بأعينهم”. ۰ 
مع حلول العام 1982ء وبعد الغزو الإسرائيلي» تحول ميناء المدينة الذي كان بالغ 
الجمان إل جدران مها الرعاضي وأفرعت معاد كه قاف هة 
كانت بيروت في السابق منتجعا للعائلة من حر أصياف القاهرة. ثم أصبحت ف ذلك 
الوقت موطنا ٹانیا على رغم ازدیاد صعوبات زیارته. 


192 


إن نقد سعيد المنتمي إلى ما بعد 
الاستعمار قد جعل الباحثين الأمريكيين 
في دراسات الشرق الأوسط عاجزين 
عن المساهمة في حرب بش على 
الإرهاب 


عل الأغيار 


لا بداية إلا بعد قطع نصف الممسافة" 
لا بداية إلا بعد الانتهاء من نصف المهمة 


John Keats جون تس‎ 


كانت حالات النجاح والفشل التي رآھا 
سعيد في الحركة الفلسطينية في السبعينيات في 
لبنان قد دفعته على نحو لا فكاك منه لیس 
فقط إلى أداء دور الناطق الفكري باسمهاء بل 
إلى أن يكون عضوا فاعلا فيها أيضا. وان قد 
أصبح داعية ماهرا مقالاته وخطبه» ولكن كثيرا 
من أصدقائه عذوه غير مؤهُل للنشاط العماي. 
وعلى رغم ذلك فإنه منذ أواسط السبعينيات 
فصاعدا وجد نفسه يسافر في كثير من الأحيان 


193 


إدورد سعيد 


لحضور الاجتماعات وال مناقشات مع الزملاء وتحرير البيانات» واقتراح السياسات» 
وبناء ا مؤسسات غير البادية للعيان. وقد تبين من المتابعة الحثيثة التي كان يجريها 
مكتب التحقيقات الفدرالي الذي كان يتابعه عن كثب أن سعيد» من وجهة نظر 
ا مكتب على الأقلء كان «هو حلقة الوصل غير الرسمية بين الولايات ا متحدة ومنظمة 
التحرير الفلسطينية» وأن «[عرفات] كان يطلب منه النصح أكثر مما يطلبه من... 
الممثلين الآخرين للمنظمة في بعثتها الداثمة لدى الأمم اممتحدة»”. 

ليست مقالاته السياسيةء ابتداء من أواخر الستينيات» مرورا بالسبعينيات 
والثمانينيات حيث ترسُخت قدراته فيهاء استجابات إعلامية أو عاطفية أو تأمُلات 
فكريةء بل مقالات ذات طبيعة إجرائية عملية. وإذا ما نظر إليها معا فإنها تشبه 
المخطط الذي تقوم عليه الحركةء والذي يبين تعقيداتها التي قد تصعب ملاحظتهاء 
على رغم أن اا م پتبع دانما“. وقد تجاوز عدد من المقالات الفائدة المباشرة 
فأصبحت أعمالا كلاسيكية. فليس هنالك» على سبيل المثالء تقرير أعمق عن الطبيعة 
الزلقة للعنف من المقالة اطمعنونة «الهويةء والنفي» وllعنف« Identity, Negation,‏ 
Violence )1988(‏ n4ه.‏ كذلك فإن مقالة «الصفات الأساسية للإرھاي» 11e‏ 
Essentia1 rerrorist (1986)‏ ليست مجرد شکوی من استعمال الكلمة لتلطيخ 
اسم المنظمة بل هي تشريح طا يتلبّس حقبة كاملة من تاريخ وسائل الإعلام 
الريطانية والأمريكية. وقد رأى فيها مورخ پري iÎدرسj Perry Anderson‏ أروع 
ما قيل عن مصطلح «الإرهابي»» ذلك المصطلح الخبيث“. 

وفي نظر سعید» كمُل كونه أستاذا جامعيًا عمله السياسي. وقد ذكرت جوان 
ویپیشقسکي )ەسە ز¡مWy‏ 041[ وهي محررة سابقة ممجلة «ذا نيشن» ء11 
:Nation‏ «إنك تشعر دانما مع سعيد أنه يحتوي على الکثير»”. وقد اذى اضطراره 
لإثبات قضيته اممرة تلو امرّة إلى «شيء أشبه بالشعور البركاني» الذي يهد إلى حدٌ ما 
بالانسحاب إلى العام الفكري الذي كان بإمكانه اللجوء إليه. 

اه فكت مامات سة السياسية على وجه الخصوض نشوا زجاجيا 
ونام هكن بواسطته أن نرى الأوجه المختلفة لحياته“. ومن هذه أن يكون مرشدا 
لأولئك الساعين إلى إجراء أبحاث أصيلة عن فلسطينء أو لفضح أكاذيب وسائل 
الإعلام عن إيران والعراق ومناطق أخرى من العام العربي”. فمنذ آوائل السبعينيات 


194 


عقل الأغيار 


کان يقضي معظم يومه عبر الهاتف وهو يقنع» ویلاطف» ویداهن» ویخبرء ویخططء 
ويصل بين هذا وذاك لتشكيل شبكة من أصحاب الفكر الواحد. والأرشيف مملوء 
بالرسائل التي تلقاها ليس فقط من أولئك الذين وجدوا فيه مثالا يحتذى بل 
من أناس يكتبون له بمعرفة رد فعله. لقد ظل يتلقى الرسائل بشكل يومي على 
مدى ثلاثة عقود من منظمات الطلبة العرب» وال منظمات اليهودية المنشقةء ومن 
لجنة الخدمات التي يقدمها الصا« lلأمرıكjl American Friends Service)‏ 
.)€0m mittee‏ ومرکز أبحاث الحذ من التسلح Arms Control Research)‏ 
.»)€enter‏ والاتحاد الأمريكي للحرياتٽ hlدıiة American Civil Liberties)‏ 
«(Union‏ واتحاد الھيئاتٽ llئعıullozة Confederacion Sindical de Comssionis)‏ 
ئا0b)‏ والاشتراكيين الدهوقراطيين الأمريكيين Democratic Socialists of)‏ 
aءiامAm)»‏ ولجنة التنسيق الأوروبية للمنظمات غير الحكومية the European)‏ 
(Coordinating Committee of NGOs‏ ومنتدى iıîشتlيj the Einstei1)‏ 
umد۴).‏ ومطبعة الشجاعة العامة (sئeإP )€0mmon Courage‏ والکنىسة 
المشيخرة*) ف iıÎغتj .(the Abington Presbyterian Church)‏ 

ومن أذوار الأغرت تشدجه ماخصات فر ذعات بحة مشرحة وذلك بحت 
ا مجلات» وفرق العصف الذهنيء» وام مؤسسات» والأفراد للبدء بالبحث في س أو 
ص» والتوسع في هذه المبادرة أو تلك. كذلك انشغل» بعد أن اشتهرء بفتح أبواب 
ا مؤسسات الراقية للباحثين من الشرق الأوسط. أو من العام الذي خضع للاستعمار 
سابقاء وأعدّ مجالات النشر للباحثين في الأدب العربي (في مطبعة جامعة كوممبيا 
وغيرها)» وعمل على تأسيس أقسام جديدة أو توسيع الأقسام الموجودة فعلا. وف 
سعيه إلى الحصول على مكرمات أو ممارسته الضغط للاستعانة ببعض من حلفاثهء 
أوجد برامج مؤسُّسية للمعونات مم تكن موجودة من قبل. 

كان سعيد مدركا ضعف الحضور العربي قي وسائل الإعلام بسبب الجهل 
بالثقافة الأمريكيةء ولذلك فإنه مم يأل جهدا في سعيه إلى إنشاء برامج للدراسات 
الأمريكية في جامعات الشرق الأوسط كلها. وطالب في الوقت نفسه بإنشاء 


(*) جذر الكلمة «هذإءاراءء۴ اليوناني يعني «الشيخ»؛ أي كبير السن. انظر قاموس اممورد.[المترجم]. 


195 


إدورد سعيد 


برامج للدراسات العربية ف الولايات المتحدة لكي تحصل وسائل الإعلام على 
فهم أفضل للثقافة العربية. وكتب مرارا للمدارس والجامعات في لبنان والأراضي 
اة لیؤکد لهاد «إتنی ي خدمتکم إن آردتم أن أحاضر أو أدس أو آن قعل 
أي شيء»* . وفي العام 1972 تولى هو ومريم مشروعا لجمع الكتب مدرسة 
بيرزيت للبنات في رام الله» وأسهما في دفع تكاليف اشتراك المدرسة في مجلتي 
«رامبارتس» 2۲م" هR‏ و«نیو لیفت ربفيو» Review‏ عا .New‏ وبعد عقد 
من الزمانء إثر اممذبحة التي تعرّض لها اللاجثون الفلسطينيون في لبنانء أقام 
الاثنان «صندوق الدفاع الفلسطينa« dg .Palestinian Defense Fund‏ 
جانب تقديم المشورة للمحتاجين فإنه رحب بنصيحة الآخرين من جانبه. وعلى 
سبیل ام مثال» کتب في العام 1976 للندا فوكسُويزذي yطااw0×٥۴‏ aلہل‏ 
مدیرة «مرکز صخُتنا» Health Ce1)۲‏ ا01 » وهو عيادة صحية مجانية» يسال 
عن قانثمة بالكتب التي ينصح بالحصول عليهاء وطلب النصيحة حول كيفية 
إنشاء عيادات محليّة في الأراضي المحتاة. 

كذلك نجد أنه أوجد المؤسّسات إضافة إلى تحليلها. فقد عمل لسنوات هو 
وأبو لغد على إنشاء جامعة فلسطينية مفتوحة في الضفة الغربية. وقد جاء 
الدافع الأول نتيجة لدراسة مولتها اليونسكو عن إمكانيات نجاح المشروع أجريت 
بإشراف أبو لغد. وقد أريد للجامعة أن تتبع ال مقابل الإنگليزي لهاء وهو النموذج 
المتمثل في الجامعة المفتوحة التي تعمل عبر التعليم عن بُعد. وا مناسب تمام 
ا مناسبة للسكان المنتشرين والمحرومين. كان سعيد هو القوّة الدافعة الرئيسة 
وراء تشكيل منهاجها القائم بالدرجة الأولى على الإنسانيات» وقد أخذ على عاتقه 
مهمة جمع التبرعات» إذ كتب رسائل لكبار امسؤولين العرب في قطر وغيرها'. 
م تر الجامعة المفتوحة النورء لكن بعض مبادراته المهمة تحققت فعلا. ففي 
العام 1978 أنشاً مع أبو لغد وفؤاد مُخربي مجلة «الدراسات العربية الفصلية» 
Studies Quarterly‏ Ar2b.ء‏ وشارك ف تحریرها معهما على مدی ماني سنوات. 
وأصبحت المجلة موقعا أساسيًا ينشر فيه الباحثون العرب واممسلمون نتائج 
أبحاثهم ولاتزال مكانا حيوبًا لنشر الأبحاث الجاذّة واممناقشات امموضوعية عن 
الشرق الأوسط من وجهة نظر بديلة”". وانضم سعيد للمجلس الوطني مديري 


196 


عقل الأغيار 


اللجنة الأمريكية العربية مناهضة التمييز العنصري بطلب من العضو السابق في 
الکونغرس جيمز ج. أبو رزJ “James G. Abourezk‏ . 

وقد تضمن عمله السياسي» حتى خارج الجامعةء توثيق مكتبة عن الوجود 
الفاسطتى وتتكيمها واأعافطة عا فى مقا أجريت مه ق وق مار 
من حياته أعلن أنه كان يعد أرشيفا يحتوي على ما بين نمانية آلاف وتسعة آلاف 
صورة فلسطينية منذ العام 1948؛ وهو تصريح أعاد إلى الذاكرة السبب الذي 
دعاه في أثناء الغزو الإسرائيلي لبيروت إلى الإلحاح على عائلته وأصدقائه للاحتفاظ 
بدفتر يوميات» ولرسم الصورء ولكتابة وصف ها كان يجري”". كان البحث عن 
الحقيقة جزءا أساسيّا من جهوده التنظيمية. وظل يدعو على مدى سنوات إلى 
إجراء تعداد سكاني للفلسطينيين» وأعدٌ ملفا طويلا للشعب الفلسطيني للمعهد 
المختص بالدراسات السياسية Institute for Poاicy Studies‏ ورسم (بالتعاون مع 
أبو لغد) صورة مكثفة للتاريخ الفلسطينيء واستغلال الأراضيء والتوزيع السكاني 
للجنة فرعية خاصة بالعلاقات الدولية مجلس النواب الأمريكي في سنة 1975'. وقي 
سبتمبر 1980 كتب رذا مفصّلا بطلب من وزارة الخارجية الأمريكية أرادت منه فيه 
أن يقدّم «ملاحظات وتعليقات على التقرير الذي أعدّته الوزارة عن حقوق الإنسان 
في إسرائيل والأراضي ا محتلة»*". وكانت الأجوبة على هذه الوثيقة التي تبلغ نحو 
ألف صفحة دقيقة. وكثيرا ما تضمنت انتقادات. وهم تكتف هذه الأجوبة بإثبات 
ا معرفة بالتفاصيل» بل أظهرت حيوية كاتبها وصبره على استيعاب التفاصيلء ونقده 
لکاتبیها بأسلوب ديبلوماسي“. 

6 یکن سید کد اض إل آي مظمة ماس هن قبل ولکه اتی رابطة 
خريجي الجامعات الأمريكية التي تأسست في شيكاغو في أكتوبر 1967. كانت 
الرابطة قد أنشئت محاربة التمييز العنصري المعادي للعرب» وكانت (بغض النظر 
عن الخطأاً والصواب) قد أقيمت لخدمة المهنيين من أبناء الطبقة المتوسطة وليس 
لخدمة النشطاء من أبناء الطبقات الشعبية ف الأراضي اممحتلة أو العاملين مؤقتا في 
عام الشتات العربي. كانت الفترة التي أنشئت فيها تلك الرابطة فترة عصيبة. وكانت 
حكومة نكسن في العام 2 قد أطلقت »غعمulة‏ ڊlgلدر« Operation Boulder‏ 
التي قصد منهاء على غرار قانون المواطنة 4٩٤‏ ٤٥1ء٤ه۲‏ بعد ثلاثة عقود» أن تخرس 


197 


إدورد سعيد 


العرب الأمريكيين بتهديدهم بالطرد من البلاد حتى» بينما كانت تغض البصر 
عن التمييز ضد العرب في داخل الحرم الجامعي» وعن التحيز المؤسسي ضد نقاد 
إسرائيل. وكان ال محذورء وهو محذور نوقش بحدّةء هو أن رابطة مخصصة لخريجي 
الجامعات وليس للعمال العاديين قد يبدو أنها مؤّسسة لأبناء النخبة. ولكن هذا 
المحذور قوبل بالرسالة الضمنيةء وهي أن الأمريكان العرب كانوا يحملون شهادات 
علياء وأن معظم العرب الذين هاجروا إلى الولايات اممتحدة فعلوا ذلك للدراسة. 
وكان الهدف الأساسي للرابطة «تقديم اممعرفة»”'. 

م يكن جميع زملائه سعداء بهذا الخيار الذي اتخذه عن وعي. صديقه البلا 
على سبيل اممثال رجاه ف أوائل السبعينيات ألا يكون الأستاذ الحذر بقدر ما يكون 
المثقف ال ملتزم. فردٌ سعيد متحدًيا: ما تحتاجه الحركة مثقفون أكثر ونشطاء أقل. 
نشطاء لا تزيد لقاءاتهم الراديكالية على كونها لقاءات اجتماعية. كان بالإمكان 
تحقيق عزيد بأن تون اإلرء «#صاحب تأ مفكرا أخلاقا ي اكام الأكادهى»5 

بهذه الروحية اتخذت بعض اقتراحات سعيد لتحقيق أنشطة سياسية ذات أثر 
أفضل شكل محاضرات في رابطة خريجي الجامعات الأمريكية ومقالات ف أوراةً 
العمل التي رفا وا أوقات مختلفة عمل سعيد بصفة نائب س الرابطةء 
وحضر اجتماعات مجلس إدارتها. ومع ذلك فإن قاعدة الرابطة القائلة «إن أي 
عمل تضطلع به الرابطة مهما كان تافها يجب أن يوزع بالتساوي» استثني منها 
سعید» وهذا آذى إلى استياء بعض الأعضاء. وقد اعترفت إلین هاغوپیان ۴11۸٤‏ 
Hagopian‏ مؤرخة أعمال الرابطةء أنها ظنته في البداية شخصا من الهواةء لكن 
رأيها فيه تَغْيّر عندما لاحظت الحقل الخاص الذي احتله الثناي الرهيب الذي 
تشكل منه هو ويده اليمنى أبو لغد. وبينما كان الثاني أفضل في حشد الدعم خلف 
الستارة أو في اجتذاب دعم رجال الأعمال العرب ووكالات الأمم ا متحدة. فإن سعيد 
كان المعبّر عن المظام» «وابمكتبة المتنقلة للكشف عن الأساس الاستعماري الصهيوني 
لتلك المظام»*'. 

على أنه م يصل إلى ذلك الدور على نحو طبيعي. فنوبار هوفسپیان ۸b‏ 
Hovse pian‏ وهو ناشط من جیل اأصغرء وكان ينظر إلى سعيد نظرته إلى الأخ الأكرء 
يذكر لقاءه الأول به ف مناسبة من مناسبات الرابطة في شيكاغو ف العام 1975. 


198 


عقل الأغيار 
وكان سعيد قد صار يعد من المشاهيرء ولكنه مم يصل بعد إلى مرحلة الكاتب 
الواثق بنفسه التي وصل إليها مع كتابه «امسألة الفلسطينية« The Question of‏ 
(1975) 6ا۴ وعندما كلف بان يتول وظيفة صاحب الدغوة إلى حفلة الحشا 
أظهر شيئا من القلق والارتباك؛ كان ذكيا ولكنه افتقر إلى الفصاحة. وعندما ذعي 
في العام اللاحق إلى تقديم آرائه في مجلس العلاقات الخارجية فإنه حضر مستعذا 
تمام الاستعداد» وأذى دوره برشاقة وإيجازء وهو ما جاء بلا شك نتيجة استعداد 
مضن» > ووقف E,‏ بجانب ندّه الإسرائياي الذي کر کل ما يحفظه عن 
الاقف المعروفة. وبعد أن طرح عدد قليل من الأسئلة كان الحدث قد انتهى. وقد 
أذى الضغط العاطفي الهائل والفرق الشاسع بين الجهد الذي بذله وبين الحظوة التي 
نالها جهل خصمه إلى التيْل من سعيد» ثمٌ أشار إلى سيّارة أجرة. وبعد أن وذع صديقه 
تقبأ في الشارع". 
لكن على الرغم من بداياته القلقة فإن مكتب التحقيقات الفدرالي أحس 
بأهميته. وعند النظر في ال 147 صفحة التي م بالاطلاع عليها من العدد الكاي 
من الصفحات البالخ 238 صفحة التي يتشكل منها املف الخاص بسعيد لدى 
المكتب فإن تلك الصفحات تجعل من الواضح أنه كان تحت الممراقبة منذ البدايةت 
خاصة فيما يتعلّق بأنشطته في رابطة خرّيجي الجامعات الأمريكية. وقد ركز ا مكتب 
تركيزا خاصًا على ترؤسه للندوة المسماة «الثقافة والروح النقدية» له Cu tue‏ 
the Cاitica1 Spit‏ التي عقدت ف مؤتمر بوسطن التابع للرابطة في أكتوبر 1971. 
وكانت مراقبة المكتب أشد بعد الهجوم الذي حدث ف أومبياد ميونخ في العام 
2. فقد درست خلفيّته» وجنسيّته» وسجله في الانتخابات» وحسابه البني» 
وله الاثتماني دراسة مدققة بالتعاون ا معيب من جانب المخبرين في جامعتي 
پرنستن وكوطبياء وكذلك من جانب مكتب خزيجي جامعة هارقرد. وف شهر مايو 
1982 سلم عميل خاص ملكتب التحقيقات في نيويورك تقريرا سريًا للمدير وليم 
وبستر ۲اا W111‏ «يقول إن اسم سعيد آثار انتباه فرع المكتب ف نيويورك 
في سياق موضوع يخص الإرهاب» 
تبن أن الشكوك القانمة على إسناد الذنب إلى شخص بربطه بآخر (كان سعيد 
قد تراسل في يوم من الأيّام مع شخص عدَّه اطمكتب مخرٌّبا) ليس لها أساس؛ ولذلك 


199 


إدورد سعيد 


تخلى المكتب عن القضية. ومع ذلك فإن الملف كشف عن انشغال المكتب ها كان 
سعيد ينشره في الصحف وبكتاباته الأكادهية. فقد وضع ال مخبرون في العام 1970 
على سبيل اممثال تحليلا تفصيليًا طمقالة نشرتها صحيفة «بوستن غلوب» 0ء8 
6 عنوانها «أستاذ في جامعة كومبيا يلقي اللوم على الاتجاهات العرقية في 
الصراع العربي - الإسرائيلي»*. وأعدّوا فيما بعد تسعة وأربعين ملخصا منفصلا 
ممقالات نشرتها صحيفة «نيويورك تايز»» وقالوا إن آراءه ا منشورة تشكل خطرا على 
إسرائيل خاصةء وأنها ستكون أخطر ف اممستقبل. وقد تبين أن مخاوفهم كان لها 
ما يسوغها. فهذا ستانلي کیرتس ۲2ں رeاصها؟‏ وهو مختص بعلم الأنثروبولوجيا 
في مؤسُسة ھوڭر eا»1»s)it H007‏ اممحافظة› سيقدم شهادة آمام اللجنة الفرعية 
التابعة مجلس النواب حول التعليم الخاص ٣٥iاھcںd٤‏ tءماءS‏ في العام 2003 
يقول فيها «إن نقد سعيد ال منتمي e‏ الأمريكيين 
في دراسات الشرق ا عاجزين عن اممساهمة في e‏ بُش على الإرهاب»*. 
ذلك النصر الذي تحقق فی وقت لاحق کانت بذوره قد نثرت في السبعينيات عندما 
التحق ذلك الرجل الذي وصف نفسه بأنه «لا يلتحق بشيء» التحاقا فعالا وقاد 
الجناح الأمريكي من الحركة. 

في العام 1977 انتخب سعيد عضوا مستقلا في المجلس الوطني الفلسطينيء 
وهو البرممان الل في الغربة الذي كان يتطلب الإعلان عن الانتماء الحزي. 
وعلى رغم أن سعيد كان في البداية متعاطفا مع الجبهة الدهوقراطيةء وهي جماعة 
انشقت عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العام 1969ء فإنه م ينتم إلى 
الجماعة. وصمّم على البقاء خارج المنازعات الحزبية*. لكن مغازلاته مع الجماعة 
أشارت إلى ميوله السياسية في تلك الفترة. كانت الجبهة الشعبية تمثل أقصى اليسار 
٤‏ المنظمات الفلسطينية» وهي منظمة ماركسية الاتجاه وليست شيوعية صر يحة. 
هذان الاتجاهان داخل الجبهة الشعبية» وهما متصلان فكراء منفصلان تنظيماء 
يعكسان ملاحظات شفيق الحوت عن عمق الاتجاه الشيوعي في تاريخ فلسطين 
الذي انتمى إليه كثير من الفلسطينيين (ولكن ليس الحوت نفسه) لأنه كان 


(>) Columbia Professor Blames Racist Attitude for Arab-Israeli Conflict. 


200 


عقل الأغيار 


أوضح طريقة للتعبير عن احتقار السياسات الإمبريالية لكل من الولايات المتحدة 
وبريطانيا. كذلك كانت القوة الدافعة داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي تكاد 
تكون فلسطينية بكاملها. أما منظمة فتح» وهي أكبر حزب في منظمة التحرير 
الفلسطينية. فقد ظلّت دانما في نظر سعيد ذات توجه قوميْ مبالخ فيه وشديدة 
اميل إلى التقرب من الإسلام السياسي. وقد لاحظ سعيد حتى في وقت مبكر تهديد 
التطرّف الإسلامي 'slamic Fundamentalism‏ داخل الحركة. 

وإذا أزحنا هذه الصراعات الفئوية جانباء فإننا نجد أن سعيد بقي عنصرا أساسيًا 
في الكفاح الفلسطيني. وتلقت محاولاته المترددة الأولى ليكون الناطق الأول باسم 
الحركة في ا محافل الدولية دعما من قبل الترحيب النسبي الذي أبدته سنوات حكم 
كارتر. فقد توافرت منافذ لإقامة دولة فلسطينية أكثر من أي وقت مضى أو تلا 
وتبين أن رابطة خرّيجي الجامعات الأمريكية هي الجهة التي توجهت لها حكومة 
كارتر للتفاوض. وسرعان ما اتصل به زميله في الدراسة بجامعة پرنستن هُدنغ 
کارتر الثالث 111 Hodding Carter‏ للقاء سايرس «Cyrus Vance il‏ الذي 
كان آنذاك وزير الخارجيةء فالتقى» مع زملاء آخرين من الرابطةء بکل من انس 
وفلپ حبيب (1طه11 «نانط۴ نائب وزير الخارجيةء في 8 نوفمبر 1977. وبعد 
اة قصيرة من زيارة الرئيس المصري أنور السادات الخلافية إلى القدس ممخاطبة 
الكنيست الإسرائيليء التقى كارتر با مجموعة في 15 ديسمبرء على رغم أن سعيد 
تغيّب لارتباطه موعد في الخارج. وف السنة التالية طلبت وزارة الخارجية الأمريكية 
من سعيد أن يرى ما إذا كان بإمكانه أن يقنع منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف 
بإسرائيل رسميًا. في مقابل ذلك وعد کارتر بدعم حل الدولتین» وضمان أن تکون 
الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967 هي الأراضي القومية للدولة 
الفلسطينية. 


(*) إن مصطلح fundamentalism‏ يستعمل في المسيحية للدلالة على صدق کل ما ورد في الكتاب المقدس. 
والمصطلح الذي يعبر عن هذا المفهوم عند المسلمين هو «الممذهب الظاهري» القائل إن كل ما ورد في القرآن الكريم 
صحیح معناه الظاهر. أما مفهوم التطرف» الذي بعبر عنه حرفيا باللفظ الإنجليزي صءنصءء)×8 والذي ألحق 
بالإسلام وامسلمين أخيرا؛ فهو من قبيل فرض المصطلحات على وسائل الإعلام لأغراض سياسية واضحة. ومما يؤسف 
له آنه قد اصطنح ربط مفهوم التطرف باللفظ ”٣ءناة٤‏ ٥م‏ ةلمن وشاع ذلك الربط حتى بات من الصعب التخلص 
منه» ولذلك فإنني استعملت كلمة «التطرف» مقابل المصطلح fundamentalism‏ لأن هذا هو ما يقصده المؤلف 
(ورها سعيد نفسه وفق ا مصدر الذي ينقل عنه المؤلف» وهو سامي البنا).[المترجم]. 


201 


إدورد سعيد 


لا شك في أن الطلب جاء نتيجة للشهرة ا مفاجئة التي حفقها سعيد بعد تلميح 
السادات غير امتوقع له قبل ثلاثة أسابيع في خطبة علنية قال فيها «إن أستاذا 
أمريكيًا من أصل فلسطيني» يحسب أنه مقبول تماما ليرأس وفدا فلسطينيًا في 
محادثات السلام في جنيف”. وبينما أخذ سعيد عرض كارتر على أنه فرصة نادرق 
ونقل العرض لعرفات بلهفة. فإن رئيس اممنظمة م يُجب. فاضطر قانس للعودة إلى 
سعيد سعيا إلى معرفة أسباب الصمت الذي أبداه ا وقي هذه الأثناءء وبعد 
دراسة الوضع» شعر سعيد بأن من الحكمة التقليل من شأن امبادرة التي أممح 
إليها السادات. م يغلق الباب تماماء بل فسّر الأمر لوسائل الإعلام في مقابلة أجريت 
معه بقوله إنه م يكن أفضل شخص لأداء المهمةء لاسيما آنه يعيش ف الولايات 
المتحدة. وكان خياره الأفضل أن يظل في الخلفية. 

استمرّ صمت عرفات حول اقتراح فانس طا يقرب من أربعة أشهرء فاتصل 
سڪید بالحوت فزعا لیتاکد من آن عرفات تسلم العرض. ثم سافر إلى بيروت شخْصيًا 
ليحصل على الجواب الصاف» ولكن عرفات رفض قبول الممبادرة بحجة أن الأمريكان 
كانوا غير عادلين باستمرار وأن منظمة التحرير ليست بحاجة إلى ذلك الاعترافق". 
هنا شعر سعيد بالحرج والحيرةء وعاد بالرسالة إلى البيت الأبيض» وفكر فيما بعد 
بامفارقة التي جعلت عرفات يحثه في العام 1982 لكي يتدحُل مح جورج شُأنْس 
Shu‏ eorgeت‏ الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية في عهد ريغن منع القضاء على 
قيادة المنظمة فیما كانت دبّابات شارون تزمجر باتجاه بيروت. 

KKK 

غرف سعيد في السنوات الأولى من التحاقه بجامعة كومبيا بأنه باحث شابُ 
ماوق تعامله مع أعمال كونراد. أما مقالاته عن المنظرين الفرنسيين المتعبين من 
آمثال پوليه وليقي-شتراوس» أو ذلك الفيلولوجي الموسوعي أورباخ» فقد لوحظت؛ 
ولكنها بقيت على الهامش إلى أن غاص ق النظرية الفرنسية مع كتاب «البدايات» 
(1975). وقد رأى أن الكتابَ بالدرجة الأولى كتاتٌ عن دور المثقف وما يهدف 
إليه النقدء ورأى أن من شأن الكتاب أن يفتح الطريق أمامه أو أن يغلقها. كانت 
الانطباعات الأولية ذات أهمية قصوىء وهذا هو السبب الذي جعل ما جمعه فيه 
على تلك الدرجة من الغرابة إذ وَضَحَ فيكو عام البلاغة الكبير ودار القانون 


202 


عقل الأغيار 

الروماني الذي اشتهر ق أوائل القرن الثامن عش إلى جانب ميشيل فوكوء خليفة 
لسارتر وخصمه الكؤود. 

لقد بدا ممعظم القراء أن وضع فيكو مع فوكو يثير الاستغراب. فقند کان کل 
منهما نقیض الآخر في كل النقاط التي ركزا عليها: اللغةء التاريخ» القدرة. عد فيكو 
أساطير الأوّلين أشكالا من الفلسفة العقلية التي جرى التعبير عنها بطريقة شعرية. 
أما فوكو فقد تبع نيتشه في أنه عد الحقيقة تركيبا ميثولوجيا للغة. وكان من رأي 
قیکو أن طبيعة الشيء الحقيقية ۲1۳ء۷ لا هكن معرفتها إلا بصنعها صداءه£ 
بينما رأى فوكو أن التاريخ ليس له صانعون» وأن التغيير يني عبر تغبرات لا اسم لها 
في اممنظور. 

کان ڦيكو» وهو من دعاة المذهب الإنساني انمه "نط اممتحمسين» يدعو «عصر 
البشر» "٤۸‏ ۴ه #عه مرحلة من مراحل التاريخ تنضج فيها الطبقات الدنيا وتشکل 
أول قانون عام وتستقل عن العبودية التي سادت في عصر الآلهة والأبطال. أما 
فوكو فقد وضع «الإنسان» ده في عام الأوهام وقارنه في مقارنته الشهيرة بالكتابة 
على الرمال التي تمحوها الأمواج والأزمان. وكان القانون عند فوكو شيئا مشكوكا 
فيه لأنه مال إلى أن يرى أن الدولة الحديثة أشدٌ طغيانا من النظم الملكية المطلقة 
التي ظهرت في امماضي؛ ولك اها آحات مكل العنف الممباشر في العقاب نظاما 
«رحیما» یتغلغل ف کل ناحية من نواحي الحياة المستيقظة. ينظم أفكارناء وشهواتنا 
لحك واف الو ئة الد أعلت الحد اة الركاة وذاكرية محل التق 
ف الساحات العامة وأخضعت بأسلحة العقل والرعاية الأخلاقية كل من يعيش 
خارج معاييرها. 

انصبّت جهود سعيد في الكتاب على ۰ نسيج واحد من هذه الخيوط 
المختلفة. وكان قد وصف أطروحته في صيَغ أبكر من الكتاب على النحو الآ: 
«اكتشاف لغة مشتركة بين ثقافات ولغات متصارعت 0 كل صيغة من «البدايات» 
اق الك اى فرت فعا اقوت قت طول خض اة رة وهي 
فكرة أخذها عن فيكو الذي تحدّث عن «لغة عقلية مشتركة بين الشعوب كلها... 
حيث تربط الوحدة اللغوية البشْرّ معا على حساب حضور بعضهم الوجودي المباشر 
إزاء بعضهم الآخر»“ 


203 


إدورد سعيد 


غير أن التعليم السياسي الذي تلقاه في بيروت غير تفكيره عن إمكانيّات 
الأدب» وترك آثارا في كل ناحية من نواحي «البدايات». وكان بالفعل قد مد 
نظره خارج إطار التراث الأوروبي ي العام 1972 وكتب عن الروافي المصري نجيب 
محفوظ”. أما الآن» بعد سنتين» فقد استغل تلك المعرفة واستعملها ف مقالة 
غير عادية تجاهلها كثير من قرّائه» ألا وهي المقالة المعنونة «النثر العربي والرواية 
النثرية بعد العام 1948« 1948 «Arabic Prose and Prose Fiction after‏ 
التي ظهرت ق الأصل على شكل مقدمة لرواية حليم بركات «أيام الغبار» وره 
Dust )1974(‏ إه التي تجري أحداثها في أثناء حرب الأيّام الستة. إنها أبرز ما 
كتب في الحقبة الأولى من حياته ال مهنية» وهي مقالة تجمع البلاغة والسياسة معا 
بطريقة تذکرنا بکتابه عن سُوفت: 

کان ما عنیت به اس العام 1969] هو كيف أنْ... لغة من اللغات 

هكن أن تتشكل؛ الكنابة بصفتها تشكيلا لوقائع خدمت هذا الغرض أو 

ذاك بصورة عملية... وكنت قد كتبت مقالة تميل إلى الطول عن النشر 

الروائي العربي بعد العام 1948 ذكرت فيها شينا عن الطبيعة المجزأة 

امتصارعة للمسار السردي. 

وكان الرأي الذي قدّمه هنا متشدّدا وغير رومانسي. وقد غازل» باقتطاف أفكار 
من كتاب سارتر «ما الأدب؟» (1948) ?١۲ا11‏ ء1 اط7 الواقعية الاجتماعية 
إن م نقل الواقعية الاشتراكية. كان هذا الرأي محرجا في الدوائر الأكادهية التي 
كان يتحرك ضمنهاء ولرها ساهم ذلك في تعرضه للإهمالء لكنه سيعود فيما بعد 
ممحفوظ في عدد من الممقالات البارزة في مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» ”10,0 
Review of Books‏ وغرھا حاول فیھا آن يتابع البرنامج الذي بدأه مقالة «النثر 
العربي والرواية النثرية بعد العام 1948». فقد ركز على أهمية محفوظ بصفته 
مؤرّخا لا مثيل له للحياة القاهرية ومصدر إلهام للروائيين الذين ظهروا بعده 
ورأی فيه شخصا مترفعا لا يقلقه شيء» مبتعدا عن نقد الناصرية» وواحدا من أوائل 
المثقفين الذين يدوا معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (وهو ما جعله يستحق 
النقد في الصحافة العربية وفق ما يرى سعيد)”. أما ف الجلسات الخاصة فقد 
کان سعید یشیر إلى محفوظ بعبارات أقل إطراء» مشیر إلیه بأنه بُلور لن 8u] wer‏ 


204 


عقل الأغيار 
١دارا‏ المصري؛ في إشارة إلى مؤْلف الروايات الطموحة ال مكتوبة بلغة شيكسپيرية 
مفتعلة*. كان سعيد راغبا في المضي إلى أبعد من «وقف محفوظ نفسه للأدب على 
الطريقة الفلوبيرية... التي تبعها مسار حداثي إلى حدٌ ما» جعله يقف على الضدٌ 
من روائيين عرب مم ينالوا من الشهرة ما ناله هوء روائيين من أمثال جبرا إبراهيم 
جبرا وطه حسین. 
کانت کتابات آخر جيل من الروائيين العرب أهم في نظر سعيد من كتابات 
محفوظ الذي كثرت أوسمته من الناحيتين الفتبّة والسياسية. فقد كان الروائيون 
الأصغر سنا أكثر «حركة». فالنثر المفتت الذي يستخدمه غسان كنفاني وتعدّد الرواة 
عنده» على سبيل الممثالء ينجحان في التعبير عن انعدام قيمة الحياة عند العمال 
الفلسطينيين الوافدين إلى الخليج. بحيث يلتقي القدر والشخصية في سلسلة من 
التصادمات المدمرة. أما الأسلوب التجريبي الساخر في رواية إميل حبيبي «الوقائع 
الغريبة في اختفاء سعيد أي النحس llتشÛlئJ« The Secret Life of Saeed,‏ 
he Pessoptimist )1974(‏ فقد مزجت إیسوب A‰0p‏ بألکزاندر دوما 
Alexandre Dumas‏ وولت دزني Walt Disney‏ معالجة فلسطينية حرة لرواية 
التشرد e‏ . وأشار سعيد إلى أن الاطراح ا متعمّد للشكل الروائي مکن هؤلاء الكتاب 
rT‏ من متطلبات الأجناس الأدبية الموروثة ومن تقديم_ أرضية واقعة 
بين المقالة والسبرة الذاتية والرواية. وقد ارس کر منهم ترسو الت ان 
الساخرء إنتاج ما يدعوه سعيد بعبارة تثير التأمّل هي «لغة الأرض الواضحة» -ا[٠”‏ 
.articulated earth language‏ وقد بدا أن سعید لا پیحث عن أُقلّ من شکل 
جدید لفن الأطرافضف ıkblzldlة .*#elobal periphery‏ 
وصلت الرواية متأخرة ف العام الحري على غرار ما حدث في كل من أفريقيا 
وآسياء ولكن كان لذلك بعض الفوائد. ففي الغرب ميّز الكتاب بسهولة بين أماط 
من السرد التاريخي؛ كما في كتاب ماركس «الصراع الطبقي في فرنيا» ءئهاC‏ م11 
Struggles in France (1850)‏ ورواية فلوبير «التربية الئراطفيë Sentimental‏ 
Education )1869(‏ وکلاهما عن ثورة 1848 في باريس» لكن الكتاب الأول كتاب 


(٭) لفظ «اممتشائل» tینص1ام‌ه‌ءو۴e‏ منحوت من لفظي «اممتشائم» Pessimist‏ و«اتفائل» Optimist‏ .[اممحرر]. 
( *) الأطراف ف مقابل المركزء أو العام الثالث في مقابل العام الأول .[المترجم]. 


205 


إدورد سعيد 


في النقد السياسيء أما الثاني فهو رواية. وكان بوسع الكتاب الغربيين أن يتجاهلوا 
تاريخ الأشكال لأن تمييز هذا التاريخ بين الأجناس كان أمرا مفترضا منذ البدايةء 
فأتاح لهم ذلك مزيدا من التأمُل الداخلي والتفثن النضي كما ف الرواية التأسيسية 
في الغرب» رواية «الدون كيشوت» #اه×نسQ‏ 00۸ التي تتناول قصتها أكثر أو أقل 
من مسألة قراءة الروايات وكتابتها. 

أما مَهمُة الروائيين اة المقابل فلم تكن مقيّدة بهذه القيود المسبّقة. 
وظهرت رواياتهم في باريس ولندن كأنها روايات بدائية توثيقية نشأت لتلبية 
الحاجات الخاصة للفنانين العرب للتعبير عن الأزمة كأنها تسجيل ضروري معاصر. 
وفي ضوء ذلك فإنه مم يكن من باب التهويل أن تدعى كتابة الروايات عملا تاريخيًاء 
بل فعلا من أفعال اممقاومة. كما قال الناقد الأدبي المصري غالي شكري بعد العام 
7 «م تكن الكتابة وما كان بإمكانها أن تكون حرَّة: کان لا بد من أن تضع 
نفسها في خدمة الحياة»*". وقد اتفق سعيد مع هذا الرأي ف هذه المقالةء واستعان 
با مسرحيات الكوميدية الشعبية التي كانت تمثل على مسرح الريحاني لعرض الردح 
الكلامي ا يشبه قتال الديكةء ونظر إلى تراث القرون الوسطى الكلاسيكي ا متمثل 
ب «مقامات» الحريري (1237)» وهي مجموعة من القصص التي تجمع الشعر إلى 
النثر» وتتكؤن في الأساس من تبادل حكايات تنظر في الحياة اليومية للطبقات الدنيا. 
وفي الجزء الأخير من المقالة مزج سعيد بين العناصر العربية والماركسية بالالتفات 
إلى صادق العظم الذي مثلت كتاباته» في رأي سعيد الإمكانيّات التي تتيحها هذه 
التيارات الغنبّة الجديدة. قال سعيد: «إن الصفة التعليميةء لا بل المتحذلقةء لنثر 
العظم» يجب أن رى في رأية على أتها قمى للدكة: واتها عن استعدااد لتقل التقد 
المقذع لابتعادها عن اذعاء التواضع أو الانغماس ف عبث «خلط الأساليب»”. 

تب كتاب «البدايات» في ظلٌ احتدام هذه الصراعات في الذهن» وجاء الكتاب 
جه اضراع موج من جيك إن هرق السة قي ينات قيا اتحرت اما 
اللبنانية وانتهت فيها حرب قييتنام رسميًا. وهنا اصطدم الكتاب وجها لوجه مع 
الحالة الذهنية العامة التي مثلتها أفضل تمثيل الكوميديا الهابطة المرتبطة باسم 
جرد فورد ۴١۲۵‏ 4[هإ٠6‏ وثقافة شعبية يرمز لها النقد اللاذع للحكومة في برنامج 
«ليلة السبت على الهواء مباشرة» 11۷e‏ ع1× رهلإuاهS؟.‏ وبدا أن الإنهاك السياسي 


206 


عقل الأغيار 
الذي أعقب عقدا من الاحتجاجات لا يشجع على شن حملة جديدة. ولذا فإن 
سعيد استغل الوقت غير المؤاتي» وشرع بالإضافة إلى كتاباته عن الشعر العربي 
والرواية العربية بكتابة مقالات عن جويس بصفته كاتبا مناهضا للاستعمارء وعن 
الغياب المخزي ف فن الرواية الأمريكية لروايات عن الإمبراطورية الأمريكيةء وهو 
الأمر الذي يتميّز به البلد. 
وفي بحثه عن شخص يتفهّمه كتب رسالة محرّر مجلة «دیاکریتيكس» 
ئ¡ قبل سنتين قال فيها: «هل تشعر مثاي بأن هناك موجة لا تصدّق من 
الكتابات الزائفة التي تجتاح البلد بحيث يجعل كل باحث أو مثقف من نفسه توم 
6 ا روحت الكل عن الأغوا ولول العجل وك كط 
آخر الأفكار كلها معا؟»"“ وأحسش بعبارة «عقد الاھتمام me decade «iJl‏ 
تطل من وراء الأفق» وحاول بطريقته الخاصة أن ينفذ الضربة الأولى. ومع أن 
كرين 6 يتتبهوا إل كلل امعان إن القلميحات إل الخرق الأوسطام تفت كل 
الناس. فهذا رچَرْد کلاین ۸11۸ 1۲4ء۸ مثلاء وهو أستاذ في جامعة كورنل (حيث 
DiêcFiticê ai il‏ تصدر)» حسب آنه في قراءته بین السطور قد وجد «وسائل 
فكرية قوية... موضوعة لخدمة المصالح القومية العربية» وفق ما قال في رسالة 
رپ إل الحزرين وهي رسالة مرها لسحية تسه أيغا. وقد كرست الجا 
كتاب «البدايات» بأن خصّصت عددا خاصًا كاملا لهء ها في ذلك مقابلة طويلة مع 
سعيد» فاعترض كلاين على ذلك لأن الكتاب من وجهة نظره كان يعرض على الناس 
بديلا جذابا عن السردية اليهودية-امسيحية اممتداولة. 
حقق الکتاب نجاحا باهرا کما توقع سعیدء وحصل على مراجعات فی کل مکان 
كتبها عتاة العاملين في المهنة. لكن النتيجة كانت غير متوقعة من بعض النواحيء 
فالعدة الضخمة التي استخدمها الكتاب جعلت قراءته أمرا صعبا ممعظم القرّاء. فهذا 
إنغل 1ءع« 8 اممشرف اممشارك على أطروحة سعيد في مرحلة الدكتوراه رفع يديه 
للتعبير عن أسفه لأنه كان يفتقر إلى الإعداد الفلسفي الضروري لفهم الكتاب”. 
(#) هذه عبارة ابتكرها الكاتب توم ولف وصفا لعقد السبعينيات من القرن الماضي ليشير إلى أن ذلك العقد هو عقد 


الترجسيةء والانغماس في اممتع» وعدم الاكتراث بالقضايا الاجتماعيةء خلافا ما أبداه جيل الشباب ف عقد الستينيات من 
مناهضة للحرب واهتمام بالقضايا السياسية والاجتماعية.[امترجم]. 


207 


إدورد سعيد 


وقال طالب سابق من طلبة سعيد» وهو الآن صحفي معروف» بدأ بقراءة الكتاب 
ولكنه تخلى عن هذه المهمة قائلا إنه «يفتقر للمؤهلات الضرورية». أما توني تانر 
"nner‏ ورا الأستاف ا متميّز في جامعة كيمبرج وصديق عزيز من أصدقاء سعيدء 
فقد طلب تفهم وضعه: «هنالك أجزاء من الكتاب يعجز عقاي الأنغلوسكسوني عن 
متابعتها حتی عندما مارس كل ما لديه من قوّة (أو ضعف)». 

أدرك سعيد منذ البداية آنه کان يتعين عليه تكوين جمهور مم يكن موجودا 
بعد إن كان للكتاب أن يفهم فهما تامًا. فمعظم مدرْسي الأدب في ذلك الوقت 
استقوا معرفتهم مباشرة من الشعراء والروائيين الذين كانوا يقرأونهم إن كانوا 
راغبين ف التعرّف على نظريات اللغة أصلا. كانت قصائد پول فاليري وت. س. إِليّْت» 
مثل روایات مارسیل پروست ایںهإ۴ 1ءء۲ه1. شديدة الشبه بالنظرية؛ ت 
نها كانت قصصا عن قصصء» وكتابة عن الكتابة وعن مزالق اللغة. وقد استعمل 
كتاب من أمثال بارت وفوكو ودريدا أساليب الشعراء والروائيين في اللعب باللغة 
متلدذين بالغموض والتعميات اللغوية؛ ذلك النوع من اللغة الذي يستدعي الانتباه 
تة أن الكلمات خلقت المؤلفن ولس العكس. وقد سمح سيد اة ف 
المقابلة التي أجرتها معه مجلّة sءاإإءه‏ باممزاح حول انعكاس الدور هذا فقال 
إن التحيز المعتاد هو أن الناقد بالنسبة إلى الفنان يشبه هاوَرّد كوسل 214 H0W‏ 
العووة بالسبة إل مح علي الرجل المااج بالمة إل عبقرية الك كان 
هدفه في «البدايات» أن يقول إن فن كتابة القصص والنقد أساسيان بالدرجة نفسها 
وإن النقدء وليس فن كتابة القصص بالضرورةء هو المكان الذي تكشف فيه أعمق 
خفايا ا مجتمع الثقافية. 

شرح سعید في مراسلاته مع محرریه مقاصده بوضوح. كان القصد من 
الكتاب أن يكون معلما من معام الأدب ال مقارن» وتوضيحا ما هكن أن ينتج عن 
دراسة امصادر الإنگليزية. والفرنسية» والإيطالية والأمانيةء والعربية بلغاتها 
الأصلية. وكان فرويد أساسيًا أيضاء بعد تعريجه [أي سعيد] على علم النفس العربي 
في مقالة «التمثع». كانت نقطة الانطلاق في الكتاب قلب فكرة الكتاب الشهير الذي 
وضعه الناقد الأدبي فرانك كرمود ءله٣إKe)‏ kمه۴۲‏ بعنوان «الشعور بالنهاية» 
ate of an Ending (1967)‏ ط1 رأسا على عقب. فقد آذى هوس کرمود بفکرة 


208 


عقل الأغيار 
نهاية العام وبالنقد ا متعلق بالكتاب اممقدّس إلى تقديم النماذج الخطاً لعصرنا هذا 
أما سعيد فكان همه الأكبر «مسألة الاستقلال والتبعيةء أو الحرية والخضوع» وهذا 
يتطلب «إطارا جديدا للنظرية وا منهج ف العلوم الإنسانية؛ إطارا مستمدًا من العام 
الذي نعيش فیه». 
تب كتاب «البدايات» أصلا ليتشكل من اثني عشر فصلا مستقلاء لكن 
الس اة جه فك من ب هول اغد م اا 
مختلفة. ففي الحركة الأولى» تنقل المؤلف بشكل بالغ الذكاء بين المعاني المختلفة 
لكلمة «البدايات» نفسهاء وقال إن ا معالجات التاريخية في النصوص المموجودة 
في الفيلولوجيا الكلاسيكية كانت تتصف باممفارقة من حيث إنها ذات توجه 
طليعي أكثر من التوجُهات النظرية الحالية. ثم انتقل لاستقصاء الكيفية التي 
استخدم كناب مختلفون فكرة البدايات من خلالها انطلاقا من واقعية القرن 
التاسع عشر (وهنا كانت رواية «الآمال الكبيرة» ك« نtھect‌م»Ex Great‏ لچارلز 
دكنز s«ء)21‏ ءعاإهط مثاله الرئيس) إلى الرواية الحداثية (رواية «نوسترومو» 
6 ك اترات الوافتة لجل مها الممخرة من رة 
والإصلاح الاجتماعي”“. وقد ظل طوال الكتاب يضع الوضع الراهن للنظرية 
الفرنسية البنيوية وما بعد البنيوية في مقابل فيكو الذي خصص له سعيد الفصل 
الأخيرء قائلا إن ذلك هو ما كان يسعى للوصول إليه منذ البداية . 
كان المقصود أن يفهم التمييز بين الأصول والبدايات معنى الفرق بين الدين 
والعلمانية. فالكلمات الافتتاحية في سفر التكوين «في البدء» تشير إلى نقطة البداية 
الوجودية. ف لحظة من اللحظات كان هنالك العدم» وف اللحظة التالية كان هنالك 
عالم. وليس من ال ممكن الحصول على نقطة حاسمة أكثر من هذه أو نقطة أشدّ 
غربة عن الجهد والفهم الإنساتيين؛ ولذلك فإن الأصل يؤكد عجز الجهد الإنساني 
النابع من الكلمة الإلهية. أما البداية فتشير ف المقابل إلى ما يفعله اممرء؛ والبداية 
لا تدلٌ على مفردء فهناك بدايات كثرةء وبالإمكان دانما أن يبدأ المرء من جديد. 
وقد كان اهتمام سعيد الشديد بقيكو - ا معاصر لسُوفت وامماركيز دي ساد 11٤‏ 
Marquis de Sade‏ کما کان سعید يحب أن س إلى هذا التمييز. وكان 
الهدف تفادي «الأفكار الدينية عن الخَلّق» على غرار ما فعله فيكو . 


209 


إدورد سعيد 


لقد جعل الصوت الشخصي» لا بل الاعتراي» اطمستخدم في الكتاب فكرته فكرة 
يصعب التنبُۇْ بها لأنها تحط فيما يبدو على مجلدات مختلفة ف المكتبةء وتقتطف 
عبارات من كتب متباعدة. وكانت أماط الفضول التي أبداها سعيد لا تنتمي إلى فئة 
دون فئةء ولكنها بلغت من التنوّع التاريخي حدذًا جعلها لا تتناسب ودوره ال مفترض 
بوصفه دليلا يقود القراء في مجاهل النظرية الفرنسية لأن كثيرا من مصادره بدا 
أنها اختيرت لزعزعة الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية. لقد كان سعيد في كتاب 
«البدايات» قد أخذ يتخطى بنيوية ليفي - شتراوس ليصل إلى ما بعد البنيوية عزد 
فوكي ودريداء ودولوز» ودون المكوث هناك. فلم يكن بوسعه أن ينظر إلى اللغة 
كما نظروا إليها على أنها واسطة للرغبة. «لآثار ا معنى» وليس على أنها معرفة 
إن شنا الدقة. ورفض متابعتهم للدخول في تلك الهوّة حتى وهو يبدي إعجابه 
بحيوية انتصارهم في جعلهم ابمثقفين يشعرون بدوار الفكر لأن أرضيته قد أزيحت 
من تحت أقدامهم. لقد بدا تحليله ممعظم الأسماع بالغ الجدّة وسابقا لزمنه. ذلك 
أن من السهل أن ننسى أن كثيرا من هذه الشخصيات في النظرية الفرنسية م تكن 
أعمالها قد ترجمت ف تلك الفارة. وبغما كان يدم هؤلاء النظرين الذين كانا 
لایزالون أحياء وقي ذروة قواهم الفكرية للقراء الأمريكيينء فإنه کان مضي قدما 
ویخلفي وراءه. وما صنعه سعيد هو أنه جعل شکهم الأساسي حول اطمعرفة ينسجم 

مع الفيلولوجيا؛ وهي مدرسة نقدية مثلت - كما رأينا - الثقة ا معاكسة بصحة 
النصوص وإمكانيات التوصّل إلى التفسير الصحيح. 

كانت إحدى الممهمات الأساسية لدارسي أصول الكلمات» ومحققي النصوص 
الكلاسيكية» ودارسي النحو التاريخي في علم الفيلولوجياء على سبيل اممثال» أن 
يثبتوا أن النصوص التي وصلت إلينا من العصور القدهة نصوص أصلية. وبالنسبة 
إلى علماء من هذا القبيل كان النص الأصلي أشبه بشبح لا هكن العثور على الدليل 
على صحته إلا بشكل غير مباشر مقارنة الأخطاء في الصيغ التي أصابها التلف 
أو التزييف في وقت لاحق. ومن الناحية العملية كان النص دتما نتاج تجميع 
لقصاصات متبقية من زمن ماض» وبعبارة أخرى نتاج مزق ألصقت معا بقدر من 
التخمين لتشكيل نص امل وبغد مروز قرون هن الزمن يعفن الورق» وتوضع 
الصفحات في غير محلها الصحيح» ويشحب لون الحبرء ويزيد المحرّرون النص 


210 


عقل الأغيار 
تلفاء ويتلف الرقباء النصوص. ولا يلمس الباحث بيده أو الباحثة بيدها الشيء 
اطماذي الذي هكن أن يقال عنه إنه الأصل. 
اشتعمل سيد هذه الصورة استعمالا ناجحا جد مذكرا معاضربة من أصخات 
النظريّات بن الإنسانيين الذين سبقوهم تساءلوا مثلهم عن الأصول. وفضلا عن ذلك 
وجدت المدرستان أن الأصول «لازمة» مصطلحات سعيد (أي غير فغالةء تقلل من 
أهمية المؤلف). غير أن النظريةء خلافا للفيلولوجياء تجاهلت أننا جميعا مدفوعون 
بالرغبة لاكتشاف تلك الأصول في كل الأحوال بالاعتماد على «القصد والمنهج» (وهذا 
هو العنوان الفرعي لكتاب «البدايات») الذي يستخدمه النقاد لإعادة الحياة لتلك 
النصوص بقوًة الإرادة. إذ كيف هكننا أن نعرف من نحن إن فم نعرف من أين جئنا؟ 
لقد استقصى سعيد في حاشية عن فوكو تنتمي إلى تلك الفترة ما يترتب على هذا 
الاختلاف بشكل واضح: 
كلما أبعدت نفسي عن مراكز ثقلي الطبيعية المعتادة زادت فرص 
فهمي للأسس التي من الواضح أنني أقف عليها... أحاول أن أجد 
أصولها... الضوابط التي تفرضها علينا؛ ولذلك فإنني أحاول أن أضع 
نفسي على مبعدة منهاء وآن آبين کيف يکن للمرء آن يهرب“. 
لقد أعيد منطقياء بتأكيده الجانب الفعّال من الأصول على هذا النحوء إلى 
البدايات» وهي التي أكد أصحاب ما بعد البنيوية أنها أسطورةء والتي اعتقد 
الحداثيون أنها مطلقة؛ طريقة جديدة تمام الجدّة للرؤية من دون تحمل آي دَيْن 
للماضي. أما سعيد فلم يكن يثق بالجدة المطلقة. وهو م يكن راغبا في إنكار اا 
کل ها رادو هو اروب عن ارا اة 
من الواضح أن هذا التأمل في البدايات كان إعلانا عن بدايته هو أيضا. ولرها 
كان إمساكه مصطلح الفيلولوجيا أبعد حركة عن التوفع من هذه الزاوية؛ ذلك 
أن الفيلولوجيا كان لها دانما شيء من الإحساس بالعفن اممتصل بدراسة اللغات 
اللاتينية واليونانية والعبرية كما كانت تحشر في صفوف الدراسة في القرن التاسع 
عشر. وبهذا ا معنى كانت تستدعي للذاكرة الدراسة اممتعبة للنحو المقارن» وأصول 
الكلمات» ووضع ال معاجم» ولذلك بدت بعيدة كل البعد عن الانسجام مع استكشاف 


التجارب الفرنسية ال معاصرة في الفكر المغامر. وبعد مرور سنوات قال سعيد متندّرا 


211 


إدورد سعيد 


إن الفيلولوجيا أقل فروع ا معرفة امتّصلة بالإنسانيات جاذبية"*. لكنه مع ذلك 
وجدها بالغة الإغواء. فقد رأى فيها ما كان قيكو قد رآه: «دراسة كل الأفعال اللغوية 
الإنسانيةء أو معظمها» ليس القصائد والروايات فقط بل القانون» وعلم الاجتماعء 
والاقتصاد. والتاريخ... رأى فيها فنا شاملا وعلما جديدا. ويعود انجذابه هذا إلى أبكر 
أيام تدريسه في مرحلة الدراسات العليا في برنامج التاريخ والأدب في جامعة هارقرد 
في أواخر الخمسينيات» حيث كانت الفيلولوجيا هي موضوع الممواد التي درسها حتى 
في ذلك الوقت. وف السنوات الأخيرة من سيرته المهنية أعلن منتهى الوضوح أن 
مشروعه ممكن التعبير عنه ببساطة بأنه «تجديد تراث الفيلولوجيين العظماء»”. 

کان سعيد بقوله هذا يرفض التخصصء فالفيلولوجيّون الذين يدفعهم جوعهم 
إلى كل شيء لغوي مم يكونوا بعيدين عن روح الحداثة الأدبية نفسها. فلئن كانت 
الخطوة الجبارة للفيلولوجيا هي ذائقتها العامة على امتداد ا معرفة فإن تمرد النظرية 
الفرنسية (بتعبير سعيد) هكن تلخيصه بطريقة تكميلية وإن كانت مختلفة بقولنا 
إنه «عدم انتظام المعرفة وعدم استمراريتها... وافتقارها إلى لوغوس* مركزي 
منفرد»°. 

كان سعيد يبحث» بدلا من قطيعة كاملة مع الماضي» عن أصالة تستند إلى تراث 
على رغم ما في ذلك من مفارقة. وهنا وقف فوکو في طريقه. ومن هنا جاء غموض 
مشاعره نحو المفكر الفرنسي الذي زّده بالثروات الفكرية فيما كان يثير الشكوك: 

الأصل والبداية غريبان [عما يقصده فوكو] مجرى الخطاب وغائبان 
عنه. (هذا موقف بنيوي حاولت ف أثناء هذا الكتاب أن أنتقده وأعدله؛ 
أما هنا فإنني أقدم موقفهم**) كما عرضوه هم). 

هذه النحنحة تشير إلى السبب الذي جعل الكتاب قراءة غير مباشرة. وفي الواقى 
هنالك أبعاد لا يستهان بها من «البدايات» تلمح إلى مقالة «التمثع» مباشرة. فقد 
تناول کل من الكتاب واممقالة مشكلات «التمثيل» ٣٥ااهاہع‌ء٥ءإمءء‏ باممعنى 
(#) أبسط تعريف لهذه الكلمة هو أنها في الفلسفة اليونانية المبدأ العقلي الذي يتحكم في العام ويطوّر الكون. 
[امترجم]. 


( ) الضمير هنا يبقى عالقا بلا عائد في الأصل» وهو كتاب «البدايات»» لكننا نفهم من السياق العام أن ضمير 
الجمع هذا يعود على البنيويين أو أصحاب النظريات الفرنسيين. [المترجم]. 


212 


عقل الأغيار 
ا مزدوج: تصوير الواقع بالكلمات (أي ا محاكاة والتقليد)» والكلام باسم مجموعة من 
الناخبين كما نستخدم من أجله عبار ة «ممثل» سيlسي .political representative‏ 
على الكتابة أن تستنسخ الواقع لتكون مخلصة له. ووفقا ممنطق سعيدء فإن 
«محاكاة» الواقع تعطي الكتابة قوْة أكثر من المطلوب. وكان مما يُحسب للحداثة 
أنها بيّنت فساد اذعاءات الواقعية الأدبيةء ليس فقط لأن الاستنساخ لا هكن أن 
کون واقعيًا حقاء ولكن لأن الجهد نفسه يضع اممستنسخ في وضع المدين للأصلء 
وهو وضع يذكر با معضلة العربية في العلاقة مع أوروبا. وقد تخْيّل سعيد بالاعتماد 
على قيكو» ماضيا م يكن عبدا للتقليد» وذلك في جانب منه برفض الوهم القائل 
إن الاختراع يدل على شيء جديد من أله إلى آخره» وباستعمال ملاحظة فيكو 
الجوهرية» وهي أن بإمكان المرء أن يكرّر الأصل بطريقة أصيلة. کل ricorso öale}‏ 
إمكانية جديدة في نظرية فيكو الشهيرة عن التكرار التاريخي. 
لاحظ سعيد وجود «علاقة جدلية بين اللغة الشفهية واللغة المكتوبة عند سطح 
أي نصّ» في العام الأدبي العري» بالنظر إلى مكانة القرآن بصفته نضًا تلاه المَلك 
جبريل مشافهة على محمد؛ أي إن الشفهي (الشعبي) يكافح لأن يُسمَع من خلال 
الحجْب الطاغية للغة اممكتوبة (الرسمية). فلثن كانت اللغة العربية ف التصور الثقافي 
لأبنائها ثابتة لا تتغير (إذ هي لغة الله) فإن الصراع حول اممعنى الذي يحرك المشروع 
الإنساني في الأدب الغربي غير ممكن ف اللغة العربية؛ لأنه ليس في وسع أحد ف تلك 
کین اا حقيقيا. فالتأليف يقع «في مكان آخر» طول الوقت”. 
هذه الأزمة داخل الأدب العربي أرقت سعيد منذ أن كان طالبا في مرحلة 
الدراسات العلياء فقد كتب في دفتر من دفاتر عهد التلمذة أنه ها أن اللغة العربية 
«ليس فيها حضور وسيط للبنى اللغوية الرسمية تتصل بالعام المتغير وتجسّده» 
فإن النتيجة كتابة مطرّزة لا تنش علاقات مع مستويات أخرى من الخطاب. 
ای ن کا ج وا ان الع ون اکلہ ا کا ل 
الغربيون وإما كما يتكلم الله» فقد وجدوا أن من المستحيل «ابتكار شكل [من 
أشكال اللغة] هكن أن يكشفنا لأنفسنا»*7. وكان فوكو في ذلك الوقت متاحا 


(*) قد يتضح بعض هذا الكلام بالعودة إلى حديث فردرك جيمسن عن مفهوم ال «٥ناهنكءص‏ (أي العلاقة بين 
مستويات الخطاب أو بين أمثلة منه) في كت «The Political Unconscious‏ ص40-39. [المترجم]. 


213 


إدورد سعيد 


مد يد المساعدة في تشكيل الأدوات الضرورية للبدء مشروع إيجاد هذا الشكل من 
أشكال اللغةء ولكنه شكل خفف فيكو من غلوائه. 
KK‏ 

ل اھا فد ادو ی اط کر ى كلها إل اة 
داخل سعيد. فقد وصلت غرابة فيكو عن الأماط الباريسية السائدة أقصى حدٌ هكن 
أن تصله. فهذا القارئ النهم الذي تسهل استثارته» ا متبخر ف اللغة اللاتينيةء والذي 
يحتل وظيفة بسيطة في ناپولي في طرف من آطراف أوروبا التي كانت تخضع لقبضة 
محاكم التحقيق التي كانت تنظر إلى الشمال باستياء باتجاه مركز الحياة الفكرية 
والفكر الحرٌّ في هولندة؛ التي كانت في ذلك الوقت ملجأً للمفكرين اممنشقين [إعن 
الكنيسة] القادمين من جميع أنحاء أوروبا من فيهم ديكارت» الذات الثانية لفيكو. 
لقد دفن نفسه في نوع من البحث الذي وصل ذروته في الممدينة قبل قرن من 
الزمان» نوع وجد مادّته ف الأساليب الفيلولوجية للتفسير الأدبي المعتمدة على 
زا اتون الروماني. 

وفوق ذلك كله كان عمله الفذ أي كتاب «العلم الجديد» (1744)» خليطا 
من الحفريات اللسانيةء والقراءات الرمزية للصور القدهة» والقصص الخيالية 
عن الأزمان الغابرة للأمم البدائية. وقد بدا أن الكتاب لا يتبع نمطا معيّنا 
وأنه كتب على مدى حياة كاملة. وقد جمع الكتاب» ها فيه من جاذبية لا 
تنقطع» ومن جرأة وجمالء حکها وأمثالا وحواشي محتدمةء واڏعاءات بدقة 
اه ا ابو دل ن ال ااي روا فک لیت د 
قصة توثيقية جافةء فقد امتلاً الكتاب بحكايات عن الصراع الطبقيء والتمزدء 
والحروب القبّليةء والقصص عن انهيار الإمبراطوريات. أما مغزى الكتاب الكاي 
فقد خدم غرض سعد خدمة جُلى: وهي آنه ليس من شعب» أو عرق آو إقليم 
له اليد العليا في تاريخ الحضارة الإنسانية. فالأمم دناه" (وهي كلمة ربطها 
قیكو اشتقاقيًا بكلمة «امیلاد» را۷ن٤هہ)‏ رها بدأت على شكل عشائر» ولكنها 
تطورت مع الزمن وصارت دولا لا تستند إلى اممزايا العرقية . وبينما تشير فكرة 
«الخطاب» eءإںهء‏ ونل التي تحدّث عنها فوكو إلى منظومة فكرية تفرض من 
فوق عبر اللغة الرسمية للتعليمات ومؤسسة الدولة» فإن فيكو كان يقول إن 


214 


عقل الأغيار 

ا مؤسسات ال مدنية التي تعبر عن نظامنا وعن قدرتنا على معرفة ما هكن للبشر 
أن يعرفوه هي ما عليهم صرف وقت أطول معرفته. 

في أواسط السبعينيات مم يكن سعيد هو الممرتد الوحيد من أجل فيكو فقد 
كانت الأبحاث التي ألقيت في ندوة عاممية عن ڦيكو قد نشرت في العام 1969ء وقي 
اھان طط ل قل سکن دت هد فک عق ور امت اسبوعا کاما تت 
عنوان «قيكو والفكر اممعاصر» 0ug†‏ ط1 Vico and Contemporary‏ ف ينایر 
6 فق أعقاب ظهور كتاب «البدايات»”. عقد اممؤتمر في «البيت الإيطالي» 2ج٥‏ 
tain‏ في جامعة كوطبيا وف «الممدرسة الجديدة» o1ەمطc؟ New‏ eطtء‏ وکانت 
أحداث الممؤتمر من الأهمية بحيث «غطته» جريدة «نيويورك تامز». وقد طلبَ 
كبار امختصین بأعمال ڦیکو وکبار الناشرين من سعيد أن يضع کتابا عنه» ولكنه م 
يستجب» لأنه م يكن حريصا على أن يشتهر بصفته مختصًا بالدراسات الفيكوية" . 
كان ولاؤه أشدٌ خصوصية من ذلك. 

فمثلما احتوت كلمة «الأمُة» فكرة «امميلاد» فإن أصول الحضارات تستدعي 
نظرية عن «امميلاد». وقد كان اللفظ «غير يهودي» عان١ءع‏ هو الذي عبر عن معنى 
الميلاد هذا. فعلى رغم أن الكلمة ف الاستعمال الدارج تشير إلى غير اليهود فإن 
الكلمة عند فيكو اتسقت تام الاتساق مع ا مذهب المسيحي السائد في أيّامه القائل 
بأولوية اليهود في قصة الخطة الإلهية. ومع ذلك فإن شبكة الأفكار التي يقدّمها 
طوال كتاب «العلم الجديد» ذات دلالات علمانية. فقد وجدت الكلمة جذورهاء 
وفق ما لاحظ قيكوء في الكلمة اللاتينية sء٤دءع؛‏ أي العائلات الممتدّة التي نمت 
منطقيًا من مؤسسة الزواج» وهو أحد الأفعال الأولى في دين «الأغيار». ففي فجر 
ما قبل التاريخ زحف البشر المتوحشون من الغابات لبناء ا مدن الأولى» وصار الرؤاد 
أغنياء أقوياء» واستعبدوا من أ بعدهم ووجدوا أن عليهم أن يحصلوا على حماية 
الآخرين. ثم أجبر «الأغيار» على صنع تاريخ خاص بهم» فابتكروا مؤسسات الزواج» 
والدين» والدفنء والحكم؛ لأن طريقهم مم يكن مقدّرا عليهم سلفاء خلافا لليهود. 

وقد بدا أن فيكو يقول: فلينعم الشعب المختار بحلفهم مع اللهء ما نحن بقية 
الخلق فلدينا القصة التي مم تَر عن كفاح البشرية للتعرّف على الله بطريقتها هيء 
لتستعمل مخافته لبناء الحضارة عن طريق اللغةء والعادات» والقوانين. وكان من 


215 


إدورد سعيد 


امهم جدا أن كتاب ڦيكوء شآنه شأن مقدمة ابن خلدون» کان في جوهره کتابا في 
النقد الأدبي على رغم أنه كتاب عن التاريخ» وعلم الاجتماع والأديان اممقارنة. فقد 
تقدَّم بتفسير أدبي لوثائق مجرَأة من الماضي معنى خاص جدًاء فتقدّم برواية عن 
مولد تاريخ الأغيار وكأنه تاريخ تحدّثت شخصياته بلغة الشعر فقط. وقد اكتشف 
فيكو أن الشعر في بدايته ليس هو اللغة الراقية التصويرية التي نراها في الطقوس 
أو الخُروض الفْيّةء بل الوسيلة العادية للتواصل. لقد فكر أسلافنا وتكلموا باستخدام 
الكنايات والصور الشعريةء وكانت قوانينهم الأولى قصائد. هذا النمط التاريخي - 
الذي يتضمَن الانتقال من عصر الآلهةء فالأبطال» فالبشر العاديين - كان يتخذ في 
رأي فيكو شكل الدورات التي تتخللها فترات نكوص للبربرية. وبهذا المعنى هكن 
للتكرار أن يكون أكثر من مجرّد محاكاةء إذ يكتشف المثقف علاقات جديدة «بأن 
يعيد اكتشافها إن شئنا استخدام عبارة من عبارات قيكو اممفضلة». 

کان تآثیر فوکوء إلى جانب تآثیر فیکوء عظیما على عدد من اممستویات من حیث 
الأسلوب» واللغةء والسيرة. فإلى جانب كونه «الشخصية الرئيسة في هم ازدهار 
للحياة الفكرية ال معارضة قي الغرب في القرن العشرين» بكلمات سعيد وجزءا من 
مجموعة لامعة «قد لا نرى مثيلا لها لأجيال عديدة»» كان فوكو شديد البراعة 
في استغلال الأساليب البلاغية. وقد كان من المستحيل على سعيد أن يكتب 
«البدايات» بالأسلوب الذي كتبه به لولا براعة سلوب فوكو ف التعبير حيث تبدو 
الكتابة كأنها تسبح في عاممها الخاص بها: وظيفة فنية في حقل من القوى السياسية. 
فالنص عند فوكوء وفق تفسير سعيد» «لا يسجُل فقط, وليس تعبيرا كتابيًا عن الرغبة 
في الكتابة فقط». إنه «يوزع حوافز نصية متنؤعة». 

لقد بدا أن إدخال الأفكار اللسانية في نقد المؤسسات الاجتماعية عند فوكو 
شبیها ا فعله فیکو إلى حد ما. ولكن سعيد اشتكى في الصفحات الأخيرة من 
«البدایات» من أنه على رغم أن فوكو تكلم على نحو مقنع عن قواعد «الإرسال» 
rransmission‏ ق اللغة - أي تجميع القوة بالانتشار عبر المؤسسات - فإنه قي کل 
هذا الاهتمام ب «نظم الخطاب» م يكن هنالك شيء عن عام الاحتكارء وهيئات 
الرقابة الدعائيةء ووسائل الإعلام الجماهيري. عن هذه الأمور مم يكن لدى فوكو ما 
يقوله مباشرة. 


216 


عقل الأغيار 


غر أ سيد وة أن العا طف مع كامات ف اة عن اترك اة 
سهلء تلك الكتابات التي كشف فيها كيف أن أولئك الذين يعيشون على هوامش 
المجتمع قد عوقبوا بكرم الدولة التي وصمتهم بالشذوذ. وقد درس واحدا من 
هذه الكتابات وهو «الجنون وlلحضlرة« j Madness and Civilization‏ 
الموادّ التي تولى تدريسها في العام 1972*. كذلك جَذَبَه سلوب فوکو» وهو 
أسلوب «ساخرٌء متشكك» عنيفٌ في ثوريته» كوميديّ لا يدخل المسائل الأخلاقية 
في الاعتبار عند قلب الممعتقدات التقليدية والأصنام والأساطير رأسا على عقب» 
وكان يُصاب بالوجل إزاء استحالة محاكاة الفيلسوف”. ففوكو م يقف عند حد 
تقرير بعض امسائل» بل قرّرها من خلال الشكل نفسه» مراكمة صيغ لغوية 
تحؤّل الفعل إلى كينونةء وبتنظيم الأفكار على هيئة مجموعات من أربعة أمثلة 
بدلا من افبن أو لاك وياات ما يريد إفاكه بالعكهاد اض آفرع من کل 
الأسباب وامسببين. وقد أعجب سعيد كثيرا بتفكير فوكو المناهض للتسلسل. آي 
بعدم اكتراثه بأسماء «المرجعيات» المتعارف عليها فيما هو يبتكر اط النظام 
الخاصة وه . 

وكما كان الحال مع سارتر كانت مشاعره ذات صلة بالشرق الأوسط ولاسيما 
في مواقف فوكو الصادقة اممؤيدة للفلسطينيين. وق رسالة لإلین سکسو [e۸٤‏ 
ius‏ تعود إلى يناير 1973 قال سعيد إنه كان قد رآى من فوره الحملة 
من أجل الفلسطينيين التي نشرتها صحيفة «لوموند» #ءل«مM‏ م1 في ذلك 
اليوم وأنها كانت قد وقعت عليها هي وجينيه 6٠٣٠۲‏ وفوكو. وقال إنه «تأثر» 
بتلك المبادرة وأنه «شاكر» للموقعينء وإن اليسار الأمريي متخلّف حول هذه 
الماك العم إل قان ساد متل اساتت روق قدت لوحن كاي 
باستشنائك أنت) تقوّي فكرنا وتصميمنا»”. وبعد أن نشر مقالته ذات النظر 
الثاقب عن فوکو فی خريف العام 1972 («میشیل فوكو بصفته خالا مثقفا») 
Miche1 Foucault as an Intellectual Imagination‏ غامر بإرسالھا مباشرة 
إلى الفيلسوف كأنها رسالة في قنينة. وي شهر نوفمبر يبدو أن فوكو قد فوج 
بدقة وصف سعيد ممشروعه وشموليته فكتب له ملاحظة بخط اليد طافحة 


217 


إدورد سعيد 
عند عودتي من أمريكا وجدت المقالة التي كنت على استعداد 
لكتابتها عن أعمالي. لست بحاجة إلى أن أقول لك كم أنا شاكر للجهد 
الذي بذلته لقراءة التأتآت التي كنت من إخراجهاء ولفهمها وتحليلها... 
آنا معجب أشد الإعجاب بذكائك وقدرتك ودقة تحليلاتك» فقد ساعدتني 
على توضيح طبيعة ما سأكتبه في امستقبل... أوذ أن أتعرّف على أعمالك 
وإلی این تت 
سر سعید بھذا الکلام ھا سرور فرذ على کلام فوکو مثله» وكتب له عن لقاء 
مع جينيه» الذي آخبره بدوره بشيء فاجأه وهو آن دولوزء وسولير» ودريدا من بين 
آخرين كانوا يؤيدون الجانب الفلسطيني. وعبّر عن سروره بأن يعلم أن «الأرواح» 
التي أثارت إعجابه كانت تحمل آراء تقدّمية كتلك. «وأضيفت مشاعر الشكر 
الفلسطينية والسياسية... وأنا سعيد لأنني أدركت ف أعمالك النظرية مسارا ثورنًا 
قد يسهم ف تطوير فکر عربي - فلسطيني ثوري». لقد التقی فوکو وسعید بعد 
وقت طويل» ولكن كان التضامن بشأن فلسطين قد تفكك**. 
تبين في أثناء العمل على التوفيق بين فوكو وفكر فيكو أن الحلف بينهما مشكوك 
في أمره» لكنه تابح العمل. أقرٌ سعيد بأن فوكو وقف مع وجهة نظر هايدغر البائسة 
بخصوص الحرية الإنسانية» وهي وجهة نظر تختلف تام الاختلاف عن فكرة 
الإنسان الصانع التي يتحدّث عنها كتاب «العلم الجديد». ولكن فوكوء وفق ما كان 
سعيد يحاول أن يقول» ۾ يفعل أكثر من التعرّف على هذه النظرة البائسة» وهو 
لیس من أتباعها". قد یکون و أتباع فلسفة ما بعد الإنسانيةء ولكن تأثبره 
تأر م مُؤنسن” . لكن مع مضي الوقت أخذ الأسلوب النبو عند الفيلسوف يزعج 
سید فاا الذي يعطي الأولوية ل «القواعد ا مجرّدة والأقوال غير اطمنسوبة 
إلى قائلء والتعبيرات المنضبطة» والذي يدعي أن اسم المؤلف ليس بذي أهمية 
وبدا أن فوكو قد نسي أصحاب الأنوات* سيئة الذكرء ا فيها أنا فوكو نفسه 
«السائدة في المشهد الفكري الفرنسي»”“. وعلى عكس فيكو فإنه تجاهل سابقيه و 
قلل من شأنهم» > وجعل أفكاره تبدو أشد أصالة مما كانت عليه في الواقع”. «إن 


() جمع «الأنا».[المترجم]. 


218 


عقل الأغيار 


ما لا تستطيع مركزية اللغة وان اعا أن تفعله هو أن ترينا السبب الذي يجعل 
البنية تبني». وفي النهاية مال إلى قبول حكم لفن القائل إن هذا النتاج الفكري كان 
«إسكندرانية عصرنا»؛ أي إنه نقد تجمياي مثل ذلك الذي أنتجه باحثو الإسكندرية 
القدهة المهووسون بالشكل» القريبون من الغيبيات» اممحتقرون لأي شيء عادي. 

بيد أن سعيد أخذ يعبر مع مضي السنين وبالاعتماد على ما تجمُع لديه من 
معلومات وأفكار مختلفة» عن خيبة أمله بالفيلسوف الفرنسي بصراحة أشدٌ. قال 
ممراسليه بلهجة قاطعة: «نفضت يدي من فوكو»”. وفي معرض تقييمه لکتابات 
طالب کان قد أشرف على أطروحته قال مازحا إنه کان سيستفيد أكثر «لو قرأ أقل 
من فوکو وأکثر من غرامشي نطء ,ه6 وچارلز رایت ملز ,®«C. Wright Mills‏ 
وقد استاء بشکل خاص من فکرة فوکو ف مقالته «الحقيقة lyلقöş« Truth and‏ 
(1977) اس0 حيث صب الفيلسوف جام غضبه على اممتقفين «الشموليين» 
الذين يتحدّثون عن التعاونيات السياسية مثل البروليتارياء وا محاربين الجزائريين 
من أجل الحريةء أو ا مقاومة الفرنسيةء مفضلا الكلام عن اممثقفين المهتمين بقضايا 
«معيّنة» وينأون بأنفسهم عن الآخرين. 

في الصفحات الختامية لكتاب «البدايات» أخذ سعيد يعلن تضامنه مع تلك 
الفئة من ال مثقفين الذين سخر منهم فوكو ووصفهم بأنهم شموليون» ومنهم ال مؤرخ 
اليساري غَيبّريل كولكو ه)اهK‏ 1اه الذي أهدى كتابه «التيارات الكبرى في 
التاريخ الأمر ی llحدıڻ« Main Currents in Modern American History‏ 
إلى الثورة الفييتنامية «والشعب الذي قام بها» والذي وصف حربي أمريكا في 
فييتنام وكوريا بأنهما «هولوكوست». وكان الذين امتدحهم ف تلك الفترة لا 
يقلون عنه شهرة: هاري براکن Harry Bracken‏ الذي ظلت مقالته «الجوهر 
والعَض وllعرق« Essence, Accident, and Race‏ تتردد ف ذهنه طوال عقد 
السبعينيات دخولا في الثمانينيات» وجونا راسكن «ن)ئهR‏ طه«ه[ الذي ترك کتابه 
«میٹولو جیا الإمبريالية«< )1971( he Mythology of Imperialism‏ ثرا عمىقا 
في سعيد“. وقد اسر في آذن املف فيما بعد قوله «يبدو لي آنه ليس هنالك من 
أحد اقترب من تناول القضايا التي أثرتها» وهو قول غير متوقع في ضوء الصوت 
الذي نسمعه في كتاب «البدايات»؛ لأن راسكن كتب ف كتابه عن «رجال العصابات» 


219 


إدورد سعيد 


واممتامرین» وإرهابيي الصفحة الأدبية» وأصدر إعلانات عن مطلوبين منهم ت. 
س. إلت؛ > و ف. ر. لیقس ۴R. [٥۵۷i‏ ولاینل ترلنخ > وعار عن تاه «لدفن 
الإمبريالية الأمريكية»". 

ومن المفارقات أن كتاب «البدايات» فاز بعد ظهوره بسنة واحدة بأول جائزة 
باسم لاينل ترلنغ في جامعة كوممبيا. وبعد مضي سنوات عديدة ظل سعيد يشعر 
بان اكاب يتن مروا من الغصيل وان موقوعاته أغى مها أت له الخوش 
فيهاء لاسيّما فيما يتعلق بفيكو”. أما الذين م يبعث كتاب «البدايات» السرور في 
أنفسهم فقد كان من بينهم لقنْء الذي اعترف» مقتبسا من «جحيم» دانتيء أنه 
أضاع دربه في غابة سعيد المظلمة. وعلى رغم أنه امتدح عمق نظرات سعيد التي 
لا مثيل لها فإنه ظل يتساءل عما إذا كانت فكرة «البدايات» فكرة أصيلة أو أنها 
لیست سوی ما دعاه روجیه ۲٥عه۸‏ ب «العلاقة اممجرّدة... نوع له من العمومية ما 
يجعل معناه يتغير مع تغإر السياق». ولكنه كان يعرف سعيد معرفة كافية لينتقد 
وعيه المزدوج: «أنت لا تبتعد كثيرا عن الفيلولوجيا أو النظرة التاريخية؛ ولست» 
والحمد لله» مناهضا للنظرات الإنسانية إلى ذاك الحد الذي تصف نفسك به أحيانا 
بتلك اللغة الرنانة». 

وعلی رغم أن سعید کثیرا ما کان يستاء من النقد عندما تکون سمعته على 
المحك» فإنه في هذه الحالة م يرد بل كتب يقول: «عزيزي هاري*» إن ما بدا في 
الكتاب شيئا جدليا وقطيعة تلفت النظر مع الماضي لهو شيء أجد نفسي الآن محرجا 
بسببه. أقصد أنني أجد أنني أجادل ضدٌ الموقف النظري الصارخ المناهض للتاريخ 
الذي يبدو أنني أدافع عنه في «البدايات». كان في تلك الآونةء وفق ما أعلن باعتزاز 
يعمل على إنجاز شيء سيبعث السرور في نفس لَفْنْ؛ شيء هو تاريخي بالدرجة 
الأولىء شيء هكن القول حتى إنه وضعيٰ positivist‏ عن مصبر الدراسات الشرقية 
ف الغرب»؟. 


(#) أوذ التذكير هنا بأن لَقْنْ هو الذي أشرف على رسالة الدكتوراه التي كتبها سعيد. ونه كان من كبار أساتذة الأدب 
المقارن في جامعة هارقرد .[امترجم]. 


220 


من سایغون إلى فلسطين 


يا من تقودون طائرات الفانتم ف السماء 
حضروا الفرْسَ الأنذال للموت ليتمرَغوا مع 
الأفاعي والناپام. 
الله يخلق ونحن نحرق* 
أغنية الل ية 77 للحرب التكتيكية, القوّة 
الجوية التابعة للولايات المتحدة”. 


Orientalism‏ سحقق ما حققه من شهرة. 


لا أحد يكسب الاحترام» لا بل لا Watergate‏ واعتمد اعتمادا شدیدا على ما 
أحد يوجد في عيون الآخرينء إلا إذا 

کان قادرا على سرد روایته وإسماعها (×) كلمة «الله» هنا هي الكلمة العربية طهاله» وليست كه6؛ 
للآخرين لأن كثيرا من الغربيين يرون أن 4111 خاص بالإسلام. [امترجم]. 


221 


إدورد سعيد 


ف الأرشيفات من وتاثقء وكان شديد الوضوح ف مقاهيمهء يتنقل ها بين الصور 
التفصيلية القريبة واللقطات البانورامية. يبدأ الكتاب بلقطة سريعة كاشفة لبنايات 
بيروت اممهدّمة التي تعاني الحرب الأهليةء ثم يأخذ القرّاء بفقرات قليلة إلى تاريخ 
لنوع من البحث الأكادهي يعود إلى الفترة الرومانسية. بعد ذلك ينتقل القارئ إلى 
قراءات في روايات تعود إلى القرن التاسع عشرء قبل الانتهاء إلى الأوبرا الكوميدية 
القانممة على حلقة الأخبار الأمريكية وأفعال هنري كسنجر القذرة. وما م يكن اممرء 
قد تعرّد على قراءة كتابات سعيد في العقد السابق» أو م يكن يألف قراءة كتابات 
اممؤرخ وليم أيلمّن ليمز Wiliam Appleman Williams‏ عن الإمبراطورية بحیث 
تکون N i‏ حیاة» أو م يلف شعر لامارتين ٥«ن٤۲‏ 1۳ء فإن اختيار 
سعيد مصادره سيبدو له غريبا أو مذهلا. وقد بدت كذلك لكثير من المؤرخينء 
واللسانيين وعلماء الاجتماع الذين أزعجهم نجاح الكتاب. لقد كان الكتاب لنصف 
قرائه نصراء وللنصف الآخر فضيحة» ولكن مم يكن بوسع أحد آن يتجاهله. 

لقد شعر قرّاؤه في كثير من أنحاء الشرق الأوسط بالغبطة الغامرة. فقد قال 
طريف الخالدي مثلا: «نجد ههنا للمرة الأولى كتابا كتبه واحد «منا» يقول للقوى 
الإمبريالية أن تذهب للجحيم». وبدا آن سعيد يقول: «نحن نعرف آساليبكم» 
وم يكتف بوضع نقد للأفكار الجامدة التبسيطية على المنضدةء بل جاء بنظرية 
معرفية اا ا ا تلك 2 لخدمة أغراضها. وفع مئات الأبواب التي 
عبر منها فيض من الانتقادات»* . ونجح كتاب «الاستشراق» في فضح الدراسات 
الإنكليزية والفرنسية امتعلقة بالعرب والإسلام نجاحا لا ريب فيه. فقد بين سعيد 
أن الدراسات الشرقية مهما بلغ من تخصّصها ف الماضي قد دعمت الصورة غير 
الواقعية للعرب والإسلام وفي بعض الحالات خلقتها. أحيانا كانت الصور اممعطاة 
باذخة آسرةء وأحيانا مستهينة كريهةء ولكنها مم تصف العرب والمسلمين وصفا 
يجعلهم جيران الأوروبيين آو معاصريهم؛ آي وصفا يجعلهم ناسا يواجهون 
مشكلات يومية كتلك التي يواجهها الغربيون. 

لقن ظلت هذه ايلكدة الضخمة هن الصور وا مشاعر تتجمُح عبر القرون بحيث 
تشکلَّ كيان نقديٰ ونشأت شبكة من العلاقات التي أثرت ف آراء صانعي السياسة 
في الحكومات» ووسائل الإعلام» والكنائس» والجامعات. هذه الشبكة ا معقدة من 


222 


من سايغون إلى فلسطين 
الأفكار التي تدعمها سلطة العلوم النصية والعلم الواسع الذي جاء به صانعوها 
دعمت المشاعر والعواطف العدائية السوقية التي كانت شائعة من قبل. هذا 
الكيان اممعرفي حرم العرب من كل شيء باستثناء الواقع النضيء وهو في العادة 
قائم على عدد قليل من الوثائق الدينية القروسطية التي جمّدتهم في كلاسيكيات 
ماضيهم. ويبدو أن هذا القدر من معنى كتاب «الاستشراق» م يكن موضع خلاف 
على رغم أن القرّاء م يتفقوا على كثير سواه. 
فشلت أغلبيتهم في ملاحظة الغموض الحقيقي ممشاعر سعيد نحو اممستشرقين. 
ومن الواضح أنهم صادفوا أسماء امذنبين في القصة» ألا وهم الباحثون الذين منحت 
«حقائقهم المعروفة» مصداقية علمية لصورة الآخر العربي الإسلامي. وكانت هذه 
القصة قصة كشفت قدرا أكبر عن حاجة الغرب ل «الأشرار» العرب مما كشفت عن 
الشعوب التي كانت تعيش ف اممشرق» وهي شعوب كانت «حقيقتها امملموسة» 
(بتعبير سعيد) «آكبر مما يمكن أن يقال عنها ف الغرب»”. ومن ناحية آخرى آم 
يكن هؤلاء الباحثون من غير الفيلولوجيين؟ آم تكن الفيلولوجيا طريقة للقراءة 
والدراسة أراد إحياءها؟ 
لهذه الأسباب نجد أن أحكامه معقدة. ففي مقالات نشرت بعيد نشر الكتاب 
(وكانت النية أن تكون جزءا منه) عبر عن احترامه للعديد من المستشرقين الذين 
انتقدهم في الكتاب» وأبدى إعجابه بلويس ماسنيون 101 ع1ووة× ونام1» صاحب 
«العقلية الفريدة»» وبرهمون شواب abسطء؟‏ d«مصرهR»‏ صاحب «الموتيفات 
الجلية على نحو بالغ الذكاء»“. وكان من إحدى النواحي يجادل بأن على الباحثين 
واممفكرين العرب ال معارضين للتوجُهات السائدة التعلم مما لدى اممستشرقين «من 
صور» وإيقاعات» وموتيفات»» وأنه هو نفسه عازم على أخذ الملاحظات عن لطائف 
أساليبهم وطرقهم في عرض أفكارهم» على نحو منفصل عما يبدون من معرفة 
هائلة. وكان من رأي سعيد أن نجاح كتاب «الاستشراق» يعود برمُته إلى إتقانه 
ا تعلمه من دروسهم. 
رافق الاستقبال الذي تلقاه الكتاب كثيرٌ من سوء الفهم. وقد يكون من باب 
المبالغة امفرطةء بطبيعة الحال» أن نقول إن الكتاب لا يتناول «الشرق الأوسط» وأن 
فلسطين لا تكمن خلف القصص التي يرويها عن الصور الكاريكاتيرية قاف 


223 


إدورد سعيد 


العريي التي أشاعها أمثال دزریلي Lord Cromer jag aرgللlو «Disraeli‏ 
وھ أ. ر. غب اطا .۸ .4 .4. لكن الكتاب من الناحية الثانية مم يقتصر على 
الشرق واممستشرقين» وم يكن حتى عنهم في امقام الأوّل. وم يكن من المتوقع من 
أولئك الذين تابعوا كتاباته قبل كتاب «الاستشراق» أن يغيب عنهم أن الكتاب 
تأمُل حول الدرجة التي يكون فيها التمثيل جزءا من الواقع وليس مجرّد تعبير عنه 
بالكلمات. لقد قصد بدلا من محاولة قياس الدقة وعدمها في تصوير ا مستشرقين 
للحياة العربية والإملاميةء أن يركز على الأصداء التي ينتجها التمثيل نفسه. 

ومن ال متوقع أن يجد المرء داخل هذه التركيبة المغلقة من الإهاءات» والمصطلحاتء 
والأقوال دلائل على الآلية التي تنتشر بها الأفكارء وكيف تكتسب الممرجعيةء وكيف 
تدعم نفسها من دون آن يلمسها العام الفعاي. وما ظنه كثيرون مخطتين أنه محاولة 
فاشلةٌ لرسم خريطة علم الاستشراق كله (وهو شيء لا يهمه على الإطلاق) كان 
يستهدف شيئا مختلفا تمام الاختلاف. ولذا فإن تناول كتاب «الاستشراق» موضوعا 
واحدا فهو أن الإنسانيات ذات نتائج سياسية ليس فقط بسبب المكانة التي يتمتع 
بها ا مستشرقون ومدى التأثير الذي هارسونه» ولكن أيضا بسبب دراستهم موضوع 
التمثيل على غرار ما يفعله نقاد الأدب (وخلافا طا يفعله السياسيون» والصحفيُون» 
وعلماء الاجتماع). فهم وحدهم الذين مكنهم أن يفروا كيف يتشكل الاستشراقء 
وكيف يكتسب «كثافة ماذته وقوته المرجعية» بتعبير سعيد. 

وحتى أولئك الذين م يستثرهم وصفه الجماعات التي تحلقت حول 
سلقستر دي ساسي Î Silvester de Sacy‏ للثرثرة القدهة ف رواية «سالامبو» 
boص Saa‏ لفلوبیږ أحسّوا بوجود جانب على الأقل مما کان يستهدفه: وهو 
أن وسائل الإعلامء وفرق العصف الذهنيء والجامعات كانت تتعاون» بعلمها ومن 
دون علمهاء غامرات السياسة الخارجية لدولها. وم يكن سعيد هو الذي ابتكر 
مصطلح الاستشراق» وم يكن حتى أول من استقصى الآثار الضارة لهذا الحقلء ولكنه 
أعطى الكلمة أصداء جديدة. وأصدق دليل على الأثر الذي تركه هو عدد الكتب 
التي کتبت لتفنيده (وهي کتب فاق عدد صفحات بعضها عدد صفحات کتاب 


«الاستشراق» ال 7)329. 


224 


من سایغون إلى فلسطين 
بعد الانتهاء من المسودة الأولى في 2 أغسطس 1976 قرّر سعيد أن يعنون 
الکتاب «تشر يق الشرق» 01٥٣٤‏ طا «نzناهممiاO”.‏ فهذا العمل الذي هاجمه 
الخبراء ا مختضون بدراسة الممناطق بأنه الكلمة الأخيرة في الفلسفة العدميةء م يكن 
٤‏ ذهن مؤلفه سوى تصحيح للتاريخ يعتمد على الحقائق. وكانت رغبته في أن يعد 
مايا متّزنا أوضح في السنة التي ظهر فيها كتاب «الاستشراق»» عندما دعا لقن ليكون 
أحد ا مشاركين ف دورة اممعهد الإنگليزي ال مرموق التي ترآسها سعيد في كومبيا في 
تلك السنة. فبعد أن اعتذر الاشتراكي الويلزي رَد ليمز ومؤرّخ الحزب الشيوعي 
البريطاني السابق إذوزّد پاممر تومپسن عن عدم القدرة على الحضور بالنظر إلى 
ارتباطات سابقة» توه سعيد إلى لَقْنْ الذي اقترح» بعد أن رأى الانتماءات الجديدة 
أن يتكلم عن نقاد وسائل الإعلام ا مدرسة فرانكفرت الماركسيين الأممان. 
وما كان سعيد على علم بأن «الاستشراق» قد يعد كتابا يقصد منه تحطيم 
الأصنام التقليدية فإنه وجد صداقته مع چومسكي» وهو محطمٌ آخر للأصنام 
التقليديةء ذات قيمة عالية. ذلك أن الانتقادات الشديدة التي كان يبثها عام اللغة 
ذاك كانت كثيرا ما تجعله ينخرط في جدالات عرفته بكيفية التعامل مع الصحف. 
وکان کتاب چومسکي بعنوان «امٹقفون lgلدlaة« Intellectuals and the State‏ 
(1976) الذي كان قد ظهر على شكل محاضرة في العام السابق معروفا لسعيد؛ وهو 
نقد لتواطؤ امؤسسات الأكادهية مح الحرب ف فييتنام. وكان سعيد قد فكر لوهلة 
أن يشترك مع چومسكي ف تأليف كتاب عن التصوير الثقاف الزائف للشرق الأوسطء 
وییدو أن کتاب «الاستشراق» قد بدأ هثل هذه النيْة. غير أن چومسكي م يتمکن 
من متابعة العمل نظرا إلى ارتباطات آخرىء ولذا فإن سعيد مضى فيه منفرداء وكان 
«الاستشراق» هو النتيحة. 
على أن عام اللسانيات الذي ينتمي إلى معهد ماسَچوستس للتكنولوجيا* مذ 
يد العون بطرق آخرى. فقد كان أول من قرا الصيغة الأولى من الكتاب «في جلسة 
ا 8 و عن را فاا وله ا ره حون خرو #السفا ظط 
على التوازن بين التحليل والاقتباس ال مباشر». سيكون نقاده كثيرين» ومن المحتملء 


(*) آي چومسكي. [امترجم]. 


225 


إدورد سعيد 


کما یری چومسکي» أن يركزوا على القلّة النسبية للتوثيق. «وقد يكون من ال مفيد 
أن يضاف شيء حول موضوع التعصّب العرقي» وحول الاستشراق وحرب فييتنام؛ 
وأظننا بحثنا هذه النقطة». 

بدا سعيد كتابه بعد الحرب بين العرب وإسرائيل ف العام 1973ء وانتهى من 
الصيغة الأولى منه بعد سنة من آخر حملة قصف للهند الصينية 1,٤1114‏ أمر 
بها نكسن. وكان الهدف منها وصف الصراع في الشرق الأوسط على أنه تمزد ضدّ 
الاستعمار شديد الشبه بذلك الذي كان يجري في فييتنام”'. وإذن ماذا لا نرى حرقا 
للأعلام أو احتلالا للکاپيتول في واشنطن دعما لفلسطين؟ فعاى غرار الأدب العامي 
الذي تحدّث عنه غوته في أعقاب الغزوات النابليونية لأوروبا الوسطىء» كان كتاب 
«الاستشراق»» من بين أمور أخرىء استجابة للحرب. 

في أوائل العام 1978 كتب سعيد رسالة لإسرائيل شاحاك )1ط ۲61ء1 - وهو 
أحد الذين نجوا من المحرقةء وأستاذ في ماذّة الكيمياء ورئيس العصبة الإسرائيلية 
للحقوق الإنسانية واممدنية - وصف فيها دوافعه الأخرى لتأليف الكتاب. وقال إن 
أبطال الثقافة الغربيين من أمثال جون سْتوَرّت مل وماڻيو آرنولد «م پتنعوا عن 
معارضة التمييز العنصري والإمبريالية فقط... بل ساندوهما بأن سمحوا باستخدام 
أسمائهم ومكانتهم للإعلاء من شأن الثقافة والعرق دعما للشر». لقد كانوا يعلمون 
تماما ما الذي كان يجري» وصرّحوا بذلك» ولذلك غدوا صورة أولى ل«اممثقفين 
اللبراليين امعاصرين» الذين يصدرون تفسيرات تشبه تلك التي يصدرها اممسؤولون 
أو يكتبها محررو جريدة «النيويورك تامز» بل كانوا أجدادهم اممباشرين“'. 

أثر ا مكان الذي كتب فيه الكتاب في نظراته تأثرا لا بُستهان به. فقد كان الجزء 
الأكبر من المسودة الأولى قد كتبَ في مركز بحثي مخصّص للعمل في مجال العلوم 
الطبيعية والاجتماعية؛ ألا وهو مركز الدراسات الممتقدّمة ف العلوم السلوكية ف 
ستانفرد 58“ في العامين 1975 و1976”“. وقد عبر عن سعادته في رسالة 
أرلها لصديقه الاوز الريطان روجر أون ق يولبو من الام 4976 رقول فبها: 
«أنهيت فصلين طويلين (نحو 250 صفحة)» وأنا ماض ف كتابة القسم الأخير»'. 


(x) Center for Advanced Study in the Behavioral Sciences. 


226 


من سایغون إل فلسطين 


وکن رصد بدایاته احتمالا فی حرب 1973. وکان هذا المشروع قد تخمر في ذهنه في 
أثناء المشي الوئيد في حرم جامعة كوم بيا مع سامي (وهو صديق ريم كانت تعرفه 
قبل الالتقاء بسعيد» وصار إشبين سعيد في حفل زواجهما). سأل سامي بصوت 
عال عن السبب الذي يجعل كل الأعمال العظيمة عن الشرق الأوسط أعمالا كتبها 
الباحثون الغربيون”'. كان «الاستشراق» والمجلدان المرافقان اللذان نشرهما بعده 
بسرعةء الكتب الأساسية الوحيدة التي صنفها بوصفها كلا عضويا من البداية إلى 
النهاية بدفعة مركزة من النشاط. 

في العام 1975 ألغى أنور السادات القانمة السوداء التي ظلت معتمَدة طوال 
عقد الستينيات» فعاد سعيد إلى القاهرة مع مريم بصفة سائح في الصيف» وأقام 
على مدى أسبوع في فندق» ولكنه خاب أمله بسبب الضوضاء والقذارة والازدحام. 
كان مقره خارج الولايات اممتحدة هو بيروت التي كانت أفضل حالا بقليل ق الأشهر 
السابقة على انتقاله إلى ستانفرد لأن الحرب الأهلية اندلعت في ذلك الصيف. وقد 
تحدّثت الرسائل التي تلقاها في ا مركز عن «اممذابح الفظيعة» ف لبنانء وأبدت 
تعاطفها معه» واستفسرت عن عائلته'. 

وعلى الرغم من آنه تب لأصدقائه فی إنگلترا آنه «م یکن یستمتع بوجوده في 
مركز كثررا»» فإن مناخ كاليفورنيا ذكره مناخ شرقي البحر الأبيض المتوسطء وسرعان 
ما اكتشف مطعما لبنانيًا في بيركاي. كذلك فإن حيويته الناتجة عن عشقه للعب 
التنتس جعلته شخصا اجتماعيًّاء لاسيما مع النساء اللواتي وجد أن من الأسهل عليه 
أن يفضي إليهن بأسراره”“. وف تلك السنة كان جونثن کول ٣٥1e‏ anطnatەل‏ الذي 
أصبح واحدا من كبار امسؤولين في جامعة كومبياء يقضي سنة ف ال مركز نفسهء 
ويتذكر أن سعيد كان مركز الاهتمام» ونه يختلط مع الآغرين بسهولة ويشاركهم 
في أحاديث مطولة ف فترة الغداء. 

ومن الصدف الغريبة أن أحد اممعيّنين بوظيفة زميل معه في تلك السنة كان 
يهوشافات هركا 1طة )ة1 ه٤‏ طءمطء¥. الرئيس السابق للمخابرات العسكرية 
الإسرائيليةء وا متخصص الشهير باللغة العربية. كان هركابي شخصا واسع الثقافةء 
يحب الشعر العري» «يشبه شخصية البوليس السرّي» ميّالا إلى التحفظ الهادئ 
وفق وصف المؤؤرخة الفنيّة سقتلانا آلپرز ئ naهاt‌Sv»‏ ووصفه هو نفسه 


227 


إدورد سعيد 


بأنه «حمامة مكياقللية»”. وقد خشي بعضهم من أن يتصادم الاثنان ويشعلا 
حربا شرق أوسطية في اممركز نيابة عن اممنطقة الأصلية“. لكن سعيد وهركابي 
حافظا على اللياقة المطلوبةء وعلى رغم أن أحاديثهما فم يتخللها الدفء فإنها بقيت 
مهذبةء وكثيرا ما تطرقت إلى مواضيع آمنة ته الطرفین. وقد ذکرت ألپرز عددا 
من «صداماتهما المسلية» وشعرت بأن علاقتهما غير مريحة. وفي السنوات التي 
سبقت مجيء هرکابی إلى المرکز کان هرکاب قد تطور من شخص متشدد (قال 
چومسكي بلهجة جافة إن «تجديداته ا مبتكرة» تضمنت «الرسائل المفخخة في قطاع 
غرّة في الخمسينيات») إلى الدعوة الصريحة إلى إنشاء دولة فلسطينية”. وسواء 
آکان ما فعله بتأٹير سعيد آم م يكن فإن هركابي أخذ بعد مغادرة المركز بوقت قصير 
يحث إسرائيل على التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية للانسحاب من الأراضي 
لحتل هيدا لإنهاء ذولة فلسظنية سستقاة. 

كان هركاي» صاحب الثقافة الواسعةء قد وصل إلى ستانفرد بعد أن كتب 
أطروحة سياسية عن النفسية العربية بعنوان «الاتجاهات العربية نحو إسرائيل» 
Attitudes to Israel (1974)‏ Arabء‏ واستند فیھا إلى تحلیل مئات من الكتب 
العربية والصحف والبرامج الإذاعية. ويظهر اسمه في كتاب «الاستشراق» ظهورا 
وجيزا بلقب «الجنرال يهوشافات هركابي»» الرجل الذي قيل إنه وصف العرب بأنهم 
«متخطون: معادون للسامية حتى النخاع» يتصفون بالعنف وعدم التوازن»*. 
وا الان ابه 0 ي إل جن من ال ين 
على معرفة جيّدة به» وکان ينوي التحدث عنه فی کتاب «الاستشراق». 

کان أوضح کتاب سار على نهجه کتاب رفائیل پاتاي 1٤1 ۲۵٤41‏ مه۸ «الذهن 
العري» (1973) A Mi«4‏ ط1. وکان پاتاي المستشرق الهنغاري اليهودي 
الذي کان e‏ في جامعتي كوم بيا وپرنستن» قد وضع دراسته الأنثروبولوجية 

عن العرب» واستنتج أن العرب يكرهون كل عمل يوسخ أيديهم» وأنهم مشغولون 
بالجنس» ويكرهون كل الغرباء من دون تمييز. حصل هذا الكتاب الذي فحص 
عقدة الاضطهاد التي افترض المؤلف أنها تكمن في أعماق الأحاسيس العربية على 
مراجعات إيجابية دا وانتهى به الأمر إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية انتبهت له. 
وقد کشف سیمور هیرش 1e۲‏ إuم‏ ہرم فی مقالة نشرھا ف a‏ «ذا نيو 


228 


من سایغون إك فلسطين 
ورک« The New Yorker‏ ض العام 4 عن أن الكتاب أصبح «كتاب الممحافظين 
الجدد المقدّس فيما يتعلق بسلوك العرب» واستعمل في التحقيقات التي أجريت في 
أبو غريب للهجوم على نقاط الضعف لدى اممساجين» إذ ساد الاعتقاد بآنهم يخشون 
الإذلال الجنسي أكثر من أي شيء آخر. 

ن ن الاخ كان قك جنع ان ومد ماق مناسة ادها الو قل 
لقائهما في سُتانفرد. فقد عقدت رابطة خريجي الجامعات الأمريكية من الطلاب 
العرب 4۸4G‏ مؤتمرها السنوي في فندق أورنغتن في مدينة إيقانستن في العام 
0 وشاءت الصدف أن الطلبة الإسرائيليين الذين يدرسون في الولايات اممتحدة 
كانوا يعقدون لقاءهم السنوي على مبعدة حارات قليلة من مكان مؤتمرهم» وكان 
هركابي متحدّثهم الرئيس. ويبدو أن «الجنرال الطيّب» قد دفعه دافع مفاجن إلى 
أن قود تمعن من الظلبة بانجاة أورنخان من ذؤق سايق إنذار لإجراء خوار برق 
وكانت جماعة الجبهة الشعبية الفرعية ۴1۲۴ التي كان سعيد يتعاطف معها 
بسبب صداقته مع سامي (الذي كان عضوا فيها) أول من سمع بالوفد القادم. استثار 
ذلك التصرّف غضب سعيد لأنه عذّه تحدَّيا سافراء فقاد شباب الجبهة مجابهتهم. 
وعندما اقتربوا صرخ سعید بأعلی صوته: ٥٤۵٤٤1 ٤۶‏ ٥۲م‏ (مثرو شغب!). وبعد 
مواجهة متوترة على الدرج صاح هركابي بأنهم جاءوا بسلام» وبعد ذلك تراجع 
الإسرائيليون وانسحبوا. 

والتقى سعيد وهركابي مرة أخرى في باريس في العام 9 في شقة فوکو حيث 
كانت مجلة sمصإ0deدn‏ psدenآ es‏ تعقد لقاء «طاولة مستديرة» حول إسرائيل/ 
طن وف عفد ا وك مك حف كل فت ام ادب 
طريقه إلى تغيير موقفه ليصبح حمامة السلام الأولى لدى ا مؤسسة الإسرائيلية»7. 
والظاهر أن كتاب «الاستشراق» الذي يدرس فق الظاهر المتخصصين في الثقافة 
العربية الممنتمين إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان لديه أوغاد 
آخرون أقرب عهدا وأن وجوه الفيلولوجيين الأوغاد كرسشتيان سنوك هرخرونيه 
Snouk Hurgronje‏ .€» وثیودور نولدکه Noldeke‏ 0 وإذورزد ال 
Edward Palmer‏ كانت تخفي وراءها هرکاي وپاتاي وغیرهم ممن عدون ذکری 
طرق العمل الأقدم. 


229 


إدورد سعيد 


على أن أجداد كتاب «الاستشراق» الطيّبين كانوا أكثر عددا من السيئين. ففي 
السنوات التي سبقت وصول سعيد إلى تافز حرص على الكتابة إلى كبار 
ا متخصّصين في دراسات الشرق الأوسط وإلى نقاد حقل الدراسات العربية الأكادهية 
مثل أنور عبد الملك الذي صادف آنه كان ابن عم نبيل (8111) مالك» صديق طفولة 
سعيد. الذي يرد ذكره في كتاب «خارج اممكان». وكانت الدراسة التي نشرها عبد 
املك بعنوان «الاستشراق في أزمة» )1963( ill Orientalism in Crisis‏ 
الأهميةء وتبادل الرجلان الرسائل لسنوات وقد أرسل عبدامملك قاثمة بأعماله بعد 
أن قرأ الملخص الذي أعدّه سعيد لكتاب «الاستشراق» (بعنوان «أساطير تحعطمت» 
Shattered Myths‏ ف مجموعة تنتمي إلى العام 1975)» واشتکی من أن سعید م 
يستشهد به. وقد قاد ذلك إلى تبادل الرسائل الوذية بين الاثنين» وفيها تساءل 
سعيد عن السبب الذي منع عبد الملك من الإشارة إليه هو الآخر”. 

غير أن سعيد سرعان ما تجاوز هذه البداية الحساسة وكتب للتعبير عن إعجابه: 
«ليس هنالك من أحد في عاممنا (أقصد العام الثالث أو العام العربي) من لديه ما 
لديك من الذكاء الأيديولوجي والمكن ا منهجي من القضايا الحضارية والثقافية»". 
وقد وجه بعض من كتبوا مراجعات لكتاب سعيد تهمة استعارة الأقوال من دون 
نسبتها إلى أصحابهاء ولكننا نجد منذ المقالة الأولى عن القضية الفلسطينية في العام 
9 (في مجلة خريجي جامعة كومبيا) أنه ذكر سابقيه منذ البداية وبوضوح تام: 
جاك بيرك [4es 8e‏ ومکسیم رودنسن 01ء« نل هR‏ "نه وقسطنطین 
زریق» وجورج آنطونیوس ء0uنط‏ 0ص4 ع60۲ وألرت حورانی. 

عد سعيد بيرك واحدا من ممع مستشرقي القرن”. ولد بيرك ف الجزائر لأبوين 
فرنسيين مقيمين في الجزائر من فئة «ذوي الأقدام السوداء» إزمص 4مم وكان 
سعيد مهتما به منذ سنوات» وتبادلا الرسائل الودية منذ أوائل السبعينيات. كان 
بيرك معارضا للنظام الاستعماري» شديد الإعجاب بالأدب العري ال معاصر على عكس 
أنداده» مخالفا بذلك الموقف التقليدي القائل إن كل ما يستحق الاهتمام في الأدب 
العربي هو القديم منهء وأن الشرق راكد. أما مكسيم رودنسن الذي كان سعيد قد 


() هم الفرنسيون وغيرهم من ذوي الأصول الأوروبية الذين ولدوا في الجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي بين العامين 
2 و1962. [اممترجم]. 


230 


من سایغون إلى فلسطين 
كتب مراجعة لکتابه «الإسلام والرأسمالية« )1968( Islam and Capitalism‏ dجلa‏ 
«النيويورك تاز بك رفیو» في شهر نوفمبر 1974 بعنوان «ماركسي فرنسي يقر 
الشرق الأدنى الغامض» A French Marxist Explains the Mysterious East‏ 
فكان مفكرا يشعر سعيد نحوه باممهابة*. كذلك اعتمد سعید کٹا على المصادر 
الإسرائيليةء وبخاصة على شاحاك الذي كانت تنقيباته فيما تنشره الصحف باللغة 
العبرية ذات قيمة عالية له لأنها كشفت للملا السياسات الإسرائيليةء وقرارات 
ا محاكم» والأقوال غير الرسمية التي يدل بها المسؤولون السياسيون ويوجهونها إلى 
الاستهلاك المحلي فقط. 
كان كتاب «الاستشراق» هو الذي أظهر مؤلفه بوضوح أنه ينتمي إلى ذلك 
النمط من القكريق العرب الذين أنتجتهم النهضة؛ أي اليقظة التي بدأت ف القرن 
التاسع عشر. ففي تحضيره كتاب «الاستشراق» تلمذ نفسه على نحو واع على مفكري 
النهضةء وانضمٌ إلى أمثال كلوقيس مقصود 04ء)ة۷ نها العروبي اللبناني 
الأمريكي الكبير الذي عمل سفيرا للجامعة العربية (1961)؛ حوراني» الذي أسّس 
دراسات الشرق الأوسط ف العام الناطق باللغة الإنگليزية؛ محمد حسنين هيكل» 
الصحفي المستقل الشهير في القاهرةء الذي دعاه سعيد «موسوعة فعلية للمعلومات 
عن مصر والعامم العربي»؛ العروي في كتابه المتميّز «أزمة ا مثقفين العرب» (1974)؛ 
وفلپ حتي الذي وضعه كتابه «الإسلام والغرب» (1962) في وضع مشابه للموقف 
الأ وضع كاب ا ف مو فة آي ق وقح وجك مضدرا ارماك 
الموثوقة أمام الوكالات الحكومية”*. ففي العام 1944 قال حتي أمام لجنة من لجان 
مجلس النوّاب إنه ليس هنالك من سند تاريخي لإنشاء وطن يهودي ف فلسطين. 
لكن حتى موضوع الاستشراق الذي عمل كتاب سعيد على فضح تصوير الغرب 
الکاریکاتیږي له کان له تاریخ أطول. فهذا میخائیل رست مؤلف کتاب «الغریب 
في الغرب»» الذي نشر في نيويورك في العام 1895ء يشتكي مر الشكوى من الأكاذيب 
العنصرية التي ملأت کتاب الدکتور هنري جسّپ صںءءe[‏ رادم اممعنون «الحياة 
البيتية السورية« )1874( Sai Home Life‏ ومن الكتاب الأسواً منه بعنوان 
«نساء العرب» (1873) .1he Women of Arabs‏ فقد صتّف رستم أساليب جسّپ 
ليظهر كيف أعطى عنصريته المعادية للعرب مظهر التعليقات ذات المضداةة 


231 


إدورد سعيد 


فاختار بعض الحقائق وتجاهل أخرىء» وجزدها من سياقهاء وحكم بذلك على شعب 
بکامله”°. صحیح أن كتاب مقصود «صورة العرب« )1963( The Arab 1m age‏ 
تناول مشكلات التمثيل التي تناولها كتاب «الاستشراق»» وأن كتاب حوراني «تاريخ 
الشعوب العربية» (1991) أكد أهمية المصطلحات التي تتميّز بها كتابات فوكو 
(الحقيقةء القوةء الثروة) لكن علم الاجتماع الماركسي عند العروي هو الذي جاء 
بأكثر نقاط الالتقاء". وفيها بين العروي أنه كان على المثقفين العرب أن يتخذوا 
جانبا من اثنين: فإما أن يتابعوا التيارات النظرية الغربية ليكونوا مجرّد شراح؛ وإما 
أن يتنكروا لها أملا بالبقاء عاميّي النظرة غير ملتزمين”*. 

غير أن الأثر الأكبر لا بد أنه جاء من قسطنطين زريق» الذي قضى سعيد معه 
ساعات طويلة في حديث شخصي في أثناء اللقاءات العائلية. كان زريق» من عدد 
من النواحي» الأنا الأخرى لشارل مالك. ولد زريق في دمشق» من طائفة الروم 
الأورثوذوكس» وعمل في السلك الديبلوماسي» ومرنيا جليلا في الجامعة الأمريكية 
ببيروت» وم يحفل كثرا بأسلوب مالك الاعتراي. كتب مالك بأسلوب ناصع البيانء 
وبحماس ملتهب» وبلهجة الداعية الحريص. أما زريق فقد طرح قضيّته بلهجة هادئة 
وثقة أبوية. وكان والدا مريم وعائلة زريق على علاقة بلغ من متانتها أن مريم كانت 
تشعر کأنها إحدی بنات زریق» بینما ۾ يکن يفصل سکن زريق وعائلته عن سکن 
سعيد وعائلته سوى مسافة قصيرة في بيروت. ولرها م يكن من السهل على المرء أن 
یری في النقاش زواجا للعقول*' عندما كان زريق وسعيد يقضيان ساعات طويلة في 
نقاش محتدم بعد العشاء فقد اختلفا عندما وصل الحديث إلى أثر «فرويد ونيتشه 
وغرامشي في أعمال» سعيد وفق ما قال فیما بعد“ . ولکن سعید ظل يسعی إلى 
الحصول على نصح زريق ويعتمد على دعمه على رغم كل الخلافات. 

في فبرایر 1974 کتب سعید رسالة لکوستي ذstه٤**)‏ (کما کان زریق یعرف 
في العائلة) بناء على إلحاح من وداد» والدة مريم» للنظر في إمكانية حصوله على 
منصب تدريسي دائم في الجامعة الأمريكية ببيروت. كانت تلك الجامعة هي 


(#) يلمح ا مؤلف هنا إلى السونيتة 116 من سونيتات شيكسپير التي يقول فيها «ليس هنالك من حائل يحول دون 
تزاوج العقول الصادقة». [امترجم]. 
(٭ ٭) اختصار لقسطنطین ta ٤1٤‏ sوCo.‏ [امترجم]. 


232 


من سایغون إل فلسطين 


الوحيدة (وفق تأكيد سعيد) التي تتصف بالرقَيْ الفكريّ وباط متابعة النظرية؛ «إنها 
المكان الوحيد الذي له قيمة ف الحقل الذي أعمل فيه» في الشرق الأوسط. لكن 
کانت جامعات [جونز] هوپکنز وهارقرد وکومبیا تسعی کلھا إلى استقطابهء وکان 
الوقت قد حان لاتخاذ القرار. كان في موقف حاسم ف حياته» وكان ميالا إلى التوجه 
شرقا. «مهما تكن ا معرفة التي أملكها الآن عن الشرق الأوسط فإنها توظف في خدمة 
الإمبراطورية الأمريكية. وماذا لا أضعها في خدمتنا نحن؟»"" كان العرض الذي تلقاه 
ف النهاية هو أن يصبح رئيس قسم الأبحاث ف معهد الدراسات الفلسطينيةء الذي 
كان مستقلا من الناحية التنظيمية عن جامعة بيروت الأمريكية. ونحن لا نعلم 
النصيحة التي قدّمها له كوستي» ولكنه تخلى عن الخطة بضغط من مريم. فإلى 
جانب أنها م تكن لديها رغبة في العيش كل الوقت في لبنان فإنها خشيت أن يقفز 
إلى أوحال سياسة الشرق الأوسط, وأن يتخلى عن التثبيت الذي سعى إلى الحصول 
عليه طوال حياته» وأن يفقد فرصة العودة. 

م تسع دراسة زريق الفذة بعنوان «معنى النكبة»» على رغم دعوتها الناقدة 
إلى التوجه باتجاه الغرب» إلى التخلي عن العروبة. بل إلى إعادة تشكيلها. وكان من 
رأي زريق أن ية ف الفقافة الحرية وحدة أماسية قوامها رؤية روحيةء وتطاحات 
شاملة» واعتقاد بوحدة الحقيقة وليس بنسبّتهاء والانفتاح على الثقافات الأخرى. 
وکان تأثیره في سعید على آوضحه في جعله يؤمن بأن الباحث القدير اممتحرّر من 
نزعة الانتقام سينجح عند محاولة ترسيخ هذه الصفات وجعلها تسود. وكان من 
الواضح أنه يختلف مع سعيد ف احتقاره ميل العرب إلى الأدب بانتقاده الموهبة 
العربية السخيفة للتعبير عن الأوهام السياسية بلغة موشاة بالعبارات الجميلة. 
لكنه ركز على الثقافة بوصفها وسيلة للتحؤل الاجتماعي*. 

وفی رسائل آخرى كتبها سعيد في آثناء انشغاله بالكتاب عبر عن قضايا أخرى غير 
متوقعة. وعلى رغم أنه م يكن قد وصل بعد إلى النقطة التي يرى عندها أن وحدة 
الكتاب تكمن في اممشكلة النظرية الخاصة بالتمثيل فإنه حير كثيرين فيما بعد بشأن 
ما یحاول کتاب «الاستشراق» قوله: 

أطروحتي على رغم فجاجتها طريقة فعّالة لدراسة ا مرحلة الحديثة 
[من الصراع بين الشرق والغرب]. أبداً بحفنة من المصادفات في أواخر 


233 


إدورد سعيد 


القرن الثامن عشر... حملة نابليون في العام 1798ء توحيد شركة الهند 
الشرقيةء مولد الجمعية الآسيوية مu٩اهذئA‏ ءاءiءهS‏ والجمعية الملكية 
الآسيوية راعiء S٥‏ 1ئ4 1هرهR...‏ ونشأة الفيلولوجيا المقارنة... والتمييز 
الذي أوضحه شليغل 1ءعء1ط5 للمرة الأولى ولكنه تمييز تابعه همبولت 
dtاHumbo‏ بين اللغات الهندية الأوروبية واللغات السامية. ذلك أن 
موضوعي هو تاريخ الاستشراق البريطاني والفرنسي في العام الإملامي 
القريب (ها في ذلك احتلال الجزائر 1830 ومصر 1882ء وما إلى ذلك على 
مدى القرن)ء وعلاقة ذلك بالسيطرة السياسية... وأنا أقول إن نظرة معينة 
للإسلام والعرب تأخذ بالظهور (ولهذا تاريخ سابق للقرن الثامن عشر يعود 
بطبيعة الحال إلى أوائل من بدأوا بالحجاج ضد الإسلام الذين كانوا كلهم 
مسیحیین سوریین» وهم أسلاف المارونيين في لبنان في هذه الأيام)... إن 
الثقافة الرسمية نفسها وليس تشويهات وسائل الإعلام فقط متواطئة”. 

كان ذلك تصريحا يلفت النظر إذ لا هكن للمرء أن يجد فيه إحلالا للشرق 
الأوسط محل الشرق كلهء وهو ما هوجم بسببه من دون هوادة. فنحن نجد هنا 
أن متخصصین ف شمال أفريقیا والهند من آمثال أنکتیل دوپرون ان٥۸‏ 
Duperron‏ کانوا جزءا من خطته الأصلية. كما أنه لا يهمل الاستشراق منذ العصور 
الوسطى حتى عصر النهضة كما ادعى النقاد فيما بعد. فهو يستبعدهما بدلا من 
ذلك لتحقيق مزيد من التركيز. 

م يعتقد سعيد يوما أن الفاصل بين الشرق والغرب فاصل نحت في صخر 
كأنه هوَّة ضرورية لا هكن ردمها كما صورها مؤلفون من آمثال ردیزد کپلنخ 
Rudyard Kipling‏ وإدمند مورغن فورستر ۲ا۴0 .E. M.‏ فقد کتب سعید 
كتاب «الاستشراق» لإثبات فساد ذلك الرآي ق واقع الأمر. كان الفاصل» كما رآه هو 
فاصلا جغرافيا إستراتيجيًا““. وللسيطرة على الشرق شعرت أوروبا أن عليها أن تتقن 
الموضوع لأن ا معرفة قَوّة واتخذت اممعرفة صيغة تعيين جوهر الشرق» شخصيته 
الداخلية الحقيقية (كأنه ليس له إلا شخصية واحدة). كان ذلك مشروعا أخذته 
أوروبا على عاتقها «لأنها كانت قادرة عليه»؛ كانت تملك امصادر الضروريةء والخطة 
العامميةء والقرب الجغراف» ولذلك وجب عليها تصوير الشرق على أنه الآخر*. 


234 


من سایغون إلى فلسطين 
يعود جانب كبير من هذه الحالة العامة لا إلى مصادر عربيةء بل إلى أعمال مثل 
کتاب رند فل Raymond Wiliams‏ بعنوان «الریف واطممدينة» The Coy‏ 
City )1972(‏ مطt‏ ndهء‏ وإلى النظريات اللسانية التي ظهرت في فترة العشرينيات 
ا الإيطالي الشيوعي أنتونيو غرامشي “Antonio Gramsci‏ . وقد ظل سعيد 
يحتفظ فوق أحد رفوف الكتب في مكتبه ملصق دعافي يظهر هو فيه مع وليَُز في 
مناسبة حدثت في جامعة لندن في العام 7. وني تلك ام مناسبة التي جمعتهما في 
أواخر حياة ومز وقفا على ا مسرح للإجابة عن أسئلة حول عروض تلفزيونية عن 
أعمالهما. وکانا قد التقيا في السنة السابقة قي برنامج «أصوات» ٠ء۷1‏ الذي عرضه 
التلفزيون البريطاني مع روجر سُكروتن ١٥انإء؟‏ إ#ع٠۸.‏ المحافظء صاحب الأطوار 
الغريبة في مجال حرب الثقافات» والذي كان هجومه السليط على اليسار الجديد 
the New Left‏ ممتلا في سعيد بالدرجة الأولى قد ظهر من فوره”. 
کان سعید شدید الاحترام لوليّمُز فصوّر نفسه في مقالات كتبت فيما بعد 
هو افلا التب واه وها ن ف که و رن ان ا 
نین وان رغم آنا كان يلان آفكازا متشابوة فإهةا ديا قحفطا معاد 
فترة الغداء التي شاركه فيها مع زوجته قبل التسجيل في برنامج «أصوات» 
وصف شعورهماء وقال إنه كان من الصعب تجاوز الحديث الوذي اممعتاد". وم 
تساعدهما تنشئتهما ا مختلفة على تخطي الشعور بعدم الراحة. فقد ولد وليَمُز 
في بيئة من عمال المناجم» وكان طول حياته اشتراكيًا من الريف الويلزيء» يكتب 
الروايات كم أصبح فما بد أسغاةا للد راما ومنظرا ف موضوع الات وغ تكن 
تجربته في تعليم طلبة من الطبقة العاملة في دورات تعقد لتعليم البالغين بعد 
الحرب العاطية الثانية وظيفة مؤقتةء بل هواية ذات طابع سياسي. وعلى رغم 
تعارض الخلفيات فإنهما مکنا من قضاء فترة ما بعد الظهر یتمشیان في شوارع 
بلومزبري وقد اندمجا في حدیث طويل بعد انتهاء مهمتهما. وقد أعجب سعيد 
بشكل خاص بقدرة وليّمُز على البقاء «متفائلاء آملاء لطيفاء كبيرا» في مواجهة 
«الثرثرة الفارغة» ف برنامج «آصوات». 
کان من عادة سعيد أن يلجا للظرف واللطف في لقاءات كهذا اللقاءء ولكنه 
كبح نفسه بسبب اختلاف اللهجة وبسبب ما كان يكنه من إعجاب شديد. 


235 


إدورد سعيد 


فقد كان يلتقي للمرَّة الأولى برجل كان يحرص على تدريس كتبه طوال العقد 
السابق”“. ظهر كتاب «الريف وام مدينة» في العام 2 قبیل بدء اشتغال سعید 
بكتابة «الاستشراق»”. وقد اعترف فيما بعد بأن ذلك الكتاب كان أحد نماذجه 
الرئيسة. فاعتقاد وليَّمُز بأن الثقافة ليست مجرّد نتيجة ثانوية للوضع الاقتصاديء 
وأن أساليب اک في السيطرة الاجتماعية تترك مجالا ل «أفعال ومقاصد أخرى» 
كانت متطابقة مع اعتقاده. 

للوهلة الأولى م يكن ثمة كثير في كتاب «الريف واممدينة» مما هكن استخدامه 
لوصف النماذج العربية ابمتوارثة. فهو كتاب عن الحياة الريفية الإنگليزية في القرنين 
الثامن عشر والتاسع عشر كما ثرى من منظار قصائد البيوت الريفية؛ وهي في 
أكثرها مدائح للأراضي التي هلكها المُلاك الأغنياء. لكن وليَمُز كان يهتم» خلف هذه 
اعات بالوفة الي اعت راما هذه العور الطدبادة بارخ اطق من 
حيث شكلها ومحتواهاء وفرضت على الظروف الريفية القاسية صورة ذاتية غيرت 
شکلها. 

كذلك م يترك الاتجاه المعادي للإمبريالية في كتاب «الريف واممدينة» مدفونا 
في الرمال. فقد كتب وليّمْز صراحة (وهو أمر م يكن النقد الإنگليزي قد اعتاد 
عليه ف فلك الكرة) عن قصاتد تشه ها كان يجري ى مرحلة انتقالة من الحياة 
الاجتماعية في إنلترا مُورس فيها نوع من السيطرة السياسية على ا مستعمرات 
داخل البلد وخارجه. فالحرب بين الأرياف واممناطق الحضرية داخل إنگلترا عكست 
العداء بين الأطراف واممركز العالمي وهما يعيدان إنتاج نفسيهما على مستوى 
مختلف؟. وقد تمك ليمز كما فعل سعيد فيما بعد من تسجيل الذهشة من أن 
النقاد والروائيين كانوا يهملون آثار القوة الإمبريالية على الخال الإنگليزي باستمرارء 
وقد كان كتاب وليّمُز واحدا من أوائل الكتب التي صوّبت هذا الخطأ. وقد كان 
من ري و الناقدء وليس الشاعرء هو الذي يقودنا بعيدا عن الكلام الملخفف 
آل ات ال فوا 5 امع و غر ااج حن الخرق ى الروت 
واطمدينة هو ذلك النظام الذي نعرفه باسم الإمبريالية». 

ساعد وليّمْز سعيد بربط اللغة بالجغرافيا بأن أعطاه موضوعا من موضوعات 
کتاب TT‏ المركزية. وكان هذا ما فعله أنتونيو غرامشي» الذي سجنه 


236 


من سایغون إل فلسطين 


موسوليني في أحد سجونه الفاشية» وهو واحد من مؤسسي الحزب الشيوعي 
الإيطالي» ومن الثوريين الثقافيين الكاثوليك في بيئة القرن العشرين التي هيمن عليها 
ماركسيون يهود لامعون". أما هوية غرامشي فقد شكلتها الضرورة الجغرافية. 
فبما آنه كان ينتمي إلى جزيرة ساردينيا والريف الإيطالي الجنوي؛ فإنه تابع تعليمه 
في الشمال امصتع» ولذلك فإنه عومل كأنه أدنى من الناحيتين العرقيّة والإثنبْة. 
وقي مقالة عنوانها «نواح ف من الممسألة الجiوuة« Certain Aspects of the‏ 
Southern Question (1926)‏ - وهي مقالة کٹیرا ما قرزرها سعيد على طلبته 
في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات - وجد غرامشي في الصراع بين الريف 
واممدينة متلا مما دعاه سعيد في «الاستشراق» «الجغرافيا الخيالية» ء1۷)ة”1عة 1 
رطمaإعهمع‏ حيث تصبح الأرض نفسها رمزا للفروق الثقافية اممؤذية. 

والأهم من ذلك أن اللغة كانت لغرامشي هي التي تضع حدود الصراع على 
الأرض. ففي تورن ٣1ا‏ درس غرامشي على يدي ماتيو ڊlرتg «Matteo Bartoli‏ 
وهو واحد من أصرح القائلين بأن اللغة تضم سجلا للهجرة والغزو الأجنبي» وليس 
روح الشعب فقط كما قال الرومانسيون. ففي امناطق اممتنازع عليها تتواجه لغتان 
مختلقتان مضطرتان للتنازع على اممكانة”. 

آما وقد حصل مشروع كتاب «الاستشراق» على هذه المصادر فإنه حرك سلسلة 
من الكنايات المكانية. وقد أشارت إحداها؛ وهي «المموقع الإستراتيجي» ءءء 
10an‏ إلى الكيفية التي يتموضع بها الكاتب باعتبار كتابته. وأشارت أخرى؛ 
وهي «التشكيل الإستراتیجي» ]٥۲٠٣۵٤1٥١۸‏ ءiععاهءاء»‏ إلى الكيفية التي تحصل بها 
الأفعال على «قوة مرجعية» إمس٥م‏ اهنادءإم؟هء ما دامت تحتل مكانا بين مجموعة 
من القوى الممتكاملة بدلا من الوقوف وحدها. وقد كان ذهنه مشغولا بالتعرّف على 
الكيفية التي تجمع بها نصوص معينة القوة والتأثير بينما لا تنجح نصوص أخرى 
في ذلك. ولذا فإن سعيد كان يشير بعبارة «الجغرافيا الخيالية» إلى مفارقة تقول إن 
قرب الشرق الأوسط جعل الشرقي قويًا وخطرا في الذهن الغربي. وها أن المنطقة 
تقع على مقربة من أوروباء فإن ذلك يسهل زيارتها من جانب الرحالةء وا مغامرين 
الاستعماريينء والمبشرين» ولذلك فإن تجاربهم لا بد من معالجتها في قصة مشتركة 
تعطيهم اممعنى «الحقيقي». قد تكون الأرض ماذّة الجغرافياء أما الأفكار فتنحو 


237 


إدورد سعيد 


إلى تجريد المكان من ماذَيّته بحيث يبدو الجيران بعيدين. وقد تظاهر الاستشراق 
عندما اتخذ شكل الصينولوجيا والهندولوجيا والدراسات الإسلامية أنه يشمل أكثر 
من نصف العام. ولذا فإنه تساءل: كيف هكن لحقل دراسي له مثل هذا الاعتزاز 
بالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة أن يشمل هذه المساحة الثقافية عن طريق ملء 
الفراغات في مخطوطة متخيّلة سلفا؟ 
KKK‏ 

شارفت السنة على نهايتها فيما كان سعيد مشغولا بكتابة مسودات الصيغة 
الأولى من الكتاب. وخلافا للحظات أخرى من حياته (باستتناء الفترة التي كان فيها 
طالبا في كلية الدراسات العليا) م تكن هنالك مواجهات مثيرة أو مكائد سياسية. 
فقد أمضى أيّامه في ستانفرد مشغولا بدراسته. وبعد رحلة قصيرة لإلقاء محاضرة 
ف ليبيا في ربيع العام 1976ء كانت الزمالة التي حصل عليها قد وصلت إلى نهايتها. 
وکانت خطته آن یعود إلى بیروت» ولکن المطار کان قد قصف» ولذلك فإنه تخلٰی عن 
الفكرة فبقي مح عائلته في كاليفورنيا والتقى بأخته جين وعائلتها قبل العودة إلى 
نيويورك ف أواخر أغسطس. وبعد ذلك بفترة قصيرة شارك بصفته ضيفا مدعوا لندوة 
عربية أمريكية عقدها معهد مركن إنترپرایز ذم American E ne۲‏ ہواشنطن. 

کان سعید قد تلقی» حتی قبل نشر کتاب «الاستشراق» عروضا لشغل منصب 
أستاذ متميّز من جامعات منها جامعة بيركلي وجامعة جونز هوپكنز. وفي أوائل 
شهر مارس 1978 نوى القيام بزيارة قصيرة لبيروت وحده» ولكن الإسرائيليين غزوا 
جنوب لبنان بينما كان هو ومريم قي باريس» ولذلك قرر العودة إلى نيويورك. 
وكان قد رتب للتعريج على باريس لتقديم محاضرة عن «الاستشراق» في جامعة 
السوربون» واعترف لطالب سابق في القاهرة بعد أن قرر إلقاء ا محاضرة باللغة 
الفرنسية أنه كان هاه «القلق والتهيْب»**. لكن مخاوفه م تكن في محلهاء ذلك 
أن الاستقبال الرائع الذي تلقته ا محاضرة مم يتضمُن أي إشارة إلى الضجيج الذي كان 
بانتظاره فیما بعد. 

كان استقبال «الاستشراق» في البداية بهيجاء فقد رشح الكتاب الذي كان في 
طريقه إلى أن يُترجم إلى ثلاثين لغة والذي قدّر له أن يوحي ببرنامج توثيقي كاملء 
لنيل جائزة حلقة نقاد الكتاب القومي the National Book Critics Circle‏ 


238 


من سایغون إلى فلسطين 
4س للعام 1978 لكنه خسر الجائزة في تلك السنة لفائزين تقاسما الجائزة 
هما غاري ولز ل۷1 عه على كتابه عن تاريخ إعلان الاستقلال ومورين هاوّزد 
Maureen Howard‏ عن کكتابها «حقائق الحياة» 11 ۴ه ءاءه۴» وهي سيرة ذاتية 
تتسم بالصلافة عن رحلة كاتبة من الحب إلى الفن. وتلقى الكتاب مراجعات تنم 
عن الحسد» وتطلب الأمر عدة سنوات قبل أن يتحول إلى فضيحة على رغم أن سعيد 
كان قد شرح آفكاره الجدلية قبل عامين من نشره في مقالة نشرتها مجلة «ذا نيو 
يورك تاز بك رخ« he New York Times Book Review‏ مراجعات الکتب 
التي تصدرها وة «نيويورك تامز». 
في العام 9 التقى سعيد بدومنيك إِذه Dominique Edde‏ وهي شادة 
لبفافية ضارت فيا بعد رواثية. كانت ف ذلك الوقت موظفة ق دار النشر اة 
وهي الدار التي نشرت كتاب «الاستشراق»» وكانت قد قرأت الكتاب باللغة 
الفرنسيةء وأرادت أن تعمل على تسويقه. نشأت بينهما علاقة وجيزةء عادا لها 
في العام 1995 بعد انقطاع طويل» ثم انقطعت العلاقة بعد بضع سنوات. كانت 
العلاقة قد استمرّت عن بعد وكانت في معظمها نقاشات ورسائل متبادلة. ثم نشآت 
علاقات أخرى مع أناس من دول مختلفة» وتجمّع حوله أصدقاء جدد مع تنامي 
سمعة الكتاب» وأخذ يتلقى سيلا من رسائل المعجبين ممثلة برسالة من الفيلسوف 
والناشط السياسي کورنل وست Cornel West‏ Îرlalw‏ في العام 1978ء وهي رسالة 
لقيت لهجتها اممبتهجة صدى لدى الممثقفين المعارضينء ولاسيّما اممثقفين من غير 
البيض في جميع أنحاء العام: «أنت تقف عند الحدود - الحدود الغرامشية». 
كان قد أصبح نجما آكادهِيّاء وما كان من هذه الشهرة العامية إلا أن أنتجت آثارا 
سلبية كثيرا ما تنتج عن الشعور بالزهو والكبرياء. وها أن كل معارفه أرادوا قطعة 
منه فانه استغل الوضع. واشتکت أخته غريس من تعال جديد» من قدر متزايد من 
الطبع السيْن في تعامله مع أخواته". ۰ 
وبالطبع مم يساعد ابتعاده العاطفي عن أزواج آخواته في تمتين العلاقات 
العائلية. إذ م تكن بينه وبينهم أمور مشتركة كثيرةء وم يكونوا يكلفون أنفسهم 
عناء زيارة أحدهم للآخر إن حدث أنه وجد نفسه قریبا من سکنه. وعند وجود 
التزامات مشتركة» كما في حالة زوج روزي أنطوان زحلان فيما يخص فلسطينء 


239 


إدورد سعيد 
فإن عقبات أخرى منعتهما من تطوير صداقة حقيقية بينهما. ففي هذه الحال 
كان زحلان» بصفته متخصصا في علم الفيزياء ويعمل في الجامعة الأمريكية 
بييروت» وله مصالح تجارية في كل من العراق وسوريةء يعمل مع حكومتين م 
يكن سعيد على استعداد للتغاضي عنهما. وشعرت جين أيضا بأنه على الرغم من 
لسانه السليطء الذي قد هكن التغاضي عنه بحجَة أنه «مزاح ثقيل»» فإنه مم يقل 
الكثير عن أخواته؛ وذلك لأنه «م يشعر بالكثير نحوهن»”. أما من وجهة نظر 
سعید فانه ۾ يحصل منهن على ما يستحقه من الاحترام إذ ۾ تهئئه أيّ منهنُ 
على منجزاته» وتعمّق الاستياء لأن الام أت دورا سلبيًا في هذا المجال. وبينما 
يمكن القول إن سعيد وأخواته حب بعضهم بعضا فإنهم وجدوا أن من الصعب 
أن يعيشوا معا. 

في هذه الأثناء وجد نقاد الكتب أنهم لا يقلون حماسا ضدّه عن حماس الممعجبين 
به. ففي 10 نوفمبر 1980 رذ سعيد على مراجعة للكتاب كتبها صديقه صادق 
العظم يقرب طولها من أربعين صفحة كان قد أرسلها للتو إلى مجلة «الدراسات 
العربية الفصلية» (التي كان سعيد يشارك في تحريرها). فقد انتقد العظم على 
نحو خاص تلميح سعيد إلى أن ماركس كان يشبه الاستعماريين البريطانيين في الرأي 
القائل إن العام الثالث مم يكن أهلا للحكم الذاقي» ووصف ذلك بأنه «تشويه» 
لآراء ماركس. أما الاذعاء - كما فعل سعيد - بأن أصول دوافع الاستشراق تعود إلى 
هوميروس ودانتي فمعناه تصديق الفكرة القائلة إن الشرق ثابت لا يتغير. لكن ما 
الذي يهاجمه كتاب «الاستشراق» إن م يكن هذا؟ 

لقد غفل العظم عن نظرية سعيد الخاصة بالتمثيل تماماء فصاح (كما صاح 
علماء الاجتماع الذين غفلوا عنها أيضا) قائلا إنه لا يكفي أن نقول إن الباحثين م 
يفهموا الشرق. من الضروري أن نظهر كيف ستكون ال معرفة غير ا مشوّهة للعرب 
وامسلمين. ثم أضاف قوله إن الاقتباس من ماركس الذي يقول «إنهم لا مكنهم 
تمثيل أنفسهم» ولذلك يجب أن مَثلوا» وال مأخوذ من كتاب عن ثورة 1848 في فرنساء 
کان مشکوکا في معناه. كان ماركس يشير إلى التمثيل السياسي» إلى الظروف ام معزولة 
الفردية للفلاحين التي أتاحت المجال لنضاب مثل ابليون الثالث لأن يستغلهم. أما 
سعيد في الجهة اممقابلة فقد استعمل الفعل «هٹل» represent‏ عنى «اkممحاكاة»‏ 


240 


من سایغون إل فلسطين 


للتعبير عن غرض الكتاب الخاص بالخيالات التي تسقط على الشرق الأدنى. أما 
العظم فقد اعتقد أنها تهمة مفبركةء ولذا فإنها في النهاية تشويه. 

كان من رأي العظم أن «الاستشراق» أشبه بالتحية الإسلامية التي تقول: «حماك 
الله من الشيطان». وف النتيجة فتح سعيد الباب أمام أتباعه لأن يبدأوا كل مناقشة 
بصب اللعنات على اممستشرقين”. وكان الوقت الذي ظهر فيه الكتاب بالغ السوء كما 
قال. ففي اللحظة التي كان اليساريون العرب يحاولون الترويج للعلم الغربي في صراعه 
مع التعمية الدينية سكب سعيد ماء باردا على تلك الجهود وأعطى هدية لاملالي 
الذين كانوا في ذلك الوقت يصبون جام غضبهم على التغريب ١410ء!؟¡t0xء۷6.‏ 
وي هجوم مشابه وقف عزمي بشارة» وهو عرب مسيحي يعيش في إسرائيل ويعمل 
ف معهد قان لر 1e٤‏ ه۷ e‏ اuاiاsم1»‏ ضد رسالة «الاستشراق»؛ لأنهاء مثل كل أنواع 
اللبرالية العاجزة في المنطقةء تصب اهتمامها كله على الفنون والثقافةء بينما كان 
اليسار يحث المثقفين على التعامل مع حقائق الاقتصاد السياسي الاديّة. 

وبعد ستة وثلاثين عاما كان العظم يعيش في ال منفى في برلين يرافقه الإحساس 
بوطأة ما جری بينه وبين سعيد من تبادل للانتقادات ويستعيد الجدل الذي انتهى 
بوضع حدٌ لصداقتهما. وكما يذكر» كان سعيد قد كتب له «رسالة بالغة القبح 
والحدة... مخيفة في الواقع ما فيها من عداء وغضب»*» لكن الرسالة نفسهاء 
وهي لاتزال موجودةء كثيرا ما كانت تحاول التهدئة» وتمزج بين الترغيب والدفء 
بينما كان سعيد يحاول الحفاظ على صداقتهما من دون الامتناع أحيانا عن بعض 
التعليقات الجارحة. ففي سعيه إلى تقييم اممراجعة التي كتبها العظم اعترف بأنها 
«كتبت بعناية» وأنها «تشكل وثيقة مقنعة تستثير الإعجاب في بعض الأحيان» 
على رغم أنها بحاجة إلى أن تختصر إلى نصف ما هي عليه (ليس وفقا لطلبه هوء 
بل وفقا لطلب الممحررين اممشاركين الآخرين: أبو لغد واممغري). واحتفظ سعيد 
بسخريته حتى آخر الرسالة: أنت م تتجاوز في الواقع ماركسية الأممية الثانيةء في 
حين «إنني من ا متشکكین. وف كثير من الأحيان من الأناركيين» ولست من اممؤمنين 
مثلك بالقوانين أو النظم» أو أي من ذلك الهراء الذي يكبت أفكارك ويضيق أفق 
کتاباتك». وف أشد لحظاته مرارة ت يتهم العظم بأنه 2 اليسار» وهو شيء ما 
کان ممکنا لي من بَطلي» غرامشي ولوکاتش» أن یکونه». 


241 


إدورد سعيد 


وبعد مرور شهر» بعد تسلم رفض العظم لحذف أي شيء تقدم سعيد 
بغصن الزيتون» ووعد بأن يدعو في اجتماع هيئة التحرير القادم إلى نشر مراجعة 
العظم كاملة مح إجابته عليه: «أنا مستعد للتسليم بأن «الاستشراق» ليس كتابا 
جيدا جدّا ولكنني أصرٌ على أنه يحتوي على قراءات وتفسيرات ممتازة مع 
بعض الاستشناءات». ثم اقترح أن يلتقيا في بيروت في يناير» ولكن الأذى كان 
قد حصل» وفع فيما بعد إلى مدى مم يعد الإصلاح ممكنا بعده» وذلك بعد 
أن وضع الط نفسّه» وقد عاد للتدريس في سورية» في قبضة نظام الأسدء 
واتهم سعيد في مقالة نشرها في إحدى ال مجلات بأنه يعمل ممصلحة ال مخابرات 
الأمريكية. وعلى رغم المحاولات التي أجراها ی من خوري ودرويش» وهما 
صديقان مشتركان كان يحدوهما الأمل بوصل ما انقطع» فإن الرجلين م يستعيدا 
ما کان بينهما من وئام. 

جاء الهجوم على كتاب «الاستشراق» من أربع زوايا: (1) من باحثين معاصرين 
في حقول اللغة العربية والإملام والشرق الأدنى يعتقدون أن سعيد تنطع لحقل 
بتطلّب من المعرفة قدرا فاق قدراته؛ (2) من مارکسیین باکستانیین وغرب (مثل 
إعجاز أحمد وصادق العظم) شعروا بأن خط الشرق والغرب المرسوم في الرمالء 
بغض النظر عن استعداده للمواجهةء م يكن ديالكتيكيًاء وطمأن هينا إسلاميًا 
كانت خشيته من «أوروبا» شبحية الطابع تفتقر إلى التعريف ولا تقل عن خشيته 
هو؛ (3) من أخطر نقاده» وهم أساتذته ف دراسات الشرق الأوسط ولاسيّما بيرك 
ورودنسن» بل أيضا من العروي» الذين روا أن ما حصل عليه من تدريب قي الأدب 
منعه من إدراك تنوع الدراسات الاستشراقية من الناحية العملية؛ (4) من مجموعة 
يريحها الانتماء إلى فرق البحث اليمينية أو وسائل الإعلام المعادية التي كانت 
مهمتها لا تنحصر في تقويض الأساس الذي يقوم عليه كتابه بل تتعذاه إلى محو 
سيرة سعيد المهنية برمتها. وكانت عناوين كتاباتها تشي ها لديها من احتقار: جوشوا 
موراقچك )نMuravch‏ shuaىJ:‏ «كفانا سعید» (2013) 4نھ؟ طچEnoug؛‏ مارتن 
کڙهر lı» :Martin Kramer‏ اج عاجيَة على الرمJl« Ivory Towers on Sand‏ 
(2001)؛ والكتاب الذي كتبه مجهول يدعو نفسه ابن وراق: «الدفاع عن الغرب» 
.Defending the West (2007)‏ 


242 


من سایغون إل فلسطين 

وم يشفع لسعيد أن الترجمة الأولى لكتاب «الاستشراق» إلى اللغة العربية عدت 
«كارثة» على نطاق واسع. فهذا صادق العظم» وهو ممن لا يطلقون الكلام 
على عواهنه» یصفه بأنه «فظیع» بسبب محاولته للتذاکي على غرار ما فعله إذوزد 
فنزجرلد ۴۲26۲۵1۵ E4۵‏ في ترجمته لعمر الخيّا فلجاً إلى ابتكار ا مفردات» 
وال لغوية غريبة جعلت النص عسيرا على الأفهام”. وقد أصرّ ا مترجم كمال 
أبو ديب نفسه على أن صيغته حازت قبولا حسنا ف العام العربي إن صح القول إن 
«قنبلة» حطمت كل القواعد وأعادت تعريف مفهوم الترجمة". وبغض النظر عن 
الحقيقةء فإن هذه الترجمة أضافت طبقات من الحيرة وام مقاومة. 

وها أن النقاد كانوا واثقين بالتفؤق المنطقي مموقفهم فإن قلة منهم كلفوا 
أنفسهم عناء النظر في منطلقات سعيد الفلسفية. فعندما قال سعيد على سبيل 
ا مال إن ال مواقف النقدية تحتاج إلى فضاء ثقافي للتعبير عن نفسها فإن منتقديه 
وجدوا نفسهم في حيرة لأنهم وجدوا آنهم غير معتادين على هذا النوع من 
التعقيدات. فالحقائق من وجهة نظرهم حقائق» وليس لشكل الكتابة من علاقة 
معناها. وها أنهم موجودون ف فضاء مختلف وغير مستعدين للدخول في فضائه 
فإن نقدهم كثيرا ما أخطاً الهدف. 

وبغض النظر عن اختلاف اممنطلقات التي كان نقاد «الاستشراق» يبدأون منها 
فإنهم ظلوا يعودون للنوع نفسه من النقاط. فهذا دايل مارتن فارسكو ام53 
Martin Varsco‏ عای سبیل المثال» وهو خبیر اوا في مجال النصوص 
الزراعية اليَمَنيْة التي تعود للقرن الثالث عشرء يزعم أن حماس سعيد للهواة لا 
یهدف إلا إلى تزیین حقيقة أنه هاو عند دخوله حقله من دون استعداد کاف. 
وها أن سيك كان تشك (وفق هذا الرآي) من فراغات رة ف اارفة قاذ عب 
«ألا يكون ثمة شيء اسمه الحقيقة» في نظر سعيد» أو أن «مشكلته تتصل بعلاقته 
مع الواقع وليس حول معناه». أما ابن وزاق فقد اشتكى على النحو نفسه من 
لجوء سعيد الذي لا نهاية له «إلى رطانة ما بعد الحداثة» وهي لغة رجل يحسب» 
بکلمات روبرت إِرُون «ذ۲W!‏ e۲۲طہ۸)‏ أن «إعطاء الأدلة... شيء ر 

فح إزوف بالذات بالهجوم خد سخيد إل أقضاء ي كاب مخغوعا اشهوة 
المعرفة: ال قون وأعداؤهم» For Lust of Knowing: The Orientalists‏ 


243 


إدورد سعيد 


.an4 heir Enemies (2006)‏ کان إِرُون من تلامیذ أعدی آعداء سعیده 
آي ııرڌز‏ لويس Bernard Lewis‏ وض في تاريخ امماليك في العصور 
الوسطى» وقد سخر من سعيد لقوله إن المستشرقين كان بإمكانهم مذ يد العون 
للإمبراطورية عندما كانت الحقيقة أنه م يكن هنالك من يهمه صدق ما يقولون. 
وم يکن هناك شيء من الاتساق مع الحقل الذي أممح إليه سعيدء ذلك أن الحقل 
م يكن أكثر من مجموعة من الأفراد الذين وقفوا أنفسهم لخدمته» ومن المنقبين 
في الكتب» والعاملين في المكتبات» ومن غريبي الأطوار الذين يشملون عنجهية 
نولدكه الأمانية والاتجاه الاستعماري نحو الإسلام عند هرخرونيه ٤‏ ز٣٥إعإ۳1u..‏ 
ومنهج مرغوليوث 1طا٠هنامعإةN×‏ للنصوص العربية الأشبه بحل معضلات لعبة 
الكلمات اممتقاطعة"“. وأضاف إرون وفارسكو معا أن لجوء سعيد المستمر إلى 
أمثلة أدبية من فلوبير. ودانتي» واممآسي الإغريقية وسح حقل الاستشراق توسيعا 
أفقده مجناه”. 

لكن حتى أولئك الذين أبدوا إعجابهم بسعيد مثل رودنسنء اتفقوا مع بعض 
تلك التهم: «بصفته متخصّصا في حقل الأدب الإنگليزي والأدب المقارن فإنه ليس 
على علم كاف بالعمل الفعلي الذي يقوم به اممستشرقون». واستنكر المماركسي 
اللبناني ا عامل - الذي كثيرا ما يدعى «غرامشي العري» - انتقادات سعيد 
التي لا داعي لها ماركس» وكرّر مقولة العظم أن كتاب «الاستشراق» أذنب بإسناد 
صفات اة قاقات اما وما راد الطن بلة أن خض اميد سيد الساشن 
تمرّدوا. فقد شعر دیشد ستیژن أن کتابا عنوانه «الاستشراق» کان عليه آن پرکز على 
اليهودي الهنغاري إغناتس غولب تسيا ‘Ignac Goldziher‏ هم المستشرقين قاطبة. 
أما ألان منتز 1١٤z‏ ١ا۸‏ فقد أقلقه أن سعيد م يستغل الفرصة لجعل الكتاب 
عن اليهود وامسلمين معاء وهما موضوعا الأوهام الغربية اللذان يتناولهما الخطاب 
الاستشراقي”. أما صديقه وأمين أسراره بيرك فلرها وجه له أوجع الضربات عندما 
قال إن أطروحة «الاستشراق» ليست مجافية للمعقول بقدر ما هي مبتذلة: «من 
الواضح... أن كل عمل من الأعمال» سواء كان في مجال العلم أو الفن» يعكس 
الظروف التي كتب فيها»””. وم يكن مستغربا والحالة هذه أن الباحثين في الحقبة 
الفكتورية عكسوا النزعات الفكتورية. 


244 


من سایغون إلى فلسطين 
لكن م يكن آى من هؤلك التقاد يعلم شيا عن أغمال سعيد السابغة أو 
كيف تتصل هذه الأعمال بكتاب «الاستشراق»» كما كانت لدى بعض هؤلاء النقاد 
حسابات خاصة يرغبون في تصفيتها". فإرون» مثلاء ترك العام الأكادهي ليتفرّغ 
لكتابة الروايات بعناوين مثل «سر الجزائر» 1he Mystery of A‏ و«الکابوس 
العرٺي» Arabian Nigh)»‏ eط1»‏ وكانت سيرته امموجزة شبيهة بسيرة إرنست 
رینان 1۵۲ء۸ Ern‏ الذي يتناوله كتاب «الاستشراق» بالتفصيل بصفته شخصا 
ينشر ا معرفة ذا روح مستقلة ورغبة لا تشبع في الحصول على الأشياء الشرقية (تحول 
إرون إلى الإملام لفترة وجيزة بينما كان يدرس في الجزائر). وسواء ألاحظ أوجه 
الشبه هذه بینه وبین رینان آم م یلاعظهاء فإنه حکم علی کتاب «الاستشراق» بأنه 
«شعوذة خبيثة». وف العام 2 کتب سعید إلى كلية وشتwinۃڌر Westminster‏ 
1e‏ أوكسفرد» يشكو من مراجعة إرون ذات ال اوش الفجٌ» «ومن 
تلميحاته شبه الصريحة حول أصلي العرقي»”. أما بيرنزد لويس» أستاذ إزُون» وهو 
فمخصن قال عنه شاعاك إنه رمل بشکل مباشر ققریبا بصفعه عمیلا إنرانیایا فاد 
کان مستشرقا معروفا في آوکسفرد وپرنستن» وکان هو الذي انخرط معه في سجال 
شهير حول كتاب «الاستشراق» على صفحات صحيفة «نيويورك تاهز» ومجلة «ذا 
نيو يورك رفيو ا ڊ5« .“The New York Review of Books‏ 
کانت هذه ا لمواجهات أكثر من مجرد استلال للسيوف أمام الناس» إذ كانت 
ات طاع قحم مير لآن لأس راق» صر لوي إل جاتب كزين أغرين 
يعملون مصلحة وزارة الخارجية من أمثال دائيل ايس ¡pes‏ e1¡ص2a‏ وفؤاد 
عجمي» بصفتهم أحفاد البحث القائم على أساس د وهو البحث الذي استهدف 
الكتابُ فَضحَه. وبينما مثل عجمي المخبر الأهلي الذي يستقصي مخاطر النفس 
العربية وهشاشتها في البرامج واممقابلات التلفزيونية» فإن پاييْس حصل على موقع 
خاص به ف وسائل الإعلام بالتشديد على الخطر الكامن في الثروة العربية على 
الصعيد العالمي» وعمل على إنشاء «الرقابة الجامعية» 1ءاةW‏ usمصة)»‏ وهي 
جماعة تراقب الأساتذة التقدميين وتعمل على ملاحقتهم وإزعاجهم. 
م يكن ثمة من مفرٌ من المواجهة بين سعيد والساعين إلى الانتقاص منه بسبب 
الشهرة التي حققها كتاب «الاستشراق». وكانت الممواجهة الحاسمة بين سعيد 


245 


إدورد سعيد 


ولويس في 22 نوفمبر 1986 في اجتماع لرابطة دراسات الشرق الأوسط eالل¡١×‏ 
j East Studies Association‏ بوسطن“. كانت قاعة الاجتماعات مملوءة 
بالحاضرين» وكان هنالك ستمائة آخرون خارجها يجلس كثير منهم على الأرض. 
وكانت عدوانية سعيد واضحة من لهجة الاستهزاء السابقة للقاءء إذ همس باللغة 
العربية لأسعد خير الله في أثناء تناول الغداء: «سوف .. أمه»*. وف الحقيقةء 
بدا أن لويس خسر اممواجهة» إذ تفادى الأسثلة عن استقلاله العلمي» وحاول التفگه 
عبثا عن الأماط الشائعة عن الشرق الأوسط وقال: ما أن الرحالة الغربيين إلى 
شبه الجزيرة العربية كانت تتلبّسهم الأفكار عن الشهوانية التي لا حدّ لها حول 
حريم السلاطين» وها أن الرحالة من الشرق وجدوا أن النساء الغربيات خليعات» 
فإن من غير امفهوم ألا يكون الجانبان متفاهمين. أما رفيق لويس ف الممناظرة ليون 
ویزلتیر Len Wiesel tier‏ وهو کاتب عمود في جريدة «ٺيو ريبلك» ER‏ 
eba blie‏ (وواحد من طلبة سعيد السابقين» ويقف موقف فض ت فقد أعلن 
أن الأمسية کانت في نظره «کابوسا». کان بیرنزد «آخا من كوكب استشراقي آخر» 
يقول أشياء بالغة الغرابة. شعرت شعورا فظيعاء فوجئت لأنني لست كذلك. لقد 
استسلم لخصمه. 

والظاهر أن الجميع م يدركوا أن «الاستشراق» كان عن نظام متداخل من 
الصور التي جعلت الغزو أسهل وذلك بأن جعلت تفوق أوروبا يبدو أمرا طبيعيًاء 
فالكتاب مم يتناول أمرا بلخ من ابتذاله أن يثبت أن هذا اممستشرق أو ذاك كان 
عميلا للاحتلال الأجنبي على رغم أن ذلك كان صحيحا في حالة هرخرونيه وبكر 
Beck‏ (کما قر إرون)» فماسینیون على سبل المثال (الذي عامله کتاب 
«الاستشراق» بإعجاب واضح) عمل مباشرة مح الجيش الفرنسي وقؤات التجسُس. 
كذلك فإن القول بأن سعيد بالغ في تقدير الأدب» وهو قول ترذد كثيراء بدا أنه قول 
متسرّع. هل نسي القرّاء ضيقه في الكتاب مما دعاه ب «الاتجاه النًي» 1هںا×ه) 
attitude‏ آي المبالغة في تقييم الأدب؟ لقد كان موقفه کله من قوة الاستشراق 
وما رافقه من تضليل مستندا إلى أفكار الآخرين الخاطئة القائلة إن «الارتباك 
الذي هر به بنو البشر هكن فهمه على أساس ما تقوله الكتب؛ أو النصوص». 
وقد عبّر عن ذلك تعبيرا جارحا بقوله: «إن ال مرء لا يستطيع التعرّف على إسبانيا 


246 


من سایغون إل فلسطين 


في القرن السادس عشر بقراءة «أمادس الغولي» 6a1‏ fه‏ ءنdفةص4»*.‏ ومن 
الناحية الثانية قَلَبَ سعيد الموقف ضد منتقديه معنى ثان أيضا وذلك بأن أبرز 
الشيء الذي عدّوه نقطة ضعفه: «أنا واثق بأنكم و الأدب يحصل على 
أقل قدر من التمثيل من بين التخصصات الاستشراقية الفرعيةء وذلك لأسباب 
واضحة: فالأدب يربك التصنيفات ذات الترتيب الحسن التي يبتكرها المستشرقون 
للحياة الشرقية. والحقيقة الجلية هي أن الممستشرقين لا يعرفون كيف يقرأونء 
ولذلك فإنهم يهملون الأدب بكل سرور». 

ما التهمة الممعروفة القائلة إن سعيد كان من أتباع ما بعد الحداثة وإنه م 
یکن يقر بوجود شي» اسمه الواقع» فإنه عمل کل ما بوسعه في محاضرات ألقاها 
قبيل نشر «الاستشراق» بوقت قصير لنسف مفهوم ما بعد الحداثة“. كذلك فإنه 
مسك بشدّة موقفه المعارض ها بعد البنيويةء وبين فساد المقولة الشهيرة التي 
جاء بها التفكيكي جاك دريداء وهي أن «الواقع لیس سوی عنصر نضَيّ لا آساس له 
فی الواقع»”. کان سعید یکره کتابات دریداء ویعدھ ا decadent zin‏ 
متصنعاء متغندرا یتسلی» وأن أتباعه کانوا منخرطین ف نوع مدن ن الشك ف کل 
شيء”*. وعندما أعلن في مقالة عن دريدا آنه «ليس هنالك من شيء اسمه الشرق 
الحقيقي» فإنه م يقصد أنه لا وجود لأناس ف الأردن أو العراق» شون فوق الأرضء 
ویشعرون بالأم» أو وتون”» بل كان يقصد أن الواقع «الموجود هناك» لا هكن 
الوصول إليه إلا بوجود مفاهيم مشتركة تنتقل بوساطة اللغة حتى لو كان ذلك 
الواقع مستقلا عن أفكارنا. هذا الرأي كان رأيا مسلما به لكل من درس النظرية 
الأدبية في السبعينيات. والواقع عند الفيزيائيين والاجتماعيين كما هو عند نقاد 
الأدب» لا يكتسب معناه وشكله إلا بوساطة مفاهيم نكونها عنه» ولا يكتسب هذا 
الواقع معناه إلا في اللغة. وا مفاهيم بهذا المعنى وحده ليست ثانوية بالنسبة إلى 
الواح بل هى ها مكل هذا الوات 

لو م يكن سعيد مؤمنا بأن الشرق الأوسط موجود بغض النظر عن أفكارنا 
عنه مما قضى الفصل الأخير من «الاستشراق» وهو يجادل ضذ تشويه وسائل الإعلام 


(٭) رواية رومانسية. [المترجم]. 


247 


إدورد سعيد 


الأمريكية للواقع في فلسطين وإسرائيل. ومن الواضح أن الحرب التي كان لها معنى 
هي تلك التي تتصل بالتفسير وليس كل تفسير صحيحا بالدرجة نفسها. ولذلك 
مم تكن إستراتيجيته في هذا الكتاب رسم صورة أدق للشرق في جوهره الحقيقيء 
أي تكرار الرغبة غير المسوّغة لدى خصومه. ما كان يهمه هو إثبات عدم اكتراث 
امستشرقين ها يرويه الشرقيون عن حيواتهم هم. 

لكن من غير الممكن إيجاد تفسيرات لكل ما قد يعد ضعفا ف الكتاب. فا معجبون 
بسعيد أنفسهم وجدوا أن «الاستشراق» م ينتبه أحيانا ما فيه من تناقضات» وذلك 
ف استعداده مقلا لحشر مفكرين مختلفين ف الجانب تفسه". فهل کان بإمکان 
آي وروي بشروط سعيد آن يعمل عبر ثقافته من دون مزاج سائد؟ إن سخريته 
كيرا ما اكتسحت تلك اللحظات التي امتدح فيها سعة علم الممستشرقين» وخرّبت 
امبالغات حجاجه عندما اذعى أن المستشرقين «نادرا ما كانوا مهتمين بشيء أكثر من 
اهتامم بإثبات صحة لك «الحقاتق» البالية بنطبيقها دون تجاح كبير على الأهاي 
الذين لا يفهمونها ولذلك فإنهم منحطون». هذا الاذعاء تناقض مع تصويره هو 
للسيرة العلمية لكل من رهون شواب bاaسطء؟‏ 024 Ry.‏ وإذوزد لين Edward‏ 
٠‏ وغيرهما من الباحثين الذين اقتصرت جرهتهم على مبالغتهم في منجزات 
الماضي العربي والإسلامي. وبسبب رغبته ق إبراز نظرية عربية لا تدين بشيء لأوروبا 
فإن سعيد قلل من جدَّة ا موقف المعادي للاستعمار عند فلاسفة ودعاة غربيين من 
أمثال میشيل دي مونتین dag «Michel de Montaigne‏ د «Denis Diderot‏ 
ویوهان غونفرید ھر «J. G. Herder‏ وتر ژر Victor Schoelcher‏ . 

اقترب سعيد أحيانا من إنكار قدرة أي شخص غير شرقي على كتابة تاريخ 
الق عن دون أن باهي مح ماس عة الغارجة فقن قال ن أت ااراشه 
من الکتاب مثلا إن ام مرء يکون «إما أوروبيًا أو أمريكيًا أولا ثم يكون فردا»”. 
وكان يجب أن تكون محاذير قول كهذا واضحة: إذ لا هكن أن يكون هنالك من 
تفسير لا يتآثر بهوية الشخص. ثم مضى ليقول: إن الأوروبيين في القرن التاسع 
عشر كانوا يؤمنون كلهم بتميزهم الإثني”. لكن الأمثلة المضادة لهذه التهمة 
الصارخة مم تكن بعيدة المنال ولو أنه م يذكرها: فالإثنوغراف ليو فروبينْيُس 0ء1 
ئ٥۴‏ على سبیل اممثال» حصل على مدیح واسع من الباحثين السود بسبب 


248 


من سایغون إلى فلسطين 

إعادة المكانة العالية لأفریقیا« والروائی إدوار دوفیز دکر Edu ard Douwes‏ 
Decker‏ فضح نهب جاوة على ید هولندة ف کتاباته التي تناولت مشكلتي اللغة 
والواقع اللتين تناولهما كتاب «الاستشراق». 

لكن من الناحية الأخرى كانت مبالغات سعيد مقصودةء أراد منها التنفيس 
عما لدى القرّاء من غضب. وقد لاحظ أصدقاؤه المقرّبون أنه كان يعلم أن عليه 
التخفيف من حدَة أقوالهء ولكنه شعر بأن عليه أن يبدي القوة والقطعيّة لأسباب 
سياسية. کان آسلوبه یستهدف أن یکون احا على وجه العموم ولکنه «م یرد 
أن يضیع في التلمیح» كما قال زمیله وصدیقه مایکل وود 9M c12e1 W00٥‏ . 
وقد أثار سعيد هذه النقطة في كتاب «الاستشراق» نفسه. إذ كان الخطر أنه 
قد ينتهي بالانخراط في «جدل فظ» يكون من العمومية بحيث «لا يستحق 
الجهد ا مبذول». وأن يفقد من الناحية الثانية الخط العام من القوّة الذي يحرّك 
الحقل*. وبينما حذر من النظر إلى الاستشراق على آنه «مؤامرة غربية إمبريالية 
خبيثة لإبقاء العام الشرقي تحت السيطرة»» فإن عرضه للموضوع كان لا بذ 
أن يكون صادما ما يكفي لأن يسمع. وقد نجحت سياسة املامة في استقطاب 
باحثين من امستعمرات السابقةء وكانت السبب الرئيس في النجاح العاممي الذي 
حققه الكتاب. فكما لاحظ أحد النقاد العادين» «صار الكتاب بيانا للعمل الإيجابي 
في نظر الباحثين العرب واممسلمين» وأنشاً اتجاها سلبيًا نحو الباحثين الأمريكيين 
والأوروبيين المستوردين»” . 

وبعد أن نجح كتاب «الاستشراق» مفرده في وضع مؤسسة كاملة تحت الممجهرء 
فتح اممجال أمام أولئك الذين لا يناسبهم قسم اللغة الإنگليزية» ولطلبة أمريكا 
اللاتينية. وللمتعثرين من الطلبة العرب الذين وجدوا آنفسهم في قسم مخصص 
لدراسة المنطقة التي جاءوا منها. لقد وضع الباحث الباكستاني إعجاز أحمد المقيم 
في الولايات اممتحدةء أصبعه على اممدلولات الدهغرافية الهائلة للكتاب» بعد أن كان 
قد وجه نقدا شديدا له من جانب اليسار كما فعل مهدي عامل وصادق العظم 
وغيرهما: فقد فتح أبواب العام الأكادهي للمُهاجر المنتمي إلى الطبقة الوسطى 
وللمثقف الذي ينتمي إلى الأقليات الإثنية”. ٠‏ 


KK 


249 


إدورد سعيد 


كان الكتابان اللذان تبعا «الاستشراق» بسرعة - وهما «القضية الفلسطينية» 
he Question of Palestine (1979)‏ و«تغطىة الإسلام» Covering Islam‏ 
(1981) - مستمدّين من ال مشروع الأصلي وشكلا معه ثلاثية. وكانت النية الأولى في 
الحقيقة أن يكون «الاستشراق» كتابا قصيرا جذّا ليظهر إلى جانب دراسة إخبارية 
عن القضية الفلسطينية» لكن «الاستشراق» نها وأصبح كتابا له وزنه. أما كتاب 
«القضية الفلسطينية» فقد كانت له» على رغم أنه كتاب تثقيفي من بعض النواحي» 
طموحات نظرية أعمق» وكان تأثبره أشد مما كان بإمكانه أن يتوقعه. وقد أصبحت 
انه من الإا بحت من نها ق صورة خب د واؤ نها حافظت عان 
لهجة الاحترام - نشرتها جريدة «نيويورك تاهز» بعد نشر الكتاب: «النجم اللامع في 
الأدب الإنگليزي و التحرير الفلسطينية« Bright Star of English Lit and‏ 
0. بهذا الإعلان م يكن هناك مفرٌ من أن تضيع بعض أفكار الكتاب الدقيقة 
على القرّاء على رغم أن سعيد عمل کل ما في وسعه لوضع آطروحاته بشكل مسّط: 
من الصفات الثابتة للمثالية التي تخدم نفسها... الفكرة القائلة إن 
الأفكار ليست سوى أفكار. وا ميل إلى النظر إلى الأفكار على أنها لا تتصل 
إلا بعام من المجرّدات يزداد بين الناس الذين يرون أن الفكرة تتصف 
بالكمالء والجودةء والتجرّد من الرغبة أو الإرادة الإنسانية... وعندما 
تصبح الفكرة فعًّالة - عندما تثبت قيمتها ف الواقع بالقبول الواسع لها 
- سيبدو أن قدرا من ال مراجعة لها ضروري لأن الفكرة سيُنظر إليها على 
أنها اكتسبت بعض صفات الواقع الملموس'. 
ثم تابع سعيد الفكرة بقوله إن الصهيونية مم تسحَ إلى التكيّف مع الواقع. 
فقد قدمت نفسها على العكس من ذلك على أنها فكرة لا تقبل التغييرء وهي 
الآن تتعزز باتخاذها شكل الدولة. ولذلك كان من الصعب تقضي أصول «صلة 
القرابة والانتماء والارتباط مع أفكار أخرى ومع مؤسّسات سياسية». أما العواطف 
المشبوبة والتحزبات امرتبطة ممسألة إسرائيل /فلسطين فلها صلة بخلق هذه 
الأسطورة اممعقدة الثابتة امتعلقة بالصهيونية الكتابية*' خارج التاريخ. 


(*) نسبة إلى الكتاب المقدّس. [امترجم]. 


250 


من سایغون إلى فلسطين 
لقد رأينا إصراره على الإحداثيات امادَيّة للصراع بعد خيبات الأمل التي 
مر بها في بيروت» وبعد أن طمأن لقن عن تمسُكه ب «الوضعية» ءز۷ن)زوهم 
بدا أنه يقول إن الأفكار أقوى من اشوا واممدافع والأرض. في هذه الدراسة 
الفرعية» حيث كانت أهمية بيان ال موقف الفلسطيني باللجوء إلى الحقائق 
أهمية قصوى كأنها تعرض في محكمة» نراه يستخدم الفلسفة. وعلى رغم كل ما 
جمعه الكتاب من معلومات عن التاريخ السابق لإسرائيل» وعن نشوء الصهيونية 
بصفتها آيديولوجياء وعن الدعم الإمبريالي البريطاني (ومن بعده الأمريكي)» وعن 
المنظمات الإرهابية اليهودية» والحقوق الفلسطينية في الأرض» فإن ما حافظ 
على وحدة الكتاب كان أمرا نظربًا. ففوق كل شيء» كان الكتاب يقول إن الأفكار 
والقصص لا تعكس الواقع بشكل ثانوي» بل تشكل الأعصاب التي تربط أجزاءه 
بعضها ببعضها الآخر. وكزر هذا القول بأشكال مختلفة: «حدث التحويل الضخم 
الذي أجرته إسرائيل معماريًا وسكانيًا وسياسيًا في فلسطين» ف البداية على 
شكل تخطيط للمستقبل. كانت الصورة هي امحرك الحقيقي"". أما المطلب 
الضمني فكان: ولذلك فإن علينا أن يكون لدينا تغطيط خاص بنا 
لقد كان ما يتميّز به الكتاب من وضوح وصبر - في الفصل المركزي اممستفز 
بعنوان «الصهيونية من وجهة ن¡¦¡ر lالضlıl« Zionism from the Standpoint‏ 
its Victims‏ گە - شيئا جعله مختلفا عن أي شيء رآه الناس في الولايات اممتحدة 
يتصل بهذه القضية الناريةء ولذلك فإن سعيد وجد أن من الصعب نشره”". إذ م 
تکتف کف پُرس ٠إ‏ ١٥ء84‏ دار النشر الأصلية» برفض الممخطوطة بعد تأخير 
اة مات ويك بل ولعت رق الداة عى فج عاد وة جا 
المبلخ الذي كانت قد دفعته على الحساب. وقد كتب المحزر في رسالة أرسلها إلى 
سعيد أوضح فيها أن أسباب رفض الكتاب كانت سياسية: «فما يجب التركيز عليه 
هو الفلسطينيون بصفتهم شعباء وليس الجرائم التي ارتكبت باسم الصهيونية»'. 
ومع حلول شهر سبتمبر 1978ء وبعد اعتذار دار النشر سامن وشستر 
Simon & Schuster‏ لأسباب تجاريةء قزر سعید لتقف عن محاولة نشره 
حتى السنة التالية"'. وم تكن هنالك أي دار نشر عربية على استعداد للنظر 
ف الأمرء إذ أرعبها أن الكلام عن «الدولة التي يهمُها الأمن القومي» قبل كل 


251 


إدورد سعيد 


شيء قد يزعج قادة المنطقة**". وقد وصف زريق الكتاب بأنه يشكل «اختراقا» 
ولكة شاف آو بض خم مات كانت غير مقبولة «من جانبنا» وخشي آنه قد 
يسبّب الأذى لسعيد ف العام العربي“. وقي محاضرة حضرتها أعداد غفيرة في 
كلية العلمين ق تلك الفارة عرض أقاطحات كثرة من الحاضرين, ولحت 
جريدة «نيويورك تاهز» في مقال خاص نشرته في شهر فبرایر 1980 آبرزته على 
صفحتها الثانيةء إلى أن سعيد ينتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينيةء وإن كان 
ذلك بشکل غير رسمي. وقد جعله ما حصل عليه من اهتمام مشهورا باممعنی 
السلبي» وعمل عدد من زملاثه على فصله“'. آما «آنتي وداد»» آي أَحُ مریم 
فقد كتبت رسالة إلى نسيبها بعد ظهور الكتاب قالت فيها: «أرجو أن تواصل 
الكتابة في حقول أنت المؤهل لاستقصائها. لن يطأطئ الإسرائيليون رؤوسهم 
إعجابا بالعقل العربي إلا عندما تتاح لهم فرصة قراءة دراسات كهذه»*'. 

جاء كتاب «تغطية الإسلام» نتيجة لأزمة الرهائن التي حدثت في الفترة 
الواقعة بين العامين 1979 و1980» وهو كتابٌ أهداه سعيد إلى زوجته مريم» 
وفيه وضع فكرة كراهية الإسلام (وليس مصطلح «الإسلاموفوبيا») في لغة 
الخطاب اليومي الجاذ للمرة الأولى. كان هذا الكتاب هو الكتاب الذي أوجد 
سعيد فيه موقفا يتّصف بالأتَفة هكن التعرّف منه على آيديولوجيا معادية 
للعرب وللإسلام ناتجة عن خوف يجافي الممعقول» آيديولوجيا هكن وصفها 
بأنها عمود من أعمدة السياسة الأمريكية”". م يكن كتاب «تغطية الإسلام» 
مجرّد استجابة تأملية للتغطية الهستيرية التي تتولاها وسائل الإعلام إِبّان أزمة 
الرهائن. وقد كان الفلم الذي بثته الشبكة العامة للإذاعة ۶85 بعنوان «موت 
Death of Princess «ön‏ ف 12 مايو 1980ء والذي علق سعيد عليه 
مطولا ف الكتاب» واحدا من أشدٌ الأمثلة تطرُفا. لقد قدّم الكتاب نفسه بوضوح 
تام على أنه جزءٌ من موجة جديدة من الأعمال النقدية التي تتناول وسائل 
الإعلام الأمريكية وانضمٌ بذلك إلى شخصیات مثل چومسكي» وهربرت شار 
«Herbert Schiller‏ وفرتن اکت “Fritz Machlup‏ . كذلك کان 4 
مضي في طريق ارال هاحاك وكان قد كتب لشاحاك قبل عامین لیشکره 
لأنه هو الذي ألهمه للنظر في مشكلة المثقفين والدولة"“. وقد تطلب النظرٌ 


252 


من سایغون إل فلسطين 
عدم الاكتفاء بنقد صناعة الإعلام بل النظر أيضا في استخدامها استخداما أشذ 
إبداعا. وقد مضت الدعوة للمضي إلى ما بعد الطريق اممسدود للاستراتيجيات 
العسكرية - وكانت هذه وفق شكواه هي الشغل الشاغل للناس في بيروت - 
يدا بيد مع استخدام الأفلام السينمائية والتلفزيون وال مجلات لكسب الهيئات 
غير الحكومية كالكنائس» والجوامع» والجامعات. 
وقد لام أصدقاءَّه اممقرّبين في دوائر الأدب الإنگليزي لجهلهم بنظريات وسائل 
الإعلام التي ينادي بها الراديكاليون المعادون لنظم الحكم القاثمة وبأفكار علماء 
الاجتماع من ذوي الاتجاه السياسي من أمثال رك مکlارڈڻر Ric McArthur‏ 
وإِذورد هرمن £dward Hera2٣‏ وریجس «Regis Debray E‏ وأرمان 
lnتıڈر "Armand Mattelart‏ . وقي واحدة اشد مقالاته دلالة عنوانها 
«حدود الخيال الفني» )1995( The Limits of the Artistic Imagination‏ 
تناول موضوع إدارة وسائل الإعلام ل «تشكيل الذهن» mind manage e٣)‏ 
بوصفها حالة خاصة من حالات «تشويه القدرة الإنسانية (أو اللاإنسانية) على 
الفعل أو طمسها» وهو موضوع أثير لديه على مدى العقدين السابقين". 
وق ا ا کک آه کان خو هه فاخو فة اة اة 
وصار کٹیرا ما بظهر على مدي العقدين السابقين ق البرامج الإخبارية والتحليلات 
السياسية الكبرى التي تبثا قنوات التلفزيون: برنامج إقنز ونوقاك ھ۷٣‏ 
Novack (CNN)‏ &» «ھذا الأسبوع» 111s Wee)‏ لدیقد بُرنکاي David‏ 
)AB€(‏ eyاBrink‏ الساعات الإخبارية کنیل jyَر the MacNeil/Lehrer‏ 
New BP‏ على قناة الشبكة العامة للإذاعة (۶85)» وبرنامج فل دوناهيو 
»the Phil Donahue Show‏ وبرنامج چارلي ڇرjg «the Ehaliê Rose Show‏ 
وبرنامچ «نایت لاين» ٥1ا٤‏ طع×. وقد تضمّن محاوروه على مدى السنين 
بنجَّمن نتانياهوء وياسر عرفات» وجين کیزکپاترك Jean Kirkpatrick‏ وهنري 
کسنجرء وجورج ول «George Will‏ lwgمp‏ دوتلدسن Sam Donaldson‏ وکثیر 
غيرهم. وعندما ظهر كتاب «تغطية الإسلام» كانت تلك العملية قد بدأت. 
نجح الكتاب في هذه البيئةء ولكنه تأرجح بين مستويات مختلفة من 
الكلام. فالتورية الموجودة في العنوان حيث تشير كلمة «تغطية» ڇدذإم۷هء إلى 


253 


إدورد سعيد 


الشمول*والإخفاء؛ وقد عنت للعاملين في حقله عند الوهلة الأولى أكثر مما 
عنته ممن هم خارجه؛ إذ ربط لاعبا على الكلمة بين: التركيز اممعتاد في قاعة الندوة 
الدراسية على مشكلات التمثيلء وبين النقد الشامل لوضع الإعلام. وقد اندمج 
العاممان بأوضح الأشكال ف استخدام المصطلح الأدبي المعتاد: مصطلح «السرد» 
ive‏ arrہ.‏ فالسرد کما آوضح فی شد مقالاته الفلسطينية طموحاء وهي «الإذن 
بالسرد» (1984) Permission t0 Narrate‏ لیس ترفا تستمتع به الطبقات 
الوسطى. كل أنواع القوة تعتمد عليه. لا أحد يكسب الاحترام» لا بل لا أحد 
يوجد في عيون الآخرين» إلا إذا كان قادرا على سرد روايته وإسماعها للآخرين. 
كان لدى الصهاينة روايتهم بعنوان «الخروج» usفه×ع*»‏ وسبرٌ جنرالاتهم 
الشجعان ذوي الأعين امعصوبةء أو فلاسفتهم الوجوديون 0 من آمثال 
مارتن بوبر #۲ ان8 «1ا۲ة. أما الفلسطينيون فلم تكن لديهم قصة بقدر ما 
يتعلق الأمر بالجمهور"". وكان جمهور إسرائيل الخيالي يضم كل شخص في أي 
مكان هكن أن يعد يهودياء مما أعطاه مجالا للحركة ف العام غير الخياي وزوده 
باحتلال عسکري» ومکنه من غزو جیرانه. 

ر أن سعيد م يندب غياب السردية الفلسطينيةء فلقد جاء كتاب «القضية 
الفلسطينية» بسردية من عنده ودعاها «الفلسطينيّة» ونم هند زيم[ ه15(5(***), 
کان شعبه شعبا متحرکاء يتنقٌل تنقلا سيالا بين شعوب أخرى وأمم ذات وجود 
راسخ. وكثرا ما استخدمت هذه الصفات لإنكار حقهم في الحصول على دولة خاصة 
بهم لأنهم كانوا يفتقدون؛ بصفتهم بدو هوية قومية واضحة. لكن سعيد رفض 
النظر إلى الفلسطينيين على نهم ضحايا محشورون في مخيّمات قذرةء ورسم صورة 
لشعب كانت أساليب حركتهم وتباذلهم قد أوجدت هوية إقليمية فضفاضة من 
دون u‏ قطعية. وهم يكن ذلك مصدر ضعف لهم» بل مصدر قوة. 

إن للفلسطينية بصفتها قصة بعض المزايا على الصهيونية. فعلى رغم آنها تروي 
كفاح شعب من أجل الاستقلال فإنها أخذت تدل على مبادئ لها صفة العمومية. 
(*) هذا ام معنى دخل إلى اللغة العربية عبر الترجمة الحرفية لكلمة ع«ذإء۷هء. [امترجم]. 


(#) رواية من تأليف ليون يورس نشرت ثي العام 1958. [المترجم]. 
( *) مصدر صناعي يدل على مفهوم أو مذهب؛ وهو ليس صفة؛ والسياق كفيل بالتمييز بينهما. [المترجم]. 


254 


من سایغون إل فلسطين 


فأولا كانت هي الصرخة التي رمزت إلى الشرق الأوسط برمته. فكل من هم غير يهود 
فيه شعروا بام الجرح الذي سبّبه ا محتلون الغربيُون» وهو الجرح الذي اتخذ شكل 
المستوطنين الإسرائيليين. ثانياء رمزت إلى الأنشطة ابلناهضة للاستعمار في كل مكان. 
وفغت أن الاستمار كان لازال خا كوا وفكت امان اللمخقهات اة 
امناهضة للاستعمار لأن انتقاد إسرائيل كان معناه في العادة فقدان السمعة أو حتى 
مصدر اممعيشة. ثالثاء أن تمييز الصهيونية القطعي بين اليهود وغير اليهود م يكن 
مستحيلا في التطبيق العملي فقط؛ بل كان جرهة ضد التاريخ المشترك لامنطقة لأنها 
«ضخمت فترة قصيرة من الهيمنة الإسرائيلية لكي تطمس التاريخ الحيوي ال متنوع 
بكل ما فيه من تنوع ثقافي في فلسطين»"". إن جوهر الصهيونية هو الاستبعادء 
بينما كان تاريخ فلسطين هو الاحتواء. 

للوصول إلى هذه النتائج الإيجابية كان عليه أوَلا أن عن النظر في القوة السلبية 
للمؤسسات. وكانت الخطوة الأولى في التغبر الاجتماعي هي اللجوء إلى النقدء وقد 
تطوّر حسّه النقدي في أحسن حالاته وأعمقه فكرا ف حقل الإنسانيّات. ولذلك مم 
تنحصر طموحات «تغطية الإسلام» بإثبات أن الإسلاموفوبيا هي الأسطورة التي َلجَاً 
إليها لتسويخ المخططات الأمريكية. كذلك كان الكتاب عرضا عمليًا للقوة السياسية 
التي تتمتع بها النظرية الأدبية (لاسيّما في ضوء ما تزودنا به من نظرات ثاقبة في 
دلالات السرد) للغوص ف منطق الدولة والحقائق التي تمثلها الشركات. وبعد الفراغ 
مق .هذه الفددة اتد فك يانه فد آن الأوان اة ممم آخرى لدبها القدرة 
على إدارة العقول - الجامعة - وبذلك يعيد الحرب إلى ساحتها الأصلية. 


255 


إذوزد سعيد 


256 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


النظرية شاهدة باردة كاذبة على قبر الحقيقة امميتة 


جوزف کونراد" 


ها ن سعيد کان يعمل في الوقت نفسه 
على إنجاز ثلاثة كتب وعشرات الممقالات» فقد 
شعر بالتعب عند نهاية العقد. وعلى رغم آنه 


حقق بعض الانتصارات» فإن أصدقاءه أخذوا 


«نمة علاقة وثيقة بين رجال الدين یلاحظون اعتلال صحُته وتنامی کابته» فقد 
وبزوغ فجر الدول الحديثة. ولا 

غرو أن تكون لرجال الدين علاقة اشتکی لزمیل له ف یولیو 1978 من «مرض 
بلاستخدام المنظم وامتزايد للوسائل e‏ 

الاستخباراتية. ولرها كانت الدولة ذات الرئة الذي لا يفارقه»» ومن ضلعين 
الكنسية أول دولة حديثة لديها وقد اض“ 
إدارات حكومية» فی حین کان القانمون مکسورین ١ a E‏ ل وول 1 إلى 
علیها روادا فیما پتعلق بالحصول على الخلا فدة دى للع من 
التقارير الخاصة ها يحصل في العام کي اا ا 
من تحولات سياسية وتصورات عقلية» السنوات الخمس السابقة بسبب أمراض م 


257 


إدورد سعيد 


يكن قادرا على الشفاء منها. وقد وصل الفزع بعبد الملك حدًا جعله يحدثه عن 
وضعه الصحي السيُنْ» ورجاه أن يقضي وقتا أطول في ممارسة الرياضة» وأن يبتعد 
عن مط حياته الذي لا يرحم“. 

کان سعید قد أفغی إلى صديقه سامي في وقت سابق آنه کان یخشی آنه م يبق 
له من العمر أمدٌ طويل“. لكن يبدو أن هذه النزعة التشاؤمية نزعة متأصّلة في آل 
سعيد. وهي عادة التعبير عن الخشية من عواقب أسواً الأوضاع الصحية. ولا شك في 
أن هذا اميل إلى امميلودراما هو ما كان في ذهن سلمان رشدي عندما وصف وسواس 
سعيد من امرض بحميمية بقوله: «يخشى سعيد إذا سعل أن يكون ذلك عرَضا من 
أعراض الالتهاب الشُعَبيء وإذا شعر با مغص فإنه يعبر عن يقينه بأن زائدته الدودية 
على وشك الانفجار»”. م يكن أي من أصدقائه يعلم أن السرطان في طريقه إليه 
(مثلما م يكن رشدي يعلم أن زائدة سعید كانت قد استؤصلت في طفولته)» ومثلما 
أشار الرواتي نفسهء فإن سعيد توف عن الشكوى واحتمل سرطان الدم عندما 
دهمه بعد عقد من الزمان أو أكثر بقليل. 

لا شك في أن الشهرة التي حققها كتاب «الاستشراق» ضاعفت من التعب 
الجسماني. فقد وجد» بسبب التعرْض المضاعف لطلبات وسائل الإعلامء أن فرص 
إطالة النظر ف النصوص خضوعا ممتعة القراءة أصبحت صعبة اممنال. كذلك تضاعفت 
الأنشطة الجانبية في محاولة منه لتوضيح ما عبر عنه كتاب «الاستشراق» والدفاع 
عنه. وظلّ على مدی اثني عشر عاما (1993-1981) غير قادر على إنتاج كتاب آخر 
يتناول فكرة متصلة على رغم أنه حاول أن يفعل ذلك» فباستثناء مجموعة إعلامية 
عن أبحاث كاذبة تتناول القضية الفلسطينية في كتاب «لوم الضحايا» ڇٍصه81 
(1988) ناء¡ ۵ط فإن کل ما استطاع إنتاجه كتابان عن أشدٌ ما نجده ف أعماله 
من تعبير أصيل عن العواطف والاتهامات» الأول هو «بعد السماء الأخبرة» ۸۴۲ 
Sky )1986(‏ ئا عطt»‏ وهو مزيج من الصور والنصوص» وهو من نواح كثرة أشبه 
بالعمل الذي ينبثق أثناء كتابته. والثاني هو مجموعة من المقالات التي شرت في 
العام 1983ء ولكن معظمها كتب في عقد السبعينيات» وهو الكتاب الذي أنهى فيه 
مشروعه عن سْوفتٌ. وتَعَدٌ هذه ا مجموعة من المقالات التي تدرس دور الجامعة 
فاجع اللمريي أجرا كه وافاها ورك واععي اانا 


258 


في مواجهة الآلهة الزائفة 
وقد لاح بعد تسل مارغریت ثاچر Margaret “1141e‏ السلطة في العام 
9 وتسلم روتلد ريغن لها في السنة التي تلتها أن عقد الثمانينيات كان أبعد 
ايكون غن الريب لكين الممدفن لاق الجا ای کان كل من 
الزعیمین يسعى إلى إيقاف تويلها. وحلْت أفلام مني غرفت Melanie GFifîth‏ 
ومایکل ج. فکس ¡1٤1 [. ۴٥×‏ التي اا ا ی ا 
رجال الأعمال محل الأفلام الخشنة التي تتناول حياة الطبقة العاملة كفلم «الغريب» 
Ain‏ وفلم «الياقة الزرقاء» إه1اه٣‏ م٠81‏ » وم يطل الوقت بعد آن لاح أن تسودة 
القضتة القلسطيهة غدت ممكة ف عيذ كارر حى شد العقد الجديد موجة من 
الغزوات العسكرية الأمريكية للدول التابعة الجديدة في كل من نيكاراغوا والفلبين 
وغرانادا ولبنان. وفي هذه الأثناء تولى عاملون معروفون بقدرتهم على جمع الأموال 
وعلى تشكيل الاستراتيجية الإعلاميةء من أمثال رجَّزد قيغري Richard Viguerie‏ 
ورالف رید ۸4 1م۸1 ومؤْسَستَیٰ سکیف e‏ وأولن «نا0» قيادة التوخه 
اليميني الأمريكي» فيما كان اليمين المسيحي يكافح لاحتلال موقعه في السياسة 
العامَّة. وها أن مقاومة طلبة الجامعات مم يعد من الممكن الاعتماد عليها وسط 
الشعور العام الذي تبع حرب فييتنام فقد أخذت الاتجاهات السياسية الرجعية 
تبدو جذابةء وِجْسَدَّت بأيقونات موسيقى «عقد الاهتمام بالأنا» #فaءءل‏ ص مثل 
إلفس کوستلو oااءاوه‏ وذ1۷ وذا بوليس ءءناه۴ ۰116 وبامشهد الفني طا بعد 
الحداثة الذي أخذ مجد الثقافة الشعبية بوصفها حاضنة الابتكار والحردة. 
كانت تلك هي السنوات التي وَجَدَ فيها كتاب «الاستشراق» جمهوره على غير 
ما قد نتوقع» وقد تبين أن رسالة الكتاب الآخذة بالانتشار مم تكن تتناغم مع الشعور 
السائد. فقد جرى تصوير الحملات التي شنّها البيت الأبيض بقيادة روتلد ريغن 
ضدَ النقابات والتعليمات الحكومية والرفاه الاجتماعي على أنها مبادرات شعبية 
من جانب كثير من وسائل الإعلام على رغم الممقاومة التي واجهتهاء وتسرّبت آثار 
تلك الحملات إلى الجامعات مع كل جيل جديد التحق بها. ومع اكتساب اليمين 
للسيادة على المشهد في أثناء تنظيمه الحملات الانتخابيةء واستيلائه على محطات 
الإذاعة» وإقامته ما يدعى بحلقات الفكر بدا أن اليسار الثقاف في الجامعات قد 
عجز عن الحركة وأنه يخوض حربا رمزية في معظمها ضد نظريًات التحليل النفسي 


259 


إدورد سعيد 


والسميوطيقا المتعلقة باميول الجنسية والاختلاف العرقي والشرور الناتجة عن كل 
أنواع السياسة باستثناء سياسة التمثيل. وي شهر أغسطس 1979 كتب سعيد رسالة 
من بیروت يعبر فیها عن شعوره بالذنْب ما پبدیه من رضا عن النفس وهو ينشغل 
بكتابة المقالات عن كونراد وسُوفت بينما كان الإسرائيليون يقصفون مخيّمات 
اللاجثين الفلسطينيين في الجنوب على مبعدة لا تزيد على نحو آربعين ميلا بتأييد 
من حلفاء إسرائيل الفاشيين» أي حزب الكتائب اللبناني. 

كان سعيد في الصيف السابق قد تمكن من الحصول على قدر من الابتعاد 
عن الإزعاجات بان قضى عطلته ف الأندلس («إسبانيا العربية») مع عائلته» وهو 
مكان كان بالإضافة إلى جاذبيته السياحية مكانا مورس فيه التسامح الديني بين 
العرب واطمسيحيين واليهود في القرون الوسطى“. وفي العام 1981 قضى عطلته 
مع عائلته ليس في التلال المطلة على بيروت بل في تونس بسبب الخراب الذي أ 
بلبنان» وهناك قضى هو وعائلته العطلة برفقة الشاعر محمود درويش في بيت 
ضخم فيه بركة سباحة وبيانو كبير عزف عليه سعيد كل ليلة قبل وجبة العشاء”. 
وف أوائل سبتمبر سافر إلى باريس في رحلة لإلقاء بعض الممحاضرات”. وقد أبلغته 
ا منحة الوطنية للإنسانيّات بانتخابه عضوا في مجلس نيويورك للإنسانيّات. غير أن 
هذه الأنباء الطيبة أفسدها الغزو الإسرائيلي الشامل للبنان في صيف العام 1982 
واکتساح جنوب لبنان» واحتلال بیروت» وتعرْض كثبر من أفراد عائلته وأصدقائه 
للخطر. وقد هدد الكتائبيّون عائلة أخته جين مباشرة برسالة قالوا فيها: «نحن نعرف 
أين أنث»». وأوضحوا بذلك أن عليها أن تترك شقتها أو أن تقتل. أما إبراهيم أبو لغدء 
صديقه القديم ق رابطة خريجي الجامعات الأمريكية من الطلاب العرب ۸۸0G‏ 
فقد وجد مأوى في شقة هلدا بعد أن تعرّضت شقته للتدمير بقذيفة إسرائيلية. 

كتب سعيد يقول إن لبنان «انتقل من وضع سين إلى وضع أسوأً: الجيش 
الإسرائيلي ينهب» والجيش اللبناني يعتقل الممئات» ورا الآلاف» من الناس للاشتباه 
بشيء أو آخر ا يشبه [الانقلابات العسكرية ف] الأرجنتين و - نعم - چلي مانط٤.‏ 
لقد بدأت حقبة جديدة وهي لا تشر بء وتسيب الذوز الذي أذاه ف اللجدة 
المفتة التي شُكلت للاحتجاج على الاجتياح الإسراثيلي بتلفيه بعضا من أولى رسائل 
الكراهيةء وتوالت الرسائل التي دعته من بين ما دعته ب «المتعاطف مع الشيوعية» 


260 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


و«العربي القذر الخدّاع»". وتلقى صندوق الدفاع الفلسطيني الذي كان يديره هو 
ومريم رسائل تضمّن بعضها تبرّعات بخمسة دولارات أو عشرين أو خمسين» إلى 
جانب واقيات حمل مستعملة ف رسائل رسمت عليها السواستكا النازية ذات اللغة 
البالغة العنف تتحدّث عن «الرغبة في غرس عمود من أعمدة السياج في عينيك» 
غلی شبیل الالء کا پقذکر مساعده الطالب في الدراسات العليا في تلك الفترة. وقد 
ظل يتلقى رسائل من هذا النوع على مر السنين كلما استدعى القصف الإسرائيلي 
احتجاجا من جانبه. هذا مثال: 
أنت ابن زانية غبي. أنت الآن تحت المراقبةء ويعرف اثنان من 
أصحابك ذلك» يکذبون من أجلناء فهمت؟ كمه ثانية عن آي شيء 
تحصل على أشعَّة المايكرووّيف» أشعَّة تصيب الرأس» الأشعَّة أنظف 
من الرصاص» لا تتوهم أنك أصغر من أن تتعرّض لذلك» ابحث عن 
الكاميرات؛ أنت لن تجدها»". 
وبعد سنوات قليلة تعرّض مكتبه للتفجير» وترك أحدهم سيغارا متقدا على 
مكتبه فأنتج ثقبا في النشافة الجلدية وسُكب الحبر على أوراقه» وسُرق أربعون كتابا 
من فوق الرفوف”'. «زارني أفراد من مكتب التحقيقات الفدرالي وقالوا لي إن الفاعل 
مجموعة من ا مجموعات اليهودية اممتطرفة... ثم هددتني [تلك ا مجموعات] على 
صفحات اة «ذا فیلیج فويس« «The Village Voice‏ . 
مم يعتقل أحد على رغم أن مكتب التحقيقات الفدرالي أصدر تعليمات محدّدة 
لفحص كل الطرود التي تثير الشبهات بعد اممذابح التي ارتكبت في العام 1982 في 
صبرا وشاتياد المخيّمين الفلسطينيين اللذين يقعان ف ضواحي بيروت. نفدت 
القثلة من قبل حزب الكتائب وبتشجيع من الإسرائيليين وحمايتهم. وفي ذلك الوقت 
ات را ی ا ات و ق اس اا 
واندفعت مهدّدة. واخترقت مساعدیه وهي تقول: «آين هو؟» کان مکتب 
سعيد ومكتب رئيس جامعة كومبيا اممكتبين الوحيدين المزودين بزجاج لا يخترقه 
الرصاص» وكان مكتب سعيد مزودا بجهاز إنذار يرسل إشارة إلى وحدة أمن الحرم 
الجامعي”'. كانت آخر كلمات والده قبل وفاته: «أخشى مما قد يفعله الصهاينة 
بك» خذ الحذر»". 


261 


إدورد سعيد 


م یکن آعداؤه كلهم إسرائیليين فأخته جين تذكره وهو هر بحالة من الرعب 
في بيروت خشية على حياته بعد مقابلة أجريت معه في أواخر العام 1979ء فقد 
أشيع أنه واحد من الأشخاص الذين تقرّر اغتيالهم”". إذ فرت بعض التنظيمات 
القل طبه موققة عن آنه مك الكقاح السلح مدلا من ارمام ولوت 
موقفه كتب رسالة نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» بعد ذلك بقليل أنكر فيها أنه 
فهم فهما تاما"". وبعد عقد من الزمن» في حادثة منفصلة كان يساند فيها منح 
اللجوء بمفكر فلسطينيء اشتكى من أنه غير قادر على زيارة بيروت الغربية خوفا 
من السوريين واممتطرفين. كما منع هو وابنه وابنته من زيارة أخوالهما وخالاتهما 
وجديهما وأبناء أخوالهما وخالاتهما في إثر تلك الحادثة”'. وعلى رغم أن مريم 
زارت بيروت برفقة ابنها وابنتها في العام 1983 ومن دون رفقتهما بعد سنة من 
ذلك التاريخ» فقد كان من غير الممكن لسعيد نفسه آن يسافر إلى تلك المدينة في 
السنوات التي تلت الغزو الإسرائيلي في العام 1982. ومما زاد من قتامة الموقف 
الخبرٌ الذي وصله في العام 1983 بأن والدته كانت تعاني سرطانا لا شفاء منه. 

كان الوضع السياسي الباعث على الكآبة في كل من الوطن وبلاد الغربة قد 
جعله تواقا إلى الانخراط ف العمل السياسي» لكن الحركة على الأرض في لبنان 
في العام 1983 مم تكن توحي بالأمل: «أما فيما يتعلق بثؤار البقاع... فبما أذني 
أعرف الزعماء هناك فلا هكنني القول إنني أتعاطف أدنى تعاطف مح أهدافهم أو 
أساليبهم في تحقيق تلك الأهداف» فهم ليسوا سوى مجموعة من الأشخاص الأغبياء 
امتوخشين»”. ففي أحد الطرفين كان هناك العنف الأعمى» وفي الطرف الآخر 
كان هناك الاسترخاء الكسول. وبعد رحلته إلى تونس ف يوليو 1983 لزيارة امقر 
الرئيس Bi‏ التحرير الفلسطينية التي كانت قد أجبرت على الخروج من بيروت 
نتيجة للغزو الإسرائيلي شعر بالقنوط بسبب الشلل الذي تعانيه ا منظمة» بينما 
كان هو تؤاقا إلى فعل شيء ملموس؛ «لكنني مم أكن أعرف ما هو»”. ومما فاقم 
الوضح أنه م يتمكن من امشاركة ف اللقاء التاريخي الذي عقده المجلس الوطني 
الفلسطيني في الجزائر في تلك السنة؛ لأن ابنه وديع كان قد أصيب بالتهاب مخ 
اسم وکان مرضه شديدا. كانت وفاة ابنه محتملة تماماء فاضطرٌ سعید إلى 
التخلف عن ذلك اللقاء. كان من المنطقي إذن أنه اختارء عندما دعته 6 النقد 


262 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


والنظرية yإ11e0' Schoo1 for Criticism and‏ ذات اممكانة الراقية قفي جامعة 
نوزثوسترن N11 ە5t e٢‏ في الصيف السابق» إلى أن تتناول محاضرته موضوع 
«إخضاع الدراسات الأدبية للمعايير المؤسسية واممهنية»* إذ كان ذلك أقرب شيء 
اللسيامة كه أن كاه فف كان بحر بخية الل لسم كرات مته غر 
المفهوم بالاستجابة لهجوم ريغن على مستويات ال معيشة» وعلى حركات التحرّر في 
العام الثالث (في نيكاراغوا خاصة). وفصل السلطات» وهو ما دعاه «بعصر رودلد 
ريغن»» ورأى فيه عودة إلى الحرب الباردة. وأشار بلهجة لا تقل عن هذه سخرية 
إلى «النظرية» الأدبية بعبارة «النقد الجديد الجديد» قاصدا أن الشكلانية الأدبية 
التي تعود إلى عقد الخمسينيات من القرن العشرين مم تفعل أكثر من تغيير ثيابها 
في عقد الثمانينيات وقد تزيّت بالزي الثوري للتفكيك» والتحليل النفسي اللاكانيء 
وما بعد الحداثة. 

تلك النظريات نفسهاء النظريات التي بدا قبل عقد واحد من الزمان أنها مغامرة 
ا ر ا هن ا و ای دو ا ات ا 
علی ما لا پزید علی خط لإنتاج «منظرین» متخصصین مشکوك في قیمتهم. وشعر 
أيضا بالنفور من مظاهرها المسرحية بينما كان الأساتذة الأمريكيون الذين يسهل 
خداعهم يتقرّبون من أندادهم الفرنسيين: جاك لاکان وهو يتصل بفوكو من مكتب 
في الجامعة لكي يزيد من تكاليف ال مؤتمر أو لنقل كل الأثاث حول غرفته في فندقه 
ذي النجوم الخمس قبل أن يطلب كأس الوسكي بينما هو يلقي حلقته الدراسية. 

كذلك شعر بقذر مماثل من الفزع» ولو آنه مختلف من حيث النوع» نحو الحقل 
اهن الذي رب ذه اكرات وما من انط عا الجامكات اللمركة 
والبريطانيةء هذا الحقل الذي يعرف بدراسات ما بعد الاستعمار اaنمه‌آمstcءمP‏ 
s#نفناS‏ كان قد دخل في الاتجاه الأكادهي السائد من الفرجَة التي فتحها نجاح 
كتاب «الاستشراق» الباهر. ولقد عد سعيد مؤْسّس هذا الحقلء وم تكن لديه أي 
مشكلة في الترحيب بجهود العاملين فيه لإدخاله مزيدا من المؤلفين غير الغربيّين في 
مناهج الكليّات» ولتحدَي التحيُزات الخفية الموجودة في ذلك الكمٌ الكبير من الكتب 


(x) Institutionalization and Professionalization of Literary Studies. 


263 


إدورد سعيد 


الغربية. كما أنه أيّد محاولات ذلك الحقل لتنويع الكليّات بالرجوع إلى الإثنية 
والأصول القومية. غير أن الصراعات الطائفية في لبنان» هذا إذا تجاوزنا الدروس التي 
تعلمتاها من ابن خلدون وشكى جعاته مشت اتلس بفكرة «الهوية» باناذءة! 
الشخصية التي سرعان ما غدت مسوغ وجود الحقل فيما كان الطلاب والأساتذة من 
غير البيض يشقون طريقهم لاحتلال مواقع كانت مغلقة في وجوههم”. كان قد 
قاد المسيرة وأوجد حركة أكبر منهء ولم تعد تحت سيطرته» وهي تتلقى الإلهام من 
کیان فكري کان هو في تلك اللحظة مشغولا مقاومته. 

كانت دراسات ما بعد الاستعمار في أواخر التسعينيات قد تحوّلت إلى شيء 
أكبر من مجرّد حقل آكادهي» وأصبحت مصطلحاته المفتاحية - اغن ةا 
other‏ «الهجنة» hybridity‏ «الاختلاف» eع١reء]fنك»‏ «المركزية الأوروبية» 
Eurocentrism‏ - شائعة في البرامج الممسرحية وقوائم الناشرين» وكتالوجات 
امتاحف» وحتى أفلام هوليودء أصبحت جزءا من الثقافة العامّةء وذلك بتأثير منه في 
اتی من واا مما فشكل مخفا اھ کان کر وچو د آی حا تی اد 
الاستعمار: «لست واثقا بأن الانقطاع الذي حصل بين حقبة الاستعمار وما بعدها 
كان على تلك الدرجة من الأهمية» ثم اعترف فيما بعد لزميل له بقوله: «لا أظنْ 
أن عبارة ما بعد تنطبق على الحالة أصلا». كان واجب الناقد أن يكشف أن 
الاستعمار كان لايزال حيًا وبصحة جِيّدةء بالأمس ف الهند ومصر» واليوم في جنوب 
أفريقيا ونيكاراغوا وفلسطين. 

ومن المفارقات أنه على رغم عبارته الساخرة التي وصف بها الحقبة الريغنية 
فإن ريغن وزوجته أرسلا إليه بطاقة عيد ال ميلاد في العام 1987 تمتيا له فيها «عطلة 
من البهجة والفرح وسنة جديدة ملؤها الصحة والسعادة»7. 

KKK 

كانت الفترات الطويلة من الزمن التي قضاها بعيدا عن التدريس في إزبانا 
وبروت وستانفرد قد زودته بوقت كاف للكتابة» ولکنه أعلن في دیسمبر 1981 عن 
شعوره بالراحة لأنه سيعود إلى أداء واجباته التدريسية للمرة الأولى بعد نحو مانية 
عشر شهرا. وكان مسرورا بالعودة إلى نيويورك بعد غياب طويل قضاه في عمل الفلم 
المسمى «ظلٌ لغرب« e Shadow of the West‏ و فلم کتبه وتو سرده 


264 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


لسلسلة تلفزيونية تذيعها محطة البي بي سي بعنوان «العرب» وا4 11ء وقد 
أذيعت الحلقة في العام 1982. وتمكن بعد أن عاد إلى التدريس بعبء كاملء 
وبحالة من التأمل الداخلي من إكمال العمل على الكتاب الذي طال العمل عليه 
كل تلك المدّة وهو الكتاب الذي حدّد فيه اهتماماته في النصف الأول من سيرته 
العلمية بأوضح صورة ممكنة. 

م يكن كتاب «العالّم والنص والناقد» (1983) أَقلٌ من نقد للنقد نفسه. ولكن 
تصويره ا في النظريات الأكادهية اتعلقة باللغة والتحليل النفسي والجسد من 
أمجاد وعذابات مم يأت دفقة واحدة. مم يتدفق بوصفه استجابة متأخرة ها آلت إليه 
الحياة السياسية الأمر بک بل اتخذ شكل الانتقام من التيّارات الخفيَّة المقلقة لذلك 
المآل» وهي استجابة هكن تلمسها في سني السبعينيات ذات الطبيعة التجريبية. 

على رغم افتقار كتاب «البدايات» إلى الجاذبية فإنه كان في نظر أقدم طلبة 
سعيد في مرحلة الدراسات العليا كتابا مما ينتجه المدرسون من كتب. وحتى 
أولئك الذين مم يدرسوا يا من المواد التي درّسها كان بإمكانهم أن يروا في صفحاته 
أسلوب الخوض في ال مناقشات غير المكتوبة في قاعة السمنار. وقد كان كتاب «العالم 
والنض والناقد» بالنسبة إلى الجيل الثاني من طلبته كتابا يكتبه مدرّس باممعنى 
نفسه» مع فارق أنه كتاب أعمقٌ حكمة وأشدٌ غضبا بكثير. فقد أوقف العمل باممزايا 
الفكرية الآسرة في كتاب «البدايات»» مؤقتا على الأقلء ليتفرّغ للمهمة العملية 
مهمة وصف الوظيفة الاجتماعية للعلوم الإنسانية. وم يتحرّج من طلب اممعونة في 
هذه المَهمة من الكردينال جون هنري نیومَن John Henry Newman‏ وشارك 
رجل الدين القكتوري ذاك اعتقاده بأن الجامعة يجب أن تحرّر نفسها من زرع 
ا مذاهب الأخلاقية أو تحضير الطلبة لوظائف يختارونها لبقية حياتهم”. لا شيء في 
التعليم يجب أن يتضمّن «الاستعمال المباشر أو الفائدة اممباشرة». 

لقد تمسّك باط مبدأ القائل إن الأساتذة يجب ألا يعوا إلى قضايا معبّنةء وكتب 
يقول: «م أدرس ماذّة عن الشرق الأوسط طوال ثلاثين سنة من التعليم» أنا لا أؤمن 
بتسييس قاعة الصف» وليس بوسع منتقديه أنفسهم أن ينكروا ذلك" . وف أثناء 
المظاهرات التي جرت في كوم بيا ممناهضة الحرب كان رأيه أن الجامعة يجب أن 
تكون ملجاً من السياسة حتى لو كان ذلك الملجاً مملوءا بالدلالات السياسية. وقد 


265 


إدورد سعيد 


بدأ كتابه «العامم والنص والناقد» بوصف أهم هذه الدلالات» وهذه كانت تتصل 
بطرق الدراسات الإنسانية فوق کل شيء» وذلك عندما قذّم دفاعا عما تسهم به 
وهو إسهام تعجز العلوم الطبيعية والاجتماعية عن تقدهه. 
كان سعيد قد وجد طريقه إلى الفكرة الرئيسة في كتاب «العامم والنص والناقد» 
منذ العام 1968ء ألا وهي أن المسائل النظرية التي يبدو أنها تتناول الواقع ما 
هي في الحقيقة سوى «وهم أو مجموعة أوهام غير واعية ذات أهمية لصحتنا 
العاطفية»”. فقد کان مشروعه عن سُوفت يستهدف من بین ما بستهدف نقد 
الأسلوب غير اممباشر وتفضيل الكلام المباشر وقد بقي الشكل الذي ظهر فيما بعد 
لذلك المشروع [في كتاب «العام والنص والناقد»] ملتزما بذلك اممقصد على رغم أن 
تعقيدات الجامعة الحديثة وعلاقتها المتقلبة مع الدولة صعبة التحديد. وأن النطاق 
الواسع لأفكار الكتاب يجبره على الانضباط. وكان مشروعه الآخر الذي i‏ 
هند زمن طويل لدراسة القن ة قد لقي المصير نفسه» وكان يأمل أن يضاهي 
ذلك اممشروع الأقوال الكبرى عن الموضوع التي ترتبط بأسماء مثل غرامشي وألْفْنْ 
گولدنر 1۲ا0 41۷1ء وديبرّي ر06۲ لا بل إنه صرح لزملائه بأن راه 
الكبرى عن المشقفين كانت في طريقها إلى الاكتمال*» غير أنه شعر ف الحالتين أن 
تصوره الأصلي سيحتاج إلى وقت أطول مما تسمح به أنشطته الأخرى ولذا فإنه 
تخلی عن مشروعه الخاص باممثقفين مضطرا. 
أما فيما يتعلق بكتاب «العام والنص والناقد» فقد ناشد سعيد ف أواخر العام 
9 مود ولككس ×٥ء1زW‏ ۷14 المحررة ا مسؤولة عن متابعة كتابه في جامعة 
هارفرد. أن تصبر عليه وقال إنه کان يعمل بلا كلل ويشعر بأنه سيتمکن من 
إمال الط ها ف غر السك ومع سب الا فة اه ان مل عن 
کتابة کتاب آخر مختلف تام الاختلاف کان قد قَرّر کتابته بدلا من دراسته عن 
ا مشقفين. هذا اطمشروع الذي تحدّث عنه مع أصدقائه قائلا إنه يوشك على الانتهاء 
منه» وکان قد تعاقد مع أحد الناشرين بشأنه» كان مخصّصا لغرامشي ولوکاتش» 
وكان يحاول أن يلملم بعض آفكار الكتاب» ولكنه م يكن راغبا في «ترك بقع كبيرة 
من الموضوع من دون معالجة» ولذا فإنه كان محتاجا إلى مزيد من الوقت*. 
وكانت حلقات البحث التي درّسها بين العامين 1978 و1982 تتراوح بين حلقة عن 


266 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


المفكرين البريطانيين الماركسيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (من فيهم 
إرك هوبسبوم Eric Hobsbawm‏ و ق. غ. کیرنان Kiera n2n‏ .6 .۷ء وج. د. برنال 
B1‏ .0 .[ عام الأحياء الجزيئية الآيرلندي الذي اشتهر في فترة ما بين الحربينء 
وعرف بأنه اشتراكي ومؤرّخ للعلوم)» وحلقة خصصها لغرامشي ولوكاتش”*» وقال 
إنه لا بد من إعادة النظر في الصيغة الأولى من تلك الدراسة من أجل أن يحيط 
علما بالكمٌ الهائل من الدراسات التي كتبت عن المفكرَيْن من أجل «ألا يجعل من 
. لکن لا شك فی أن قوی أخرى وقفت ف طريقه أيضا: محاضرات 
في بيروت» وحلقة دراسية في الصيف مصلحة ا منحة الوطنية للعلوم الإنسانية عن 
«النظرية التقدمية الحديثة» كان قد قدّمها في العام 1978 في جامعة كوممبيا. 
كانت حلقة ا منحة الوطنية للعلوم الإنسانية مقدّمة بكل المعاني لكتاب «العام 
والنص والناقد»» ولكنها أوضحت أيضا تحؤّل سعيد تحولا أكثر صراحة إلى الانتماءات 
السياسية اليساريةء وكان ذلك نتيجة من نتائج الضغوط التي واجهها في معركته مع 
وسائل الإعلام الأمريكية. فقد عد سعيد ذلك التجمُحَ [أي تجمع ا مشاركين في الحلقة 
ا مذكورة] الذي عُقَدَ ست عشرة مرَة على مدى نمانية أسابيع جبهة فكرية موحّدة ضدَ 
تكميم الدولة وسال الإعلام للمَلكة النقدية نفسها: «كنث راغبا في قراءة مجموعة 
من النغاد الذين تأتروا تأذرا عميقا باماركسيةء واللسانتات. وبامدرسة الشكلية 
وا مدرسة التاريخيةء وم يحولوا منهجِيًا يا من تلك الممدارس الفكرية إلى أدوات 
نقدية متزمَتة ميكانيكية. مُثقلة بالعبارات ال محنطة»”. والتقى في هذا التوجه 


نفسه أضحوكة» 


الجديد مفکرین من أمثال أدورنو Walter yil Adorno‏ بنجمن Benjamin‏ 
قان وجه الغصوص 6 يكرتو قد أسيموا كرا ف كاباته تى كلك الفط ولكن 
سیکونون بالغي الأهمية بعد ذلك. وقد أرسل له پري iÎدرسj Perry Anderson‏ 
الذي جسّد القَوّة الكامنة خلف المجلة العاطية المسماة مجلة «اليسار الجديد» 
New eft Review‏ التي تصدر ف لندن المجموعة المهمُة المسماة «الإستطيقا 
والسياسة» (1977) esthetics and Politics‏ بعد ظهورها بقليل» وهي مجموعة 
من اممناظرات بين عدد من كتاب اممسرح والفلاسفة الماركسيين (برتولت برخت 
NT «Bertolt Brecht‏ بلوخ Ernst Bloch‏ ووولتر بنجّمن» إضافة إلى کناب 
سوزان ت ھوزش Susan Buck-Morss‏ بعنوان أ الديالكتيك السلبي» 


267 


إدورد سعيد 


»1he Origins of Negative Dialectics (1977)‏ وهو دراسة لفکر أدورنو. کان 
الكتابان مهمين لتوجیه فكر سعيد نحو فلك الفيلسوف الأماني). 

في العام 1983 تمن سعيد أخيرا من الوفاء بوعده لمود ولک e‏ ما 
کان یجب أن یکون کتابه عن سُوفت. وکان منذ سنوات يحاول إقناعها بالتخلي عن 
فكرته الأصلية عن سُوفت ا كتاب أشدٌ مرونة يتكؤن من أجزاء متفرّقة لأنه 
أراد «الوصول إلى جمهور مختلف»”. فقد مثل له غرامشي في الزمن الحاضر ما 
کان سُوفت قد مثله في الماضي» ألا وهو آنموذج التوثر في السياسة كما في الكتابة بين 
اللعطة تعاض افق الاك وها هو باق على مر الضون ولك بايا مانا 
بشيء آخر ولديه القدرة على التشكیل. وقد کان يتحدّث بافتخار عن «كتابين في 
النقد» على وشك الظهور على رغم أنه كان من الجاي أن اممشروعين كانا يندمجان 
معا لیصبحا مشروعا واحدا“. 

ولثن كان قد انطلق في الكتابين من الرغبة قي انتقاد النظم العليا (مشيرا بالدرجة 
الأولى إلى التحليل النفسي والسميوطيقا على وجه التحديد) فإنه كان في ذلك 
المسعى «مدينا لأنواع معبّنة من الماركسية المناهضة للمنظمة الأممية الثانية*) 
وهو المموضوع المفترض للكتاب الثاني. كانت الأممية الثانية تعني له» كما عنت 
لسواه عادة. امماركسية التطورية في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن 
العشرين» أي عنت ماركسية وضعية ف أساليبها وحريصة على لبس لبوس «العلم». 
أما الفكر امماركسي الأذكى والأقدر على التحول والتعديلء وهو الفكر الذي ظهر في 
الأممية الثالثة وجاء مع الثورة الروسية فقد كان أقرب إلى ما يفضله هو. وبكلمات 
أخرى» كان كل من لوكاتش وغرامشي» اللذين كان يشير إليهما بعبارته «المناهض 
مماركسية الأممية الثانية»» الممهْدَ المنطقيٌ للرفض الذي عبر عنه كتاب «العامم والنض 
والناقد» «للرطانة الجديدةء والهرمسية**) ونزعة التزمت الفكري التي كانت 
(#) المنظمة الأممية الثانية (1889 - 1916) منظمة ضمت أحزابا اشتراكية وعمالية تشکلت في 14 يوليو 1889 في 
لقاء فی باریس شارکت فيه وفود من عشرين دولة. [امترجم]. 
(* *) الهرمسية: تقاليد ديثية وفلسفية وغييية مستمدة بالدرجة الأول من كابات تنسب إل الشخصية الأسطورية 
رکس ا العظمة. وكانت هذه التقاليد ذات أهمية كبيرة في عصر النهضة وعصر الإصلاح الديني في أوروبا. وفي 


السياق الراهن يبدو أن الكلمة تشیر إلى الرطانة التي تتصف بها آراء بعض المفكرين الذين شاعت أفكارهم بسبب 
ما فيها من غموض وإيحاء بالرسوخ في العلم. [امترجم]. 


268 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


تنقشر في كل مكان» ف أوساط منظري الأدب الذين كانوا قد استلهموا آفكاره في 
المرحلة الأولى من سبرته العلمية". 

وعندما أدرك ف أوائل الثمانينيات أنه لن ق من الانتهاء من كتابه عن 
لوكاتش وغرامشي فإنه ركز امادة في مقالة واحدة طويلة كان ينوي ضمُها في 
کتاب امقالات» ولکنه غير رآیه فلم یدخلها ف الكتاب» وم ينشرها بعد ذلك في أي 
مكان”. فلريا شعر بآن مدحه للمفكرَيْن الشيوعبّين قد يعكر الممياه الصافية. أو 
قد يجعل هجومه على المؤسسة الأكادهية مثرا للحساسية لأن انتقاداته كانت على 
تلك الدرجة من الشدّة. لكن رها شعر بأن الوقت أدركه» وأنه مم يعد بإمكانه أن 
يعطي ا مفكرَيْن ما يستحقانه من الدراسة المتأنية. وعلى الرغم من الاختلافات بين 
الصيغة القاسية الأولى واللهجة الأقل حدَّة في الصيغة الأخيرة لهذا الكتاب امثير فإن 
هجومه كان واضحاء ولذلك شن جنرالات النقد الجديد (كما كان قد دعا به نظرية 
ما بعد البنيوية) هجوما معاكسا. 

رفضت ا على سبيل اممثال» وهي اا التي أبدت إعجابا 
شديدا بكتاب «البدايات» مراجعة استحسن كاتبها كتاب «العام والنض 
والناقد»». وقالت لكاتب الطمراجعة إن المجلة «ترغب في أن بتو أحدهم کتابة 
مراجعة يقسو فيها على الكتاب«”. أما محر‌ر دار lلiژر Editions de Seuil‏ 
التي نشرت الترجمة الفرنسية من كتاب «الاستشراق» فقد امتدح «مزيجَ رهافة 
الفكر والعنف اللذين أرى آنهما من خصائص نظراتك النقدية»» ورفض الكتاب 
بحجة أنه أكادهي أكثر من اللازم» وأمريكي أكثر من اللازم"“. غير أن الاستياء الذي 
لهه من الخانين £ هه من طقف جا روه ولك ذات المكانة الرفيعةء التي 
تمنحها سنودًا الرابطة الحديثة للغة Modern Language TT )M14(‏ 
لأفضل عمل من أعمال الأدب المقارن» وذلك بسبب أناقة اميد التنظيمي الذي 
قام عليه الكتاب. م يحقق سعيد ذلك بسهولة. 

أطمح سعيد إلى المبدأ التنظيمي ف الكتاب بتسميته أصلا ب «امنهج» لهطا 
وهو العنوان الذي قال مفسّرا إنه ظل في ذهنه طوال الوقت^. فبدلا من استقصاء 
الطريقة التي يُكتب بها كناب يكتسب الأهمية بالتدريج ويتنقل في أرجاء العام 
كما حصل في حالة كتاب «الاستشراق» فإنه هنا يبحث ف كيفية اكتساب بعض 


269 


إدورد سعيد 


النصوص والأفكار التي يأتي بها الآخرون مرجعية لا تقوم على ما يبدو فيها من 
أصالة وقدرة على الإفهام بل على أساس الممواقف الآيديولوجية السائدة. وبعبارة 
أوضح» كانت المسألة التي تلح عليه هي هذه: كيف يحصل أمثال دریدا ورچزد 
رور gle Richard Rorty‏ کل ذلك e‏ عند النظر في تداول ا بر 
هناك أشخاص مثل علي مزروعي ولوسيان غولذْمَّن في امشهد؟ بُتوقع من الطلبة 
جمیعا آن يقرآوا دیكارّت» ولکن يُسمح لهم بتجاهل ڦيكو وهيردر ما السبب في 
ذلك؟ أجاب بقوله إن الثقافة السائدة مدينة ما تحظى به من هيمنة إلى «هيمنة 
اا امنظم» 46 
من الواضح أن إحدى الضحايا في قانمة الكتب التي يجب أن تقراً في الغرب 

هي الأدب العربي الذي كان سعيد يسعى إلى دعمه في أثناء كتابة «العام والنص 
والناقد»» وبدلا من تقديم التفكيك إلى الشرق الأوسط كان همه تقديم دراسة 
محمد مصطفى بدوي للشعر العربي الحديث إلى «امملحق الأدبي لجريدة التايمز» 
lلiدuiة .Times Literary Supplement‏ وبعد أن اکتشف نجیب محفوظ في 
العام 1972 فإنه قضى عقد الثمانينيات وهو يسعى إلى أن بُترجَّم ونشّر أعماله 
في الولايات المتحدةء وهو مشروع صار أسهل بكثير عندما نال محفوظ جائزة 
نوبل سنة 1988“. وقد کتبت جاکلین کندي liaÎسس Jacqueline Kennedy‏ 
ئ التي کانت أحد كبار المحررين في [دار النشر] لدي «Doubleday‏ 
و کک فاا عل ا ا کاو عا ا اماو لف 
على «شرف اكتشاف» الروائي العظيم من خلال تشجيعه»ء وأرسلت إليه النسخة 
المطبوعة الأولية (البروفة) من «بين القصرين» (1956) التي كان قد عرَفها بها في 
وقت سابق» ووقعت رسالتها بخط جميل بعبارة «مع الإعجاب بأعمالك»”. 

كان كتاب «العام والنص والناقد» من حيث متابعته مسألة اممنهج آقرب إلى ما 
يستخرجه عام الآثار من حفرذاته ليعرض فيه مراحل سیرته العلمية كلها. م یکن 
أي من كتبه السابقة متماسكا تمام التماسك. کلها کانت تشکو من التضځه وکان 
کل منها يشكو من قسم منفلت واحد على الأقل. أما في هذا الكتاب فقد كان 
الخلل من نوع مختلف» فقد تکشفت مراحل تطوره الفكري تحت الضوء الكاشف 
لحکم يصدر عك دوره السابق بوصفه رسولا من رسل الطليعة النقددة. وکان قد 


270 


في مواجهة الآلهة الزاثفة 
بدأ فعلا مساءلة هذه الفكرة بالذات متسائلا أمام زملائه «عما إذا كان ما يُدعى 
بالطليعة النقدية شيئا مشروعاء وعن أنواع القضايا المرتبطة من بُدعى بالناقد 
المتقدّم advanced critic‏ وما إلى ذلك». 
لقد ضم الكتاب مقالتين تنتميان إلى كتاب «الاستشراق» (تناول فيهما رهون 
شواب ولويس ماسنيون)» ومقالتين إحداهما عن الأصالة والأخرى عن التكراں 
ومن الواضح أنهما تنتميان إلى كتاب «البدايات». أما اممقالتان الخاصتان بكونراد 
وسُوفتُ فكانتا بدورهما من بقايا أطروحته ومن الكتاب الذي م يتحقق. غير أن 
مجموعة المقالات تماسكت معا بتأثير من المقالة المهمة التي وضعت قرب نهاية 
الكتاب» وعنوانها «النقد بين الثقافة وhklنkج« Critisism between Culture ad‏ 
عار وهي ليست أطول المقالات وأشدها صرامة فقط بل كانت أصلا تحمل 
عنوان الكتاب كله. في هذه اممقالة بين سعيد فساد «الأورثودوكسية الجديدة» التي 
نشات غر الاستجابة الأمريكية لكل من فوك ودريد ا۴ أما ابمقالغان اللغان أراذ ق 
البداية إدخالهما في هذا ا مجلد - «رسائل من العام الٹالٹ« Dispatches from‏ 
hird World‏ eطth»‏ وهي مراجعة كتبها ممجلة «ذا نيشن» 11e N11‏ عن 
الکاتب ڦ. س. نایول اسهم ذه" .5 .۷ء و«أشكال الكتابة العربية منذ العام 1948» 
"he Forms of Arab Writing since 1948‏ فقد استبعدھما لأنھما م تسھما في 
دراسة «اممنهج». 
تعطي مراسااه رمح ولك الانطاع الزاتف بان س الاب سداأن أعيد 
افر فد جار كاه ماد فون عا ها هن وت ق أغر لط اها اه 
فإن الكتاب كان قمة حياته بصفته كاتب مقالات کما کد عدد من زملائه وأصدقائه 
بلهفة**. فقد شكل الكتاب» ا فيه من لهجة واثقةء ووقفه ا مناهض لثبات 
المبادئ الأخلاقية السائدة» عرضا لافتا للنطاق الواسع لمَلكاته الفكرية مستخدما 
الفرصة التي أتاحها موقف ريغن المناهض لكي يدعو ا في الجامعة لكي يتحمُلوا 
مسؤوليّة مواجهة الكارثة. فقد غامر في واحدة من تأملاته العاصفة حول النقطة 


(*) الكلمة الأصلية هي »antinomian‏ ومعناهاء خارج السياق الديني» هو أن المبادئ الأخلاقية ليست ثابتة بل 
تتغيّر مع الزمن. [المترجم]. 


271 


إدورد سعيد 


التي يلتقي عندها التعليم والفهم السياسي والتنظير اممجرّد باستثارة انتقاد زملائه له 
بنشره ما ظل حتى ذلك الوقت محصورا بتبادل الأحاديث الخاصة. وعلى رغم أنه م 
یکن على اتصال منتظم مع آرثر غولد لسنوات خلت فان صدیقه القدیم کتب له 
رسالة يشيد فيها باستجابته الرائعة ممشهد أمريكي «يرى في النقد الفرنسي دعوة إلى 
ما لا يزيد على بد آخر للخيال الرومانسي». 

انبثقت الفكرة الأولى لهذا الكتاب» بشكله الذي اتخذه في نهاية المطاف» ف 
مؤتمر عقد في مدينة سّينت لويس بولاية مزوري في العام 1974ء حيث ألقى 
اة اها «الكلمة والنص والناقد» The Word, the Text and the‏ 
عن ومع انتقاله على مدى العقد التالي من «الكلمة» ١۲س‏ إلى «العالم» 
4 فإن مَهَمته م تقتصر على تقديم ال مؤلفين للطلبة أو لتذوٌق التفثن 
الشكلي معهم» بل شملت أيضا السؤال عن كيفية تداول النصوص» كيف أن 
تطور الكلمات وتاريخها يوحيان بكتابة الروايات ولا يقتصران على بيان معناها 
بعد اكتمالها. فرواية رلصهط؟ mهءاءذإآ‏ التجريبية العظيمة التي كتبها في 
القرن الثامن عشر لورنس ستبرن S٣٤‏ مcء٣eإWه[‏ على سبيل الممثال تدين 
بأسلوبها وأفكارها للمسائل العلمية التي أثارها جون لُك مثلما أن خيال بلزاك 
Bac‏ اغتنی ما أخذه عن عام الطبيعة جورج کويdı .Georges Cuvier‏ 
لقد شد سعيد خيطا من خيوط كتاب «البدايات»» فكشف وضع الأعمال الأدبية 
بصفتها إبداعات مستقلة ومنتجات جانبية إلى حدّ ما من البحث العلمي. وفي 
حالة الأدب الإنگليزي بالذات كانت إحدى النقاط الرئيسة تذكير القرّاء ا كان 
شواب قد بيّنه: وهو أن جانبا كبيرا من الرومانسية كان وليدا مباشرا من البحث 
الاستشراقي» وليس العكس. 

كان جانبٌ من كتاب «العالم والنص والناقد» موجُّها ضد التبجيل غير النقدي 
من جانب القرّاء لكل ما هو علمي» وسخر من هوس القانمين على إدارة الجامعة 
باطمعدّات التكنولوجية بقوله إنه أشبه ب «إصلاح السيّارات»”. وبينما كان لايزال 
في إربانا كتب عن «القضية الرهيبة» التي دعمها ا مركز هناك تحت عنوان «العلم 
والوضع الإنساي« Science and the Human Condition‏ فقد اقتنع› بعد 
حضور اللغو الذي لا نهاية له» بأن «الوضع الإنساني هو الإصابة بالبواسير»”. أما 


272 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


الآن؛ إذ عاد إلى وضعه الطبيعي» فقد انحاز إلى عام الاجتماع الکبیر پيير بوردو 
Pierre Bourdieu‏ وهو واحد من أصدقائه» بحثا عن متنفس من «الطغيان 
الرمزي» للعلوم. 

غير آنه» بدلا من أن يحصر نفسه بوصف ال مناهج ام مختلفة قي العلوم والإنسانيات» 
حفر عميقا للوصول إلى جذور العداوة بينهما. وأممح إلى أن المصير المحزن للتفكير 
النقدي عكس مشكلة أكبر في الثقافة وكان تشخيصه للمشكلة على أوضحه في 
المقالة التي مم يدخلها في الكتاب مع أنها عبرت عن مقاصده تعبيرا مُحكماء وهي 
المقالة اممعنونة ب «اممعارضون» وامستمعون» واممناصرون» وام٥جتaع« Opponents,‏ 
»Audiences, Constituencies, and Community (1982)‏ وهي واحدة من 
أهم المقالات التي كتبها في حياته*. 

كان رأيه في مقالة «المعارضون..» أن ما يتصف به العلم من غموض يقع في 
الصميم من الثقافة العسكرية الكينزية**) التي سادت في عهد ريغن. وقد عمل 
ارون لطن بالك اله كلما ف وض الان اازاطين يسين 
أن فم جاتو ن ال تحاف من شم أل مع مدن السوق الذي ينظم 
نفسه بنفسه» وأوهموهم أن العقلانية ما هي إلا القدرة على التحکم في الأمورء 
وأن الدهقراطية ما هي إلا الإنتاجية والكفاءة”. وقي الجامعة قوبل هذا الهجوم 
بشعور لا يليق بها من الوجل» بينما عملت فئات صغيرة من الحرس القديم 4اه 
(x*Dguard‏ على تقليد العلوم بعبادة الماكنة الساخنة ا معقدة febrile machine‏ 
التي وجدوها في الخلاصة ٣‏ «سںء**** التي وضعها نورثرپ فراي Northrop‏ 
مرا ف کتابه «تشر یح النقد» .Anatomy o۴ Criticism‏ وقد احتل هذا الكتاب 
مكان الصدارة في أقسام اللغة الإنگليزية وكأنه الكلمة الأخيرة في علم الأدب لأنه 
(*) نشرت هذه المقالة في کتابه ٥ان×8‏ ١ه‏ sهتاء‌ا؟ه‏ وقد ترجم إلى العربية ونشرته دار الآداب في العام 2020. 
[اممترجم]. 
(# *) نسبة إلى عام الاقتصاد البريطاني جون ميترد كيز الذي كان من رأيه أن مشكلة النسبة العالية من البطالة في 
النظام الاقتصادي امستقرّ هكن علاجها بزيادة الطلب على ال منتجات من خلال رفع مستوى الصرف على المشروعات 
العامة وتخفيف الضرائب. [المترجم]. 
(*٭۴) تعبير شائع يعني ا محافظين على النظام القائم في الدين أو السياسة أو الاقتصاد. [المترجم]. 


 (‏ #*) كلمة تعني خلاصة شاملة لعلم من العلوم الإنسانية كاللاهوت أو الفلسفة. وقد ترجم الكتاب المشار إليه 
من أعمال فراي ونشرته الجامعة الأردنية. [المترجم]. 


273 


إدورد سعيد 


وضع كل عناصر الأدب في مكانها على خارطة الأدب» ورسم كل العلاقات التي أمكن 
مماكنة الخيال الأدبي أن تنتجها. 

في هذه الأثناء هجم شبابٌ في غمرة حلمهم الفرنسي على دفاعات فراي فأتوا 
بتمایزات من دون اختلافات» وم يکن ما أتوا به أفضل مما أت به» وقدموا لنا نظرة 
علمية جديدة تقوم على أوهام الدقة الموجودة في البنى اللغوية التي تعمل كما 
تعمل الساعة. وم يكن هوس النظرية الأدبية بالبنيوية كما وصفه سعيد سوى صيغة 
أخرى من عام العلوم الاجتماعية القائم على الوظيفية ءانه« هناءمن؟ الخالية من 
القيم ا تضمه من «مذهب السلوكية والقياسات الكمَيّة». أما العام المعيش ها 
فيه من صراع وجدل واختلافات آيديولوجية فقد مَحيّ مصلحة وهم الوصول إلى 
اليقين الموضوعي الذي تحفق على حساب القدرة الإنسانية على الاختيار. وغاى رغم 
كل ما حققته النظرية الأدبية من رفع للتكاليف الفكرية فإنها غرقت في خطاب 
«الإفقاء والسوخ بلجي إل الأسايب العلمة ق القاهر اة قلاف هبد 
فني لكسب المشروعية لنفسها في ثقافة ترى أنه لا قيمة لأيّ شيء آخر. 

واشتكى من أن مسار التفكير هذا يعتمد على الجهل بالإجراءات العلمية 
الفعليةء وبين أن مؤْرُخي العلم من أمثال ج. د. برنال» وتوماس كون هه11" 
Kuhn‏ جرج ilغpl «*Georges Canguihelm‏ ورلن ھولتj Gerald‏ 
داف كا إن إفاه الجموو ر آل طروف العمل الاس وة ع دا 
في تحديد ذلك العمل بطرق مم ينظر فيها العاملون في الإنسانيّات (وحتى العاملون 
في العلوم) نظرا كافيا»*» فالعلماء كثيرا ما اعتمدوا على القفزات الفكرية التي ثَعَدٌ 
من نواحي الضعف عند العاملين في الإنسانيات. وهناك عدد من نقاط الشبه التي 
تثير التأمل من حيث الثيمات بين بعض النواحي في كتاب «الاستشراق» وكتاب «بنية 
الثورات العلمية« he Structure of Sientific Revolution‏ لتوماس کون» وھو 
كتابٌ كثيرا ما أثنى عليه سعيد. ما في ذلك ما ف مقالته ذات العنوان «اممعارضون»؛ 
فقد رکز كلا الكاتبين على دور التقاليد الموروثة في اممعرفة حيث ينجذب العلماء 


(*) هذا هو اللفظ الذي يعطيه أحد المواقع على الشابكةء وهو يختلف قليلا عن اللفظ الذي أعطاني إياه المؤلف. 
[المترجم]. 


274 


في مواجهة الآلهة الزاثفة 
والنقاد لعادات البحث ام معروفةء ويتركون مساحات واسعة من ممارساتهم من دون 
فحص . هذه هي الروح التي دخلت فيها مسألة «اممنهج» ف السرد الذي قدّمه. 
كان سعيد قد كتب الكثير عند هذه النقطة بلهجة تملأها الحدّة عن الطريقة 
التي ألحق بها رينان - الذي جعله كتاب «الاستشراق» شرير القصة - نفسّه مجازنًا 
بعمل كوقييه» حيث كان الساميّون واللغات الساميّة مجرّد حكايات «مبتكرة في 
ا مختبر الفيلولوجي»”. ففي نظر رينان كانت العلوم كاشفة؛ با معنى الدينيء 
«تقول للإنسان بلهجة قطعية الكلمة ال منزلة عن الأشياء»» كأن للأشياء لغة لا يقرآها 
إلا العلم. هذه الموتيفات التصنيفية امستعارة من العلوم الطبيعية أنتجت ما دعاه 
سعید باحتقار «تشریحا فلسفيًا» رصهاهصه 1هءنطم اطم ) فبقدر ھا طت 
النظرية من قيمة البشر فإنه عذها «هجوما على الفكر نفسه». 
وبينما عمل على تشجيع صديقه سامي» وهو في يعمل في تشكيل الصور 
الحاسوبية» على قراءة المزيد من الروايات» فإنه عد رأي چومسكي القائل إن 
العلوم الإنسانية «تفتقر إلى ما في العلوم الطبيعية من المحتوى الفكري» بأنه 
رأي ساذج”. وقد استقصت مقالته المخصصة لرهون شواب اممنشورة ف الكتاب 
هذه اممنازلة امنهجية بين الإنسانيّات والعلوم. الإنسانيّات تتسم بالتهم الفكري 
الذي برها مما يقال عن التقشت الكلمى افزعوه, ققد جد شواب مواخب 
العام القادرة على استخراج عدد لا يحصى من التفاصيل «بدقة مذهلة» في حين 
أنه يعطينا ما لا يستطيع العام أكثر من الحلم به؛ يعطينا «رومانس الأفكار» 
ضمن «دراما ثقافية هائلة». 
لقد مثل شواب على نحو رائع الوعي الكريم الذي يتصف به المشتغل 
بالإنسانيّات» فمزج الممعرفة الواسعة بالحركة الحرّة القادرة على ربط الأشياء بعضها 
ببعضها الآخر التي كان فيكو قد دعاها صسندءعما؛ أي «ربط الأشياء اممبعثرة 
المختلفة لتصبح شيئا واحدا»*. هذا النمط العام الذي يتعمد التنقل بين الحقول 
المعرفية للتعامل مع اممسائل اتبعه كتاب «العامم والنصُ والناقد» لأنه يحتوي على 
مزايا تجعله يتفوق على مَيّل العلوم البحتة إلى التركيز على أجزاء منفصلة من 
الطبيعة من دون النظر إلى الكل ا مجتمعي أو زوايا النظر الفردية امملوثة. معتقدا 
أنه قادر بهذه الطريقة على كشف أسرار الطبيعة. إن العقل الممتنقل الذي كثيرا ما 


275 


إدورد سعيد 


يوضم بأنه شكل من أشكال الهواية يسمح للناقد مع ذلك بأن يرى الصلات العامة 
التي يعجز الخبراء عن رؤيتها باستمرار. 
Foo‏ 

تشکل کتاب «العام والنض والناقد» بوصفه کتابا وضعه مدرس» من کم 
من الملاحظات الخاصّة با محاضرات. وم يقف الأمر عند جمح المؤلف الغريب 
لأشخاص مختلفين» بل تجاوزه إلى حدٌ الحرص الشديد على تدوين التفاصيل 
الخاصة بحياة الكاتب والاقتباسات منه التي تبرز في هذه المدونات» وفيها ينقل 
بخط يده مقاطع طويلةء ويلصقها على صفحات ممتلئة بالخطوط والأشكال 
التي تتخللها التعليقات والإضافات. أحيانا تبدو هذه الصفحات كأنها الصيغة 
الأولى من مقالء وفيها تكون الصفحة بيضاء في البدايةء ثم ترسم الخطوط 
عليها باللون الأصفرء ثم يسطر عليها باللون الأبيض» ثم تنتزع من دفتر يجمع 
الأوراق معا بسلك معدني» مضافة إليها كتابات على ورق من أحد الفنادق. وكان 
أصدقاؤه يشكون في كلامه عندما يدعي أن أفضل أفكاره تأتيه من التعليم» ولكن 
كل من قرأ ملاحظاته ا مخصصة للتعليم ف قاعة المحاضرات بين العامين 1964 
و1984 يدرك أن تلك المقولة محتملة جدا”. 

كتب سعيد على سبيل اممثال مقالة بعنوان «تاريخ النظريات النقدية» راهtی8‏ 
of Critical Theories‏ ف العام 1971ء ولكن تلك الممقالة م تنشر على الإطلاق. 
تتشكل المقالة من عشرات الصفحات المطبوعة أو المكتوبة بخط اليد عن شلي 
علاط وأفلاطون وقوانين التفسير القروسطيةء ولكن هذه الصفحات كلها تحل 
مجلا دراسة مطولة عن «فيدرس» ءدإك ٥۵ط‏ لأفلاطون حيث يستثيره آنموذج 
الفيلسوف الذي يجسد الفضيلة الفلسفية. فبدلا من أن يكتب «لتزجية الوقت» 
فكر سعيد بالانغماس «في فن الديالكتيك أي الجدلء فا مجادل يختار روحا من 
النوع الصحيح». وبعد صفحات من هذه الاقتباسات يكتب ملاحظة موجُهة إليه 
هو نفسه: حوار «فيدرس» سيتناول لغة «تستدعي العقل لأنها عقليةء وتستغرق 
بعض الوقت» وهي متعددة المعاني» وليست آ عا 

ات ذلك اتان كفا از كى آوا السضداة فان مه الب 
فاا ممجموعة الكتب التي اختارها لكي يقرأها طلبته بقوله إنها تضم كناب 


276 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


«يعارضون فكرة الجدل معنى أن الجدل كما استعمله هيغل مهد الطريق إلى 
تعال نهائي أو إلى التوصّل إلى حل (أو إلى الاثنين معا)»”. ونكتشف أن هيغل م 
يكن مؤمنا ف الواقح بأن الفكر هكن إيقافه في طريقه بهذا الشكل. أو أنه يصل 
إلى مستقره حيث ينتهي العام بعد أن يتحرّر من كل العداوات بين الذات والآغرء 
بين الوعي والأشياء. ولكن لا شك في أن الفلاسفة الفرنسيين النيتشويين عزوا هذه 
الفكرة لهيغل وأن سعيد الذي م يقرأ الكثير من كتابات هيغل شاركهم الرأي”. وفي 
حديث مع الروائي والناشط السياسي طارق علي تساءل سعيد مازحا: «هل قرأت 
أا من كتب هيغل فعلا؟ لا تكذب علي»» كأن ذلك شيءٌ لا يفعله إلا شخص يحب 
أن ات ق 

هذا الصراع بين الوصول إلى قرار «وترك العقل ليمارس وظيفته» كان يكمن 
خلف خطته الأصلية لجعل الفصل المخصّص لغرامشي ولوكاتش واسطة العقد في 
كتاب «العامم والنص والناقد» فوضع التركيز على التاريخ والزمن في جانب لوكاتش 
في مقابل الاهتمام بالجغرافيا في جانب غرامشي» على رغم أن الاختلاف بالشكل 
الذي وضعه سعيد م يكن مسألة إما/أو””. كان قد سأل أحد أصدقائه: «هل قرت 
مقالة يري أندرسن عن مكونات الثقافة الوطنية؟ كنت أسعى إلى تطوير بعض 
الأفكار بالاستناد إليه». كان آندرسنء وهو مؤرّخ بريطاني ماركسي النزعة قد تناول 
في مقالته الآثارَ القاتلة التي تتركها موجة المحافظين فكريًا الذين قدموا إلى المملكة 
المتحدة بعد الحرب العاممية الثانية (ومنهم کارل پپٌر ۴۲ممه۴ اه ولويس تيمير 
Luis Namier‏ ولوتقچ قتغنشتاين ١1هد‏ معا)W)‏ على الثقافة البريطانية. وكان 
يبدو أن سعيد يريد أن يقول إن ا مفكرَيْن اللذين ظهرا في فترة ما بين الحربين قدّما 
تصحيحا مسار الحياة الفكرية الأمريكية ذات الطبيعة غير السياسية» وهو المسار 
الذي دعمه المهاجرون اليمينيّون الممؤيّدون للنظام القائم (ومنهم إذوَزه تواك 
.(Ayn Rand دنlر jı Henry Kissinger iw gig «Edward Luttwak‏ 

ظلّ سعيد يشعر بالإحباط بعض الوقت لأن لوكاتش م يكن معروفا ها فيه 
الكفاية في العام العري» ولأن كتابه الفذ «التاريخ والوعي الطبقي» أده yإهاء:‏ 
»C1ass Consciousness )1923(‏ وھو واحد من أوسع الأعمال الفلسفية تأثرا 
في القرن العشرين مم يحظ بترجمة عربية. وعلى وجه العموم مم يكن حتى أولئك 


277 


إدورد سعيد 


الفكرون ق اكا الات الذين كاتا على رة مدرة فرانكرت من أعان 
ھربرٽ leركojg gÎ Herbert Marcuse‏ المنظر المناهض للاستعمار فرانتس فاتو 
إلا أقلّ القليل عما يَدين به كل منهما للوكاتش» وهو الشخص الأَهمْ فيما دعاه 
میرلوپونتي ۴٥1٤,‏ سهءآإه" ب «الماركسية الغربية». 

عندما طلبت جريدة «نيو ستَيتسُّمّن» ۵٣‏ ٣ءەاهt؟‏ س٥×‏ منه أن يشارك 
في العمود الذي خصصته ل «التأثرات» fluences‏ شدّد على مركزدة کل من 
لوكاتش وغرامشي في تفكيره”“. وقي القانمة القصيرة للكتب التي ذكر أنها كانت 
ذات آثر كبير فيه ذكر كتاب «التاريخ والوعي الطبقي» وكتاب «دفاتر السجن» 
Prison Notebooks‏ لغرامشي› وكتاب ماركس وإنغلز «الآيديولوجيا الأممانية» ء11" 
German deology‏ وف مجال الأفلام السينمائية اختار فلم غيلو پونتيكورقو 
The Battle of Algiers«رڌljجلl ãSyza» Gillo Pontecorvo‏ وفلم بوب را افلسن 
«Five Easy Pieces «law z¦ڌ nè» Bob Rafelson‏ الموسيقى تار 
الفصل الثالث من آوپرا سیغفرید 111 Sieg 1e4 A٤‏ لقاغنر ۴۲ مچةW›‏ وتنويعات 
غولد بیرغ Goldberg Variations‏ لباخ »8ach‏ ولولو [uu‏ لبیرغ »8٤۲8‏ ومجموعة 
الأغاني امسماة «إلى الحبيب البعيد» ٤اطءناءG ٤۲۸٠‏ #نل ۸ لبيتهوفن. ومما يثير 
التساؤل أنه لا يشير إلى سُوفْتٌ أو أورباخ أو فيكو ولا إلى كونراد باستثناء رواية 
واحدة هي نوسترومو KéfoHtG‏ لكن ذلك لا يعني أن ھؤلاء م يعودوا يهمونه؛ 
کل ما فی الأمر أن جراح العقد السابق جعلته يفضل أصحاب المواصفات التي لا تلين 
عندما أصبحت القضية قضية مقارعة النظم الفلسفية. 

مكن القول إن ما فعلته مقالة «عن الوعي النقدي: غرامشي ولوكاتش» 0١‏ 
Critica! Consciousness: Gramsci and Lukacs‏ هو آنھا أحیت ما دعاه قي 
فترة لاحقة من حياته «التراث امماذي الإيطالي امممتد من لوكريشيوس» كنذا۲›ں1 
حتی غرامشي ولامپیدوزا Lam pP‌edusa‏ ووصفه له بأنه تراث مهم يصح تراث 
الفلسفة اممثالية الأماني الذي خلفه هيغل””. فقد قال إن النظم الفلسفية الكبرى 
- ها فيها النظرية الفرنسية - تركت أثرا أشبه بأثر الأديان فيما تأي به من قوانين 
النظام ومحاولتها «فرض الطاعة وكسب الأتباع»”. وقد عنوَنَ الفصل الأخير من 
كتاب «العامم والنص والناقد» النقد الديني صوذذ†:ا٣‏ كuهاعذاءR‏ موازنا بذلك 


278 


في مواجهة الآلهة الزاثفة 
عنوان الممقدّمة «النقد الدنيوي» صواناإإ٣‏ ٣هااءم؟.‏ وتساءل عن السبب الذي 
جعل اتجاها في النقد الأكادهي ينشأً ولا يستطيع التحدّث إلا عما يستحيل التفكير 
فيه» ويستحيل اتخاذ القرارات بشأنه» وعن ا مفارقة في زمن أخذ ريغن فيه يقوّض 
السياسة الأمريكية”. ٤‏ 
كانت العلائم الخفية للحافز الديني موجودة في كل مكان» من القراءات 
الكابالية ءانا اطهK‏ *) للتفكيكء إلى استثمارات فرانك کڑمود kہھإ۴‏ 
مdل0صKer‏ الأخروية في الدراسات الكتابية بوصفها آنموذجا للنقد الأدي*”. کانت 
أماكن عرض الكتب في اممؤتمرات الأكادهية ممتلئة بعناوين مثل «تكوين السْرَيّة» 
«Kabbalah and Criticism «دقillg JLISJl»g «<**The Genesis of Secrecy‏ 
و«العنف وãhklتقدس« YJg «Violence and the Scared‏ شك ف أن الماضي قذم لا 
ماذج أفضل مثل کتاب «الأورغانون الجديد«()1620( New Organon‏ لفرانسن 
یکن 84-01 ءiصها۴‏ الذي شن حربا على «أصنام الكهف والقبيلة ا 
التي تشكل معا الأصنام الاجتماعية»» أي على الأهواء ا مضللة التي توجْه المنتمين 
إلى أعضاء الدائرة نفسها من المفکرين والأماط الثقافية الموروثةء والحرص على 
الك . کان ما کتبه في ذلك الد اشد حماسا من امعتادء وذلك في جانب منه 
لأن المفكرَيْن الرئيسين ف الكتاب عكسا الجانبين اممتعارضين في شخصيته. فبقدر 
ما يتعلق الأمر بلوكاتش» كانت الصفات الغالبة هي اممواجهةء والشوق» والشعور 
بضياع التعالي؛ أما غرامشي فكان يتصف بالخيال الجغراف واستبعاد أي شيء خبيث 
من الدخول ف الوعي الذاتي. كان لوكاتش يهيم في الياه الفلسفية العميقةء أما 
غرامشي» الجندي المضحي والمنظم» فقد وجد ما يلهمه في شخصية مكيافاي بعد 
تعديلها وإضفاء صفات ألصق بالإنسانية عليها". 
رما کان ان غالاف مح النظرية الأكادهيةء ولكنه ظل يحتلٌ مكانه مح أبطال 
مسرحها اللامعين» من فيهم جوليا کرستيقاء ولوي آلتوسیر e۲یں‏ ط٤۸1‏ ونuم‏ 
ولاکان» وبارت» وفوكو". وعلى رغم حدّته في الجدال أحيانا فإنه خفف ف العادة 
من الحدَّة التي كانت تشتعل ف داخله» فعندما طلبت منه جين ستاين S١‏ هع[ 


(#) نسبة إلى الكابالا (أو القبالة)» وهي فلسفة دينية سرية. [المترجم]. 
(# *) نسبة إلى «سفر التكوين» زوء ؟ه )ه8 الجزء الأول من التوراةء والذي يتناول قصة الخَلق. [المحرر]. 


279 


إدورد سعيد 


محررة مجلة «غراند ستریٽت» S۲٠٠۲‏ ل«هإ6» على سبيل الم مال أن يكتب مراجعة 
لکتاب من تاليف جان بودريار 8a» :11!4٣4‏ «هءل ذلك المشاكس الشهير من أعلام 
ما بعد الحداثةء فإنه كشف عن احتقاره له: «اسمعي» لقد انتهيت من قراءة هذا 
العمل من أعمال بودريار... من الصعب القول إن لديه كثيرا من الأفكارء ليس أي 
منها فكرة بالمعنى الصحيح إنها كلها أقرب إلى التجشؤات التي لا تنتهيء سيكون 
نشر هذه المقالة مضرًا به إلا إذا كنت ترغبين في وضعها في ا مجلة على أنها مثال 
على الإشباع الذي انحدر له الفكر الفرنسي أو ارتفع اعتمادا على وجهة نظرك»”. 

كذلك مم يكن مستعذا لتغيير رأيه في جوليا كرستيقاء امهاجرة البلغارية إلى 
فرنساء التي عدت رمزا من رموز اليسار الثقاق. ففي كلمة التأبين التي كتبها 
مناسبة وفاة رند وليّمُز j Raymond Williams‏ اة «ذا نیشن» "11e‏ 
Nation‏ ض العام 8 أعاد إلى الذاكرة تسجيل البرنامج التلفزيوني الذي أنتجته 
محطة ال 88٥‏ في لندن عندما التقى وليّمُز ا 
عن رغبتهم ف تحقيق التوازن وفقما قال» ولذلك فإنه هو ووليمُز كان المقصود 
من وجودهما هو أن ملا اليسار» وأن ثل دیقد کوت اھ٤ (avid‏ الوسط 
وأن یتشکل الیمین من کرستیفا (إلی جانب روجَر سُکروتن 0۸انء؟ ع۸ 
الفيلسوف الرجعي غريب الأطوار)”*. انتهت مجلة ٣٥نا 11٠‏ إلى حذف 
المقاطع الخاصة بكرستيقا لترکیز الفكرة التي يقوم عليها العمود فيما قيلء فقد 
کان قد اشتكى فيه من أنها ظلّت تقاطع النقاش «بلهجة اذعاء صد منها أن تعلي 
من شأن عباراتها المتكرّرة الرة»۵. 

هكن القول إن كتاب «العام والنص والناقد» أطلق آقصى ما في سخريته من قَوّة 
فقد انسابت من صفحاته عبارات متل: «فصل المقال في عام النظرية الذي خرج 
ساخنا للت من اتون ا لمطبعة»؛ «مجموعة من التلاميذ وامميتافيزيقيين المتشددين» 
«عبارات ما بعد الحداثة التي س الفكنن برطانتها التي تملا ا مشهد الراهن»”. 
وعلی رغم أنه احتفظ بصفته اتبا بأشدٌ درجات غضبه ليصبًّها على خبراء الشرق 
الأوسط فإنه استعار لغة تلك التهجمات من تعنيفاته للعام الأكادهي» إذ م يجد ف 
المقابَلات التي أجريت معه من وسيلة للردٌ أفضل من الردٌ على مراسلة ال «نيويورك 
تاهز» جودث Miller jln‏ طtنudر‏ (التي انتقلت فيما بعد للعمل في ا «فوکس 


280 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


نيوز») بقوله إنها «تحتقر الحقائق احتقارا يليق بأشد التفكيكيين ابتعادا عن العام 
الملموس»". وقد كانت أحد ألد أعدائه في عقد الثمانينيات صحافية حرَّة*) اسمها 
جون پيترز ءإعاء۴ مهه[ قد كزرت اممقولة الصهيونية القدهة القائلة إن الشعب 
الفلسطيني ليس سوى بدعةء ولذلك فإنه لا سند مطالبته بالأرض. وقد تلقى 
کتابها الرائج «من زمن سحيق» (1984) 01¡a1صnme] From Time‏ اممدیح من 
الصحف الأمريكيةء ولكنه قوبل بالسخرية في كل مكان تقريبا (حتى في إسراثيل) 
بسبب ما فيه من بحث بلغ من ضعفه آنه وصف ب «المضحك» وبأنه «تزييف». 
أما رذ سعيد الحارق عليه فقد جاء تحت عنوان يناسبه تماما هو «مؤامرة المديح» 
Aig «Conspiracy of Praise‏ على ضرورة «الحقائق» وكيف يجري التوصل 
إليهاء وما الذي يجعلها مهمةء وكيف أساءت الكاتبة استخدامها”. 

وم يسلم الأكادهيون امماركسيون من النقد هم أيضاء فقد وجد سعيد العرض 
الوديع ما بعد الحداثة في كتاب فرذرك جjwaı ùe Fredric Jameson‏ ونڌم 
kj Wyndham Lewis gl‏ شديدا»*. واشتكى من أن الأفكار النظرية 
المألوفة جرى تقدهها في كتاب جيمسن كأنها حقائق لا جدال فيها. وقبل ذلك بسنة 
أرسل رسالة لجيمسن عإر فيها عن بَرّمه ماركسيته النصَيّة الخالصة: «أتمنى عليك 
أن تكون أنشط ف السياسةء ولكنك قد تکون كذلك من دون أن أعلم. هناك الكثير 
مما هكن عمله». وكان من رأيه أن نظرة جيمسن إلى العام كانت قي جوهرها 
نظرة حنين إلى الماضيء وأن عمله يذكر باللاهوت ال مدرسي لتوماس الإقويني الذي 
یتصرف کأنه افتقد شیئا ف التاریخ ما يفتاً يبحث عنه ف «التاریخ» ۲۷ء1 بحرف 
H‏ ک0 

کان يعلم أنه خيّب ظنٌ بعض أساتذته القدماء من أمثال ج. هلس ملر 
His Miler‏ .[ الذي فتح له كل تلك الأبواب في السابق. والذي وجد أن كتاب 
«العامم والنص والناقد» قد ابتعد عن جاذة الصواب عندما أقام علاقة بين النظرية 
الأكادهية والثقافة الريغنية". غير أن سعيد ضاعف تشدده وكتب لأحد الناشرين 
() أي غير مرتبطة بدائرة أو شركة. [المترجم]. 


(* #) التمييز ف النص مصدره الفرق في كتابة الكلمة: رإهائنط في مقابل رإهاء81i.‏ التهجئة الأولى تشير إلى التاريخ 
بوصفه ما جرى في الماضي» أما التهجئة الثانية فتشير إلى المفهوم الفلسفي للتاريخ. [المترجم]. 


281 


إدورد سعيد 


أنه بينما كان لايزال معجبا بعقلية فوكو اللماحة فإنه يجده قد تحوّل الآن من 
منافح عن اممظلومين إلى شخصية من شخصيًات النظام القائم» وأخذ يتبنى مواقف 
معادية لليسار حول آمور مثل معارضي النظام السوقييتي من أمثال سولجنيتسن 
Solzhenitsyn‏ ومعارضي النظام الكوي. 

أما فيما يتصل بدراسات ما بعد الاستعمار التي يفترض أنه كان مؤسسهاء فإنه 
م يعد يشارك في المناقشات الدائرة فيها وم يعد يجاريها باستثناء تقريعه غير 
المباشر لأحد زعماء الحقلء وهو هومي بَبا 814٩‏ ط٥1‏ بسبب استهانته بفانو 
أو بسبب شكواه من مأساة سياسة الهوية ف مقالته اممعنونة «سياسة اممعرفة» 
he Politics of Knowledge‏ وعندما وجد آنه پواجه ضغوطا من الجانبين 
فإنه أبدى مقاومة بالاتجاهين. وبينما كان موقفه مما يدعى بالطليعة ۷4181214 
موقفا نقديًا فإنه نصح الناشرين في الوقت نفسه برفض مخطوطات تقدّم بها رجال 
ينتمون إلى مدرسة النقد الجديد أمثال و. ك. ومُْسَت W2‏ . .۷ لأنها ممتلئة 
«بتأملات أشخاص ف الأربعين أو لسن وعندما قاومت الدوريّات التي 
تنشر مقالات ف النظرية الأدبية فإنه تلقى النقد من العاملين التقليديين ف العلوم 
الإنسانية أيضا. فقد جمع سعيد كتابا من مقالات مختارة لإرك أورباخ ظط 
لكتابة مقدّمة للكتاب» غير أن عائلة أورباخ عارضت الممشروع وأبدت رفضها القاطع 
لأن يرتبط اسم شخص عاى تلك الدرجة من «الالتزام السياسي» ب «الإرث الذي 
خلفه أورباخ». 

اختار كتاب «بعد السماء الأخبرة» ky؟‏ اه1 مطا إeگA»‏ وهو الكتاب الآخر 
الوحيد الذي وضعه سعيد منفردا في عقد الثمانينيات» أن يبتعد عن هذه الصراعات» 
وتخلی عن خوض حرب لا هكن كسبها بأن عبر اموضوع*. وکان منجذبا دانما 
لفكرة مزج النص والصورة بوصفه نوعا فنيّاء كتب بإعجاب شديد عن تعاون 
جون بیرغر 8g‏ 01۸[ مع المصور الأماني السويسري > مور Jean Mohr‏ 
ف كتاب «طريقة أخری للسرد» (1982) ڇہ1ا11' گە »An other Way‏ وهو کتاب 
كتب سعيد مراجعة له بحماس شديد ممجلة ٥ة 11e‏ فی دیسمبر 1982. کان 
بيرغر» وهو مؤرّخ للف يختلف عن سواه وكاتب رواية فاز بجاثزة البُکر ه)800» 
يعيش قي الريف الفرنسي. وقد أوصل هو مع مور النوعَ الفنيّ في كتاب «الرجل 


282 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


المحظوظ: قصة طبيب ريفي» A Fortunate Man: ‘The Story of a Country‏ 
Doctor )1967(‏ وکتاب «الرجل السابع» (1975) Seventh Man‏ 4 الذي پتناول 
العمال المهاجرين الأوروبيينء إلى درجة عالية من الكمال فأوجد بذلك طرقا جديدة 
مملاحظة تلك الفئات المهمشة من المجتمح» التي تختلف في العادات واممعتقدات 
وتعاني الحرمان. 

ترافق الصورَ ا مجرّدة من الإضافات العاطفية التي التقطها مور بالأسود والأبيض 
للفلاحينء والفتانين امهاجرين من أوروبا الشرقيةء نصوص كتبها بيرغر» وهي نصوص 
موحية» كثبرا ما تكون غامضةء وتقاوم أي إغراء باستعمال الشعر أو المفارقة أو 
المعاني ا مزدوجة. وقد عالج نثر بيرغرء الذي كثيرا ما تناول فيه العمال» موضوعاته 
کک ا ا کی ای ا من ل فاو وك أف مه هة 
الصفات» فدافع عنه ضدًّ التهمة القائلة إنه جاذٌ أكثر من اللازم ويسعى إلى عرض 
ميوله إلى البروليتاريا. ولكنه انتقده ف الوقت نفسه. فبصفته شديد الملاحظة 
اكتفى بالسرد الأخاذ. وما ينقصه وما أراد سعيد أن يضاف هو «الإستطيقا الممزوجة 
بالأفعال»7. 

ومهما يكن من أمر فإن بيرغر ومور هما اللذان آلهما مشروعه ف امقام الأوّلء 
فضلا على تجربة سعيد مع الشكل الذي يضم الصور والنصوص لتدريب عينيه على 
النظر إلى الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي ال محتلة. وقد حافظ على رهافة 
إحساس آموذْجَيّه» ورفض استعمال الصور الرثائية التي تعتمد على صور الفقر 
لحشد ا مشاعر. وفي الحقيقة فإنه استبعد بعض الصور التي فضلها مور على غيرها 
عندما قَرّر استبعاد بعض الصور من الصيغة الأخرة للكتاب بححَة أن «العنصر 
الإمتطيقي فيها كان أكثر من المطلوب»”. 

کت كات #سة السا الأغرة عة كان أل كه خضوعا اتخطيط 
فقد جاء استجابة سريعة ممؤتمر دولي عقدته الأمم امتحدة حضره سعيد ف العام 
3 ف قصر اممؤتمرات في جنيف» حيث كان مور يعيش. وف تلك الرحلة قذم 
بيرغر» وهو أحد أصدقاء إقبال أحمد» سعيد مور» ثم سافر الاثنان لزيارة بيرغر في 
محل سكناه في أوت سافوي كونسي في المنطقة الشرقية الجبلية من فرنساء قريبا من 
جره حب فهو رت اة کا وهم ا کون ف فون وان ر 


283 


إدورد سعيد 


الأمم امتحدة عُقد لبحث عواقب الغزو الإسراثيلي للبنانء فإن اممنظمين وافقوا على 
أن تعرض صور الفلسطينيين التي كان مور قد التقطها بينما كان يعمل في منظمة 
الصحّة العاممية والصليب الأحمر في بهو القصر بشرط أن تحذف التعليقات التي 
تذكر أن الصور صور فلسطينيين. 

وفي مطعم بجوار بحيرة جنيف فيما بعد اثّفق كل من شفيق الحوت وسعيد 
ومور ونوبار هوفسپیان Nubar Hovsepian‏ على مواجهة هذا القرار المجحف 
فولدت فكرة الكتاب. وبعد أشهر عديدة من التخطيط للكتاب ال کل مخ سد 
ومور ف نيويورك ف العام 1985ء وكان مور يحمل معه عدَّة مئات من الصور إلى 
شقة سعيد حيث قضيا فترة عمل طولها عشرة آيّام الّفقا فيها على الصور ابمختارة. 
وقبل أن تغادرهما سيمون» زوجة مور» لشأن من شؤونها» جلست هي وسعيد 
لعزف قطعة موسيقية للبيانو كتبت ليعزفها شخصان م"". 

لها جاه الكاب بالضادكة كن مج جاب مه رجات جد من 
ا مشاعرء ومم يقصد منه» باعتراف المؤلّف» أن يكون كتابا «موضوعيًا»". وبعد 
أن تلقى دريدا نسخة عليها إهداء شخصي من سعيد» كتب معبرا عن إعجابه بهذا 
«الكتاب الرائع»» مدركا توجُهه ال مضادٌ إلى الجانب الإستطيقي: «نحس في كل سطر 
بأن الإهاءات السياسية والشعرية مترابطة معا في التحليل نفسه... نضك هذا يندمج 
بهذه الصور غير العاديّة كأننا إزاء قصة رمزية لشعب يراجع مصيره» ذلك اممصير 
الذي لا يسمح له بأن يتحول إلى قصة رمزية بسبب عذابه الذي لا نهاية له». 
هذا الكتاب الذي يقع على النقيض من الوثيقة التسجيلية كان القصد منه أن 
يكون تعبيرا عن الشوق الذي يرافق الشتات. صورة الأم التي تكتب ملاحظة بينما 
تنظر إليها ابنتها الضجرة (ص37) تستجدي التفسير. تقدّم هذه الصورة ما يقدّمه 
الكتاب كله: ليس شهادة تخلو من المشاعر, بل لقطة تعبر عن نفسية سعيد. م 
يكن الهدف تثقيف القراء عن النواحي المجهولة من الحياة في الأراضي المحتلّة بل 
تسجيل الشعور بالعجز لدى شخص يسعى إلى التعبير عن ال معاني الشخصية لأنه 
کان قد اس جسدیًا عنها. ۰ 

يتحول قلم الم إذن بالطريقة التي وضعها سعيد إلى رمز للمقاومة ضدّ 
تعقيدات القيود القانونية الإسرائيلية في الأراضي ا محتلة كأن ما تكتبه هو رذ على ما 


284 


في مواجهة الآلهة الزاثفة 
كتبوه. فعلى رغم كل ما يبديه الكتاب من رغبة في عدم تحويل المأساة الفلسطينية 
إلى تجربة إستطيقية فإن سعيد اعتمد على صوت التأمل والرومانس الذي نافس ما 
نجده في روايته غير المنشورة. ففي مثل عبارة «دوران زوبعة من الرؤى الألفية» 
وعبارة «ما مدى ما نستطيع احتماله من اللؤم التافه؟» سمح لنفسه بأن يجرب فن 
الروائي. أما وقد آلهمته التجربة فإنه أخذ يعمل في أواخر العام 1986 وأوائل العام 
7 على مخطوطة رواية عن بیروت» مستغلا بعض اللحظات من عمله على فلم 
«اممنفيّون» 1ن8 الذي بشته ا ال 88٤٥‏ للتلفزيون ف 3 ونيو 1988“ . 
وم تمض سنة بعد ذلك حتى تخلی عن الرواية طمصلحة المذگرات» جاعلا هذه تي 
عن تلك. 
KKK‏ 
تلقى سعيد بعد سنة من نشر كتاب «بعد السماء الأخيرة»» وبينما كان مشغولا 
بالروايةء خبرا مفاده أن صديقه العزيز غولد وقع فريسة الممرض» فما كان منه إلا 
أن ترك كل شيء وسافر بالطائرة إلى بوسطن ليراه على فراش الموت» وذلك قبل 
أن وافته المنية في 31 ديسمبر 1988 عن ثلاثة وخمسين عاما"". وهنا تحدّث 
الصديقان ثانية حديثا مشبوب العاطفة عن آسيا وأفريقيا والفرق بين الشرق 
والغرب» وعن عشقهما المشترك للشعر'. كان غولد قد أكمل سلسلة من القصائد 
الجسلة بخنوان «فصائة كت ف قارة من امرض ظورت اتان مها ف مجلة 
«ذا باریس ريفيو» Wء۷1ء۸‏ ءذإه۴ ط1 ومجلة «ذا نيو ريبابليك». وم یکن سعید 
قادرا آنذاك على التنبؤ بأنه سيجد نفسه بعد سنوات قليلة وهو يتأمّل في مرضه هو 
بعباراته الأدبية هو - في فن الرواية - قبل أن تضيع الذكريات إلى الأبد. 
کان سعيد قبل ذلك بعدَّة أشهر قد وجد نفسه فی مرکز «اختراق» في اموضات 
الفلسطينيةء وكانت الانتفاضة قد دفعته فذهب هو وشريكه في العمل آبو لغد 
إلى واشنطن بناء على دعوة من وزير الخارجية شلنز الuط؟‏ إلى اجتماع يعقد 
في 26 مارس 1988. کان اقتراحه المخري بقبول فترة انتقالية طولها ثلاث اڭ 
تؤذي إلى تنازل إسرائيل عن الأراضي المحتلة یکر عناصر من تفاهمات کامپ دیقد 


(x) Poems Written During a Period of Sickness. 


285 


إدورد سعيد 


في العام 1978 فيما هو يقدّمها باعتبارها مبادرة من إدارة ريغن”'. كانت الدعوة 
أقرب إلى التحدّي وتستدعي الترحيب في الوقت نفسه. فعلى رغم کون ب 
التحرير الفلسطينية الممثلَ الشرعيٌ الوحيد للشعب الفلسطيني - وهو موقف التزم 
ھک هة ست وو غد الاما ريا د ا ان اكا ا او ا 
کانا مواطنین آمریکیین فضلا علی کونهما فلسطینیین بارزین» وم يکونا عضوین في 
ماك التحرير. كانت تلك وسيلة شلتز لتفادي الغضب الإسرائيلي"". لكن ابادرة 
م تفر عن کي ي هان ااطاف . وقد سخر سعید فیما بعد بقوله إن شلنز تحدّث 
عن کل شيءَ باستثناء منظمة التحرير وتقرير المصيرء وكان امموضوع الجانبي الرئيس 
کتاب «البدايات» لسعید فقد أعلن شلثز أنه قرأه ونه راغب ف مناقشته'. 

هنا وف أمكنة أخرى وجدت أنشطة سعيد السياسية أساسها في النقد الأدي. 
فالقضايا التي شغلته ف كتاب «العام والنص والناقد» على سبيل الممثال كانت ترفرف 
فوق طلب عرفات في العام 1988 (كما فعل ف العام 1974) مساعدة سعيد في 
ترجمة مسودة بيان من منظمة التحرير الفلسطينية التي كتبها درويش. وبينما كان 
سعيد يعمل على ترجمة البيان شعر بأن ذلك البيان يفضح جهل عرفات المطبق ها 
ينبغي أن يتضمنه بيان كذلك. فقد كان رئيس اممنظمة قد حذف كل ما ينبغي آن 
بُقال للمجتمع الدولي ارات فعا سه ان وال فاا مواقفه العرجاء. 
ومما يلفت النظر أن سعيد» على رغم آنه المنظر الأدبي فيما کان زعماء منظمة 
التحرير ثلون المواقف السياسة الصلبة» وجد الحادثة كلها مثرة للأعصاب» ول 
على أن ا منظمة «تشعر بالحساسيات البلاغية التي تليق بأتباع ما بعد الحداثة». 
وقد علق سعيد على الاجتماع الذي عقده ا مجلس الوطني الفلسطيني ف الجزائر 
في العام 1988 بقوله ساخرا إنه يشبه «مؤتمرا للنحويين» بسبب ذلك القدر من 
التدقيق في صياغة القرارات. 

وهكذا نجد أن كتاب «العام والنص والناقد» كان يسير عكس التيّار ليس داخل 
الجامعة فقط بل خارجها أيضا. كذلك بدا بصفته كتابا كتبه مدرس ليستعمله 
مدرّسون أنه يعود بشكل من الأشكال إلى ثوابت عهد مضى. فالحركة ا متصفة 
بايمغارقة. ايمتمثّلة في العودة إلى شخصيات تقليدية من القرن الثامن عشر وفترة ما 
بين الحربين لخلق قوة فكرية معارضة للتيار الراهن كانت ذات طبيعة تثير القلق 


286 


في مواجهة الآلهة الزائفة 


والاضطراب في زمن کان اممتشدّدون في اقتصاد الوفرة supply-side economics‏ 
منشغلين بتمزيق العادات الراسخة» وكان من دعوا أنفسهم ثوريي النظرية الأدبية 
يعلنون القطيعة الكاملة مع الماضي. أما المتشككون من جانبهم من داخل الدوائر 
النظرية فقد حاولوا تجاهل انتقاداته بالنظر إليها كأنها ليست سوى نزعة أدبية 
خفية» بل محافظة من ذلك النوع الذي يرتبط بعضوية النادي الإنگليزي. أما سعيد 
فلم يحاول طبعا إخفاء حقيقة أنه كتب ما كتب على طريقة صاحب الاختصاص 
الفرعي البريطاني الذي ينتمي إلى قسم اللغة الإنگليزية في فترة الخمسينيات 
والستينيات من القرن العشرين. كان قد تجاوز الفترة التي كان يحاول فيها استثارة 
إعجاب «الحرس القديم»» ولذلك فإنه استشهد لتوضيح أفكاره عن كل شيء؛ من 
باخ إلى الدبلوماسية الأمريكية وحرب البويرء باقتباسات من سامَيُول بَتلر أع«ه8 
۲ا وهوپکنز» وقرجنیا وولف» وول بتلر ییتس ۵۲ء۲ .8 .۰۷ وهنري جیمز. 
وا اھ ی کی بان کل في دو فخا من الا عة الاس اوا ةق 
کتابه کان قد جری التعبیر عنه قبله ف کتابات كتاب عرفوهم وأحبّوهم. 

هذا التوازن القلق بين الحفاظ على التراث و الرموز كان واضحا أيضا 
في واجباته اليومية بصفته مشتغلا في مجال التربية والتعليم. كان سعيد منخرطا 
بشكل يثير الدهشة في الخدمات التي تقدّمها الكليّة على جميع امستويات» فطبع 
ذلك تفكره بخصوص الأمور العملية بطابعه. فحتى عندما كان يقدم جو 
جديدة في اممجال اممعرق فإنه کان مشغولا أيضا في إدارة كلّة کوطبیا. فقد استخل 
مكانته رسميًا على سبيل ال مال في الموازنة بين الأب الإنگليزي والأدب الممقارنء 
وحكم المباريات الشعرية التي يشارك فيها طلبة ا مرحلة الجامعية الأولى» وعمل 
طويلا رئيسا للجنة تنظر في الصلاحيّات ال منوطة بالكليّة واختلف مع ثرلنخ في 
جدل علني حول دور التعليم الثانوي في تحضير الطلبة للعمل الجامعي» وخطب 
اا الكلبّة دعما لعلم اممكتبات"". وقدّم رذّا نقديًا على تقرير الهيئة 
العاطمية الخاصّة بالثقافة والتطوير (اليونسكو) بعنوان «تنوّعنا الخلاق» 0u‏ 
() اقتصاد الوفرة نظرية اقتصادية كلية ترى أن النمو الاقتصادي يمكن تشجيعه والحفاظ عليه بتخفيض الضرائب 


وتخفيف القيود. وطبقا لهذه النظرية فإن امستهلكين يستفيدون من وفرة امعروض ورخص الأسعار وارتفاع مستوى 
التشغيل. [اممترجم]. 


287 


إدورد سعيد 


Creative Diversity‏ اشتکى فيه من أن التقريرء على رغم كل النقاط الجيّدة 
التي تضمًنهاء م يذكر شيئا عن تشجيع الطلبة على التفكير المستقل. كذلك لام 
التقرير لأنه تجاهل الغرابة الأساسية ف التعليم الجامعي بتركيزه على ضرورة 
الخضوع لسلطة التراث والانتظام والبحث العلمي في وجه الحداثة والقطيعة 
الكوبرئيكية للنظرية مع كل مااجاء قبلها. 

أما في قاعة التدريس فإن التركيز على الانضباط جعله شخصا مرهوب 
الجانب. قال عنه أحد مراسلي جريدة Columbia Daily Spectator‏ «إنه 
يستجمع القوى الضرورية لإخراج الطلبة غير المرغوب فيهم من قاعات التدريس 
باستخدام القوّة التي تحشدها تعابير وجهه الغاضبة»”"'. وكان أحيانا يقاطع 
الطلبة وهم يقرأون تقاريرهم الضعيفة أو سيئة الإعداد بأن يحني رأسه باتجاه 
اطمنضدة بينما تخرخش يده بالعملة امعدنية في جيبه. وكان في بعض الأحيان 
ينقذ الطالب ف أثناء أدائه الهادئ لتقريره الفاشل بأن يسأل سؤالا يستخرج من 
الطالب ما كان قد فشل ف قوله. وقد طلب من الطلاب أن يقرأوا كل كلمة في 
رواية «بحثا عن الزمن lنئضÛlڌع« A la recherche du temps perdu‏ لپروست 
ust‏ باللغة الفرنسية. أحيانا كان يلوم الطالب الذي يشكو من أن فيلسوفا ما 
عجز عن قول شيء ذي معنى» بقوله «لسنا هنا في معرض البحث العلمي ... ولا 
يقع ما تقول تحت عنوان التفكير النقدي». وكان يقول دانما (أحيانا على سبيل 
النكتةء وأحيانا منتهى الجدَبّْة) إن مسألة التفسر مسألة منتهى الخطورة: «لا 
هكننا تبذير الوقت القصير الذي يجمعنا في قاعة الدرس»”"“. وأجاب عندما 
سألته زميلة شابّة وهي تعتصر يديها طلبا للتعاطف عما إذا كانت مؤهُلة ها 
يكفي للحصول على زمالة جامعية بقوله: «أهلي نفسك»'. 

ومع أن كثيرا من طلبته أصبحوا أساتذة فإنه م يطمح إلى جعلهم كذلك. 
وقد کره فكرة أن یکون له مُریدون. وها آنه م یکن مهتما بصعود سلم ا مناصب 
الجامعية أو أن ينخرط في الممنافسات بين أعضاء القسم» فإن رسالته كانت تقتصر 
على الكتابة وامشاركة في اممناسبات العامة. ولذا كانت قاعة المحاضرات مهربا من 
كل ذلك. ومكانا لتجربة الأفكار» مكانا يستدعي فيه الطلبة أو يخيفهم من أجل أن 


يختاروا بأنفسهم. وعلى غرار أساتذة آخرين في جامعة كوممبيا من الذين نشأوا قبل 


288 


في مواجهة الآلهة الزائفة 
أن تصل التكنولوجيا إلى ما وصلت إليه فيما بعد في الكليّة ذات الصبغة الراقية. فإنه 
كان يقول للطلبة: «نريد أن نعرف بم رون وسنقسو علیکم»*". وهکذا کان 
الد عك الصو اكا د ألطايا وال ق وار ولس عل اة 
صنعة أو على المعدّات البحثية. كان سعيد حاضرا باستمرار بتعبیر لویز يَلن Louise‏ 
"نا۲ بلا رطانة. «بلا کلام فارغ»۶". ومع 6 کان ا ادا ی 
القرب من النص»» ليس حاضرا معنا لتسليتنا «حتى عندما يروي لنا نكتة»» كما 
یذکر ليون و بسلتبر "Leon Wieseltier‏ . 
کانت ظا في متابعة النص فريدة من نوعها. كانت محاضراته تبداً ببطء 
دوه ور ها آي بض العصبة إل أن دوقن ركان ف اهكان ر45 ارق 
على جبينه إلى أن يجد نقطة البداية ويتمكن من التقاط أنفاسه ويندمج اندماجا 
تاا في فنّه القائم على مزج الدقة والارتجال» بتعبير تلميذه السابق صانع الأفلام رك 
بیرنز B٥8‏ 1 . وقد اعترف هو نفسه «باضطراب معدته وتعرٌق يديه 
شيء يرافقه قبل بدء الدرس وف أثنائه»”". كان بعد الوصول إلى البيت متأخرا من 
رحلة قد تطول أربعة أَيام يصحو ف الرابعة صباحا ليقراً كتبا كان قد قرأها عشرات 
ا مرات للتاگد من أنه سيدخل قاعة الصف على أتمْ الاستعداد. 
کان اله ودح اة كاذ ب كان ههه أن وارك اليم خاج الاب اكه 
على العكس من ذلك كان يقرأ ما كتبه كل منهما عن وظيفتيهماء حتى أولتك 
الكتاب الذين مم يكونوا يروقون له (دستويقسكي وبکت). کان طوال المدّة التي 
قضياها ف المدرسة يلاحقهما عن كل جزثيّة من الجزثيات» ويقرأً كل المقالات التي 
كتباها للمدرسة» ويكتب التعليقات على الحواشي وكانت التعليقات تشجيعية 
في العادةء موجزةء وتميل إلى تجثب النقد («أنت رائع»). ولكنه جعلهما يشعران 
بأنه بشكل من الأشكال م يكن يرخي لهما الحبل لأنه كان آبوهما وكان معجبا 
(ومندهشا قلیلا) پا کان في مقدورهما عمله"". وعندما كانت مریم تتعلم 
اللغة العبرية في البيت في غمرة استعدادها للتقدّم للعمل موظفة مكتبة في 
شمه دراسات الشرق الأوسط ف کوطبیا کان سعید بظهر من حیت لا بتوقح رسد 
الانتهاء من كل درس ليمتحن معلمها ديقد يروشَلميء وهو يهودي إيراني کان 
في تلك الفترة يدرس في قسم لغات الشرق الأوسط وثقافاته. كان يسأل» مخاطبا 


289 


إدورد سعيد 


يروفلمي باستعمال صيخة محلب من الاسم دیشد: «طيّب يا داودء أين وضلت 
مريم؟» مستعملا الصيغة المحلية من الاسم داود ليظهر أنه كان يعرف الفرق. 
ويجيب يروشلمي: «إنها جيّدة جدًّا»» فيجيب سعيد بلهجته الطفولية اممعتادة: 
«آنا أستطيع الفراغ من هذا الكتاب ف أسبوعين»'. 

أما طلبته في مرحلة الدراسات العليا فقد علمهم طريقة في عمل الأشياء هي 
في امقام الأول طريقة متمهلة شموليةء ولكنها بالغة الجديّة عندما تصل إلى زبدة 
الموضوع. كان يعم عن طريق الأفعال» وليس عن طريق وضع برنامج للعملء وعد 
بذلك نفسه للمعرفة. فقد غلم بعضهم مثل دبرا پول» المتخصصة ف الأنثروبولوجيا 
ومساعدته السابقةء «أهمية الحماس ف البحث العلمي» ودور التصميم الغاضب 
وأهميّته»”'. أما من حيث محتوى المعرفة فقد عرف الطلبة بأهمية الفيلولوجيا 
e‏ 
یکونوا يعرفون عنه شیئاء ولکنه کان یتمتع» کما قال مایکل وود W00٩‏ [41عطنM.»‏ 
موهبة التعلم منهم أيضاء كما اعترف لحشد حضر مؤتمرا عن «النقد الأدبي والثقافي 
في العام الثالث»*) عقد في العام 1987 في جامعة ديوك. 

م يغامر سعيد بالخروج من دائرة الأدب الغربي إلا في أواسط الثمانينيات تحت 
ضغط طلابه الذين حثوه على قراءة چنوا آچيبي «Chinua Achebe‏ وأيي وی 
أرما Kwe Armah‏ Ayiء‏ وآسیا جبار ۲طز ه41 وغیرهم من عام الجنوب. 
وكان ابنه وديع مهما أيضاء إذ إنه عرف أباه بالباحثين الشباب الذين كان سعيد 
يجهلهم» وهذا ما آذى فيما بعد إلى تحالفات» ولفت نظره إلى الروائيين ا معاصرين 
الذين منعه اهتمامه بالقضايا الفلسطينية من قراءتهم”'. کان الاستشناء هو فلپ 
رث طاه۸ ا1ط الذي کان سعید یراسله» وکان یری أن روایته بعنوان الغو 
الأمريكية» )1997( American Pastoral‏ التي تعالج علاقة أب بابنته المنشغلة 
بالسياسة» هي أفضل رواية قرأها على مدى عقد كامل. وكان ا الحال قد 
عمل لبعض الوقت لدعم انتالحر الحر ن كا6 داكا على أعمال الروائي 
السوداني الطيب صالح منذ العام 1976 على الأقل. وكان قد قال بلهجة عابرة لإنغل 


(x) Third World Literary and Cultural Criticism. 


290 


في مواجهة الآلهة الزائفة 

في شهر نوفمبر من العام 1972 إنه تعرّف على وان «متميٌّز حقا اسمه محفوظ») 
ولكن الفراغات التي ملأت قراءاته من كتابات جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية كانت 
واضحة بحلول الثمانينيات» وم يعد ذلك مقبولا لديه*'. 

اشتكى فيما بعد في العام 1990ء في جامعة كنت من أن كثيرا من هذه الأعمال 
اخذاة امن غ الان الد قاطي لها إل ما يجب ااطان غه من 
دون التفات كاف إلى ما يستحق الاهتمام فيها من أمور فكرية وإستطيقية. قليلة 
هي الأعمال القريبة إلى قلبه مما أنتجه العام الثالث من غير العرب» باستثناء روايات 
غابرییل غارسیا مارکس وشعر کونستانتین کاقافی yگھ‏ ھ٥‏ 11۵ا همه وقد کان 
كاب الفاق والإه اة »ف طور التفطيط مح لول العام 158# وقطاب العمل 
عليه قراءة قانمة طويلة من أدب العام الثالث» وهو ما فعله مساعدة طلابه. 

مضی کثير منهم للانشغال بأمور آخرىء» ولكنه أظهر معهم جميعا مزيجا من 
الشدَّة وحدّة امزاج والوفاء والاستعداد للمساعدة*". ففي رسائله لطلبته خلف 
صراحة وحشية في أثناء تصحيح كتاباتهم. فقد كتب لطالب من الطلبة الذين كان 
يشرف عليهم: «إطالة لا تحدَمّل». مبالغة «مفاهيم فارغة مثل: تركيبي والفضاء 
العقلي». كتابتك مغرقة في «إرضاء الذات» وف الخصوصيةء وبعيدة عن الانتماء إلى 
موقف معن لتکون جِيّدة»*. م تکن تعلیقاته کلها توبیخا. فقد ترك لدی طلبته 
الانطباع بأنهم ليسوا اقل من الكتاب الذين قرأوهم في المادّة التي درسوها معه. 
كانت السمعة التي اكسبها ف وقت مبكر من سبرته العملية هن بين الفخبة من 
العاملين في مهنتهء والعدد الكبير ن خوك التي تلقاها من الجامعات الأخرىء 
تستند إلى الشعور الشائع بأنه كان أفضل مدرّس عرفوه”'. وقد أضاف برنز: «أن 
تکون معه أشبه بان تکون مع ع و رکون تارة شديد الالتزام ا يقول 
ويقرآ» شديد الاستغراق في ذاته» لكنه ينفجر فجأة وهتعك بحس النكتةء وينقلب 
فجأة ليصبح شديد الغضب» أو صديقا يصعب إرضاؤه؛ صديقا صعب المراس. هو 
في الوقت نفسه أفضل أصدقائك». «هكنه أن يسرك في دؤامة» ولكنه يبدي حرصا 
شديدا عليك. ق دة من الدقاتق تکون ق ماه بحیت یدو انك کل ما 
يهمه» أما إذا ما شرد ذهنه إلى عام آخر فإنك تشعر بأنك ف ما دعاه أحد الزملاء 
طور الاختفاء'. 


291 


إذوزد سعيد 


292 


بضع أفكار بسيطة 


الفكر يقول «لا»... وهو يقول «لا» لنفسه. 


ء 


لان ۵ 


کان مصیر ا مفكرين المعروفين لعامة 
الناس في الولايات ا متحدة ها تملكه من حلول 
تكنولوجية مثالية ورطانة جديدة مُحكمة 
أضعف من مصير أمثالهم في أوروبا باستمرار. 
وكانت صورة أمريكا التي جرى إعدادها على 
يد خبراء واشنطن أو بين اممحاريين الثقافيين من 
أُمثال أل لوم Alan Bloom‏ وروجر کمبول 


ندما نأني إلى أفكار سعيد «القليلة ٠ ١‏ 

ابات تان با النقدية Roger Kima‏ تحتل اممساحة التي يطمح 
م تلق ما تستحقه من تقدير لا من eS ٤‏ 
Te‏ لها الجميع في الإعلام. وعلى رغم ان 
الصمحافيين البلاد كان فيها مفكرون معروفون لعامة الناس 


293 


إدورد سعيد 
- هم ف العادة كبار اممذيعين أو كتاب الافتتاحيات في الصحف» فإنهم ندر أن كانوا 
فلاسفةء أو فتانين تجريبيّينء أو معارضين. وم تنشاً ضرورة لسجن أمثال هازلت 
Hazlitts‏ وولستنکرافت WoMNoiiéetsl‏ في العام الجديد. کل ما هنالك ف م 
يكونوا بُعطون وقتا بمخاطبة الجماهير بحجّة أن الدهوقراطية تقتضي الانحدار إلى 
القاسم اممشترك الأدنى. وما كان سعيد أقرب شخصية أمريكية لشخصية سارتر فإنه 
بذل جهوده منذ البداية ليكتشف القرّاء العامُين خارج الجامعة. ولكن ذلك السعي 
في الثمانينيات كان قد غدا مسألة بقاء. وإذا ما عجز عن إيجاد طريقة للمضيْ في 
طريق النجاح في مواجهة المعارضة المتجدّدة ف عام وسائل الإعلام ف نيويورك فإنه 
لن يكون سوى حاشية أخرى في مجلة أكادهية. 

كان سعيد على وعي ببعض هذه الصعوبات عندما قارن أسلوبه الفكري 
بأسلوب الفيلسوف الاجتماعي الأماني الکبير يورغن ھابرماس Jürgen Habermas‏ 
- وهو مثله ينتمي إلى اليسارء ولكنه» خلافا له» عضو من الجيل الثالث من أعضاء 
مدرسة فرانكفرت. فقد اشتكى سعيد من أن المناقشات ذات الأهمية البالغة التي 
أجراها المفكر الأماني بشأن مسائل مثل «الحقل العام» و«خطابات الحداثة» كانت 
تخلو من المركز الأخلاقي ومن الأساس العاطفي على رغم أنها مناقشات واسعة 
المعرفة وتتصف بالضرورة الملحة. فمن وجهة نظره كانت تلك المناقشات لا تزيد 
على كونها «كلاما فارغا»*» أما سبرته العلمية هو نفسه - فقد قال إنها غزلت من 
عدد قليل من الأفكار البسيطة» ومن «شکل لا يخضع للقيود من شكال المضي 
قذما»©. 

كان الشكل غير الخاضع للقيود لأفكاره تلك مناسبا لطريقته في العمل. فقد 
ا اول من العمل وکت اا ل أل الف وال اام عدون 
انتظام. كان يصحو في الخامسة أو الخامسة والنصف صباحاء ثم يعمل على مدى 
ساعة أو أكثر قليلاء ثم ينتقل من مكتبه إلى المطبخ ويحضر كأسين مزدوجتين من 
القهوة له ولمريم» ثم يحضر المائدة للإفطار: فطيرة إنليزية مع مربي البرتقال يغرفه 
من العينات التي احتفظ بها من الفنادق والطائرات» أو قد يستعمل اللبنة والزعتر 
على رغيف مستدير» مع عصير البرتقال الطازج ا محضر بواسطة عصًارة اشتراها من 
محل لهذا النوع من الأجهزة من إحدى المناطق الراقية". بعد ذلك كان يشاهد 


294 


بضع أفكار بسيطة 
التلفزيون في الصباح - برامج الأخبار - ثم يحضر إفطارا متعدد المكوّنات ممريم 
(وهو ما وصفته ابنته نجلا بأنه «ظريف»)» وبعد ذلك يقرأ الجريدة «من الجلدة 
إلى الجلدة». ثم يخصّص ساعة أو ساعتين للكتابةء ومن ثم ينتقل إلى التمارين - 
تتضمّن في العادة السباحة في بركة السباحة الموجودة قي الحرم الجامعيء أو في 
لعبة السكواش أو التنس. يتبع ذلك جزء مخصص للكتابة إلى أن يهدأً فكره باطمشي 
محاذاة رفزْساید پازك. وکان کٹثیر من لقاءاته بزملائه وطلبته يحصل في هذا التجوال 
حول مورننغ سابد هايْتس. م يكن سعيد من أولئك الذين يعملون أربح عشرة ساعة 
يوميًا مَسَمُّرين إلى جانب الممنضدة. 
وعلى رغم ما قد يبدو من تمل في هذا الروتين فإن كمية امراسلات التي 
كان عليه أن ينتهي منها يوميًا لا تعطي سوى إشارة سريعة عن مدى انشغاله في 
زحمة الأعمال. ففي يوم واحد كانت هنالك طلبات لإجراء مقابلات مع جريدة 
نكي N1‏ ا مخصّصة للأعمالء والإذاعة المسماة K88‏ في مدينة سانتا بازْبَرّه. 
وک له کاترینا قاندن ھوقل Katrin vandeہ H]euve1!‏ محرُرة ا ذا 
نيشن ١٥اه‏ 11۵ لتؤكد له أن تغطية ا مجلّة لحرب العراق مم تكن على تلك 
الدرجة من الوه الذي بدت عليه» وطلبت منه أن یعطبها أشاءَ الكتاب 
الذين قد تكلفهم اة بالكتابة عن الموضوع. ودعته مؤْسّسة الأمل مه4 
Foundation‏ إل اممشاركة في برنامجهم التلفزيوني الطويل. وأرسلت له محطة 
التلفزيون الخامسة 1۷5 الباريسية تفاصيل رحلته لتناول الغداء بعد عرض 
البرنامج الوثاثقي عن حياته الذي عرضته قناة الجزيرة. وطلب منه المنظمون 
في سول أن يلقي كلمة في مؤتمرهم الحادي عشر المخصّص لمكافحة الفساد. 
وأرسل له عدد من الممؤلفين الذين انوا يعبرون عن إعجابهم به كتبّهم برجاء 
دعمه لها. وكانت هنالك - أخيرا - قانمة تتضمّن «دزينة» من الأعمال المتعلقة 
بالتحرير والأمور البنكية. كان ذلك الروتین بتکرّر کل یوم ولا بتغبّر فيه سوى 
أسماء طالبي رده عليهم: اليونسكوء جوائز خليل جبران للروح الإنسانية 11:1 
Gibran Spirit of Humanity awards‏ کونسرقاتوار دمشق للموسیقی ٥طا‏ 


() عاصمة كوريا الجنوبية. [المترجم]. 


295 


إدورد سعيد 


Damascus music conservatoire‏ وول ستریت جررنال» جریدة لا موند 
دڕلومlتıك «Le Monde Diplomatique‏ رادیو البوسنة» التلفزيون الأيرلنديء 
شركة أخبار جنوب أفريقياء ا برازيلية: كھ کانوا یطلبون مساهمته أو 
مقابلتهء أو كلمة أو اثنتين استجابة ما أرادوه منه. 

لعجب إن ]5ا ما اط إل حفر اهتمامة ق اة الائ رقرات تة اة 
هن عقرين دفغة كلما آراد آن مارس الغزف. ذلك كانت الكاخات الياة 
تعترض هدوء اممكتب صباحا ومساء» والكثير منها حول أمور العملء ولا تحتاج 
إلى كثير من الوقت» بينما لا يقصد من بعضها الآخر أكثر من الكلام الوذيء آو 
ترتيب لقاء على الغداء في مقهى اللوكسمبيرغ”. كان يتصل بأصدقائه اممقَرّبين 
في ساعات الصباح الباكر ويدذعي أنه مندهش لأنهم مم يكونوا قد استيقظوا 
بعدء وپوبخهم بسبب ا وکان من بين أصدقائه المفضلين ذلك امتخصص 
بالأسلوبية sءناsناو†؟‏ ليو شپتسر e0 Spitzer‏ الذي يكره الانشغال العمل 
الأكادهي الذي يعترض التفكير. وقد قال یوما بأسلوبه البليغ: «إن تلفون ااك 
هو العدؤ اللدود ممنضدة الباحث». أما سعيد من جهته فقد عد أحدهما 
سلاح الآخر. «يستعمل التلفون كأنه آلة العازف للفنان» طبقا طا رواه دون 
گوتنپلان 11م 1 D01 Gute‏ مراسل ما الأaة The Nation‏ لندن» وأحد 
طلبته السابقين”. 

كان إيقاع العمل يحدّد شكل الأفكار. وقد تحدّث من عرفوه جِيّدا عن ميله إلى 
أقلام مون بلان وإلى الورق الأزرق الفاخرء وكان يوبّْخ طلبته بعد انتهاء الدرس وهم 
في طريقهم إلى مختبرات الحاسوب بقوله وهو يخرج قلم الحبر من الجيب الداخاي 
لجاكيته: «هذا کل ما أحتاجه». وکانت جوآن JoAnn Wypijewski Jwgeug‏ 
التي كانت آنذاك محرّرة تعمل في اة الأمة قد زارته للعمل معه على مقالة 
للمجلة. وعندما اقترحت بعض املاحظات «فتح غطاء قلم الحبر وھڑھ قلیلا وقلب 
ردن قميصه ذي الطراز الفرنسي وأخذ يكتب». وفکرت: «لرها کان بالفعل مثل 
بلزاك یکتب کل شيءِ ا یدہ». ما زينب إسترابادي 4d1‏ ط4†ء! [e«نةZ»‏ وهي 
واحدة من مساعديه»ء فقد طبعت كثيرا من رسائله ومقالاته من المسودات الممكتوبة 
على ورق ملون فاخر. 


29%6 


بضع أفكار بسيطة 
غير أن أوراقه التي جمعت معا تروي قصَة مختلفة» فامخطوطات تلفت 
النظر ليس فقط في خلوها النسبي من التعديلات» بل في الخليط العجيب من 
الكتابة بخط اليد - بعضها مكتوب بقلم الحبر على ورق أزرق تمين» ولكن كثيرا 
منها مكتوب بقلم الرصاص على ورق ع ف قر او اب مها سمل 
للحاسوب. وفي بعض الأحيان نجد أن النص ينتقل في وسط الصفحةء بل أحيانا في 
وسط الجملةء من خط اليد إلى فقرات مطبوعة, ثم بتخللها مقطع مطبوع في مكان 
آخر ملصقا بين الأسطر. كثير من المخطوطات مطبوع. ويتفق معاونوه جميعا على 
أنه كان يجيد الطباعة”. ونجد الأنواع الثلاثة في كثير من الصفحات: من الكتابة 
بخط اليدء إلى مقاطع من نصوص ملصقة لصقاء إلى مقاطع مطبوعة - كأنه تعب 
من أحد الأنواع وانتقل إلى النوع الآخرء أو رها كان مسافرا بعيدا عن آلات الطبع» 
وبعيدا عن التكنولوجيا المتقدّمة أو امتخلفة. أو أنه انتقل من مكانه إلى كرسي آو 
إلى منصة. أو انتقل من البيت إلى مكتبه في الحرم الجامعي» أو رها كان الوضع 
مختلفا تماما لأن الكتابة كانت بالنسبة إليه تجربة حسَّة ولذا دفعته أحاسيسه إلى 
التكاي من الاس الفية. 
کانت شفته حتی مضق السات عن منذ ماعات الصاح الباكر 
بطقطقة آلة الطباعة اليدوية الزرقاء من نوع سْمث كورونا C00١4‏ طانصS‏ 
وبعد ذلك بصوت الآلة الكهربائية من نوع «آي بي ا اممزودة بشریط حو 
الأخطاء الطباعية. ومهما كانت الآلة المستخدمة فإنه كان يعتمد على بطاقات 
صغيرة وعبارات نثرية منتزعة من رحلاته المختلفة إلى الخارج"". ومع حلول عقد 
التسعينيات وأوائل القرن الجديد كانت جميع المقالات التي كتبت عن مواضيع 
الساعة لكل من جريدة «الحياة» وجريدة «الأهرام» قد كتبت على الحاسوب 
النقال وهامه1. وقد تحدّث في وقت لاحق عن الكيفية التي حلت بها «أعاجيب 
شبكة الإثارنت وسرعة التواصل الإلكتروني محل القلم وآلة الطباعة والرسالة ا منقولة 
باليد وحتى المكتبة إلى حدٌ ماء وهي الأشياء التي كانت أساسيات التعليم الذي 
تلقينّه» ”. وقد قَرّر أن يوازن بين المخترعات التكنولوجية الجديدة بينما ظل 
يحتفظ بالذهنية التي تولدت لديه في الحقبة الرعوية التي كان يعتمد فيها على 
الكتابة بقلم الحبر. 


297 


إدورد سعید 


غير أنه كان عليه أن يؤذي بعض الواجبات البيتية. فهو مم يكن يسمح لغيره 
باستعمال آلة صنع القهوة الإكسپرسوء وكان هنع استخدام أي نوع من أنواع الماء 
باستثناء إفيان أو فولفك. كان هو المخول باستعمال الآلات الكهربائية: فإن احتاج 
أحد أفراد العائلة إلى جهاز ستيريو جديد فإنه هو الذي كان يرتب الرحلة إلى الوز 
he Wiz‏ ویتوd‏ التحدٌّث مع موظفي امبيعات”". وقد وجد كثير من أصدقائه 
ا مقرّبين متعة لا تقاوم في الحديث عن حبه للتسوق» وعن طريقته في التعامل مع 
أفضل محال امملابس الرجاليةء والخياطينء وا مختضين بأمور التدخين» وعن ذوقه 
في الغلايين وأجهزة الستيريو الثمينة وأنواع السيگار. على أن ميوله إلى الأشياء 
الجميلة كانت تختلط بعدم العناية بها. وعندما كان يدعى إلى مناسبة من مناسبات 
الديبلوماسيين كان يتوقع منه أن يشرب أنواعا خاصة من النبيذ وأن ينتبه لنجوم 
مشلن عه «ناeط‌M*»‏ ولکنه کان یفضل خلطة الوسكي العادي على المولت 
و وظل دانما يكره المطاعم اممبالغ ف بهرجتها. 

كانت الكابة أقل فاط السمل تة ععذه. وكانت فالا ترق نومة 
أو ثلاثة أيّام للفراغ منهاء وتم ف ثلاث مسوؤدات لإجراء التصحيحات البسيطة. 
ويبدو أنهء باستشناء حالات معيّنةء م يرهق نفسه ف البحث عن أساليب خاصة في 
التعبير أو ف اختيار المفردات» فنثره ليس نثرا مصنوعا لأنه يجري مع الأفكار وليس 
مع الشكل على رغم وعيه بالأثر الذي يحدثه مزيج المفردات العالية والأسلوب 
غير الرسمي» وبأثر العبارات الأجنبية والعبارات المتداولة. ومهما يكن من أمر فإن 
أسلوبه كان ينساب من قلمه كما نجده ف شكله امطبوع» وهذه موهبة ذات قيمة 
عالية بالنظر إلى التحديات الجديدة التي أثارتها وسائل الإعلام في وجهه في نيويورك 
ف الثمانينيات. 

أخذ سعيد منذ انفصاله عن مايرة يكره النوم كرها رافقه بقية عمره» وتضاعف 
كانه اغراف اا تقح فيه بقضل ها كات مه كائ من توم مقط أو ذا ما 
وصفه سعيد به في المراحل الأخيرة من مرضها”'. وسواء كان الأرق نتيجة للشعور 


البروتستنتي بالإثم بسبب الوقت المضاع أو هو الاكتئاب السريري (وفق تفسير 


(*) طريقة لتقدير درجة جودة امطاعم. [امترجم]. 


298 


بضع أفكار بسيطة 


ابنته نجلا)» فإن الأرق عمق فيه فعل الكلام““. ومع مضي الوقت» وجد الراحة في 
اتخاذ قرارات مفاجئة للانقطاع عن العمل» واتخاذ قرار سريع بالذهاب إلى حفلة 
موسيقية» أو التخطيط لرحلة من الرحلات» كما في حالة رحلته إلى إسبانيا في العام 
9 أو لقضاء شهر في تونس في العام 1982ء أو إلى المغرب مع عائلته في العام 
8 وسط برنامج عمل مرهق”". وکانت قراءاته لهذا السبب تحصل بشکل سريع 
في أثناء الطيران أو في البيت بعد انتهاء ا محاضرات» وبقي الجزء الأكبر من يومه 
مخصّصا لأحاديث مع زؤارهء أو مح المتصلين عبر التلفون. وعلى رغم أنه يعمل في 
مجال البحث العلمي فإنه كان يفتقر إلى العزلة التي تحتاجها اممهنة. ولذلك فإنه 
كان يعيش حياة الصحافي المفتقرة إلى التركيز. 
هذا النمط من الحياة تضمّن بطبيعة الحال بحا دانما عن علاقات جديدة. 
وکما کان دوپي قد فعل في الستينيات أت جين ستاين ٣ذ5‏ ص٥[‏ التي ولدت 
في لوس أنجلس وورثت ثروة من أعمال تسلية الجماهير ف نيويورك دور الوكيل 
غير الرسمي والداعم بكل الوسائل الممكنة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات. 
كانت العلاقة مفيدة للطرفين» فقد عرَّفها سعيد على عام م تكن تعرف عنه شيئاء 
وقدّم لها المشورة فيما تعلق بتحرير مجلة غراند ستريت 5)١٠‏ ١صهإ6»‏ وعلى 
شعراء الشرق الأوسط ومثقفيه. أما هي فقد عملت ما في وسعها لفتح الأبواب التي 
م یکن قد فتحها بنفسه» وساعدته بحب غامر وإخلاص لا تحدّه حدود. وقد بلغ 
من الألفة بينهما أنهما كانا لا يترددان في استعمال لغة ترفع فيها الكلفة كما يتبين 
من هذه الرسالة التلفونية في صيف العام 1994: 
مرحباء جين. لا داعي للاتصال بي» أنا أعمل عندك» لذلك فإنني 
أسجل وقت الدوام عندك مثل الموظفین الذين يبدأون يومهم بثقب 
البطاقات» وها أنا أثقب بطاقة لأقول لك إنني اتصلت بك نحو الساعة 
الرابعة والريج اسمي إدورد سعيد... هذا كل ما هنالك. آنا طبعا أثتظر 
ردك بفارغ الصبر» وسأكون سعيدا بتلقي الردّء ولذلك فهانذا أنتظر 
بجانب التلفون على أحرٌ من الجمر". 
کانت ستاين قد تسلّمت مجلة قراند ستريت في العام 1990عندما اضطرٌ 
مُنشئهاء صديق سعيد الحميم بن سوننبیرغ Ben Sonnenberg‏ إل التقاعد بعد 


299 


إدورد سعيد 


تمع وات ده أن فق اد عا ااك سب نعلي اران كات اة 
قد أنشئت العام 1981 وفق تقاليد المجلات الصغيرة التي عرفت في عشرينيات 
القرن ارين وقد ار لها أن تبدو «شديدة» ولكن ممتعةء أن تمزج الوقاحة 
ا م مو وات اة لض الوق أك الات وة انى 
طليعة الفنانين العا من فیهم و. ج. سبولد S214‏ .6 .۷ وخوسیه 
ساراماگو 2g0صهrھ؟‏ 4٤ء0[‏ وجانت ونترسن Jeanette Werin‏ وکونتن 
ت|رiتgiı «Quentin ‘Tarantino‏ 5و دalıلg Don Delillo‏ وال ر ۾» Don‏ 
.Delillo‏ و کتب سعید سبع مقالات نشرها فیها على مدی سنوات. 

ينتمي کل من سوننبیزغ وستاين الى عائلتين ثريتين وقد عاشا في نيويورك منذ 
أواسط العقد الثاني من العمر على رغم أن سعید ومريم هما اللذان أعادا تقد مهما 
أحدهما إلى الآخر بعد سنوات من الانقطاع وذلك في عشاء ت لذلك الغرض في 
شقتهما. وقد بدا أن جين هي الخليفة ابمنطقية لسونلبيزغ في رئاسة تحرير مجلة 
قراند ستريت بعد أن اشتهرت بامقابلة التي أجرتها مع وليم فوكتر ممجلة باريس 
ريفيو ۷1Wء۸‏ ء۴۲1 وتعزيز سمعتها بالكتاب الرائج بعنوان «إدي: سيرة أمريكية» 
(الذي حررته مع جورج پلمپتن ۸٥ا‏ م :1ا۲ ع۲٥6‏ ونشر في العام 1982)» وهو 
تاریخ شفوي لواحد من اف الدائرة المقَرّبة من أصدقاء آندي وورهول. لقد جعلها 
هذا الكتاب» هو وصلاتها مع الأثرياءء قوة يحسب حسابها في مانهاتن. 

كان التحرك عبر وسائل الإعلام ذا أهمية خاصة لسعيد بعد الشهرة الإشكالية 
التي حققها كتاب «الاستشراق». فقد كان الَرض الإيجابي الذي قدمته مجلة «تایم» 
ممصا عنه في العام 1978 قد مضی وانقضی» وأصبح منبوذا في الجناح اممساند 
لإسراثيل من الناشرين في نيويورك بعد الأثر العميق الذي خلفه كتاب «القضية 
الفلسطينية»*'. مم يكن سعيد في أي يوم من الأيام مق اموتن كاي فعا 
New York Review of Books‏ eط1»‏ ولذلك کانت مساهماته فیھا محدودة 
طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات إلى أن تمكن من نشر مراجعته الطويلة 
الشاملة بعنوان «قسوة الذاكرة» لروايات نجيب محفوظ في العام 2000”“. أما 
الحلاكة الباردة ين اسيك مزر المعاة الغارك روبرت سلرز ةب 66e‏ 
فكانت نتيجة لشكاوى طويلة الأمد وصلت ذروتها عندما نشر سلقرز مراجعة 


300 


بضع أفكار بسيطة 


لكتاب سعيد التي وصفها سعيد بأنها مراجعة «مضطربة ممتلئة بالثرثرة» لكتاب 
«العا( والنص وlillقد« elzll j The World, The Text and the Critic‏ 1983 
کتبھا إر إھرنپریز ٤٣ا۴٤‏ ہن۷٣‏ امتخصص ٹف أعمال سُوفت» إِذ م يطل به 
الوق حن کب نارو سات فان کیا إن ارد کان عه آن یکیل هنلك 
«اممقال المضحك الفاضح» على رغم أنه كان 8 أن ذلك كان بعيد الاحتمال لأنه 
هو وسلفرز کانا يعرفان الغرض من هذه «الهجمات السنوية ضدّي». وحتى 
ف محاة ذا نیشن 11× »11e‏ وهي اة تفتح صدرها للأفكار التقدمية فان 
المانحين الأثرياء من اممؤيُدين لإسرائيل اعترضوا بقولهم إنه كان يحظى مساحة أكثر 
مما يجب في صفحاتها. أما البرامج التلفزيونية الإخبارية التي أخذت تمتلى أكثر 
فأكثر ببغاوات الحكومة فسرعان ما أدرك أنه أخذ يُعامل بصفته ممثلا للعربء» لا 
يدعى إلا لكي يسكتوه بالصراخ؛ لذلك فإنه أخذ يبحث عن منضات جديدة. 

كانت الصلات التي أنشأها لذلك الغرض في صالونات ستاين الأسطورية لا تقذر 
بثمن على رغم أنه كان يعرف الكثير من الكتاب والشخصيّات التي تحضر إلى هذه 
الصالونات. كانت هذه الصالونات هي مركز الحياة الأدبية ف نيويورك» ولذلك فإنها 
کانت تجتذب أمثال نورمن لر «Warren Beatty يتıڊ ùنراوو .NNorman Mailer‏ 
وریناتا آدلر Renata Ader‏ وجولز فابفر e Feiffer‏ وجون دذین هه[ 
Didin‏ وسول ستاینہرغ .54u1 S1٥۲‏ وعلی رغم أن امجموعة کانت تتكؤن 
من مشاهير فإن ستاين أسبغت عليه شرف تسمية إحدى الغرف في شقتها «غرفة 
إدورد سعيد» لأنها كانت تحتوي على مناضد منخفضة» وآثاث شرقي» وديكور ذي 
ملامح غير عاديّة - وعلى شريط من فن الخط يقع تحت السقف مسافة قليلة”. 

وعلى رغم أنه تحرك في مجتمع نيويورك مساعدة مريم» فإنه ظل يشعر بالغربة 
في تلك المناسبات» مقلا مرّة أخرى بالشعور بعدم الثقة. وكان من يريدون الخير له 
يشعرون بأن شعوره هذا بعدم الأمان غیږ مهوم . وكانوا يعرفونه معرفة تكفي لأن 
وات معا کان قلق ار كان ذب شه ضمك ران سال «ما الذي 
يهم ناسا مثل هؤلاء بشخص تافه مثلي؟»' > غير أنه كان ف اللحظة التالية يستعين 
بسحر شخصيته ومسك بفكرة ما ويحيل شعوره بحدم الثقة إلى بلاغة. ولقد ظلّه 
سلمان رشدي شخصا منسجما تمام الانسجام في حفل أقيم على شرف الساندنيستا 


301 


إدورد سعيد 


فی مُتحف المتروپولتن للفنْ حيث وصف سعید بأنه «ودود» أنيق... متحدّث» يطيل 
في الكلام» وهيل إل الضحك والإهاءء واسع المعرفةء وهيل إلى اممغازلة». 

ومهما يكن من أمر الاضطراب الداخلي فإن هذه الجاذبية ساعدت في توسيع 
شبكة العلاقات. أما في البيئة ا مريحة التي تسود جو ا مؤتمرات الجامعية فإن حضور 
بدیهته في كل لحظة - «مدهش اجتماعياء لا یفوقه آحد» - کسب له کثیرا من 
الأتباع» ورافقه في غزواته في ا مجتمع النيويوري. وكان من الصعب ألا يُظْنٌ أنه 
مغرور إلى حدٌ ما ولكنه» وفق تفسير الكاتبة مارينا وورنرء «كان له الحق في أن 
يكون كذلك... بشخصيته الملتهبة ‏ العاطفيةء الرشيقة. م يكن مجرّد رجل ملامح 
جذابة»”. وأضافت: «والنتيجة أنه كان له أصدقاء كثيرون من بينهم نساء كثيرات 
ينتمين إلى نوع معن - أنيقات» من مط معيّنء تجاوزن مرحلة الشباب» مثقفات». 
ما هي فلم تکن من بينهن» ولکن كانت هنالك موجات منهن يرتبطن به من خلال 
السياسة بالدرجة الأولى» لأن «السياسة شغلت ذهن إِذْوَرّد أكثر من الأدب». 

ومهما يكن من أمر فإن شبكة العلاقات التي تنشأً في حفلات وسائل الإعلام 
سذ کات سعيد من اكتشاف شيء أهمٌ: مجموعة جديدة من الأصدقاء الذين م 
يتفقوا معه سياسا فقط بل وجوديًا أيضا فيما يتعلق بنظرته إلى عقد الثمانينيات 
الفظيع. فقد التقى من خلال الصحاف ألكزاندر ق Alexander Cockburn‏ 
بكاتب العموة الصخاق أندرو کپکند Andrew Kopkind‏ ومن خلال سوننبیرغ 
بالیزابث پوکودا التي کان زوجها يعمل في دار النشر بانثیون بوکس ۸١٥٤طاہ‏ ھ٣‏ 
800s‏ وکان قد عمل محررا في محلة ذا نیشن '1he Nati‏ عندما توت ابنة 
ستاين كاترينا فاندن هوقل منصب رئاسة تحرير ا مجلة بدلا من قکتر ناقاسکي 
Vitor Navasky‏ ف العام 1995. كذلك تعرّف من خلال المحرّرة ا مشاركة ممجلة 
New York Review of Books‏ باربرە إپستین Barbara Epstei¬‏ بشاي واغتر 
Shelley Wanger‏ التي عملت أولا في کوندي ناست ئه" مل«ه٤‏ ثم في مجلة 
أنترفيو Wءإ۲۷ءہ1[.‏ وقد أعطته واغتر على وجه الخصوص فرصة لتجربة نوع آخر 
من الكتابة نوع أقرب إلى الاعتراف» وساعدته على نشر مقالته عن طفولته ف 
القاهرة في مجلة هاوس أند قاردن 0use n4 Garde”‏ وعلی جمع مقالاته 
الفلسطينية في وقت مم تكن دور النشر الأمريكية الرئيسة ترخب بها إلا القليل منها. 


302 


بضع أفكار بسيطة 


كذلك مهدت الطريق لنشر مقالته المعنونة «إفطار مع عرفات» في مجلة «أنترفيو» 
وقادت مذکراته خارج اممکان في مسرتها إلى النشر. 

ما نجاحه الباهر مع لندن ريفو وف London Review of Books Sg‏ 
فقد تمثل في جهوده الفردية التي أذڏت إلى تحویل ما تنشره اجاة عن الشرق 
الأوسط باتجاه داعم للقضية الفلسطينية. وتنذکر ميري ولمَزْز Mary Kay‏ 
cWilmers‏ التي تشغل الآن منصب رئيسة التحريرء لقاءها الأول به ف أوائل 
الثمانينيات في مكتب ام مجلةء وكان يرتدي كنزة صفراء فاقعة اللون ذات فتحة 
للرقبة على شكل ٠۷‏ وأنها استنتجت منها ما شاء لها الاستنتاج عن روحه الرياضية 
وحياته الاجتماعية» وهي استنتاجات مم تكن مخطئة فيها”» وكان الناقد الأدي 
الأمريكي رچرد پوارییر Richard Poirier‏ وهو واحد من أعرّ أصدقائه» کثرا 
ما يرافقه قي التجوال قي نيويورك» وكان على معرفة برئيس تحرير ا مجلة آنذاك 
كارل ملّر إ#اانص 1ءه). وتذكر ولْمَرز التي تسلمت تحرير ا مجلة في العام 1992 
أنها بصفتها «يهودية غير مؤمنةء ولا تمارس الشعائرء وحيادية إلى حد ماء كانت 
إلى جانب إسرائيل بقدر ما فکرت ف الأمر. غير أن لقائی دورد غر کل ذلك إلى 
الأبد»”. كانت أولى مقالاته التي ف اون موکو غا اا غاا 8 
کانت عن وولتر لیمن «Walter Lippman‏ آي عن «علاقة الصحاف بالسلطة - 
مهما کان نوعها َِ وسلطة الصحافي نفسه». 

کان جانب من استراتیجیته في مجال النشر قي وسائل الإعلام» وهو جانب عبر 
عن شخصيته أيضاء يقتضي قدرا من التنويع. م يكن يريد لكل كتاباته أن تحافظ 
على اللهجة نفسها بسبب ما تتصف به كتاباته السياسية أحيانا من نفاد الصبر 
والقضي وة فشكل مقالاته عن لذب والفاسفة توعا من الفغفيف من الحلة 
لأنها كانت في نظر الكثيرين جهدا نظريًا مضنيا. كان يسعى إلى أن يظهر جوانب 
أخرى من شخصيَته. وعندما نشرت لندن ريفيو أوف ڊgكس London Review‏ 
B0)»‏ اه مقالة خصّصت لتفسير السبب الذي يحتاجه إصلاح المصعد لكل ذلك 
الوقت الطويل فإنه عبر عن احتجاجه لولمّرز بقوله: «ماذا لا تطلبين مني أن أكتب 
مقالات کهذه؟». وقد تذکر زمیله مایکل روزنثال 6561111 ھ11 آیضا 
هذه اللهجة المازحة والاستعداد للتجريب. فقد قرّر سعيد في أحد الأيام أن يتعلم 


303 


إدورد سعيد 


بقارن جاك الق وي هه وصفته لل للحت اجار 
وأخذا يركضان. «كان لعبه بالغ السوء ولكننا استمتعنا»". 

بعد أن خرج سعيد من حروب النظريّات وجد أن عليه أن يعذل أسلوبه 
ليتوافق مع أسلوب اممحادثة الهادئ امستخدم ف لندن ريفيو أوف بوكس «0ل٫‏ 10 
.Review of Books‏ فعندما أجرت ام مجلة بعض التعديلات التحريرية على مقالاته 
كان من عادته الاتصال بالتلفون ليقول للقانمين عليها إنهم «ارتكبوا مذبحة بحق 
نصّه» على رغم أن ما حصل لا يعدو شيثا طفيفا يمكن إصلاحه بسهولة». وبعد 
ساعة كان يتصل ليقول إنه كان مخطئاء وأن كل شيء كان على ما يرام» وانتهى الأمر 
أن غدة التعدرلات كان فلبلا كات المجلة من حيت الأماس سخيدة بنش كاباته 
عن الق الفط سا كانت ورات ورك تفضا ولد أت مقا 
عن خروج ظمة التحرير الفلسطينية من لبنان» وعن طفولته في بيروت» وعن 
المجادلات التي دارت حول الصهيونية على هيئة التحرير. وعندما حدثت الانتفاضة 
الأولى في العام 1987 وفقما تذكر ورن «شعرنا بأن موقف الفلسطينيين كان 
نضحب ال عل رغ تي فرق عه 5را 

كانت الصورة مختلفة ف المدينة التي يعيش فيها. كان قد وجد موطنْ قدم في 
مجلة «ذا نيشن» في أواخر الستينيات» وكانت النتيجة أنه تعرّف إلى حدٌ ما على 
نافاسكي الذي كان محرّر المجلة وناشرها في الوقت نفسه» على رغم أن العلاقة كانت 
متوترة. لكن التعرف على محرّري المجلة على نحو أفضل حصل في الشرفة الشهيرة 
لناشره السابق في أوائل الثمانينيات» أندريه شفرن Andre Schiffrin‏ . فما أنھا 
كانت منطلقا لليسار اللبرالي فإن مجلة «ذا نیشن» کانت ذات توزیع متواضع» ولکن 
قرّاءها ظلوا مخلصين لها وكانت أصولها تعود إلى القرن التاسع عشر. وقد أصبحت» 
هي ومجلة ھاربر ¢¬ Harpers Magi‏ والبروغرسف ressiveع۴rog‏ وذا فیلج 
فويس The Village Voice‏ ملجأە ووسيلته للتعبير في العقد اممضطرب الذي شهد 
حکم ریغن - بُش م أنه كان ينشر مقالات ومراجعات قصيرة في «النيويورك تامز». 

ولكن علاقته مجلة «ذا نيشن» م تكن مريحة دانما. فقد كانت المجلة ممتلئة 
بالترتيبات الطبقية والإهانات السخيفةء فلم يشعر بأآنه مرغوب به فيها. وكانت 
معظم كتاباته» إن مم نقل كلها توضع في «آخر الكتاب» - أي في الصفحات 


304 


بضع أفكار بسيطة 

اللخضهة لاشون. اكا عاموةة الخهضض الأدب قان أك ها كه للمجاة خان 
مراجعات للكتب. ولكن حتى مع إزاحة مواهبه من حقل التعليقات السياسية فإن 
اللبراليين المؤندين لإدرائیل ضغطوا على نافاسکي لكي يحرمه حتى هذا المستوی 
کن اھ ان ر کل من مدز رن عن دعا اع چ اة 
Jesse Jackson‏ ممنصب الرئاسة ف إحدى وسائل النشر المطبوعة. فقد كان جاكسن 
قد أظهر اهتماما خاصًا بالقضية الفلسطينية والتقى بشكل غير رسمي بسعيد وغيره 
في العام 1984 في جناح فندقي حیث کان يجلس ملابسه الداخلة. 

لكن ما يلفت النظر أن كون سعيد «من خارج اممكان» كان نزلة جواز السفر 
لدى أجهزة نقل الأخبار التي أخذت تستشيره حول كل ما يتعلق بالشرق الأوسط. 
وقد شمل أنداذه الذين كانوا يعبرون عن مواقف الحكومة الأمريكية العراقي 
البريطاني كنعان مكَيّة »)ة۷ مهمه أستاذ دراسات الشرق الأوسط ف جامعة 
براندايس ءءل«ه8۲, الذي كان يعتمد عليه في حفظ أقوال وزارة الدفاع الأمريكية؛ 
ولکن على رغم ما كان يتلقّاه مكَيّة من دعم رسمي فإنه لا هو ولا بقية الناطقين 
بلسان حكومة الولايات المتحدة من أبناء الشرق الأوسط حققوا المكانة التي حققها 
بن 9 

غير أن كثّاب الأعمدة في مجلْة «ذا نيشن» ساعدوه على تجاوز الشعور بالغربة. 
وکان من بينهم کرشتقر هچنز Christopher Hitchens‏ الذي عمل بعض الوقت 
بصفة معاون E a E O E a‏ 
العلاقة مع ككبيرن فكانت أعمق من تلك التي آمح إلیها هنز في عنوان مراجعته لأحد 
کتب ککبیرن: «آلکس lلرÛlع« .Alex the Magnificent‏ کانا قد التقيا في السبعينيات 
عر مجلا ا نبو لفت ريج وعقا غلاقهها ق آفاء الوقت الذي قغاه كو 
في مجلة «ذا فويس» في آوائل التماتینیات. کان ککبیرن بشبه سید من حیث کونه 
يروق للنساء بتعبير ویپيشقسيي» واحتوى الاثنان تناقضاتهماء وتباهيا بالتعليم الراقي 
الذي حصلا عليه (هارقرد وأوكسفزهد) وبشقتيهما الفاخرتین غر سنترل پازك وجادة 
قرسا وجرأتهما ي ترجيح كه القاش العمومى باتجاه البسار“. 
ا مق الال و ا طاق طررقها إن أحه لاطا ر فا ق اة 
الأجرة للتحدث باللغة الفرنسيةء وأخذا يتباهيان فيها كأنهما «طاووسان يعرضان 


305 


إدورد سعيد 


ريشهما الجميل»*". وعندما كان بن سوننبيرغ ينضم إليهما كان الثلاثة يشكلون 
«عصابة» من نوع ما. وقد کان سوننبیرغ ېدو لکل شن وله کأنه روح جميلة. 
«أروع رجل على وجه البسيطة» بعبارة وبيشفسكي”. کان کل منهم على طریقته 
معنا لماخ وشکل الثلاثة جمعية لتبادل المدائح» يتناولون العشاء معا في شقة 
سوننبيرغ كلما جاء ككبيرن إلى اممدينة. وكثيرا ما كان سعيد الذي كان يهاتف 
سوننبيرغ يوميًا يآ بالسندويشات إلى بيته لوجبة الغداء ولتبادل الأخبار الأدبية 
التي يحب کلاهما تبادلها بينما کان سعيد الذي شکل نورا ساطعا في حیاتهء يَصله 
بكثير من الكتاب ,الذين كان هو ينشر أعمالهم في مجلة قراند ستريت 0 افا کن 
فکان يسمي سعید بالأسد «لأنه کان يبدو أحيانا عندما يتكلم کأنه يلطم الهواء 
براحة يده ویلوح بذیله» ثم یستثره بحضوره لیستثیر زهوه بنفسه. عندما 
وجد وديع ومريم نفسيهما وقد ضلا طريقهما في واشنطن بسبب عاصفة ثلجية 
وجد سعيد نفسه عاجزا عن تسلية ابنته نجلا التي كانت في الثالثة من عمرها. كان 
الذي وجده هو أن يأخذها معه إلى شقة ككبيرن» وبعد أن انخرط في حديث 
سى» طلب منها أن تتسلى بالفرجة على البارك من النافذة. كان أبوهاء وفقما 
5ا فيما بعد شديد الإحساس بالآخرين» محبّاء رقيقاء منتبهاء ولكن من دون 
إفراط. کان «يضطلع بواجبهء ومن ثم یعود إلى 
کان سعید نحت نٹرا يتللا بیانه حتى عندما يكتب للمجلات والصحف» 
i N e gS‏ 
السّالة آو تأملات ککبیرن الجريئة التي تفتقر إلى العمق. وقد أيّدت کل من 
إلزبث سفن وشاي واغنرء ا محررتين اللتين تعملان في دور النشر التجاريةء رأي 
ew‏ القائل إن سعید کان كاتبا ذا أسلوب سيّال يروق لكل أنواع القرَاء. 
واقتصر تحريرهما مخطوطاته على آمور تجميلية في معظم الأحيان. أما مقالاته 
عن الموسيقى المخصصة للنشر في مجلة «ذا e‏ فقد وجدها محرّرو المجلة 
بالغة التكثيف» عميقة «ولكنها ليست ما يتوقع القارئ العادي الذي يقرا مجلة 
سياسية ذات محتوى عام أن يجده فيها»”“» وقد تلقى سعيد تعديلات التحرير 
بصبر وشيء من التکه وصبر على أولئك الذين وجدوا كتاباته أكادهية أكثر من 
اللازم. واحتفظ لنفسه بالتقريظ الذي كان يرسله له الموسيقيّون ونقاد الموسيقى 


306 


بضع أفكار بسيطة 


الجادّون الذين كانوا يقولون له إنهم يقرأون مجلة «ذا نيشن» بسبب ما تنشره 
له من كتابات عن امموسيقیى. 
KKK‏ 
عندما نأي إلى أفكار سعيد «القليلة البسيطة» نجد أن براعته النقدية م تلق 
ا قسه هن كدر ل من أصحاب الطرات اة ولا من الصافن فيه 
عند الفريق الأول صاحب فكر عال ولغة متداولةء بينما يراه الفريق الثاني ها 
يولول عفد من إلام مكل و إفازت هة اها أك من الان من اة 
الفكرية. أما وقد وجد نفسه عالقا بين الطرفين فإنه شغل نفسه باختراع قاموس 
خاص به. لكن اممفردات الخاصة به التي ابتكرها فم تنحَت نحتا بالضبط بل هي 
كلمات أخرجت من تاريخها «العائلي» وفق تعبيره - أي إنها تحرّرت من ارتباطاتها 
الموروثةء ومن ثم ارتباطاتها ذات التأثير الطاغي. لقد أعطى معاني جديدة لكلمات 
متداولةء وذلك فی جانب منه بإتقان فنْ نحت الكلمات نحتا غامضا مثل 0١‏ ناتاه 
(الانتساب)» وinventory‏ (كشف بامموجودات) وyازءإا»ءءءء‏ (غرابة الأطوار). 
يقول سعيد: «أعتمد على بعض النصوص الأدبية» وبعض الأساليب الأدبيةء وقضايا 
التفسير التي علمتني الكثير عن كيفية انتقال الأفكارء وتشكيلهاء وجعلها جزءا من 
امؤسسة»» من هذه الأساليب بلاغة الصدق. وقد كان بإمكانه» بتحرير كلمات 
مثل «المساواة» و«العدالة» و«اممتعة» من علامات الاقتباس» توجيه النقد الشديد 
للفكر اليائس ما بعد الحداثة و«الواقعية» السياسية التي تتحدّث عنها حلقات 
الفكر sخصها‏ kصنطا*‏ في واشنطن. 
کان قد تعلم من آورباخ وشپشر أن بعض الکلمات هكنهاء إن اختيرت اختيارا 
صحيحاء أن تعرّف شعوبا كاملة فيما هي تؤرٌخ حقبهم بشكل مكثّف. وقد کان 
أورباخ قد خصص واحدة من أشهر مقالاته وأبعدها أثرا لتفكيك محتويات كلمة 
هي فغورا ۵ع (الجمال» الشكلء الكنايةء الأسلوب)» بينما خصص 
شپتسر القسم الثاني کله من كتاب طويل لكلمة عمسدصدمنا؟ (الحالة النفسية/ 
الذهنية. وقد ظلّ سعيد طوال عقد الثمانينيات يكثر من الحديث عن هاتين 


(*) هي فرق من الخبراء تشکل لحل مشكلة فنية أو اقتصادية أو سياسية بالبحث والاستقصاء. [امترجم]. 


307 


إدورد سعيد 


المقالتين مبديا إعجابه الشديد بقدرتهما على تشييد كيانات كبرى على اسان بهذا 
الصغر. وقال إن بالإمكان أن هثل مصطلحٌ من المصطلحات الكاتب نفسه إذا استغل 
استغلالا صحيحا. فمثلما تستعيد كلمة ءءنصطءم) بالذاكرة للويس ممفرد Lewis‏ 
Mumford‏ أو تستعيد عبارة «الاستهلاك البادي للعيان» بالذاكرة لثورستين قبلن 
0rstein Veblen‏ 1ء فإننا لا مکننا التفکیر فی کلمات مثل «الدنيوية» ness‏ ناo۲1dسW‏ 
و«الانتساب» ٥١‏ 1اه‌ناتآگه من دون التفكير بسعيد. 

ظل جمهوره يتكون من خليط من طليعة ا مجتمع النيويوري» ومن صحافيين 
غيّروا مواقفهم السابقةء ومن ثوريي الشرق الأوسط والأكاد هيين الفينومينولوجيين. 
ولذلك فإن معجمه كان عليه أن يتعامل مع الصعوبات كما تتعامل القصائد: 
بالإيحاء ومن دون حصر الممعاني معنى واحد. واعتمدت عا سعيد على وهم 
الحضور الماذي. جلبت كلماته المفتاحية عنصر الحضور الممباشر إلى كتاباته النظريةء 
من ذلك النوع الذي رأى محرروه في مجلَة «الأمُة» وي دار پانثيون للنشر أنه مفرط 
في التعقيد عند القراءة الأولى. وأشارت صفة «أكادهي» ذات المعنى السلبي إلى بعد 
ف كتابته حرص كثيرا على الاحتفاظ به وعلى إغراء قرّاثه للتعلم منه. 

لقد مر بنا عدد من هذه المصطلحات مثل «معلّم نفسه»» و«الهواية» 
وال مزاوجة بين «البدايات والأصول». ولكن من أهمُ المزاوجات عند سعيد تلك التي 
يعقدها بين الانتماء ١٥ناهنا‏ والانتساب ١٥اه‏ نا#fه.‏ وقد يكون من الممفيد أن 
نتتع كيْفَ كيّف معنى كلمات مألوفة في حقل من الحقول بإعطائها معنى مختلفا 
في حقل آخر. فرولان بارت 8:1 4ہه1ه۸ علی سبیل اممثال تحدّث في ال مقال 
ا معنون «من العمل إلى النص» (1971) عن «أسطورة الانتماء» قاصدا بذلك أن 
«أبوّة» النصُ لا تتطلب وجود ااا لان الف ان سو اتفال من كل إل 
أخري من دون الخاجة إلى تدخل من جانب الکاتب الواعي. وکان زميل سعيد في 
قسم اللغة الفرنسية في جامعة کا Michael Riffaterre رıتlر Jl‏ (الذي 
کان سعید قد انتقده فی كتاب «العامم والنص والناقد») قد أقام حالة مثل هذه قبل 
سنة من ذلك التاريخ زاوج فيها بين الانتماء والانتساب من أجل اللعب بالحقيقة 
اذك الغائلة إن التصوص ل فشكل من أفكار أو أهياء بل من إغادة اسخحمال 
مجموعات من الكلمات التي تنتقل من نص إلى آخر”. أما سعيد فقد قلب هذه 


308 


بضع أفكار بسيطة 


ا مزاوجة رأسا على عقب» واستخدم «الانتساب» معنى اممعتقد ال مشترك في مقابل 
«الانتماء» معنى الإرث العائلي. وكانت الفكرة عنده أن نوعي الانتماء هكن أن 
يكونا خطيرَيْن عندما «يعيدان إنتاج هيكل سلطة العائلة». وليس يكفي للمرء أن 
يقف ضدَ العنصرية أو الشوفينية القومية إذا ما كر تضامنهما من دون تفكيرء 
فحتى القضايا التقدُمية لها منطق عائلي عندما يتحكم فيها «وعي الانتماء إلى مهنة 
إلى الإجماع... إلى الطبقة»“. 

کثيرا ما اهم سعيد بأنه يفرط ف اميل إلى الجدل» ولكنه كان في الواقع يسعى 
إلى كسر القواعد غير المكتوبة للعبة المهنية التي يفترض فيها ألا ينتقد أحدٌ زملاءه 
أو حلفاءه» لكنه بدا على العكس كأنه يصف نفسه في التمهيد الذي كتبه لكتاب 
«التاريخ اليهوديء الديانة اليهودية» (1996) لإسرائيل شاحاك» وفيها عبر عن إعجابه 
بالتزام شاحاك «بأن يكرر» أن يصدم أن يثير الكسالى أو الذين لا يكترثون بحيث 
يستيقظ وعيهم المشحون بالأم الإنساني الذي رها كانوا مسؤولين عنه»*. لكنه في 
الواقع - وهذا أمر يبدو أن منتقديه لا يدركونه - كان يسعى أكثر إلى التهدئةء بل 
إلى المراوغة. ففي رد فعله للتحالف المخجل بين النقد الأكادهي والاتجاه ا محافظ 
في عقد الثمانينيات مثلا عبر عن نفسه بأسلوب حذر بقوله «إن تياراتها الفكرية 
والعملية... تؤذي دورها داخل الحقبة الريغنية»'. 

کان الترکیب النحوي معهودا فالتزاما بحرصه على تفادي توجيه اتهامات 
مباشرة أو روابط سببية («تؤذي دورها داخل» ولا تصل إلى درجة «تدعم» على 
سبيل الممثال)» فإنه ترك لنفسه فرصة للهروب» لكنه من الناحية الثانية مزق قلوب 
مناوئيه عندما أراد مثلما فعل مع صاحب الاسم امستعار سمير الخليل الذي 
أ مح إلى أن سعيد كان يتعاطف ف الس مع صدّام حسين (على رغم أن سعيد 
كثيرا ما هاجم صدّام في الصحف)» وتسبّب في استثارة توبيخ وصفه سعيد فيه 
«بالواوي اممتلصّص» الذي انكشف جُبْنه باتخاذه لذلك الاسم المستعار الذبق”“. 
ولا يدهشنا لذلك أن الكوادر الداعمة لإسرائيل وامسؤولة عن التدريب ف أياك 
نصحت بعدم مقاطعة المتحدّث في ال مناسبات العامة «لأن في ذلك مخاطرة كبيرة 
- مقاطعة إذوزد سعيد ونوم چومسکي مثلا... ٳذوزْد سعید کان مذهلا - من شأن 


تحدّیه آن بُظهرکم مظهر سیّن». 


309 


إدورد سعيد 


وبعد أن انتخب سعيد رئيسا لرابطة اللغات الحديثة ف العام 1998 استقال 
جون وتن Whitman‏ «مز» وهو واحد من طلبة سعيد السابقین» وکان قد 
ال إن اران ل ف العامة اة مو ار رة ان م ا 
القذر الكافي من الاحترام عند الرذ على نقاده. فما كان من رذ سعيد العلني 
ل أن ك الخضاه بان ردودة جات امغجات وجات فط ا وان الذة 
من الأعداء الذين قيل إنه جرّدهم من إنسانيّتهم كانوا مايزالون من أصدقائه 
المقربين". أما سّلقه لأعدائه - کما في ردوده على مایکل وولتَْر Mic!61‏ 
Walzer‏ وروبرت غرفن Ile Robert Griffin‏ - فهي LE‏ جدل لا بل هي 
مخفة فاا ها قا من ف قطن و عك ن آنه قدر على توجية الجا 
المقذع» كما في الرسالة التي ااا لجريدة هارتس 8241٥2‏ عندما وجه میرون 
بنقنیستي Meron Ben venis†¡‏ اللوم الا ت لفقدان وطنهم وأملاكهم ف 
معرض اتهام سعيد بأنه اختلق ماضيه بينما أخفى بنقنيستي «دوره الحقير في 
التطهير العرقي للقدس» بعد العام 1967: «بنقنيستي الفج» الغوغائ الهادر هذا 
يأمرنا باستخدام لغة السوق المممجوجة التي لا تصلح للفكر السوي أو للحوار 
المنطقي» إن كان لنا أن نحكم من رداءة كتابته». ولكن على رغم هذه الأمثلة 
فإن التعبير المهدّئ غير اممباشر كان النمط الأغلب عنده. 

قال سعيد في العام 1983ء مح كل التحديات للجوانب الجدلية من ذهنهء إن 
بعض الناس حسبوا أنه ليس سوى «ماركسيّ غير معلن» ولذلك فإن الوقت حان 
لتوضيح موقفه”". ولكنه م يفعل ذلك في الواقع بینما م يحقق من فعلوا سوى 
نجاح محدود”. وسواء أكانت أفكاره بسيطة أم م تكن فإن من امممكن وضعها في 
مكانها الصحيح عند النظر إليها على خلفية ثلاث طرق في النظر إلى العام ظل يتعلم 
منها على الدوا» طرق رفع من شأنها أحيانا ولكنه ظل هتنع عن الالتحاق بها وهي 
الماركسية» والنسوية» والتحليل النفسي. 

KKK 

يبدو أن من المعقول تماما أن نتفق مع الشاعر الأيرلندي شیمس دين کا صهع؟ 
47٤‏ وآخرین علی آن سعید م یکن مارکسیًا بشرط أن نکون على علم بالدرجات 
المختلفة التي هكن للمرء فيها ألا يكون ماركسيا. وعلى غرار آخرين من معارضي 


310 


بضع أفكار بسيطة 
السياسة الخارجية للولايات اممتحدة ؤصف سعيد أحيانا بأنه متعاطف مع 
«الشمولية السوفيتية». كانت التهمة a‏ ولكن يجب أن نلاحظ أن كثرا 
من المفكرين الذين انجذب إليهم دعموا الاتحاد السوفييتي معظم حياتهم. ومن 
هؤلاء إذوزد پامر تومپسن 01ءم "110 .۴ .۴ء وإمیل حبیبي aby‏ eانصE›‏ وج. 
د. بیرنال ۵1٣۲ء8‏ .0 .[» وصادق العظم ۸1-۸2٣‏ نله وبطبيعة الحال گرامشي 
Gramsci‏ ولوکاتش ء٤‏ k4سا[.‏ وقد یکون الأصح أن نذكر - بسبب اهتماماته اممهنية 
- لأنه من جيل كتاب العام الثالث الذين بدأوا بصفتهم زملاء ف الكتابة ف پولندة 
وألمانيا الشرقية» وچيكوسلوفاكيا وأماكن أخرى من الكتلة السوقييتية. وقد شملت 
هذه حليفه وصديقه باب مراسلة مؤرخ جنوب آسیا راناجیت غوها 12ں إزة۸2» 
وولف والناقد الکيني نغوغي وا ٹیونغو نط1 »Ngugi wa‏ وصديقهء مير 
الشعراء الفلسطينيين» محمود درويش. 
ظلّ سعيد واضحا فيما يتعلّق برفضه عضوية المنظمات الشيوعية لأسباب 
عملية وسياسية. ولكن سياسة القوة الواقعية السوفييتية في الشرق الأوسط على 
رغم اختلاط خيرها بشرها ألهمت الجماعات الشيوعية داخل الحركات القومية 
العربية عموما. وبلغ من تداخلها مح سياسة الحياة اليومية آنها غدت من وجهة 
الفظر الفاسطينية جردا من اللشهد ولس تدخلا أجتبا هن الخارج. وف أوقات 
أخرى اذعى عدم فهم ما يجري» ورفض بشكل غير مقنع طلبا من صديقته المعجبة 
به فانسا رذغرَّیف R2۷‏ ۷4164 لأن یکون عضوا فی مجلس نظ سياسية 
يمار كانت هي إلا ةا جا باازن الوقن وبخامة ارخ 
الماركسية؛ لذلك [فإنه سيشعر بأنه] أبله تماما»“. 
عبر سعيد عن رآيه الإيجابي المشروط بالسياسة السوقييتية الخارجية نحو الشرق 
الأوسط منذ العام 1969 وموقفه الشخصي منها بصراحة”. غير أنه كثيرا ما تساءل 
عما إذا كان من ا ممكن للماركسية التي ابتكرها الغرب أن تكون ذات فائدة خارجه: 
«مازلت لا أرى ترجمة مقنعة للماركسية الأوروبية لظروف العام العربي أو ظروف 
العام الثالث». ومع كل ما تتصف به القومية العربية من روح بطولية واستقامة 
فإنه وصفها في يوم من الأيّام بأنها مستعارة وغير أصيلةء ولذلك فإنها «أرخص» من 
اللازم. وها أنها نشأت واكتملت في مكان آخر فقد كان من المستحيل صبغها 


311 


إدورد سعيد 


بالصبغة العربية الأصيلةء وينطبق هذا الكلام على الشيوعية. وق الولايات اممتحدة 
كان اليسار المنظم قد انغمس في مناقشات حول أيهما أهُ» العنصرية أم الصراع 
الطبقي» بحيث مم يكن لديه ما يقدّمه للكفاح الفلسطيني» وهو السبب الرئيس 
الذي جه لا يفكر أبدا ف الأتضمام إل صقوفه رسمنا: 

مم يزر سعيد أي بلد من بلاد الكتلة السوفييتية حتى وهو في قمُة شهرته على 
رغم ما تلقاه من دعوات باستشناء زيارة قصيرة إلى پولندة بينما كان يعمل على 
بحث دعمته مؤسسة غوغنهايم ف بيروت) لكنه من الناحية الأخری استثاره چنز 
EON E A ESE lS r Ê‏ 
أنتقد الاتحاد السوفييتي علنا... م يفعل السوقييت أي شيء لإيذائي أو لإيذائنا»". 
وعلى رغم كل صراخ وسائل الإعلام ضدٌ «الثوريين المثبتين في الخدمة» والتلقين 
الماركسي في الجامعة فإن معظم اليسار الأكادهي نأى بنفسه عن الماركسية أو 
حولها إلى مط من أناط السلوك المخالف» أما سعيد فقد حرص على آلا يفعل أا 
من هذين البديلين”. 

كانت امماركسية بالنسبة إلى سعيد شيا أكبر وأقدم من الأشكال التي ظهرت بها 
ف القرن العشرين ف الاتحاد السوقييتي أو ف الشرق الأوسط. وكانت ف أشدٌ أشكالها 
مثارا للاحترام جزءا من راث اليسار الذي تد إلى ما قبل ماركس. وهكننا أن نقول 
إن ما بذله من جهد فی دراسة یکو کان القصد منه إحیاء تراث بدیل يرفع من شأن 
الجهد الإنسانيء لقدرة الناس العاديين على صنع التاريخ» للصراعات الطبقية التي 
أنشأت الجمهوريّات الأولى» ولروح الاتساع الإنساني الذي يرفض التخصّص الضيُق 
ويشدّد على غرار ما فعله ماركس على النظرية السياسية والاقتصاد بروح شعرية. 
وفي ضوء ذلك نجده يستشهد باستمتاع بالمصلح القروسطي کولا دي ریینزو ٥014‏ 
i R0‏ بصفته أحد مؤْسُسي الفكر ذي اة الإنسانية. کان ريينزوء وهو 
ابن أ غسّالة وأب يعمل في حانةء يسعى إلى الانتقام من سوء تصرُفات النبلاء 
وللتنديد بطبقة الأرستقراطيين. وقد برع في إثارة الغوغاء بعد أن تعمُق في دراسة 
شعراء اللغة اللاتينية وخطبائها بهدف استغلال بلاغتهم لتوحيد إيطاليا. 

أشار سعيد أيضا إلى مواقف أخرى في اليسار التاريخي من خلال دير تيليم 
Aye de hélême‏ وهو مكان مثالي مناهض للنزعة التسلطية وصفه رابليه 


312 


بضع أفكار بسيطة 
في روایته «غارغانتوا وپانتاغرول» (1532)» وهو مکان کان بوسع المرء فيه أن يشبع 
الرغبة الفكرية والجسديةء متحررا من العناء والخضوع للسلطة". كان سعيد 
يسعى» فضلا على عرض التاريخ السابق للنقد الماركسي من أسفلء إلى أخذ الفلسفة 
الإنسانية من أيدي المحاربين الثقافيين الذين يعون الفضيلة لأنفسهم والذين كانوا 
ينشغلون ق مجلة هلتن ص Hilton Kramer‏ امحافظة الجديدة بعنوان نيو 
کرایتریون 0 New‏ بإصدار الأحكام عن هذه الأعمال الكلاسيكية نفسها 
العائدة إلى الحضارة الغربية لغرض مختلف تماما هو فضح بربرية التوجه الجديد 
نحو ذراسة الففاقة الإمرنالة ‏ “ ` 
کان حریصا في نظرته إلى الیسار على تفادي ما فعله جورج آورول وغیره ممن 
يصفون أنفسهم بأنهم «اشتراكيّون» ويتفننون في تفادي نقد الطبقة الوسطى من 
المثقفين بأن يعلنوا كفرهم بآلهة اليسار - وهي وسيلة عرفها سعيد جِيّدا من 
الأعمال الصحافية المتأخرة التي أنتجها هنز وكتابات لشك كواكوفسكي )و1 
Kolk oki‏ وکونور کروز أوبراين Coit Cruise O’Brien‏ وغيرهما من الذين 
ظل في صراع مرير معهم على مر السنين. فقي قال إثر أخرى نراه وهو يتدخل إلى 
جخائنة السار في محاولة منه لجعل الشيوعيين والمشقفين الماركسيين بشرا عاديين بأن 
يجعل الآخرين يرون نهم أعضاء في مجهود فكري جماعي . ففي توزیعه لامدائح 
الإستراتيجية للمؤلفين الذين أراد من الآخرين أن يقرأوهم شكل قانمة من العروض 
الدهوقراطية الاجتماعية للسياسة الخارجية الأمريكية ودولة المراقبة الداخلية. 
وكان يحب بشكل خاص الدراسة الميدانية للتواطؤ المؤسّسي» مستشهدا أكار من 
مرَة بربکا ستونذر شوند زز Rebecca Stoner Saunders‏ بخصوص الحرب الثقافية 
الاق وبناديا أبو الحاج بخصوص القصص الخيالية التي يختلقها علماء الآثار 
الإسرائيليون» أو بکتاب کارول گروبر ۲إ ٥4۵1‏ بعنوان «اممریخ ومنیرقا» 
وهو دراسة للطرق التي حولت الجامعات نفسها بها إلى آلات في وزارة الحرب في 
أثناء الحرب العاممية الأولى. 
تناولت المقالة المعنونة «النظرية المتنقلة» وهي واحدة من أكثر مقالات 
سعيد التي يجري الاقتباس منهاء مسألة استهلاك الحيوية الفكرية التي تتعرّض لها 
مفاهیم ماركسية مثل «الكلية» انهاه و«التشْبُوٌ» j reification‏ أثناء ابتعادها 


313 


إدورد سعيد 


عن الالتزامات الثورية في الصراع الاجتماعي الفعاي بين الأحزاب والحركات نحو 
الطمأنينة النظرية بعد إخراجها من سياقها”. هنالك بطبيعة الحال أمثلة كثرة 
یکشف فیها سعید منظورا سياسيًا لبرالبًا صريحا ولیس ماركسيًاء ویثیر الشك لیس 
فقط ف الحكومات التي تسيء التصرّف» بل يكتشف ف منطق الممؤسسات بوادر 
طغيان جديد. والأموذج اللبرالي الكلاسيكي الذي يضع الفرد الضعيف ضدٌ المنظمات 
هكن أن يرى في اممقالة ا معنونة «النقد العلماني» عندما يختار الثالوث غير اممحتمل: 
النخبة الأنغليكانية عند ت. س. إِلْيْت ٥۲‏ :ا۳ .8 .1» والحزب التقدٌمي عند لوكاتشء 
ومجتمع التحليل النفسي عند i‏ للاشتراك «في بقايا ذلك النوع من السلطة التي 
ارتبطت ق الماضي بنظام الانتماء» - أي بافتقاد العقل والعدالة عند التعامل مع 
أولئك الذين يوجدون خارج «العائلة» الآيديولوجية”. ففي التفكير اللبرالي بوجه 
عام» يصوّر الفرد بشكل يجعله مهد دا بتراتبيّة الجماعات والأحزاب والبرممانات. 

وهناك تلميحات إلى هذه الوسطية گن أن نلاحظها في حماسته معاصر 
غرامشي پيیرو غوبتي Piero Gobetti‏ الذي همه باستعمال شعار في كتاب «التثقافة 
والإمبريالية»: «العامل الغوبتي»' . فقد مثل غوبتي بصفته منقفا أدببًا شانًا لسعيد 
مر فلمغية وأمة فر فة وضعة الأمقهاض ارين كان غوت ماه 
شأن غرامشي» طالبا في جامعة تورن. وقد تغبرت نظرته إلى الأبد بعد أن شاهد الذَورَ 
الرائع الذي كان غرامشي الشاب يؤذيه في حركة العمال في تورن. وقد استوعب» أكثر 
من آي شخص آخر من جيله» درْسَ غرامشي» وهو أن من امهم جذّا وصل الجنوب 
(«الذي كان فقرّه ورصيده الضخم من اليد العاملة» كما قال سعيدء «خاضعين 
لسياسات الشمال وسلطته») بالشمال الذي يعتمد عليه" . لکنه» على غرار سعیدء 
كان قل ثورية من غرامشي مؤيدا للحزب الشيوعي الإيطاليء ولكنه م ينتم إليه في 
حیاته. وقد وجد غوبتي ف الحقبة الفاشئة أن المدافعين الوحيدين الثابتين والفعّالين 
غق الل اللرالة كانوا أعضاء السار انظ وقد أممح سعيد إلى أنه انتمى إلى اليسار 
عن غير رغبة ولأسباب عمليةء وبذا أصبح غوبتي عصره. 

لکن هذا أیضا بدا أنه قناع کونرادي اذ كانت هنالك أمثلة معاكسة أخرى 
كثيرة. فقد قال يوما ف تعليق جانبي ساخر: «نحن اللراليين» نصف موقفا من 
ا مواقف بأنه معقد «في إشارة من إشارات البلاغة... قبل النطق بكذبةء أو عندما 


314 


بضع أفكار بسيطة 


يوشك تواطؤ خطير مناهض للأخلاق مح فعل من أفعال الظلم على أن يجري التكثم 
عليه»“. وعلى رغم أنه أَقرٌ بتأثير الشجاعة والوضوح المتمثلين بشخصية ول روجرز 
|اWi‏ واللذین أبداهما الفيلسوف البراغماتي رجَّرد رورت Bi‏ 
مثلا فإنه م يكن مقتنعا «بلبراليته الحاسمة» وكره ا القانممة على مبداً «أمريكا 
آأولا»””؛ وها آنه مم يستسخ الدجل اللبرالي فإن أصدقاءه المقرّبين قطعوا بأن سعيد 
کان «ماركسيًا في الأساس» ولكنه ليس شيوعيا طبعا. 
لكن صادق العظم من الناحية الأخرى رأى أن «البنى الأساسية لتحليلات سعيد 
بعيدة كل البعد عن الماركسية» وأن ماركسيته ليست سوى «مساحيق تجميلية» 
على رغم أن العظم أَقرٌ باحترام سعيد لفلاسفة القرن العشرين امماركسيين*. وقد 
وافقه چومسکي في هذا الرأي وتحدذی آي شخص هکنه أن يره مکانا في أعمال 
سعيد تدخل فيه الماركسية بصفتها مبدأً تحليليا جادٌا”. كذلك ابتهجت ديرذرھ 
بيرغسن ١0ءعإء8‏ ١014ء‏ وهي صديقة مقَرَّبة كانت في وقت سابق من حیاتها 
نشطة في الحركات التروتسكية في جنوب أفريقياء باعتراف سعيد في كلمته التي 
ألقاها في حفل تخرجه ف كلية هافرفورد أنه كان ينبغي أن يدرس الاقتصاد بجدية 
آکرء ولکنها اشتکت (علی نحو غير دقیق وفقما تبین فيما بعد) من آنه م يقل أي 
شيء عن الطبقة في أي من أعماله*“. 
غير أن الهجوم على ماركس في كتاب «الاستشراق» بدا لكثيرين أنه ينهي مسألة 
میول » سعيد الحقيقية» ففي حركة أصاب الباحثون في انتقادها حشر سعید مارکس 
في صف جون ستورت مل بوصفه رجلا يؤمن بتدني مستوی الهنود”. لکن ما على 
ار سوئ أن نظ على قراءات سعيد المطؤلة واممتأثية لكتاب ماركس بعنوان 
«الثامن عشر من برومير الخاص بلويس بوناڀارٽ« Eighteenth Brunaire of‏ 
louis Bonaparte‏ ضف اممقالة اممعنونة «في التكرار» «0ذان†»مءR 0n‏ للخروج 
بانطباع معاكس. وفي الأشهر التي كان يكتب في آثنائها كتاب «الاستشراق» كان 
دعمه للشيوعي الأماني [ماركس] قويًاء بل أمَيّل إلى الدفاع: 
قيل عن ماركس إنه رأى هذا الصراع بوصفه أمرا اقتصاديًا خالصا؛ 
هذا تزييف خطير... لقد كان يدرك تماما أن الصراع جرى التعبير عنه 
ماذيّا. وهكن وصفه بعبارات اقتصادية. ولکنه کان» في رأيي» بالغ 


315 


إدورد سعيد 


الحساسية للديالكتيك الذي يتحكم ف النتائج» وللتصوّرات غير الملموسة 
ولكنها حقيقية جدًاء وللتوافقات والتنافرات التي أنتجها الصراع. هذا هو 
الفرق بينه وبين هوبّز الذي رأى أن الحياة قبيحةء ووحشيةء وقصيرة. 
من الواضح هنا ق كل الأحوال أن سيد كان بهم الفكر البورجوازي (ممشا 
بشخص هوبز) باماذيّة الفجّة ویقول إن مارکس نفسه کان» من بین أشياء آخریء 
ناقدا ثقافيًا لا يقدر بثمن» ظھر في وقت مبکر . ما ما کان لديه من تحفظات 
فيبدو أن القصد منها كان تشجيع رق العام الثالث على التحزر من الأيقونات 
الأوروبيةء بغض النظر عن نزعتها التحررية. وكان شديد الرغبة ف أن يبين أنه ليس 
معنيًا بدا «التضامن قبل الانتقاد» وهذه عبارة كثرا ما استخدمت للتعبير عن 
مدى الشعور البورجوازي عندما يحافظ الحلفاء على الصمت إزاء أخطائهم حفاظا 
على القضية امشتركة. وبهذا كان سعيد يعني آنه حتى ماركس» وهو عملاق من 
عمالقة التحرر والالتزام الأخلاقي» مم يكن قادرا على الإفلات من اممركزية الأوروبية. 
كثرا ما جاء نقده للماركسيين من جهة اليسار» فقد اشتكى من أن أساتذة 
الجامعات أضعفوا القوة الثورية للماركسية بتحويلها إلى «أسلوب للقراءة بالدرجة 
الأولى»". وشعر بالانزعاج عندما وجد أن زبدة الكتابات الماركسية كانت تعامَل 
بلا درايةء أو تشوّه من جانب أناس يتمتعون بالحرية السياسيةء وشعر بأن من 
واجبه حمایتها. ففي تقریر یعود إلى 9 6 کكتبه عن كتاب «النقد ف البريّة» 
Criticism in the Wilderness‏ لجفر ي هار gle Geoffrey Hartmann jùj@‏ 
سيل الخال وجة مها و يخ الولف أنه «أخرج کل ما بتعلق با ماركسية وعلاقتها 
اة المغلة من اذه أا الحظة اة الملة توان «ضراع 
الحضارات» (1996( he Clash of Civilizations‏ لسامُُول هنتنغتن Sam ue[‏ 
Huntington‏ فقد عرض فکرته من دون الالتفات إلى n‏ رأس ا واقتىس 
من كتاب أوسكار وايلد «روح الإنسان تحت حكم الاشتراكية» - «ليس هنالك من 
طبقة تعي أمها حقا في حياتها» وأضاف أنه «لذلك السبب فإن مثيري الاضطراب 
ضروريون لإيقاظها من غيبوبتها». 
غير أن حسابات الاقتصاد السياسي ومعضلات الصراع الطبقي التي تتصل 
باطماركسية تؤدي دورا بارزا في کتابات سعيد عن فلسطين على نحو خاص. ففي 


316 


بضع أفكار بسيطة 
المقالة اممعنونة «مستقبل فلسطين: وجهة نظر فلسطينية» وصف ما دعاه من دون 
مواربة «دور المثقف ف الطبقة»”*. وظل يلح مرارا وتكرارا على ضعف البورجوازية 
الوطنية العربية التي عجزت عن تشكيل مجتمع مدني» ولذلك فإنها خضعت للبديل 
الذي لا يطاق ألا وهو «دولة الأمن الوطني»» فيما أخذ يهاجم العرب الداعين إلى 

حرْيّة السوق في كتاباته المتأخرة التي نشرها في صحف الشرق الأوسط. 
لذلك يبدو أن من اممعقول أن نقول إن العظم وچومسكي م يكونا مصيبين في 
قولهما إن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الماركسية م تشكل جزءا أساسيا 
من تحليلات سعيد» فهي على العكس من ذلك واضحة كل الوضوح في دراسته 
للقطاع الخاص العربي في «نهاية عملuة‏ |uJاeI« The End of the Peace Process‏ 
(2000)» وليس هناك فقط”*. لقد صدمه المستوى اممتدني للتنظيم والوعي النظري 
للمناضلين في بيروت في العام 1972ء فكتب تفسيرا بنيويًا للوضع السيْن ابتعد فيه 

عما هو شخصي أو حزي: 

[نجد] أن نمط الإنتاج ونمط التوزيع يؤدّيان إلى الاستهلاك والتفثت. 

أقصد أن ما يحدث هو كالتالي: ا أن امجتمع ليس سوى سطح» غلاف 

خارجي» فإنه لا ذاكرة له» لا إحساس بالأبعاد... ولذا فإن الإنتاج - 

للمفارقة - هو الاستهلاك... أنت نتج فكرةء منتجاء حركة» من أجل أن 

تجعلها تحدث فقط - بانتظار أن تستهلك... ليس هنالك من تاريخ . 
وهذا يعني أنه على رغم استخدامه لأماط التفكير الماركسية وجهازها المفاهيمي 
فإنه قاومها ف الوقت نفسه؛ وذلك لسبب وحيد» وهو أن أتباعها م يعملوا على 

تطویرها تطویرا إبداعیا. 

بف الال اللشن جوا موا خر من اة ار لن مجه وقد 
ذهب صدیق طفولته أندریه شارون ١٥إهط؟‏ لم۸ إلى حدٌ القول إن «التحليل 
النفسي هو مفتاح شخصية سعيد»”. وهنا أيضا نجد أن سجل تعامل سعيد مع 
فرضيات «العلاج بالكلام» وإجراءاته ناقص ولا ينتهي إلى نتيجة حاسمة. وهيل 
القرّاء إلى نسيان البحث الطويل الذي خصصه سعيد لفرويد في كتاب «البدايات» 
gÎ Beginnings‏ إسقاطه من حساباتهم. لکن سعيد أکد أهمَيّة الور الذي اذاه 
الطبيب الفيني في الكتاب وذلك ف التمهيد الجديد الذي كتبه للإصدار الجديد 


317 


إدورد سعيد 
لكتاب «البدايات» في العام 1985. وهكننا أن نرى أن وضع ذلك الور هناك دليل 
على أهمَيّة نظريًات فرويد لعمله» ذلك أن القراءة المعتمدة على التحليل النفسي 
لكونراد والكتاب الأخير الذي نشره قبل وفاته بعنوان «فرويد وغير الأوروي» 
Freud and the Non-European (2003)‏ تحد سرته المهنية من طرفیها. غبر 
أن الاهتمام الذي أبداه نحو هذا الحقل قد لا يروق لأغلبية الفرويديين بالضرورة. 

مم يحصل القراء ا متمعّنون لكتاب «البدايات» إلا على قدر ضئيل من عنايته 
الشديدة بالدلالات النفسية للغة. وعلى رغم معالجة سعيد لكتابات فرويد عن 
الأحلامء ودور الأب» وعقدة أوديب exاcomp »0edipus‏ فإن من الواضح أنه 
ينظر إلى النظام الفرويدي بصفته نظاما لغويًا نصَيًا بالدرجة الأولى. ومن الواضح 
تماما أن التحليل النفسي يعتمد على الكشف عن أسرار اللاوعي («لوح الكتابة 
ا مملوء بالأسرار» بتعبير فرويد) عن طريق التدقيق ف أصول الكلمات التي ينطق 
بها ا مريض الذي يتلقى العلاج من دون قصد منه. وبالطريقة نفسهاء ليست قوى 
الخيال عند الكاتب في نظر فرويد سوى نتيجة للتعبير عن النوازع الجنسية بعبارات 
يقبلها ا مجتمع. ويستشهد كتاب «البدايات» بفرويد للتحرر من التقاليد الأدبية 
بالكشف عن الدوافع الكامنة خلف حركة السرد زمانيًا ومكانيًا وجعل الأفكار 
مساوية للرغبات". أما الحركات التي قد يربطها ال مرء بالقراءة التحليلية نفسيًا 
(مثل استقصاء الأعراض اممكبوتة» أو تركيز الطاقة النفسية على شيء واحد أو فكرة 
واحدة. أو نواع العصاب السايكوسوماتية*' فلم تكن ذات أهمية لسعيد. 

غير أن جهوده كانت تعود إلى أسباب شخصية وليست فكرية فقط. فقد بدأ 
سعيد بالتحليل المكثف ف أثناء ا مرحلة الجامعية الأولى ف پُرنستن وبقي تحت 
العلاج بقية حياته. فالاضطراب الذي نتج عن أب کان یحس أنه بعید غبر 
متعاطف» وامعرفة الجنسية التي تعرّض لها بعد تو من أحضان أمه الخانقة 
کے کل ا وره فن ولكنه شعر أيضا بتوتر يصعب حله ناجم عن صعوبة 
التوفيق بين متطلبات السياسة التي لام نفسه لعدم فعل ما يكفي لها ومتطلبات 
الحياة الفكرية التي مم يكن بوسعه العيش من غيرها. كذلك كانت عاداته في الكتابة 


(٭) آي التي لها أعراض جسمانية ذات أصل نفسي. [المترجم]. 


318 


بضع أفكار بسيطة 


مصدرا آخر للعذاب» فبدلا من السماح لأفكاره بالتفتح عبر وضعها في مسؤدات 
متتالية فإنه اختزنها في ذهنه وأطلق أجزاء منها ف الحديث إلى أن مم يعد قادرا على 
حبسهاء فأخذ يسجُلها في تيّار دافق من الكتابة. وعلى رغم آنه عاش في عذاب فإنه 
م يسمح لكثيرين برؤية هذا الجانب”. 

كان قد أغرق نفسه في أدب التحليل النفسي ف أوائل السبعينيات» واحتفظ بقانمة 
طويلة من المصادر وام مراجع التي تضم أحدث ما صدر منها حتى العام 1973 - وهي 
قانيمة كان قد أعدّها في «مركز الدراسات النفسية للفنون» التابع لجامعة يفلو" . كان 
ذلك في جانب منه» كما كشف في مقالته بعنوان «الفوضى المحافظة عند سُوفتُ» 
لأنه كان ينوي في دراسته عن شُوفْتُ أن یکتب تفسرا نفسبًا قد لا یکون املا وة 
سيحاول على الأقل ”أن يصف ا التي جعلت مدى الحالة النفسية عند سُوفتُ 
ممكنة. من الاهتمام «بالحريّة العادلة إلى الهوس بالفوضى»*. ونحن تعلم آنه كان 
مشغولا في شهر أكتوبر من العام 1968 بإعداد دراسة (م تز النور) عن الصلة بين 
اللسانيات وعلم النفس وعلم الطب النفسي لكي تنشر في ذا هدسون ريفيو 11 
Hudson Review‏ وکانت النبَّة أن تضع هذه الدراسة في مواجهة مع محاضرات 
لاكان التي آلقاها في روما في العام 1953 ونظریات چومسكي”. وهذا مما جعل 
صداقته الوثيقة مع زميلين مختلفين تمام الاختلاف من حيث السن والسياسة وا مشاعر 
العامة هما آلن بېرغسن 01ء8¢g 411e‏ وجاكکلىن روز ne R0se‏ iاcqueهل‏ أولهما 
محلل نفسي e‏ والثانية ناقدة أدب من وجهة التحليل النفسي... أمرا طبيعيًا. 

أمّا ما قد يغفل عنه حتى أشذ قرّاء البدايات انتباها من الناحية الثانية فهو 
الطبقة العربية التحتية لكل مغازلات سعيد مع النظام الفرويدي. فقد كتب في 
العام 1972 لسامي شكوى مريرة قال فيها: «م ينتج العرب من ابن سينا وابن 
علدو (اللاين امكارا من أسطئ أي كرا عن امل وخا موضوع غل 
يؤرقه باستمرار ويزيد من تصميمه على تصحيحه. فعلى الرغم من أن المستشفيات 
العقلية المتقدّمة والروايات النفسية الممتازة التي أنتجتها الثقافة العربية فإنها 
«ظلت مفتقرة إلى علم النفس» في نظريتها الاجتماعية”*. لكن سعيد امتدح 
محفوظ للعمق النفسي في تصويره للشخصية وفي القدرة على التعبير عن «النمط 
الخاص للتجربة النفسية العربية». 


319 


إدورد سعيد 


من أقوى الأشياء امتعلّقة بالثقافة الغربية إقامة الكيان كله على 
نظرية فعّالة للعقل الإنساني... ففي غياب هوية للأنا وثبات لهذه الأنا 
تكون العلاقات عابرة. وما يقال يكون صحيحا في أثناء اللحظة ومن ثم 
موت (مجازًا). والصلة بين اللغة والواقع لا يجري بحثها أبدا*. 
هذه الإمكانيات المدنية للتحليل النفسي كانت هي التي ركز سعيد عليها. فقد 
آرت فيه» على سبيل ال مثال» مقالة إرك ارسق Erik Erikson‏ بعنوان «أول ل 
First Psychoanalyst (1956) «lui‏ مط1» لاسيما نظريته الخاصة بصراعات 
الهوية داخل الأنا وما ينتج من خلط حول دور الفرد المنتج في ا مجتمع. ففي رأي 
رويك کون الزات اا3 أي هي الترفل انرنة الياة اة أا 
إركسن فيرى أن حاجات الأنا النفسية هي لإشباع الرغبات ذات الطبيعة الاجتماعية. 
وصف سعيد هذه الأبعاد المدنية للتحليل النفسي بعبارات أوضح ف الحواشي 
التي وضعها لكتاب «البدايات». فقد لاحظ أن فرويد أراد أن يكون محامياء أو 
سياسيًاء أو مُشّرعا قبل أن يختار دراسة الطبّ» وعندما تفي من النمسا في العام 
8 حمل تحت إبطه مخطوطة عن موسىء ا مشرٌع الأكبر. وقد لاحظ سعيد من 
هذه الزاوية أوجه الشبه بين التحليل النفسي وكتاب «العلم الجديد» لفيكوء ذلك 
أن فيكو ربط نفسية البشر في حقبة ما قبل التاريخ بدراسة حياتهم الاقتصادية. 
وتأله العمل في أسطورتي هرقل وقلكن*' مثلا وبين أن الخوف من الرّعد قاد البشر 
لوال تاجن الطبيسة ف الزراعة وما راه سيد علد فكو الاحظته تة أرزك 
ها ورمفه عار ولج با اه وای ااجعة فر اف 
كان اهتمامه» وفقا لوصفه» ينصبٌ على علم النفس السياسي أكثر مما ينصبُّ 
على التحليل النفسي. وقد وجد نمموذج في مقالة نديم روحانا بعنوان «الأسس 
النفسية للسلوك lunllسa« «Psychological Bases of Political Behavior‏ 
وفيها أراد الكاتب أن يفسر العوامل الداخلية ل«الإنكار» الإسرائيلي - وهو إحلال 
المسؤولية عن عذاب الآخرين باستعادة ذكرى قومهم”*. ولذاء فإن سعيد أصاب في 
كتابه «فرويد وغير الأوروبيين» حيث يجري تصوير فرويد ليس باعتباره المستكشف 


(*) هو في الأساطير الرومانية إله النار والأشغال امعدنية. [المترجم]. 


320 


بضع أفكار بسيطة 


الجريء للاوعي بل بوصفه شخصا أثار الشك في تفرد الانتماء اليهودي بإبداء 
ملاحظة تقول إن موسى كان مصريًا. ولرما أعاد اليهود أصلهم إلى إبراهيم» ولكن 
ديانتهم التوحيدية جاءت «من الخارج» من غريب عظيم»“ 
نهض فرويد بصفته شخصا تحدّى بصراحة ما يقال عن أن اليهود غرباء عن الثقافة 
الأوروبية؛ إنهم» وفقا لرأيهء جزء من نسيجهاء ولذلك فإنهم ليسوا غرباء. أضف إلى 
ذلك آن فرويد آبدى غضبه على الصهيونية آو آبدی مخالفته لها - فکتابه «موسی 
والديانة التوحيدية» يشكل محوا تاريخيًا لانسجام الهوية القَبّلية بحدٌ ذاتها لأن 
مؤسس الدين كان في الحقيقة غريبا وليس أوروبيًا"'. لقد أشار الكتاب إلى تشابه 
التجربة الفلسطينية واليهودية. 

ولن كان التحليل النفسي في نظره «نصّا» پعنى آنه تعلم من استراتیجيات 
الكتابة عند فرويد. فإنه كان في الشرق شينا عالي القيمة بذاته ولو بطريقة أقرب 
إلى الاجتماع والسياسة مما يسمح به تركيز فرويد على نفسية الفرد. وعندما اقترح 
کارل براون سه8 1ءه٤»‏ أحد مراسليه الأكادهيين» عقد مؤتمر عن التحليل 
النفسي في العام 1972 فإن سعيد تحمس للفكرة ولكنه أراد إعطاء اهتمام خاص 
لجاب العري هن الحقل»". وكان سيك حمسا لدف براون امتضمُن 
الكشف عن كثير من إساءة استخدام التحليل النفسي في الشرق الأوسط ها في ذلك 
التعذيب النفسي الذي استخدمته قوّات الاحتلال في الجزائر وتستخدمه في الأراضي 
الفلسطينية المحتلةء فضلا عن الكليشيهات الفرويدية التي تتحكم في تغطية كل 
تلك الأعداد من وسائل الإعلام الغربيةء كما حدث عندما نسبّت دوافع ناصر في أزمة 
امرون ال هة لابه وة حا ومن دفات اا وان عك اا 
في التحليل النفسي لا يعرفون اللغةء ولأن معظم من يعرفون اللغة لا يعرفون شيا 
عن التحليل النفسي». 

على رغم كل ما وجده سعيد في التحليل النفسي من جاذبية فإنه كيه ليتوافق 
وما يريد. قرأ أندريه غورين ١٠٠إ6‏ 6إلص4ء ال مختص ف التحليل النفسي واممولود 
في القاهرة لأبوين يهوديين علمانيين» والتقى کرستفر ڊaلۈس «Christopher Bollas‏ 
ملف المفهوم النفسي الحديث المهم» وهو مفهوم «المعروف الذي مم يخطر على 
البال »1 unthought know‏ ”'. وکان فی ذلك الوقت على معرفة حتی بطرق 


: وق الوقت نفسه 


321 


إدورد سعيد 


العلاج غير اممألوفةء ولكنه شن حملة ضدّها. كان الجانب الممهم من فرويد في نظره 
هو فرويد المؤلّف صاحب الأسلوب المتميّز وليس صاحب نظرية خيالات الطفولة 
وقدرة الأحلام على الإبداع. وكتب ف رسالة لبراون عبارة مضللة متكرّرة تقول إن 
الشعراء هم أول من مارس التحليل النفسي. وفصل القول في هذا الرأي على نحو 
حَذر في توطئة أطروحته عن کونراد (في فقرات حذفت من الكتاب)» وقال «إن 
الجدل ضد التحامل الذي يکنه نقد أعمال كونراد على التحليل النفسي لا يزيد على 
كونه إدانة لتلميذ الساحر»”'. باختصار» مهما كان السحر الذي أنتجته اممدرسة 
الفروندية من النقاة فإنه كان مستة مق معلمهم (كرذراة ق هته الحا وهذا 
هو السبب الذي جعل سعيد يحتفظ بإعجابه بقوة الساحر التي تخضع لسيطرته. 
وعلى رغم كل ما قدّمه التحليل النفسيء فإنه لا يسلم بأن العقل «هكن 
استرجاعه بالحفر النفسي»"“. فقد صدمه مشهد التحليل النفسي في نيويورك الذي 
كانت له فيه جذور عميقة تعود إلى بدايات سيرته العلميةء ففي 9 يناير 1966ء أي 
بعد سنوات قليلة من التحاقه بهيئة التدريس في جامعة كوممبياء وَصَفَ سعيد حفلة 
آحييت في بيت زميل له على النحو الآن: 
كنت أراقب في تلك الليلة في بيت كونتن أندرسن نامع 
صمإ#لم4؛ اللباقة. والاستخدام الواثق المعتز الاستحواف متسلحين 
روید من خلال تفن مارک Steven Marcus‏ ورچرد ھوفستاتر 
Richard Hofstadter‏ واقتنعت بأن فروید قد استبدل - او (مثل 
إنشاء دولة إسرائيل) حقّق العهد القديم لليهود. أرض امميعادء المخلص. 
البساطة قق الأازه قق غلم فم تمن كل الشات 
ا کو ا کا وا وو ق ن ت 
عندما تتحقق» هم أنفسهم - إسرائيل. يا للكمال والبساطةء إنه نظام لا 
يقاوم نظام لیس جذابا فقطء بل خبيث. يجب الابتعاد عنه مهما کان 
الثمن. (التأكيد لسعيد)"'. 


(*) تشير عبارة «تلميذ الساحر» إلى قصيدة لغوتة بعنوان ع٣‏ ناإطء (e Zu]‏ اعتمد عليها امموسیقار پول 
دوكاس في واحد من أجمل مؤلفاته ال موسيقية. [امترجم]. 


322 


بضع أفكار بسيطة 


بدلا من السعي إلى الدخول في هذه الدائرة الخاصة تحوّل سعيد إلى آيرك 
دويچر Deutsche‏ cھه!‏ الذي قال في کتابه «الیهودي غير الیهودي» 11e ×N0”-‏ 
(1968) سر طسم: إن الوضع القلق والشعور بالغربة داخل أوروبا أعطى يهودا 
من آمثال سپينوزاء وماركس» وتروتسكي» وفرويد موقعا متميّزا وسببا للمقاومة 
ومن الممكن تفسير نصرهم الفكري بالرجوع إلى تهميشهم الاجتماعي بأفضل من 
تفسيره بالدوافع الغريزية أو الإرادة الربانية“'. 

على غرار التحليل النفسي» شكلت الحركة النسُوية في حياة سعيد امهنية مسألة 
مؤرقةء وتداخلت إلى حدٌ ما مح التحليل النفسي بصفتها استقصاء للرغبة والحياة 
الجنسية وتشكيل الذات. وكانت التزاماته نحو «قضية المرأة» ذات عمر أطول 
زاوف ا عه ارون وک عات د ن کو ا اة من اه 
طك خان اتضال هه ج طوبك عن هة الاخ نوكر «كن محبد من 
أنصار الحركة النسوية» ليس فقط لأنه كان محاطا بنساء متميُزات وعمل معهن 
بصفتهنْ أندادا له واعترف مساهماتهنْء بل لأن النساء كن فئة خاضعة”". أما 
الحركة النسوية الأكادهية الأمريكية فلم تقنعه قط. وقال إن المشاركات السياسية 
التقدمية لأناس مثل میشیل بارت 84۲۲٥٤‏ e[غطcنM‏ قي بریطانیا م تجد فی الأغلب 
من يتابعها في فرنسا أو الولايات المتحدة حيث «أصبحت مسألة الجندر (مسألة 
الذكورة والأنوثة) مسألة ميتافيزيقية ونفسية». كذلك م يغب عن ذهنه أن 
ا موجة الأولى من الحركة النسوية عملت جنبا إلى جنب مع الإمبريالية» لكن من 
ناحية أخرى» وفي ظل ظروف مختلفةء كانت قضيّتهن جزءا من قضيّته. فقد عمل 
سثوات لتاسيسش مرکj‏ ا)صادر lıill«ء Women's Resource Center‏ ق الضفة 
الغربيةء وسرعان ما اعترف بالدور المركزي الذي أذته النساء في الانتفاضة". 

وقد كان من رأيه أن الممؤيّدين لن يغضبهم شيء سوى الجرآة ا مفرطة للحركة 
النسويةء مثلما حصل معه بصفته فلسطينيًا عندما أصرَ على أن اليسار واليمين ليسا 
القطبين الوحيدين في السياسة. كان وضع الفلسطينيين يشبه وضع النساء من حيث 
«الغياب والصمت» اللذين تعانيهما الفئات الاجتماعية غير المرغوب فيها بفعل 
الاستبعاد امتعمد المبرمج"". وقد ظل سعيد طوال عقد الثمانينيات» بعد أن أخذ 
يفقد الاهتمام بالنظرية الأدبية» يجد في الحركة النسوية ظاهرة تتضمّن «محاولات 


323 


إدورد سعيد 


جديدة جريئة» تثير الاهتمام لعمل شيء من وجهة نظر تاريخية تستخدم 
ا محاكمات العقلية والوسائل التي كثيرا ما كانت تتجاوز الأعراف السائدة»*'» 
وکثىرا ما أشار إJ‏ كتا The Mad Woman in the Attic‏ »Îyklةö‏ المجنونة في 
العلَبَةَ»* (1979) من تاليف سانّدرا گلبرت ۲ءطلا لم8 وسورّن غوبار 
Susan Gubar‏ إل جانب کتاب )1989( Plotting Women‏ لزميلته في جامعة 
کوطبیا جین فرانکو ۴۲۵۲٤٥‏ ۸ه٥[»‏ ومجادلات جون ت Joan Scott‏ «اممدهشة 
المملوءة بالحيوية»» وكتاب «الجنس الاجتماعي والثقافة والإمبراطورية» ,لم6 
Culture and Empire (1986)‏ لن کالويٰ Helen Callaway‏ وأعمال إیلین 
سكسو 08× "غ16 وغیرهاء و أعمال جعلت من غير الممكن... تجاهل 
قضايا الجنس الاجتماعي في إنتاج الفنْ وتفسيره'. 

تحصل أي امرأة في مَجْمّع عُظمائه على مرتبة تعادل مرتبة فيكو طبعاء 
ولكن دور النساء ولاسيّما في النقد اموسيقي» حصل على قدر كبير من التركيز. فقد 
شجعه کتاب کاثرین کلمت Catherine Clement‏ بعنوان «الأوپرا: تدمیر النساء» 
Oper: he dein af Women (1979)‏ على رفع صوته ضدٌّ الأماط التي 
تثير الأعصاب في التراث الكلاسيكي الغربي حيث صورت النساء إما «بصورة الملهمةء 
المُعينةء المساعدةء المُحبّةء الأدنى مرتبة» موسيقار شهير» أو الساحرة التي و 
الغواية والدمار» - كما «لولو» ساسا لألبان بيرغ چ8 مطل أو «سالومي» 
Salome‏ لرجَرّد شتراوس Ss‏ 2۲4طRic“".‏ وعند الانتقال من الثيمات إلى 
المؤسسات علق على ندرة الأعمال المهمة التي تتناول دور النساء في إنتاج الموسيقى 
وأدائها. واشتكى سعيد من أن النظرية النسوية مم ثبد من المعرفة والحذق ف النقد 
لومي فدرم أن ف حل آع و كن الك ار اماجع لان وة 
ا موسيقى الكلاسيكية الغربية كانت «حقلا ذكوربًا... شديد التنظيم»*". هل تعلي 
أوپرا فيديليو لبيتهوفن من شأن النساء أم تحتقرهن؟ م يكن سعيد واثقا فاتجه 
(#) العليَةَ نه في طرز العمارة الغربية التي تجعل السقف مائلا انّقاء تراكم الثلج والمطر تجعل المساحة الواقعة 
تحت هذا السقف «غرفة» ضيقة تودع فيها الأشياء التي لا حاجة إلى أهل البيت بها. وعنوان الكتاب ال مذكور يشير 


إلى شخصية في رواية جين آير للكاتبة شارلوت برونتي» وهي شخصية صارت رمزا لوضع النساء قي المجتمع قبل ظهور 
الحركة النسوية. [امترجم]. 


324 


بضع أفكار بسيطة 


بصره نحو النقد النسوي بحثا عن جواب*". وتبادل الرسائل بانتظام مع روز 
نۆك Re Subotnik‏ وهي في طليعة الداعين إلى ما يدعى نقد «امموسيقى 
الجديدة طافا التصيحة ومسستغلا ما لدية من تافر لبها موننا: 

كذلك شعر ب «التوأمة» (بتعبيره) مع عاممة الاجتماع جلين روز التي بهرته 
إحاطتها بالفلسفة مثلما هرھ أسلوبُها الفکري الذي لا يتهاون باي شيء - وكانت 
قله کد کارت بادورلی كما كانت مله فقت ما د التيوية مقا حه فة 
به”"'". أما من الناحية الشخصية» فقد كانت النساء أقرب من كان يفضي إليهن 
مكنون نفسه حتى قبل وفاة والدته» وهذه حقيقة قامت على أساسها حقيقة 
شعوره العميق بأن دَيّنه الشخصي واممهني يعود إلى النظرات الثاقبة التي مم يت له 
بها سوى النساء والشعور بالراحة في وجوده معهن*". فعندما طلب ال مشورة اتجه 
للنساء ولیس للرجال. ومع أنه اشتکی من أن علاقته بأخواته «م تکن على ما يُرام» 
فإنه كان يتحدذث معهن بحرَيّة حتى في أشد الأمور في حياته خصوصيةء للاعتراف 
أحياناء وللتبجًح في أحيان أخرىء ولكن طلبا للنصيحة في كل الأحوال*". لقد أذى 
اجه إل الخبه والتقة إل ذش اقات حميمة لا تقل نها من اتا 
المي عن تاعا السباسة = وكلمات طارق غللنء كان فظرعاه من حيث 
الحاجة إلى «اممديح»'. 

كان انتقاد سعيد للحركة النسوية الأمريكية أشدٌ من أن يسمح له بأن يضعها في 
موقع بارزء لكنه حافظ على احترامه للبحث العلمي الذي أنتجته النساء على رغم 
تجاهل الآخرين له وعمل على فتح الأبواب للنساء مهنيًا. وكان زميل له في قسم 
الفلسفة هو عقيل بلغرامي قد شارك سعيد في تدريس بعض المواد ف السنوات 
الأخيرة من حياته. اقترح بلغرامي أن يدرّسا سمنارا معا عن الحركة النسوية بينما 
کان هو وسعيد يتمشيان في شارع مخصص للمشي في الكليةء رها لأنه كان مدركا 
لهذا الجانب من تفكير سعيد» وهو جانب مم يكن معروفا إلا لقلة من معارفه”. 
توقف سعيد في الطريق - وهي حركة كيرا ما لجأ إليها - وفتح فاه كأنما ليقول: «لا 
تقل لي». كانت الحركة غامضة المعنى إلى حدٌ ماء لكن مع أن بلغرامي كان يحاول 
استثارته فان سعید م يضحك وم یرفض. لرها کانا سیفقان على تدریس السمنار - 
من الضحب القطع ف ذلك ققد فون سبد قل أن فاح ها الفرسة 


325 


إذوزد سعيد 


326 


10 


العالم الثالث يتكلم 


سمفونية حقيقية من الأصوات الممتنافرة 


سعید: «القلعة »۳ 


كن القول إن اة العرن القل هة 

بلغت ذروة مجدهاء باستثناء السنوات التي 

حكم فيها كارتر في الدورة التاسعة عشرة 

للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت 

في الجزائر ف العام 1988 وهي الدورة التي 

سُميت بلقاء الانتفاضةء وفيها فم يعد الموفدون 

ينتظرون القوى الكبرى وقبعاتهم في أيديهم 
٠ a‏ لتعترف بهم» فأصدروا إعلان الاستقلال وأسسوا 
الثالث من ذلك النمط - حركة تعلمت دول قاسطة من جائب احا د وا 


فة الرموز لاجتذاب أتباع كثر من 
جميع أنحاء العام اعترافهم الرسمي بالدولة اليهودية القاثمة. 


327 


إدورد سعيد 


وقبلوا قراري الأمم المتحدة الرقم 242 والرقم 388 اللذين اعترفا لإسرائيل بحق 
العيش «بسلام داخل حدود آمنة معترف بها» في مقابل انسحاب إسرائيل من 
الأراضي التي احتلتها بعد العام 1967. ومن ثم توافق جميع الجهات على إنهاء 
«جميع الأنشطة العسكرية». 

كان يه هو الى غار منظة الترير الفلمطة لكان الأخبار اة 
وبصفته ا ممثل الفلسطيني على البرنامج البارز «نايت لاين» ٤11#‏ ع1× الذي تبثه 
قناة «أي بي سي» 48٤‏ يوم 15 نوفمبر فإنه نقل الخبر بحماس من الجزائر بعد 
الإعلان بلحظات» وم يكن في أي وقت مضى على تلك الدرجة من الوفاق مع قيادة 
منظمة التحرير. وبالفعل قدّمته اللقطة الافتتاحية للبرنامج وهو يجلس على مين 
عرفات. كان يجلس هناك بصفته مستشارا مؤتمنا يناقش مسودات وثائق يحملها 
عاو م س له ماف الك اة و فل عل الاكة 
وف تناك البرنامج وینما ركرت الکامیرات غان موچر عرقي له وسماء الجراثر 
في الخلفيةء وأخذ يشرح الموقف الذي اتخذه على الدوام والذي أصبح الآن جزءا 
من الموقف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية: «دولتان» واحدة عربيةء والثانية 
يهودية... تتقاسمان فلسطين بينهما وتتعايشان بسلام». 

مم يدم إجماع المجلس الوطني طويلا فما لبث سعيد أن تنبا بعد ذلك بوقت 
قصير في مقابلة نارية في أكتوبر 1989 مع صحيفة «القبس» الكويتية في باريس أن 
القيادة الفلسطينية كانت تدفع بالحركة إلى حافة الهاوية". وكان هو وأبو لغد 
«مشمئزين من الإهمال والفسادء والعجز» الذي تتصف به قيادة أخذت تتصرّف 
تصرف المستعطف» وتعامل الحكومة الأمريكية كأنها «الأب الأبيض الكبير» بينما 
كانت الولايات امتحدة تتصرّف كأنها محامي المصالح الإسرائيلية. كان سعيد «هلاً 
عيني عرفات وأذنيه» بالأخبار عما كان ينقصه منذ خمسة عشر عاماء ولكن من 
دون جدوى» وكتب للديبلوماسية الفلسطينية ليلى شهيد في العام 1991 للتعبير عن 
الشكوى نفسها: «م يكلف نفسه عناء طلب النصح من أي منا... ما هذه القيادة؟»”. 

وقد زرع اجتماع العام 1998 نفسه بذور الشقاق. فقد وافق الجميع على أن 
إعلان الاستقلال الفلسطيني من طرف واحد وتكليف منظمة التحرير الفلسطينية 
مهمات الحكومة المؤفتة من شأنه أن يضيّق خيارات إسرائيل؛ لأن العنف الذي 


328 


العالم الثالث يتكلم 


سترتكبه ف تلك الحالة سينظر إليه باعتباره اعتداء على سيادة ذلك الشعب وليس 
على أنه إخماد لتمرّدات داخل مناطقها. وقد كسب ذلك امموقف دعما هما من 
جيروم م. سيغال اهعء5 N.‏ ء٣‏ ٥ء[‏ وهو باحث في معهد الفلسفة والسياسة 
العامة في جامعة مَرلندء كان قد نشر سلسلة من الافتتاحيّات في صحف «نيويورك 
تاهز»» و«لوس اجا تامز» و«واشنطن پوست» اقترح فيها خطة تکاد تکون 
مطابقة لتلك التي تبناها ا مجلس الوطني الفلسطيني“. وتركز الخلاف على كيفية 
تعامل الحكومة مع الانتفاضة نفسها؛ إذ ها أن القاعدة الشعبية قد اتخذت موقفا 
ثورذًا واجه فيه الشباب الفلسطينيّون الدبّابات بالحجارة واممقلاعات» فإن إسرائيل 
في الواقع هي التي احتاجت إلى عرفات وليس العكس. أما وقد وجد عرفات الآن أنه 
موضع أهتیاء جدید فإنه أخذ يؤذي دور «اممعتدل» المستعد طبادلة الأرض بالسلام 
«وليعمل ما بوسعه لتهدئة الشباب الفلسطينيين»”. أما سعيد فقد أراد تشجيع 
الغليان الثوري وليس تهدئتهء ولذا فإنه أخذ يستعمل لهجة الاتهام في خطابات 
ألقاها يقول فيها إن الانتفاضة «كانت أعظم تمد منضبط ضد الاستعمار في هذا 
القرن» (وهو رآي یکن مؤيْدوها أنفسهم یتفقون فيه معه). 

على أن الأمور تعقدت بنشوب تودّرات سياسية مزعجة. فبينما كان بش الأب 
يستعدٌ لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط مع الغزو الأول للعراق في أغسطس 
0 استقبل سعيد سقوط سور برلين في العام 1989 مشاعر مختلطة. فقد رحب 
في البداية بتلك الحادثةء ورأى مشابه بين أحداث أوروبا الشرقية والانتفاضة”. 
لكت مع هرر الوك وج أن من اأقفل أن ينض إل ال الط رالرى 
جان فرانسوا ليوتار الذي امتدح بعد سقوط السور انتصار الرأسمالية الأمريكية في 
سلسلة من «الحكايات التي تنتمي إلى ما بعد الحداثة»*. لكن سعيد استمتع فيما 
بعد بالسخرية من ليوتار لإشاعته الفكرة القائلة إن من الأفضل أن يعيش الممرء بلا 
اقتناعات» وإن القضايا النبيلة خطرة وإن الثقافة الاستهلاكية تؤذّي إلى الشعور 
بالحرْيّة. هذه الأفكار التي أشاعها سقوط الشيوعية دعاها ليوتار فيما بعد ب«حالة 
ما بعد الحداثة» وقد جعلها سعيد هدفا متكزرا لسهامه في عقد التسعينيات. 

في يونيو من تلك السنة توفيت هلداء والدة سعيد في واشنطن بعد صراع مع 
السرطان على مدى سبع سنوات. وکانت أخته غرّيس» التي كانت تعيش آنذاك 


329 


إدورد سعيد 


في العاصمة» تعتني بها بکل تفانء وکان سعید کٹیرا ما يزورها قادما من نيويورك. 
كانت تفع رعا وة لوا الکو با یی ف ف غریی انت 
تتبادل المكاممات التلفونية مع ابنها لساعات. وكانت غرَّيس تسأل: «ما الذي 
تتحدّثان عنه طوال الوقت بالله عليكما؟»” وكان يجيبها إجابات غامضة: عن 
هذ الشيء وذاك. وهم تكن أخته تفهم كيف هلآن الوقت» ولكن الأحاديث كانت 
في معظمها عن أخبار الناس» فهي كانت بحاجة إلى ما يلهيهاء فهي على غرار ابنها 
كانت تجد صعوبة في الخلود إلى النوم. كان هو يستثير ذاكرتها عن ناس يعرفهم» 
ولكنها كانت تعرف أنه ليس مهتما بتبادل الأخبار بقدر اهتمامه بالحاجة إلى 
العلاقة الحميمة التي تجمعهما. وفي الأسابيع الستة الأخيرة من حياتها انتشر 
امرض في مخهاء ففقدت الوعي في معظم الوقت» وعلى رغم ذلك فإنه بقي إلى 
جانبها مع غرَّيس بانتظار أن تصحو. وبعد سنوات عبر عن إعجابه بشجاعتها 
في رفض العلاج الكيميائي على رغم إلحاح الطبيب» فقد كانت تقول: «لا أريد 
العذاب الذي يأ معه». 

کان موتها أعمق أثرا ا حمله من معان رمزية. فقد قضت هلدا آخر ست 
سنوات من حیاتها تتنقل کالبدو الرْخَّل بین بیروت وواشنطن ونیویورك. فضلا على 
رحلات جانبية تزور في أثنائها الاختصاصيين ف لندن. وكانت قد مُنحت الجنسية 
اللبنانية في الخمسينيات» شأنها شأن الكثير من الفلسطينيين ولذلك فإنها م تكن 
بلا وطن من الناحية الرسميةء ولكن الفيزا الأمريكية تطلبت أن تغادر البلاد وأن 
تعود من جديد"". وما كان أبناؤها قد حصلوا على الجنسية الأمريكية من قبل فقد 
كان من السهل عليها أن تحصل على الجنسية بدورهاء ولكن ذلك تطلب المكوث 
الإجباري بمدة سنة في كل مرّةء فلم يرق لها ذلك. غير أن مرضها جعل السفر من 
الولايات اممتحدة وإليها مستحيلا ولذا فإنها تجاوزت امدّة المسموح بها ف الفيزا. 
وهكذا بدأت دائرة الهجرة والتوطين إجراءات الترحيل مع أنها كانت مَسَخاة على 
فراش المموت. ولم يجعل تلك الإجراءات نوعا من العبث إلا موتهاء على رغم أن 
القاضي الذي استمع إلى كلام الدائرة الأمريكية أسمعها كلاما قاسيا بسبب ما أبدته 
من قسوة القلب. 


KKK 


330 


العالم الثالث يتكلم 


عمل سعيد على نحو متقطع على رواية عن الخيانة ما بين العامين 1987 
و92 ”. ومع حلول ا التسعينيات» وفق ما قال ممريم مزات عديدةء كان 
موضوع الخيانة قد تداخل مع موضوع آخر يركز على عجز الرجال من العرب 
(وهو يناسب حقبة ما بعد أوسلو)» ولكنه في النهاية تخلى عن المشروع. كانت 
الخلفية المختارة للرواية هي بيروت عشية الأزمة السياسية التي نشبت في العام 
8 وکانت الرواية سترکز علی ابمکائد - على شيء أشبه بروایات جون لو کاریه 
gÎ John le Carré‏ غرم غرین Cm Greene‏ ولکن بطابع شرق أوسطي» 
ولو أن شخصيّاتها الكثيرة المستمدّة من بلاد متعدّدة جعلت من غير الممكن 
تجاهل رواية نوسترومو ١٠٥٥۲ء0"×‏ لكونراد الكامنة خلف اممشاهد واممواقف. 
كانت الحبكة ستتناول التجسُّس» وظلم الشرطةء والإذلال الذي تسبّبه السياسة 
بصفتها عناصر الحبكة الكبرى لكنه في النهاية م يكمل منها أكثر من 45 صفحة 
ومن بينها ملاحظات تفصيلية وملخصات للصفحات التي م يكتبها. وكانت القصة 
الكامنة خلف كل ذلك قد حدثت فعلا: ففي العام 1958 طالب اممسلمون والدروز 
اللبنانيون تحت تأثر الناصرية الصاعدة بانضمام لبنان للجمهورية العربية امتحدة. 
لكن كميل شمعونء المسيحي الماروني» استجاب بأن طلب تدخل الولايات ا متحدة 
عسكريًاء وحدث ذلك في 15 يوليو» وبقي الأمريكيون في لبنان إلى أن هدا القتال 
واستقر وضع حكومة شمعون المموالية للغرب. 

في هذه الخلفية تدور الرواية حول اختطاف طالب طب شارك في 
الاحتجاجات الطلابية ضدٌ آيزنهاور ودّلس» ويخونه مخبر» ويؤخذ إلى سجن سرّي. 
ف و وا ا م و اه ا ق ا ي 
طالب الطب هذا يذكر بالطبيب القاهري فريد حدَّاد الذي فُتلء بينما تمل إملي 
آم فريد هلدا وهنالك أيضا قريب ف موقع قوي ولکنه م يعد على وفاق مع 
العائلة» وهو ميشيل سابا الذي يتصرف بشيء من العنجهية. يظهر ف أول الأمر 
في مكتبه وهو يقرا مواعظ القديس يوحنًا فم الذهب» ويلقي المحاضرات على 
كل الناس من حوله عن شرور الشيوعيةء وشخصيّته لا تكاد تخفي شخصية شارل 
مالك. سابا مهتم كثيرا بتنصير فريد صاحب الشخصية القلقةء وبعد إجباره على 
الخضوع يسلمه للأمريكان. 


331 


إدورد سعيد 


ما سعيد نفسه فهو مزیج غامض مشوه من شخصيتين مختلفتين - أسعد 
فرانکب (وهو «نقيض» فريد وفق ملاحظات سعيد) وهو شخصية «حرباوبة» پارثر 
كثيراء ويقيم علاقة غرام مع صحافية مرتبطة بجاسوس آمريکي سڙي» وصدقي» وهو 
رجل في الخمسين يحمل شهادة دكتوراه متميّزة في الفلسفةء وتثير كتبه المنشورة 
الكثيرة وسمعته الدولية زملاءه في بيروت لأن يذلوه بأن يطلبوا منه الحصول على 
شهادة الثانوية العامة المحليّة قبل السماح له بالتدريس ف الجامعة. 

طا اجره اماف من الروانة كرد لا تقر شمن للاطلك غلل مقاصةه 
الجمالية فضلا عن ممحة من السخرية من الذات التي تظهر هنا وهناك. فوفقا ما 
تقوله ملاحظاته» ټمکنت أفضل الكتابات الفلسطينية من الحفاظ على التوازن بين 
«الكلاسيكي/ العالمي والجديد/ الخاص بامموقف» - آي إنه يحتل المسافة الوسطى 
بين الواقعية الوحشية والطقوس”". فبيروت لا هكن أن تمثل إلا نفسها في الرواية 
ا مكان الحرف الذي يجمع المتعة ذات الصبغة العامية والكفاح والمهانة اليومية. 
ولكنها تمثل أيضا «مسرحا عربيا في طور الظهور». أما فرانكوب فليس شخصا بقدر 
ما هو نمط إشكاليء «الرجل الممتحرر تماما» الذي «همكنه التخأص من أي شيء من 
دون أن يراكم تاريخاء. آما صدقي» وهو أكثر الشخصيّات رمزيّةء فيمثل المثقف 
الغربي الذي «انقطع عن العرب والغرب» وهو على وعي باليهود... عاجز عن التغي 
وأصدق من أن ينتمي». ولئن كان صدقي أَقلٌ إثارة للنفور من فرانكوب (الذي 
نكتشف فيما بعد أنه هو الذي خان فريد) فإن سعيد لا يقل قسوة في تصويره 
(مع ممسة إضافية من العظم) على آنه مجادل ذو أصول أرستقراطية» رجل «م 
يتعلم كيف بُلغز أو يلمُح... أشبه بفيل مشي على العشب». وفي تعليق جانبي 
ا a‏ ا افتقاره هو إلى الأصالة فيصف الشخصية التي تمثله بحيث يبدو 
«مفرطا في الطول» بجسم مكسو منتجات ليفيز زا1 وجاكيت سفاري» وحذاء 
موكاسان من ماركة برونو مالي وهِيّزه عن الجمهور الضخم من الرجال والنساء الذي 
يرتدي معظم أفراده قمصانا رصاصية اللون وسراويل رمادية أو كاكيْة وشباشب». 

ترك سعيد الشكل النهاي للرواية غير واضح» ولكنه أبقى تعليماته لنفسه لتحطيم 
«المسار السردي الطويل» امرتبط بالرواية الواقعية التي كان من رأيه أنها مسؤولة 
عن خلق أوهام الاستمرار. فقد شعر أن ذلك لا ينطبق على التجربة الفلسطينية. 


332 


العالم الثالث يتكلم 


وكانت نصيحته هي: «التزم ما هو غير كامل» «أنا أثق بقصرها المشتّت» بأنها 
تسعى دانما إلى البدء من جديد» تلك هي الطريقة الوحيدة التي قد تمكنني من 
تجاوز «الانضباط اممؤذي... وتسمح لذاتيتي بالتدفق» وفق تعبیره. ومع تأمین حصر 
ذاتيته بين علامتي اقتباس» فقد ا أن يتحاشى» مهما كان الثمن» الشكل الاعترافي 
الذي يطبع كثيرا من ذلك الشعر الغناني وذلك الفن الرواني التسجيلي السين الذي 
ينتجه العام الثالث. 

انتهى سعيد إلى الشعور بأن شخصية ال مؤلف عنده تفزعه» وكان لذلك الفزع 
دور كبير في تخليه عن الرواية. وقد فسّر أسبابه فيما بعد في مقالة تلفت النظر 
آلهمته لکتابتها صديقته نادين غوردمر Nadine Gordimer‏ الروائية الفائزة 
بجائزة نوبل من جنوب آفريقياء وفيها تحدڏث عن امؤلفين بوصفهم کوميديين 
اجتماعيین تنتهي وظيفتهم عندما سکون بالوجود بالکلمات من دون رهبة آو 
على نحو جميل"". هذا التهديد ملاحظة الحماقة والظلم من الخارج ومن فوقء 
وقبولهما بعد ذلك» جعله يتوقف. إن الرواني لا يكتمل إلا بالنقدء وهذا يعني قول 
«لا» مما هو موجود وليس إعادة إنتاجه. 

HK 

في سبتمبر 1991 وقبل أن يزيح الرواية جانباء نظم سعيد مؤتمرا في لندن على 
أمل تقوية مواقف التفاوضية الضعيفة ممنظمة التحرير الفلسطينية وتوضيحها 
استعدادا ممؤتمر مدريد الذي كان مزمعا عقده في أواخر شهر أكتوبر. كانت 
مبادرة مذريد التي فلت دعما مقاركا من كل من الولانات التحدة والاتخاد 
السوقييتي قد قصد منها أن ذُحيي عملية السلام بإشراك الأردن ولبنان وسورية 
في امفاوضات. وكان سعيد قد انطلق هو وأربعة آخرون من المجلس الأمريكي 
لشؤون فلسظن «لحلحلة لازق السياسي» ولكن لسو الحظ انى الجهة 
بفشل يقبض النفس بسبب ما أحاطه من منازعات بين الفصائل وتكرار الأفكار 
البالية نفسها““'. وأدرك سعيد مرة تانية الاتجاه المقلق لدى قيادة منظمة 
التحرير للبحث عن طرق خلفية وللسعي إلى الحصول على متح من الأقوياء. 
وها أن قوتين عظميين قد تقدّمتا للحصول على موافقة المنظمة فإن قادتها 
شعروا بأنهم م يعودوا مجبرين على الحصول على رضا الجماهير. ولئن كان رأي 


333 


إدورد سعيد 


سعيد لا يكاد يُسمع في السابق» فإنه بعد تجمُع مدريد استبعد تماما تقريبا. 
وكانت صيغة أوسلو الكارثية آخذة بالتشکل. 

في هذه الأثناء اتصل سعيد في فترة استراحة بين الاجتماعات بزوجته بسبب 
انشغال فكره المعتاد بوضعه الصحي ليعرف نتائج فحص للدم أجراه طمراقبة مستوى 
الكولسترول» فقد كان طبيب العائلة چارلز هازي قد لاحظ ارتفاع عدد الكريات 
البيضاء في الذم وأنها كانت في ازدياد مستمرٌ - وهي من العلامات الأولى على 
احتمال الإصابة بالسرطان. وكان سعيد قد تنبّه إلى هذه الإمكانية. ولذلك فإن القلق 
أخذ يساوره» وكان متلهفا ممعرفة النتائج. وما أدهشه هو أن مريم م تحاول طمأنتهء 
بل طلبت منه أن يتصل بهازي على الفور. هنا دب الرعب في قلبه فألحٌ عليها إلى 
أن أخرته بالحقيقة. 

أظهرت الفحوص أنه يعاني لوكيميا تضحُم الأنسجة اللمفاوية ا مزمن”"» غير 
أن هازي قل من خطرهاء وأصرَ على أنها ليست حالة تهدّد الحياةء وأن في وسع 
المختص الجيّد بأمراض الدم ومخ العظم أن يعالجها. وقد أحيط کل من نجلا وودیع 
بالوضع» ولكن قيل لهما إنه م يكن نمة ما يقلق لأن حياة أبيهما ليست في خطر 
محدق. شعر سعيد ف البداية بشيء من الراحة إذ على رغم ما كان يعانيه من 
وسواس المرض فإن امرض الحقيقيء لا سيما إذا كان من النوع المهدّد للحياةء م يكن 
شیا يريد العيش معهء ولذا فإنه سعى سعيا حثيغا إلى الاطمئنان. 

م يصل التشخيص درجة القسوة إلا عندما راجع مركز السرطان المعروف 
باسم ممورَيّل سلون كترنغ في نيويورك» وهناك قال له الأطبّاء بأسلوب عَذهُ 
خالا الذوق آنه ل کا طویلاء لکنه م یکن على استعداد نشل هذا 
الحكم» فأخذ يبحث عن آراء أخرى» وف غضون ستة أشهر اكذف كانتي 
راي ال مختص بأمراض الدم والأورام في اممركز الصحي اليهودي قي لونغ آيلندء 
والطبيب الذي تولى علاجه على مدى العقد التالي من حياته. ومع مرور الوقت 
توطذت الضدافة متها فعاف مجة ضدرقه عن أعال فته وذعاة لحقور 
محاضراته» وأقنع غورّدمّر بأن تعرفه على جنوب آفريقياء وف اممقابل عرفه رايء 
المولود ي جودپون عاى التنانر الهتدية الطويلة الراجستائية ف ناء حفن 
زواج ابنته في العام 1996ء وتوطدت صداقتهما بتبادل القصص عن سيتات 


334 


العالم الثالث يتكلم 


الإمبراطورية البريطانية. وقد آتيحت الفرصة لسعيد لزيارة الهند للمرّة الأولى 
I ET‏ 

کان سعید معتادا على كتم مشاعره» وكان يتمتع موهبة جعل الآخرين 
یشعرون بأنهم مستودع آسراره بینما هو یتکتم على مواطن ضعفه وشکوکه إلى 
أن يحين الوقت للكشف عنها. وعندما يحصل ذلك كان يخبر الجميع. أما وقد 
أصبح التشخيص واضحاء فقد صمُم على عدم الإفضاء بشيء» بينما وجدت مريم 
وأفراد العائلة أن عليهم أن يتعايشوا مع ما يعنيه هذا الوضع. وبعد ذلك بأسبوعء 
استيقظ سعيد فجأة في منتصف الليل وأخبر مريم بآنه يريد إخبار العام بأنه مريض 
بالسرطان*"» فطلبت منه أن ينتظر إلى أن تخرج الفحوص الأخرىء ولكنه أصل 
وأخذ يفضي لأصدقائه بحالته الواحد تلو الآخر كأنه يخصه بسر مرضه» ويقول إن 
التشخيص كان ينبن بأسوأً الاحتمالات. 

بدأ راي العلاج بواسطة الممناعة الذاتية باستعمال اممضاذات الحيوية امستنسخة 
antibodies‏ ona1اmonoc‏ فض يونيو 1992ء ولكنه اضطر إلى العودة إلى الطرق 
التقليدية التي تعتمد على العلاج الكيميائ (فلوداراباين وريتوكسيماب) بعد مارس 
4. واستعمل فصول الصيف لأقوى جرعات العلاج لكي يستعيد سعيد قدرته 
على التعليم خلال السنة الأكادهية. ولكن ما آنه كان هلك من الأنفة والكبرياء ما 
جعله يفرض على نفسه قدرا من السوية النسبية لنصف العقد الأول من امرض فإنه 
تمكن من الحفاظ على وهم الصحّة بالالتزام مظهر القوة الجسمانية. والحفاظ على 
شعر الرس على رغم تساقط بعضه»ء ولكن مع نهاية عقد التسعينيات كان العلاج 
الكيميائي قد دمر حيويته» فشحب وجهه الجميل وغارت وجنتاه. وجعله ورم في 
البطن يبدو كأنه يضعف ويزداد وزنه في الوقت نفسه. 

بدأ سعید کتابه خارج اممکان Out ہ٤ ٣1۵٥٤‏ فی مایو 1992 فی 5 مباشر على 
التشخيص الذي يهدّد بالنهايةء وقد كان ذلك واحداة من عدد كبير من النقاط 
الحاسمة المهمة التي استثارتها التوقعات امتغيرة. ففي أغسطس من تلك السنة 
كان منهمكا في تصحيح مخطوطتين للنشر بدلا من مخطوطة واحدة: «كتاباتي 
السياسية على مدى 25 عاما» كما وصف كتابه «سياسة الحرمùl« The Politics‏ 
Dispossession )1994(‏ گە وکتاب «تمثیلات ا مثقف» Representations of‏ 


335 


إدورد سعيد 


nte1ectua )1994(‏ eطt.‏ وکان لايزال يشير إلى مذكراته بالعنوان الأصلي ليست 
صحيحة تماما ع۸1 اند 0× عندما فكر في امشروع الذي کان مایزال فی مهده 
ويقول إنه «آخذ بالغرق ف متع السيرة الذاتيةء وللأسف» في مشكلاتها أيضاء». 

كان قبل التشخيص بأربعة أشهر ير مح ذلك بفترة من الأكتثاب السياسيء ولكن 
دفعة جديدة من الطاقة جاءته من مصدر غير متوقع؛ ففي شهر مايو من العام 
1 تلقى دعوة لزيارة جنوب أفريقيا لإلقاء «محاضرة الحرية الأكادهية» المسماة 
باسم ت. ب. ديقي» وهناك التقی بوولتر سسولو ونلسن ماندلاء الذي کان قبل قد 
أطلق سراحه في فبراير من العام الفائت بعد سبعة وعشرين عاما من السجن”. 
استضافته جامعة وتووترزراند University of Witwatersrand‏ ف جوهانسبیرغ 
کن ف عا ل 2 اة کب فن ت آه عن لكف الس 
للمؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان مايزال هو الشعلة المركزية مقاومة الفصل 
العنصري. وبعد لقاء خاص قصیر مع ماندلا قضی وقتا آطول مع سسولو (وهو بدوره 
قائد قضى سنوات عديدة في السجن) وهما يتحدّثان عن تاريخ الصراع الذي خاضه 
ا مؤتمر الوطني الأفريقي. وم تكن نهاية اممؤتمر الذي وقفت في طريقه خيانة مبادئه 
وقيادته الفاسدة قد اتضحت آنذاك كما اتضحت فيما بعد على رغم أن بعض 
أصدقاء سعید من جنوب آفريقيا اللنتمین إل الیسار ۾ پکونوا يجلون امور كما 
کن باه هو من فون اطق خد فقد نظر إلى تحذیراتھم بهدف استیراد 
الدروس التكتيكية للحركة الفلسطينية. 

أحيت أحاديثه مع سسولو جهوده لتنظیم لقاء لندن بعد أربعة أشهرء وبعد أن 
امتلاً ذلك اللقاء بدروس اممؤتمر الوطني الأفريقي التي لا تقدّر بثمن والتي کت 
على كسب المموقف الأخلاقي العالي بدلا من اک على الحملات العسكرية اممقضي 
عليها بالفشل. وكان هذا التماهي مع حركة تحررية مناهضة للاستعمار أفضل رذ 
عرفه على الروح الرجعية التي سادت ق عقد الثمانينيات. ففي حقبة شهدت إخماد 
حركة الجوهرة الجديدة التي قادها موريس بشپ Maurice Bishop‏ ق غرانادل 
وإنهاك أعضاء الساندنيستاء والطريق اة في السلقادور» وغزو پنماء لاحظ 
سعيد أن مستقبل فلسطين يكمن في حركة ثورية تنتمي إلى العام الثالث من ذلك 
اللعط = حركة فلمك قوة الرموز لاجغذاب أقاع كار من جح أنحاد العاة. لكن 


336 


العالم الثالث يتكلم 


هذه المبادرة الإصلاحية ووجهت بالنقد كما هو متوقع؛ فالجبهة الشعبية لتحرير 
فلسطين التي غازلها ف يوم من الأيّام هاجمته بحجُة آنه برجوازي آكثر من اللازم 
فقطع علاقته مع زعيمها جورج حبش الذي اذ موقفا متصلبا رفض فيه الاعتراف 
بإسرائيل في لقاء العام 1988 الذي عقده امجلس الوطني الفلسطينيء والذي أيْد 
سعيد فيه موقف الأغلبية. 

كان من الممكن تلمس إستراتيجياته في وسائل الإعلام بعد اممؤتمر الوطني 
الأفريقي في الفلم المعنون «پونتکورفو: ديكتاتورية الحقيقة« Pontecorvo: '1he‏ 
Ditters of Truth‏ ا فلم أنتجه ورواه للقناة الرابعة من محطة 88€ 
التلفزيونية في 6 مايو 1992. هذا الفلم الوثائقي الرائع كان في ظاهره عن مُخرج 
إيظال من أما الواقة الجديدة ولكه قح موظوعا ماهفا لاان مركا 
على معالجة پونتكورفو الكلاسيكية بالأبيض والأسود مموضوع فلم «معركة الجزائر» 
1e Battle of A (1966)‏ استعمل سعید الفلم للغوص ف جمالية مقاومة 
العام الثالث على رغم أنه م يكن معجبا بأعمال پونتكورفو اللاحقة التي ركز فيها 
على الاستقلال الفني على حساب جمال الأفكار. 

کان قبل بضعة أعوام» ف العام 1988 قد زار پونتکورفو ف روماء وطرق بابه 
«ومعه تقديم بالغة القصر»*. کان پونتکورفو پا فن الطبقة الوسطى ترعرع 
تحت حکم موسولیني» وکان قد التقی بپیکاسو» وستراقنسکي» وسارتر فی باریس 
ج كاش الاك رة لعب کس کی آمب فا با رس جك القباف 
الشيوعية» وعمره لا يتجاوز الرابعة والعشرين» وقائد حركة مقاومة الفاشيّة 
في شمال إيطاليا كلها. تساءل سعيد: كيف يكن لرجل بهذا القدر من المشاعر 
السياسية الجيّاشة «أن يحولها تحويلا كاملا إلى صور وموسيقى» ف أعماله التي 
تنتمي إلى وقت قريب؟ كان جواب سعيد آن الجمالية سبّبت له الكساح الفني. 
وعبّر عن أسفه لأن هذا الرجل الذي ألْهَمَ أولفر ستون ٤١٥ا‏ ٠۷ا0‏ وكوستا- 
غاقراس 2۷48 014-6» وبیرتولوچي اءcں[ه8۲۲‏ «کان قد اختفی کا تقريبا من 
مسرح السينما الأوروبية» في ذروة شهرته وتأثره لأنه م یرد أن یتدخل المنتجون 
في رياه الفنَيَة. ومن المحزن أن پونتکورو کان قن خط ایل فلم عن الانتفاضة 
أيضاء ولكن هذا المشروع راح ضحية لسعيه إلى الكمال. 


337 


إدورد سعيد 

كانت الظروف غير مواتية لسعيد» فقد وجد نفسه محاصرا أكثر فأكثر داخل 
الحركة الفلسطينية نفسها. وبعد أن التقى بالرئيس السابق كارتر في قرجينيا في 
4 أغسطس من تلك السنة» كتب له رسالة في سبتمبر طلبا ممساعدته لرابطة 
العمل الخيري ١0اه‏ مءءA ۷۷1٤١١١‏ وهي منظمة خاصة تجمع الأموال اة 
الفلسطينيين في الضفة الغربية. وغرّة وإسرائيل» ولبنان. وكان يحاول أن يرتب 
اجتماعا بين كارتر ومدير الرابطة جورج عابدى اف كتا The Economic‏ 
Viability of a Palestinian State (1990)‏ (إمکانىة الصمود الاقتصادي للدولة 
الفلسطينية). 

وعلى رغم هذه المبادرات وأمثالها على مدى العقد السابقء وبسببها جريا 
أقاتك فادة عة التحرر اة فاك مادا أن سيك كان ضمتلا 
أمريكيا. وعندما نشرت جريدة «القبس» المقابلة التي ظهرت بعد لقاء الجزائر في 
الام 1988 = وفيا ارعن هكوكة بخصوضن شاذة اأنظمة = هاجمة تيل حت 
الذي كان آنذاك رئيس لجنة الشؤون الخارجية ف امجلس الوطني الفلسطينيء إلى 
جانب مروان كنفاني» وهو موظف في جامعة الدول العربية وأخو الكاتب ال معروف 
غسان كنفاني. ومن بين ما أشيع عنه آنه بصفته عضوا في مجلس العلاقات الخارجية 
منذ العام 1983 فصاعدا كان سعيد متضامنا مع سياسيّي حزب العمل الإسرائياي. 
ومن المفارقات أن سعيد ظل سنوات يدعو الآخرين إلى أن يدركوا أن وضع منظمة 
التحرير آمالها على لبراليي حزب العمل کان سوءَ تقدير قاتل. لکن مُتهمیه مع 
ذلك وجدوا في علاقاته التقليدية مع شخصيات ف وزارة الخارجية ومجلة الشؤون 
الخارجية ما يثير الشكوك. وكانت الدعوة التي تلقاها من ديقد روكفلر للتحدّث إلى 
البعثة الثلاثية (وهي دعوة اعتذر سعيد عن عدم تلبيتها) قد بدت كأنها دليل آخر 
على صدق الصورة التي تدينه”. 

كان الجوّ ملبّدا ما يكفي لأن تتدخل صحيفة عربية تصدر في باريس هي «اليوم 
السابع» لتدافع عنه ضدٌ التهمة القائلة إنه انتقل إلى الجانب الآخر. وأشار سعيد 
إلى أن عرفات وياسر عبد ربه» وهو عضو في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير 
الفلسطينيةء ذعيا أيضا إلى مجلس العلاقات الخارجيةء وأنهما متلهفان لقبول الدعوة. 
وقال إن رفض هذه الفرصة يقع في باب الحماقة. وفي كل الأحوالء م يكن المجلس 


338 


العالم الثالث يتكلم 


مجرد هيئة ة استشارية خبيثة مؤبّدة للولايات ا متحدة. بل كانت» كما أوضح ف اممقابلة 
ووک خاصضة یتشکل أعضاؤها من شخصيات مرموقة تهتم بالسياسة الخارجية 
للولايات اممتحدة». وقد جعلها تأثرها في السياسة الأمريكية الخارجية» وهي 
سياسة كان جانب كبير منهم كارثيا من وجهة نظر سعيد» جعلها نظيرة شديدة الشبه 
ب چاتّم هاوس #usه‏ طط۳ في المملكة المتحدة ولذلك فإنها مكان يحسن 
با مرء أن تسمع آراؤه فيه إن استطاع الوصول إليه. لكن موقفه ومقاصده أسيء فهمها 
ليس من جانب منظمة التحرير الفلسطينية فقط بل من جانب أعدائها أيضا. فزميله 
الإرائيلي إسرائيل شاحاك استطاع الحصول على تقرير أعذه معهد أميركان إنتربراز 
American Enterprise‏ الذي يقصد فيما يبدو إلى تعطيل الطموحات الفلسطينية 
بجعل سعيد ووليد الخالدي «يساعدان إسرائيل لخلق انشقاق داخل منظمة التحرير 
والانخراط فی نقاش عن کامپ ديقد مع الإسرائيليين» 
لقد قدر لسحيد أن تدخل حياته السياسية مرحلة ثانية بحد أقل من سنة 
تفصل المرحلتين مناصفة فيها اتفاقية أوسلو للسلام بعد عقدها في سبتمبر 1993. 
فبعد النتائج ا مذلة لهذه الاتفاقية التي وخا احا افا افا کل من بار 
عرفات وإسحاق رابين في الباحة العشبية للبيت الأبيض في أثناء حكم كلنتن قطع 
عا رس ت ان اة انان كان كو ات عه باذ کل 
طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات عندما كان مجرّد ذكر اسمه في العلن يستثير 
السخط. وهنا وجد سعيد نفسه يخوض حربا على جبهتين 
م تنته مقاومته لاتجاه العصر من دون الحصول على مكافأة؛ ففي يونيو 1991 
أصبح زمیلا قي الأكادهية الأمريكية للفنون والعلوم ذات المكانة العالية (ومم 
يُنتخب عضوا في الأكادهية إلا في العام 2002 بعد أن تدخل مايكل فريد الناقد 
الفني وعضو المجلس» وصديق سعيد ف كلية الدراسات العلياء ليبين أن التشريف 
تأخر أكثر من اللازم). وفي العام 1994 منحته اليونسكو ميدالية پيكاسو على ما 
أنجزه في حياته» وفي أبريل» بالتزامن مع حصوله على جائزة تعليمية هَتَخُها مجلس 
طلبة كلية كومبياء تقديرا مهارته في «الإعلاء من شأن الممنهاج الأساسي»» أصبح أول 


(*) چاتم هاوس أو ا معهد املكي للشؤون العامة معهد مستقل يقع مقرّه في لندن. تتلخص رسالته في تقديم 
تعليقات موثقة عن الأحداث المهمة في العام واقتراح الحلول للتحديات التي تواجهه. [امترجم]. 


339 


إدورد سعيد 


عضو هيئة تدريس يحصل على جائزة لابنل ترا لiخ Lionel Trilling Award‏ مرتینء 
هذه المرَّة على كتابه «الثقافة والإمبريالية» )1993( Culture and Imperialism‏ 
الذي وصفته لجنة التحكيم بأنه «عمل فذ». 

غير أن أعظم انتصاراته م تأت على شکل جوائز بل على شکل منصات. كانت 
سلسلة محاضرات ريث he Reith radio End‏ التي تذیعھا مخظة البي بي 
سي 88٤‏ هي واسطة العقد في البرامج التي تقدّمها تلك الإذاعة» وكان قد أسسها 
پرتراند رسل» وقڏمت محاضرين من أمثال روبرت أوپنها هر وعلي ا مزروعي» وجون 
كنث غولبريث. وف الوقت الذي اعترض فيه المحافظون البريطانيون في الصحف 
التي تعتمد على الإثارة قذّم سعيد محاضراته في العام 1993 حول الدور الفريد 
الذي يؤذيه اممثقفون» وعلق فيما بعد لصديق قائلا: «كانت موافقتي أقرب إلى 
الجنون». كان عليه أن يكتب ست محاضرات لتنشر مباشرة وتذاع «ف فترة شهر 
واحد»”*. وقد عضت هذه ال محاضرات عن الدراسة المطوّلة عن المثقفين التي 
کان یخطط لها باستمرار ولکنه م یکتبها. لقد تمکن بشكل من الأشكال آن يكمل 
المحاضرات» فظهرت تحت عنوان «تمثيلات المخقف» Representations of he‏ 
1nte1lectua1‏ بالشکل الذي ا فيه على الهواء تقريبا. 

کان ارتباطه مواعید يطلب منه فيها أن يحاضر قد جعل إبقاء عائلته قريبة 
منه صعبا على رغم حاجته إليها بعد أن تبين أن وضعه الصحي يدعو للقلق. وفي 
العام 1993 رافقته نجلا التي كانت في سنتها الأولى في الجامعة» في رحلته إلى 
فرنسا لحضور مائدة مستديرة نظمتها اليونسكو. وكان الروائي الكومبي غابرييل 
غارسیا ماركىس Gara M41٩ ez‏ ie1اهG‏ أحد المشارکین» وهو کاتب کان سعید 
شديد الإعجاب به (کان يتعجب مع أصدقائه من روايته القصيرة «لا أحد يكتب 
للکولونیل» e1”ە1ە۳ .)N0 One Writes to the‏ وف حفل الاستقبال توجّه 
غارسيا ماركيس باتجاه نجلا مباشرة وسألها بالفرنسية: «ما الكتاب الذي قرأته من 
کتبي؟» وهو سؤال يبدو أنه وجّهه لكل من التقى بهم. وما كانت نجلا غير قادرة 
على الكذب في هذا وفي أي شيء آخر فإنها أجابت بسرعة: ١#ذإ‏ (لا شيء)» فوجد 
الجواب لطيفا ووجد أنها جميلةء فأمسكها من ذراعها وسار معها في أنحاء الغرفة 
كأنها الصديقة التي تواعد معها لبقية المناسبة. 


340 


العالم الثالث يتكلم 


لكن الأحداث الممتعة من هذا القبيل كانت نادرة. وعلى رغم أن تشخيص 
مرضه قد أفزعه» فإن اللوكيميا م تغير مط حياته لعدّة سنوات تالية. لكنه ف العام 
آي ها الفح اة ارش أ رفك ف اجر كات م من 
ذلك أنه غامر بالعزف على آلة البيانو أمام الجمهورء فعاى رغم أنه كثيرا ما عزف 
أمام الطلاب والأصدقاء في شقته (ها في ذلك عزفه في حفل عيد ميلاده الستين)» 
فإن عزفه بعد انتهاء الدوام في الكلية اقتصر على عزف قطع قصيرة بهدف التمثيل 
خلال ا محاضرات التي ألقاها عن موسيقى ولك )!۷1 في إرفاين. وقد حان الوقت 
للتغلب على القلق الذي يرافق الأداء الذي لاحظه جون سولم شريكه ف الغرفة 
في جامعة پرنستن. قَرّر أن يقدّم عزفا مشتركا في مسرح ملر في جامعة كولومبيا 
في نيويورك في 27 أبريل 1993 مع ديانا تقي الدينء و عازفة بيانو محترفة 
وزميلة منذ السبعينيات في بيروت» وعزفا مجموعة من القطع الصعبة المكتوبة 
لآلتي بیانو من تآلیف بُرامُز» وموتسارت» وشوپان» وبْرتن» وشوبرت (وأعيد هذا 
البرنامج في جورج تاون). وقد قلل سعيد ف كلمته الافتتاحية على امسرح من شأن 
عزفه بوصف ديانا بأنها «عازفة البيانو الحقيقية». 

كان للعزف أمام الجمهور فائدة غير متوقعة: فقد أصبح من المستحيل على 
أعدائه أن یقللوا من شاأنه بالقول انه لیس سوی مجادل هش فبعد انتهاء 
العقل محر باغوة الي يخ بها جحد الاتها من سات ايت وباعادة 
الخامة أله من من الأقماة مفي وعدت 0 العكفى من المشور فة 
مدهشة. رافقتها انتقالات ديناميكية وأساليب تعبيرية رشيقة. وكتب لزميل له فيما 
بعد قائلا بتواضع غير ضروري إنه يأسف لأن زميله مم يحضر الحفلة «لا لأن العزف 
کان رائعا (لعله کان مقبولا)» بل لأنها كانت حدثا عظيما من جامعة كوممبياء من 
وجهة نظري على الأقل. بعد ذلك احتجت إلى ثلاثة أيَام لي أمكن من الخروج من 
الفراش». وف الأسابيع التي سبقت الحفل كان قد أتعب ديانا تقي الدين لكثرة 
ما أل على التدريب لأنه أراد اممناسبة أن تتوج بالنجاح. كان بعض المموسيقيين 
ا محترفين الحاضرين قد لاحظوا بعض الأخطاء بطبيعة الحالء واشتكى بعضهم من 
ذلك في أثناء الاستراحة. لكن ها أنه كان يدرك أنه ليس عازفا محترفا فإنه أآخذ يعڈب 
نفسه» ويعبّر عن مشاعره عبر التلفون لصديقه آلن بيرغسن قائلا إنه كان فظيعا 


341 


إدورد سعيد 


وإنه جعل من نفسه أضحوكة'. أما رذ فعل من حضروا الحفل فكان مختلفا تماماء 
فقد كان الحفل يعد انتصارا بكل المقاييس تقريبا. 

في هذه الأثناء عادت جامعة هارقرد إلى مغازلته» وف هذه اممرّة قزر الاستجابة. 
كانت مهارة سعيد في التفاوض عاى الراتب والفوائد الإضافية أقرب إلى الأسطورة 
بين أصدقائه» ولكن في هذه الحالة م يكن ثمة مجال للعب”. كانت مدينة كيمُبرج 
أهدأً من نيويورك ولا تنفصل في ذهنه عن حدَّة العيش ف الدير التي ا ا 
في سنين الدراسة في مرحلة الدراسات العليا. خطر بباله أنها ستكون مدينة مناسبة 
للموت فيها"“. كان من غير ا محتمل أن يترك عاصمة العام للإعلام والنشر حيث 
تعرض أفضل الأوپرات في أمريكاء لكنه كان يحتفظ بكثير من العلاقات مع كيمُبرج» 
ثم إن نجلا ولدت هناك في العام 1974. ۰ 

وفي آثناء محاولة سابقة قبل عقد من الزمان كان سعيد قد كتب في 26 ديسمبر 
5 رسالة لهاري الف عن دقاعة بوضوح: کان يشعرء على رغم الإيقاع 
الوادت ويرك و تق .وفك هات ان وة ان م 
مضي الزمن» والغربة التي تنتج عن ذلك في هذه الطمدينة التي تفتقر إلى الجذور 
وتشعر ال مرء بأنه يعيش في منفى تضاعف الشعور بالوحدة». وكان ذلك أصدق 
ما n‏ عند التفكير في الموت. ولكن سعيد تراجع عندما أدرك أن الأسباب التي 
تدعو إلى مغادرة نيويورك کان أکٹرها نابعا مما تفتقده مدینته ولیس ما في يمرج 
من أمور جاذبة. وهکذا فإنه قر فی 22 آبریل 1993 آن يتذر عن عدم قبول عرض 
جامعة هارفرد نهائياء منهيا بذلك غزلا دام طوال عقدين من الزمان”“. وبعد أربعة 
أشهر طلب منه أن يساعد في الدفاع عن السيد نضال عيّاد امتهم في تفجيرات مركز 
التجارة افا طمساعدة المحامين في النظر «في الأسلوب النحوي لرسالتين تنوي 
الولايات اممتحدة تقدههما بصفتهما جزءا من الأدلة الرئيسة ف القضية»» لكن سعيد 
رفض بعد ثلاثة أسابيع بلهجة حاسمة. 

وجد سعيد» مساعدة عام الاجتماع الفرنسي پيير بورديو »۴ie۲۲۵ 80۲1e‏ 
منصة مهمّة ثانيةء فقد دعي إلى إلقاء سلسلة من المحاضرات ف الكوليج دي فرائس 
j Collège de France‏ العام 6ء وهي المحاضرات التي شکلت فحوى الأفكار 
التي أذت» بعد إجراء تعديلات كثيرة. إلى وضع كتابه الأخير «عن الأسلوب اممتأخر» 


342 


العالم الثالث يتكلم 


Late Sty1e )2006(‏ 0“. کتب إلى «العزیز پییر بوردیو» ف آغسطس رسالة شرح 
فیها خططه للمحاضرات بأسلوبه المعهود الذي يدل على انعدام الثقة: «قرّرتُ في 
النهاية - على رغم کل شيء - أن ألقي اب محاضرات باللغة الفرنسية؛ سيكون ذلك 
مغامرة في أقلْ تقدير»*» وهنا أيضا كان الشعور بعدم الثقة في رات فقد 
سافرت مارينا وورنر امؤرّخة والروائية البريطانيةء إلى باريس لسماع آخر محاضرات 
سعيد عن أدورنو ففوجئت بطلاقته وبقدرته على محاورة المشاركين بالفرنسية بعد 
المحاضرة. ويبدو أن الحاضرين شعروا الشعور نفسه» فقد امتلأت القاعة بالحضور 
لسماع محاضرته عن فاغنر التي أعقبها عشاء رسمي في بيت ليلى شهيد السفيرة 
الفلسطينية الأولى التي كان مقرها ف باريس . 
KK‏ 

عاذت انمتن بد آذ وك فنطهة الفعرير القل هة عن الخاد له 
لاكتساب أهمية أعظم في حياته؛ فهي من ناحية زؤدته بوسيلة للمعرفة والشعور م 
تكن متاحة لكثير من زملائه؛ وهي من ناحية أخرى تخلو من العبء الثقيل الذي 
مداغ انات الففة أو الاعات السامة ولك فقا أغذت جه ةا 
في كتب يبدو أنها لا تتصل بامموسيقى على الإطلاق - في «الثقافة والإمبريالية» مثلا 
وهو الكتاب الذي وعد به كتاب «الاستشراق»» وفي كتاب «عن الأسلوب اممتأخر». 

انقلب كتاب «الثقافة والإمبريالية» على رغم كل ما يتصف به من أناقة وعلم 
غزير على نفسه على نحو غريب» فالظل الطويل الذي خلفته عملية درع الصحراء 
(1991-1990) جعلت صفحاته والمشاعر الكامنة خلفها قانمة. وكما كان قد تعلْم 
من مشاريع سابقة تخلى عنهاء كانت هنالك مخاطر من كتابة كتاب بهذا الشمولء 
وبالفعل فإن العدَّة البحثية للكتاب كان يبدو عليها الاستعجالء فقد ذكرت مئات 
من العناوين ذكرا عابرل ولكن من دون إشارة إلى الكم الهائل من المراجع المكتوبة 
عن الإمبريالية بصفتها عملية اقتصادية. أو بصفتها نظاما اتخذ أشكالا تاريخية 
عديدة يختلف كل منها عن الأشكال الأخرى. كيف هكن أن يكب عن الإمبريالية 
من دون الحديث عن آلبْات العمل المعقدة للرأسمالية الحديثة؟ ويبدو أنه قد 
وضع ثقته بنقاد الأدب الذين تتداخل أعمالهم مع النظرية الاقتصادية للتعويض 
عن هذا النقص. 


343 


إدورد سعيد 


کان لوكاتش واحدا من هؤلاء النقاد بوصفه واحدا من نقاد «التشيؤ» - أي 
مَل المجتمع إلى تحويل العلاقات الشخصية إلى أشياء قابلة للبيع”“. وق أثناء 
البحث عن ملامح في الشكل واممضمون ف الروايات لاكتشاف التؤجهات التاريخية 
اتضح أن سعيد م يكن ف يوم من الأيام أكثر اتفاقا مع آراء لوكاتش منه ف «الثقافة 
والإمبريالية». كان إعجابه بلوكاتش أقدم من ذاك بكثير طبعاء ولكن امهم هنا كان 
ما اقتبسه منه على وجه التعيين» فالاقتباسات هنا م تكن هي تلك التي ركز عليها في 
مقالاته السابقة. ففي رسالته لجان ستاروبنسکي ê jean starobinski‏ العام 1967 
امتدح لوكاتش للأسباب نفسها التي انتقده بسببها زملاؤه الأمريكيُون» وامتدح 
النموذج التفسيري الذي اتبعه الماركسي الهنغاريء والذي تتبّح فيه الامتدادات التي 
نراها ف الأعمال الأدبية وف «الآراء الكلية حول وضع العام... والظروف الاجتماعية 
الثقافية» بقدر مذهل من «رهافة الفكر النظري»“. كان سعيد قلقا قبل ظهور 
الكتاب من إمكانية أن تساء قراءة هذه القراءات السياسية للأعمال الروائية؛ ففي 
رسالة أرسلها في العام 1989 ممونرو إنغل 1ءع٤ ۷10١۲٥١‏ امشرف اممشارك على 
رسالة الدكتوراه عبّر عن ذلك القلق بقوله: «لا أريدك أن تظن أنني أدرس الأدب 
كأنه وسيلة للتعبير عن معتقداق» فأنا أدرسه بصفته جزءا من عمليات عامَّة 
استخلصت منه». 

كانت هنالك أسباب تكتيكية وجيهة في ظن سعيد لدراسة جانب واحد مما 
قصده الکتاب» ففي تخلیه عن استقصاء ما قد یکونون قد قصدوه آتیحت له 
الفرصة لاستخدام ما هو متفق عليه لأغراض معيّنة. كانت تلك سياسة مثلى ها 
بعد كتاب «البدايات» قوامها التضحية بدقائق الأمور من أجل الوضوح القائم على 
امبادئ» وهي عادة تذكر برذ غرامشي على المفكر الواسع التأثير بندتو وای 
Benedetto Croce‏ الذي كان قد انتقد الحركة الشيوعية بسبب سانا الفحّة 
لبعض المفاهيم. فقد وافقه غرامشي» ولكنه أضاف قوله إن تبسيط بعض الأفكار 
الصعبة سياسة تتبعها كل الحركات الجماهيريةء وهي ضرورية لانتشارها. وكان 
التعليق الذي كتبه سعيد ململحق التاهز الأدبي في العام 1992 لتقييم كتابين حديثين 
ممنظرين أحدث سنا ينتمي إلى هذا النمط من التفكير: «إنهما يسمحان للدفّة 
النظرية لنظاميهما بحجب التفاوت ف القوة... لكن ماذا لا يلجآن لدراسة أعمال 


344 


العالم الثالث يتكلم 


كتاب مثل إذوَرّد توميسن الذي عارض الإمبريالية صراحة؟ أو أعمال بعض القوميين 
الهنود والأفارقة الذين كتبوا في تلك الفترة؟». 

يضح من ذلك في كل الأحوال أن قضايا الشكل الجمالي م تكن تعني كثيرا 
لسعيد في أثناء تفسير الأدب في الثقافة والإمبريالية. فقد دافع من دون ترذد عن 
قراءة الروايات ما تكشفه عن الحقبة التاريخية بقوله إن تلك القراءة م تقلّل من 
أهمية العمل الفنيء بل بيّنت «الروابط المتشابكة مع البيئة الحقيقية التي يجري 
تصویرها فیه»'" 
(1963) ۸ا10 قد عبرت عن رأي تلميذه السابق تعبيرا تامًا تقريبا: «امميّل الأكبر 
إلى الرواية في الغرب الحديث كان باتجاه تصميم الكتاب على مواجهة الحياة 
وتصويرها كما هي» ونقدها»”. وبتحديد الهدف بدقةء سار سعيد قي الخطى التي 
رسمها ذلك الكتاب الذي نشر في سنة تخرجه في جامعة هارقرد» وذلك بتركيز النظر 
على هذه ال منافسة بين «اممحتوى القابل للفصل» و«مغازلة الأساليب الأدبية» بتعبير 
لفن . وقد فاز الخيار الأول عند كلا الرجلين على الأقل من الناحية التكتيكية 
لهذه المشاريع. 

قان الجهة الذي تق خذ الدراة الشخمة مدهغا لذ فطلب كل عا لذي 
سعيد من قدرات على السرد. وكان يشير إليها في مراسلاته بأن «إطارها كبر من 
اللازم قليلا»**» ولرها كان اممقصود من آشهر أجزائها - تلك الفصول الخلافية عن 
رواية مانسفیلد پارك Mansfie1d Park‏ لجین اوستنù Jane Austen‏ « وأوپرا عايدة 


'. کانت کلمات لقن ف کتابه ذا قیتس أوف هورن ؟ه sە†۾G "1h‏ 


4ھ لقيردي نل وهي فصول استثارت عددا من الردود الغاضبة التي تدافع 
عن صدق المشاعر النسوية لدى أوستن وعن السياسة الممناهضة للاستعمار لدى 
يردي - آنها تهدف بالدرجة الأولى إلى إثبات الكيفية التي قد تتضمَن الأعمال 
الفنية فيها علاقة إمبريالية عنيفة بهدوء وتتنصل منها”. والفرضية الكامنة هي أن 
الفن الأصيل يستوعب بيئته استيعابا يبلغ من رهافته أنه يكون شاهدا على قَيّم لا 
هملك القدرة على تشخيصها. 
غير أن هذه الناحية من الدراسة» وهي ناحية استثارت قدرا من السخرية أحيانا 
- كما فعل صادق جلال العظم عندما قال: «ليس هنالك من كشف جديد ق القول 
إن ثقافة البلد الإمبريالي تعكس توجهات إمبريالية» - م تكد تلمس طموحات 


345 


إدورد سعيد 
الكتاب؟". لقد حظي الكتاب بترحيب بالغ من جهات عديدة (فقد عدّھ چومسكي 
هو وكتاب «القضية الفلسطينية» هم كتبه)» وطبع طبعة خامسة في يونيو 
3 وكان لا يشبه الملخصات الشعبية الني ظهر واحد منها في اة «تایم» على 
سبيل اممثال”. هذا الكتاب «اللذيذ» (بتعبير روبرت هيوز) يتناول «الكيفية التي 
عملت فيها الحقائق الكبرى الثلاث للإمبراطورية - الاستعمارء والمقاومة من جانب 
0 الم عة اض من ال هار < عا ين اوا اة 
والفرنسية على وجه التعيين». 

بيد أن لكتاب «الثقافة والإمبريالية» طموحات أكبر من هذه بكثير فلم يكن 
سعيد مستعدا لحصر الإمبريالية في «الاتجاه الذهني» وحده بل ربط فكرة الكتاب 
بالحقائق المادية امتمثلة في الاستيلاء على الأراضيء وهو شكل ثان من آشکال إدخال 
الاقتصاد في حجاج کان يدو أنه يهمله: «مع حلول العام 4 کان اممعدّل السنوي 
[للاستيلاء على الأراضي] قد ارتفع ليصل إلى 240 آلف ميل مربّع. وسيطرت أوروبا 
على ما مجموعه 85 في اممائة من الكرة الأرضية على شكل مستعمرات»”. وقد 
ذكر سعيد قراءه في كل مناسبة بأن كل شيء - من الاختلال في العلاقات التجارية. 
واستخراج المواد الخام» ونظم التعليم الاستعمارية - كانت تعود أصوله ممعارك على 
ما هكن الحصول عليه من الأرض. وعلى غرار كتاب «الاستشراق»» الذي انتقل فصله 
الأخير من مصر نابليون إلى وزارة خارجية الولايات ال متحدة ‏ فإن خاتمة الكتاب 
حولت نظرها إلى الوضع الإمبريالي الحالي» حيث تنخرط الشركات التي تتجاوز 
ملكيّتها حدود الأمة الواحدة في صراع يرقى إلى حرب على «الملكية العامة». 

إن الحقيقة الملموسة ماذَيَّة الأرض وممحدوديتها في هذا الكوكب زؤدت الكتاب 
بأساس ما كان هكنه الحصول عليه من غيرهاء وهذا ما ساعده على تفادي التهمة 
القائلة إنه مثالي أكثر من اللازم بإعطائه المكان الأبرز للصور والأفكار بدلا من 
العوامل الحقيقية المتمثلة ف الأسلحة. واممالء والمصادر الطبيعية (وهي تهمة 
وجُهها له صدیقه وحليفه السياسي سامي البنا من بين آخرين). غير ان سعيد 
كان يؤكد في الواقع على دهومة الأرض التي لا مراء فيهاء وعلى حدود المكانء 
وعلى ال مركزية الطاغية للغة الإنگليزية. وكان تركيزه على الجغرافيا جلا لزؤاره في 
شقته» حيث كان يستخرج أحيانا خريطة كبيرة من تلك التي يستخدمها القادة 


346 


العالم الثالث يتكلم 


العسكريون وا مخططون الاستراتيجيون في الحرب في غرفة العمليات لدراسة توازن 
القوى عند نشوب المعركة القادمة. وهناك كان ينتقل ليريّهم بالضبط ما كان 
الفلسطينيون يواجهونه» والبانتوستانات* التي كانوا e‏ فيهاء والطرق التي 
تخترق أراضيهم وتخنق اممواصلات وتمنع الوصول إليهم» تماما مثلما كان يحصل في 
نظام البلدة ف جنوب آفريقيا في عهد الفصل العنصري". 

لا يشير سعيد إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مباشرة في الثقافة والإمبرياليةء 
لكن من الواضح أن ذلك كان في ذهنه في أثناء تفصيل القول في غزو الهند وأفريقيا 
وجنوب شرق آسيا. ولكنه فعل ذلك بينما كان يتوسْع في مفهوم الجغرافيا الخيالية 
في حركة عدّها البنا وآخرون مغرقة في المثالية. وم تصل قوّة حجته في أي مكان 
آخر إلى ما وصلت إليه في الثقافة والإمبريالية عندما تقذّم بالرأي القائل إن حق 
استيطان بقعة من الأرض والعمل فيها «شيء يجري تصويره والصراع حوله والوصول 
إلى قرار بشآنه في السرد الرواني»”» وتعطى السلطة القانونية على الأرض عادة 
لأولئك الذين لديهم حق الإرث أو السبق ف الاستيطان. وكلتا هاتين الطريقتين 
تدعم بقصص عن صيغة من الماضي وليس عن سواها. وفي النهايةء يتوافق القانون 
مع القصة التي تكسب الجمهور الأكبر. 

هذا التصادم ف الفكرة المطروحة بين القدرة التشكيلية للأفكار من ناحية» 
واماذية الملموسة للأرض من الناحية الثانية كان علامة ثانية على مشروع يحارب 
مه ومن لمكن مكحف هذا التوتر قى امال الضكلح «الرانة 
نفسه. ففي الحركة الافتتاحية للكتاب عكس سعيد بجرأة» وبشكل غير مقنع 
إلى حدٌ ماء الفهم اممعتاد للتسلسل الزمني بين الإمبريالية والاستعمار. فالاستعمار 
يقد ف الادة آنه ياق آؤلا وهو إجراء خمان غين منظم قاثم غا اإلخامرات 
الخاصة وعلى الشركات القابضة من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع 
عشرء وفيه تسرق المصادر وتسخر العمالةء وتقام المستوطنات خارج البلاد 
ويحصل كل ذلك فيما بعد على دعم التاج. وتشكل شركة الهدد الشرفية نموذج 
هذا النوع من العمليات. 


() منطقة محصورة تعيش فيها جماعة إثنية تختلف عن الدولة التي تضمهاء تتمتع شكليا بقدر من الاستقلال 
ولكنها تعتمد على الدولة المسيطرة اقتصاديا وتفتقر إلى السلطة الحقيقية. [المترجم]. 


347 


إدورد سعيد 


أما في المفهوم السائد حاليًا فإن الإمبريالية ثفهّم على أنها التحويل الذي جرى 
في القرن التاسع عشر للعملية السابقة إلى إجراءات مالية. وخلافا للاستعمارء فإن 
الإمبريالية تمارس السيطرة عن بعد عبر إجراءات تجارية عقابية و صندوق 
النقد الدولي نة الف والتقوبات الحكك وخطط القفت التي يفرضها 
البنك الدولي. ويدلا من احتلال البلاد الأخرى وإقامة الأجهزة الو أو 
تدريب التخبة المحليّة. قإن القوة يجري تأكيدها بالتهديد بالتدخل العسكري 
وفرض العقوبات. لكن سعيد يعكس الترتيب الزمني. وفي «الثقافة والإمبريالية» 
يرى أن الإمبريالية ليست امتدادا لنظام يقوم على سرقة المصادر الطبيعية وتسخير 
العمالة. بل هي حافز أوّلي» بل هي شهوة للغزو والإخضاع العرقي الذي يسبق 
الاستعمار: «إنها إحساس مقيم» يكاد کون ميتافيزيقيا لحکم شعوب تابعةء أدنى» 
آل فمف وضو دن ها فون 9 شل #عطا اصن القديم أن الاستعمار 
«انتهى تقريبا» وهو موقف يتعارض مع كثير من أقواله السابقة عن المموضوع”. 

هنا أيضا قد يجد القارئ اختلافا مع طموح آخر للكتاب مم تتناوله مراجعة 
مجلة «تايم» هي ومصادر أخرى نمثل الآراء السائدة. وم ينتبه قزاؤه بعامَةء ولا 
الأكاد هبون منهم بخاصة» لهدفه الواضح في الكتاب» وهو التنويه بالعصر الذهبي 
لحركات التحرر ا معادية للاستعمار» حرکات فرانتس فنُوء وپاتريس لومُمْباء وأملكار 
کبرال*) وغيرهم. وکان يصرٌ ليس فقط على أن تجاربهم كانت لاتزال ذات صلة 
با لموضوع» بل على أنهم زؤدونا بنماذج أفضل من تلك التي فضلها ا مثقفون لفهم 
النظام الإمبريالي ا معاصر. هذا التردد النظري حول ما إذا كان الاستعمار لايزال 
موجودا أو غير موجود عكسه الكتاب في مستويات الخطاب العاطفي المستعملة 
مقا تت الا ال هة وما يرافقها من تبجيل للأبطال الذين أغفل ذکرهم 
وتمجيد الباحتثين لهم وحلت فلا قصص عما عاناه ثوريو الإمبراطورية ونقادها 
من قسوة السجون والجوع والعذاب. هذه العناصر الأخيرة أعطت الكتاب شيئا 
شبيها بلغة استثارة الغوغاء التي لا تتناسب مع مصادر الكتاب ومراجعه ذات الوزن 
الثقيل» ومع التعبير عن عدم اليقين في بعض الأحيان. 


(#) قاد حركة استقلال غينيا بيساو؛ واغتيل قبل إعلان الاستقلال بثمانية أشهر في العام 1973. [المترجم]. 


348 


العالم الثالث يتكلم 


لكن سعيد حافظ على وحدة هذا اممشروع برغبة واحدة متماسكة على رغم هذا 
التنافر ف الأفكار» فبغض النظر عن الأشياء الأخرى التي فعلهاء فإنه أراد هنا في آخر 
المطاف أن يقيم نظرية أصيلة مصدرها الوحيد هو العام الثالث» بينما كان يشكو 
منذ سنوات أنها غير موجودة. وقد بدا في مرحلة من المراحل أنه وجد صيغة من 
صيغ «المعارضة» لدى السكان الأصليين ف العام الثالث ممثلة في صيغة «الاحتجاج 
الدارمي» /dharmic protest‏ عند اممؤرخ البنغالي راناجیت غوهاء ولکنه بحث 
عن مزيد من الأمثلة". ولتحقيق هذا الهدف لجا إلى كلمات أساسية ف العناوين 
الفرعية للكتاب» وهي عناوين أوحت بالسعي الممضني إلى الوحدة: «الفروق» «أفعال 
المقاومة» «الرؤى الموخّدة». ولكنه هنا أيضا كان يعمل ضدٌ ما يريد واستسلم في 
النهاية لتنظيم كني جری التأکید فيه «علی جانبین» وعلى رؤيتين». 

انت صوة الباق اتوس إعدى طرق الي فن هذه افا لكان 
متزامنان تختلط أصواتهما ولکنهما یحافظان على کونهما اثنين مستقلین على رغم 
أن التوافق بينهما يني عبر الحركة الأفقية وليس عن طريق اتحاد الطرفين في الصوت 
العمودي. وكان يبحث» كما بحث ف كتاب «الاستشراق»» عن الأرضية المشتركةء ويصر 
على الاحترام اممتبادل للاختلافات بين الشعوب» ولكن من دون اهتمام بالانفصام 
الأسطوري المطلق بين الشرق والغرب الذي نجده في شعر کپلنغ عنام اK.‏ انطلقء 
مسلحا بهذه العقليةء لتحطيم «اللعنة الغربية ذات التوجُه اليميني» التي ترى كل 
ما ليس بالأبيض» ما ليس بالغري» ما لا ينتمي إلى التراث المسيحي اليهودي على 
آنه خارج الخليقة**) الغربية وسخر بالدرجة نفسها من القوّة من أمثال عالمَيْ 
الاجتماع الإيرانيّين علي شريعتي وجلال آل أحمد اللذيْن عَذّا الغرب «عدؤ رفا 
وشرا». غير أن صورة «الجانبينء والرؤيتين» خلفت في نفسه ثناثية الشرق في مقابل 
الغرب غير ا مريحة على رغم كل ذلك. 
(*) من بين المعاني التي يذكرها القاموس امسمى 14۲٥ء9 American Heritage‏ لهذه الكلمة السنسكريتية: 
القانون الذي ينظم الكون» وواجب الفرد نحو الجماعة - ومجموعة التعاليم البوذية. [امترجم]. 
( ) هذه الكلمة تقابل كلمة he American Heritage Dictionary lعيو «ethos‏ على هذا النحو: امزاج 
أو الصفات» أو القيم» الأساسية التي يتصف بها شخص,» أو شعب» أو ثقافةء أو حركة. وهي معان أحسبها متضمنة في 
كلمة «خليقة» کما ترد فی بیت زهیر بن آي سّلمی: 


ومهما يكن عند امرئ من خليقة 
وإن خالها تخفى على الناس تعلم. [المترجم]. 


349 


إدورد سعيد 


هكن القول إن كتاب «الثقافة والإمبريالية» أل كتبه تشدّدا من بعض النواحيء 
لكنه جعل العواطف ال منقسمة في كتاب «الاستشراق» أعلى حدَّة. وبدا في بعض 
الأحيان آنه يؤمن بلغة «القوتين العظميين» التي تستخدمها لغة الأخبار الأمريكية 
التي طفق ينتقدها في مقالة إثر أخرى. وقد أعطت بعض الفقرات الانطباع بن 
الصراع اااي في العام يقع بين الأجناس البيضاء والسوداء بين نظرتين منفصلتين 
انفصالا مصيريًا يتعارض مع ابملاحظات المُطمئتة في الفصل الأوّل: «أراض متداخلة» 
تواريخ متشابكة»”. کان و الغرب سواء كانوا من أتباع الماركسيةء النسوية 
أو البنيويةء أو التحليل النفسي» مصابين - مع استثناءات قليلة - بالعمى عند النظر 
إلى الإمبريالية في رأيه". وحتى رَيْمُنّد ولْيَمْر وصهناازW‏ 4«هصرهR‏ الذي كان 
سيد قد أضاب ف امغداحه موقفة آأعاكس» تحول فجاة إل مفكر «م تكن التجربة 
الإمبريالية عنده ذات صلة». ومما يثبر الاستغراب أن سو في هذا التعليق 
كتابات مناهضة للاستعمار أنتجها شعراء وروائيون وكاب مقالات مثل ديدرو 
وبليك» و و. . ب. دیو بوس ہ8 ۷W. £. 8 du‏ و ھ ج. dH, €, Wk Js‏ 
ونانسي کیونارد °12 Nancy‏ **. 

أن مسجد أن وریا کا كات ادف حتی العام 1904 «بحماس إمبريالي لا 
يعارضه فيها أحدٌ». لكنه (بسبب ترڈده) خفف التهمة فيما بعد ثم تراجع عنها 
تماما. وقي الحالة الثانية تحدّث «عما يقرب من التغثر الکوپرنيكي *** في العلاقة 
بين الثقافة الغربية والإمبراطورية» في السنوات الأولى من القرن عندما جاءت 
موجة من التفكير الجديد والطاقات الثورية التي أطلقتها روسيا فجعلت الكثير 
من المثقفين يدركون أن الحرب العامية الأولى كانت مشاحنة بين القوى الأوروبية 
الساعية إلى السيطرة على المستعمرات. 

غير أنه عاد بعد هذا التنازل الظاهري لتأكيد موقفه الأصلي القائل إن ا مبشرين 
الغربتينء والأنثروبولوجيين» وا مؤرّخين ال ماركسيّين» بل حتى حركات التحرير نفسها 
(٭) ولیم دورد بیرغهارت دیو بویس (1963-1868) كان عام اجتماع أمريكياء واشتراكياء ومؤرْخاء وناشطا في حركة 
الحقوق المدنيةء وكان أول أمريكي أفريقي يحصل على شهادة الدكتوراه. [امترجم]. 
(* *) (1965-1896) كاتبة بريطانية من الطبقة العلياء قاومت العنصرية والفاشية» وكانت على صلة بكبار الكتاب 


والفنانين في عصرها. [المترجم]. 
( #) نسبة إلى کوپيرنكس الذي طرح نظرية مركزية الشمس بدلا من مركزية الأرض. [المترجم]. 


350 


العالم الثالث يتكلم 


عبرت عن موقفها الأبوي نحو آفريقيا [معنى حكمها وحرمانها من الحقوق 
وامسؤوليّات]» وأنكرت عليها استحقاق السيادة: «الوضع الثقافي العام... اتفق مع 
هذا النمط من التفكير»"” وأرّخ بعناية «تطور النظرات الثاقبة العظيمة التي 
أنتجها عصر التنوير» في العنصرية» وتناول الكتابات التي كشفت لاأخلاقية المشروع 
الاستعماري على يد بارتولومي دي لاس «*Bartolomé de las Casas ll‏ 
والب رینال 1ه ره۸ 6 طط4 **» وكانت» وهيردر. ولكننا لا نحصل إلا على انطباع 
باهت عن مدى الصراحة والاستمرارية في مهاجمة المشروع الإمبريالي. كذلك لا يرد 
ذکر لردود الفعل المتعاطفة ف أوروبا مع الثورات التي حدثت ف الجزائر ومصر 
في القرن التاسع عشرء أو مع حروب قبائل الزولو التي نجحت بعض الوقت ضد 
البريطانيين في سبعينيات القرن التاسع عشر - وكانت هذه كلها نقاطا مفصلية 
أظهرت أن نقده والنقد الذي أنتجته دراسات ما بعد الاستعمار تتحدر من تاريخ 
طويل من التفكير المناهض للاستعمار هم يحصل على ما يستحقه من التقدير. 
وعلى رغم الحذق الواضح في نسج هذه الخيوط لإخراج شكل تعليميْ واس فإن 
ارط انج ارت عا فاا جل جاضعا وة او 

أعطتنا مقالتان تعودان لتلك الفترة» وهما أجرأً ما قاله عن الحروب الثقافيةء 
نظرة فاحصة عن أسباب هذا السعي إلى تقديم موقف متوازن. والمقالة التي تثير 
الإعجاب أكثر من الأخرى هي تلك ال معنونة «سياسة المعرفة» (1991). تبداً هذه 
المقالة برواية حادثة عن تقديم صيغة أولى من مقدمته لكتاب «الثقافة والإمبريالية» 
في إحدى الجامعات الكبرى التي تهتم بالبحث العلمي (جامعة رتغرز)» وصف فيها 
تعرضه للهجوم في أثناء فترة السؤال والجواب من جانب امرأة أفريقية أمريكية 
تنتمي إلى هيئة التدريس في مجال التاريخ لها من الشهرة””. والظاهر أنه 
عومل بقسوة. وكانت التهمة هي أنه مم يذكر أي امرآة غير أوروبية في ورقته. 
وكان واحد من أعدائه القدماء وهو مستشرق عربي» حاضراء انضم إليها فيما بعد 


(*) (1566-1484) التحق بسلك الكهنوت» وأَرّخ» وشاهد فظائع الاستعمارء وكتب عن تدمير حضارة السكان 
الأصليين في جزر الهند الغربية. [امترجم]. 

(# #) (1796-1713)؛ أهم كتبه هو تاريخ فلسفي سياسي للهندين» الذي نشر بأربعة أجزاء في أمستردام في العام 
0. [اممترجم]. 


351 


إدورد سعيد 


وهاجمه للأسباب نفسها"“. ويبدو أن الحادثة جرحتهء لذلك فإنه كان لايزال يشكو 
لأصدقائه بعد أشهر من تلك الحادثة. 

قال في تلك الممقالة إن تأكيد وجود «آخر» من غير البيض لا يرقى إلى مصاف 
الحجَّة» فضلا عن مصاف الححْة التقدّمية. فلا العرق ولا الجنس [ذكر/ أنثى] هو 
البداية أو النهاية للشخص. فلو كان ذلك كذلك كما فعلت المدرسة في جامعة 
رتغرز لكانت النتيجة التي تجاف امنطق التي تجعل كراسة من الدرجة الخامسة 
وإحدى الروايات العظيمة متساويتين في القيمة تقريبا. «لكن المهم في النهاية في 
رأي سعيد هو كيف يكتب العمل وكيف يقرآ». ومن الممكن تماما أن يجري التعبير 
عن ال مشاعر المناهضة للاستعمار بقراءة بيتس أو شلي قراءة نقدية. ولم تقض بضعة 
أشهر أخرى حتى كان قد أنجز مقالة أخرى حول الأفكار نفسها نشرها في مجلة 
ترانزشن «٥نازءصه1۲‏ التي تهتم بالقضايا الأفريقيةء وفيها تناول ال مناقشات التي 
كانت تدور حول «التراث المعتمد»*. وقال إن النقاد المحافظين من أمثال إرك 
دوتلد هرش ۲ءء .5 E.‏ کانوا یبالغون في حجم التغيبرات التي اغریت عا 
قوائم القراءات المطلوبة من طلبة الكليات» وهي قوائم تملأها أسماء مثل شيكسپير 
وت. س. إلْيُّت. كذلك فإنه اعترض في الوقت نفسه على «سخافة» الأساتذة الشباب 
وطلبة الدراسات العليا الذين هاجموا كبار الباحثين ووصفوهم بالعنصريينء 
وهاجموا زملاءهم لأنهم يخالفونهم سياسيًا. 

يعود الكثير مما في كتاب «الثقافة والإمبريالية» من غموض إلى محاولة 
التوفيق بين حركات التحرير المتشدّدة من ناحية واتفاق آراء المنتمين إلى الفكر 
الجديد في مرحلة ما بعد الاستعمار من ناحية ثانية. فاطموجة الجديدة من 


(*) الكلمة الأصلية هي ١٥«هء»‏ وهذه تستعمل أحيانا لتدلٌ على ما ثبتت نسبته من أعمال كاتب من الكتاب في 
مقابل ما تشب إلبة أو إلى غيره خطا. وأوضح مثال على الفكرة في الثقافة العربية الإسلامية هو الحديث النبوي. 
فاممسلمون الستة يسلمون بان ما ورد في صحيحي مسلم والبخاري 21ءن«ه ۸ه آي يعتمدون الأحاديث التي رويت 
فيهما جزءا من تراث الإسلام» بينما يصفون أحاديث وردت خارجهما بأنها ضعيفة أو موضوعة. وقل مثل ذلك عن 
دواوين الشعر التي تفرّق بين الأصيل وام منحول. لكن الفكرة تتوسّح أحيانا فنقول إن الشعر العربي ا معتمد هو الشعر 
الذي تمثله ا معلقات وشعر عدد قليل آخر من كبار الشعراء. وف سياق الأدب الإنگليزي م تكن كتب ال مختارات 
الكبرى تضم كتابات للنساء أو الأمريكيين الأفارقة؛ لذلك فإن التراث اممعتمد كان بُقصي كتاب الأقليات أو المستضعفين. 
لکن تعريف التراث ا معتمد أخذ يضم أمثلة من هذا الأدب تحت الضغوط السياسية التي مارستها الحركات النسوية 
والأقليات السياسية. [المترجم]. 


352 


العالم الثالث يتكلم 
الباحثين في أدب ما بعد الاستعمار دخلت إلى الحياة الأكادهية قي الغرب للمرّة 
الأولىء وكثير منهم ينتمون إلى البلاد المستعمَرة سابقا أو يتصلون باطميلاد أو باسم 
العائلة إلى أولئك الذين كانوا يعيشون في تلك البلاد. كذلك كانوا ينتمون إلى 
جيل تشكل ف عهد الرئيس ريغن من ناحية وحقبة ما بعد الحداثة من ناحية 
فة وه شاج ر کو موم من جوب آسيا وآمريكا اللاهة والكرق لاوط إن 
الجامعات امموجودة ف الممركز الحضاري (metropolitan‏ بسبب الفرص التي 
أوجدها سعيد. ولكنهم مجرد أن وصلوا إلى هناك» وشعروا بالقوّة التي وجدوا 
أنهم هملكونهاء انتسبوا إلى نظرية «الانفجار الكبير» القائلة إن مقاومة الاستعمار 
م يكن لها وجود قبلهم. وبدا أن الفكرة هي أن على ال مرء أن ينتمي إلى جماعة 
عرقية أو إثنية أو قومية مظلومة من أجل أن يقاوم ال مظام الإمبريالية؛ وهكذا 
جيء معادلة (ظل سعيد يعارضها على الدوام) بين ما يعرفه المرء وما هو. وف 
خلفية شهدت نهاية الانتعاش الاقتصادي الذي أعقب الحرب العامية الثانية 
)1972( وسقوط جدار برلين (1989) أخذت الاهتمامات التي تشغل صفحات 
فراسات ما يه الأمتحمار تاف عن اشامات ميد التي أخذت كر غان 
إيجاد دول جديدةء والتشكي للحكومات» وابمعارك التي تخوضها وسائل الإعلام في 
امجال العام. أما دوافع دراسات ما بعد الاستعمار من جهتها فقد توصف بأنها 
كراهية عامُة لكيان غربي يطلق عليه اسم غامض هو «الحداثة». 
وعلى رغم أن دراسات ما بعد الاستعمار كانت قد اخثرعت في أقسام اللغة 
انكر فاا كاف دة كل الد عن أن ون دراسات أذية خالكة: فد 
أخذت تستعين بالنظريات الفرنسية والأطمانية الاجتماعية والإستطيقيةء وأنتجت 
أنواعا مختلفة من الكتابةء أعمالا فلسفية مزجت الإثنوغرافيا والتاريخ بلغة 
مليئة بالمصطلحات والاتجاهات الماركسية والفوضوية. وانتشرت بسرعة من حقل 
الإنسانيّات إلى كل جناح من أجنحة العلوم الاجتماعيةء وكان بإمكانها أن تجد 
باحثين في مجال دراسات ما بعد الاستعمار في حقول الأنثروبولوجياء والتاريخ» 
() الكلمة الأصلية هنا هي ناهم هام وتدل في العادة على المدن الكبرى قي البلدء ولاسيًّما العاصمة. لكنها 


أخذت تستعمل معنى مركز الحضارة الحديثة بعامة كما قد نصف الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية في مقابل 
العام الثالث. [المترجم]. 


353 


إدورد سعيد 


والجغرافياء مثلما قد تجدها في حقل الأدب الممقارن. إذن» كانت عبارة «نظرية 
دراسات ما بعد الاستعمار» هي العبارة التي تمثل سعيا وراء أوروبا «أخرى» 
باستعمال مفاهيم تعود لفئة معيّنة من الفلاسفة الأوروبيين في رفض غامض سياسيا 
مما يدعى ب «الإنسان الغربي». وهكذا وجد سعيد نفسه بين تقليديين eT‏ 
أي شيء جديد» وطليعيين تخلوا عن بعض من أشدٌ أماط التفكير النقدي الذي ظهر 
ف ااي بحجُة أنه أبيض وذكوري. كان قد أصبح هو الأب الاسمي لحقل كان 
متردّدا في التخلي عنهء ولکنه حقل مم بعد يتوافق مع رؤياه. 

كانت حدَّة انزعاجه كعادته أوضح خارج كتاباته الأكادهية. وتعطينا مراسلاته 
الكاشفة مع كاميل پاليا وهي كاتبة ذات أسلوب يفيض بالحيويةء تدرس في كلية 
صغیرة للفنون) فی فیلادلفیاء مثالا على ما نحن بصدده هنا. کانت پاليا قد آثارت 
E‏ العام الأكادهي مقالتها الصاخبة بعنوان «الأسهم الرديئة وتكثّل الغزاة» 
(1991) بينما كان سعيد يستعدٌ للانتهاء من «الثقافة والإمبريالية». هذا الهجوم 
المنفلت على ظاهرة «حك ظهري لأحك ظهرك» كان هجوما على النظرية أيضا 
لأنها في رأيها أزالت كل ما في الفن من متعة. كانت پاليا من أنصار الحركة 
النسويةء وقد ركزت في أكثر كتاباتها على الطبيعة الجنسية وعلى الثقافة الشعبية 
لكنها في هذه الممقالة دافعت عن الأعمال الكلاسيكية وعبرت عن رأيها القائل إن 
الثقافة المضادة في عقد الستينيات (التي استمدّت منها إلهامها) كانت قد قضت 
على كليشيهات الحداثة وأنقذت النقد الجديد. وأوضحت للجميع أن أتباع ما بعد 
البنيوية من أمثال لاكان ودريدا وفوكو كانوا «رجعيّي زمننا امتحجرين». انتقدها 
سعيد بلطف بسبب ميلها إلى المبالغة أحياناء ولكنه كان متفقا مع أطروحتها القائلة 
إن النظرية «خطر» على الطلاب”. 

تركت إحباطاته آثرها في قاعة التدريس أيضا وأبعدته عن مساره اممعتاد 
وخالف الاتجاه السائد في العام الأكادهي فأخذ يدرس أقل مع تعاقب السنين في 
العقد الأخير من القرن العشرين» وأخذ يشكو من أن الطلبة فقدوا الحسً النقديء 
وم یعودوا قادرین على اتخاذ موقف خاص بهم: «أهينهم» ألاطفهم أداهنهم... 


)%( هي ف الواقع جzalعة .The University of the Arts lawl‏ [المترجم]. 


354 


العالم الثالث يتكلم 


ولكنهم م يعودوا راغبين في المجادلة. يأخذون كل آقوالي كأنها نصائح مهنية»”. 
وأخذت موازنته بين النقد القاسي والدفء والتشجيع لجل شیئا فشیئا. وعلی 
رغم أنه حافظ على حضوره الطاغي في قاعة التدريس» فإنه فم يكن داتما لطيف 
الأسلوب مع الطلبةء إذ أخذ لا يفوت الأخطاء وأخذ صبره ينفد بسرعة. 

بقيت أهداف «الثقافة والإمبريالية» مخفية في غابات من التوجيهات غير 
الصحيحة نتيجة للصراع الداخليء ففي فصل من الفصول المضطربة في منتصف 
الکتاب على سبیل اممثال تأمّل فی تابات مؤلفین من أمثال توماس مان 1101٣8‏ 
Mann‏ وأندریه جيد 61de‏ ٤إdص4‏ تمكنوا من جعل الإمبريالية موضوعا من 
موضوعاتهم» ولكنهم لفوه بغطاء أخفى معاممه» وم يصلوا إلى حدٌ إعطاء السكان 
الأصليين صوتا خاصًا بهم آو إلى تجاوز تصوير عامهم غير المآلوف وإضفاء جو 
من التشاؤم عليه. فالهدف من كتابة كتاب «الثقافة والإمبريالية» بوصفه استكمالا 
لكتاب «الاستشراق» كان المضي مما هو سلبي إلى ما هو إيجابي. م يكن الهدف 
هو إظهار الأعمال السيئة التي ارتكبتها أوروباء بل إعطاء مثقفي العام الثالث 
فرصة للكلام» وهو أمرٌ م يفعله كتاب «الاستشراق» على رغم كل حرارته الثورية؛ 
لذلك فإن الكتاب يستند إلى تراتبية تبدأً من تمجيد أبطال ظهروا في العام الثالث 
من آمثال الطيب صالح» وجان جينيهء وجورج أنطونيوس الذين يختلفون عن مان 
وجيد ف أنهم أظهروا أن ثقافتهم ذات أبعاد ثلاثة وذلك وفق رؤيتهم هم وقدّموا 
نظما بديلة للقيم من منطلقات جديدة موجودة ف الأطراف. 

مم تكن هذه اممقارنات ذات الممنحى التعليمي شيئا يخفى على الناظرء وكان 
الكتاب مملوءا بهاء عارضا بوضوح ما هو جد وأجود. والأجود في قضايا الثقافة 
والإمبريالية. ونتيجة لذلك» وعلى رغم أن هذه الإهاءات الدعائية كانت ضرورية 
للخط السياسي في الرمال التي آراد تصويرهاء فإن كثيرا من خيوط فكرته م 
تلفت النظر» ومن أهم هذه الخيوط ذلك الذي يكمن في القسم المسمُى 
«تعليق على الحداثة». 

كتب سعيد ما كتب بوعي تام لحقيقة أن الكتابات الحداثية لكل من غيرترود 
ستاين» وجويس» وكافكاء ومالارميه م تكن مجرّد مدرسة أدبية أخرى تعلم ف 
الجامعة. وقد كان الأساتذة على مدى عقود من الزمن يضعون الحداثة في ال مركز من 


355 


إدورد سعيد 


التعليم الأدبي ويجعلونها مقياسا ينبغي أن تقاس به كل الكتابات العظيمة. ولكنهم 
ف ذلك ف رآیه ا في آنفسهم» e‏ المألوفة للحداثة: ما لا هكن 
تح وما لأسف کف وما ف ذاته - هذه المواصفات أصبحت معتقد 
اليأس المدني. والكتابات التي حبكت حبكا جِيّدا عن موضوعات الكزب» والخواء 
والصمت الحداثية ليست هي کل ما هنالك في رأيه في روايات قرجنيا وولف وشعر 
إزرا پاوند» فهي تعكس ف الواقع «ورطة الناقد وليس صعوبة الأدب»”“. وكان 
قد اشتکی یوما للاینل ترلنغ من أن التصفيق الذي يكاد يكون شاملا للحداثة ف 
العام الأكادمي اغتاد آن درک على «الجانب الممظلم المضطرب من عدميَتها» مع 
نسيان ذلك الجانب منها الذي يثله نيتشه. كان نيتشه هلك «إحساسا متجدّدا 
با معرفة العقلية وإحساسا بناء بالعلوم الإنسانية» إحساسا قوبًا بالكيفية التي تعبر 
بها الطرق الممختلفة لدراسة ا مجتمع والثقافة» طرق مثل الاقتصاد وعلم الاجتماع 
وامموسيقى عن نفسها من خلال البحث الإنساني وحده*. قد تقدّم الجامعة موقعا 
دفاعيًا عقلانيا ضد إزعاجات السياسة» ولكن السياسة تدخل إلى الجامعة بطريقة 
ملتوية عبر الحداثة التي تتخذ شكل الفضاء العقلي ممناقشة اليأس في بيئة الذوق 
الإستطيقيء» تلك البيئة التي لا تتصف القضايا المثارة فيها بقدر كبير من الخطورة. 

هذه الناحية من النقاش قربته من لوكاتش. وكان قد تساءل باستمرار عن السبب 
الذي جعل كثيرا من النقاد الأمريكيين يبتعدون عن هذا الماركسي العظيم بينما كان 
لديه الكثر مما يقوله عن الكيفية التي تشكل فيها الحركات الأدبية أو الاستراتيجيات 
الإستطيقية (التي يقال إنها ليست فغّالة في هذا اممجال) التوجهات السياسية 
للمجتمع. كان بوسعه هو شخصيًا أن يتفهم قدرة الفيلسوف الهنغاري على الإفلات 
على نحو بهلواني من النقد الرسمي بسبب موقفه اممعارض» ويتجاوز الضغط اطمستمر 
القادم من فوق ومن الجوانب كلها. وليس واضحا ما إذا كان سعيد يعلم الكثير عن 
كتابات لوكاتش عن الثقافة والإمبريالية من عقدي الثلاثينيات والأربعينيات» وهي 
الكتابات التي استقصى فيها تأثير الاتجاهات الإمبريالية على الفلسفة والفنون في أمانيا 
بعد حقبة بسمارك حتى الانهيار الذي أعقب الحرب العاممية الأولى“. 

ومهما يكن من أمر فإنه لا يشير إلى أعمال لوكاتش التي تعود إلى هذه الحقبة 
على رغم أن من الواضح أنه أدرك العلاقات التي أقامها لوكاتش بين الحداثة و«الفترة 


356 


العالم الثالث يتكلم 

الإمبريالية» (بتعبير الفيلسوف)» لأن أفكاره ف الكتاب تماثل تلك الأفكار عن كثب. 
وكان سعيد قد وصل إلى حذ القول قبل عقد من الزمان إن نظريات لوكاتش 
الاجتماعية ذات آهمية عميقة للشرق الأوسط وأنها «تشبه المناقشات ذات المدى 
الواسع التي كانت تدور في العام الإسلامي»* . ولذلك لا يدهشنا أن نجد لديه ما 
لدف لوكاتش من فحفظات عن الحد ا عان رغ آنا ۾ تكن وة من جاتب 
كثير من قرّائه لأن الفنانين الحداثيين كانوا مادة تدريسه بصفته متخصصا في الأدب 
البريطاني الحديث» وبدا أنه ينطلق من كتاباتهم في مقالاته"*. 

ومع ذلك فإنه وجد ما يدعوه إلى التعبير عن عدم رضاه بالتركيز على الاتجاهات 
الإمبريالية الكامنة تحت سصح الثقافةء وبالتأمل في تجاربه المضادّة مع الواقعية 
العربية المتكررة. وحيث إن الحداثة كانت نظرة إلى العام أو «آيديولوجيا» (بعبارة 
لوكاتش) فإنها تَحَّث نحو استثارة الحواس أكثر من استثارة الأفكارء ونظرت إلى 
بني البشر على أنهم منعزلون» غير اجتماعيين» عاجزون عن إقامة علاقات فيما 
بينهم. وقد شارك سعيد لوكاتش في هذه الشكوى وأضاف لها أفكارا من عنده. فقد 
انتقد مَيْل الحداثة إلى «الاستغراق في الذات» والانقطاع عن الآخرين» وجعل الذات 
مرجعية نفسهاء والسخرية الجارحة»**» ولن تظهر نظرية محلية مصدرها العام 
الثالث إلا إذا ظر إلى هذا الاتفاق الحدائي على أنه وجهة نظر تخص المركز وليس 
مصيرا إنسانيًا عامًا. وبذلك يعرف المثقف الأوروبي بالأذى الذي تأتي به الإمبريالية 
ولکنه لا يقبل أي مسؤولىة e‏ لنا عدم وجود بدائل. وعلی رغم کل ما تأي به 
الحداثة من ثراء ثقافي ونظرة عاممية» وعلى رغم جرأة ما جاءت به من ا ترتیب 
للزمن التاريخي وانتهاك للأعراف فإنها ابتكرت مفارقة في الشكل «یحل الفن... 
فل التركيب الذي كان ممكنا في يوم من الأيّام لإمبراطوريات العای7* وکانت في 
تعطيلها للحس النقدي واستباقها للرغبة في المبادرة عند كونراد كما عند غيره جزءا 
من النظام الإمبريالي نفسه. 

KK 

آخذ سعيد ينظر إلى امموسيقى طوال عقد التسعينيات» تحدوه الرغبة في جعل 
جانب واحد على الأقل من حياته غير خاضع للجدل» على أنها الجدار الحامي 
من اليأس ف الثقافة السياسية الأمريكية التي أخذت تحزنه أكثر فأكثر. لكن هذه 


357 


إدورد سعيد 


الإستراتيجية مم تكن فعّالة دانماء ففي رده على الروائية الناجحة پاترشا هايْسّمث 
Patricia Highsmith‏ ف العام 1988 ذكر أن مقالته التي تناول فیها عازف البيانو 
قبلتها صحيفة «النيويورك تاهز»» ولكن رئيس تحريرها أيبرّهام روزنثال «قتلها» في 
اللحظة الأخيرة «لا لشيء إلا لأنني كاتبها»*. 

كانت جوع اعمال موسق لايك الكر هة تكن کت مطح كر 
نتاجاته في السياسة والأدب» وقد أدّت دورا مهما في كتاب «الثقافة والإمبريالية». 
وعندما استذكر كتاب البدايات في العام 1987 على سبيل المثال عزا بنيته لهيكل 
الكتاب إلى استخدامه أصواتا مستعارة عديدة شبَّهها بالجوقات الهارمونية في 
الموسيقى الوليفونية”*. وقد كان التاريخ الفلسطيني شاهدا على مدى عشرين 
سنة «على صوت لحن أساسي يرافق الاستيلاء على الأراضي» صوت «كونتنيُوو»*) 
حقیقي. كذلك کان استعمال قیکو للتکرار شبیها بال usصrاگ‏ usصهء‏ أو 
اللحن ا موجود سابقا الذي بُبنى عليه مؤْلفٌ موسيقيّ أطول وأكثر تعقيدا أو بال 
مصnصoعaط»‏ وهي شكل من أشكال ال موسيقى تتكوّن من سلسلة من التنويعات 
التي تقوم على أساس موسيقي متكرر» وهاتان وسيلتان موسيقيّتان تقوم التنويعات 
التجميلية التي تبرز فوقهما على النغمات الأساسية فيهما". وقد لاحظ سعيد أن 
التوّر بين المكزّنات الهارمونية واللحنية في أوپرا ذهب الراين لفاغار شبيةً* بالتودّر 
بين نظام الأشياء والأشياء في التاريخ بوصفه سلسلة من الأحداث. 

لكن حتى تدريس الأدب اتخذ صبغة موسيقية. فقد دعا الطلاب إلى شقته 
ليعزف لهم على آلة البيانو ليوضح الكيفية التي تروي فيها القطع ا موسيقية 
القصصء» وكيف أن مغادرة البطل وعودته ف الرواية تذكران ببنية الفيو غ**) 
مثلما يذكر تفاعل الشخصيات بعضها مح بعضها الآخر بانتقال اللحن بين العازفين 
في الكونشيرتو غروسو***. وكانت محاولاته الأدبية تعجّ بالمصطلحات 
(*) نحن مضطرون إلى استيراد المصطلحات الموسيقية الإيطالية كما تفعل بقية اللغات في أوروبا وغيرهاء ومنها هذا 
امصطلح: ٠0‏ ١٤١٠ء‏ وهو يشير إلى نوتات ترافق القطعة ايموسيقية تُعرّف على آلة البيانو أو الهارپسيكورد وتشكل 
شيا بشبه القاعدة التي تقوم عليها القطعة. [امترجم]. 
(٭* *) قطعة موسيقية طباقية تتألف بنيتها من ثيمة أو ثيمات تتكرر بأشكال مختلفة. [امترجم]. 


(# # #) هو كونشرتو ممجموعة صغيرة من الآلات مع أوركستراء وهو يختلف عن الكونشرتو العادي الذي يكتب لآلة 
منفردة تتحاور مع الأوركسترا. [المترجم]. 


358 


العالم الثالث يتكلم 


والأحاسيس الموسيقية كما في هذه القطعة البليغة من قصيدة كتبها عندما كان 
طالبا في مرحلة الدراسات العليا: 

لا يَُر العالم عن زمنه من الشرق 

حيث تختلط الأصوات الصاخبة بالثغاء السغيف 

وتأسر أشعة الشمس كما ف الدورات النمطية... 

كان الشنق حلما بسيطا مكن الاستيقاظ منه 

وغناء الجولات اطمحتومة بعد استعادة الحيويةء» وبصوت جهير. 

رأينا م يكن رأيا حكيما لأننا طالبنا بهارمونيّات*/ جديدة". 

وقد جرى التعبير في كتاب «الاستشراق» عن كثير من الموضوعات ق بواكير 
الكتاب بصور مستقاة من عام الموسيقى. وف القصيدة اممقتبسة أعلاه نقراً 
عن الثقافة التي فقدت مقامها امموسيقي» وصراع آمة الشاعر وقد تحوّل إلى 
opera buffa‏ آي أويرا هزلية» وعن الشرق اممضطر إلى السير خلف الغرب 
إلا إذا آمكنه ابتكار هارمونيّات جديدة. وفي قصيدة «هانس فون بيولو في 
القاهرة»» وهي قصيدة كتبت في الفترة نفسهاء نجد موضوعا متصلا ولكنه 
مختلف» وهو موضوع غرام أوروبا بالهروب الشرقي. فالبارون هانس گويدو 
فون بيولو» وهو واحد من أشهر قادة الفرق امموسيقية في القرن التاسع عشرء 
انتقل إلى القاهرة فعلا في وقت متأخر من حياته بهدف الشفاء من مرضه في 


5 


جو القاهرة الجاف 


(95) 


. وقد استعمل سعيد هذه الحادثة التاريخية ليرسم صورة 
ل «صائغ الأصوات» المسنْ وهو ينفض الغبار عن نعليهء ويعاني الحرّ اللاهبء 
مستعيدا أمجاده أيام علاقته السرَيّة مع كوسيماء زوجة قاغارء وهو يطل من 
شرفته على نهر النيل الذي لا يهمه الأمر ب «غضب صامت يشخ من وجنتيه» 
فيما يتقدّم اموت نحوه. 


(*) قد يكون من الممفيد أن أذكر إضافة إلى ما يقوله امؤلف في تعليقه أن امصطلحات المموسيقية قد لا تكون واضحة 
للعيان» ولكن التدقيق في القطعة يظهر الآتي: الأصوات الصاخبة ترجمة لعبارة sعوزمم‏ ع«نطئهءء» وهي عبارة كثيرا 
ما تستخدم للتعبير عن أصوات الصناجات النحاسية التي تطرق في أوقات الذروة. الدورات النمطية تزجة لعبارة 
undsدr‏ da1ص.‏ والمصطلح الموسيقي فيها هو اةله٠.‏ وهو يستعمل للإشارة إلى سلم موسيقي لا هو بالكبير 
زه ولا بالصغير اهصن أما الصوت الجهير والهارمونيات فصلتها با موسيقى واضحة. [المترجم]. 


359 


إدورد سعيد 


كان التوجه العام بكامله لدى سعيد غارقا في الأحاسيس المموسيقية. فاستعمال 
مصطلح «الطباق»*) في كتاب «الثقافة والإمبريالية» كان جزءا واضحا من محاولته 
توسيع المدى الذي تصل إليه الاستعارة الموسيقية؛ وذلك نتيجة لاهتمامه السابق 
با لموسيقى التي تستخدم أسلوب تعدّد الألحان التي تعزف معا ر١ه‏ وام وأشار 
إلى اختلافه غير ا معلن مع الاتجاهات السائدة ف زمنه. فتعدد الألحان مط هارموني 
يضم أصواتا مستقلة معا دون مزجهاء مع الاحتفاظ بعدد من المواقع المتناقضة التي 
تلتقي في بعض المواقع في نقطة تتزج فيها للحظة من اللحظات» فارتفاع خطين 
لحنيّين وانخفاضهما يرسم التقدّم ال مكاني كما يحصل في الرسم التخطيطي المتزامن. 
وقد كان كتاب «الثقافة والإمبريالية» من بين ما كان» تجربة في استحضار هذا 
البعد ال مكاني المرافق لاستخدام الرموز الموسيقية ومفرداتها لتطوير الأفكار الخاصة 
بالخيال الجغراف. 

لكن كثيرا من قرّاء الكتاب فهموه فهما أقل دفة ليعني نوعا أشد تحررا من 
القراءة وأقل ميلا إلى المواجهة - نوعا مدركا لوجود حبكات مختلفة من دون تفضيل 
أي منها على سواها. وتبين في نهاية المطاف أن المصطلح كان خلافيًا أكثر من 
ذلك» ففي مقالة عنوانها «الرؤية الطباقية عند لن غولد» على سبيل المثال لام 
ما النجل (اكاى وقظا الشوة عل إجار غارف الما كدي عن اتر 
بالراحة «في جانبي الطباق ا متعارضين». وفي هذه الحالة لا تكون الصورة صورة تناغم 
بل صورة تصادم» وهذا يعني أنه كان نمة شيء مقلق لسعيد حول إتقان غولد 
للطباق؛ لأن ذلك عنى أداء دور الإله لأنه تضمَن «السيطرة التامة على إدارة الزمنء 
والتقسيم الدقيق للمساحة ال موسيقيةء والاستحواذ التام على العقل»”. وقد أشار في 
موضع آخر إلى الطباق بأنه «أكادهيْ» «خاضح للقواعد تمام الخضوع» بعيدٌ كل 
البعد عن صورة الانفتاح التي أوحى بها لجمهور التسعينيات”. لكن لل فالطباق 
فوق كل شيء صورة عن ال مكانء كما أوضحت الممقالة المخصصة لغولد مناقشتها 
الطويلة لأهمية هندسة فيثاغورس للطباق» ودور «ا مجاورة» في التأليف المموسيقي. 
(#) شرح معجم المعاني هذه الكلمة بقوله: الطبَاق في البديع: الَجَمْح بين مَحَْين مُقَابلين أو مُتَصَادّيْن: هُوَ حَيْ 


وَمَيتّ. ما ابمخني الأكبر فيحافظ عاى ا معنى امموسيقي للكلمة بقوله: خاص بلحن يضاف إلى لحن آخر ليكون مصاحبا 
له. وهذا قربب مما يقوله معجم Random House‏ شرحا للكلمة. [امترجم]. 


360 


العالم الثالث يتكلم 
كانت الأبعاد المكانية للموسيقى موضوعا ضمنيًا من موضوعات كتاب «بحث 
موجز لإستطيقا جديدة SAketch of a New Esthetic of Music «Jagan‏ 
(1907) لفروچيو بوزوني .۴erruci0o Busoni‏ کان ھذا الکتاب ف نظر سعید واحدا 
من الكتب العظيمة التي مم تنل حظها من الاهتمام في التراث الإنساني ثورة ضد 
«اممشرعين» المملين ي عام اموسیقی. وقد ابق فوضوعا ا لدی سعید بالتوقع 
من العازقن أن يوا أعمال اون التي غدت مماة لا تفهم» وأن ينظروا إلى 
ذخيرة الأعمال المعتادة لا على أنها مجموعة من تحف ف متحف» بل على أنها 
منصّة انطلاق للبدء في مسعى فلسفي. لكن الانتماء كالكثير مما تضمه أعمال 
سعيد» لا يخلو من الإشكالات» ففي سعي بوزوني إلى الوصول إلى المعاني الطليقة 
العليا للموسيقى شدّد على أبعادها المجرّدة وغير امادَيَّة. وهي أبعاد لا تتوافق مع 
التشديدات التي يحتويها كتاب «الثقافة والإمبريالية» على الأبعاد الجغرافية. لا بل 
أكثر من ذلك» رَبَط بوزوني نفسه بالنظريات الخلافية لهاينريخ شنکر Heinrich‏ 
«Schenker‏ معاصره ف أواخر القرن التاسع عشرء الذي كان سعيد هقته بشدة. 
اك فك ن أن اة اي لومي عند كه جات س لار 
السلبي بالطريقة الشنكرية. يرى أتباع هذه الطريقة أن العناصر السطحية للموسيقى 
النغمية تخضع للبنية الأساسية. وقد وجد بعض المختضين بعلم امموسيقى التحليل 
الشنكري مشابها بنواحيّ معيّنة لفيلولوجيا القرن التاسع عشر". فكما بحث علماء 
فقة اللغة philology‏ عن اللغة الأصلية وجعلوا كل اللغات الأخرى متفرّعة عنهاء 
فإن التحليل الشنكري اعتمد على مبدأً «الفضاء النغمي» حيث كان الثالوث النغمي 
هو القلب المستقل بذاته بينما شكلت النغمات القريبة زينته"'. ويبدو أن كراهية 
سعيد لهذا التناول قد تضاعفت لأن مدرسة مانس للموسيقى الواقعة في اممنطقة 
جاو حل كاه ف الج الريك العا من مافان كانت حرطا ةة 
الشنكريةء ولرها كان ذلك هو ما أدى إلى اكفهرار تعليقه على أداء واحد من أشهر 
خزيجي المدرسة» وهو مري پرایا Murray Perahia‏ الذي کان في يوم من الأبام 
غا خان لاف ذا لوحف س وکن اة الي تة جارك ان اة 
تنشد الأمان... شأنه فيها شأن تابع لطائفة من الطوائف غير اممعروفة ياي إلى مذبح 
زيّن كما تزيّن قاعة من قاعات القرن التاسع عشر ا مخصصة للرقص»“. 


361 


إدورد سعيد 


هذا التركيز على بنية أصلية مركزية تناقض بشدَّة مع إعجاب سعيد الطاغي 
ببوزوني الذي أَحبّه بسبب استعداده للمغامرة وبسبب شعره اممنفلت» فدعاه ب 
لكر وبضاخب الرةه سواد أكان ذلك من دال الط آم فة اقا فر 
وم يحقق بوزوني الصور التي كونها سعيد عنه قدر تحقيقه إِيّاها عندما كتب: 


IRE Ss & ®» 


و 


فتهمل»*» فقد كانت هذه هي مشاعر سعيد بالضبط في مرحلة الدراسات 
العليا عندما كتب ملاحظة موجِهة إليه هو نفسه يصف فيها الآثار الكارثية لهوس 
عام الموسیقی بكمال التكنيك: «یکاد کل مستمع نبیه للموسیقی أو قارئ للنقد 
الموسيقي أن يقول لك إن النقد امموسيقي کا ا ف هذه الأيام مهلهل» مملء 
أحمق»”“. ثم مضى للقول إن السبب هو أن النقد الموسيقي» شأنه شأن الأداء 
تحوّل إلى «ندرة متخصصة» كيف هكن لعازفي البيانو ا محترفين أن يجعلونا ننمو 
بينما هم يُخفون آنفسهم بعيدا عن العام» يتدرّبون باستمرار من أجل التنافس في 
الدائرة اموسرقة؟', 

للإجابة عن هذا السؤال بحث سعيد عن نماذج هكن الاستفادة منها في 
نقده هو عند امموسيقيين الممارسين الذين حاولوا إماطة الحجب عن امموسيقى: 
چارلز روزن j Charles Rosen‏ «الأسلوب The Classical Style «wlll‏ 
(1971)» في مقالات غلن غولدء فی کتاب پییر بولیز ezاu‌ه8B ۲ie۲۲۵‏ «توخُهات» 
O ehid (1985)‏ وق کتابات ادورنو (وهو نفسه مالف موسيقي من 
الدرجة الثانية) الذي أعلى سعيد من شأن كتابه «فلسفة امموسيقى الجديدة» 
Philosophy of New Music (1949)‏ ق سلسلة من الندوات التي حظيت 
بسمعة طيبةء والتي قدمها في جامعة كومبيا في العامين 1982 و1983“. وما 
کان سعید قد اکتشف أدورنو في وقت متأخر فإنه تصارع مع كتاباته صراعا كثيرا 
ماکان ما حى غر حاتت لياق الفواف الخ اة هاو شر 
سعيد في كتابة دراسة تحتاج إلى كتاب كامل عن الموسيقى إلا بعد وفاة غلن 
غولد في العام 1982 على رغم أنه أقنع نفسه بالاكتفاء على مدى العقد الذي 
أعقب ذلك بنشر مقالات متفرقة في مجلات فانتي فير ذه۴ وانصة۷ وذا نيشن 
.Le Monde Diplonatique كıةlnglı دige dg The Nation‏ ¢ أحدٌ 


362 


العالم الثالث يتكلم 


حتى العام 1989 في حثه على وضع أفكاره امتناثرة عن الموسیقی بشكل يتكامل 
مع أعماله التي رسخت مكانتها عن الإمبراطوريةء واللغة. والمثقفين. 
دعاه معهد النظرية النقدية في إرقاين في تلك السنة إلى تقديم المحاضرات في 
قاعة ولك» وطلب منه التحدّث عن الموسيقى. قبل الدعوة قبولا حذرا لأنه كان 
يعلم آنه يدخل منطقة جديدة سيحتاج فيها إلى قذر هاتل من المحرفة الفنية. 
المقالة العارضة عن الموسيقى مكن كتابتها بصفتها جهدا جانبيًاء أما التأمُلات 
النظرية اركزة فقد عرضنه النوع مختلف من النظر الفاحص. أفتح قلاف محاضراته 
واحدة عن الأداء المتطرٌف. وأخرى عن تجاوز الحدود امموسيقيةء والأخيرة عن 
العزلة وتأكيد اللحن ال موسيقي» وهذه شرت تحت عنوان «تفصيلات موسيقية» 
Elaborations (1991)‏ اMusica.‏ وکما حدث في حالة کتاب «الاستشراق» فإنها 
أمتعت بعض الناس وأغضبت بعضهم الآخرء لاسيّما بعض الأوصياء الموسيقيين 
للمجموعة"'» وقد أقيمت فكرتها على مقولة مفادها أن ا موسيقى تحتاج إلى 
الصمت» فقد لاحظ أن «أشد الفنون صمتا»» أي ال موسيقى» «هي أيضا أشدها خفاء 
وصعوبة على من يتحدّث عنها»". وبعد عقد من الزمان عاد إلى تلك الفكرة في 
اقتراح بأن يكتب دراسة مطولة عن باخ وبيتهوقن - دراسة يقصد منها أن تكون 
مقولة لها وزنها حول موضوع العوممة تنافس عمل فراڏسس فوكوياماء وپول كنديء 
وبنجّمن باربر عن امموضوع. 
ّ لكن مثلما وصف ا مستشرقون مؤلف كتاب «الاستشراق» بالدّعيء» فإن عددا من 
المتخصصين في علم الموسيقى وصفوه بأنه «سمكة خارج امماء»*"» فقد كان واضحا 
أنه تجاوز حدوده. وقد كان القصد من «تفصيلات موسيقية» أن تبدّد الاستقلال 
الذاتي للموسيقى وعزلتها الصوفية عن اممعاني اممعقولة والتجربة الاجتماعية. وقد 
فوج عدد من علماء ال موسيقى لأنهم أحسّوا نهم أهينواء وشعر بعضهم الآخر 
بآنهم في بعض جوانب هذا الموضوع - في «علم ا موسيقى الجديد» على سبيل ال مثال 
- كانوا قد بدأوا في تحريك الممشروع""". لكنه في الحقيقة كان رائدا بقدر ما كانوا 
هم أيضا من الرواد. فقد كانت مقالاته الاثنتا عشرة والنصف التي تعود إلى عقد 
الثمانينيات عن الظروف الاجتماعية للموسيقى قد نشرت في وقت تزامن نشرها فيه 
مع الكتب التي عرفت بحركتهم» وكان سعيد بدوره لا يدعي آنه ا مجدّد الوحيدء 


363 


إدورد سعيد 


إذ كان قد عرّف طلبته في مرحلة الدراسات العليا بأعمال علم الموسيقى الجديد في 
ندوات دراسية تعود إلى أوائل التسعينيات'. 

مم تجد إحدى الشخصيات البارزة في الحركةء واسمها روز سوبوتنك» أي صعوبة 
في قبوله بوصفه جزءا من قضية مشتركة. وليس ذلك بسبب المراسلات الدافئة 
بينهما فقط. «لا أعرف إلا عددا قليلا من الباحثين الذين أصغوا بعناية ما كنت 
أتحدّث عنه» أو تحدثوا معي حديثا كرها من دون معرفة شخصية»”'. وهكذا 
فإن قبوله الحماسي جِدًا بين غير ا متخصّصين كسب كذلك أتباعا من المختصين على 
رغم أن بعضهم قابلوا انتقاداته باستیاء. وکما E‏ کثيرا في حياته المهنية (کما في 
ا مشروع الخاص بسوفت وفي حالة كتاب «الاستشراق» على سبيل امثال) فإنهم 
غارفا قول إن عله آن ب عن إطان اشذاتف ماه ر إل رة 
أهل اممهنة. أما الاستجابة التي اتسمت بأشدٌ قدر من الحدّة والاستهانة فجاءت 
من الباحث کو أ گاوو ۳u‏ ع۸ K٥‏ في مراجعة كتبها عن «تفصيلات موسيقية» 
بعنوان «ملاحظات مغلوطة»9'. 

غير آن باحثين عديدين في ا موسيقى مدحوا نظراته الثاقبة لأنهم م يكونوا 
مهووسين برطانة المهنة. وبعد الحفلة ال موسيقية التي أحياها في قاعة ملر في كوممبياء 
على سبیل المثال» طلب منه وولتر فرش 1ء۴۲1 ال۰۷ رئیس الموسيقى في 
ا کا آل بذ هة اة العم وان د ف اعجي الف اة 
التي جاء بها سعيد عن الاستقلال الذاتي المشكوك ا للموسیقی: «نحن نحاول أن 
نكون قسما متكاملا من الناحية الفكريةء بينما كان في امماضي يتشكل من برامج 
منفصلة في علم الموسيقى التاريخي» والنظرية اطموسيقية» وعلم موسيقى الثقافات 
المختلفة فإننا تمكنا من دمجها معا بشكل فّال»”""» وبعد بضع سنين دعي إلى 
تقديم الكلمة الرئيسة في ملتقى الفنون الأوروبية في سالزبرغ بدعم من الاتحاد 
الأوروي lgحتJ|è‏ jllwڊر‏ غ Salzburger Festspiele‏ - وکان «أول عري یدعی» کما 
قال لصديق له مفتخرا"'". ومن الواضح أنه كان هنالك مختصون عرفوا قيمة رأيه. 

رها كانت أغنى صلة عقدها سعيد مع المؤسسة الموسيقية هي تلك التي 
حدثت عندما تابع عام الموسيقى المبجًّل رالف لَك )ه1 طمصاه۸ قراءة سعد 
لأوپرا عايدة لفيردي ف كتاب «الثقافة والإمبريالية». ففضلا عن أن ذلك أظهر أن 


364 


العالم الثالث يتكلم 


ك یری في سعید قو یعتدُ بها فإن رده كشف عن جميع ابمشاعر ا مختلطة التي 
أطلقها تدخل سعيد ف الدوائر ا موسيقية الرسمية. فالفصل المعقد الذي عقده لَك 
في كتابه «موضوع الغرابة ف امموسيقى» (2009) ٤×)‏ [caزMus‏ والذي 
طؤّرت أفكاره على مهل استند إلى إشارات متبخُرة بمراسلات قيرديء وإلى معرفة 
وثيقة بن فيردي امموسيقي وباللبريتوء بهدف أول هو امتداح سعيد للكشف عن 
طرق جديدة لفهم الأوپراء ثم بين بعض الأخطاء في قراءة النص امموسيقي» ولكن ما 
يثير الاهتمام هو أن أهم انتقاداته كانت سياسية وليست موسيقية أبدا. فقد قال إن 
سعيد تغاضى عن مشاعر قيردي ام مناهضة للاستعمار وعن إمكانية أن يكون تصوير 
مصر القدهة ف الأورا م يكن القصد منه تمثيل الإشارات القومية من جانب الخديو 
إسماعيل إلى امماضي المجيد. بل تمثيل الدور الذي كانت تؤديه بريطانيا الإمبريالية. 
وکان من ري لك أن سعيد يصوّر فيردي کأنه مستشرق بينما هو كان يدعم العناصر 
الثورية في حركة توحيد إيطالياء وكان من الواضح أنه يناهض الاستعمار في مشاعره. 

قد لبط لك كظو الاق ما ات رن فن الفا أن فة سه داك 
أساس جغراف» لكنه في هذه الحالة أغفل ذكر الكيفية. يتحدّث سعيد ليس عن 
فكرة الغرابة ا متضحمة في خيال إيطالي مشهور عن الشرق (كما يفترض أغلب 
الناس) بل عن ليلة افتتاح عمل فت کبیر فی دار للأوپرا بُنيّت حديثا على الأرض 
المصرية وفرضت على منطقة من أشد مناطق القاهرة اكتظاظا - منطقة فلات 
القسمين الشرقي والغربي من اممدينة. وبحسب تعبیر سعید» «لیست أوپرا عايدة 
عن الإمبراطورية بل هي جزء منها». فهناك من ناحية فنادق وقطارات وشوارع 
بثلاثة خطوط ١‏ کوریاء وحياة عصرية؛ وهناك من الناحية الثانية شوارع غير 
فاط ورات کک انید 

کان سعيد يحاول أن رڈ يثبت أن حادثة ثقافية قصد منها أن يكون لها مغزى 
قومي من نوع معن کان لها في الواقع مغزی آخر. فقد کان الخديو يأمل آنه ما أن 
قيردي مثل أفضل ما قي الغرب» فإن تحديث القاهرة بهذا الافتتاح امبرمج سيكون 
منزلة الحجْة ضد السيطرة العثمانية. غير أن الحادثة في نهاية المطاف رمزت إلى 
الخضوع لشكل في لا هكن فهمه إلا على أنه رمز للإمبريالية الأوروبية وشعورها 
بالعظمة تجاه العام. وم يكن بوسع معظم القراء أن يعرفوا عن علاقة سعيد 


365 


إدورد سعيد 


الشخصية بأوپرا عايدة في تلك الخلفية المصرية ونضجه في عام ا موسيقى بصفته من 
رواد الحفلات ام موسيقيةء وعازفا هاويا له طموحاته في تلك السنوات التي قضاها في 
القاهرة. حيث حضر العزف في دار الأوپرا نفسها التي بناها الخديو» وحصلت أوپرا 
عايدة على عرضها الأول فيها في العام 1871. 

کان لایزال یذکر هذه التجارب في روایته التي م تکتمل بعنوان yع۴1‏ (رٹاء)» 
حيث أطال الحديث عن مجموعة الشخصيّات» وعن الأصوات والروائح في حفل 
موسيقي لأوركسترا القاهرة السمفونية. وهناك تلن المشهد بعازفين غربيين يرتدون 
قمصانا بيضاء ومديرين أرمن» وبوّاب سوداني ضعيف البنيةء وفتاة مختلطة الأصل 
(إيطالية - يونانية. أمريكية) متزوجة من شاب فلسطيني» وقائد أوركسترا يوغسلافي 
نبيل المظهر. وهكذا فإن ال منطق الكامن وراء موقفه المعارض للجغرافيا الإمبريالية 
في المقاطع التي تخص أوپرا عايدة في كتاب «التقافة والإمبريالية» م يكن يخص 
التمثيلات السيئة للآخرين» بل يخص الشكل الفني الممهيمن للبرجوازية الأوروبية 
التي هبطت وسط مدينة القاهرة ذات الصبغة العاممية لتحتل مركزها الحيوي. 
والأسواً من ذلك أن قيرديء الفنان اممبدع بصفته الأنا الإمبريالية» يحول الأوپرا إلى 
مشروع تجاري بينما يجب على هذا الشكل الفني أن يعتمد اعتمادا أكبر على 
التعاون”"'". 

قت سات مح اك اظ امال الل ين راك الحاة 
وابموسيقية. ولا شك في أنه عبر عن جوانب من شخصیته في الموسیقی لا نراها في 
أي مكان آخر. والمدى المدهش مقالاته ا مختارة التي تنتمي إلى ثلاثة عقود في كتاب 
«امموسیقی في أقصی حدودها» 2008) )Music at the 1m‏ یکشف عن قدرة 
فنية صاخبة مثلما تكشف عن أحكام تثير شعر الرأس بصفته كاتب مراجعات. 
فخلافا لسلوكه في حقله» نراه يتكلم في وسط المعمعة كأنه رجل ما عاد يخشى 
الخسارة (ولا يتورّع عن قول أشياء مثل «ثرثرة روزن البائسة» ووتافچ شتراوس 
ومبالغاته القاغنرية الجديدة» و«اطملل الذي یکاد يخيفنا» عند پوليني و«عرضه 
المفزع لتفننه سين المزاج»“". لقد منحته ميزة كونه من الهواة حرية الخوض 
في أفكار ليست لها عواقب سياسية أو مهنية. وفي غمرة آثارها العاطفية تحدّث 
أحيانا عن الموسيقى كأنها عام سرّي سابق للمنطق أو غير خاضع له» كأنه يستمتع 


366 


العالم الثالث يتكلم 

بالأمكنة التي لا مهرب منها والتي حرم نفسه منها عندما كان يكتب عن الحداثة 
الأدبية. 

قد يكون التأثير الكلي الذي تركه سعيد في دانیل بارنبُويْم» وهو من اشد قادة 
الفرق الموسيقية وعازف آلة البيانو مدعاة للاحترام » مختلطا. فقد أعلن بارنبُويْم دون 
مواربة أن «إذوَرّد يعرف کل شيء» فيما يتعلق بامموسيقى» من الأساسي إلى الغامض - 
تواريخ الحفلات الموسيقيةء وبرامج الاحتفالات الكيرى (بالسنة» ومقامات الأعمال 
لمجو كار الوقن وة الإقاع والكمال الكرق اللفوافن الور 
وقد اتفق الرجلان في الرأي حول الكيفية التي اتخذت الموسيقى الغربية شكلها 
الذي نعرفه. «كان إِذْوَرّد واحدا من قلة من الناس الذين اعتقدوا وفهموا حقًا أن 
تطؤر امموسيقى كان عملية عضوية واحدة بدأت بالترتيل الغريغوري فا موسيقى 
السابقة للباروك. فالباروك. فالأنغام الكلاسيكية اممتزامنة. فالحركة الرومانسية 
فالكروماتيةء وهذه أدت عن طريق التطؤر الطبيعي إلى ا موسيقى اللامقامية»”'. 

معنى ذلك أن القطيعة التي أحدثها آرنولد شونبيرغ مع الموسيقى الممقامية 
وابتكاره لنظام اممقامات الاثني عشر مم تكن خطوة ثورية على الإطلاق» بل «كانت 
استمرارا منطقيًا لا مفرٌ منه لتوسیع e‏ الهارموني من خلال الكروماتية* بعد 
أخذها للحدود القصوى». ولثن استمتع بعرض معرفته الواسعة بالتفاصيلء لاسيما 
عند مناقشة الخبراء فإن بارنُويْم ذهب أبعد من ذلك '. فقد قال إن سعيد 
«كانت لديه معرفة دقيقة بفن التأليف والتوزيع»** تفوق معرفة معظم 
العازفين الذين تعاون معهم في سيرته العملية الطويلة”. 

ولئن كان التقاء سعيد ببارنبُوبْم مصادفة في فندق من فنادق لندن في العام 
3 قد غير حیاته (کانا یتحادثان یوميًا بالتلفون» واعترف بارنبُويم بأنه «وقع في 
غرام» سعيد)» فإن قائد الفرقة م يكن النجم ال موسيقي الوحيد في مداره. كان سعيد 
الذي سحرته حياة الموسيقي» يراقب من الخطوط الجانبيةء معجبا واقعا تحت تأثير 
(*) هي الموسيقى التي تنكون من اثني عشر نصف نغمة. [المترجم]. 
(٭‰) اشتق واضع قاموس المورد من «أورکسترا» بجرآته ا معروفة فعلا هو «يؤرکس»» وصاغ من ثم اسما هو 


«الأركسة». الفكرة هي أن أجزاء المؤلف الموسيقي توزع على الآلات اممستخدمة ف الفرقة الموسيقية وفقا طا برتئیه 
المؤلّف. [المترجم]. 


367 


إدورد سعيد 


النجوم أحياناء مؤذّيا دور المدّعي ا مخرور في أحيان أخرى. وقد مثلت علاقته مخرج 
الأوپرا التجريبية پيتر سلرز ١٣ه11ه؟‏ ماه شيئا من الجانبين”". فمن ناحيةء تبادل 
معه الرسائل كأنه اف ودعاه ليعطى سمنارات في جامعة كومبيا؛ ومن ناحية 
أخرى حافظ على مسافة معينةء إِذ عدٌ إخراجه لأوپرا «دون جيوقاني» وأوپرا «کلهن 
يفعلن» ذلك مموتسارت إخراجا «أقيم مهارة» ولكنه يعتمد على الحيل الميكانيكية 
- يناهض النظام القائم ولكنه يتجاهل الصراع الطبقي ام موجود في الصيغة الأصلية 
التي وضعها موتسارت””. وبعد أن جمعته خشبة مسرح مع عازف الكمان الشهير 
يهودي منوهين في معهد الفنون ال معاصة في لندن في شهر يوليو 1991ء فإنه بدأ 
سلسلة مراسلات معه دامت سنتين. كان منوهين قد أعجب آها إعجاب باممقالة التي 
كتبها سعيد بعنوان «امشهد الاستعماري في عايدة» فرد سعيد التحية بأن أشاد 
ب «الكلمات الشجاعة» في «خطابه الرائع في الكنيست» الذي اتهم فيه الحكومة 
الإسرائيلية ممارسة «الحكم بالتخويف» في الضفة الغربية «احتقارا للمتطلبات 
الأساسية للحياة الكرهة»”'. 

وجد سعيد في ال موسيقى (على غرار منوهين) طريقا للاتصال مع أولئك الذين 
كانوا يستعملون لغة أخرىء ففي زيارة وذية للكاتب سرل ل. ر. جيمز .1.۸.° 
6م في شارع رپلتون في برکشتن في العام 1987 - وكانت آنذاك منطقة أقرب إلى 
المنطقة التي جار عليها اش الأبنية المهترئة والشرطة التي تعترض الناس - وجد 
أن من الصعب في بداية اللقاء أن يجد موضوعا مشتركا هكن الخوض فيه. ومما لا 
شك فيه أن جیمز - وهو من تریندادء قاف كتاب «اليعاقبة السود« The Black‏ 
ا0ء هل وهو دراسة رائدة لثورة العبيد في هاييتي» إلى جانب دراسة أصيلة للعبة 
الكركت بصفتها شكلا فنيا عند السود والطبقة العاملة» شارك سعيد قي معتقداته 
هة لإا كان اللر من رة سرك ف وا ار الأعراف بقل 
مساهمات جيمز للفن ولتحرير السود. ولكن مع أن جيمز كان قد عاش مدُة طويلة 
في الولايات ا متحدة مثل سعيد وامتدح أولئك الذين تكفلوا بتعليم أنفسهم (كما 
فعل جيمز نفسه) فإن تجاربه السياسية كانت مختلفة تمام الاختلاف. 

کان جیمز قد قضى ردحا طويلا من حياته منتسبا إلى أحزاب تروتسكية تعمل 
على تنظيم العمال أو تكافح ضدٌّ الزعماء الوطنيين الكاريبيين في محاولة لإيجاد 


368 


العالم الثالث يتكلم 
اتحاد هندي غري. وكانت ميوله الفنية تنحو نحو الثقافة الشعبية (لاسيّما أفلام 
هولیود) ولیس إلى الثقافة التي مثلها سعيد. والأهم من کل شيءَ آخر هو أن معرفة 
جيمز عندما تت الزيارة مكانة سعيد كانت محدودة. وم تكن قد مضت سوى 
أسابيع قليلة على زيارة الناشط في الحقوق المدنية والمنتمي سابقا إلى مجموعة 
الفهود السود» أي ستوكلي كارمايكل 121ص٥‏ «ا‌)هt؟‏ وم يكن واضحا ما 
إذا كان جيمز (الذي م تكن ام مجاملات الاجتماعية تهمه كثيرا) قد عرف من هو 
الزائر'. لكن مم يكد سعيد يذكر أنه يعزف على آلة البيانو حتى استقر الوضع 
بين الرجلين. فقد تحدَثا على مدى الساعة ونصف الساعة التي قضياها معا عن 
سوناتات بيتهوقن» وعن کرههما لڦيردي وپوچيني. وقد أرسل سعید إلى جيمز فيما 
وی ی ل ای ع ا ا ا » فرذ جیمز 
فا درا کو بط الد فا کا إا که وا او اسان 
أي شيء يعيد المرء إلى «تلك الأيام التي كانت فيها السرعة والنغم هما أساس كل 
شيء ف امموسیقی»'. 
وعلى رغم أن الرجلين كانا على اتفاق في هذه المناسبة» فإن ذوق سعيد كان 
أشدّ ميلا إلى المغامرةء فقد اشتكى مرارا في الحقيقة من الجر الرسمي لحلقة رؤاد 
الحفلات ال موسيقية - «من الطقوس الاجتماعية التي ترافق الحفلة والتي تجعل 
ا مرء ينفر منها»» حيث يساق الجمهور السلبي إلى ما يشبه «التجربة السادية 
الماسوكية»"» وعندما تضاف رشة صغيرة من الأعمال الجريئة لأوليقييه مسیان أو 
دميتري شوستاکوفچ فإنها لا تكفي موازنة الأوپرات الإيطالية ذات الطعم ال 
والسمفونيّات النمساوية الأمانية ا محافظة التي تضح في كل موسم من المتروپولتن 
أوپرا هاوس. وبینما التزم سعيد العازف بأعمال شوبرت وبيتهوفن وباخ» فإِن سعيد 
المستمع انجذب ملؤلفي ا موسيقى التجريبيين من أمثال بوليزء وهانس قيرتر هنزه 
ومدرسة قينا لثانية*» وليوش ياناچك» وجورجي لغتي» وکيج. 
أما الألبومات التي كان يصغي لها في البيت فقد لا تکون كلها من اممدرسة الطليعية 
ولكنها كانت أبعد في امغامرة مما تقدّمه الفرق المعتادة من أعمال تقليدية ومن 


(#) تشير هذه العبارة إلى مجموعة من مولّفي ا موسيقى» ومن أشهرهم ألبان بيرغ وآرنولد شوينبيرغ وأنتون فيبرن. 
[امترجم]. 


369 


إدورد سعيد 


هذه الأعمال غير التقليدية: «موت کلنغهوفر» The Death of Klinghoffer‏ لجونù‏ 
آدمز سه4 طم[ و«اممدينة اا (ie dte td‏ لإرخ فولفغانخ کورنغولد 
The Triumph of Tine «jajll رlصتil»و «Erich Wolfgang Korngold‏ lqlرjùw‏ 
برڻوسل .Harrison Birtwistle‏ لكن ما يلفت النظر في مجموعته الضخمة من الأقراص 
ا والأسطوانات والكاسيتات في البيت أن مجموعة الأعمال الكلاسيكية كانت كلها 
تقريبا أوروبية غربية. هناك من دون شك عدد کبير من مؤلفي أوروبا الشرقيةء منهم 
ياناچك وبارتك. ولکن لیس من بینهم روس باستثناء عمل واحد لچایکوفسکي» وواحد 
مموسورغسكي» و«طقوس الربيع» طبعاء ومجرّد عينة من سمفونيّات شوستاكوقج. آما 
ا موسيقى الشعبية فكان لديه من الأعمال العربية عدد أكبر مما توحي به کتاباته ا في 
ذلك أعمال املف وا مغتي الشعبي مارسيل خليفة. 

لقد استمتع بحياة الموسيقيين وحلم بأن يكون واحدا منهم» فآماله الأصلية في ماونت 
هيرمن وني جامعة پرنستن مم تفارقه قط في الحقيقة. غير أن ملكاته النقدية في النهاية 
وجدت طاقتها في الكلمات والأفكارء وليس ف الصوت والصمت. وف لقاءاته مع تيغرمان في 
بيته في كتسبوهل ف العطل الصيفية كان يحبر الرجل معرفته امدهشة بنظريات الطليعة 
ا موسيقية. ولكن ذلك قوبل بالبرود من جانب عازف البیانو لأن كل ما كان يهم تيغرمان 
هو العزف". كان بارنبُويم هو الوحيد الذي كان بإمكانه الإفاضة في الحب المتبادل 
للتنظير حول ال موسيقى» ولكن على رغم ذلك فإن الصديقين كانا يتبادلان الأدوار أحيانا. 

كان من ناحية هو الصديق اممؤتمن والندّء وكان من الناحية الأخرى معجبا يفيض 
بالكلام عن عزف قطعة كتبت لشخصين مع بارنبُويم في خلفية ا مسرح قبل بدء الحفلة 
(القطعة المسماة Fantasy in F-Minor‏ لشوبرت)» يقارن عزف صديقه بالأوركسترا 
بسبب ما في القطعة من فيض وفن موسيقي. أما بارنبُويم من جهته فقد كان معجبا 
بقدرة سعيد على إدخال النقد الاجتماعي على الموسيقى وعلى الاستفادة من طرقها 
الخاصة للوصول إلى ا معرفة. أما عمل ذلك في مجالات أخرى فقد تطلب كل مهارات 
سعيد على الارتجال في السنوات التي كانت بانتظاره فيما كانت الجدران السياسية 
تضيق» واضطرٌ إلى التخلي عن دولة فلسطينية مصلحة الحلم فلسطيني. 


(*) يشير الكاتب في هذه الجملة لإدورد سعيد نسبة إلى أصوله التي ترجع لفلسطين وحلمه كما ذكر سابقا أن 
يصبح عازفا ماهرا. [المحرر]. 


370 


شعبان في أرض واحدة 


غير ساحة اممعركة من الشارع إلى الذهن“ 


دارت حياة سعيد السياسية بعد العام 
3 بشكل كامل تقريبا حول إنشاء دولة 
واحدة في فلسطين/ إسرائيل» ووجد أن عليه 
أن يقر لچومسكي بأن اممطالبة بدولة مباشرة 
واحدة تقوم على مبدأً شخص واحد صوت واحد 
ستكون «هدية للجناح الإسرائيلي اليميني»”؛ 
ولذلك كان الرجلان حريصين عاى التمييز بين 
الخطوات الأولى والخطوات اللاحقة. مضي 


الطريق التي تفضي إلى التقدم في الخطوات الأولى على مراحل» تبدأً بتسوية على 
الصراعات التحريرية تكمن في «القوى 
السياسية المرنةء القادرة على الحركة أساس الدولتين» تتبعها ترتيبات تناسب الطرفينء 


المعتمدة على المبادرة والإبداع 
وامفاجأة أكثر من اعتمادها على 
اا فيدرالية تؤذي إلى نظام ثناني القومية. 


فتخفيف لإجراءات السفر عبر الحدود فترتيبات 


371 


إدورد سعيد 


قبل البدء بأي شيء تعرّض سعيد لهجوم مرير من الجانبين الفلسطيني 
والإسرائيلي. وقد بلخ من كثرة المقالات التي كتبها واممقابلات التي أجراها عقب 
توقیع «إعلان المبادئ»» كما کان اتفاق أوسلو للعام 3 يیسمُی رسميًاء نها ماأت 
شت فدات (وقد وقع اتفاق منفصل في العام 1995). استقبل الاتفاق بحرارة 
في البدايةء بل بابتهاج من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي» ومن جانب أكثرية الرأي 
العام (اليهودي والعريي)ء ولاسيّما ف الولايات المتحدة. 

من وجهة نظر القيادة الفلسطينية كان أهم ما أنجزه اتفاق وسلو هو تأسيس 
سلطة فلسطينية ذات حكم ذاتي محدود ف الضفة الغربية وغزة. ولكن مم يكن هناك 
اتفاق على وضع القدس» والمستوطنات غير القانونيةء وحقّ عودة الفلسطينيينء 
أو الاعتراف بفلسطين على أنها دولة ذات سيادة. وعلى رغم أن المعاهدة وعدت 
بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين» ورحبت بها وسائل الإعلام في جميع أنحاء العام» 
فإن سعيد انفرد مهمة فضحها على أنها خيانة - ليس بصفتها تحقيقا لصفقة لا 
تتصف بالكمال كما وصفتها الصحافةء بل بصفتها «نهاية عملية السلام». وقد عاش 
العقد الأخير من حياته وفق ما قاله ابنه وديع في حالة داثمة من الغضب 

لقد رجاه أصدقاؤه ألا یرسم هذا الخط الفاصل على الرملء فبغض النظر عن 
عيوب الاتفاق فإن المعارضة المتصلبة قد تنتهي ٠‏ ومن الأفضل من الناحية 
التكتيكية أن یصبر إلى أن د يحين الوقت اناس . غر أن انتقاداته اللاذعة ضد 
الصفقة م تنقطع. وتبدو قاسية جذّا إذا ما قورنت بأسلوبه التصالحي حتى 
ذلك الوقت كما لاحظ عويد بلبان في مقالة عنوانها «سعيد الثاني» التي ظهرت 
أصلا باللغة العبرية في صحيفة «مشارف» التي تصدر في حيفا". فقد وثق بلبان 
أنه على رغم الانتقادات التي وجُهت لسعيد فإن موقفه كان خارجا عن الرأي 
السائد ف الجزء الأكبر من حياته» إذ اعترف بإسرائيل قبل سواه من اممتفقين معه 
في الرأيء وركز على آلام الشعب اليهودي. وليس على آلام شعبه فقط وأصرّ 
على الاعتراف المتبادل. 

لد کان واضحا لکل من همهم أن بلاحظوا آن اون مخه کان من ته 
على الدوام رجال ونساء إسرائيليون ويهود يعملون في العلوم والفنونء ونه كان 
على استعداد للجدال مع أناس يختلف معهم أو همقتهم مثل الحاخام مايكل ليرنر 


372 


شعبان في أرض واحدة 


Micha Lerner‏ حتى لو امتنع عن ذلك مع آخرين مثل ال منظر السياسي الأمريي 
مايكل والتزر Michael Wa]zer‏ الذي استغل قصة الخروج کأن اليهود هم 
الوحيدون الذين مروا بتجربة النفي. بل سعى أكثر من ذلك منذ مدّة إلى التواصل 
مع الصحفيين ا معارضين ومع اممؤرّخين الجدد داخل إسرائيل نفسها من أمثال توم 
سخقظ Tom Segev‏ وأميرة هاس sءھ3‏ raنص4.‏ وإیلان پاپیه مم۴2 ھ11 على 
غه هه 6 يكوا كلهم من اهدي الميوتة وقد تعر باه مدين بشکل 
خاص للأبحاث التي أجرتها عن غزة سارة روي ه۸ 4ء54 وهي ابنة والدين نَجَّوا 
من ا محرقة من الحي اليهودي لودز 10۵z‏ وكانت قد اختارت العيش ق أمريكا 
ذات التعددية الثقافية بدلا من العيش ف إسرائيل» وكتبت كتابات بالغة الأثر عن 
التضييق الممتعمّد ضدٌ تطوير اقتصاد قطاع غزة. وقد اعترف كثير منهم باعتمادهم 
في أبحاثهم على مجالات البحث التي هيّأها سعيد لهم من قبل. 

كان الحاخام إلمر بيرغر أقل حلفاء سعيد الصامتين شهرة. وهو مؤسس جمعية 
البدائل الأمريكية اليهودية للصهيونية ورئيسهاء وتمثل نظرتها «العامية الإنسانية» 
الديانة اليهودية على أنها ديانة ذات قَيّم عاممية تختلف عن الاستشنائية التي تمثلها 
اا نن ات آنه ر ات مارت عوها ممم اهراد 
الإسرائيلي الفلسطيني داخل إسراثيل بعد «امصافحة التي جرت بين رابين وعرفات» 
لأنها جعلت الأفكار ا متبادلة أل تحرها وقابلة للانتشار بحرية أكبر”. وفي الوقت 
نفسه جعلت هذه التنازلات الصغيرة التي أمكن الحصول عليها من الجانب 
الإسرائيلي في أوسلو وصول سعيد إلى فلسطين أسهل. وقد قال متفكرا: «هذه هي 
المرّة الأولى في حياتي التي صار بإمكاني أن زور فيها الضفة الغربية وغزة وإسرائيل 
زيارات متكررة منذ أن غادرت فلسطين في آخر العام 1947»”. 

بلخ من عدم دهقراطية الطريقة التي صيغت بها الاتفاقات نفسها ما بلغته 
الحكومة التي أجيز إنشاؤها بها. وقد ذكرت حنان عشراوي» وهي واحدة من كبار 
مفاوضي منظمة التحريرء في كتابها بعنوان «هذا الجانب من السلام» (1995) أن 
الاتفاق جرى بسرْيّة تامُة في وسلو بالنرویج دون أي نقاش علني» ومن دون آن 
يخبر أحد فريق المفاوضين من منظمة التحرير عن الاتفاق إلى أن صار في حكم 
الأمر الواقع. وقي طريقها من تونس إلى واشنطن لحضور الجولة الحادية عشرة من 


373 


إدورد سعيد 

المفاوضات» أعطيت نسخة من الاتفاقية وقيل لها إنه لا مجال لتغيير أي شيء. 
كانت تعلم أن شيئا بالخ الأهمية قد حدث في سبتمبر من العام 1993 عندما 
تلقت مكالمة غامضة من زميل لها أكد لها فيها «أن القنوات الخلفية وفت ها 
وعدٽت». کان آبو العلاء وحسن عصفور» وهما شخصان أكادهيّان م تطأً أقدامهما 
أرض فلسطين. وقعا السلام المنفصل بالأحرف الأولى وفق تعليمات الرجل الثاني في 
سلم القيادةء أي أبو مازن» بحضور وزير الخارجية الرويجي. أما الاثنان اللذان وقعا 
فكانا يقعان على هامش الحركةء وم ls‏ على أي من تقارير الفريق المفاوض» 
أو على الدراسات الممضنية للوقائع» أو على القانمة الاستراتيجية للمواقف البديلة”. 

قالت عشراوي لأبي مازن من دون مواربة: «ستكون لهذا نتائج عكسية». 
وبالفعل» م يتحقق أي من الأهداف الرئيسة. ما اعترفت به إسرائيل مم يكن حق 
الفلسطينيين بالعيش في أمانء بل حق منظمة التحرير الفلسطينية لأن تمثل الشعب 
الفلسطيني» وأن يسمح لها بالعودة إلى غزة وإلى مدينة أريحا في الضفة الغربية. 
وكانت هذه هي الراية التي قال عرفات تحتها إن الحركة الفلسطينية قد أنقذت. 
وكما قالت عشراوي» كانت عملية مصيرية قد بدأت. وها أن منظمة التحرير 
الفلسطينية وإسرائيل كانتا في حالة سلام رسمياء فقد كان يمكن للعامم العربي بكامله 
أن يطبّع العلاقات مع إسرائيل. 

م يكن سعيد وحيدا في الحكم على الاتفاقية بأنها استسلام» ولكنه كان 
الوحيد الذي شجبها بسخرية مريرة قصد منها حرق الجسور. فقد وصف عرفات 
بأنه بوتليزي* إسرائيل» آي امسؤول عن بانتوستان» وقارن السلطة الفلسطينية 
بحكومة فيشي**". وقد ظلٌ على مدى العقد الذي تلا ذلك يكتب عن بدائل 
ملأت ثلاث مجموعات مدههشة من المقالات» ظل يجرب فيها أفكاره ف السيرة 
الذاتيةء والأحداث العابرةء والهجاء والتأملات الفلسفية من كل زاوية ممكنة. 
ومن الناحية الأدبية والفنية كان هذا العمل أكثر بكثير من كونه تعليقات 
(#) بوتليزي كان يحكم قبائل الزولو في جنوب أفريقيا تحت إمرة حكومة الفصل العنصري. البانتوستانات كيانات 
هزيلة تحت سيطرة الحكومة المركزية. [امترجم]. 


(٭* #) قيشي هو الاسم الشائع للدولة الفرنسية عندما كان يحكمها هنري فیليپ يتان إبان سيطرة الألمان عليها في 
الحرب العاممية الثانية. [المترجم]. 


374 


شعبان في أرض واحدة 
صحافية أو مقالات تكتب من حين إلى آخر لتنشر في الصحف العربية. فقد 
مثلت هذه اممقالات بعضا من أجمل ما كتب من حيث الأسلوب ورهافة التفكر. 
وقد كان ذلك الإنتاج بالغ الأهمية - فبرغم طوله الذي بلخ أكثر من ألف صفحة 
مطبوعةء فإنه ليس سوى جزء مما كتب» أما البقية فقد توزعت على عدد من 
المنشورات الصغيرة - العربية ف الأغلب. 
وصف سعيد في كتابه Peace and its Discontents «lb plu»‏ 
(1993) - «آوّل كتاب من كتبي موجه بكامله إلى القرّاء العرب» - «اممستوى 
الهابط» لاحتفالات البيت الأبيض» واممنظر المهين لياسر عرفات وهو يشكر الجميع 
ما تبين أنه تعطيل حقوق شعبه» و«اممهابة التافهة للدور الذي أذاه بل كلنتن 
كأنه إمبراطور روماني في القرن العشرين يرعى مَلكين تابَين عبر طقوس المصالحة 
والطاعة»"". وعندما أتيحت الفرصة لعرفات اافات تداول كتب سعيد ف الضفة 
الغربية وغزة”". وفي هذه الأثناء أفقدت بيانات سعيد كثيرا من حلفائه توازنهم 
ومنهم صديقه العزيز سامي الذي خشي من أن صعود سعيد على هذا الغصن قد 
يجعله غير ذي نفع سیاسیا. ما سعید فقد رذ بغضب قائلا إن موقف صدیقه يشبه 
موقف أولئك الذين التزموا الصمت ف أثناء حرب فييتنام» ولم تكن تلك خطوة 
تكتيكية» بل كانت ضربا من الانتهازية”. 
شکل الشعار المركزي في كتاب «السلام وإحباطاته» - «شعبان في أرض واحدة» 
- إشارة إلى اتجاه نضالي جديد“". وقد كمَتّت خلفه تغييرات بنيوية حاسمة: أَوّلا 
أصبح السكان الفلسطينيون واليهود متداخلين مع مرور الزمن. فكثير من أفراد 
الجيل الأصغر سنا من الفلسطينيين كانوا مواطنين إسرائيليين وأخذوا بعرفون 
بانتمائهم إلى ذلك البلدء ويكافحون للحصول على اممساواة داخله. ومن المفارقات 
أن العمالة التي استخدمتها إسرائيل لبناء امستوطنات غير الشرعية وتوسيعها 
تشكلت غالبيتها من الفلسطينيين بحيث أصبح لهم مصلحة مالية في عملية 
الحلول محلهم. والفلسطينيون الشباب بوسعهم الآن مشاهدة التلفزيونات 
العربية ومحطة ال ××۸ وبينما هم يقارنون وضعهم مع وضع آندادهم في 
الخارج» آخذوا يطمحون للمواد الاستهلاكية ولقليل من الحياة الطبيعية بدلا من 
العيش في حالة حصار دائم. أما في وضع الاستقطاب السابق فقد رفض النشطاء 


375 


إدورد سعيد 


العرب الممتضامنين مع فلسطين زيارة الأراضي ا محتلة واحتقروا فكرة الاعتراف 
بشرعية إسرائيل بأي شكل من الأشكال. ولكن الأثر السين الذي خلفه ذلك تمتّل في 
حرمان المنطقة من اممعونة المادية والخبرة الفكرية» وهي مشكلة وعد حل الدولة 
الواحدة بتخفيفها"". ظل موقف سعيد في مرحلة ما بعد أوسلو هر بتنقيحات 
ا ا إلى أوضح صيغه ا معلنة في مقالة 
نشرت في مجلة «نيويورك تاهز» في فار و159 توان جل الوك الوادت 

لقد بدا أن الحقائق الجغرافية التي تقبض النفس لا تسمح بخيارات أخرى. 
كانت وسلو قد باركت منح الفلسطينيين «سبع جزر غير متصلة تعادل 3 باممئة 
من الأرض تحيط بها مناطق تسيطر عليها إسرائيل»*". وقد أدرك سعيد أن الفكرة 
القائلة إن الإسرائيليين والفلسطينيين مكنهم العيش معا بصفتهم مواطنين متساوين 
في دولة دهقراطية واحدة قد تكون أقرب إلى الحلم الطوباوي. ولكن» من الناحية 
الثانية» هل هنالك أسواً من الوهم القائل إن الفلسطينيين مکن أن یحصلوا على 
دولة خاصة بهم بعد أن أصبحت أراضيهم فة الأوصال» معرّضة للإرهاب 
العسكري» وا الان امال الدولتين الذي كافح من أجله سنوات طويلة 
فلم يعد ممكنا. وإذا ما بقيت الفكرة تتحرك حركة عرجاء في الوعود الكاذبة التي 
تتحدّث عنها الولايات اممتحدة بسيادة مستقبلية فإنها كانت تمحى بالتدريج بتقطيع 
الأراضي الفلسطينية إلى جيوب صغيرة تتقاسمها المستوطنات الإسرائيلية والوجود 
الداع للجيش الإراقان. وقد قكر سد انه عاذ اليف الكل الإستراحة 
الإسرائيلية هو جعل وجود الدولة الفلسطينية مستحيلاء فإنها نجحت نجاحا م 
يعد ممكنا معه تصديق الخدع السابقة. وهو م يكن يدعو إلى إنشاء دولة واحدة. 
الدولة الواحدة موجودة مع أنها موجودة على شكل دولة فصل عنصري تطبق فيها 
مجموعتان غير متساويتين من القوانين والحقوق والامتيازات. 

م تكن المطالبة بدولة دهقراطية علمانية واحدة في فلسطين بالأمر الجديدء 
ولكنها م تحظ بالقبول عقب الابتهاج الذي تبع أوسلو. كانت الفكرة قد نوقشت منذ 
العام 1948ء وكانت هنالك أسباب تاريخية جيدة لدعمها. فبما أن سعيد مسيحي 
ينتمي إلى الشرق الأوسط فقد كان لزاما عليهء كغيرهء أن يتحرّك ضمن الترتيبات 
التي خلفها الاستعمار. وكان على وعي تام بالعراقيل التي تنتظر الترتيبات السياسية 


376 


شعبان في أرض واحدة 
القانمة على تعدّد الإثنيات وعلى توزيع السلطة على الانتماءات ال مختلفة. ففي بلاد 
الشام» كان الفرنسيون قد ابتكروا نظاما ارتبط التمثيل فيه بالهويات الدينيةء ووزع 
البرممان وفق الحصص اممئوية. وجرت العادة مثلاء وإن م ينص الدستور على ذلك 
أن تكون رئاسة الجمهورية في لبنان من نصيب شخص ماروني» وأن تكون رئاسة 
الوزراء من نصيب شخص سُني» ورئاسة البرممان من نصيب شخص شيعي» ووزارة 
الخارجية من نصيب الروم الأورثودوكس» كان المقصد من هذا التوزيع إيقاف 
التمييز الطائفي بإعطاء كل من الديانات اممختلفة نسبة من السلطة ف مؤسسات 
الدولةء وقد كتب هذا الترتيب هذه الاختلافات كتابة لا ت#حى في الكيانات السياسية 
الرسمية”“. ومن ال مهم أن نفهم مدى معرفة سعيد بهذا النظام الفاشل لكي نقدر 
سبب معارضته لقيام دولة يهودية أو إسلامية. 
كان سعيد أشهر دعاة هذه القضية ف العام» لكنه كان شخصية غير مرغوب فيها 
من جانب السلطة الفلسطينية الجديدة. وقد أخذ مؤْخُرا يخاطب جمهورا عربيًا 
مرات أكثر مما كان يفعل ق السابق. فمنذ منتصف التسعينيات فصاعدا كتب» 
وفق قوله» أربعا وعشرين مقالة صحافية ف السنة تنشر معدل مقالتين في الشهر. 
وقد شكل ذلك تحدّيا له باعترافه للبقاء متنبّها طوال أدائه لتلك ا مهمة الكئيبة التي 
تطلبت العودة إلى معلومات قدهة لجمهور ينسى بسرعة أو يرفض أن يسمع"'. 
كانت وسيلتاه الرتيستان مخاطبة ذلك الجمهور هما جريدة الحياة التي توزع في 
جميع أنحاء العام العربي وتطبع نحو 200 ألف نسخةء ومقرها لندن» وكانت قد 
أسست في لبنان وتستخدم هيئة تحرير تنتمي إلى عدد من البلاد العربيةء وجريدة 
الأهرام» وهي جريدة تتناول الشؤون العربية وتصدر باللغة الإنليزيةء ومقرها 
القاهرة. في البداية كتب مقالاته باللغة العربيةء بوضوح وبأسلوب معبر وفق قول 
مساعديه على رغم أن محرري الجريدتين أرادوه أن يكتب مقالاته باللغة الإنگليزية 
لكي يترجمها العاملون فيهما. غير أن تلك الترجمات كثيرا ما كانت سيْئةء بل أحيانا 
غير مفهومة إلا طمن قرأها باللغة الإنگليزية أولا وكثيرا ما كانت الترجمة بحاجة إلى 
تصحيح تقوم به مساعدته العراقية زينب الإسترابادي أو [زوجته] مريم”. 
كانت الكتابة ا متكررة للنشر ف الصحف العربية قد غيّرت أسلوبه. فقد اعترف 
في رسالة إلى عبد الرحمن الرشيد في مجّلة «المجلة» في العام 1990 بأنه «م يكن 


377 


إدورد سعيد 


لديه جمهور عر ف السابق» وأن تدريب النفس على مخاطبة الناس شهربًا كان 
ذا أثر جيّد جذا في وضوح الفكرة وصحَة التعبير». أما الأثر السلبي فكان اضطراره 
إلى أن يتوخى الحذر «مكتي أن أكب بحرية أك ر عن القضايا الحربية في جريدة 
إنگليزية أو أمريكية أو فرنسية مما مكنني فعله في جريدة عربية»» وقد تحوّل 
عدد من المفكرين الاستراتيجيين الفلسطينيين إلى مواقفه التي م تكن تحظى 
بالقبول ف السابق بشأن أوسلوء من فيهم عشراويء التي وافقت على مضض على 
الحضور إلى الساحة العشبيّة أمام البيت الأبيض لتوقيعهاء واعترفت فيما بعد بأن 
الخيار الأفضل كان القطيعة الواضحة. 

اكتشف سعيد في أثناء مخاطبته للجمهور العربي لهجة ذات طابع شعبي. أما 
من الناحية الرسمية فقد كان دانما في حالة حرب مع الثقافة الأمريكية الشعبية 
بحجُة أنها لا تعنيه (وهي حجُة غير صحيحة). أما [ابنته] نجلاء (التي كان يدعوها 
«ناج») فقد قاومته» وعرفته با مغتية وكاتبة الأغاني الآيرلندية سنيد أوكونورء وأخبرته 
بالخبر ال مريح عن كون موسيقاها مهينة لبريطانيا تحت حکم ٹاچرء وأنها تدعم 
ال 1۸4 (الحزب الجمهوري الآيرلندي). وأجبرته على الاستماع» فقال فيما بعد إن 
أغانيها مثيرةء وإنه وجد فيها تشابها مع ييتس”. وقد دهش وسر عندما أشارت 
إلى أن مغنية الروك-البديل kعهء-اج‏ آني دفرانکو Ani DiFranco‏ کانت تکتب 
المقالات ممجلة «ذا نيشن». أما وديع فقد کان يحتقر الموسيقى الكلاسيكية ويلوم 
أباه لافتقاره إلى ما يكفي من امميول التي تليق بالطبقة العاملة» وعمل ما بوسعه 
لإثبات أن موسيقى الهيفي ميتال* تعبر عن ثورة سياسية. 

إن بإمكاننا أن نجد إشارات عابرة لأمثال جون كولنز وميري تايلر مور ودايان 
کيتن» وجون لي کاریه منثورة عبر کتاباته كلها ولکن مغامراته في عام الثقافة 
الشعبية كانت في معظمها تتعلق بعامم الاستعمار والعام العري. فقد كتب» من 
بين من كتبواء عن «كوكب الشرق» آم كلثوم زعيمة الغناء العربي التقليديء وعن 
السينما العربيةء وعن الراقصة المصرية المشهورة والممثلة تحية كاريوكاء وعن جو 
ساكو الكاتب المالطي الذي كتب روايات واقعية عن الحياة في الأراضي الممحتلةء 


() باللغة الإنگليزية M1 Musi‏ ر34۷ وهي موسيقى صاخبة من نوع موسيقى الروك شاعت ف الستينيات 
والسبعينيات في بريطانيا والولايات ا متحدة. [المترجم]. 


378 


شعبان في أرض واحدة 
وعن أفلام طرزان التي شاهدها قي فترة الصبا في مصر”. كانت روح هذه المصادر 
سط الإساس اة إن ذلك اكان باحو ق كقاه ارتي وار حا 
مقالاته السياسية الفلسطينية عن إحساس مختلف ف كتاباته. هذه الحالة الاق 
الجديدة جاءت إلى حدٌ كبير نتيجة للزيارة التي قام بها إلى إسرائيل واممناطق ا محتلة 
في يونيو من العام 1992 بعد تشخيص مرضه بقليل. فللمرة الأولى بعد خمس 
وأربعين سنة عاد هو ومريم ووديع ونجلا أفراد عائلتي أين ولدتء والبيت 
الذي كبرت فيه وايمدرسة التي أَزْسلْتٌ إليها»**. لقد كان نبا إصابته باللوكيميا 
يدفعه هو والعزلة السياسية المتزايدة إلى بداياته. 
KK‏ 

عندما بدأ سعيد ف العام 1992 بكتابة مذكراته «خارج اممکان» (1999) فإنه 
فعل ذلك ليس لأنه فشل ق إتمام الرواية التي عمل على كتابتها بين الحين والآخر 
مما يقرب من خمس سنوات بعد العام 1987ء بل لأنه رفض إتمامها. ففي انقلاب 
غان النغضن ف الجن الكت من بات ق ضو اة قغاها ق اليم رفش ارا 
بوصفها شكلا من أشكال الأدب» وقال إنها م تعد تعني شيئا. ومع أنه م يبدأ بكتابة 
ا مذكرات جديا إلا في أوائل التسعينيات» فإن أصولها تعود إلى وقت أبكر في امقالة 
اللعنونة «القاهرة ف الذاكرة التي ترت ف مجلة هاوس أف غاردن ق العام 
7ء وأكثر حتى من ذلك في العام 1988 عندما أرسل قصة عن طفولته لجيمز 
أتلس James Atlas‏ محل «نيويورك تاهمز». 

کتب في رسالته إلى أتلس: «لا أقول ما أقول من باب التباهي ولكن لا أحد 
له خلفية مثل خلفيّتي - أمريكي» فلسطيني» أكادهي... إلخ - صنع ما أنوي 
صنعه... قصة لقاءات... تجربة مليئةء ورما خطيرة»”. في الحقيقةء وباستثناء 
الكتاب الذي کتبه محمد شکري بعنوان «من أجل For Bread «og jıëll‏ 
(1972) ٠410ء‏ وهو سيرة ذاتية عن السرقة من أجل البقاء قي زمن اممجاعةء 
وعن النضج الجنسي والأدبي في مراكش ف الأربعينيات والخمسينيات» مم يكتب 
أحد في العام العربي كتابا هو في الوقت ذاته كتاب اعترافات وكتاب مشحون 
بالقضايا النفسية. وكما تبين فيما بعد» سيصبح كتاب «خارج المكان» أوسع 
كتب سعيد انتشارا في المنطقة. 


379 


إدورد سعيد 


غرف مذ لخد أصد قا يد الدع بكاة الذكرات يوقت قصب بان اة 
المركزية هي مقدار ما ينبغي الكشف عنه ومقدار ما يجب عليه أن يخفيه» وكيف 
يتصل الجانبان أحدهما بالآخر. وأسرٌ بقلق إلى أولئك الذي يعيشون بالقرب منه 
بأن روزي» وجين» وجويس» وغريس لن تسعدهن الطريقة التي صور بها والديهنء 
وأنهن سيمتعضن من قراره ترك الأخوات خارج لعبة الكشف والإخفاء. والحقيقة 
هي أنهن استأن «لأننا شعرنا بصفتنا أخوات بأنه حصل على الجزء الأفضل من 
الصفقة... لقد جعل الأمر يبدو كأنه كان هو اممضطهد» ولكنه مم يكن كذلك»7“ 
هرب إلى القاهرة دة ثلاثة أسابيع في العام 1994 لكي يبتعد عن الهموم العائليةء 
وللحصول على راحة الفكر للعمل على مذكراته التي بدا أن ضرورتها أصبحت أعظم 
بعد سنتين. فام معالجات التي جربت في العامين 1994 و1995 فم تنجح على رغم 
الآثار الفظيعة التي اا عن ج کل 45 اس کون من ات اا 
في فبراير وأغسطس من العام 1996ء كادت الثانية منهما أن تقتله*. 

ظل ينوي أن يدعو الكتاب «ليس صحيحا تماما» وتمسّك بهذا العنوان إلى ما 
قبل دفع الكتاب إلى المطبعة بوقت قصير. ولرها فكر في نهاية الأمر أن موضوع 
المنفى الملتصق بكلمة «اممكان» سيكون أوضح وأقل غموضا من العنوان ال متروك 
وهو العنوان الذي أوحى بالروح الداخلية للكتاب» وهي ليست عن الممنفي بل عن 
عدم العيش ف اممكان الصحيح» عن عدم الشعور بأنه «في بيته» في أي مكان. كانت 
المشكلة هي كيفية الكشف عن التعقيدات النفسية لشخصية عربية ثمطية من نوع 
معيّن - بالإشارة إلى نظرية عن العقل كان قد اشتكى من أن الثقافة العربية تفتقدها 
- على أن يفعل ذلك من دون استعراض أعراضها فيه هو ليركز الآخرون أبصارهم 
فيها. وكان قد كتب في مقالة غير منشورة تعود للعام 1977: «معرفة النفس لا تعني 
دعوة إلى الوعي المرّضي بالذات». 

وما كان الكتاب يصف صبيّا شديد الملاحظة في عام تكمن روعته في جانبه 
الإستطيقي بالدرجة الأولى فقد كان لا محالة له من أن يستدعي پروست !ءء۸2۲ 
‰8 لأذهان كثبر ممن راجعوه. وهذا ما جعل سعيد يشير إلى الكتاب على أنه 
«تأمل پروستي» في جانب منه لأنه» على غرار پروست» ركز على ذاته الشابَة كأنها 
۾ تکڻ هو بل هي مخلوق غریب قاوم كل محاولات التفسر". لغد اغناد سعيد 


380 


شعبان في أرض واحدة 
أن يدرس سمنارا محبوبا في السبعينيات مخصّصا بكامله لذلك الروائي العظيم» كان 
على الطلبة فيه أن يقرأوا الرواية المكوّنة من عدة مجلدات بكاملها باللغة الفرنسية. 
أما القصة فكان يعرفها معرفة بلغ من عمقها أنها تداخلت مع قصته هو - ذلك 
الشوق غير الصحي الذي يشعر به الصبي نحو أمه» والعزلة التي تآ مع الامتيازات» 
والإحباطات التي يشعر بها ذهن مغامر وهو يشاهد مغامرات الآخرين ويعيشها 
من بعيد. وبرغم كل ذلك فإن قصة سعيد. التي تروي قصة العام الخارج عن 
المألوف للطبقات العلياء كانت تختلف تام الاختلاف عن عام پروست فيما تستثيره 
من مشاعر. وبدلا من جمل پروست ذات الإيقاع التوكيدي يعطينا سعيد تعليقات 
جانبية ذات أثر جارح. لسنا نجد في «خارج المكان» أي شيء شبيه بالتمهل الپروستيء 
بل تنجد لك الجمل النطية عن غا لخن والرلة: خواشي من شمان الشرق 
مخلوق من مخلوقات ذلك العام المكؤّن من مواطنين دفعت لهم گل مستحقاتهم 
- مواطنين مستقيمين أخلاقيّاء تماأهم الثقةء يتكلمون من عل على وجه العموم»". 
وعندما نشر الكتاب» وصل الجهد الذي بذل لکتابته غ امتداد سبع سنوات 
إلى نهايته» وهو مشروع كتب على فترات غير منتظمة في الساعات السابقة لبزوغ 
الشمس. وها أن سعيد كان خجلا من نواحيه الروائية ومدركا ما كانت هذه 
النواحي تخفيهء فإنه أخذ يصفه باستمرار بأنه «رواية توثيقية»”. لكن مهما كان 
النوع الأدبي الذي ينتمي إليه الكتاب فإنه جاء تتويجاء وصار أكثر من غيره الكتاب 
الذي جمع مواهبه كلها في مكان واحد. وعلى رغم أن سعيد خض شاي وانغر 
Shelley Wanger‏ ڊhlدıح‏ لأنها قادته على مدى مئات من الصفحات التي کتبت 
«بنٹر بولغ في کتابته أو ظل كامنا م يكتب»» فإن تلك ا محررة ف دار پانثيون للنشر 
التي توت تحرير كتابه قالت إن الصفحات التي سلّمها للدار م تحتج في الحقيقة 
لكثير من ابمراجعة: «كان يعرف كيف يفعل ما أراد أن يفعل بالضبط»" كانت بنية 
الكتاب قد استقرّت في ذهنهء وكتبت ال مخطوطة بخط اليد على ورق أزرقء ا 
وأبیض» بتدفق مستمر لا یکاد یظهر فیه أي شطب**. 


W45۴ )*#(‏ وهذة الكلمة مكؤئة من الأحرف الأولى لكلمات تدل على الأمريكيين ذوي البشرة البيضاء» والأصول 


الأنگلوسكسونية» والديانة البروتستنتية» وهؤلاء يرون أنهم هم الأمريكيون الأصلاءء وأن كل من عداهم من الأجناس 
والأديان الأخرى دخلاء ولا يحق لهم التمتع بأي حقوق. [المترجم]. 


381 


إدورد سعيد 


ترك كل كتاب من كتبه أثر وعدت ثلاثة منها على الأقل أحداثا مهمْة 
ولكن ال مديح الذي ناله «خارج المكان» كان شاملا فإلى جانب المراجعات 
الحماسية والجائزة التي منحتها إياه مجلة «النيويوركر» وهي جائزة تمنح 
للكتب غير الروائية. فإن المذكرات جعلت بعض الحاصلين على جائزة نوبل 
(نادین گورد مر Nadine Gordimer‏ وکنزابورو وي »)Kenzaburo Oe‏ ونچوم 
السينماء ومنهم إما توميسن» وجودي فوستر» وفانسا ردغریق يکتبون له رساثل 
اجات وة أعردة فة الى تر عن وجا إن عة أصدةء 
الطفولة والأقارب الأبعدين الذين شكروه بعد انقطاع دام سنوات طويلة على 
العام المسي الذي تكن من إحياته. وكان غرامه بهوليوة لأيزال بالقوة تفسها 
وم تخفف منه شهرته الشخصية. فقد كان في تلك السنة قد أدلى بشهادة أمام 
البرممان الأوروي» وحضر معهد هربرت فون کارılاj Herbert von Karajan‏ 
ف فييناء وقذم أول محاضرة في مؤسسة جائزة سپينوزا في الكنيسة الجديدة في 
لاهاي في شهر نوفمبر. ومهما يكن من آمرء فإن التعليقات التي جاءته من نجوم 
الشاشة الذين كان متعلقا بهم جعلته يشعر كأنه طفل سحرته النجوم وجعلته 
يستعيد الوقت الذي التقى فيه بداني غلفرء ووارن بيتي» وآنيت بَننخ في حفلة 
ووا ۰ 

کتبت غورد مر في سبتمبر من العام 0 تقول: «عزيزي إِذوَرّدء كنت تحدّثت 
عن رغبتك في E‏ روايةء أتساءل عما إذا كنت في الأشهر الأخيرة قد بدأت»”. 
کان سعید محاطا بالروائیین - کان على صداقة مع سلمان رشدي» وفلپ رث وپول 
ثيرو - لكنه تفادى الجواب عن السؤال حتى وهو يغري بطرحه”. وف مقابلة 
مع مجلة «تايم» أجريت معه بعد أن بدأ بكتابة «خارج المكان» قال ممن يُجْرون 
المقابلة مداعبا إن المذكرات التي كان مشغولا بها عن العام الذي اختفى ستتناول 
عهدا بقیت منه آثار بلغ من قلتها «أن بوسعي أن أسمح للذاكرة بلعب كل الحيل 
التي تريد. في الحقيقة آنا أريد ذلك؛ ولذلك فإنني قد أكتب شيئا أشبه بالرواية»”. 
كان ذلك التعليق ف ذلك الوقت أشبه بالحركة التضليلية. وف رأي أصدقاء طفولته 
وأخواتهء كان ما هيز به الكتاب واقعيته الفوتوغرافية. كان يتذكر كل شيء بدفة تثير 
العجب» محافظا على إهاءات الوجوه ونغمة الأصوات. 


382 


شعبان في أرض واحدة 
وإذا ما أسرّ لأصدقائه بنيّته في الانسحاب من العام يوما ما لكتابة رواية فانه ندر 
أن أوحى إلى أولئك الذين من حوله بأنه قد فعل ذلك فعلا. فبعد ن حت طارق علي 
لإنهاء مجموعة الروايات التي تتعلق بالباکستان سأله علي إن کان قد فکر في يوم من 
الأيام ف كتابة رواية أو ثض مسرحي 0 “> فکان جواب سعید: «لا لا أظن أنني قادر 
على ذلك. عم تراني سأكتب؟»» لرها كان ذلك الجواب جزءا من ذلك الشعور بعدم 
الثقة - ذلك ا مزيج الغريب» كما لاحظ بارنبوبم» من الشعور «بكل تلك الثقة وكل ذلك 
الشعور بعدم الأمان». كثيرا ما انتهت 2 بعبارة «ألا توافقني؟» وهي جملة م يكن 
القصد منها النحنحة فقط بل اختبار أفكاره با مقارنة مع أفكار شخص آخر. لكن سعيد 
كان يحب أن يكذب مازحاء ففي سن الحادية عشرة أجريت له عملية لاستئصال الزائدة 
الدودية ترکت آثرا لجرح کبیر وعندما سألته نجلا عنه قال نه نطحه ٹور بینما کان 
يدرس مصارعة الثيران في إسبانيا. وكان يحب أن يلعب لعبة ابتكار القصص عندما لا 
يكون للحقائق قيمة. ففي الأيام الأولى من علاقته مريم أراد أن يثير إعجابهاء فقال لها 
إنه كان يتواعد مع كاندس بيرغن. وف أثناء تناول العشاء مع زوج وزوجته بعد سنتين 
تباهى أحدههما بأنه قابل أحد نجوم السينما المشهورينء فقالت مريم: «إدورد تفوق 
عليك» فقد کان على علاقة بکاندس بيرغن». لکن سعيد ضحك وقال بهدوء خوفا من 
أن تنهال عليه الأسئلة عن علاقاته الحميمة: «هل صدّقت ما قلته فعلا؟ كنت أمزح». 
كانت لديه لماحية الروائي في خااحظة الفا صله وت كر ما كان القخصض كدر 
من الملابس» وكيف أمال رأسه» وخفة يده عند المصافحة. لحظات كهذه تستدعي 
النظر من أفضل صفحات «خارج المكان» كما يحصل عندما يصف «الكأكأة 
القميئة» لم آي ابن خالته في ضاحية كوينز بنيويورك أو في بعض الصور التي لا 
ترحم في قصته القصيرة بعنوان «سفينة للمستمع» :“PAn Arc for the Listener‏ 

کانت مارغرت فيما يبدو نتيجة لساعات من الترتيب والدفي 

والعجنء والسحب» واللي. كانت سلسلة من الزوايا التي تهدد في كل 

لحظة بالانفجار والتحول إلى شحم يسبح؛ ليس ذلك الشحم اللطيف 

المكور الذي نراه في أختها نعمة» الأكبر ستاء بل الشحم القوي المكسو 

بالشعرء الشحم العضاي الذي كان بإمكانه أن يجتاحك قائلا: ذاك هو 

مكانك - ابق هناك!. 


383 


إدورد سعيد 
یعود جانب من عدم اعترافه ما كتب من قصص إلى شعوره بالقوة في صفات 
لا تخدم هذا الفن. فپاترشا هايْسُمث, الكاتبة الشهيرة لرواية «غرباء في فطازه 
Strangers on a Train (1950)‏ واية «السيد ر The ‘Talented «بgھgh| lM‏ 
(1955) امن 1 وغيرهما أثرت فيها الحيوية السياسية والكلام الصريح ال مباشر 
في مقالاته» وكتبت له رسائل تعبر عن الإعجاب لذلك السبب”. كذلك تجاوز 
كنزابورو أوي» في سلسلة من الرسائل الطويلة التي تعبر عن الاحترا» موضوع 
المد اسلوب نه القوي الاك اموه وقد وجد ن مقالات بد الساسة 
شيئا له صفة الدهومة يصح موقفه في رواياته““: 
مم أخبرك يا عزيزي سعيد بأن كتابك حفزني لكي أعيد الحياة لنفسي 
بصفتي كاتب روايات... لقد اختلطت مادة رواياتي بحياتي أكثر من اللازم 
من ناحيةء ومن ناحية ثانية بالأمور الغيبية. ولو مضي قدما في الكتابة 
بهذا الشكل لتحولت رواياتي إلى اعترافات مشوهة معتقدات. في تلك الحالة 
الذهنية استلمت جائزة نوبل في ستكهوم» شاعرا بأنها أقرب إلى العبء. 
وفي سلسلة وثيقة من الكتابات الرقيقة عبر الفاكسات» الطويلة إلى حد ما 
عبرت گوزدمّر عن رأي مشابه. وهناء وضعت روائية عاممية أخرى نفسها عند 
قدمي ناقد من نيويورك: «أنت الغراب الذي يطعمني قي هذه الأيام* - على 
ر فاب أف الها جو مته ك ها اعات افع من أناقاست 
روحك العظيمة وأشدٌ ميلا إلى إرضائك». كانت هذه الرسائل المتبادلة جزءا 
من حميميّة «تجاوزت مشاعر الاحترام» وآقرب إلى الصداقة المُحبّة التي يصعب 
وصفها»» بتعبير راي» المختص بالأورام الذي كان يعالج سعيد» والذي شهد 
العاف عن كفي له آرسلت إل ميه كلها التي الفاق حفل قم 
الجائزةء وقالت إن مقالاته السياسية أوحت موضوعها المركزي الذي يتناول 
الكتاب كشهود. وفي بحثها عن النصح والدعم كانت رسائلها مملوءة بتطاولات 
الشريك في مؤامرة. وعندما نال ق. س. نایپول 1سهمنه× .۷.5 جائزة نوبل 
للعام 2001ء على سبيل الممثال» أرسلت إلى سعيد وصفا لحفل تسليم الجائزة في 


(#) إشارة إلى قصيدة لإدغر أَلّن پو بعنوان «الغراب». [امترجم]. 


384 


شعبان في أرض واحدة 


ستکهوم» ووصفت نایپول بآنه «گریتا گاربو* حائزي الجائزة» بسبب تغيبه 
عن الاحتفالات الرسمية واستهانته بزملائه الفائزين بالجائزة عندما تجمعوا عند 
بار الفندق”*“. ثم أضافت: كل الفائزين الآخرين احتقروه. 

وفي غياب رواية من وضعه» أشاع بعضهم فكرة تقول إن الإبداع القصصي 
الحقيقي هو حياة سعيد نفسها. والحقيقة هي أن عددا من الروائيين جعلوا منه 
شخصية مركزية في كتبهم. ومن هذه الروايات التي تخفي أسماء شخصياتها تحت 
أسماء مستعارة رواية أهداف سويف إذعuه؟‏ fةلطA‏ «خارطة الحب« The Map‏ 
1 اه» حيث يظهر سعيد تحت اسم عمر الغمراوي قائد الأوركسترا المصري 
الأمريكي والكاتب السياسي الشهيرء صاحب الشعر الأسود «الآخذ بالتحوّل إلى اللون 
الأبيض عند الصدغين... والعينين السوداوين» السوداوين» ورواية دومنيك إذه 
 ominigue Eddé‏ «الطائرة الورقية» ٤٥٤۲۴-۷٥1۵۸٤‏ حیٹ یظھر تحت اسم فرید 
مالك المهاجر السوري إلى الإسكندريةء وهو ناشط لامع يسعى إلى تغيير العام . 
ترکز کل من الكاتبتين على حركاته وعاداته الخاصة به: عند سويف» «طريقة دخوله 
إلى الغرفةء والطاقة التي تتفجّر منهء والرؤوس تستدير لتنظر إليه... إزابل مغرمة 
Meu bas Gee E a Oe‏ 
ذلك أي أذى بقدر ما أعلم». وف رواية إذه: «يداه كانتا أنيقتين عصبيّتين. كانت 
أصابعه طويلة كثيرة الحركة يطعن بها الهواء توقت كل ثيء حتى وهي في وضع 
الراحة... ييدي فضولا حول كل شيء» أراد الحصول على كل شيء: المغامرة والراحة 
الرسو والإبحار في عرض البحر»”. 

في رواية ر. ف. جورجي R. EF. Georgy‏ «الغفران: قصة حت فلسطينية 
إسرılıllة« Absolution: A Palestinian Israeli Love Story‏ یظھر سعید 
باسمه الحقيقي بوصفه البوصلة الأخلاقية الكامنة خلف «آقى»» رئيس الوزراء 
الإسرائيلي الذي تعلم من سعيد عندما كان يدرس في جامعة كوطبيا أن يعترف 
بآلام الفلسطينيين. وقي سلسلة من القصائد بعنوان «وداعا أيتها التوجيهات» 
Gao )(‏ aهاG:‏ هي ممثلة آفلام شهيرة في هوليوود في بداية القرن العشرين اشتهرت بالأعمال الدرامية وتمثيل 


الشخصيات الكئيبة والسوداوية. اعتزلت التمثيل في وقت مبكر ورفضت الظهور للإعلام بعد مسيرة قصيرة ناجحة 
من الأعمال. [المحرر]. 


385 


إدورد سعيد 
كتبها طالب سابق من طلبته في آوائل السبعينيات اسمه ديقد ليمان يخطب 
شخص خیالي اسمه إِذوَرد بصفته مدرسا فيقول: «لا معنى لاستعراض/ عضلات 
نواياك الطيّبة/ أنا م أعد بالإجابة/ عن أشدٌ أسئلتك إمتاعا»”. كذلك ظهر سعيدء 
اه ومون هن عدو غر من ي واا وا ااه 
فلم «الآخر» (1999) 141٤١‏ - وهو فلم فرنسي - مصري مشترك أخرجه يوسف 
شاهين» وفيه يظهر سعيد بشخصه الحقيقي. 

على الرغم من أن «خارج المكان» ساعد في الوصول إلى قرّاء م يكن قد وصلهم 
من قبل فانه ظل دانما یواجه جدارا عندما يتصل الأمر بفرنسا. وعلی رغم محاضراته 
في الکوليج دي فرانس والتلقي الحسن لترجمة كتاب «الاستشراق» ف العام 1980 
واتجاهه طوال حياثه لکل ما هو قرسي فإنه ظلٌ مصدر قذر من الفزع في 
المؤسسة الأدبية هناك. وقاومته بوّابات الثقافة الكبرى كالتلفزيون وكبريات دور 
النشر (غالیمار على سبیل المثال). وعدّه مثقفو پرناسس وده ۶۲۸ الفرنسيء 
الذين ارتدٌ كثيرون منهم عن اليسار والتحقوا باليمينء منافسا لهم. وكان حضوره 
ف الحياة الثقافية العامة ف نظرهم شبيها بحضور «الفلاسفة الجدد» برنار هتري 
ليقي Bernard-Henri Lévy‏ JÎgاù‏ فنکلکرا glٽ «Alain Finkielkraut‏ وأندره يه 
André Glucksmann E‏ ولکنه کان ينتمي إلى الیسارء يتكلم بلغتهم 
ويهكنه أن يعزف على آلة البيانو وأن يحاض عن بيتهوقن وفاغنرء ووجد مقعدا 
على مائدة المؤسسة السياسية. وساعده كتاب «خارج المكان» على اختراق الجدار 
غير المري. ومع حلول العام 2003 كان قد نال درجة تقديرية من جامعة السوربونء 
وبعد وفاته بقليل أقيم على شرفه تكريم خا في ال مكتبة الوطنية. 

وعلى رغم آنه كان يعشق قراءة الروايات فقد وجد أن من المنطقي أن يستنتج 
أن كتابته لها لا هي بالضرورية ولا المغرية. وف العقد الأخير من حياته اقتربت 
آراؤه حول امموضوع من آراء صديقه إسرائيل شاحاك ه1هط؟ 1۲4۵1 الذي جاءته 
منه و الساحرة عن «بعد السماء الأخبرة» ky؟‏ ئ1 مطt After‏ وفيها بعض 
التحفظات غير امتوقعة. «لن أخفي عنك أن بعض النواحي من الكتاب أثارت اختلاف 


(*) هو في الأساطير اليونانية جبل في أواسط اليونان وموطن ملهمات الشعر واموسيقى. [المترجم]. 


386 


شعبان في أرض واحدة 
معك» أنا لا أقصد السياسة أبداء أقصد أن الكتاب مفرط ف الشعرية (والغموض) من 
وجهة نظري؛ مقأڈر أكثر من اللازم بالشعر الفلسطيني» وهو شعر أعترف بأنني لا 
أطيقه - على عكس النثر الفلسطيني»”. تساءل: ما الذي جعل طرد الفلسطينيين 
بهذه السهولة ف العام 1948؟ «قد يكون أحد الأسباب كثرة الشعرء ولاسيّما ذلك 
الشعر الذي يخلو من نقد الذات». 
من الواضح من «حدود الخيال الفني». وهي محاضرة شديدة الأهمية ليست 
معروفة ها يكفي آلقاها في 4 مکالستر في العام 1995ء أن رأيه شبيه براي 
شاحاك. كانت هذه المحاضرة قد کتبت في وقت لیس بالطويل بعد أن تخلّى عن 
روايته عن موضوع الخيانة» وبعد أن كان ماضيا ف كتابة «خارج اممكان»*. وقد 
استغل فرصة إلقاء ا محاضرة ليفسّر ما يستطيع المرء فعله وما لا يستطيع في فن 
القصةء وأخذ كتاب غوردمر «الجميل» بعنوان «الكتابة والوجوذ« Writing and‏ 
Being )1995(‏ بقدر الحذر والاحترام وهو كتاب انبثق من كلمتها مناسبة 
الفوز بجائزة نوبل. فقد قال إن رأيها القائل إن الرواية أبقى من الحياة رأي مغرق 
في الرومانسية. وانتقد الأقوال ال معتادة في حفلات منح الجوائز حيث تتجاهل 
حقائق السوق الأدبية في عام الواقع. 
ثم مضى بعد ذلك للقول إن ما نراه في العام الثالث هو إستطيقا جديدة لا 
تكاد تترك أثرا في مراكز الثقافة الغربية؛ لأن ماذتها لاتزال ماذة أوّليةء وعظية 
ذات توجه سياسي مکشوف. وف الواقع کان سعيد قد دافع في وقت سابق عن 
أطروحة حنان عشراوي (وهي أطروحة شارك ف الإشراف عليها) عندما اعترض 
المشرفون لأنها دافعت عن أدب العام الثالث (والسردية الفلسطينية على وجه 
الخصوص) من حيث إنه «وسيلة للثورة والتغيير» يظهر الخيال الأدبي فيه بصفته 
مواجهة للأحداث التاريخية وتسجيلا لها . وبينما مضت وسائل الإعلام في 
نيويورك في الترثرة عن العوممة» قال سعيد إن موقع الكاتب المنتمي إلى العام 
الثالث فم يؤخذ في الحسبان. أضف إلى ذلك أن الفن نفسه» على الأقل ذلك الذي 
لا يخلو من أصالةء يتعرّض للتهديد من لعنة التخصّص التكنوقراطي. وخلص إلى 
أن اممخرجين ليسوا هم من يجلبون اهتمامنا لهذه الأمور أو يطلعوننا على المخرج 
منها. من يفعل ذلك هم المثقفون بصفتهم مشخصين للوضع» ومحللين سياسيينء 


387 


إدورد سعيد 


وعاملین مساعدین» ومفسرین. وقد سخر ا وویيشیفسکي وکانا زوجين في 
ذلك الوق من موهكه هذه الى كه من جم القع وغ اللحاة مع 
ا مؤکد. وأعطیاه زرّين معدنيين للقميص مصنوعین على شكل حرفين من أحرف 
آله الطافة اة عة اة ال هت فان أختخا ضور الخداة 
القوظة: وعان آكان صورة عاهة اة 
KK‏ 

في منتصف ليل الإثنين امصادف 10 مايو 1999 كتب سعيد ملاحظة لصديق 
ليخبره بأن إقبال أحمد. رفيقه في السلاح» توفي قبل ساعات فقط في إسلام آباد 
بسبب مضاعفات من عملية جراحية لاستئصال سرطان القولون. كانت الملاحظة 
ف تمت غان عل ع أن عاذ من غ عه الاق ق أ وشت ساك حت 
ذب لتعرية زوجت جول. غ فلك الغرف آفالوفة كان أسيل عليه أن وتعية ف 
خياله ا مزات العديدة التي جلس فيها إقبال حاف القدمينء واضعا ساقا على ساق 
على أرض الغرفةء وبيده كأس» فيما هو يقم أزمة سياسية أو يلقي الشعر بأربع 
لغات في الصباح الباكر. كانت كابة سعيد ممزوجة بالندم بسبب خلافهما أخيرا حول 
جائزة علمية هندية أراد من أحمد أن يساعد في حصول كانتي راي عليها - وهي 
مهمة مستحيلة ظنْ سعيد أن صديقه قادر معجزة ما أن يحققهاء فغضب عندما 
ل كان فان ها القت ا كان هو تة عل فك الد ن 
القعق, أمرا يضعب اعمال ق إن أحمد تون وقاة كان اكان اها كما قن 
فيما بعد. فالمستشفى الباكستاني الذي كان يرقد فيه م يكن مجهُزا تجهيزا كافيا 
للتعامل مع أحد الآثار الجانبية الروتينية التي تنتج عن العلاج الكيميانيء آلا وهي 
الأزمة القلبية التي قضت عليه”. 

في أوائل الألفية الجديدة أسرَّ سعيد لراي» طبيب الأورام الذي كان يعالجه» أنه 
کان يريد أن يكتب رواية عن أحمد. ليضع في كلمات ما منعه نشاطه وتواضعه من 
أن يضعه في كلمات شو سا ا دقاف احمد کتابات لها وزن کبیر باستثناء عدد 
قليل من امقالات السياسية التي جُمحَّت فيما بعد في مجلد من كتابات مختارة 
كنبا جوضى ينا ها الك جف ول من ذلك اة فن الهادات ا محببة 
والملاحظات الألمعيةء والحكمة التنظيمية التي انتقلت باممشافهة في أغلبها مع أن من 


388 


شعبان في أرض واحدة 


حسن الحظ أن بعضها سُجّل في مجموعة من اممقابلات التي جمعها ديد بارساميان 
الأرمني الأمريكي الذي كان يعمل مذيعا في «الراديو البديل»””. كان سعيد قد وجد في 
إهمال أحمد لتسجيل أنشطتهء وعدم اكتراثه بالشهرة شيئا فيه من السحر ما للمبادئ 
السياسية التي التزم بهاء وأراد أن يصور البرق الفكري والروحي الذي مم يحفل الرجل 
بتسجيله بنفسه. فقد كان أحمد هو المسؤول عن دفع سعيد في أوائل سيرته المهنية 
للتركيز على إثارة القضايا الأخلاقية وليس على الأفعال العسكرية لتحقيق أهدافه. 
فمنذ العام 1970 خاطب أحمد منظمة الطلبة العرب طارحا ما كان آنذاك نمطا من 
التفكير الذي لا يحظى بالقبول الشعبي» وهو أن العلاقات العامة كانت أهم من 
اعمات الفدانة وقد ادرت اقات ق كر سد اق عا 

عندما حدثت الانتفاضة الثانيةء أو انتفاضة الأقصى» في العام 2000 كانت تلك 
النصيحة قد اكتسبت قيمة خاصة. كانت وسائل الإعلام في رأي سعيد هي التي 
توجْه الصراع. وقد اشتد يقين سعيد بأن اسم اللعبة هو «حربٌ الصور والأفكار» 
معركة لجعل القصة الفلسطينية تلح من الدقة والإقناع ما ّنه الخسبرة ١إaطيةط‏ 
(وهي كلمة تعني حرفيًا ا معلومات المموجَهة للآخرين» أما باللغة الدارجة فهي 
تعني الدعاية)". الطريق التي تفضي إلى التقدّم في الصراعات التحريرية تكمن 
في «القوى السياسية المرنةء القادرة على الحركة ا معتمدة على المبادرة والإبداع 
واممفاجأة أكثر من اعتمادها على التمسّك باممواقف الثابتة» . 

حاول كتاب نهاية عملية السلام (2000)» وهو يتكؤن من مجموعة مقالات 
كتبت بين العامين 1995 و1999 أن يبن كيف حصل ذلك. وهثل الكتاب أشدٌ 
تقك السبامي إبد اغاق فة عا جحد اومان وا فة تك من اسجاق تيون 
وثيودور جرقمل» وئلسن اند وإلزت لر ف ا المقالات ذات الألوان 
المتعددة في الاب وهي مقالات أعطت حل الدولة الواحدة منزلة أعلى ومعنى 
فلسفيًا أعمق. تناول الكتاب موضوعات متنوعة مثل الناقد الثقاف الأماني وولتر 
بنجّمن» وام مورخ الفرنسي جول ميشليه» والشاعر وعضو البرممان من جزر اطمارتنيك 
اه سرب طا وك غطابات مامات الدوكة افا وة إل جا كان 
قد فعله في كتاب بعد السماء الأخيرة وهو أن ينخرط ف حياة الفلسطينيين 
العاديين. وما حققه من هذه الناحية ظهر بشكل خاص في ثلاثة من أشدٌ 


389 


إدورد سعيد 


الكتابات الصحافية تأثيرا والتصاقا بحياته الشخصية» وهي «عن زيار لوديع» 
«Scenes from Palestine «jطmulê ja alan» «On Visiting Wadie‏ 
و«یومیات الضفة lلغرiة« West Bank Diary‏ . 

ميرت اممقالة ا مخصّصة لابنه عن سواها بشكل خاص. فقد تعلم وديع اللغة 
العربية بجهوده الخاصة من دون حت من أبيه مع أنه درس في مدارس نيويورك 
وكان قد «تأمرك» تماماء وبعد أن أكمل دراسته الجامعية الأولى ذهب للدراسة في 
الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وبعد انتهاء تجربته في تلك الجامعة أعلن أنه ينوي 
قضاء سنة في فلسطين. م يصدّقه أبوه. وعندما تبين أن وديع کان جادا» حاول 
سعيد أن يسبر غور ذلك القرار لأنه كان هو نفسه غير مستعدٌ لعمل ذلك على رغم 
أنه تعرّض لضغط ف يفصح عنه للقيام بخطوة رمزية كهذه. وكان صديقه القديم 
وشريكه في العمل الوطني أبو لغد مثلا قد ترك وظيفته في جامعة نورثوسُتزن 
ليقضي آخر عقد من حياته للتعليم في بير زيت. وعلى وجه العموم فإِن فشل 
أوسلوء وتدهور صخته جعلاه يبحث عن صلة أكثر حميمية مع فلسطين مما آمكن 
الحصول عليه في أثناء الزيارات امخطط لها للشرق الأوسط لعمل فلم أو لإلقاء 
محاضرة وكانت أحدث زيارة من هذه الزيارات تلك التي قام بها للضفة الغربية 
في شهري فبراير ومارس 1997 لعمل الفلم المسمی «بحٹا عن فلسطين» 1٤4۲ء؟ 1١‏ 
.BBC JI ãzlصk of Palestine‏ ّ 

قلبت مبادرة وديع تفكيره. وكانت عشراوي» تلميذته السابقة التي كانت تعمل 
مع السلطة الفلسطينية ف رام اللهء تعلم علم اليقين أنه يحب أن برحب به بصفته 
واحدا من مواطنيهم الفلسطینیین یعیش ف «اممناطق». وقد آممه جدا أنه م یکن 
يتمتع بهذه الصفة". أما وديع فلم يجعله يرى الكيفية فقط بل فتح له الباب» 
وان فور الذطط والدليل» وساق به السيّارة من بلدة إلى أخرىء ورتب التحركات» 
وعرّفه بالإجراءات اليومية التي تتّخذ في «اممناطق»» ومقدّما إيّاه للشباب الذين ما 
كان سعيد ليستطيع الاتصال بهم”. وها أن ثقافة المكان ثقافة أبوّة فإن وجوده 
هناك مع ابنه دل على انتماء أشدٌ إلى المكان. 

قد تفخاف وجيات النطن ولذلك فإن أوملو إا إتها جات الكقات الوط 
الفلسطيني غير ممكن بعدها وإما جعلته يتحقق بشكل شاذ. وسواء أكانت النتيجة 


390 


شعبان في أرض واحدة 

هذه أم تلك فإن ذلك الكفاح مم يعد ضمن برنامج عمله. لقد أعطته تلك الحركة 
الحرية لينتقد حكومة الولايات المتحدة بشكل لاذع أكثر من ذي قبلء وللإلحاح على 
فكرة الكينونة الفلسطينية بصفتها خليقة ذات طبيعة كونية لها صفة الاحتواء التي 
تشمل الحاجة إلى الحركة إلى ما وراء الانتماء إلى مكان معين. ولسوء الحظ مم يعد 
سعيد قادرا على الاعتماد على العقلية اممنطقية التي تميل إلى الفكر اليساريء كما 
كان شأنه عند كتابة الاستشراق. 

أما مقالاته التي كتبها ما بين العام 1995 إلى وفاته في العام 2003» وهي 
المقالات التي جمعها قبیل وفاته بقلیل تحت عنوان من آوسلو إلى العراق ۴٣٥۳‏ 
(2004) 1۲44 ه† 10ء0 فقد تناولت بروح التحذّي الهجوم الواسع على الحريات 
المدنية بعد 11 سبتمبرء وهو تاريخ الحرب الدانمة التي تشنها القوّات العسكرية 
الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال آفريقياء والدكتاتورية الممرعبة ف الداخل. 
وقد اشتكى ف تلك اممقالات «من مستويات البلادة التي وصل إليها قطاع الفكر 
«المصفق» للقادةء ووجد أن الخبراء (وأسوأهم كان ذلك الخنزير [فؤاد] عجمي)» 
مداق خرو :وقد صن جا فهه جلى قنون القصرر الوطتي الي اذز ق 
نوفمبر من العام 2001 وهو انون مل ما «عاة كبامر #3 اة الولانات 
المتحدة». فقد بدا أن الولايات المتحدة أخذت تحكمُها أكثر فأكثر الطوائفُ 
ااا ال التي «هي ف ريي خطر على العاطم». 

مم يكن معنى ذلك أن تركيزه انتقل بالكليّة إلى القضايا امحليّة. فعلی رغم 
عدد كبير من الأتباع المؤمنين بأقواله فإنه واجه درجة معيّنة من التشكك ف 
الشرق الأوسط نفسه. وفد كان تأثيره في إسراثيل وف المناطق المحتلة كبيرا. وفي 
العام الأكادهي ف إسرائيل» لدى الجيل الأصغر بخاصة» أصبح كتاب الاستشراق 
كتابا قراءته واجبة تقريبا. كما أن أعماله أحدثت صدى جِيّدا مع التمرد داخل 
إسرائيل نفسها ضدَّ المؤسّسة الأشكنازيةء وكذلك مع الاحتجاجات ضدَّ أوراقها 
البيضاء ا مختلفة التي تصوّر إسرائيل على أنها مجتمع متعدّد الثقافات ويتسامح 
مع الآخر. 


(*) مصدر مشتق من لفظة «إسرائيل» معنى تصيير الشيء إسرائيلياء وهي في الأصل ٣٠ناهzنامهءء1.‏ [المحرر]. 


391 


إدورد سعيد 


فعلى النقيض من تلك الصورة سعت حركة بين اليهود المزراحيين إلى تحقيق 
تلك التعددية الثقافية. وفي سعيها إلى عمل ذلك استشهدت بسعيد الذي رحب 
دانما بالتنؤع في المنطقة بأن ظل يكتب باستمرار عن العرب والفلسطينيين واليهود 
الشرقيين ويصفهم بأنهم ذوو مشاعر ومصائر متشابهة. وعلى رغم العقبات فإن 
أعماله متداولة ف اممنطقة. فقد ظهرت ترجمة عبرية لكتابه القضية الفلسطينية 
منذ العام 1981. وقبل سنة من ذلك التاريخ أرسل إليه صديقه وزميله شاحاك 
من إسرائيل رسالة قال له فيها: «اسمك معروف هنا إلى حدٌ كبير». وبالنظر 
إلى أسلوب الترجمة ا مفرط في التفتّن لكل من كتاب الاستشراق وكتاب الثقافة 
والإمبريالية وما يتصفان به من طول وسعة معرفة فإن تأثيرهما في العام العربي كان 
أقل من تأثر المقالات السياسيةء ولاسبّما تلك التي يضمُها كتاب سياسة الحرمانء 
وهي مقالات كان تأثيرها كبيرا. ومع أن سعيد في فترة الثمانينيات كان معروفا 
معرفة واسعة في المنطقة فإن ذلك م يكن بوصفه ناقدا ثقافيًا وأدبيّا على رغم 
حقيقة أن وزارة الثقافة السورية نشرت ترجمة مسروقة إلى اللغة العربية لكتاب 
العام والنص والناقد ظلّت غير متاحة للقرّاء خارج سورية. وقد دعت نجاح العطارء 
أوّل امرأة تتولى شؤون وزارة الثقافة. سعيد إلى زيارة بلدها أربع مرات» ولكنه 
رفض العرض بقوّة بسبب الكبت الداخلي في سورية وبسبب تخلي سورية عن 
الفلسطينيين ف أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان". غير أنها أدركت» كما أدرك غيرهاء 
أن عظمة سعيد - ورها كان هذا أعظم إنجازاته في العام العربي - نابعة من تحقيق 
الاقتناع لدى الجميع بالدور الحيوي لامثقف بصفته الضمير الاجتماعي ف ال مجتمع. 
ومشخص أمراضه» وواضع أجنداته. 

وفي فلسطين» استاء ا مثقفون من حرصه على ذكر آلام اليهود في المحرقةء ورأوا 
أن من السذاجة اممفرطة أن يقول «إن الولايات المتحدة يجب أن تكون المركز الأول 
لعملنا»» معنى التأثير في آراء عامُة الأمريكيين الذين يشكلون مصدر الحياة الذي 
تعتمد عليه إسرائيل". وقد بدت مطالبته المتكررة ل «ابتكار» طرق جديدة لدفع 
القضية الفلسطينية إلى الأمام» واقتباسه لبيت الشعر الذي يقول فيه سيزير «إن 
هناك مكانا للجميع عند ملتقى الانتصار» على سبيل المثالء على رغم ثبلهء بدت 
للكثيرين أبعد من اللازم عن ساحة المعركةء ولا تلمس الأزمة الغزيّة على سبيل 


392 


شعبان في أرض واحدة 


المثال حيث نَدَمّر بيوت الناس باستمرار وتَحَوّل إلى ركام. ولم ينظر حتى أولئك 
الذين تبنوا أوسلو إليها في أي يوم من الأيام إلا باعتبارها خطوة نحو فلسطين 
مستقلة ذات سيادة. وتساءل بعضهم: آم يکن خيانة قوله «إن اممنفی يبدو لي 
حالة متحررة أکثر» أو عندما است: ستنتج أن فلسطین «لا هكن استعادتها... نحن نبتعد 
عنها. إنها ليست عملية خلق بمكان جميل مملوء بالبساتين وما إلى ذلك. أنا لا أؤمن 
بعودة نهائية»”. قد کان في نظر كثير من النشطاء ليس منقطع الصلة بإطلاقه 
هذه الأقوال فقط بل كان يسمح لأمريكيته بالظهور”. 

لکن على رغم أنه بدا على هذه الصورة للمحاربين الذين نفد صبرهم فإنه م 
یکن في يوم من الأَيّام متطفلا يعيش حياة آمنة في شقة من شقق بناية سامقة 
العلو في مانهاتن. فقد استعین به حتی بعد آوسلو إذ طلبت منه عشراوي آن يکون 
عضوا في الهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان» وعمل ممصلحة منظمات أخرى تابعة 
للسلطة الجديدة””. كذلك فإنه مضى قدما لجمع الأموال» وعمل الأفلامء والقيام 
بالمطالبات. وقد تمثل انخراطه الشخصي المستمر ف لقاء مع إبراهيم عمارء وهو 
طالب فلسطيني شجاع وصل إلى لندن ق الواحدة والعشرين من عمره ومعه 
سروالا جينز» وكنزتان» وحقيبة صغيرة. وبعد أن حضر محاضرة سعيد في مبنى 
الان اتقظر ى فف من الخاكرين اكم م وعدا وله الور ا له 
بشكل عابر آنه سيكون ممتنا إذا ما كانت لديه أفكار مكنه بواسطتها الحصول 
على دعم مادي لیکمل دراسته. فقال له سعید إِنه سیفعل ما بوسعه. فغادر عمار 
مسروراء ولكنه كان واثقا بأن «هذه الأسطورة اممتداولة بيننا نحن الفلسطينيين» 
(وفق تعبیره) سيّنسى وعده هجرد أن يغادر القاعة. لکن ما إن مضى آقل من شهر 
حتى وصل إليه اف بالبرید مبلغ 1500 پاوند. 

مم تنبثق هذه الاتجاهات الجديدة في كتابات سعيد وأحاديثه من التعب أو 
الانهزامية بل من واقع جماعي لا يسرْ. فانعدام السيادة أجبر الفلسطينيين على أن 
يعيدوا تصؤر المشاعر القومية ويجعلوها مأزقا عامًا وليس شكلا من أشكال الانتماء 
القائم على أساس الدم والتراب. أما ا مثال القومي ف إسرائيل فقد استعير من أوروبا 
في القرن التاسع عشر كما کان يوري آیزنتسفایغ چi٤۸2W٥ء1٤‏ ناتا وهو باحث 
فرنسي تلقی تدريبه في ٳسرائيل» يقول على نحو مقنع بينما هو يدعم موقف سعید 


393 


إدورد سعيد 


بخصوص «البنى اممكانية المتخبَّلة» للمنطقة الصهيونية. هذه ال معتقدات تحتل 
مركز الصدارة في مؤتمر «المناظر الطبيعية في فلسطين: الشعر ا ملتبس» - وهو مؤتمر 
أسهم في تنظيمه مع أبو لغد وخالد ناشف وغيرهما فيما بعد في جامعة بيرزيت 
في الضفة الغربيةء بهدف فضح أكاذيب علم الآثار الإسرائيلي”. وكان من رأيه أن 
الصهيونية» بصريح العبارة قد أوجدت منطقة أوروبية في فلسطينء وأن من المهم 
للفلسطينيين ألا يكرروا تلك الفعلة. 

هذا التعارض بين ظاهر الأمور في أمريكا والشرق الأوسط كان يكمن خلف أحداث 
أواخر يونيو وأوائل يوليو من العام 2000 عندما عاد بعد زيارة عائلية إلى لبنان لتقديم 
محاضرتين عامتين ليجابه حملة مجنونة تشنها وسائل الإعلام ضدّه. وكان بعض 
امسؤولين والصحافيين يطلقون عليه صفة الإرهابي. كان سعيد قد ذهب» بعد إلقاء 
محاضرتيه وسط برنامج حافل» للقيام بجولة في جنوب لبنان بعد أن أخْلَث إسرائيل 
موقعا أمنيّا تحت ضغط المقاومة اللبنانية بعد احتلال دام اثنتين وعشرين سنة. 

ودا لون الا ةن الت بال مد الاعات ع الا 
الذين تبع بعضهم مرافقيه من أفراد العائلة وصديقه اقرب فواز طرابلسي الذي 
نظم الرحلة. ثم مضوا في رحلتهم إلى أن وصلوا إلى باب فاطمة على الحدٌ الفاصل 
بين لبنان وإسرائيل» حيث وجدوا كومة من الحجارة على الجانب اللبناني من 
السياج وثلاثة من مسؤولي حزب الله الذين كانوا ينظرون إلى ما يجري من 
حولهم. وكما يحصل مع كل زوّار المنطقة» دعا الرجال الجماعة إلى قذف حجر 
رمزي باتجاه السياج» وكان هناك على مبعدة من السور على الجانب الآخر منه 
برج حراسة يبدو لأعضاء الرحلة خاليا. خاطب شخص من بين أعضاء الرحلة 
يتكلم بالعربية مشجعا سعيد لقذف حجرء ووافق طرابلسي على فعل الشيء 
نفسه. لكن حجر سعيد فم يكد يصل السياج حتى سقط على الأرض بلا حركة. 
کان من بين من تبعوهم إلى باب فاطمة مصور من جريدة «السفير» وفريق من 
تلفزيون «اممنار». وقي المساء من ذلك اليوم جاء مصور جريدة «السّفير» بالصورة 
التي التقطها إلى الفندق ليراها. وبعد ذلك سألت زوجة أخ الرواي إلياس خوري 
صديق سعيد عما إذا كان بوسعها أن تنشر الصورة عبر وكالة الأنباء الفرنسية 
حیث صادف أنها تعمل. فلم یجد سعید ما هنع» ووافق بلا تردد. 


394 


شعبان في أرض واحدة 
ف لك الليلة بث حزب الله لقطة للحادكة من خلال محطة فاقزيون 
وھا ان چچ عن جخروعا ع وا فا أك من رة فة 
لا ضرر منهاء فإن الضجُة التي أعقبتها لاحت لهم بالغة الغرابة. فقد صور 
سعيد. الذي دعا دانما إلى التعايش السلمي بين الفلسطينيين واليهود» وكأنه 
معاد للساميةء متطرّف عنيف. ونشرت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» وهي 
م تعتمد على الإثارة. صورة عن قذف الحجر في صفحتها الثانية تحت 
عنوان مثير يقول: «أستاذ من جامعة كوطبيا يعترف بقذف الحجر»”“. وفي 
الهجوم العنيف الذي شتته وسائل الإعلام بلغت پولا زان من شبكة ××° 
من الوقاحة ف المقابلة التي أجرتها معه» حذا قرّر معه سعيد ألا يضيع الوقت 
مع شبكات الإعلام الكبرى. وفي أثناء هذه الضجَّة عمل مؤيدو إسرائيل من 
أعضاء هيئة التدريس والطلبة واممانحين من دون توقف طوال أشهر لطرده من 
الجامعة» أو على الأقل لإجبار الجامعة على إحراجه بإصدار استنكار علني. وكان 
بعض الأساتذة من كليات الطب والأعمال والهندسة متشدّدين على نحو خاص» 
فأغرقوا مكتب الرئيس ها لا يقل عن خمسين رسالة إلكترونية ومكاممة تلفونيةء 
وکوا من كب جائب عضو من أغضاء مجلس اكماد 
کر تعدا من وا ا ره خا لت قامات کن ن عا 
الناس. وبينما كانت القضية ف ذروتها أصدر جوتثن كولء رئيس جامعة كوممبياء بعد 
تأخير دام شهرينء بيانا رسميًا بناء على طلب من القيادات الطلابيّة. ففي رسالة من 
خمس صفحات استشهد فیها بکلام ا مل وبکلام يرد في الكتاب الخاص 
بادهت اروس ق جا کرای آفار کول إن أن مه خا ا ن 
القوانينء وم تصدر بحقه أي إدانة. وأن آراء سعيد السياسية هي التي خلقت مما 
حصل قضية. وهكذا فإن بيانه هذاء باستشهاده بالحرية الأكادهيةء أنهى الحملة 
على رغم أنها ظلت تَعْرّْج لعدة أسابيع أخرىء وم تمت تاما. وم يأت النقد من 
الجانب المؤنّد لإسراتيل فقط فقد اهمه بعض حلفائه بأنه ته الحادثة بالمقابلات 
التي أجراها بتأكيده أنه قذف «حصاة» غير موجَهة إلى أحد في «تعبير رمزي عن 
الفرح»”“ وتساءلواء في وجه العنف الذي تمارسه الدولة الإسرائيلية عن السبب 
في عدم رذ الصاع بالصاع والتفاخر ها فعل”“. كان الحادث في حقيقة الأمر تافهاء 


395 


إدورد سعيد 
ولكته خلف ف ذهن بعضهم علامة سؤال عن معنی کل ما فعله في حیاتهء فوضعه 
كل ذلك في حالة من الكابة الطويلة**. 
RK‏ 

وها أنه نفض يده من فنْ الروايةء بصفته ملفا لها في الأقلء فإن ذلك عكس 
تناقضات أخرى. فكما لاحظ بارنبُويْم ساخرا أخذ سعيد يصرف أوقاتا طويلة ف 
الموسيقى الكلاسيكية في الوقت الذي أخذ الجمهور الغربي يفقد اهتمامه بها. أما 
سعيد فلم يتخل عن سعيه إلى جعل ال موسيقى الكلاسيكية محبّبة أكثر للجمهور 
مع أ جود مرغان ما امتاجتا يغطة لطا قلسن ما ى فال اوسقى 
الكلاسيكية. وقد حدث بامصادفة في العام 1988 أنه كان يشاهد هو ومريم 
جانبا من برنامج «صباح الخير» على محطة ٥88‏ عرض فيه جزءٌ عن سليم 
عبُود أشقر» وهو صب فلسطيني مسيحي في الثانية عشرة من العمر كان قد 
فاز مسابقة كبيرة في العزف على آلة البيانو في إسرائيل. وسرعان ما لاحظ سعيد 
مواهب الصبي» واعتقد أنه يستحق تعليما من الدرجة الأولى ف امموسيقى وهو 
مصمم على إعطائه إياه”*. لذلك فإنه سرعان ما اتصل بجورج عابد الذي كان 
آنذاك رئيس رابطة العمل الخيري الفلسطينية» وطلب منه أن يبحث عن عازف 
البيانو الصغير. وفي وقت لاحق من تلك السنة جرى ترتيب لقاء على مدى عدة 
أيام متتابعة في بارس وال الاثنان ساعات عديدة. وبعد الانتهاء من اختبار 
الصبي» وهو اختبار تضمَن أحاديث مطولة عن الحياة بشكل عام أك س 
مهارات الصبي» وأقنع مؤسسة القطان بدعم تعليمه. 

وبعد بضع سنوات أسس المعهد الموسيقي الفلسطيني في العام 1993. وقد 
استشير سعيد من جانب الممؤسسين وأذّى دورا بناء في جعل اممؤسّسة حقيقة واقعة 
بعد عدّة سنوات عندما أسهم هبلغ عشرة آلاف دولار هي قيمة الجائزة التي 
متحته إتاها مجلة التوزوركر على كتابه خارج اكان. وكات الفكرة وراء :ذلك 
أن الفلسطيتين الشباب إا كان بإمكاتهم تلم التركيز من خلال اأوسيقى ققد 
کی اكام أن دركزوا على اساي الأكرن غا - ققد كانت مهادر اقلق 
التي يسببها لهم الاحتلال تسبب لهم أكثر من مجرد تشتيت الذهن. غير أن ام معهد 
یحتاج إلى مدرسین موسیقیین م يکونوا موجودين في فلسطين في ذلك الوقتء 


396 


شعبان في أرض واحدة 
وكان استقطابهم من أوروبا يتطلب الحصول على تأشيرات دخول إسرائيلية كان 
الحصول عليها مستحيلا. لذلك طلب سعيد مساعدة بارنبُويْم» وسرعان ما رتب قائد 
الأوركسترا طريقة مموسيقيين لمان للقدوم للتعليم. وف غمرة الحماس للتجربةء وبناء 
على طلب مدير ا معهد سهيل خوري فإن بارنبُويْم وعد ببناء أوركسترا فلسطينية. 
وتوسّعت مشاركته على جميع الجبهات. وفي مارس من العام 1998 كان بارنبُويْم 
يعزف في القدس» وكان سعيد يعمل على الانتهاء من فلم ممصلحة ال 88€ عن 
الضفة الغربيّة. وما كانت المسافة قريبة بين القدس وبيرزيت فقد رتب سعيد الأمر 
لكي يعزف بارتبُويْم في بيرزيت حيث عزف مقطوعة للبيانو لأربع آيد*' من تأليف 
شوبرت هو وعبُود أشقر نفسه. 
وقد صادف في تلك السنة نفسها أن بارتبُويُم دعاه وزير الثقافة الألماني إلى 
المساعدة في تنظيم الاحتفالات المزمع إقامتها في قاهارء التي كانت قد سُميت 
العاصمة الثقافية الأوروبية للعام 1999“. ورغبة منه في تحاشي الموضوعات 
المملة امتصلة بتلك ال مدينة الشهيرة - غوتة وشلر من ناحيةء ومركز الاعتقال 
القريب في بوخنقالد من الناحية الأخرى - فإنه استدعى تجربته الحديثة لاقتراح 
ورشة عمل تضم موسيقيين إسرائيليين وعربا لا يزيد عددهم على خمسة عشر 
مشاركا أو ما يقرب من ذلك. وقدّم بارنبُويْم هذه الفرصة السعيدة لسعيد وأشار 
اه ن مامات ان هل ها موز الما 5ا كان عن س لاان 
قال: «قطعا!»”“» بعد ذلك دهش الاثنان عندما وجدا أن عدد من تقدّموا بطلب 
الالتحاق من المموسيقيين العرب تجاوز المائتين. وفي أغسطسء» اختار بارنُوم هو 
وسعيد وعازف آلة الچلو يو-يو ما مجموعة من «نمانية وسبعين عازفا عربيًا 
وإسرائيليًا تتراوح اعا بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين» لحضور ورشة 
عمل موسيقية ف قاهار*“. وعندما انتهت الورشة كانت أوركسترا الديوان الغري 
الشرقي قد ولدت. ولم تقض سوى بضع سنوات حتى أقيمت ورشات عمل سنوية 
في إسبانيا حتى العام 2005ء وعزفت الفرقة في رام الله نفسها في حفلة تذكارية 
تکرها لذکری سعید وتضامنا مع فلسطین. 


(#) أي أن عزفها يتطلب عازفين يؤديانها تزامنيا. [المحرر]. 


397 


إدورد سعيد 


م يفترض أحد أن رمز التعاون الإسرائيلي العربي هذا سيأ بالسلام. فباستثناء 
تجسيد التفاهم في وقت كان سعيد يدعو فيه إلى حل يقوم على فكرة الدولة 
الواحدة في اال اسف کان کل ما هكن أن يفعله ذلك التعاون هو تقديم 
تعلیم با موسیقی بصفتها «تمرینا روحانيًا». کان سعید وبارنبُویْم قد کافحا منذ زمن 
فيل ف عله الوقن ها ف من غارين ذطرااق تغل الزات الخ 
والتمارين الجسدية وأساليب القراءة المخصصة لإنتاج العجائب ق الأداء أن يعرف 
المؤذّون الكثير غير ذلك . وكان بارنبُوبْم قد لاحظ أن سعيد مم يحفل معالجة 
ات ا عة بل اة وعدا ما فون إل سب أكر ااار ف 
موسيقيين كانوا أفرادا حققوا ذواتهم تحقيقا كاملا. واستخدما المبادئ التعليمية 
نفسها التي طبّقت فيما بعد في أكادهية بارنبُوبْم-سعيد في برلين» وهي المبادئ 
التي لاتزال سارية حتى الوقت الحاضر: التدريب الشامل الذي يدمج دراسة الأداء 
بدراسة التاريخ والسياسة والإستطيقا. التعليم باطموسيقى» وليس تعليم الموسيقى - 
تلك كانت هي الفكرة. 

حصلت الأوركسترا على الإعجاب في جميع أنحاء العامم» ولكنها أدت إلى 
مشاحنات داخل عائلة سعيد. ومع أن فكرة الديوان الغربي الشرقي استهدفت 
دانما أن تقوم بعملها بالتعالي على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني» فإن حركة 
امقاطعة والتعرية والعقوبات التي يقودها عمر البرغوثي أخذت تقاطع 
الأوركسترا بسبب الاعتقاد بأن التعاون يؤذي القضية الفلسطينية بتطبيع 
العلاقات مع دولة مارقة تشجب بحق بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي. وكانت 
غريس» الناشطة المنتمية إلى الحركات الشعبية من بين أفراد العائلة» غير راضية 
على وجه الخصوص. وكانت وجهة نظرهاء على غرار وجهة نظر سعيد. متأثرة 
بالوقت الطويل الذي قضته في الولايات ال متحدة. وكانت غريس قد تخرّجت في 
كلية المعلمين التي تقع على مقربة من حرم جامعة كوممبياء وكانت قد نجت 
من الحرب الأهلية ف ببروت ف العام 1983ء وعاشت ف آل الأمر في بيت آخيها 
وزوجته مریم في شقتهما في نيويورك» ثم انتقلت إلى واشنطن عندما وجدت 
أن ام مدينة لا تطاق”. وقد ظلت تعمل أكثر الوقت في التسعينيات وبعد وفاة 
سعيد من أجل تعرية إسرائيل. وقالت ساخرة: «نحن الفلسطينيين... قررنا أن 


398 


شعبان في أرض واحدة 
نستعمل مسيحيَتنا بأن نضع قدما في باب الكنائس حول هذه القضية» ولكن 
من دون أن نستثني أصدقاءنا المسلمين. ثم انتمت بعد ذلك إلى حركة امقاطعة 
وبقيت على اقتاع بان سيد على رقم كرهة د «تصلب» حركة القاطعة ف 
بعض الأحيان فإنه كان سيقف إلى جانبها نقديًا. وبالفعل» فإنه قبل وفاته کان 
قد آيّد استهداف أهداف محدّدة في عملية التعرية ومقاطعة المستوطنات» 
وغضب أشد الغضب من زميله مورخ التقدُمي إرك ذفوiنر Eric Foner‏ عندما 
رفض أن يدعم حجب التمويل عن المستوطنات. 
کان وجود الأوركسترا ف نظر أغلبية أفراد عائلة سعيد مصدرا للإزعاج» لاسما 
بالنظر إلى أن الأوضاع في فلسطين ساءت في القرن الجديد. ويبدو أن حملة المقاطعة 
المسماة 88 قد كسبتهم إلى جانبهاء على رغم أن مريم كان من رأيها أن الحملة 
كانت ظاممة. وقد تمسّكت مريم موقفهاء وبقيت هي المسؤولة عن تنظيم أنشطة 
الفرقة ودعمها إلى جانب بارنبُوْم بعد وفاة سعيد. فقد شعرت أن الإرث الذي 
وها ف ل فا عا د راعذ من أف مجرة أ من انط عه 
وأن من الخطاً أن يفصل المعهد الوطني للموسيقى علاقاته ببارنبُويُم في العام 
05 قمن ذاحية آذى إيقاء العلاقة قامة إل نتيجة تنظيية مهخة وهو «مركز 
بارنبوبْم-سعید للموسیقی» في رام الله» وهو مركز ظل دانيما أكثر من مدرسة أو 
ف موس الاي فل دة فاه خا اين اة اة 
ومن الداخل الإسرائيلي» ومن بلاد الشتات. كذلك فإن البرنامج الأصلي الذي بدا مع 
بارتبُويْم والمركز الوطني للموسيقى في منتصف عقد التسعينيات كان لايزال معهدا 
اجا مويل من الكو اإفب ف الاس ومن الكو اساة وماب 
وة افاس اة فغلا عا اكات اة 
وعلى الرغم من أن صداقة سعيد مع بارنبُويْم دعمت مصداقيّته ال موسيقية 
ورت حياته الشخصية والفتة. فإن العلاقة بيتهما كانت علاقة متكاملة 
من الناحية الفكرية» وإن م تكن دانما متوافقة. وعندما نشرا حواراتهما عن 
اموسيقى آمام الجمهور في نيويورك فإنهما أشارا إلى وحدة الأذهان المتباينة 
بأن سمُیاها توازیات ومفارقات: نظرات ف امموسیقی واممجتمع ۵ه ۴۸۲4111۶ 
.Paradoxes: Explorations in Music and Society (2002)‏ ففي إحدی 


399 


إدورد سعيد 


المناسبات التي تحدَّثا فيها عما إذا كان الأدب وامموسيقى يتشابهان في بعض 
الخصائص الجوهريةء تقدّم سعيد برأي يقول إن كتابة الرموز الموسيقية تشكل 
نصا يشبه نص الرواية» معنى أن كلا النوعين يحتاجان إلى تفسير. لكن بارنبُويْم م 
يتفق مع هذا الرأيء وقال إنه مهما كان ما تصفه الكلمات فإنه يجعل الموسیقی 
غير ضرورية”. صحيح أن الممثل هكنه أن يلقي كلمة «لا» البسيطة بآلاف 
الأشكالء بلهجة تأكيدية» أو عدوانيةء أو متفهمة. لكن كلمة «لا» لها معنى لا 
يوجد ف النض الموسيقي = وهو نص يتشكل ف الأساس من «بقع سوذاء على 
ورق أبيض»» «كيف كنك قراءة ذلك؟». 

اختلفا حول موضوع «الصمت». كان من رأي سعيد أن الصمت يضع حذًا 
للموسيقى بصفته شيئا ضائعا وفقداناء بينما هو في الأدب (الصمت معنى ما م 
بُقّل) يبقى في الكلمة ويشكل جانبا من معناها”. وقد يقرا المؤلفون أعمالهم 
بصوت مسموع آحياناء ولكنهم يۇلفون بصمت» ويستهلك جمهورهم أعمالهم 
بصمت. أما بارتبُويْم بصفته قائد الفرقة الموسيقية فليس بوسعه أن يعد الصمت 
غیابا. الوت ا إلى الصمت الذي يسبقه... تمسك بالنغمة الأولى بصفتك 
مستمعاء ولكن هنالك في كل عبارة موسيقية فترات صمت من أجل أن تتنفس» من 
أجل أن تستجمع مزيدا من الحدّة... اموسيقى معبرة لأنها يتخللها الصمت الذي 
يعترضها... والصمت الذي ياي بعدها أعلى من النغمة الأصلية». 

أا الفضایا الکری ققد آثر كل متهما ق تفكر التفر بقايا: فقد نظر بارُوْم 
نظرة احترام إلى موهبة سعيد في تتبع الأماط الموسيقية التي تتحقق في العام 
السياسي وحاكاها أحيانا. وبعد حفلة عشاء في لندن في أواخر حياة سعيد وبينما 
کان جميع الضيوف مصغین بانتباه شديد - طارق علي» جاكلين روزء منظر الدراسات 
الثقافية ومؤرُخها ستورت وکاثرین هول» ومريم» وسعيد» الممنزوي وامممسك عن 
الكلامء» متنازلا عنه لصديقه - تكلم بارنبویم بإسهاب مدة تقرب من عشر دقائق»› 
مطؤّرا الفكرة القائلة إن اتفاقات أوسلو كانت أشبه بالسرعة الفاشلة ف حفل 
موسيقي» وفيه عجزت السرعة عن اللحاق بالنص إلى أن سقطت في الهاوية. 


400 


12 


السباق ضذ الزمن 


الخالي من الخبث لا ينعم بالحياة الهانئة 


ٹیودور آدورنو“ 


کتب سعيد في يوم من الأيام عن طفولته 
فقال: «ساعتي تحمي حياتي کالحارس». أما 
وقد أصبح رجلا فقد صار لزاما عليه أن يتحمُل 
النتائج: «التاسعة مساء كانت ماتزال تعني أن 
الوقت تأخر». وبعدما أخذ كأس الوسكي يحل 
محل كأس البيرة مع الفستق السوداني الذي 
يتناوله مع مريم ف أثناء مشاهدة نشرة الأخبارء 


کان سعيد يتعرَض للهجوم منذ E ET‏ 

صدور کتاب «القضية ال لفلسطينية» وما ان الوقت یکون و تاخر على الاتصال 
قبل عقدين من الزمان على الأقلء بأحد» فقد كان ذلك يعنى أن العمل اليومى 
ولکن بدا آن أعداءه السياسيين زادت a T ٤‏ 
رغبتهم في الانتقام قبيل وفاته وبعدها قد انتهى. سيكون بحاجة إلى قدر من النوم 


401 


إدورد سعيد 


للتحضير ل«معركة» اليوم التالي*. لرها جاء الدرس متأخُرء ولكنه كان قد تعلم أن 
إضاعة الوقت شكل من أشكال قضائه وأن أوقات التسلية كانت رذا على الالتزام 
بالأنظمة التي تفرضها النفس على ذاتها”. وباعتراف مريم» «ما أكثر ما أضاع من 
الوقت»» ولامه کرسْتٌفر هچثز مازحا بأنه كثيرا ما ذكر أسماء البرامج التلفزيونية إذ 
لبد آنه شاهدها بينما ‏ يكن الآخرون منتبهين(4). غير أن ابمهمة المكتملة م تكن 
بأهمية الانشغال الدائم. 

ف «اطمقابلة الأخرة» )2003( »1he 1اast Interview‏ وهو فلم توثیقي عمل 
ل وفف كى الاق الفدة جار قن فعا كان سعد ى سا 
من وقائع حياته ف السنوات القليلة السابقة. مم يعد بإمكانه أن يقرأ. وم يعد 
بإمكانه حتى الاستماع إلى الموسيقى تحت ضباب العلاج الكيميائي. وقد فوجئ 
ودیع عندما رآ آباه وهو پغط في النوم على كرسي من كراسي غرفة الجلوس في 
الات الا هساد وق مط كات من فف مدت دجلا أن عا أن وا هة 
بأسماء بعض الحاجات البيتية البسيطة”. ورجاه غلاس بلهجة حزينة أن يشعر 
بالسعادة ها أمكنه إنجازه. لكن سعيد خفف من أهمية «الدراما» وتمسّك بالقصة 
التي رواها كلما نصحه أحدهم بأن يهوّن عن نفسه» وذلك بالقول إن فكرة الراحة 
تجعله يشعر با مرض وإن النوم قد أصبح بالفعل نوعا من الموت. كان ينوي كتابة 
جزء ثان من «خارج الممكان» متابعة القصة حتى الوقت الحاضرء ويقول إن لديه 
ار أخرى. 

م يعالج سعيد كل الأزمات بهذه الدرجة من العقلانية. ففي العام 1983 جلس 
سعيد ومريم إلى جانب السرير حيث يرقد وديع الذي كان يعاني التهاب العظم 
والقي itisاsteomye.‏ وبعد قضاء ساعات إلى جانب ودیع نهض فجأة من 
کرسیه لیذكر مریم بان لديهما بطاقتين لحضور حفل موسيقي وأن عليهما الإسراع 
في الذهاب. فنظرت إليه مريم كأنها مم تفهم قوله وفكرت: «كيف يمكنك أن تفكر 
في شيء كهذا؟»» لكنها قالت من دون مواربة: «لا أريد الذهاب». لكن ذلك م هنعه 
من المحاولةء فقال: «سيكون ذلك مفيدا لك». لكنها أصرّت على موقفها. ما هو فلم 
يكتف بالذهاب» بل عاد إلى البيت في وقت متأخر عن موعد انتهاء الحفلء واتخذ 
قان الهجوم مجزد دخوله من الباب: «ماذا م تنامي بعد؟» فلمعت في ذهنها 


402 


السباق ضد الزمن 

حقيقة أنه م يكن بوسعه احتمال النظر إلى ابنه المريض» وأن كل ما كان بوسعه 
أن يفعله لتفادي الانهيار هو العودة إلى الروتين”. فكثيرا ما لجأ إلى هذا الأسلوب 
للتعامل مع مرضه هو. 

أمضى السنوات الأربع الأخيرة من حياته في تجميع ثلاثة كتب قصيرة وكان 
الوحيد الذي صدر منها قبل وفاته هو «فروید وغير الأوروي» Freud and the‏ 
(2003) European-ہN0.‏ وهو کتاب يکاد لا یحتوي» على رغم عنوانه» على شيء 
يتصل بالاضطرابات النفسية أو أسرار اللاوعي» بل يحتوي على كل ما يتصل ببلد 
طفولته» مصر» التي شغلت ذهن فرويد في الجانب الأكبر من حياته. يعود الكتاب 
في الأصل إلى محاضرة في متحف فرويد في لندن» وكان منزلة الانتقام من المكان 
الذي كانت الممحاضرة ستلقى فيه أصلاء وهو متحف سغمند فرويد في فيينا الذي 
سحب الدعوة بسبب الفضيحة التي سبّبتها ق الحجر. 

کټ کتاب «فروید وغیر الأوروي» على رغم ما فيه من إيحاءات» ما يشبه 
اام ااوي الواحد شأنه في ذلك شأن الكتابين اللذين ظهرا بعد وفاته» وهما 
«اطمذهب الإنساني والنقد الدهوقراطي« posthumous Humanism and‏ 
Democratic Criticism (2004)‏ و«عن الأسلوب المتأخر « On Late Style‏ 
(2006). فبما أن الوقت المتاح م يكن طويلا فإنه رضي بأن يكون الكتاب أشبه 
بالعرض ال مبسّطء من دون عناية شديدة بالأسلوب» ومتخذا موقفه من كل ما رآه 
آهم من غيره بأي طريقة ممكنة. وللتعويض عن قدر من الرتابة في التعبير لجأ إلى 
الأساسيات الأخلاقية التي عبّر عنها بأسلوب التحدّي. وكانت اللهجة التي اتخذها في 
السنوات الأخيرة قد اتضحت في نقاش جری في نيويورك في العام 2001 حول دور 
أمریکا في العام بین كرسْتُفر هلز (وآخرين) من ناحية. والروائية ا مصرية أهداف 
و من الاح الافة وة كر من الطادلت امت الحقة والفكة 
وثب سعيد واقفا من بين المستمعين ف أثناء السؤال والجواب ليسأل: «ماذا يحجم 
الكل عن الكلام عن الحقيقة والعدالة في هذه الأيام؟». 

كان الإرهاق قد جعل التقدّم في كتابة الكتب الثلاثة بطيئاء وأجبره على 
تأجيل كتب أخرى (منها كتاب عن إقبال أحمد وآخر عن بيتهوقن وباخ) إلى 
يوم ما في امستقبل. ومن بين أدوية اللوكيميا التي أزعجته كان الدواء المسمّى 


403 


إدورد سعيد 


ابات أسواها وح دواد ن كان ك خاض. كمل ان الحا اة 
الفا الست الات وک کے ب اوو علط على اة الناكة 
من الورقة التي يغلق بها المغلّف الذي يحتوي على مسوّدة ا محاضرة الخاصة 
با مذهب الإنساني مدخلا ليومية من أيام العام 0 قول فب «الشنت هذه 
المحاضرة على مدى ثلاث ليال متتالية في أثناء تلقي العلاج الکيمياق. ولست 
أدري كيف ټمکنتُ من ذلك ولكنني تمکنتٌ. وکان شعري يتساقط»”. في تلك 
المرحلة من حياته كان قد فقد الاهتمام ا هو جديدء بل أخذ يفضل التأكيد 
بالصوت العالي من مواقع جديدة. وكان لإعادة التأكيد على أسس الإهان القدهة 
(القوّة السياسية الملحة بدا الإنسانيةء والتهديد الذي تشكله المناحج العلمية*٠‏ 
غير النقدية للفكر) صدى مختلفٌ في الوقت الحاضر كأن توجهها في السنوات 
الأولى من القرن الحادي والعشرين وشعارها ال منادي «بالحرب على الإرهاب» 
أخذ يواجه مصره ا محتوم على رغم آنه م یزل يحتفظ بقوته. 
Ko‏ 

شعر سعید بأن نقاده سینقضون عليه عندما يغب عن هذه الدنيا لأنه 
لن يكون موجودا ليردعهم برد غاضب. فقد اجتمعت إهانات عدم الاحترام 
مع الضعف الجسدي. وف أغسطس من العام 2003 كان في طريق العودة من 
جنوب البرتغال حيث كان هو ومريم وجين ستاين يستمتعون بالعطلة. وقي الليلة 
الأخيرة من عطلتهم هناك كان الجر بديعا بشكل استثناني» وكان النسيم القادم 
من المحيط يشعره بالراحة بينما هو يقرأ كتابا من تأليف طلال أسد استعدادا 
ممحاضرة عن الدين كان مقررا أن يلقيها في العام 2005 في أسكتلندا. كان المأمول 
أن تكون ال محاضرة حدثا مشهودا - كان هنري جيمز قد ألقى أول محاضرة من 
توعها هناك = وکان سید مضا غل آن بعک ف اوقت میک لکنه کان ق 
أخذ يشعر بالتعاسة والحمُى. فللمرّة الأولى في أسفارهم بعد الحادي عشر من 
سبتمبر طلبت شركة الطيران منهم أن يتصلوا مقدَّما لتأكيد السفر وتزويد الشركة 
بأرقام جوازات السفر. قال ممريم: «لا أحبٌ هذه الأسثلة» وذلك لأنه شعر ها 


(*) الكلمة الأصلية هنا هي ٣‏ ا٣نی‏ وتعني أن مناهج البحث قي العلوم الطبيعية صالحة للتطبيق في جمیع 
الحقول البحثية. [المترجم]. 


404 


السباق ضد الزمن 

ينتظره من مشكلات. وف تلك الليلة أصيب بالهذيان بسبب الحمّى» وكان لا بذ 
من وضعه في كرسي متحرك عند التوجه إلى مطار فارو. 

وبينما كان جالسا ف قاعة الانتظار في اممطار شاعرا بالوحشة وف حضنه حقيبة 
عسكرية ممتلئة بالكتب والأدوية رأى أن الجميع باستثنائه يتوجهون للصعود إلى 
الطائرة. فقد رفض المسؤولون في شركة طيران البرتغال أن يسمحوا له بالصعود لأن 
اسمه تسبب في استثارة تحذير في جهاز ماء والظاهر أن المسؤولين طلبوا موافقة 
السفارة الأمريكية ف البرتغال» وهذه طلبت موافقة واشنطن» وكان الوقت هناك 
منتصف الليل. فتح رجال الأمن حقيبته فانتثرت الكتب والأدوية من حوله. فقالء 
وقد أهين وهو الرجل الريض عا كس اللتكرك روت يذل خان الضف 
والغضب: «أنا ولد مواطنا أمريكيا- وعشت في الولايات المتحدة من خمسة 
وأربعين سنة إلى ا وعندما تخلوا في النهاية عن تصلبهم کان ما آرادوه قد 
تحقق. وقد أخذ ککبیزن پسخر منه بلطف بسبب مبالغته عندما پشکو من 
«انتقاد قذر» ضدھ ف ا »ذ| e Ihe New Republic «كmلıııر gıi‏ «أنا 
أعلم أنك لا تكترث مشاعر رجل أسود مثلي»"'. غير أن التهمة بدت حرفية على 
نحو غريب. وسواء أأخُرته شركة الطيران على باب الطيارة بسبب إجراء عادي نتيجة 
للتصنيفات الإثنية المعتادة أو استهدفته بسبب أنشطته السياسية بناء على أوامر 
من دائرة الهجرة في الولايات اممتحدة فإن النتيجة تبقى كما هي. كان يعد غريبا في 
صباه في القاهرة لأنه أمريكيء أما بلده الأمريكي فلم يعذه أصيلا فيه. 

ما السنة السابقة فكانت مختلفة تمام الاختلاف. ففي أكتوبر من العام 2002 
سافر بالطبّارة إلى إسبانيا ا مجاورة لكي يتسلم هو وبارنبُويْم جائزة الكونكورد 
التي هنحها أمير أستورياس» وهي الجائزة التي حصلا عليها تقديرا لتأسيس فرقة 
الديوان الغربي الشرقي. وهذه الجائزة هي منزلة شكل مصغر من جاثزة نوبل 
للسلام» ولكنها أتت هبلغ محترم مقداره خمسون ألف يورو لكل منهما مع 
منحوتة من ميرو. لكن ذلك التكريم جاء مع شيء من الإحراج. ففي السنوات 
الأخيرة مم ينعم كثيرا بكون الأورام الضخمة التي تصيب العقد اللمفاوية في 


() خوان ميرو (1893 - 1983) فنان إسباني متعدَّد ال مواهب ولد في برشلونةء ودرس في مدرسة الفنون الجميلة 
فيها. [امترجم]. 


405 


إدورد سعيد 


الرقبة عند الإصابة بهذا النوع من السرطان قد تجاوزته على رغم أنه بعد ا 
5 أخذت تتشکل عنده قي الخذين والفك الأسفل عجر تحتاج إلى تدخل 
طبّي"'. لكن أكثر ما أصابته هذه الأورام هو منطقة البطن» ولا سيما في المنطقة 
التي يصعب التدحُل الجراحي فيها بين القلب والعمود الفقري والكبد. وهذا 
يعني أن بإمكانه المضي ف إلقاء ا محاضرات من غير أن يشتت انتباه الحضور 
ما لديه من تشؤه. ومع أنه كان بالإمكان أن يلاحظ المرء بروز ايمعدةء فقد كان 
بالإمكان إخفاؤها إلى حدٌ ما با ملابس الفضفاضة. 

م يكن يرغب قي أن تجعله عيوب جسمه مثارا للشفقة («لا أرغب قي لعب دور 
الضحية» - هذا ما أصرَّ عليه في مقابلة مع مجلة «نيويورك» بَُبْد ظهور «خارج 
المكان» بوقت قصير). ولذلك فقد أسعده امتناع راي عن الطلب منه التقليل من 
خططه واختصار مط حیاته”'. وکان راي قد وجد طرقا للتعامل مع المرض من دون 
اللجوء إلى العلاج الكيميائي حتى وقت ا من اكا كن من غر الفوا: 
التجريبي ريتوكسين لعدة سنوات. وقد عمل سعيد ما بوسعه للاستفادة من حياة 
ا مختبرات وامستشفيات بأخذ أعماله إلى الأطبّاء أنفسهم» بالتحدُث عن «الوقت 
اللخاسب والوقت اعا الضحة والأملوي» ي كله الأطاء والجزاحن ق جامعة 
كوممبيا في العام 2000 بحضور راي”". وفي غمرة الزيارات الروتينية لتلقي العلاج 
الكيميا صادق العديد من العاملينء وم یکتف بالتعرف علیهم» وکان یتحدٌث 
معهم الوت فة رة السداة الحتةه وذ أسماءهم وأسماء معارفهم» 
وحتی تفاصیل ما فعلوه على مدی سنوات"'. 

ولكن مم يكن بالإمكان الهروب من كل ال مواقف المحرجة. ففي أبريل من العام 
3 وبعد أن تسلم شهادة فخرية من جامعة السوربونء جعل الورم اللمفاوي 
الذي يسببه العلاج الكيمياني بطنه يكبر أكثر من حجمه المعتاد بحيث صار الوشاح 
التكرهي أصغر من اللازم. فجلس من دون حراك بينما أخذ ال موكلون بوضعه يدورون 
حوله لربط وشاحين معا لإكمال الزي المطلوب. والأسواً من ذلك أن قصة قذف 
الحجر عندما وصلت إلى الصحف قبل بضع سنوات كتب أحد الطلبة رسالة عدهة 
الذوق في جريدة يومية تصدر في جامعة كوم بيا يسخر فيها من سُمنته» من دون أن 
يدرك أن الانتفاخ في الوسط جاء نتيجة للورم”". أما جريدة «واشنطن پوست» فقد 


406 


السباق ضذ الزمن 
راكمت كلاما بالخ اللؤم ف التهجم على شخصه: «ذلك الرجل الأشيب» صاحب الرداء 
الفضفاض» والقلنسوة والنظارات الشمسية الأنيقة يبدو أنه تقدم في السنء وأنه 
أكثر أناقة... من أن يليق به قذف الحجارة باتجاه الجنود الإسرائيليين»'. 
وقد وجد أعداؤه السياسيون طرقا لصدّه. فالكلية ا معروفة باسم كلية الملك 
Kings College‏ ف جامعة کیمبرج» حیث کان حليفه السابق توني تانر يعمل 
زميلاء رفضت إعطاءه شهادة تقديرية بينما أعطيت هذه الشهادة من دون روة 
لآخرین آدنی منه مقاما بکثیر. وکان سعید قد قضی جانبا کبیرا من شهري آکتوبر 
ونوفمبر من العام 2002 في جامعة كيمُبرج ليلقي أربع محاضرات مركزية امتلا 
افرح الذي بسع سخا مستع بكامك يا افطر ترذن إل العوذة 
لعدم وجود مقاعد فارغة. لكن تأثير عدوّة القديم إرنست غلنرء الذي كان قد 
هاجم كتاب «الثقافة والإمبريالية» في «الملحق الأدبي لجريدة التامز» في العام 
3 بححَة أن الثقافة غير مهمُّة» وأن الإمبراطورّات الغربية صنعت من الخبر 
أكثر مما صنعت من الأذىء لاحق سعيد إلى e‏ وف اجتماع صاخب للزملاء 
ف کلبَة املك مکنت حفنة من مساندي من الوقوف ضدٌ منحه الشهادة 
وخضعت الأغلبية للحفاظ على الهدوء”'. غير أن إِيَنْ دودَلدسن مع عدد آخر من 
الان وفوا خا هنا القرا ر وجرا اجس جلى إعافة انطو لكن الارجا: 
متأخُرا أكثر من اللازم. فقد أعلن دوتلدسن أن الشهادة التقديرية ستمنح لسعيد 
في اليوم الذي غرق فيه في غيبوبته الأخيرة*'. 
كان سعيد يتعرّض للهجوم منذ صدور كتاب «القضية الفلسطينية» قبل عقدين 
من الزمان على الأَقلَ» ولكن بدا أن أعداءه السياسيين زادت رغبتهم في الانتقام قبيل 
وفاته وبعدها. ولثن مم يصلوا إلى ما وصل إليه مغتالو السمعة المتطرفون الذين 
استأجرتهم مجلة «كومنتري» (لرها كانت مقالة إِذوَرّد ألكزاندر بعنوان «أستاذ 
الإرهاب» التي نشرت ف العام 1989 أشهر هذه الأمثلة) فإن بعضا من طلبته 
السابقين ظهروا للتخلي عنه» أو ليكتبوا كتبا تحذر من مخاطر جاذبيته المشكوك 
فیها. وبسببا ما کان نتحلی به سعیڌ من شعور قوي بالوفاء فان أشد خيانة 
تلقاها جاءت من حليفه واممتعاون معه السابق کرسْتقّر هچنز الذي انقلب أخيرا 
إل اليمن الشيانى بعد أن أكقف قله المعلومات إل أعوان كن ستار في أثناء 


407 


إدورد سعيد 


التحقيق في التهمة الموجّهة إلى الرئیس کلنْتن. لقد أصبح هچثز بعد أن أخذ يشن 
اعمات ف اللعاضن ورفن ما دعا الفا امك مها و مسا 
لسياسة الولايات اممتحدة الخارجيةء ويستضاف في الندوات التلفزيونيةء وصار عضوا 
في مجموعة مختارة من الممقربين في واشنطن. 

كانت أيام الخروج مع سعيد و«الرفاق» في نيويورك قد انتهت (کان هچنز في 
الواقع قد تخلى عن بن سوننبيرغ بعد أن توقف هذا الأغير عن تحرير لم 
Street‏ وم يعد e‏ وعندما أدرك أن سعيد لن يطول به العمر فإنه م اش 
عن نشر مقالته ال معنونة «حيث كان يجب على الاثنين أن يلتقيا» في مجلة «ذا 
أتلانتك منْثلي» Atlantic Monthly‏ مط" وظهرت قبل النهاية ببضعة أشهر. وقد 
ا هچنز مناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لظهور كتاب «الاستشراق» 
لیتظاهر بالنزول من عليائه» وليتظاهر بأنه يصحح «أخطاء» سعيد في الكتاب» 
ولتكرار كل الأكاذيب القدهة بشأنه» وللاذعاء بأنه يتحدّث الأمانية بطلاقةء وأنه 
خبير بأعمال غوتة» بينما كان كل ذلك كذبا. وقد تجاهل كل الفكرة التي يقوم عليها 
كتاب «الاستشراق» في حملته ضدَ قطع الثقافات ا مجاورةء واتهم سعيد بأنه رجل 
قادر من الناحية اممثالية على مد جسر بين الثقافتين الشرقية والغربيةء ولكنه بدلا 
من ذلك دق إسفينا بينهما. 

وقد لجأ حتى بعض من بدا أنهم همدحونه في الظاهر - كالصحاف الأسترالي 
اا ف ادن لات جيمز فا سيل لال “إن ماعات ةة اليدف مها 
التقليل من مكانته بزرع عدد من الألغام اللفظية على امتداد الطريق. فبدلا من 
الاعتراف بتحرك سعيد الذكي بين الحضارات المتحاربة. أسقط جيمز ظلا على صلاته 
التي يحسد عليها. كتب جيمز مثلا: «نمة آناس لامعون في الشرق عدوا سعيد مجرّد 
ناشط دولي يحقق النجاح بالكتابة عنهم من دون عذر کاف»» کأن سعيد م يكن 
مفکرا شرقيًا أو عربيًا أو أمريكيا. وكما حصل مع آخرين» نظر جيمز إلى ازدواجية 
تجربة المهاجر وم ير فيها سوى التناقض الذاتي. 

تاس مضنظلح «الا غر الكقر من اليجمات الأكادة المهادة ماسة مذهخة 
على رغم أنه م يقصد منه أن يكون كذلك. فتوقيت ردود الفعل (كتاب روبرت إِرُون 
«بسبب شهوة المعرفة» على سبیل ابمقال) دل على الجُبْن» إذ انتظر إژون ثلاثين عاما 


408 


السباق ضد الزمن 
لكي ينشر ملاحظاته إلى أن مم يعد بوسع سعيد أن يرد عليها. والجروح اللفظية التي 
أحدثها سعيد في کل من بیرتزد لویس» وروبرت غرفن» ومایکل وَلْر من بین آغرین 
رما جعلته يفكر مرّتين قبل مواجهة هدفه ولكنها م يكن من السهل نسيانها. وقد 
انتقد سحيد هذا الأملوب: ق مراجعة عن څ. س ایبول ف مجلة «نيو ستسشمن» 
في العام 1981 أشار فيها إلى عادة ذلك الروائي إلى تحقير شعوب العام الثالث 
بشكل غير مباشر باقتباسات من مجلة «أتلانتك مَننْلي»: «هل يخشی ردود فعلهم 
المباشرة... مثل سقراط وهو يعيش نتائج نقده؟ لد أبدا». وكانت لديه استراتيجية 
أخرى تتضمن محو اسمه تماما. وعندما نشرت جريدة «نيويورك تاهز» في ذکری 
سوننبيرغ قانمة بكل المشاهير الذين أسهموا بالكتابة في مجلة «گراند سْتریت» فإنها 
اتخات اسم سعید على رغم آنه کان واحدا من آکثر من کتبوا فیها. وینطبق 
غذاغان أستاء اللقاهي ر الذين موا جات بوذن اق جادهة هارفرف وهي قاهة 
عذفت اسم سكيد بشكل بلقت النظر. 
غير أن سعيد تعرّض لنوع مختلف من الأذى على يد بعض من كانت العلاقة 
معهم حميمةء ومن أرادوا لسبب أو لآخر وضع حدٌ لتلك العلاقة. فقد نشرت 
دومنيك إذه بعد عقد ونصف العقد من وفاة سعد كتابا بعنوان Edward Said:‏ 
Le roman de sa pensée‏ )إojg3‏ سعيد: رواية فكره» 2017)» وهو في الجانب 
الأكبر منه سرد لعلاقة شخصية تجعل من نفسها فيها مُلهمَته المنسبّة”. وقد فوج 
ع مز آفاق مد سس ماف ال من قال مسري = فل ف 
بالحرف الأول من اسمه الأوسط ۷ كأنه سم ماطسمل أي مزدوج الهوية على 
سبيل المثال» أو مقارنتها نفسه المنقسمة بالجزء الأهن والجزء الأيسر من النسخة 
ا مكتوبة من قطعة للبيانو”. كذلك جعلت إشاراتٌ مخفية بعناية سعيد يبدو كأنه 
شخصية منفرة بينما كان الآخرون يجدونه شخصية محبّبةء كأنها أرادت أن تؤذي 
الرجل الذي اذعت الإعجاب به. 
يصف هذا الكتاب نفسه وصفا مزدوجاء ولكن جانب الرواية منه كان أكبر 
من جانب الدراسة» وهو يبني أفكاره بشأن شخصية كونراد التي ا دراسة» 
وبشأن اممؤثرات التي آثرت فی تفکیره» آلبير كامو وجورج أورول اللذين كان سعيد 
مقتهما. وما أن المؤلفة أخطأت فعدّت كتاب i Sb‏ أعماله ووجدت 


409 


إدورد سعيد 


كتاب مذكراته «باردا» فإنها عادت إلى الفكرة القائلة إن حياته هي الرواية. ولكنها 
ذهبت إلى أبعد من ذلك. وما كانت تجهل ما كتبه من شعر وقصة فإنها اذعت آنه م 
يجرؤ في حياته أن يكتب رواية أو أن يضع نفسه تحت رحمة الخيال. فلو فعل ذلك 
لكان دخل المنطقة العاطفية الخطرة التي لا تعطي القياد لإحساس الناقد القوي 
ما يجب أن يكون. وقد كشفت هذه التهمة مدى جهلها به. فقد تجاهلت دفاعه 
القوي طوال حياته عن الحقوق المهملة للنقاد عندما تقارّن بالأقوال التبجيلية 
المعتادة عن الفنانين ف الثقافة العامة. 
Kok‏ 

في السنوات الأخيرة من حياته تخلى سعيد عن حذره من إغضاب زملاثه ف 
المهنة ومن الظهور مظهر من لا يسير مع الركب. وحيث إنه م يعد لديه ما يخسره» 
وحيث إن الوقت أخذ يضيق» فقد قدّر أن من المستحسن أن يضع مبادئه على 
ا محك بأوضح شكل ممكن. ففي مكاممة تلفونية مع صدیق طفولته چارلي بُلايْذ کان 
يشعر بالضغط العاطفي تحت تأثير أدوية السرطان. كان يوشك أن ينفجر بالبكاء 
ثم #ملكه الغضب لأنه كان يعطي وزنا كبيرا للمكائة وللحصول على الدعوات التي 
يريدها”. اعتصر يديه واعترف لصديق آخر بآنه يشعر بالتعاسة لشراء املابس 
الثمينة بينما العام مملوء بالبشر الذين يعانون*. 

في سلسلتين مهمتين من ال محاضرات» وعدد كبير من الممقالات» وكتاب قصير 
عنوانه «اممذهب الإنساني والنقد الد وقراطي» 011 Humanism and Den‏ 
ناا تماثلت أعماله التي أنتجها في آوائل القرن الجديد بشأن حيوية امذهب 
الإنساني مع الأعمال التي أنتجها في أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي بحيث 
يسهل نسبة أعمال إحدى الفترتين غير المؤرخة إلى الفترة الأخرى. ويبدو أن التقدّم 
ف السن م یزده إلا تصابا ف الدفاع عن مواقفه حتى لو كان تأثير العلاج الكيميان 
قد خفف من حدَّة نره وجعل أسلوبه ذا الأبعاد الثلاثة أوضح وأشدٌ إمعانا قي 
التقرير. أما أسلوب اممهادنة الذي نجده في كاب :«الفقافة والإ ر بالية» فق خافه 
وراءه وأخذ يتابع مشروعات تواجه النقد السائد. فاطمذهب الإنساني من وجهة 
نظر كثير من زملائه ظل يستدعي لفترة طويلة صورا طالكي العبيد وهم يلقون 
المحاضرات على المملونين عن فوائد العقل. ولتن كان ذلك المصطلح قد فقد شعبيّته 


410 


السباق ضد الزمن 

في الأيام الأولى لسيرته العلمية فإنه في أوائل قرننا الراهن أصبح في نظر كل من 
كانوا حوله شعارا يستدعي كل جرهة ارتكبتها الحضارة الغربية. كان اممسؤولون 
عن إدارة الجامعات مايزالون يستعملون المصطلح ولكن ذلك قلل من مصداقيته 
أكثر من ذي قبل. 

سل م ان مضطاح الخب الافسان اسل جانا لباس الباسات 
الراهنة لبوس اللياقة والشرف» وأن «الإفاضة ف الكلام» عن همه نط (الطبيعة 
الإنسانية) - كما يفعل الكتاب الذي يدعي التقوى بعنوان «كتاب الفضائل» 
Book of Virtues )1993(‏ لوزير التربية السابق وي 5ت William Bennett‏ 
- أعطى الغطاء الأخلاقي لارتكاب الفظائع (المثال الذي أعظاه سعيد هو القصف 
الجوي الشامل لكمبوديا). وأضاف: نعرف كلنا المفارقات الكامنة ف إذاعة الجنود 
الإسرائيليين لأغاني سايمن وگارفنكل وهم يراقبون اممذابح التي ترتكب في مخيّْمي 
صبرا وشاتيلا في بيروت في العام 1982. ولكنه رذ على ذلك بقوله إن هذه الأمثلة 
م تكن سوى نصف القصة. فقد كان ال مذهب الإنساني ليس ق أوروبا وحدها بل 
أيضا في الصين والعام العربي مرتبطا باستمرار بالتدريب على الفنون الحرَة. وقد 
فكل ما لا بقل عن كيرة ف التعليم تقوم عا دراسة الك لاسيّما حكمة الماضيء 
وعلى الحرص الشديد على جعل امعرفة متاحة للجميع. ففي الطاوية والكنفوشية 
والصوفية والبرهمية في الهندء من بين معتقدات أخرىء» يجد المرء نفس الممواقف 
اللاأدرية mءciنiاagn0s‏ والتشكك تجاه ما هو خارق للطبيعةء والتأكيد على 
الاختيار الإنساني الموجود ف أرقى تفرعات المذهب الإنساني الغري. 

كانت هنالك أسباب لا حصر لها لإنكار أن المذهب الإنساني هثل بأيّ معنى 
جوهري روح العنصريين الأوروبيين من آمثال دیقد هيوم وسسل روذز. ذلك أن 
الاستغناء عن اممذهب الإنساني كان متاه الفخلض نضا فن علمادة کل من طالیسن 
وأناكساغوراس» والدراسة الفيلولوجية للقانون الروماني عند قاروء واطمحافظة على 
العلوم الشرقية في العصر الذهبي الإسلامي (ابن رشد وابن سينا)» والاكتشاف 
العظيم الثاني طمصر ف الأفلاطونية الجديدة وإنشاء الجامعات الأوروبية على يد 
اطمشتغلين بالفلسفة المدرسية»ء ومدارس اممغرب واممشرق» وانتصار القراءة في عصر 
النهضة الإيطالية لکل من پوجو براتچوليني وإرازمس 


إدورد سعيد 


كان من رأي سعيدء في عام السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرينء ما 
فيه من أسواق متخصّصة» وحروب يقصد منها القضاء على آمم بكاملهاء وأسلحة 
بيولوجية منفلتة آنه م يعد هنالك من حاجز سوى شعور المذهب الإنساني القوي 
بضرورة الحفاظ على الماضي. وم يتّضح الدور الاجتماعي للمثقف إلا بالطريقة التي 
دخل بها المذهب الإنساني في ا لمجال السياسي. وقد وجد سعيد في مراجعة لکتاب 
عن الصحافي وولتر ليْمّن» صاحب التأثير الواسع» واممستشار لدى الرئيس لري 
کل ما یجب آلا یتصف به المثقف: أن یکون مستعدا للإرضاءء جباناء معتدا بذاته مع 
الضعفاء مصرا على عدم التميْز”. أما الصيغة الأخرى من ليْمَن من بين المتقفين 
کی م آي و ن إن اق ا ا 
صديقه تمهيدا محاضرة بينما كان يعيد حكاية خيالية کان يحب أن يرويها. كان 
چومسكي جالسا بجانب منضدة ف قاعة اجتماعات مقابل کل من زېغنيو پُرجنسکي 
«Robert McNamara lla Gرıgرg Zbigniew Brzezinski‏ والکزاندر هيخ 
Haig‏ Alexanderء‏ وتوم بروکو .10m Brokaw‏ ومع أن الطرف الثاني کان أکٹر 
عددا «فإنه جعلهم يتلوّون من الخجل»» إذ فتت حجج دعاة الحرب هؤلاء «إلى أن 
أرسل كل هؤلاء إلى لاهاي ليحاكموا». وما فعله چومسكي هو أنه» برفع زاوية 
السجادة التي ظلٌ اللبراليون الأمريكيون يتبخترون فوقها على مدى ثلاثة عقود. 
أعطى مثالا على النمط الذي يستخدمه مبدأ الإنسانية في الحرب الفكرية”. أَمّا 
لمن في اممقابل فلم غامر بشيء في حياته. 
اوا 36 ميه يشن كور لات الاجاعي إ4 عاد ا فده فة 
من ميل إلى المباغتة. إلى الدراسة الأساسية التي وضعها جوليان بندا بعنوان 16s‏ 
r rahisons des clercs‏ (خيانd‏ امشقفين). كانت تلك الحركة محارة لأن بندا قصد 
بكلمة «الخيانة» تلويث رسالة المثقف بانخراطه في السياسة". فنحن نجد هنا 
رجلا عد الدهقراطية شيئا منحطا واعتقد أن المثقفين يشكلون طبقة مقدّسة 
يحسن بأعضائها أن يعيشوا في عزلةء لا بل أن يعيشوا حياة زاهدة (ومثالاه هنا هما 
سقراط ويسوع). أما سعيد من ناحيته فقد امتدح بندا مثله امسيحية العلمانية. 
فالعلوم الإنسانية كان لها بعد روحاني في الواقع إن قصد ال مرء بكلمة «الروح» قوّة 
العقل والتصميم الأخلاقي. فبعد 11 سبتمبر 2001 كان ذلك المثال جذابا عندما 


412 


السباق ضد الزمن 
بدا أن كثيرا من صانعي الرأي العام يريدون التخلص ليس من هذا الرأي اممخالف 
أو ذاك فقط بل من «الفكر نفسه» بتعبير سعد . 
وجد سعيد بينما كان اموت يقترب أن من المستحيل ألا يجري كشف حساب 
مع حقله الدراسي الخاص به» ممواجهة الدور الذي أذاه ذلك الحقل في رسالة 
المثقف إن كان آذى دورا كذلك. ولهذا السبب عاد إلى الموضوعات التي تناولتها 
مقالاته في السبعينيات وأوائل الثمانينيات عن الأدب المقارن والترجمة”. 
ولاحظ أن إغراق الأدب المقارن ف التخصص وبُعدّه عن الشائع والمألوف مم 
يكن بوسعهما إخفاء الحقيقة القائلة إن الأدب المقارن أسهم بالكثير في مسائل 
الحرب» وحقوق الإنسان» والسياسة الخارجية”. وقد وجد أمثلة ملموسة في 
حركات التمرد التي قام بها الشباب في عقد الستينيات على «التأثير ا متبادل لتراث 
الأمم»» وهو تأثير أصبح ممكنا بالترجمات الأولى لأعمال ذات قدرة تشكيلية 
من الفكر الراديكالي ظهرت باللغة الإنگليزية للمرّة الأولى بين العامين 1963 
و172 (أعمال لکل من فاننو» وغرامثيء» وکابُرال و وقد وجد سعید» 
فوق کل شيء ف استعداد الحقل للسباحة بعكس اتجاه التيار ضمانة ضد 
ادعاءات الدقة التكنولوجية العلمية. فامقارنات الي تتصف بالشمولية جعلت 
التخصص مستحيلا. وخلافا للكثير من العلوم الطبيعية ظل حقله يعيد ابتكار 
نفسه ويضع انحيازه للغرب موضع التساؤل» ويدفع مادة دراسته (وهذا لا يقل 
أهمية عن سواه) إلى أبعد من الأدب باتجاه الفلسفة» وا موسيقى» والتاريخ» 
والعلوم السياسيةء وعلم الاجتماع. 
ومهما تكن القوة التي حصل عليها علماء الاجتماع من المعطيات التي جمعوها 
فإنهم م یکونوا مهيّئين لفهم المجتمع بوصفه کیانا تتواشج مكؤناته امماديّة 
وعملياته الثقافية وتصوراته الخيالية. وفي الملاحظات الأوليّة التي وضعها سعيد 
ممادة تدريسية عن مدرسة فرانکفرت» سل ما عدّھ موضوعات أدورنو الكبرى. 
وقد برز منها موضوع «العلم» الحقيقة: تهديد بالقضاء على الفلسفة كلها». فقد 
أوحى ذلك المموضوع بأن العاملين في مجال الإنسانيّات يفهمون أكثر مما يفهم 
العاملون ف الكلوع أن «الحقائق» مؤطرة بتظرية اجتمافية شاملة تسه اللخة 
والقيم والأفكار بنصيب فيها وتكتسب معناها ضمنها. 


413 


إدورد سعيد 


إن من أعمق ما جرى من تغييرات اجتماعية ف القرن الحادي والعشرين - ألا 
وهو غزو الكتابة بالاتصالات الرقمية - هو أيضا تغييرٌ لدى الإنسانيين العاملين في 
مجال الأدب والأدب المقارن الكثيرٌ مما يقال عنه. فالانتقال من الورق والحبر 
إلى شاشة مضاءة من خلفها كان معناه التخلي عن ماديَّة النص» وعناء الجهد الممل 
ا مبذول لإنتاجه» والجهد الخيالي المطلوب من القراء للإمساك بالكتاب باليد من 
دون الاستعانة بالإحالات التي يتضمُنها النص إلى نصوص آخرى.. م تكن الرغبة 
في التمسك بالعام الفكري الذي سمحت تكنولوجيا الكتابة القدهة به بينما كان 
للتخلي عن ذلك نتائج كارثية على الملكات النقدية - تلك الرغبة م تكن تقع في 
باب الحنين إلى الماضي. وقد ظلّ سعيد يدافع عن الفكرة نفسها في مقالة إثر أخرى: 
التفكير التقدمي معناه الحفاظ على التراث» لا القضاء عليه. 

KK 

م تخضع دراسته التي نشرت بعد وفاته بعنوان «ف الأسلوب المتأخر» للمراجعة 
أو لالتزام الحيطة في التعبير. ولذلك فإنها رما كشفت عن تفكيره في أواخر حياته 
آکار مما آراد. فقد مثلت آکثر من آي کتاب آخر من کتبه توازنا متساویا بین 
أحاسيسه الموسيقية والأدبية. وكان الكتاب قد آأخذ منطلقاته من مقالة شهيرة 
كتبها أدورنو عن أعمال بيتهوقن الموسيقية المتأخرة (وتضمُ هذه الأعمال القاس 
ا معروف بعنوان sنصدطء1ه؟‏ ء۷1 وأوپرا «فيديليو» والسوناتات اممتأخُرة)» وأخذ 
على عاتقه مهمة عكس مصطلحاته بشيء من الغلظة على رغم ما عرف عنه من 
عاب باتورتی كانت الف الى هاول آدوزتي فرعا هى أن اوج ق الوب 
المتأخر يشعرون بالحرية في استعمال التقاليد بدلا من الاستمرار في محاولة إثبات 
أصالتهم. أما سعيد فقد ركز بالنظر إلى المرارة البطولية التي عاناها بعض الروائيين 
وا موسيقيين الاستثنائيين» على الرغبة البروميثية في الإغلال بالتقاليد. 

غير أن الكتاب زاخر بالتلميحات عن ا موت الجسماني وكيفية تحويله العقول 
العظيمة إلى شهود لا حول لهم ولا قوّة. كان مايزال» من دون أن يصل حدٌّ القول 


(*) يشير الكاتب إلى ما يدعى بال ا×٠۲إءم‏ رط ومثاله أن قارئ النص في الويكيبيديا مثلا سيجد كثيرا من العبارات 


414 


السباق ضد الزمن 
إن روحه المتمردة تهاوت عند باب الموت» مضطرا إلى التفكير في الهوة الفاصلة 
بين الممكن والحتمي: «لقد مللت من السياسة»”. لقد بقي فيه قدر من عدم 
اليقين بشأن ما إذا كان قد فقد الدافع لتغيير العام أو أنه مازال لديه من الشجاعة 
ما يكفي لأن يكون ضدٌ نفسه» كما كتب عن جينيه. وعلى غرار الفنانين الذين 
يواجههم في كتاب «ف الأسلوب اممتأخُر» كان زاهدا ها يرافق التقدّم في السن من 
لطف وتقدير رسمي. لكن التقاليد التي تمسّك بها م تكن تتعلق بالهدوء الرجعي 
بل ماذّة للتنويع» كما في الموسيقى» من دون الالتزام بشكل مفروض مسبقا. كان 
تخت التذكر بأن مصطلح ٥1٤ہ‏ ٥۷ہ‏ فی الموسیقی لا یعني ٥١۸‏ ٣۷ہ‏ کما تفھم 
الكلمة عادة - أي ابتكار شيء من لا شيء - بل تعني التطوير الذي لا ينتهي إلى 
موتیف جری اختیاره. 
وها أن الأملوب المتأخُر بوصفه موضوعا متكررا يعود لسنوات التشخيص الذي 
ا لحالته (يبداً ذكر هذا الأسلوب ف ندوات دراسية قدّمها ف أوائل التسعينيات» 
ویکتسب شکلا کاملا في ثلاث محاضرات ألقیت ف العام 1993)» فقد يبدو أنه 
صيخ ليتوافق مع صليبه الشخصي”. وسيكون من اممخري آن نخمُن آنه كان بذلك 
یی کو اراو کک دة م ل حح آوویبا ی کاواس 
الذي كان يعدّه سكانها شخصا مدنسا (لأن أوديب كان قد قتل أباه وتزوج أمّه) 
دخل کولونس وهو أعمی بعد أن تعرّض للأذیء كما عدوه صادقا على نحو جارح» 
لاسيّما قي صدقه مع نفسه. 
نتبيّن في النهاية عدم وجود تناظر حقيقي بين فكرة التأخر وموته القادم. ما 
حصل هو أن تحركه نحو فكرة التأخُر كان حتميًا من بعض النواحي بالنظر إلى تطؤر 
ا مشكلات الفلسفية امتصلة بالبدايات والأواسط والنهايات» وهي المشكلات التي 
نظر فيها في كل مرحلة من مراحل الحياة. ففي وقت سابق من سيرته المهنية کان 
قد دافع عن الفكرة ا محافظةء فكرة الاستمرارية (فكرة فيكو القائلة إن الماضي مكن 
أن يعاد بطريقة أصيلة) مكتشفا فيها بديلا أساسيًا ما تصفه الحداثة بالانقطاعات 
اللفترضة عن كل شىء مخى. وغاى الفحو نفسة قصذد أن يجرد التأخر من الإحساس 
بالرضاء ولكن ليس في أواخر الحياة فقط. وقد كان قد نظر في مسألة التأخْر في كتاب 
«البدايات» حيث ركز على الكاتب الذي «يأخذ في النظر إلى نفسه وهو يقترب من 


415 


إدورد سعيد 
نهاية سيرته المهنيةء خاضعا لإغراء فكرة المضي قدما» حتى بعد أن تكون كتاباته 
«قد وصلت إلى خاتمتها»*. 

م يكن سعيد في سن السابعة والستين قد وصل إلى مرحلة الشيخوخة فيما هو 
يكتب الكتب وام محاضرات ف سنته الأخيرة. ولذلك فإن شخصية أوديب في تصوره في 
كتاب «في الأسلوب المتأخُر» أو شخصية رچرد شتراوس (الذي توفي في سن الخامسة 
والثمانین) م تكونا قريبتين من شخصيته. ولئن افتقر تفكيره المتأخر إلى بعض ما 
في أقدم مقالاته من الجمال والدقة فإنه كان مايزال قادرا على هدهدة جمهوره 
فما هو یحطم دفاعاته. فکما قال في إحدى مقالاته التي نشرها في «الأهرام» «إن 
الشيء الجوهري ف الأعمال العبقرية هو أنها تُخفي أو تحذف كل آثار العناء الذي 
بُذل في صنعها»"“. ولقد كان السهل الممتنع وسيلة كبرى من وسائل البلاغة منذ 
أمد بعيد. لكن هل كان الأسلوب كافيا؟ كان قلقا حول ما إذا كان مايزال لديه شيء 
يقوله» ملمُّحا لييٹس الذي استقبل الشيخوخة بالنظر إلى سيرة «اختزلت إلى دكان 
لیس فيه سوی خرّق وعظام»“. وم يکن قد نسي آنه رأى سارتر في العام 1979ء 
واهنا لا يترك أي انطباع الاه دة اتو من هواك غا كلك بح 
قائلا: «العظماء في شيخوختهم يغلب أن يخضعوا إما لألاعيب الشباب أو أن يقعوا 
في قبضة مَعتقد لا يقبل التعديل»”“. ولتن كان يخضع لإغراء المديح كما كان دأبه 
قإنه لن يذهب ضحية لتزمت اممعتقد. 

م يكن ما أخذه سعيد من مقالة أدورنو القصيرة بعنوان «الأسلوب المتاخر 
عند بيتهوقن» (1937) هو الفكرة بقدر ما هو العبارة: «الأسلوب المتأخر». لا 
بل كان سعيد حريصا على الإشارة إلى أنه يخالف مقولة آدورنو. والكتاب الذي 
وجد طريقه إلى النشر في نهاية المطاف بعنوان «في الأسلوب المتأخُر» (2006) 
- وهو کتاب جمعه مایکل وود M1121 W004‏ مهارة من مسوداٽت سعید 
الجزئية للكتاب مع إضافات من محاضرات وكتابات مم تكتب لتضم إليه - يجب 
أن ينظر إليه بوصفه نتاج عقدين من التفكير حول آدورنو وليس باعتباره تعليقا 
على مقالته عن بيتهوقن نفسه. وم يكن قد أخذ يدرس أدورنو دراسة جديّة 
إلا ق آواغر السعینهاته و یگن كب أو تكلم کثيرا عن المفكر الأماني الكبير 
حتى العام 1984“ . وف خريف العام 1983 قدّم ندوة دراسية خصص معظمها 


416 


السباق ضد الزمن 
لأدورنو إلى جانب أعمال وولتر بنجمنء» وهربرت مارکوزه» ولوکاتش الذي سان 
«معلمهم وسََقّهم» کلهم*“. 
وها أن أدورنو كان واحدا من اثنين أو ثلاثة من أبعد فلاسفة القرن العشرين 
تأثيراء فإنه شكل تركيبة حيوية من الإستطيقا والتحليل النفسيء وفلسفة ا معرفة 
وعلم الاجتماع التجريبي. وكان قد ارتبط منذ سن الرابعة والعشرين مدرسة 
را زت كان فد ار مع ف الكفن الاركمن مركا محا قري وة 
العام 1932 ونشوء النازية انتقل المعهد إلى جامعة كومبيا ومن ثم إلى كاليفورنيا 
متابعة البحث قبل العودة إلى أمانيا بعد الحرب. وف سيل من الدراسات ذات 
الأهمية العالية والتي كتبَّت بأسلوب فلسفي لا يلين ولكنه أسلوب واضح» غاضب» 
يائس في بعض الأحيان» فضحوا الرأسمالية على أنها تشكل تهديدا للحرَيْةء والذوقء 
والأخلاق» والفكر. ونوا أن الصانعين المغفلين للسياسة الأمريكية تبنوا المذهب 
العلمي على نحو كاري حتى بينما كانت الثقافة الجماهيرية تتابع سياسة النازيين 
في أثناء الحرب العامية الثانية في السيطرة على العقول عن طريق تسلية اممواطنين 
إلى درجة اموت الفكري والعاطفي. 
كان أدورنو هو الناقد غير العادي في حقل يسوده المشتغلون بالإستطيقا 
وا موسيقى» الذين أجروا موازنات بين مؤلفات باخ ذات الطبيعة الرياضية 
ومكننة العقل البرجوازي“. وقد تحدّث سعيد من وجهة نظر أدورنية عندما 
دعا اممتروپولتن آوپرا «قلعة امصلحة التي م تحسم بين الإستطيقا والتجارة»“. 
ولرها كان سعيد بالخ القسوة على شتراوس في كتاب «في ا المتأخر» لكن 
آدورنو كان آقسىء» فقد أتهم أعماله الأخيرة بأنها مثل «سوق العام» الملاصق 
للفندق الكبير: « کل شيء معروض للفرجة والبيع» کل شيء في مکانه»“. لکن 
سعيد وجد أن أدورنو يبالغ في نقده لشتراوس وأرتورو توسكانيني الذي نفض 
أدورنو يده منه بقوله «إنه نتيجة خلل في الرأسمالية المتأخرةء وليست قدرته» 
سوى محاكاة متعسُّفة لخط الإنتاج. أما سعيد فقد خالفه ومدح توسكانيني 
لأنه خلص الحفلات ا موسيقية من مختاراتها التقليدية وميوعتها العاطفية ". 
ولكنه تابع آدورنو عن كثب عندما صب جام غضبه على الجوانب الأقبح من 
عروض عازف البيانو المشهورين (كثيرا ما عبر عن ذلك الغضب على مافيا 


417 


إدورد سعيد 


عازف البيانو في نيويورك» ومنهم فلادهير أشكنازي)» والسلطات التي تكبف 
سوق المموسيقى الكلاسيكية على هواها. وكان أدورنو قد وضع دراسة تأليف 
الموسيقى» وإنتاجهاء وإعادة إنتاجهاء واستهلاكها على قدم المساواة للمرّة الأولىء 
وهذا ما رحب به سعید آها ترحیب ودرسه عن کثب. 

غير أن سعيد م يجعل من أدورنو صنما يُعبّد ولا عبد أيّا من أبطاله المفكرين. 
فقد أزعجه تشاقم أدورنو: «يحقن الماركسية بعقار يصيبها بالكساح». وصف 
أدورنو بالبلاغة عند الغوص في حلم مزعج ممجتمع من اممجتمعات حيث 
تحوّلت العلاقات الإنسانية كلها إلى تعاملات مالية» ولكن أوصافه لعبقرية 
السوق الشريرة لا تترك مجالا للكفاح الشعبي أو ممصادر الأمل. ثم أضاف: قول 
«لا» لكل شيء يجعل التأخُر خلوا مما يثير الاهتمام: لا بذ من وجود عنصر بتاء. 
ولقد أزاح سعيد قدرا كبيرا من أفضل كتابات أدورنو لذلك السبب» أما أدورنو 
الذي راق له فكان النظر الموسيقي ومؤلف تلك المجموغة اللعذية من القاطح 
من السيرة الذاتية التي كتبها بعد الحرب بعنوان هiاةM0۲‏ aصنہi×‏ (كتاب 
الأخلاق الصغر). 

كان من اممتوقع إذن أن يكون المدح السابق الذي أسبغه سعيد على أدورنو 
(في «تفصيلات موسيقية» على سبيل المثال) مدحا يخلو من طيب الخاطر. وكان 
من رأيه أن كتابات آدورنو التي سبقت وأعقبت الحرب العاطية الثانية كانت 
جيّدة بالفعل - يقصد دراسته الشهيرة عن «صناعة الثقافة» بالاشتراك مع زميله 
في مدرسة فرانکفرت ماکس هورکهاهر e12۲‏ )اه Ma×‏ إلى جانب «فلسفة 
الموسيقى الجديدة« rhe Philosophy of New Music‏ و«كتاب الأخلاق 
الصغير». ويكاد يكون في حكم ال مؤكد أنه مم يقرأ الكتابين اللذين برى كثيرون 
أنهما ذروة تفكر أدورنو: «النظرية الإستطيقية« )1970( Aesthetic 1Iheory‏ 
و«الجدلية السلبية» )1966( Negative Dialectics‏ أو أنه م يقرآهما بتمعّن. 
والنتيجة هي أنه اختزل المساحة التي شغلتها اهتمامات أدورنوء وقال إنه كان 
فيلسوفا «انصب اهتمامه على الموسيقى بالدرجة الأولى» إذا تجاهلنا دراسته 
لكيركغورء والتلفزيون» وهايدغر والأدب الأماني وعدد كبير من الموضوعات 
الأخرى”. لقد كان أدورنو شديد الانتقاد مموسيقى الجازء وصناعة الموسيقى 


418 


السباق ضد الزمن 

الشعبية» وشکل لعنة على الموسيقيين الفوكلوريين من أمثال و 
Stravinsky‏ وبارتك Bartok‏ وسُمتنا Smetana‏ ووضع مؤلفات موسيقية 
هو نفسه بالأسلوب الجديد في قيينا الذي مثلته مدرسة أرنولد شونبیرغ ذات 
النغمات الاثنتي عشرة. وقد حرص سعيد على استيعاب الرسالة الأساسية كما 
رآها لنظرية أدورنو ا موسيقية: «شكل البضاعة يسود الحياة الموسيقية كلها» - 
أي إن الرأسمالية بتحویلها کل شيء إلى بضاعة يجد المرء نفسه مستعدًا لدفع 
منها م سان اموسیقیء وحطمت بذلك استقلالها وتعاليها". وف الوقت نفسه 
ابتعد سعيد عن كل شيء كعم منه رائحة التراث الهيغاي - لكن ذلك التراث كان 
ممعظم قرائه هو أدورنو بقضه وقضيضه وقد مر من بوابة النقد. 

کان سعيد إذن يعيد النظر في تأمُلات أدورنو عن الأسلوب اممتأخرء بل يعرّضها 
للمساءلة. كيف يكن للمرء أن يفسّر تحولات كبار ا موسيقيين في الأسلوب في أواخر 
حياتهم المهنية؟ لا يمكن آن يجري هذا من وجهة نظر أدورنو بالعودة الرخيصة 
لعلم النفس واختزال القطعة الموسيقية لتكون تعبيرا عن الشخص على رغم آن 
إغراء هذا الإجراء أمر يسهل فهمه. فالنغمة الهاثمة التي تكاد تنتمي إلى العام امثالي 
لسوناتات بيتهوفن الأخيرة - وهي أعمال تختلف اختلافا كليّا عن الألعاب النارية 
التي نجدها في السمفونية البطولية (الثالثة) على سبيل المثال - يمكن رؤيتها حينئذ 
كأنها إشارة إلى هدوء التقدم في ف الفن واستسلامه 7. ولكن ذلك يحرم الفن من 
حقه في أن يكون أكثر من مجرّد ملحق بسيرة المؤلف. 

من وجهة النظر النفسية سيكون من الطبيعي للموسيقَيٌ الناضج إن كان من 
العباقرة أن يضاعف تمده السابقء وأن يلغي كل التقاليد القدهة بحثا عن لغة 
جديدة. أما بيتهوقن فقد فعل العكس» وملا مؤلفاته المتأخُرة «بصيخ وعبارات 
تقليدية» لا ضرورة لها وتجميلات إضافية لا هدف لها”. وبعد أن ظل ببتكر 
طوال حياته فإنه انتهى بكبح رغبته والخضوع لقوانين الشكل المستقرة. وبذا انتهى 
العمل الفني باستعادة مكانته بصفته تمردا على الواقع وليس بصفته خادما لذلك 
الواقع. إن الأسلوب المتأخر لا يتعلق بالعمر على الإطلاق في نظر أدورنو إلا من 
حيث إن الفنان يحتاج إلى وقت طويل ليفهم استقلال الشكل الإستطيقي عن 
الواقع وعدم اکتراثه به. 


419 


إدورد سعيد 


لقد کان تأکيد سعيد على ما هو رضي وما هو من عاممنا هذا أبعد ما يکون 
عن وجهة نظر أدورنو تماما مثلما كان فهمه للأسلوب المتأخر مفهوما لا ينفصل 
عن النفس البشرية. ففي مراجعته لکتاب میترد سولومُن 01د Maynard Solo‏ 
«المرحلة الأخبرة من حياة بيتهوقن» (2003) ١10۷ء8 1te‏ رحب سعيد أشد 
الترحيب بعادات كاتب السيرة التي انتقدها أدورنو بشدّة. فقد وجه كل * شيء 
لاستقصاء «المحاولات الخاصة» في الأعمال المتأخرة «وعدم استقرارها» فضلا عن 
متابعة تحول بيتهوقن امقلق من حالة الانفتاح إلى حالة الانغلاق على الذات. إذ 
م تكن الأعمال المتأخرة التي كتبها «الأستاذ»» كما قد نتوقع (وکما یعتقد آدورنو) 
درسا جرى إتقانه أخبراء بل کان تنازلا وهروبا من الواجبات الضرورية التي يقنعنا 
التقدم في السن بعدم التنطع لها. إن عمال بيتهوقن الممتأخرة معقدةق ملتوية» غريبة 
الأطوار بسبب خيبة الظن العميقة والانطواء: بسبب رفضه - كما يقول سعيد 
مقتبسا كلام الشاعر اليوناني السكندري كاقافي - ل «الالتحام ال مباشر مع زمانه»“ 

کان كاقاف قد أخذ ينافس هوپكنز ف ال مرحلة المتأخرة من حياة سعيد ليكون 
الشاعر الذي يعتمد عليه للتعبير عن عواطفه الخبيئة. فقد أخذ يقرأ أشعاره 
على مدى ساعات بصوت عال ممريم بعد وجبة العشاء» وإن م يكن كاقافي» فهو 
ويردزويرث. ذلك أن شعر کافاني الذي يخلو من الكنايات» والذي يکاد يكون 
نثرا بلا قواف (وفق تعبيره) أسره بقدرته على رسم العام الهلينيء عام ال مدينة 
في الأغلب (ولاسيما الإمكندرية) في خلفية كلاسيكية تتجاهل العام العربي من 
حولها. ومما له مغزاه أن سعيد دعا هذا الفن «إستطيقا عدم الإنتاج» - السيطرة 
على إغراءات الرثاء من أجل رؤية الواقع كما هو. ومن الواضح أن سعيد وجد في 
كافافي مشاعر كان هو يهرب منها في حياته الفعلية - ذلك «الهدوء الصامت» في 
مواجهة عام خيْب الأمل مم يكن التصالح معه أو علاجه ممكناء عاطم كان البقاء 
ف ىالتار اله وما اة الوقت لخا كق ميد د0ك اد 
جين إن عليهم أن يقرأوا قصيدة من قصائد هوپكنز. ولكن مريم التي كانت 
تعرف ما م يكن أحد غيرها يعرفه - ولعه في أواخر حياته بالشاعر السكندري 
- أصرّت على أن يقع الاختيار على كاقاي. وق النهاية قرأت نجلا قصيدته «في 
انتظار البرابرة»» وهي صورة جارحة للمواطنين وهم يهربون من الساحة العامة 


420 


السباق ضد الزمن 
بعد أن ملّوا من الخطابة. متنازلين عن حق مواجهة الحكام بسبب التهديد 
المتمثل ف عدو خارجي لا يأقي آبدا. 
كان الشعور المهيمن على موقف سعيد من آدورنو شعور الراغب ف تغييره. 
وقد اتفق الاثنان حول هذه اممسألة. ولكن سعيد عاد اممرَّة تلو اممرّة إلى تلك الفكرق 
الغائبة عند أدورنوء وهي أن الأعمال ال متأخرة م تكن مجرّد أعمال قلقة. مريرة. أو 
قصد منها ألا تكون ممتعة (أوحى أدورنو أن هذه الصفات أشبه يجلدات السبّد 
الممسك بالسيطرة الكاملة مبقيا الجمهور ف حالة وتر مستمی؛ بل هي «متقطعة. 
مجزَأة غير نهائية» تملأها «نهايات صعبةء كثيرا ما تكون محبرة وغير مُرضية» - 
وهذا هو التعريف الذي أعطاه سعيد للأسلوب المتأخر في كتابه عن فرويد ف العام 
3.. وباختصارء ينتقل التركيز من ذلك الذي بُقصد منه ن يکون منفرا لى 
ذلك الذي م يبت فيه. 
من الواضح أن سعيد كان يصارع سيرته الشخصية (وحالته النفسية) مع 
أن ذلك ليس على النحو الذي قد نتوقعه. فهو يعطينا في اممقابلة التي أجريت 
معه في العام 2003 بعنوان «السفر مع Traveling with Conrad «lig‏ 
على سبيل اممثال صورة آقرب إلى السلبية من ذلك الروائي. ومع آنه يتماهى مع 
الشعور بعدم الثقة عند كونرادء فقد لاحظ أن الأسلوب المتأخّر عند ذلك المؤلّف 
كان مع الأسف «ممتلئا بالذكريات... والاقتباسات المأخوذة عن كتابات سابقة». 
ومع أن كونراد نال مكانة عالية في أواخر حياته» فقد ظلٌ يتلبّسه الخوف من 
أن رواياته غدت عاديةء وأنه قد انحدر إلى نوع من الأسلوب المتكرر. وقد 
فهم سعيد أن ذلك أقرب إلى التحذير» ورا كان ذلك نتيجة ما كان قد بحثه في 
السابق على نحو صريح في مقالته المهملة بعنوان «عمل أكثر من اللازم» "۲٠١‏ 
Much Work (1999)‏ - وهو عنوان فيه تورية تلمح إلى خطر إضافة كتابات 
أكثر من اللازم لعدد أكثر من اللازم من الأعمال اممنجزة. إذ إن العباقرة الكبار 
الذين یلهمون سواهم بكتابة و يعرفون «هواهبهم التي تفوق الخيال 
والتي تمکنهم من الخلق» وبتمتعهم بصفات سماوية آكثر منها إنسانية. ومع 
ذلك فإذا ما فحصت حيواتهم بتفاصيلها اليومية - «مشكلات الحياة الزوجيةء 
الأسنان الخربة وأطبّاء الأسنان المملاعينء المشكلات اطالية.. إلخ» - «فإن الصورة 


421 


إدورد سعيد 


التي نحصل عليها صورة عادية تخيّب الظن». كان موتسارت» من بين أمور 
آخری» كثير التملق للحكام وکان آینشتاین عازفا غبر متمیٌز للکمان ومعلما ماد 
وكان غوته إداريّا مملا في دوقية اهار الصغيرة. فإلى جانب المواهب «ذات الثراء 
الذي لا ينضب» لاحق الابتذال عبقرياتهم أينما ذهبوا. 

الكتاب کله أريد منه أن يضع اليأس والتعب وكراهية البشر تحت اممجهر. لقد 
أراد أن يرى عمالقة الفكر الذين انصاعوا في أواخر حياتهم للإغراءات التي كان يشعر 
بها هو نفسه» والتي کان مصمما على أن يخترق طريقه فيها”. کان شيء من ذلك 
التصميم ام متجهم» فضلا عن المكان امركزي لأدورنو في دراستهء باديا للعيان في مقابلة 
نشرتها جريدة هارتس أجراها معه الصحاق سراي ري شاقت ي ات 0ءء حيیث 
قال: «آنا آخر مثقف يهودي. أنث لا تعرف أي مثقف آخر. كل مثقّفيك اليهود هم 
الآن سادة يعيشون في الضواحي.. نا آخرهم. آنا التابع الصادق الوحيد لأدورنو»”. م 
تكن هذه هي المرة الأولى التي يستعمل فيها تلك الصورة. ففي ندوة عقدتها مجموعة 
من اليهود التقدّميين في أحد المؤتمرات نظمتها مجلة تيكون ”))1 في شهر أكتوبر 
من العام 1988ء دعا أحد اممشاركين قي الندوة اسمه مايكل والتسرء الحاضرين» بحجُة 
الحفاظ على الهدوء إلى أن ينسوا التاريخ للمضي في موضوع الندوة. لكن امرأة اسمها 
هلدا سلقرمان تكلمت من موقعها في القاعة وقالت إنها مرتبكة: «السبب الكأي لکوننا 
يهودا هو التاريخ. والعبارة القائلة «لن يتكرّر ذلك أبدا» هي كلمة السرٌ بيننا - وها 
أنت تقول للفلسطينيين أن ينسوا التاريخ؟» في تلك اللحظة استجاب سعيد لسؤالها 
وأخذ المایکروفون بيده وقال: «اسمحي لي أن أكون آخر مثقف يهودي» 

وفي رسالة أرسلها الصحاف الراديكالي إ. ف. ستون ۲٥٥؟‏ ۴ .1 لسعيد قي العام 
8 وضع ستون إصبعه على واحد على الأقل من الأسباب التي استثارته. وفيها 
أوضح ستون ما کان سعید یعرفه مام المعرفة» ألا وهو أن عبء معاداة السامية قد 
انتقل من اليهود إلى العرب ف العام الغري الحديث. وف معرض مدحه طمقالة حديثة 
لسعید نشرتها مجلة «نیو سَتَينْسّمّن» ٤٣41‏ ۷× عبر ستون عن إعجابه 
بقدرة سعيد على «تأكيد المواهب والقيمة العظيمة لشعبك المضطهد واممنبوذ» ثم 
ستنتج الآي: «لقد أصبح شعبّك الشعبَ «اليهوديّ» المرهف الإحساس» وشعبي هو 
«الغوييم» (الأغيار)». 


422 


السباق ضد الزمن 
أما وديع فقد فسّر حركة أبيه تفسيرا مختلفا إلى حدٌ ما. فمما له مغزاه أن 
المقابلة مع شافت أجريت قبيل الانتفاضة الثانية و«الحرب على الإرهاب» التي 
تلت 11 سبتمیں وهي فترة کانت كل التخمینات فیها قد فشلت» وصار من المؤکد 
أن إسرائيل سترسخ احتلالها من دون الخوف من ردود الفعل. وفي حركة دفاعية من 
جانب شاقت شعر بأنه قد خسر الموقف في اممقابلةء ولذلك فإنه لجأ إلى أساليب 
المع واااوفك خض مه ورال اة ةر هع أماد م 
وفكر: «تأمّل نفسك. أنت تدّعي أنك تمثّل شعبا وحضارةء ولكنك لا تفهم الوضع 
أبدا. أنت لا تفهم معنى أن تكون مثقفا يهوديّاء يهوديًا ملتزما بانتمائك إلى هذا 
العام والعدالة الشاملة. قد تكون لديك الأسلحة وامصادر الضرورية» ولكنك خاس 
من الناحية الفكرية والأخلاقية وم يبق سوى السؤال عن الوقت الذي سيدرك 
الآخرون فيه حقيقة الوضع». 
لذلك يبدو أن جانبا كبيرا من الكتاب أخذ بداياته من الفصل المخصّص لجان 
جينيه حيث يصف قدرة جينيه على الحب» والعاطفة الجياشةء والتمرد بأنها الصلابة 
في مواجهة اليأس. ففي الفصل ال مخصّص موتسارت مثلاء يأسف سعيد لأن ا موسيقار 
اتخذ موقفا يثبط العزهة من الطبيعة البشريةء وهو ال موقف الذي يكشف عنه 
عنوان Jlوqر| Cosi fan tutte‏ - وکا يفعلن ذلك»» أي يخدعن عشاقهن وين 
أصدقاءهن. وهذا يعني أن مرح موتسارت كان يخفي عتمة مقيمة» وأن نظامه 
المغلق المكؤن من الألحان وال محاكاة الساخرة التي تكسو حبكة تكشف عن خواء 
شخصيّاتها وشوقها الذي لا بُبَل. كان نظام موتسارت نظاما ثابتا تسوده السخرية 
اطمريرة انتقده سعيد بشكل غير مباشر بوصفه نظاما يصعب قبوله آخلاقيًا وسياسيًا 
مثلما کان الأمر مع رچرد شتراوس (كما يتبين من الفصل الخاص به في كتاب «في 
الأسلوب المتأخر») الذي سعى في أعماله المتأخرة في أواسط القرن العشرين إلى 
العودة للقرن الثامن عشر بتأليف «مركبات حلوة» رجعية عرض فيها هارمونيات 
نغميةء وتباهى هواهبه التي تمكنه من الانسحاب من عام القضايا الإنسانية. 
لرا كان أوضح امتحانات الثقة التي تحمَلها سعيد في أثناء اشتغاله على 
الكتاب هو ذلك الذي صادفه في الفصل المسمُى «النظام القديم الذي يرفض 
الزوال» Old Order‏ ingeringا‏ عن الفلم الذي أعذھ لوكينو قسکونتي 


423 


إدورد سعيد 


G¡ںs‌eمم* استنادا إلى روایة جوسیبي تومازي دي لامپدوزا‎ [uchin0 Visconti 
وکان لامپدوزا على‎ ۰11e [ep 2۲٩4 بعنوان «الفهد»‎ r0 maىi‎ di lLampedusa 
غرار الشخصية الرئيسة في روايتهء أرستقراطيًا صقلياء وجزءا أساسيًا من ذلك‎ 
التراث ال ماذي الإيطالي الذي وجده سعيد لدى کل من غرامشي» وقیکو» وغوبتي.‎ 
وکان لامپدوزا بالإضافة إلى ذلك قد عبر تعبيرا جميلا عن ذلك الممزيج الذي‎ 
جمع تفسّخ العام القديم» > والكبر العنيد لدى شعب مستعمَرء ومأساة كونه‎ 
مضی زمنهء وهو ما ذكره بالعذاب العربي في أمريكا القرن الحادي والعشرين.‎ 
5اا خلطوا بين القدم والحَظمة: ا على مدى خمسة وعشرین‎ 
قرنا عبء حضارة رائعة متعددة الأصول أتت كلها من الخارج» ۾ يكن أي منها‎ 
من صنعنا... على مدى ألفين وخمسمائة سنة بقينا مستعمرة... لقد تعبنا ونال‎ 
التَصَب مثا».‎ 

في أحد امشاهد. يستقبل دون فابريتسيو المالك ال متكبر الضجر لأراض ريفية 
أ الان موا عن وها تون مخت غ زا اقات ارد ادن 
في البرممان بهدف إضفاء الشرعية على النظام الجديد. يرفض الأمير عرض اممقعد 
ق مجلس اليو لمات ل بد ها درت سف لوقت الذي فعاة ى خذة 
المجلس الوطني الفلسطيني: «أنا أنتمي إلى جيل سين الحظ يقف فوق عامينء 
ولا يشعر بالراحة في أي منهما... ماذا تفعل الحكومة هشرع لا تجربة لديه ولا 
ملك موهبة خداع النفس» تلك الخصلة الضرورية لأولئك الذين يرغبون في قيادة 
الآخرين؟ لا لا أستطيع أن أرفع أصبعا في السياسة. سيقضمونها إن رفعتها... 
الصقليّون لا يريدون أن تتحسّن أوضاعهم. يظنّون أنهم وصلوا إلى مرحلة الكمال. 
کبرياۋؤهم أعظم من تعاستهم»*. كانت ومضات من هذه النظرة هي ما يحس به 
فعلا بعد أن صار على دراية من عذاب أوسلو بالحقيقة اممريحة القائلة إن السياسة 
القذرة يستحسن تركها ا الصغيرة. وما كان بوسعه أن ينكر» على رغم أنه أراد 
أن ينك فة الصورة التي رسمها دون فابريتسيو للعبثه وقد آسر لأولئك الذين 
کانوا سیقرأون ما كتب قائلا: «نمة ثي ءٌ خاص جذًا بانتظارکم». ولکن لامپدوزا 
کما فی حالة کفافي» کان قد ذاق تشاؤما م يشعر به سعید» وهو شعور کمن خطره 
في كونه مغريا في لحظات الضعف. 


424 


السباق ضد الزمن 
عبر سعيد في مراسلات حميمة مع كنزابورو أوي قبل وفاته عن شكوك م يعبر عنها 
في السابق لأحد: «ما م يدركه معظم قزّاء فيكو هو نظرته المتشانمة... فبغض النظر 
عن كل الجهود التي قد نبذلها فإننا أسرى ليس لعقولنا فقطء بل طواقفناء لزماننا... 
الرواي المفضل عندي» جوزف كونرادء عبر عن ذلك تعبیرا بليغا: نعيش» مثلما نحلم 
ود5 ما أو قق آزاح اسسا سد السوداوة جافا وذ كا قات 
گوردمر قبله بأنهما نظرا إليه للمقاومة والصمودء وذكره بأنه كان في اماضي قد قارنه 
بسيمون قي leis Simone Weil‏ فکرت في موضوع اموت ف لندن في العام 1945ء 
وعای غرار قي م يخضع لإغرائه”. وقد كانت مختارات من مقالات سعيد السياسية 
قل ترجفت ف اليابان وظهرت بعنوان «الدعاية والحرب« Propaganda and War‏ 
- وهو عنوان أصرح من العنوان الأمريكي اممقابلء ويعطي ممحة عن كيفية النظر إليه 
في الخارج. وي غمرة مراسلاتهما المضطربة تحدّث الاثنان عن خطط ممقاومة ما دعاه 
أوي بالإمبيرياليتين الثقافيتين المتحدتين لكل من أمريكا واليابان. وفي غمرة بحث كل 
منهما عن العزاء لدى الآخرء طمأن سعيد صديقه وي ملاحظة تقول إنه بغض النظر 
عن ضعف أسلحة اللغة والصور الأدبية في مواجهة العدوان العسكري» فإنهما على 
الأقل «من الأمور الأساسية في كفاح المواطنة الدهقراطية كله». 
هذه النغمة التشجيعية بدا نها منزلة التقريع لأدورنو الذي أخذ سعيد يرى 
فيه عقلية تنتمي إلى أواخر القرن التاسع عشر لكنها نفيّت با مصادفة إلى القرن 
العشرين. ومع أن سعيد شابه أدورنو ف کثیر من رومانسيته التي فقدت أوهامها 
فإنه أحسّ بأن الوقت حان لكبح تعلقه e‏ اتخذ انتقامه الحقيقي الوحيد 
من روح العصر شكل الإهانات الموجهة ضدّه. كان يعرف أنه لن يكسب» ليس 
فقط لأن القوى السياسية العاممية تحزبت ضدّه ولكن أيضا بسبب الجماهير التي 
وجدت أن البراهين م تكن كافية للإقناع. واستنتج تنتج أنه سيهزم بسبب القوة الفائقة 
التي تملكها الأكاذيب التي کر هن دون توقف. لکنه کان مسکوة آرضا بالحقاثق 
الحداثية التي تطلٌ عليه من فوق الكتفء حقائق الجدب والأحلام اة کان 
النص قد كتب» وأغلب الظن أن النهاية ستكون سيئة. 
م يكن في وسعه قبول أولئك الذين أخذوا دروسهم مباشرة من رواية «جود 
hlجJg« Hardy goرlal Jude the Obscure‏ أو رواية «نوسترومو» Nostr0m¬0‏ 


425 


إدورد سعيد 


لكونراد. ففي رسالة كتبها لشخص تمنى له السلامة رفض أن يغيّر موقفه: «أخشى 
أنني لا أوافق على أن ا موقف ميؤوس منه. حيث يتعلق الأمر بالقسوة والظلم 
يكون اليأس خضوعاء وهو شيء أرى أنه غير أخلاقي». وقبل وفاته بوقٽت قصير 
عبر جون بيرغر إ#عإ»8 «طه[ عن أسفه لأن هذا «الإنسان العاممي الثوري» الذي 
وقف حياته لقضية الدولة الفلسطينية فشل ف تحريك الممؤشر كثيرا". وعلى رغم 
كل جاذبيته الشخصية وكثرة أسلحته الفكرية والأخلاقية فقد بدا أن الهدف السياسي 
ا مركزي لحياته ظل بعيدا كما كان منذ البداية. 

أما صديقه القديم آندريه شارون فقد رأى العكس تماماء وتأمًل في مقدار التغبر 
الذي حدث للعامم على يديه. فبدلا من أن يندمج في الحياة الأمريكية غير آمريكا 
لتندمج فيهء أو جانبا مهما من متقفيها على الأقل» موجدا بذلك رأيا مخالفا له 
مله العليا للطبقات المهنيةء وحيث يسود شعور عام مناهضة الإمبريالية وحيث 
لا تكون السلطة ذات التعددية الثقافية بالندرة التي كانت سائدة في السابقء 
وحيث تكون قَوَة الثقافة والكفاح السياسي صيغة مقبولة من الحقائق. وقد داعبه 
أصدقاؤه بقوله: «لا أعلم ما الذي تحارب من أجله... فقد كسبت الممعركة». 
لرها كان سيجد طريقة لكسبها ثانية في عصر تَرَمْپ. ومع ذلك فإن كلمات بلاكمر 
ه81 التي لا شك في أنه تذكرها كانت تثير قلقه: «العصر القادم قد لا يكون 
مثقفا باي معنی نفهمه». 

KK 

عند العودة إلى ما حدثء نجد أن الجدل الذي دار حول وثائق السفر التي 
کانت معه فی مطار فارو (فی البرتغال) في أغسطس من العام 2003 کان لا ينبن 
بالخير. ففي آخر سبتمبر كان سعيد قد توف. وقد جعل قرب الحادثتين أصدقاءه 
يذهبون للبحث عن أجوبة. وانتشرت بينهم أسطورة - صدقها سوننبيرغ - تقول إن 
سعيد كان مهملا أكثر من اللازم عندما غامر بالسباحة مساء في اا الأطلسي على 
رغم ضعف المناعة عنده”. ولو م يكن على تلك الدرجة من التهور فلرها عاش 
سنوات آخرى. أما الحقيقة فكانت تختلف. فمع أن الأورام الناتجة عن اللوكيميا 
مرق قال لمال فهه لشسوء حه وك صن مجموغة ان مضافتات سرف 
باسم أعراض رختر. في هذه الحالات تتضاعف اللوكيميا وتنتشر على شكل أورام 


426 


السباق ضد الزمن 
ممفاوية سريعة النمو. وقد شك راي أن تلك كانت حالته قبل السفرء ولكنه أراد ألا 
يزيد همومه بإطلاعه على الخبر القائل إنه م ببق له من العمر سوى أسابيح قليلة. 
وقد أكد تشريح الجثة صحّة تشخيص راي. 

ف الأسابيع التي تلت عودة سعيد من البرتغال أخذ يتصل بالأصدقاء ولت 
السابقين ليحنهم على الردّ على إساءات هنز في ا مقالة التي نشرها في وا 
«أتلانتك مان عن کتاب «الاستشراق». کان الفصل الدراسي الجديد قد بدا من 
aî‏ عليه أن بُعدّ نفسه ممحاضرة مهمّة في الخارج» وهذا يعني أنه كان لديه 
الكثير مما قظلب الكل وها أنه عاد وهو يعاني الحمُى يوم الأحد المصادف 21 
سبتمبرء» فإنه قال طمريم إنه يشعر بالتحسُن» وإنه سيقضي اليوم في كتابة مقدمة 
كتاب «من وسلو إلى العراق». غير أن نجلا شعرت يوم الاثنين بأن شينا خطيرا قد 
حدث. وبالنظر إليه في أرجاء الشقة أحسّت أنه م يعد بكامل وعيه. كذلك لاحظ 
وديع وزوجته جَنفر اللذين كانا يسكنان على مقربة من شقة سعيد الشيء نفسهء 
ا ا ااا س ا ر فک ات 
طلب الدكتور منهم آلا يستسلموا للخوف» وألا يستعجلوا فعمل وديع ومريم 
على مساعدته لارتداء ملابسه على مهل لأنه مم يعد قادرا على الوقوف أو المشيء 
وساعداه على الجلوس على الأريكة قبل اصطحابه إلى الأسفل لتأخذه السيّارة إلى 
المركز الصحي اليهودي في لونخ آيلند في السابعة والنصف مساء. وف الطريق إلى 
هناك ضغطت مريم على يده يساورها القلق» ففعل هو الشيء نفسه» وكان مايزال 
يحتفظ بوعيه» لتهدئة أعصابها. 

کان بوسعهم أن يروا في غرفة الطوارئ أن وضعه خطبر. کان وجه راي مكفهرا. 
أخذوه مباشرة إلى غرفة العناية ا مركزة وسمح بزيارته في المساء - ولكنه كان في 
غيبوبة يومي الثلاثاء والأربعاء. وقي عصر يوم الأربعاء اجتمع راي بأفراد العائلة 
کا ن ل کن ف ات کی روس وکو 
ماأت رئتيه» وسيکون قد توفي مح حلول الصباح. وطلب منهم عدم البقاء حتى 
آخر لحظة. فالآلات امموجودة في غرفة العناية اممركزة ترسل إشارة حاذة عندما 
يتوقف قلب ال مريض عن العمل وها أن ذلك قد يسبب صدمة لأهل المريض فإنهم 
لا يسمح لهم بالدخول إلى الغرفة. وكانت غريس» أخت سعيدء قد حضرت من 


427 


إدورد سعيد 


واشنطنء والتحقت بالآخرين حول السرير للوداع. ومع حلول الساعة السابعة مساء 
م تعد نجلا تحتمل الموقف - مراقبة التنفس الصعب مع التحديق باممؤشر لترى 
إن كانت دقات القلب صارت أقوى. قَبّلته هي ومريم قبلة الوداع وغادرتا معا. أما 
غريس ووديع وجنفر فقد بقوا لساعة أخرى إلى أن أقنعهم كانتي بام مغادرة. وفي 
صباح يوم الخميس ال مصادف 25 سبتمبر تلقت مريم ف الساعة 5:40 صباحا مكاممة 
أخبرث فيها أنه توف منذ دقائق. 

اختار سخيد آلا يدقن ف فلسطين. فالرمزية السياسية لحياته جعلت تاتيس 
قبره احتمالا مؤسفا. واختار بدلا من ذلك - بالاعتماد على صلات عائلة مريم - أن 
يُدفن في مقبرة صغيرة تعود إلى طائفة الكويكرز تقع على سفح تلة معشوشبة 
شديدة الانحدار تحفها الأشجار في برمُاناء في لبنان. وهناك تستند الرخامة السوداء 
البسيطةء وقد كتب عليه اسمه باللغة الإنگليزية ثم بالعربية تحته. والبقعة 
التي يحتلها قبره تنزوي بعيدا مثل ال مقبرة نفسها عن العام كأنها هُرّبت تهريبا 
بطريقة لا تتناسب أبدا مع حياة كحياتهء باستثناء أن علائم الحداثة آخذة بتشويه 
الروعة العامة للوادي. هناك أخذت البنايات العالية تتنافس مع أشجار الأرز 
لتشكل حدود المثلث الأخضر الذي تقع فيه المقبرة. التي تبدو أكبر بكثير من عدد 
الكويكرز الذين دفنوا فيها. ومع أنها تتجه جنوبا باتجاه فلسطين وتنظر نحو 
الأسفل باتجاه سلسلة من الجبال التي تعلو فوق بيروت فإن مكان الراحة الأبدية 


428 


ملحق الصور 


Wıithe 


ملحق الصور 


(1) القاهرة ف العام 1954 (من شوارع مصر) 


431 


إدورد سعيد 


(2) الصورة ا مرفقة مع طلب الالتحاق 
مدرسة ماونت هيرمن 


(3) سعيد شابًا في القاهرة 


432 


ملحق الصور 


(4) ضهور الشوير تطلٌ من الشمال الشرقي باجا جبل صتَين (صورة التقطها ملف الكتاب) 


433 


إدورد سعيد 


(5) مصغيا لوالده (من مجموعة الصور العائدة لآل سعيد) 


434 


(6) العمُة ميليا (من مجموعة الصور العائدة لآل سعيد) 


435 


إدورد سعيد 


5 


(8) آرثر غولدء خريجو سنة 1957 (من جريدة ناساو هرلدء الكتاب السنوي لجامعة پرنستن) 


(9) شارل مالك (بإذن من مجموعة غتي للصور ومجموعة كوربس التاريخية) 


436 


ملحق الصور 


(10) ر. پ. بلاكمور (صورة التقطها چارلز شولتز) 


(11) هاري ليقن (بإذن من مجموعة غتي للصور؛ مجموعة صور مجلة لايف) 


437 


إدورد سعيد 


(12) محرٌرو مجلّة پارترن (ابمتحرّب). الواقفون (من اليسار): جورج مورس» فلپ راف دوايْت مكدولد. 
الجالسان (من اليسار): فرد دي ووليّم فليس (الصورة من مجموعة موري غاربر. بإذن من آل غاربر) 


438 


ملحق الصور 


(13) صادق العظم (بإذن من مؤسسة جائزة إرازمس) 


چ E‏ 
(14) عند مدخل البيت قي ضهور الشوير. إلى الخلف من اليسار: غريس» جويس» روزي» سمير مقدسي. 
إلى الأمام من اليسار: إدوّرد» هلداء وديع» سري مقدسي» أسامة مقدسي» جين مقدسي 
(من مجموعة الصور العائدة لآل سعيد) 


439 


إدورد سعيد 


(15) شفيق الحوت (من مجموعة الصور العائدة لآل سعيد) 


(16) رحلة للتعرف على الحقيقة ف لبنان (من اليسار): فردرك جيمسن» إقبال أحمد. ياسر عرفات» 
ديقد دَلنْجَّرء دون لوس» رمزي كلارك (بإذن من الأرشيف الرقمي الأمريكي لجنوب آسيا) 


440 


ملحق الصور 


)17( مع جون بيرغر ف فندق مiمvه؟‏ ما uه8‏ بفرنسا (الصورة التقطتها جين مور) 


(18) مع إبراهيم أبو لغد (الصورة التقطتها جين مور) 


441 


إدورد سعيد 


(19) مع بن سوننبيرغ (الصورة التقطها ألكزاندر ككبيرن) 


442 


(20) سعيد يعزف على البيانو (نوفمبرء 1983) (الصورة التقطتها جين مور) 


443 


< 


(21) جين ستاين (الصورة التقطتها بريجيت لاكوم) 


(22) في كنسي» فرنسا (الصورة التقطتها جين مور) 


444 


ملحق الصور 


(23) مع وديع (الصورة التقطتها بريجيت لاكوم) 


445 


إدورد سعید 


7N 
مع نوم چومسكي ف كولومبياء 1999 (من مجموعة الصور العائدة لآل سعيد)‎ )24 


(25) مع ديانا تقي الدين قبيل الحفل ال موسيقي في جامعة كولومبياء 1993 (الصورة التقطها جو پنيرو. 
بإذن من أرشيفات الجامعةء مكتبة الكتب والمخطوطات النادرةء مكتبات جامعة كولومبيا) 


ملحق الصور 


1 


(26) مع نجلا (التقط الصورة إيتو برادة) 


8 


(27) في مظاهرة لدعم فلسطين في العام 2000 في ساحة الوحدة بنيويورك 
(من مجموعة الصور العائدة لآل سعيد) 


447 


إدورد سعيد 


(28) مع مريم (الصورة التقطتها كارل صبَّاغ) 


448 


ملحق الصور 


(29) واحدة من اللوحات والرسومات والتخطيطات الكاريكاتيرية لروبرت شترُلي» بإذن من ۸۷1٣‏ 
(جمعية الأمريكيين الذين يقولون الحقيقة) 


MARU . Il! If AME II - 


(30) جالسا إلى منضدته: صورة من صور الفلم المسمى «الذوات والآخرون»: 
صورة لإدوَرد سعيد» بإذن من أفلام منص (التحالف العالمي للشعوب الأصلية المتنقلة)ء باريس 


449 


إذوزد سعيد 


450 


الهوامش 


Wıithe 


الهوامش 
هید 
(1) سویف گiعuه؟.‏ 
Hamid Dabashi, “Ihe Moment of Myth”, CounterPunch, October 2,‏ )2( 
.2003 
RE, xi.‏ )3( 
Blythe.‏ )4( 
(5) حديث مع سعيد وإلياس خوري في نيويورك» تقريبا في شهر مايو من العام 2001. 
سونتاغ إلى سعید بتاریخ 5 مایو 2001ء وغوردمر إلى سونتاغ فی 9 آبریل 2001. ,۴۷88 
11 ;19 20 
Khalidi, T.‏ )6( 
FBI, 54, Aug.20, 1979.‏ )7( 
FBI, 11, July 12, 1982, FBI, 4, Aug. 28, 1991.‏ )8( 
(9) قرأ سعيد هذه الأسطر بصوت عال في ذكرى أحمد في كلية هامپشر بتاريخ 18 سبتمبر 
1999: 
https//www.youtube.com/watch?v=zfqor65w guk‏ 
وانظر أيضا 
Stuart Schaar, Eqbal Ahmad: Critical Outsider in a Turbulent Age (New York:‏ 
Columbia UP, 2015), 72.‏ 
Alexander Cockburn, “Edward Said: A Mighty and Passionate Heart,”‏ )10( 
CounterPunch, Sept. 25, 2003.‏ 
(11) محمد شاهين (محرّر): إِذوَرْد سعيد: رواية للأجيال (بيروت: ال مؤسسة العربية للثقافة 
والنش 2004). 
(12) نفسه. 
Rosenthal; Mitchell.‏ )13( 


الفصل الأول 

(1) Jean Said Makdisi, Teta, Mother, and Me: An Arab Woman's Memoir 

(London: Saqi, 2005), 329.‏ 
سيشار إلى هذا المصدر من هنا فصاعدا بكلمة ه16 فقط. 

(2) Ibid. 

(3) Emanuel Hamon, dir., Selves and Others: A Portrait of Edward Said 
(2004). 

(4) Nadia Gindy, “On the Margins of a Memoir: A Personal Reading of 
Said’s Out of Place”, Alif: A Journal of Comparative Poetics, 20 (2000), 
285; 

(5) Said, G. 

(6) Gindy, “On the Margins of a Memoir”, 286. 

(7) Annalise Devries, “Utopia in the Suburbs: Cosmopolitan Society, Class 
Privilege, and the Making of Maadi Garden City in Twentieth-Century 
Cairo”, Journal of Social History, 49, no. 2 (2015): 351 - 73. 


453 


إدورد سعيد 


(8) Hoda Guindi, “Of the Place”, Alif: A Journal of Comparative Poetics, 
25 (2005):10. 

(9) Said, G.: Teta, 49. 

(10) Said, G. 

(11) Said Makdisi. 

(12) Selves and Others. 

(13) Gindy, “On the Margins of a Memoir”, 287. 

(14) Teta, 3738-. 

(15) OP, 93. 

(16) Said, G. 

(17) Gindy, “On the Margins of a Memoir”, 290. 

(18) OP, 135. 

(19) Sharon. 

(20) Kardouche. 

(21) Laura Robson, Colonialism and Christianity in Mandate Palestine 
(Austen: University of Texas Press, 2011), 127. 

(22) RE, 270. 

(23) Sharon. 

(24) Habachy. 

(25) Guindi, “Out of Place”, 10. 

(26) Teta, 318. 

(27) RE, 273. 

(28) Aida Fahoum to EWS, 1999, EWSP, 48:16:I1,1. 

(29) EWS, “Palestine, Then and Now: An Exile’s Journey Through Israel and 
the Occupied Territories”, Harper Magazine, Dec. 1992, 48. 

(30) Charles Malik, “The Near East: The Search for Truth”, Foreign Affairs 
30 (1952), 233. 

(31) Max Rodenbeck, Cairo: The City Victorious (New York: Alfred A. Knopf, 1999). 

(32) Nabil Matar, the United States Through Arab Eyes (Edinburgh: 
Edinburgh University Press, 2018). 

(33) EWS, “Leaving Palestine”, New York Review of Books, Sept. 23, 1999. 

(34) OP, 205. 

(35) Ibid., 165 - 67. 

(36) Guindi, “Of the Place”,10. 

(37) OP, 96 - 97. 

(38) Teta, 77. 

(39) Ibid, 295. 

(40) Ibid. 

(41) Allan Evans in Ignace Tiegerman: The Lost Legend of Cairo, arbiterrecords 


org/catalog/Ignace-tiegerman-the-lost-legend-of cairo/. 


454 


الهوامش 


(42) Henri Barda in Allen Evans, Ignaz Friedman: Romantic Master Pianist 
(Bloomington: Indiana University Press, 2009), 221. 
(43) Ibid., 229. 
(44) Samir Raafat, “Ignace Tiegerman: Could He Have Dethroned Horowitz?”, 
Egyptian Mail, Sept. 20, 1997. www.egy.com/judaica/9720-09-.php. 
(45) Ignace Tiegerman: The Lost Legend of Cairo. 
(46) RE, 274. 
(47) EWS, “Cairo Recalled: Growing Up in the Cultural Cross Currents of 
1940s Egypt’, House & Garden, April 1987, 32. 
(48) Allan Evans to EWS, Oct. 22, 1987: 
كان الحصول على جرعة من ملاحظات تيغرمان وعلى فهم لفهم أفكاره الإستطيقية‎ 
شيا أشبه بالكشف عن عام من الأسرار.‎ 
(49) Barda, in Evans, Ignaz Friedman, 223. 
(50) OP, 198. 
(51) Said, G. 
(52) Hilda Said to EWS, Nov. 21, 1966, EWSP, 28:16:11.2. 
(53) Said Makdisi. 
(54) Justus Reid Weiner, “My Beautiful Old House and Other Fabrications 
by Edward Said”, Commentarym Sept. 1, 1999. 
يمكن قراءة رد سعيد في مقالته «تشويه السمعة بالأسلوب الصهيوني» في جريدة‎ 
الأهرام» 26 أغسطس - 1 سبتمبر 1999ء وفي مقالة منير ك. ناصر: «يهاجمونني لكي‎ 
.Bir Zeit Newsletter, (Fall 1999): أنكر حق الفلسطينيين ف العودة» ۈ14‎ 
(55) Keith Schilling to EWS, Jan. 18, 2000, EWSP, 30:18:1.1. 
(56) EWS, “Palestine, Then and Now”, 51. 
.2016 أرسل إلى ال مؤلف في 20 فبراير‎ )57( 
(58) Said Makdisi. 
(59) OP, 144. 
(60) The Right Reverend Sir Paul Reeves to EWS, May 29, 1991. EWSP, 
15:1211, 
(61) Malik, the Near East: The Search for Truth”, 231. 
(62) EWS, “A Palestinian Voice”, Columbia Forum 12, no. 4 (Winter 
1969).29. 
(63) Habachy 
(64) Undated handwritten notes, EWSP, 77:32:11.4. 
(65) Mohammad Shaheen, “Remembering Edward Said: A Glimpse of His 
Life and Thought”, sent to author on January 4, 2016. 
(66) Shaheen. 
(67) O’ Connell. 
(68) EWS to Jacoby. 
(69) Shaheen. 


455 


إدورد سعيد 


(70) Said, M. 

(71) OP, 230. 

(72) Said Makdisi, J. 

(73) OP, 12. 

(74) EWS to Wadie Said, 1967, EWSP, 28:16:11.2. 

(75) OP, 54, 57. 

(76) Gindy, “On the Margins of a Memoir”, 288. 

(77) Said, G. 

(78) Said Makdisi. 

(79) Teta, 14. 

(80) Ibid. 16, 18. 

(81) EWS, “My Guru”, London Review of Books, Dec. 13, 2001, 19. 

(82) Cortas, Said, G. 

(83) Wadad Makdisi Cortas, A World I Loved: The Story of an Arab Woman 
(New York: Nation Books, 2009). 

(84) Ibid. 

(85) Habachy. 

(86) Gindy, “On the Margins of a Memoir”, 285. 

(87) Jean Said Makdisi to the author, Sept. 12, 2017. 

(88) EWSP, 77:32:11.4. 

(89) OP, 114. 

(90) Ibid., 124. 

(91) Ibid., 123. 

(92) Eric Rouleau, “Cairo: A Memoir”, Cairo Review of Global Affairs (Fall 
2010). 

(93) QP, xiv. 

(94) OP. 122. 

(95) “Orientalism and After: An Interview with Edward Said”, Radical 
Philosophy 63 (Spring 1993), EWSP, 80:31:11.5 

(96) هذا مثال واحد من أمثلة عديدة: 

M. Cherif Bassiouni, “Ihe AAUG: Reflections on a Lost Opportunity”, 
Arab Studies Quarterly 29, no. 3 - 4 (Summer/Fall 2007: 29: “Until 1967, 
Edward Said was basically an Anglophile professor of comparative 
literature ... [with] no commitment to Arab Nationalism” 

(97) EWSP, 77:32:11.4. 

(98) EWS, “Leaving Palestine”. 

(99) Gindy, “On the Margins of a Memoir”, 286. 

(100) RE, 274. 

(101) Ahdaf Soueif, Mezzaterra: Fragments from the Common Ground 
(New York: anchor, 2010), 253. 


456 


الهوامش 


الفصل الثانى 
FNE, 54.‏ )1( 
CV for Harvard Application, 1957, HT.‏ )2( 
PPC, 412.‏ )3( 
Ibid., 47.‏ )4( 
Ibid., 69.‏ )5( 


(6) Harry Levin, the Power of Blackness: Hawthorne, Poe, Melville (1958; 
New York: Alfred A. Knopf, 1970), 4. 

(7) EWS, Commencement Speech, Northfield Mount Hermon School, June 
2002; sent to the author on Dec. 11, 2015. 

(8) OP, 84. 

(9) PP, 4; RE, xii. 

(10) OP, 233. 

(11) Ibid., 134, 141. 

(12) Ibid., 263 - 64. 

(13) EWS, interview by Jean Stein, Aug. 19, 1993, sent to the author by Stein 
on Feb. 23, 2017. 

(14) Howell-Griffith to Gordon E Pyper, Feb.17, 1951, MH.O1, 20. 

(15) Price to Director of Admissions, Jan. 8, 1951, MH, O1, 22. 

(16) Badeau to Dr. Howard Rubendall, Nov. 8, 1950, MH, O1, 26. 

(17) EWS to Director of Admissions, Mount Hermon School, Feb. 4, 1951, 
MH, O1,2. 

(18) Ibid., 3. 

(19) Brieger. 

(20) Davis. 

(21) Poem sent to author by Peter Weis, Mount Hermon archivist, on Dec. 
12; 2015. 

(22) OP, 43 - 44. 

(23) Ibid., 248. 

(24) Brieger. 

(25) Weis to author, Dec. 11, 2015. 

(26) OP, 17. 

(27) Ibid., 19. 

(28) Hilda Said to Rubendall, Sept. 21, 1951, MH, O2, 20. 

(29) Hilda Said to Rubendall, Feb. 18, 1952. MH, O2, 26 - 29. 

(30) Jean Said Makdisi, Teta, Mother, and Me: An Arab Womans Memoir 
(London: Saqi, 2005), 84. 

(31) Letters sent to the author by Marina Warner on Jan. 16, 2015. 

(32) EWS, Defamation, Zionist Style, Al-Ahram, Aug. 26-Sept. 1, 1999. 

(33) Hilda Said to Rubendall, Oct. 13, 1952, MH, O2, 36 - 38. 


457 


إدورد سعيد 


(34) Hilda Said to Rubendall, Jan. 9, 1953, MH, O2,43. 
(35) Ethel R. Maddern to Princeton, June 22, 1953, PT, 21. 
(36) Fischer to EWS, June 22, 2000, EWSP, 48:20.11.1. 
(37) OP, 278. 
(38) Teta, 85. 
(39) Hilda Said to Rubendall, Jan. 9, 1953, 43. 
(40) Exiles: Edward Said, directed by Christopher Sykes (BBC2, 1986). 
(41) OP, 330. 
(42) Ibid, 279. 
(43) HT, 64. 
(44) Ibid. 
(45) EWS to Rubendall, March 13, 1958, MH.03, 26. 
(46) Yerushalmi 
(47) OP, 233. 
(48) Ibid. 
(49) Said, N. 
(50) Said Makdisi. 
(51) OP, 222. 
ألقى ابنه وديع الكلمة نيابة عنه بسبب المرض.‎ )52( 
(53) OP, 145. 
(54) PPC, 206; OP, 205206-. 
(55) Jean Stein interview of EWS, op. cit. 
(56) EWS, interview by Stein. 
(57) Ibid. 
(58) Ibid. 
(59) Bergson, A. 
(60) Said, N. 
(61) Rubendall to Professor Ludwig, Nov. 26, 1957, MH.03, 14. 


الفصل الثالث 
Hopkins to Robert Bridges, May 21, 1878, quoted in WTC, 41.‏ )1( 
EWS, Commencement Speech, Northfield Mount Hermon School, June 2002.‏ )2( 
Elaine Hagopian, Ibrahim and Said, Arab Studies Quarterly 26, no. 4‏ )3( 
(Fall 2004): 6;‏ 
حبشي: كان إرك سيغال لايزال يكتب لسعيد في أكتوبر 1976 ليرسل إليه عمله «التراخي 
نحو آمریکا» Slouching Towards America‏ ف «ذا نیو ریبابلىكڭ› The New‏ 
Republic‏ حیث امدح فيها ليفين ١ه[‏ - ضمن أمور أخرى - على إظهاره خرافة 
العصر الذهبي الأمريكي (29:27:1.1 .)٤W88,‏ 
J. Merrill Knapp, Rhodes Scholarship Recommendations, Nov. 19, 1956,‏ )4( 
PH.29,‏ 


458 


الهوامش 


كر التعبير عن هذا الشعور من قبل جي. إي. بنتلي 8۲۸٤[‏ .۳ .6 في تزكيته لسعيد 
لهارفردء 24 فبراير 1957ء مما يضيف أن هذه ا موهبة والعشرية أتيتا «على رغم خلفيته 
الغريبة نوعا ما (34 ,11)». 

(5) Abigail Klionsky Oral History Project-Dr. Gerald Sandler (57), Seeley G. 
Mudd Manuscript Library, Princeton. 

(6) McLeod. 

(7) PT, 13. 

(8) HT, 36. 

(9) Carnicelli. 

(10) Bergson, A; Bergson, D. 

(11) PT, 25; Carnicelli; Solum. 

(12) Fried. 

(13) Farer. 

(14) Solum. 

(15) Said, G. 

(16) Solum. 

(17) Habachy. 

(18) McLeod. 

(19) Solum 

(20) OP, 291. 

(21) Habachy; McLeod. 

(22) Solum. 

(23) EWS, Statement of Purpose, HT. 

(24) Warner. 

(25) Marie-Hélène Gold to EWS, Jan. 18, 1989, EWSP, 78:5:11.4. 

(26) Marie-Hélène Gold to EWS, Sept. 19, 1999, EWSP, 48:11:11.1. 

(27) Ibid. 

(28) ESR, 421. 

(29) WTC, v; OP, 285, 277. 

(30) Carnicelli; Fried; EWS Memorial Tribute to Arthur Gold, Feb.26, 1989, 
EWSP, 78:5:11.4. 

(31) Fried. 

(32) Edward W. Said (57), Nasser and His Canal, Daily Princetonian, Oct. 
11, 19562. 

(33) Wadad Makdisi Cortas, A World I Loved: The Story of an Arab Woman 
(New York: Norton Books, 2009), 136 - 37. 


(34) ومما يلفت النظر أن ابنه وديع سيكتب الأطروحة التي ستؤهله للحصول على درجة 


الشرق في پرنستن عن مشاركة ناصر في باندنغ وعن دعم مصر للتضامن الأفريقي 
Farer.‏ )35( 


459 


إدورد سعيد 


(36) OP, 250, 274. 
(37) EWS to Dire, May 1, 1959, EWSP, 30:3:1.1. 
(38) EWS, My Guru, London Review of Books, Dec. 13, 2001, 19 - 20. 
كان إبراهيم هو الذي عرف العرب في أمريكا على الكفاح العالمي للتحرّر الوطني‎ 
وسياسة ما بعد الاستعمار (المصدر نفسه» ص20).‎ 
(39) PT, 13. 
(40) EWS to Rubendall, Oct. 29, 1957, MH.03, 9. 
(41) Orientalism and After: An Interview with Edward Said, Radical 
Philosophy 63 (Spring 1993): 1, EWSP, 80:31:11.5. 
(42) EWS to Princeton University, Oct. 14, 1957, PT, 3. 
(43) HT, 32 (Jan. 2, 1958). 
(44) OP, 287. 
(45) EWS to Harvard, 1957, HT. 
(46) OP, 264. 
(47) EWS to Albert Sonnenfeld, Oct. 27, 1978, EWSP, 5:9:1.1 
(48) HT, 59. 
(49) Ibid., 53. 
(50) WTC, v. 
(51) R. P. Blackmur, A Primer of Ignorance, ed. Joseph Frank (1940; New 
York: Harcourt, Brace, & World, 1967), 71. 
(52) EWS®P, 77:32:11.4. He uses the phrase in Sense and Sensibility, Partisan 
Review 34, no. 4 (Fall 1967): 632. 
(53) RE. 247. 
(54) Ibid., 253; Fried. See EWS, Sense and Sensibility; 
«کان أسلوب بلاكمر الفريد في قاعة التدریس كما وصفه آرثر غولد یعتمد على وصف‎ 
.)629( الطريقة التي يتعرّف بها المرء على الأدب من كثب»‎ 
(55) RE, 249. 
(56) R. P. Blackmur, Language as Gesture: Essays in Poetry (New York: 
Harcourt, Brace, 1952, 403. 
(57) ESR, 424; B, 256 - 57. 
(58) Blackmur, Language as Gesture, 3, 12. 
(59) EWSP, 97:20:11.1. 
(60) Blackmur, Primer of Ignorance, 100. 
(61) Ibid., 13 - 14. 
(62) R. P. Blackmur, the Lion and the Honeycomb: Essays in Solicitude and 
Critique (1955; New York: Harcourt, Brace, 1955), 293. 
(63) ALS, 173 - 74. 
(64) OP, 265. 
O. Frederick Nolde دJgi لكن أي هايدغر؟ في تصدير مالك لكتاب أو. فريدريك‎ )65( 
«حر ومساو: حقوق الإنسان من منظور مسکوني»‎ 


460 


الهوامش 


Free and Equal: Human Rights in Ecumenical Perspective (Geneva: 
World Council of Churches, 1968), 7 
تبنى - باسم الإنسانية - اللغة التي رفض هايدغر من خلالها الإنسانية.‎ 
(66) Said, M. 
(67) Ibid. 
(68) Charles Malik, the Near East: The Search for Truth, Foreign Affairs 30 
(1952): 236. 
(69) Ibid., 238 
(70) Ibid., 243. 
(71) Ibid., 256 - 60. 
(72) Charles Habib Malik, the Problem of Coexistence (Evanston. Ill: 
Northwestern University Press, 1955), 8. 
(73) Charles Habib Malik, a Christian Critique of the University (Downers 
Grove, Ill.: Intervarsity Press, 1982), 23. 
انظر مراسلة سعيد ووليام سبانوس كه«هم؟ 1۸ا۷1 الممحترمة ولكن اممختبرة؛ والتي‎ )74( 
يشتم فيها هايدغر بوصمه بأآنه رجعي ومتصوّف:‎ 
(Aug. 4, 1972), EWSP, 5:2:1.1; (Jan., 5, 1979, EWSP, 5:10:1.2; May 22, 
1980), EWSP, 5:19.1.1 
وانظر مراجعته النقدية المبكرة لولف إيهاب حسن ٨ەءءة طةط!:‎ 
Dismemberment of Orpheus, Eclecticism and Orthodoxy in Criticism, 
Diacritics 2, no.1 (Spring 1972): 2 - 8. 
وهو علی کل حال قد اقتبس من هایدرغر علی نحو أکثر تسامحا في مؤلفه غير ا منشور:‎ 
The Second and a Half World, EWSP, 77:32:11.4. 
(75) PPC, 158; EWS to Richard Kuhn. Jan. 25, 1973, EWSP, 5:4:1.1. 
(76) OP, 292. 
(77) Orientalism and After: An Interview with Edward Said. 
(78) Rosenthal. 
(79) EWS to Alfred Dunhill Limited, Nov 26, 1991, EWSP, 16:2:1.1. 
(80) Blackmur, In the Country of the Blue, in Primer of Ignorance, 180. See 
also EWS note on Blackmur, EWSP, 97:14:1111. 
(81) EWSP, 97:2:IIL.1. 
(82) EWSP, 81:1:IIL.1. 
(83) Ibid. 
(84) Ibid. 
(85) Ibid. 
یتذکر ديفيد ستيرن ١۲ء5 4ا0۷ تلميذ سعيد في جامعة كوطبيا الذي ذهب‎ )86( 
إلى جامعة هارفرد لتلقي الدراسات العلياء لفن بأنه «من النوع الهارفردي الفظيع‎ 
سيئ» براهمي جدا [نسبة مستعارة من طبقة البراهمة لدى الهندوس الذين يعرفون‎ 
.)Ster٥, 0(« بالاستعلاء]› یتبخح کٹیرا‎ 
(87) OP, 289. 


461 


إدورد سعيد 


(88) Harry Levin, Refractions: Essays in Comparative Literature (Oxford, 
U.K: Oxford University Press, 1966), 323, 339. 

(89) OP, 288. 

(90) Fried. 

EWS to Dash, Nov. 29, 1972, EWSP, 5:3:1.1:‏ )91( 
«أصبحت عاطفيا بحق... بدأت أعيد النظر في عمله» في تأثیره في طلبته» فی تأثیره ف» 

ووجدت أنه مع ذلك معلَمٌّ أكثر مما أدركه أغلب الناس». 

(92) Harry Levin, the Gates of Horn: A Study of Five French Realists 
(Oxford, U.K.: Oxford University Press, 1963), 4. 

(93) EWS to Levin, June 12, 1965, HL. 

(94) Harry Levin, Grounds for Comparison (Cambridge, Mass.: Harvard 
University Press, 1972), 19. 

(95) Ibid., 6; and Levin, Gates of Horn, ix. 

(96) EWS, Phenomenology, Structural Thought, and Literature, American 
Council of Learned Societies application, Oct. 14, 1965, ST, 17 - 19. 

(97) Levin, Refractions, 65. 

(98) Levin, Gates of Horn, 16. 

(99) Levin, Refractions, 240 - 41. 

(100) Levin, Two Romanisten in America: Spitzer and Auerbach, in Grounds 
for Comparison, 111. 

(101) Levin, Grounds for Comparison, 41, 46, 123. 

(102) Ibid., 127. 


الفصل الرابع 

(1) Undated, but ca. 195762-, EWSP, 77:32:11.4. 

(2) EWSP, 77:32:11.4. 

(3) A colleague from Harvard [signature unclear] to EWS, Dec. 16, 1967, 
EWSP, 28:22:1.1. 

(4) Delaney; Said Makdisi. 

(5) Bergson, A. 

(6) EWSP, 81:1:III.1 and 77:32:11.4. 

(7) Said Makdisi. 

(8) Ibid. 

(9) EWS to Wadie Said, June 2, 1965; EWSP, 28:16:11.2. 

Hilda Said to EWS, Nov. 21, 1965, EWSP, 28:16:11.2.‏ )10( 
(11) کتب هنري کارَّوي هاتفیلد 14ء٤ ۴٣٣ ٥2۲4۷,‏ وهو عضو في لجنة ممتحني 
مايرة في أطروحة الدكتوراه رسالة لها من برلين في 18 مارس 1968 استشهد فيها برسالة 
من لفن يصف عملها فيها بأنه «بالغ الذكاء أحيانا» بينما يعبر عن شكواه قائلا إن 
الكاتب الذي يستخدم کلمات مثل عنص طط أو مطءisصoاەممه‏ عليه أن يستعملهما 
استعمالا صحيحا وإلا فإنه سيثير شك القارئ... أحيانا يبدو كأن رواية «الجبل السحري» 


462 


الهوامش 


.Susan Sontag HL غاiiوgس وجوديٰ بالتعاون مع سوزان‎ lھبتك‎ he Magic Mountain 
(12) Farer; also Said, G; Bergson, A; Blythe. 
(13) EWSP, 97:3:IIL.1. 
(14) EPP, 69. 
(15) EWSP77:32:I1.4.21. 
(16) Christopher Hitchens, Hitch-22: A Memoir (New York: Twelve, 2010), 
385. 
(17) EWS, “An Ark for the Listener; EWSP, 77:2:11.3. 
(18) Mariam Said to author, Sept. 25, 2018. 
(19) Mary McCarthy, “On F. W. Dupee (1904 - 1979), New York Review of 
Books, Oct. 27, 1983. 
(20) Leon Trotsky, The Russian Revolution, ed. F W. Dupee, Trans Max 
Eastman (New York: Anchor, 1959), vii-viii. 
(21) James Wolcott, “Enemies for Ever,” London Review of Books, May 18, 
2017, 14. 
(22) Ibid., 16. McCarthy, “On F. W. Dupee (1904 - 1979),» 
(23) Rosenthal. 
(24) EWSP, 110:11:III.3. 
غير أن سعید دافع عن ترلثغ علنا ضدٌّ وصف ألفرد کازن «نعه) ۵١6۲ا۸ له في مجلة‎ 
بأنه «متعال» یسعی إلى‎ New York Review o£ 800k «مراجعة نيويورك للکتب»‎ 
الدعاية لنفسه. فقد كتب سعيد مع نمانية عشر شخصا آخرين رسالة احتجاج ظهرت‎ 
.1978 فی 25 پونيو‎ آ1٣‎ 6s في جریدة «التاهز»‎ 
(25) EWS to Engel, Nov. 29, 1972. EWSP, 5:3:1.1. 
(26) Bergson, A. 
(27) Rosenthal; Wood. 
(28) Davis. 
(29) Rosenthal. 
(30) EWSP, 110:11:III.3. 
(31) EWS to Engel, Nov. 29, 1972. 
(32) Guttenplan. 
(33) RE, xxii. 
إنه في مقالته عن رواية:‎ 
«Sense and Sensibility”, Partisan Review 34, no.4 (Fall 1967) 
يحاي أسلوب النقاد الجدد بأن ببدي إعجابه بكل من پوليه وبلاكمر لتفاديهما «لعبة‎ 
البحث العلمي» وتفضيلهما عدم انتظام الأشياء.‎ 
(34) EWS, “At Miss Whitehead’s,” review of The Sixties: The Last Journal, 
19601972-, by Edmund Wilson, London Review of Books, July 7, 1994, 2. 
(35) Seidel. 
(36) EWS to Starobinski, Nov. 22, 1967, EWSP, 30:3:1.1. 
(37) Barthes to EWS, Aug. 25, 1972 [incorrectly dated 1975]. EWSP, 5:1:1.1 


463 


إدورد سعيد 


(trans. author and Emilie Pons). 

(38) Allen Bergson to author, Sept. 24, 2015. 

(39) Said, M. 

(40) RE, 235. 

(41) Khalidi, T. 

(42) EWS, “A Configuration of Themes,” Nation, May 30, 1966, 659 - 60. 

(43) Levin to EWS, May 31, 1966. HL. 

(44) HL. 

(45) RE, 555 

(46) EWS, “Conrad and Nietzsche,” in Joseph Conrad: A Commemoration, 
ed. Norman Sherry (London: Macmillan, 1976), 65. 

(47) Said, N. 

(48) Conor Cruise O’Brien, Edward Said, and John Lukacs, “The Intellectual 
in the Post-Colonial World: Response and Discussion,” Salmagundi, no. 
70 / 71 (Spring-Summer 1986): 70 - 71. 
أشاد سعيد في مراجعة نشرت في ملحق التاهز الأدبي ببنيتا پاري لأنها كانت أول ناقدة‎ 

تناولت أهم جانب من كتابات كونراد - ميوله الإمبريالية الكامنة. 

(49) «Traveling with Conrad,” interview with EWS and Peter Mallion, Feb. 
28, 2003, EWSP, 80:41:11.5. 

(50) O’Brien, Said, and Lukacs, “Intellectual in the Post-Colonial World, 
74, 72, 73. See EWS to Robert Boyers of Salmagundi, Oct. 29, 1985 
(EWSP, 8:17:1.1). 

هنا حيث يصف ذلك الحوار الشيُق. 
Mitchell.‏ )51( 
(52) «أنا مثْلٌ کننغم غریم بإزاء کونراد؛ نقیضه» 
(Traveling with Conrad).‏ 

(53) JC, 80 - 81. 

(54) RE, xxii; EWS, “Conrad and Nietzsche,” 72. 

(55) EWSP, 97:3:IIL.1. 

(56) EWS, “Conrad and Nietzsche, 71. 

(57) RE, 267; EWS, “Sense and Sensibility,” 629. 

(58) EWSP, 97:31:11.1. 

(59) Bergson, A. 

(60) JC, 57. 

(61) Raymond Williams and Edward W. Said, “Media, Margins, and 
Modernity,” in Raymond Williams, the Politics of Modernism against 
the New Conformists (London: Verso, 1989), 187. 

(62) ESR, 423. 

(63) Ibid., 39. 

(64) JC, vii; cf. RE, 563. 


464 


الهوامش 


(65) JC, 60, 58, 38, 17. 

(66) EWS to Geoffrey Hartman, Dec. 4, 1967, EWSP, 30:3:1.1. 

:مقتبس ف (67( 

Richard Macksey and Eugenio Donato,”Ihe Space between - 1971, 
in the Structuralist Controversy: Ihe Languages of Criticism and the 
Sciences of Man (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1972), x. 

EWS to Richard Kuhns, Jan. 25, 1973, EWSP, 5:4: 1.1.‏ )68( 
«اقراً الکٹیر من کتابات دولوز لکن فکزْ؛ فعلی الرغم من آنه ذکي» فإنه يحتاج إلى 

رز ج 

EWS to Richard Macksey, Feb. 7, 1973, EWSP, 5:5:1.1. 

واعتقد سعيد أن دولوز محافظ سياسيا لكن نظرية المعرفة خاصته «ثورية» 
EWSB, 97:1:III.1; B, 377.‏ 

(69) فكرة”يعثر عليها أيضا في Unpublished Text‏ An؛‏ ومقتبسة ق: 

Claude Leforts editor’s preface to Maurice Merleau-Ponty, Ihe Prose 
of the World, trans. John O Neill (1969; Evanston, Ill.: Northwestern 
University Press, 1973), xiii. 

(70) JC, 38, 119. 

(71) Ibid. 49. 

(72) EWS, “Labyrinth of Incarnations”, RE, 11; EWSP, 97:27:11.1. 

(73) EWS to Chomsky, March 13, 1972, EWSP, 28:12:1.1. 

(74) Lucien Goldmann, The Hidden God: A Study of Tragic Vision in the 
“Prnsées” of Pascal and the Tragedies of Racine, trans. Philip Tody 
(1955; London: Verso, 2016), 235. 

(75) OP, 256. 

(76) See, for example, PPC, 6 RE, 16. 

EWS, “Sense and Sensibility”, 628,‏ )77( 
حیث کتب أن فکرة اي. دي. هیرستش 1:٩1‏ .2 .8 أن الفهم هو بالفعل فهم 

الضرورة؛ مأخوذة من دون اعتراف من كتابات هايدغر عن هولديرلين ہ1اإ#فاه8. 
Gerald Graff et al. to EWS, Feb. 20, 1969, EWSP, 5:1:1.1.‏ 

(78) JC, 195 - 96. 

(79) B, 323. 

(80) LS, 78. 

(81) EWS, review of Joseph Conrad: A Psychoanalytic Biography, by 
Bernard C. Meyer, Journal of English and Germanic Philology, 67, no. 
1(Jan. 1968):176 - 78; JC, 102. 

(82) EWS, “Phenomenology, Structural Thought, and Literature,” American 
Council of Learned Societies application, Nov. 15, 1965, ST, 17 - 19. 

(83) EWSP, 97:1:IIL.1. 

(84) PPC, 225. 

(85) Joseph Farag, Palestinian Literature in Exile: Gender, Aesthetics, and 


465 


إدورد سعيد 
Resistance in the Short Story (London: I. B. Tauris, 2016, 118 (of his‏ 
typescript).‏ 

(86) EWS, “Diary: My Encounter with Sartre” London Review of Books, 
June 1, 2000, 42 - 43. 

(87) Ali. 

(88) EWS, “The Arab Portrayed,” in the Arab-Israeli Confrontation of June 
1967: An Arab Perspective, ed. Ibrahim Abu-Lughod (Evanston, Ill.: 
Northwestern University Press, 1970), 6. 

(89) EWS, “Diary.» 

(90) Maurice Merleau-Ponty, the Phenomenology of Perception, trans. 
Donald Landes (1945; London: Routledge, 2012), 466. 

(91) EWS, “The Totalitarianism of Mind, review of The Savage Mind, by 
Claude Levi-Strauss, Kenyon Review 29, no. 2 (March 1967): 256. 

(92) Ibid., 258. 

(93) Ibid., 249. 

(94) Ashrawi; Bergson, A.; Khalidi, T. 
انظر» على سبيل الطمتالء مدوناته اممتنوعة واممفرّقة حول البنيويةء بالإضافة إلى صفحاته‎ 

التسع والأربعين التي تضمنت رأيه العام في الحركة في: 
EWSB 97:27:I1IL.1.‏ 

(95) Chomsky. 

(96) EWS to de Man, Jan 7, 1968, EWSP, 30:3:1.1. 

(97) PD, xv. 

(98) Ibid., xvi. 

(99) EWS, “A Palestinian Voice,” Columbia Forum 12, no. 4 (Winter 1969): 
e 

(100) Lehman to EWS, Feb. 28, 1973, EWSP, 28:9:1.1. 

(101) Stern, D. 

(102) EWSP, 76:18:11.3. 

(103) EWS to Robert Alter, Nov. 2, 1967, EWSP, 28:9:1.1. 

(104) EWSP, 76:18:11.3. 

(105) Ibid. EWS to Quentin Anderson, Nov. 28, 1967, EWSP, 28:9:1.1. 

(106) EWS to Ronit and Jerome Lowenthal, Dec. 15, 1967, EWSP, 28:22:1.1. 

(107) including many of the original notes for Beginnings. See EWSP, 
972:TII.1. 

(108) EWS to Ronit and Jerome Lowenthal, Dec. 15, 1967. 

(109) Chomsky. 

(110) EWS, “Himself Observed,” review of George Steiner: A Reader, 
Nation, March 2, 1985. 

(111) Jerome Lowenthal to EWS, Jan. 7, 1968, EWSP, 28:22:1.1. 

(112) EWS to Levin, June 28, 1965. HL. 


466 


الهوامش 


(113) EWS to Robert Alter, April 2, 1968, EWSP, 28:22:1.1. 

(114) Barbara Epstein, “The Rise and Decline and Possible Revival of 
Socialist Humanism, in For Humanism, ed. David Alderson and 
Robert Spencer (London: Pluto, 2017). 
وهي‎ h0 114†zهن لاحظت الكاتبة أيضا أن غولدمان کان نشطا في منظمة‎ 
منظمة صهيونية اشتراكية تنتقد الرأسمالية بسبب ميلها إلى عزل البشر بعضهم عن بعض.‎ 

(115) Harry Levin, Grounds for Comparison (Cambridge, Mass.: Harvard 
University Press, 1972), 37. 

(116) EWS to Robert Alter, Nov. 2, 1967, EWSP, 28:9:1.1. 

(117) Bell to EWS, Nov. 1, 1966, EWSP, 110:18:III.3. 

(118) EWS, “Swift as Intellectual,” in WTC, 72. 

«جاء الحقل ليمثل أجواء النادي» ص (73). 

(119) EWS to Trilling, Jan. 1973, EWSP. 5:4:1.1. 

(120) EWS to Maud Wilcox, Dec. 11, 1980, EWSP, 5:22:1.1. 

(121) EWS. “Swift's Tory Anarchy,” Eighteenth Century Studies 3, np. 1 (Fall 
1969): 48. 

(122) R. P. Blackmur, A Primer of Ignorance, ed. Joseph Frank (1940; New 
York: Harcourt, Brace & World, 1967. 

(123) EWS, “Notes on the Characterization of a Literary Text, MLN 86, no. 
6 (Dec. 1970): 768. 

(124) EWS, “Swift as Intellectual,” 74. 

(125) Ibid. 54. 

(126) EWS to George Mayhew, Feb. 3, 1968, EWSP, 30:3:1.1. 

(127) EWS, “Swift's Tory Anarchy; in WTC, 57. 

(128) EWS, “Swift in History,” EWSP, 119:16:III.3. 

(129) EWS to Angus Fletcher, Nov. 28, 1968, EWSP, 28:9:1.1. 

(130) EWSP, 76:18:11.3. 

(131) EWS to Israel Shahak, Dec. 14, 1977, EWSP, 30:13:1.1. 

(132) EWS to “Robert,” April 2, 1968, EWSP, 28:22:1.1. 

(133) Blythe. 


الفصل الخامس 
EWSP, 77:32:11.4.‏ )1( 
وهي غير مؤرخة» لكن هكن التقدير بأن التاريخ بين العامين 1957 و1962. في أوائل 
الستينياتء قدم هذه القصيدة وقصائد أخرى إJ‏ مجlة «The Swanee Review‏ 
ومجلة Evergreen Review‏ وإلى مجلات أدبية أخرى. 
Lorette to EWS, Oct. 20, 1972, EWSP, 5:2:1.1.‏ )2( 
Guttenplan.‏ )3( 
Rosenthal.‏ )4( 
Mintz.‏ )5( 


467 


إدورد سعيد 


468 


(6) Levin to Hatfield, April 30, 1968: HL. 
(7) Leibowitz to EWS, May 5, 1968, EWSP, 28:22:1.1. 
(8) Stern, M. 
(9) PPC, 209. 
(10) Michael Stern, “Professors show little enthusiasm for Election Strike”, 
Columbia Daily Spectator, Nov. 4, 1968. 
(11) Friedman. 
(12) Eqbal Ahmad to BBC Television, Dec. 7, 1992, EWSP, 29:14:1.1. 
(13) Yelin. 
(14) Michael Stern, Radicals Interrupt Nearly 40 Classes in NROTC Drive”, 
Columbia Daily Spectator, Feb. 27, 1969. 
(15) Friedman. 
(16) Stern, M. 
(17) Trilling to EWS, March 3, 1973, EWSP, 5:4:1.1. 
(18) EWS to Trilling, Jan 25, 1973, EWSP, 5:4:1.1. 
(19) Michael Widlanski, “350 Hear Debate on Mideast War at Campus 
Forun?, Columbia Daily Spectator, Oct. 25, 1973. 
(20) Ahmad Besharah, “Re-Focusing on the Middle East’, Columbia Daily 
Spectator, April 16, 1970. 
(21) Mintz. 
(22) Delaney. 
وهناك توضيح مموقفه من العنف هكن العثور عليه في:‎ 
«Chomsky and the Question of Palestine: (1975), in PD, 333» «Identity, 
Negation, and Violence: (1988), in PD, 346,» 
وقد كتب في أثناء الانتفاضة الأولى.‎ 
(23) EWS, “Traveling with Conrad”, interview with Peter Mallios, Feb. 28, 
2003m EWSBP, 80:41:11.5. 
(24) Bergson, A.; Farer; Delaney. 
(25) Najla Said, Looking for Palestine (New York: Riverhead Books, 2013), 
10. 
(26) EWS, “Palestine, Then and Now: An Exile’s Journey through Israel and 
the Occupied Territories”, Harpers Magazine, Dec. 1992, 47. 
(27) EWS to “Dash”, Nov. 29, 1972, EWSP, 5:3:1.1; EWS the Tom Farer, April 
6, 173, EWSB 5:6:1.1. 
(28) EWS the Farer, April 6, 1973. 
(29) EWS to Dickstein, Jan. 27, 1973, EWSP, 5:4:1.1. 
(30) EWS to Monroe Engel, Nov. 29, 1972, EWSP, 5:3:1.1. 
(31) PD, 5. 
(32) Mariam Said, introduction to A World I Loved: The Story of an Arab 
Woman, by Wadad Makdisi Cortas (New York: Nation Books, 2009), xxx. 


الهوامش 


(33) PD, 271.3 

(34) Said Makdisi. 
كانت بيروت «عاصمة الممنفيين» في العام العربي. لكن ذلك الدور توقّف بعد الغزو‎ )35( 
الإسرائيلي في العام 1982. هذا ما يقوله سعيد في فلم «اممنفيّون: إذوزد سعيد» من‎ 

.(Christopher Sykes (BBC2, 1986 إخراج کرستقر اک‎ 

(36) EWS to Chomsky, Nov. 7, 1973, EWSP, 5:3:1.1. 

(37) EWS to Sami Al-Banna, Feb.7, 1973, EWSP, 5:5:1.1. 

(38) EWS, “Michel Foucault as an Intellectual Imagination”, boundary 2 1, 
no. 1 (Fall 1972): 1 - 36. 

(39) EWS, “My Guru”, London Review of Books, Dec. 13, 2001, 20. 

(40) PPC, 208; EWS, “Palestine, Then and Now”, 54. 

(41) Shafiq Al-Hout, My Life in the PLO (London: Pluto Press, 2011, 107. 

(42) EWS to Sami Al-Banna, Feb. 7, 1973. 

(43) B, 34. 

(44) EWS, “Molestation and Authority in narrative Fiction,” in Aspects of 
Narrative: Selected Papers from the English Institute, ed. J. Hillis Miller 
(New York: Columbia University Press, 1971), 47 - 68. 

(45) Miller; see also the correspondence between Said and Ilan Watt for 
evidence of his rise to prominence in Conrad circles (IW). 

(46) EWS to Carol Malmi, March 6, 1978, EWSP, 30:6:1.1. 

(47) EWS to Michael Rosenthal, March 10, 1973, EWSP, 5:5:1.1. 

(48) EWS to “Erwin”, March 20, 1973, EWSP, 5:5:1.1. 

(49) EWS to Engel, Nov. 29, 1972, EWSP, 5:3:1.1. 

(50) EWS to “Dash,” Nov. 29, 1972, EWSP, 5:3:1.1. 

(51) Said, N. 

(52) EWS to Monroe Engel, June 28, 1973, EWSP, 5:6:1.1. 

(53) Davis. 

(54) EWS to Ferial Ghazoul, Jan. 6, 1973, EWSP, 5:4:1.1. 

(55) Said, M. 

(56) Abdallah Laroui, the Crisis of the Arab Intellectual (1974; Berkeley: 
University of California Press, 1976), 3. 

(57) Ibid. 5. 

(58) Ibid., 6. 

(59) EWS to Farer, April 6, 1873. 

(60) EWS, “Living in Arabic”, Al-Ahram, 12 - 18 Feb. 2004. 

(61) EWS to Richard Macksey, Jan. 2, 1973, EWSP, 5:5:1.1. 

(62) Ibid. 

(63) EWS, “Living in Arabic.» 

(64) EWS to Rosenthal, March 10, 1973. 

(65) EWS to Richard Macksey, Feb 7, 1973, EWSP, 5:5:1.1. 


469 


إدورد سعيد 
EWS to Farer, April 6, 1973.‏ )66( 
(67) جین بودین (1576) [e4 8٥ d1¬‏ وجین بابتıسٽ‏ îڌlردjı Jean Baptistery‏ 
harin )1680(‏ استفادا من تأريخ [ابن] خلدون وأكسبها شعبية في فرنسا. ذكر 
فیکو عمل بودين في مجلة »ذ| gi‏ ينس« The New Science‏ 
RE, 564; EPP, 244; EWSP, 71:8:11.2.‏ )68( 
WTC, 36.‏ )69( 
Ibn Khaldun, Muqaddimah: An Introduction to History, Trans Franz‏ )70( 
Rosenthal (1377; Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1967), 756.‏ 
The Quran, trans. Tarif Khalidi (New York: Penguin Classics, 2009),‏ )71( 
sura 55:‏ 
(الرحمن )١(‏ علم القرآن (2) خلق الإنسان (۳) علّمه البيان ))٤(‏ [سورة الرحمن] 
EWSP, 77:19:IL.4.‏ )72( 
Al-Hout.‏ )73( 
EWS, “Speaking and Language,” New York Times Book Review, Feb.‏ )74( 
21 ,1972 ,240 
EWSP, 97:23:11.1 and 104:8:III.‏ )75( 
EWS, “Linguistics and the archeology of Mind”, International‏ )76( 
Philosophical Quarterly 11, no. 1 (March 1971): 10434-.‏ 
لقد كان على رأس عمله على هذه المقالة منذ العام 1968 على الأقل» وهو يكتب 
للناشرين لإبقاء نسخ من كتاب «نظرية النحو» ×ھ۸ر؟ ٤ه‏ رام11 لجومسكي 
وکتاب «خطاب روما: الردود وlلتدخllٽ« Discours de Rome: Réponses aux‏ 
)[nterventions )1953‏ للاکان قید التحضر. 
Chomsky to the author, Feb. 13, 2016.‏ )77( 
(78) لفهم الاهتمام الذي درس به سعيد مجالات تقنية من لسانيات جومسكي» انظر 
تدویناته علی: 
Cartesian Linguistics, EWSP, 97:3:II1.1.‏ 
EWS to Chomsky, March 13 and April 15, 1972, EWSP, 28:12:1.1.‏ )79( 
EWS to Chomsky, April 15, 1972.‏ )80( 
EWS to Chomsky, March 13, 1972.‏ )81( 
EWS to Chomsky, March 4, 1972, EWSP. 28:12:1.1.‏ )82( 
Ibid.‏ )83( 
انتقد سعيد جومسكي على استخدامه مصادر إسرائيلية بدلا من المصادر العربية في 
معظم الأحيان. 
EWS, “Al-tamanu’ WA al-tajanub WA al-taaruf”, Mawaqif (March‏ )84( 
.)1972 
كتب سعيد هذه القطعة أصلا بالإنكليزية تحت العنوان: 
Witholding, Avoidance, and Recognition. EWSP, 72:14:11.2.‏ 
EWS to Sami Al-Banna, July 31, 1972. EWSP, 30:4:1.1.‏ )85( 
Najm to EWS, Dec. 13, 1971, EWSP, 72:14:11.2.‏ )86( 
EWS, “Notes on the Arab Intellectuals at Home and abroad,” undated‏ )87( 


470 


الهوامش 


lecture to the association of Arab-American University Graduates 
(AAUG) ca. 1977, EWSP, 77:2:IL3. 

(88) Adonis to EWS, Oct. 25, 1971, EWSP, 72:14:11.2. 

(89) Sadik Al-Azm, Self-Criticism after the Defeat, Trans, George Stergios 
(1968; Beirut: Saqi, 2011), 165. 

(90) EWS, “Witholding, Avoidance, and Recognition”, 2. 

(91) EWS to Sami Al-Banna, July 31, 1972. 

(92) EWS, “Withholding, Avoidance, and Recognition,” 23 - 24. 

(93) Ibid, 2. 

(94) Ibid., 7-9. 

(95) EWS, “Arabs and Jews, Journal of Palestine Studies 3, no. 2 (Winter 
1974). 

(96) EWS to Amr Armenazi, May 30, 1973, EWSP, 5:6:1.1. 

(97) EWS to George Kardouche, July 5, 1973, EWSP, 5:6:1.1. 

(98) EWS to Armenazi, May 30, 1973. 

(99) Ibrahim Abu-Lughud, Resistance, Exile, and Return: Conversations 
with Hisham Ahmed-Fararjeh (Birzeit: Ibrahim Abu-Lughud Institute 
of International Studies at Birzeit University, 2003), 72. 
بيان نويهض الحوت ذاتّها ناشطة بارزة. وقد كتبت سردا تاريخيا ما قبل تأسيس منظمة‎ 
التحرير الفلسطينية في أطروحة عنوانها «القيادات واممؤسسات السياسية في فلسطين‎ 

7 - 1948 نشر بالعربية في العام 1981. 

(100) Al-Hout, My Life in the PLO, 121. 

(101) Mariam Said to the author, Oct. 31, 2017. 

(102) Chomsky. 

(103) Hovsepian. 

(104) Al-Hout, My Life in the PLO, 58. 

(105) Al-Hout. 

(106) Said, G. 

(107) Alexander Cockburn, “The Failure of the PLO Leadership”, Nation, 
March 12, 1988, 330. 

(108) PD. 101. 

(109) EWS, “Solidly Behind Arafat’, New York: Times, Nov. 15, 1983. 

(110) EWS, “Meeting with the Old Mar”, Interview, Dec. 12, 1988, 112 - 15, 
194. 

(111) IES, 42. 

(112) EWS, “Rhetorical Questions”, New Statesman, May 8, 1978. 

(113) RE, 231. 

(114) EWSP, 111:32:IL.2.; cf. WTC, 40. 

(115) ESR, 423. For a case in point, see “Interpreting the Algiers PNC” (EWSP, 
70:2:11.2.), published as “Palestine Agenda”, Nation, Dec. 12, 1988. 


471 


إدورد سعيد 


(116) EWS to Middle East, April 22, 1979, EWSP, 30:4:1.1. 
(117) EWS to Halliday, June 8, 1979, EWSP, 5:11:1.1. 
(118) PD. 226. 

(119) Najla Said, Looking for Palestine, 32. 

(120) Al-Azm. 

(121) EWS to Robert Alter, Aug. 13, 1979, EWSP. 30:4:1.1. 


الفصل السادس 

(1) Keats to Benjamin Robert Haydon, May 10 - 11, 1817, in Letters of 
John Keats to His Family and Friends, ed. Sidney Colvin (London: 
Macmillan, 1925), 14 - 17. 

(2) FBI, Feb. 28, 1983. 

(3) على سبیل اممثال: 

EWS, “Intellectuals and the Crisis”, EPP, 119. 

(4) EWS, “Identity, Negation, and Violence”, in PD, 341 - 59. 

(5) Wypijewski. 

(6) انظر على سبیل اطمثال: 

EWS to “Emile”, Feb. 7, 1975 (EWSP 30:8:1.1.).‏ 
عن تأسيس مؤسسة عربية أو معهد للدراسات العربية مح سليمان العليانء أو رسالته 
إلى جيمس كارتر ١6ا2٤‏ ءeصه[‏ اممبجْل المؤرخة ب 16 سبتمبر 1992 حول طلب 
المساعدة بشأن حصول فلسطين على اعتراف الجهات المعنية بحقوق الإنسان ٤W588((‏ 

.(17:6:1.1 

(7) Christopher Hitchens, Hitch-22: A Memoir (New York: Twelve, 2010), 
386. 

(8) EWS to Salim Tamari, Feb. 21, 1972, EWSP, 5:1:1.1. 

بيرزيت» الواقعة في ضواحي رام الله» أصبحت جامعة في العام 1975. 

(9) Foxworthy to EWS, March 18, 1976, EWSP, 29:24:1.1. 

(10) Elaine Hagopian, Ibrahim and Edward”, Arab Studies Quarterly 26, no. 
4 (Fall 2004) 3 - 22; 
وكتب إدورد سعيد رسالة إلى السفير الكويتي مؤرخة ب 19 نوفمبر 1973 لغرض تأسيس‎ 

كرسي عر في جامعة کولومبيا. 

(11) Fouad Moughrabi, “Remembering the AAUG”, Arab Studies Quarterly 
29, no0.34- (Summer-Fall 2007): 97 - 103. 

(12) EWS to Abourezq, Feb. 12, 1980, EWSP, 5:16:1.1. 

(13) EWS, interview by W. J. T. Mitchell, in Edward Said and the Work of 
the Critic: Speaking Truth to Power, ed. Paul A. Bovê (Durham, N.C.: 
Duke University Press, 2000), 45. 

(14) «Prepared Statement of Edward W. Said”, with Abu-Lughud, “Questions 
and Discussion”, U.S. Congress, House, Special Subcommittee on 


Investigations of the Committee on International Relations, The 


472 


الهوامش 


Palestinian Issue in Middle East Peace Efforts, Hearings, 94th Cong, 
Ist sess., Sept.30, 1975 (Washington, D.C.: U.S. Government Printing 
Office, 1976), 28 - 31, 31 - 36. 36 - 62. 

(15) EWS, “Contemporary American Society and the Palestine Question”, 
July 19, 1979, EWSP, 83:111.1. 
(مساعدة وزير الخارجية لحقوق الإنسان والشؤون‎ EWS t0 Patricia M. Derian (16) 

.Sept. 12, 1980, EWSP, 5:20:1.1 الإنسانية(«‎ 

(17) Elaine Hagopian, “Revisiting Injustice: On Utopian Activism”, Arab 
Studies Quarterly 29, np. 34- (Summer/Fall 2007): 57 - 73. 

(18) Al-Banna. 

(19) Hagopian, “Tbrahim and Edward.» 

(20) Hovsepian. 

(21) Farer. 

(22) FBI; David Price, “How the FBI Spied on Edward Said”, CounterPunch, 
Jan. 13, 2006. 

(23) FBI. 

(24) Price, “How the FBI Spied on Edward Said.» 

(25) PPC, 171:: PD. 30, 

(26) Shafiq Al-Hout, My Life in the PLO (London: Pluto Press, 2011), 9, 78. 

(27) Al-Banna. 

(28) Jim Schachter, “Said Says He Would Not Take Offer to Be the Palestine 
Rep”, Columbia Daily Spectator, Nov. 16, 1977. 

(29) David Margules and Megan Gallagher, “Press Service Calls Said Sadat's 
Pick”, Columbia Daily Spectator, Nov 16, 1977. 

(30) PD, xxii. 

(31) EWS to “Erwin”, March 20, 1973. EWSP. 5:5:1.1.; PPC, 271. 

(32) B, 373. 

(33) EWS to Monroe Engel, Nov. 29, 1972, EWSP, 5:3:1.1. 

(34) EWS, “Between Worlds”, in RE, 565 

(35) RE, 519. 

(36) Barbara Harlow, conversation with author, ca. 1998. 

(37) RE, 322. 

(38) Ibid., 48 - 49. 

(39) Ibid., 56 - 57. 

(40) EWS to David Grossvogel (Diacritics editor), July 10, 1973. EWSP, 
5:6:1. 

(41) Klein to EWS, n.d., EWSP, 109:1:11.1. 

(42) Engel to EWS, n.d., EWSP, 28:22:1.1. 

(43) Weiseltier. 

(44) Tanner to EWS, July 7, 1976, EWSP, 29:25:1.1. 


473 


إدورد سعيد 


(45) EWS, “Interview”, Diacritics 6, no. 3 (Fall 1976): 30 - 47. 

(46) EWSP, 40:23:11.1. 

(47) See Mohmad Shaheen, ed., Edward Said: Riwayah lilajyal [Edward 
Said: A story for the future] (Beirut: Arab Institute for Research and 
Publication, 2004). 

See EWS to Ellen Graham, June 2, 1976, EWSP, 29:25:1.1.‏ )48( 
ظهرت منظوراته المتطورة بلا بعد البنيوية ببساطة في هذا التقرير الإيجابي عموما 
للقراء فی تاب جفري هارتان 12۲۳2٥‏ of]reyمG‏ «النقد فی Criticism in «ıl‏ 
Wiens‏ حيث تذمّر من أن هارتمان يعرض في بعض الأحيان «جانبا من دريدا 

وجدته هو الأقل إقناعا؛ هو رواسب التغريض والتباهي الهوسرليين». 

(49) HDC, 11 - 12, 51. 

(50) EWSP, 97:1:IIL.1. 

(51) EWS, “The Return to Philology” (talk delivered at the American 
University of Cairo, Dec, 1994), EWSP, 75:1:11.3. 

(52) ESR, 436. 

(53) B, 378. 

(54) Ibid., 316. 

(55) EWS, “Witholding, Avoidance, and Recognition”, 22, EWSP, 72:14:11.2. 

EWSP, 77:32:11.4.‏ )56( 
هذه الملحوظة جزءٌ صغير مدفون ضمن مسوداته لإنتاجه القصصي والشعري» وهي غير 

مؤرخة» وهكن تقدير تاريخها بأوليات الستينيات. 

(57) EWS, “Witholding, Avoidance, and Recognition”, 23 

(58) Max Harold Fisch, introduction to The Autobiography of Giambattista 
Vico, Trans Max Harold Fisch and Thoas Goddard Bergin (Ithaca, New 
York: Cornell University Press, 1944), xxi. 


(59) أحد المنظمین کان جیورجیو تاغلیاکوزو 220٥٥ه:اعه۲'‏ هع۲ه‌G»‏ وکان ضمن المحیط 


474 


الاجتماعي لسعيد في نيويورك» وقد عمل محاضرا في تاريخ الأفكار في الجامعة الجديدة 
1h New Schoo!‏ بنيويورك بین العامین 1946 و1961. وانضم إJ Donald Phillip‏ 
Verene‏ لیوسس معھد فیکو teںا‏ یہ ۷1c٥‏ فی العام 1974. وکلتاھما حافظت علی 
انسجامها مح سخيد. 

(EWSP, 29:21:1.1., 29:22:1.1. 29:24:1.1). 

(60) John Simon to EWS, July 30, 1980, EWSP, 5:16:1.1. 

(61) EWS, “Michel Foucault (19271984-)”, Raritan 4, no. 2 (1984):188. 

(62) EWS, “An Ethics of Language: The Archaeology of Knowledge and 
the Discourse of Language by Michel Foucault’, Diacritics 4, no. 2 
(Summer 1974): 31. 

(63) Ibid., 28. 

(64) Yelin. 

(65) EWS. “Ethics of Language”, 28. 

(66) EWS, “Michel Foucault as an Intellectual Imagination”, boundary 2 1, 


الهوامش 


no 1 (Fall 1972), 2. 

(67) EWS to Cixous, Jan. 15, 1973, EWSP, 5:4:1.1. 

(68) Foucault to EWS, n.d. (ca. Dec 1972), EWSP, 5:3:1.1 (Trans Emilie Pons 
and the author). 

(69) EWS to Foucault (-in French), Jan. 15, 1973, EWSP, 5:4:1.1. (My 
translation). 

(70) في العام 1979 فهم سعيد أن فوكو داعم لإسرائيل. 

EWS, “Diary: My Encounter with Sartre”, London Review of Books, June 
1, 2000. 

(71) EWS, “Foucault as an Intellectual Imagination”, 5. 

(72) Ibid, 25. 

(73) Ibid., 2. 

(74) EWS. “Michel Foucault (1927 - 1984 )”, 192. 

(75) Ibid., 194. In “An Ethics of Language”, Said identifies Foucault's 
suppressed sources as Michael Polanyi, Thomas Kuhn, and Georges 
Canguilhem. 

(76) B, 334, 337. 

(77) EWS to Louise Adler, Sept. 16, 1981, EWSP. 5:5:1.1. 

(78) EWS, recommendation for James Merod, Oct. 25, 1981. EWSP, 5:6:1.1. 

(79) Gabriel Kolko, Main Currents in Modern American History (New 
York: Harper & Row, 1976), vii-viii. 

(80) EWSP, 31:3:1.2. EWS to Raskin, March 25, 1983, EWSP, 6:21:1.1. 

(81) Jonah Raskin, the Mythology of Imperialism: A Revolutionary Critique 
of British Literature and Society in the Modern Age (New York: 
Monthly Review Press, 1972), 3 - 4, 11 - 12. 

(82) Columbia Daily Spectator, Nov. 22, 1977. 

(83) Levin to EWS, July 29 [incorrectly marked June 29], 1976, HL. 

(84) EWS to Levin, Aug. 2, 1976, HL. 


الفصل السابع 
(1) من كتاب للأغاني تستعمله القوات الجوية الأمريكية أرسله كيث بيوكانن 1ء۸ 
Buchanan‏ وزوجتە آن ۴٣ہ‏ إلى سعید فی 12 سبتمبر 1987› 10:9:1.1 .EW S8,‏ 
(2) طريف الخالدي. 
GJ O;5;‏ 
WTC, 282, 250‏ )4( 
O, 22.‏ )5( 
Ibid., 20.‏ )6( 
Daniel Martin Varisco, Reading Orientalism: Said and the Unsaid‏ )7( 
(Seattle: University of Washington Press, 2007; Ibn Warraq, Defending‏ 
the West: A Critique of Edward Said’'s “Orientalism” (Amherst, N.Y.:‏ 


475 


إدورد سعيد 


Prometheus Books, 2007); Robert Irwin, For Lust of Knowing: The 
Orientalists and Their Enemies (London: Penguin, 2006). 

(8) من سعيد إلى الآنسة توي غوردن» في 22 مارس 1978 111:2:11.1 .EW۷8۴,‏ 

(9) من سعید إلى لٹن» 26 ناير و7 فبراير 1978 11 

(10) مریم سعید. کان من رأي چومسي أن الترتيب معقول: «تحدّثنا عن هذه الأمور كلها». 

(11) من چومسک إلى سعید ف 7 أغسطس 1976 29:25:1.1 .۴EW۷8۶,‏ 

(12) للاطلاع على بعض مسودات كتاب الاستشراق انظر: 

EWSP, 47:19:I1/1 and 47:20:11.1 

(13) لیس قييتنام وحدها. فقد ظهر الكتاب قبل سنة واحدة فقط من الثورات الاشتراكية في 
کل من نیکاراغوا وال سلفادوں وغرانادا والفلبین. 

(14) من سعيد إلى شاحاك» ف 7 يناير 1978 116:33:11.4 ,$8 .EW‏ 

(15) من سعید إلى فریال هوپکنزء 19 أبریل 1976ء 29:24:1.1 ,EW5۴.؛‏ شرح عن مشروع 
البحث المقذّم مركز الدراسات الممتقدّمة في العلوم السلوكية (1976-1975)» ,۲۴€ 
168. و 

(16) من سعید إلى روجر اون في 19 يولیو 1976 29:25:1.1 .£W8۴,‏ 

(17) البنا. 

(18) من توم فیرر إلى سعید فی 14 یونیو 1976 29:25:1.1 .EW8۴,‏ 

.€01e کول‎ )19( 

(20) ألپرز. 

(21) کول. 

(22) ألپرز. 

(23) من چومسکي إلى سعید الفیلولوجيا 28 يولیو 1976› 29:25:1.1 E۷8۴,‏ . 

(24) O, 307. 

(25) Seymour M. Hersh, “The Grey Zone: How a Secret Pentagon Program 
Came to Abu Ghraib”, New Yorker, May 24, 2004. 

(26) M. Cherif Bassiouni, “Ihe AAUG: Reflections on a Lost Opportunity”, 
Arab Studies Quarterly 29, no. 34- (Summer/Fall 2007): 29 - 30. 

(27) EWS, “Diary: My Encounter with Sartre” London Review of Books, 
June 1, 2000, 42. 

(28) Nasser Aruri, ed., Middle East Crucible: Studies in the Arab-Israeli War 
of October 1973 (AAUG Monograph Series, 1975) 14 / 6 / 1976, 

من عبدالملك إلى إِذورد سعید 29:25:1.1 .٤ W۷8۶,‏ 

(29) جاب عبدامملك إجابة معقولة بقوله إن كتابات سعيد ذات العلاقة م تكن ذات وجود 
ملموس قبل 1971-1970. انظر رسالة عبد امملك إلى سعید ف 9 یولیو 1976 W۷88,‏ غ 
292511 

(30) من سعید إلى عبدام ملك في 14 يوليو 1976› 29:25:1.1 ,$8 .EW‏ 

(31) هذه تهمة وجهها من بین آخرین جیمز كلفرد: 
James Clifford” On Orientalism,” i the Predicament of Culture:‏ 
Twentieth-Century Ethnography, Literature, and Art (Cambridge,‏ 

Mass.: Harvard University Press, 1988. 


476 


الهوامش 
وانظر سعید: 


Columbia Forum 12, no. 4 (Winter 1969), 2431- “A Palestinian Voice». 
The New York Times من مل‎ )Locke( ,۶2؛ ورسالة من سعيد إلى السيد لُك‎ 15 )32( 
.EWSP, 5:4:1.1 بتاریخ 22 نوفمير 1972ء‎ Book Review 

(33) Burns. 

)34( £EWS8, 71:8:11.2 سعید: تمهید لكتاب‎ 
Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three Thousand Years, 
by Israel Shahak (1994, London: Pluto Press, 1997); EWSP: 70:16:11/2. 

(35) PD, 391. 

(36) Nancy Elizabeth Gallagher, “Interview with Albert Hourani”, in 
Approaches to the History of the Middle East: Interviews with Leading 
Middle East Historians (Berkshire, UK: Ithaca Press, 1996); PD, 391. 

كان هيكل رئيس صحيفة «الأهرام» اليومية. 
Abdullah Laroui, Language crise des intellectuels arabes: Traditionalisme‏ 
ou historicisme? (Paris: Maspero, 1974), 2, 5.‏ 

(37) Basim Musallam, “Power and Knowledge”, MERIP Reports 79 (June 
1979), 20. 
مما یلفت النظر أن جِسّپ 0pءء٥[ کان جد إدورد پا مر توميسن [اممؤرخ الاشتراي‎ )38( 

البريطاني وداعية السلام]. 
Gallagher, “Interview with Albert Hourani”, 39.‏ )39( 
EWS, “Unfinished Intellectual Work”, EWSP, 71:1:11.1.‏ )40( 
(41) من سعید إلى زریق في 18 فبرایر 1974 30:5:1.1 ,88 .EW‏ 

(42) EWS, The Special Relationship Between Thoughts and the Intellectual, 
trans. from the Arabic by Joseph Farag, Al-Majallah, Jan, 30k 1880, 
24-25. 

(43) من سعید إلى توم فیررء 13 فبرایر 1976ء 30:23:1/1 .EW $P.‏ 

(44) Emanual Hamon, dir.., Selves and Others: A Portrait of Edward Said 
(2004). 

(45) O, 6. 

(46) ESR, 436; O, 14. 

(47) Roger Scruton, Thinkers of the New Left (London: Longman, 1985). 

تظهر صورة سعيد على غلاف الطبعة الأمريكية إلى جانب صور لاكان» وسارترء وفوكو. 
وآخرین. 
(48) سعيد. نعي رمد وليّمْز (مسرّدة)» 67:1:11.2 .E۷8۶‏ 
Yelin.‏ )49( 
(50) حديث مع المؤلف» خريف 1982ء في نيويورك. 

(51) EWS, “Raymond Williams,” Nation, March 5, 1988. PD, 93; Raymond 
Williams and Edward W. Said, “Media, Margins, and Modernity, in 
Raymond Williams, the Politics of Modernism: Against the New 
Conformists (London: Verso, 1989), 178. 


477 


إدورد سعيد 


(52) Raymond Williams, the Country and the City (Oxford U.K.: Oxford 
University Press, 1973, 289. 

(53) Ibid., 302. 

(54) Ibid., 279. 

(55) Ibid., 270 - 81. 

(56) B, 353 - 54. 

67 ظلب سيك ممن :خضروا سلسلة مخاضراته المسماة مخاضراث غاوس نوي 
uesاec)‏ أن يقرأوا مقالة فوكو بعنوان «أسئلة عن الجغرافيا» التي ظهرت في 
.WTC, 220 ‘Herodote (1976)‏ 

(58) من سعید إلى فریال غزول 28 فبرایر 1978ء 30:7:1.1 ..E۷۷8۴.‏ كانت ام محاضرة التي 
ألقيت باللغة الفرنسية غير معنونة: 116:33:11.4 .٤ W58۴,‏ 
EWS, “Arabs, Islam, and the Dogmas of the West”, New York Times‏ )59( 

Book Review, Oct. 31, 1976; see EWSP, 90:8:I1.2. 

(60) من سعيد إلى الدكتورة ميري إلن لندستاین Mary Ellen Lundstein‏ ف 21 نوفمبر 
W۶ 5:9:11 18‏ ورسالة من وسُت إلى سعيد بلا تاريخ (تقريبا العام 1978)» 
.EWSP, 5:9:1.1‏ 

(61) Said, G. 

(62) Said Makdisi. 

(63) Kairallah (Khairallah .)ڍتقصد‎ 
(64) Al-Azm. 

(65) من سعید إلى العظم 30:15:1.1 .EW8۶,‏ 

(66) ظهرت ترجمتان أخريان باللغة العربية لكتاب «الاستشراق». وهنالك ترجمات جيّدة 
لكتب ومقالات آخری لسعید قام بها من بین آخرین فواز طرابلسي» ومحمد شاهينء 
وصبحي الحديدي. وتعدٌ ترجمة طرابلسي لکتاب 1۵ ٤ه‏ ا0 [بعنوان «خارج 
المكان»] أوسع كتب سعيد قراءة في العام العري. 

(67) العظم. 

(68) ابو دیب. 

(69) Varisco, Reading Orientalism, 23. 
(70) Ibid. Warraq, Defending the West, 19; Irwin, For Lust of Knowing, 183. 
(71) Irwin, For Lust of Knowing, 197. 
(72) Ibid., 296. 
.)1985 مهدي عامل: هل القلب للشرق والعقل للغرب (بيروت: دار الفارايء‎ )73( 
(74) Mintz. 
(75) Jacques Berque, “Au dela de Iorientalisme”, Qantara: Le Magazine de 
TInstitut de Monde Arabe 13 (Oct/Dec. 1994). 
(76) Warner. 
,EW $P, 6:11:11.1 1982 من سعيد إلى كلية وستمنستر 24 مايو‎ )77( 
.EW 8P 29:11:1.1 1993 من شاحاك إلى سعید فی 5 سبتمبر‎ )78( 
(79) PD, 307. 
نشرت الممناقشات في:‎ )80( 


478 


الهوامش 


Journal of Palestine Studies, 16, no. 2 (Winter 1987): 85 - 104. 

.(يقصد طهااهإنهطK‏ وقد وردت التهجئة الصحيحة ف ص204 من lklتڻ( Kairallah‏ )81( 

(82) Wieseltier. 
في جامعة‎ ۴. 5. va" ×هد¡ہچی۷e1d ف 4 فبرایر 1982 کتب سعید للدکتور کوننغزقلد‎ )83( 
ليدن يعبر فيها عن سروره لرؤية فكرته بخصوص جاسوسية سنوك هرخرونيه وقد‎ 

(84) O, 95. 

(85) EWS, “Interview,” Diacritics 6, no.5 (Autumn 1976) knowledge 45. 

(86) EWS, “The Problem of Textuality: Two Exemplary Positions”, Critical 
Inquiry 4, no. 4 (Summer 1978): 673. 

(87) WTC, 183. 

(88) Quoted by Wood, Mitchell. 

(89) EWS, “An Exchange on Deconstruction,” boundary 28, no. 1 (Fall 
1979): 71. 

(90) Burns. 

(91) O, 52. 

(92) Ibid., 11. 

(93) Ibid., 104. 

(94) Wood. 

(95) O, 8. 

(96) Morris Kramer, “Said’s Splash”, in Ivory Tower on Sand: The Failure of 
Middle Eastern Studies in America (Washington, D.C.P Washington 
Institute for Near East Policy, 2001), 27 - 28. 

(97) Aijaz Ahmed, In Theory: Classes, Nations, Literatures (London: Verso, 
1992), 197. 

(98) David Riesman to EWS, March 19, 1975, EWSP. 19:21:1.1. 

(99) «Edward Said: Bright Star of English Literature and P.L.O”, New York 
Times, Feb. 22, 1980, A2. 

(100) QP, 56 - 57. 

(101) EWS, “Projecting Journalism,” Journal of Palestine Studies (Autumn 
1995): 5 - 14. 

(102) «Alice” to EWS, Jan. 4, 1974, EWSP, 30:5:1.1. 

(103) Mary Ann Lash to EWS, March 15, 1978. 

(104) EWS to William Warner, Sept. 27, 197, EWSP, 5:9:1.1. 

QP, 218.‏ )105( 
(106) من زریق إلى سعید فی 20 فبرایر 1980 53:7:11.1 EW۷5۶؛‏ من سعید إلى رونیت لنتن 

.EWSP. 5:25::1.1 مارس 1981ء‎ 17 ê Ronit Lentin 
کان من بین هؤلاء کل من دایانا ٹرلنغ عهنااذ7 همهن‎ ٥4۲٥1 وفقا مما تقوله کارٌل‎ )107( 
.Quentin Anderson وکونتن أنذزسن‎ John Romano gilegر وجون‎ 
(108) EWSP. 48:16:11.1. 1 


479 


إدورد سعيد 


(109) لکن انظر کلوقس مقصودء 
The Arab Image (Delhi, Ramlochan, 1963), 12.‏ 
)110( دعم خی أيضا «أصوات متعدّدة. (Many Voices, One world, «حlg (le‏ 
N۴5٥0, 1981(‏ وهو تقرير رسمي من أجل «نظام إعلامي عالمي جديد» ترأسه 
شون مكرايد 1ا48 ه8 الحاصل على جائزة نوبل للسلام. كما أن مكبرايد 
قد أشرف على تقریر آخر للیونسکو عنوانه «إسرائیل فی لبنان» Israel in Lebanon‏ 
(1983) استنتج بإجماع الأصوات أن إسرائیل ارتکبت جرائم حرب ف لبنان. فقد وجدت 
اللجنة أن أفعال إسرائيل ترقى إلى جرهة الإبادة الإثنية من ه«طاء. 
(111) من سعيد إلى شاحاك» 7 ينایر 1978» وصف چومسكي نقد سعيد لوسائل الإعلام بأنه 
«قريب من نقدي»؛ چومسکي. 
(112) من سعید إلى أن ج. تومَس 110a‏ .6 ٥4ا۸‏ في 4 نوفمبر 192› 17:2:1.1 .EW$P.‏ 
وکان يحب بوجه خاص کتاب: 
Debray, Teachers, Writers, and Celebrities: The Intellectual of Modern‏ 
France (1981)‏ 
EWSP, 75:21:11.5.‏ )113( 
PD, 65.‏ )114( 
“Palestinian Voice”, 24.‏ )115( 
EWS, “Notes on the Arab Intellectuals at Home and Abroad” (undated‏ )116( 
speech to the AAUG), EWSP, 77:2:11.3.‏ 


الفصل الثامن 
EWS to “Mr. Mann”, July 15, 1975, 5:9:1.1.‏ )1( 
EWS to “Mr. Mann”, July 15, 1975, 5:9:1.1.‏ )2( 
(3) من عبدامملك إلى سعید في 11 ونیو 1978 30:6:1.1 ,$8 .EW‏ 
(4) من سعید إلى البنا في 31 ولیو 1972› 30:6:1.1 ,8 .EW‏ 
Salman Rushdie, Joseph Anton (New York: Random House, 2012), 233-‏ )5( 
34 
Najla Said, Looking for Palestine (New York: Riverhead Books, 2015), 36;‏ )6( 
EWS, “The Acre and the Goat’, New Statesman, May 11, 1979, 68588-.‏ 
Said, Looking for Palestine, 85.‏ )7( 
EWS to Tony Tanner, Aug 4, 1979, EWSP, 30:5:1.1.‏ )8( 
EWS to Ellison Findley, Oct. 1, 1982, EWSP, 6:16:1.1.‏ )9( 
Unsigned letter to EWS, June 27, 1982, EWSP, 6:13:1.1.‏ )10( 
Anonymous to EWS, March 19, 1990, EWSP, 13:18:1.1.‏ )11( 
Deborah Poole to Joy Hayton, Sept. 23, 1985, EWSP. 8:14:1.1.‏ )12( 
Jim Naughton, “The Emerging Voices of the Palestinians”, Washington‏ )13( 
Post, June 7, 1988.‏ 
Poole.‏ )14( 
Cole.‏ )15( 
EWS, “Leaving Palestine”, New York: Review of Books, Sept. 23, 1999.‏ )16( 


480 


الهوامش 


(17) Said Makdisi. 

(18) IES, 1935-; EWS to Middle East, April 2, 1979. 

(19) EWS to To Whom It May Concern, Nov. 20, 1989, EWSP, 13:6:1.1. 

(20) EWS to Musa Mazzawi, Aug, 9, 1983, EWSP, 7:2:1.1. 

(21) Ibid. 

(22) EWS to Kalid [Khalid], el Fahoum and Yasir Arafat, Feb. 16, 1983, 
EWSP, 75:25:11.5. 

(23) RE, 118; WTC, 4, 25; Fred Halliday, The Making of the Second Cold 
War (London: Verso, 1983, a book that Said promoted. See also WTC, 
25; C & I, 27, 284; PD, 54. 

(24) Miller. 

(25) C & L 37. 

(26) Conor Cruise O’Brien, Edward Said, and John Lukacs, “The Intellectual 
in the Post-colonial World: response and Discussion,” Salmagundi, no, 
7071/ (Spring/-Summer 1986): 69; Wood. 

(27) President and Mrs. Reagan to EWS, Dec. 1987, EWSP, 10:15:1.1. 

(28) EWS to Gary EF Waller, Dec. 17, 1981, EWSP, 6:7:1.1. The Shadow of the 
West, written and narrated by EWS, directed by Geoff Dunlop (VATV 
in association with Kufic Films 1982). 

(29) Burns. 

(30) EWS, Commencement Lecture, AUC, June 17, 1999, EWSP, 31:10:1.2. 

(31) PS. 41; David Gerrard, “Said Leads Undergrad Seminar.” Columbia 
Daily Spectator, Jan. 21, 2000. 

(32) Taken from his quotation of Morris Lazerowitzs Studies in 
Metaphilosophy (1964), EWSP, 97:1:111. 

(33) In Michael Waldman’s “Question of Edward Said”, Columbia Daily 
Spectator, March 4, 1982, Said reported that he was “working on a large 
study of the role of the intellectual in the 20th century”. 

(34) EWS to Massimo Bacigalupo, Oct 5, 1979, EWSP, 5:12:1.1: “two books 
of criticism coming out next year” - The World, the Text, and the Critic 
and the book on Gramsci and Lukacs; EWS to Wilcox, Nov. 19, 1979, 
EWSP, 5:14:1.1. 

(35) عرف سعيد قصة برنال من کتاب غاري ویرسکي: 
Visible College: Scientists and Socialists in the 1930s (New York:‏ 
Viking, 1978)‏ 
وهو کتاب قزره سعید في سمناراته في بداية الثمانينيات. 

(36) EWS to Wilcox, Nov. 19, 1979. 

(37) EWS to National Endowments for the Humanities, Oct. 12, 1979, 
EWSP, 5:13:1.1. 

(38) Anderson tp EWS, April 24, 1978, EWSP, 30:6:1.1. In 1977, 


481 


إدورد سعيد 


قرأ سعيد ام مناظرة ا ماركسية الثقافية الخاصة بحقبة ما بين الحربين والتي يعر عليها في 
Aesthetics and Politics, Paul Feyerabend’s Against Method‏ 
نقد للعلم من عالم سابق 
Adorno's MinimaMoralia, and Lucio Collettis Marxism and Hegel.‏ 
EWS to New Left Books, Sept 27, 1977, EWSP, 5:21:1.1.‏ 
(39) من سعید إلى ولککس ف 4 نوفمبر 1980› 5:21:1.1 ,8۶ .EW‏ 
(40) من سعید إلى باچىغالوپو في 5 أكتوبر 1979. 
(41ا من سد ال ولککس في 11 ديسمبر 1980 5:22.1.1 .EWSP,‏ 
(42) من سعيد إلى لبرت سوننفلد 1978/8/23« 5:9:1.1 EWSP,‏ 
(43) من دان آوهارا إلى سعید فی 12 أبریل 1983ء 83:11:111.1 ,8۴ .EW‏ 
(44) میشیل شودکیوفتش إلى سعید في 3 فبرایر 1983› 6:21:1.1 E8۶‏ . 
(45 من سد إلى ولککس في 11 دیسمبر 1980. 
EWS, “The Problem of Textuality: Two Exemplary Positions”, Critical‏ )46( 
Inquiry 4, no.4 (Summer1978):675.‏ 
(47) من سعید إلى کمال أبو دیب» 8 دیسمبر 1977ء29:27:1.1 £٤۷8۴,‏ . 
(48) من سعید إلى مونرو إنغل فی 29 نوفمبر 5:3:1.11972 E۷8۶,‏ . 
(49) جاکلین آوناسس إلى سعید فی 16 آکتوبر 13:3:1.11989 E۷8۴,‏ . 
(50) من سعيد إلى جوتن أراك ف 19 أبريل 29:24:1.11976 E۷8۴,‏ . 
WTC, 191.‏ )51( 
Yelin, Dickstein, Ghazoul.‏ )52( 
(53) من غولد إلى سعید فی 26 أُغسطس 5:7:1.11978 EW8,‏ . 
PPC, 198.‏ )54( 
(55) من سعید إلى هیب لیبووتس في 4 دیسمبر 1967ء28:22:1.1 E۷8۶,‏ . 

(56) PPC, 198; HDC,12, 22, 39, 136. 

(57) RE, 144. 

(58) HDC, 39. 

(59) EWS, “Comparative Literature as Critical Investigation”, 14, EWSP, 
70:16:11.2. 

(60) Ibid. 

(61) RE, 125 - 26. 

(62) O, 141. See also “Renar’s Philological Laboratory”, in Art, Politics, and 
Will: Essays in Honor of Lionel Trilling, ed, Quentin Anderson, Stephen 
Donadio, and Steven Marcus (New York: Basic Books, 1977), 59 - 98. 

(63) O, 140. 

(64) HDC, 71. 

(65) Nom Chomsky, Language and Responsibility (New York: Pantheon, 
1979; 175; 

(66) WTC, 249 - 51; EWS, “An Ethics of Language”, Diacritics 4, no. 2 
(Summer 1974): 32; Donald Phillip Verene, preface to On the Study 
Methods of Our Time, by Giambattista Vico (Ithaca, N.Y.: Cornell 


482 


الهوامش 


University Press, 1990), 7.‏ 
Rosenthsal‏ )67( 
EWS, Seminar Notes for “History of Critical Theories” (1971), EWSP,‏ )68( 
.8:1:111.1 
Ibid.‏ )69( 
EWS, “Beginnings”, Salmagundi 2, no. 4 (Fall 1968):45.‏ )70( 
هنا كان تعامله مع هيغل إيجابيًا أكثر: «إذا أعدنا صياغة كلمات هيغل فإن من الممكن 
القول إن مشكلة البدايات هي بداية اممشكلة»(41). 
(71) علي. 
(72) من سعید إلى ألبرت سوننْفلد فی 27 أکتوبر 5:9:1.11978 EW8‏ . 
(73) من سعید آندرس ستیفانسّن في 23 فبرایر 1976› 29:23:1.1 E۷8۶,‏ 
EWSP, 66:6:IL.2.‏ )74( 
EWS, “On Critical Consciousness: Gramsci and Lukûcs” EWSP,‏ )75( 
RE, 565.‏ ;78:10:11.4 
WTC, 290.‏ )76( 
Ibid., 291.‏ )77( 
EWS, “Beginnings”, 45.‏ )78( 
تثبت مراسلاته مع محرري کتابه (40:23:11.1 )۴W8۶۴,‏ وملاحظاته على کتاب 
)Beginnings EWSP, 65:2:11.1)‏ أن الكتاب كان استجابة مباشرة لکتاب کرمود. 
EWS, “On Critical Consciousness”, 4.‏ )79( 
Ibid, 11.‏ )80( 
(81) ماسیمو باچیغالوپو إلى سعید فی 21 سبتمبر 1979 5:12:1.1 ,8۴ .€EW‏ 
(82) ملاحظة على هامش المقابلة التي أجرتها جين ستاين مع سعيد في 23 أغسطس 1993 
في نيويورك. ٍ 
(83) (مسودة) نعي رهند وليَّمُز الذي کتبه سعید٬67:1:11.2 EW8,‏ . انظر النعي فی 1۲ا1 
Nation‏ بتاریخ 5 ازن 1988. 
(84) انظر أیضا غموض موقفه بشأن ما إِذا کان جيل دولوز محافظا (97:1:111.1 .)٤W8۶,‏ 
Raymond Williams and Edward Said, “Media, Margins, and Modernity,”‏ )85( 
in Raymond Williams, The Politics of Modernism: Against the New‏ 
Conformists (London: EWSP Verso, 1989), 182; WTC, 5; PD, 316;‏ 
WTC, 267.‏ 
EWS, “Conspiracy of Praise”, MERIP Reports 15 (Nov.-Dec. 1985).‏ )86( 
(87) يتضح موقفه من الحقائق المماموسة أكثر ما يتضح ف رسالة إلى برنامج الأمم اممتحدة 
للتطوير بتاريخ 7 مارس 2003 المهم هو كيفية ارتباطها بفرضية من الفرضيات» وكيفية 
ارتباط الحقيقة باطمصلحة (28:6:1.1 ,W8۴ع٤).‏ 
(88) من سعید إلى «دورس» في 8 پونيو 1978ء30:6:1 ۴EW88,‏ . 
(89) من سعید إلى جیمسن في 9 نوفمبر 1977 30:7:1.1 .EW۷8۶‏ 
PPC, 56 - 57.‏ )90( 
Miller.‏ )91( 
(92) من سعید إلى لورنس لپکنغ فی 5 فبرایر 5:2:1.11981 EW8,‏ . 


483 


إدورد سعيد 


PPC, 192:‏ )93( 
«في العام 8... أو حوالیها كان هنالك کم هال من المادة... من القراءات الجديدة 
لفانو والنقد الذي يحط من شأنه في الوقت نفسه. 
شعرتٌ أن تلك القراءة كانت مضللة أو قراءة تخون فانو». كانت مقالة بَا ط814 
التي تصف فانو بأنه شخص يعاني الغموض النفسي وليس من التغيْر الثوري قد ظهرت 
ف مجلة gay) New Formations‏ العام 1987(. 
(94) من سعید إلى ولیم بیرنهارت فی 14 کتوبر 1972 5:2:1.1 .EW8۶,‏ 
EM, 5:26:11 .‏ من لندّزي ووترز إلى سعید ف 2 أبريل 1981 (95) 
(96) لا يشمل ذلك الكتب التي كتبها بالاشتراك مع آخرين والكراسة الممعنونة ب: 
Yeats and Decolonization (Cork: Cork University Press and Field Day‏ 
Pamphlets, 1988).‏ 
RE, 152.‏ )97( 
(98) كانت هنالك ماذج آخرى: المقالة التصويرية التي وضعتها سارة غريهام-براون 
The Palestinians «e4عaتجaو jgıiıطbıJفll» ùli Sarah Graham-Brown‏ 
and heir Society )1980(‏ وكتاب سوزان مايسلاس sھاعMeis Susa¬‏ نیکاراغوا 
«Nicaragua (1981)‏ وكتاب leلك‏ lalEة Le harem jùlgizڊ Malek Alloula‏ 
.colonial (1986)‏ 
Mohr.‏ )99( 
Ibid.‏ )100( 
ALS, 6.‏ )101( 
(102) من دریدا إلى سعید ف 10 ينایر 1987ء8:17:1.1 E۷5۶,‏ (الترجمة لي). 
(103) من کارول کولتر إلى سعید في 24 يونيو 1988 11:12:1.1 ,$8 .£W‏ 
(104) من مونرو إنغل إلى سعید في 5 ینایر 1989ء13:14:1.1 EW8,‏ . 
(105) نعي كتبه سعيد مناسبة وفاة آرثر غولد فی 26 فبرایر 1989 78:5:11.4 .۴£W۷8,‏ 
(106) من مونرو إنغل إلى سعید في 5 نایر 1989 13:14:1.1 ,8W8۴؛‏ 
Willism E. Cain, “Studying American Aristocrats: An Interview with‏ 
Arthur R. Gold”, ALH 2, no. 2 (Summer 1990): 358 - 73.‏ 
“The Shultz Meeting with Edward Said and Ibrahim Abu-Lughud”,‏ )107( 
Journal of Palestinne Studies 17, no. 4 (Summer 1988): 160.‏ 
George Shultz, Turmoil and Triumph: My Years as Secretary of State‏ )108( 
(New York: Scribner’s, 1993): 1029.‏ 
PD, xxviii; Susan Schendel (Schultz’s assistant) to the author, Dec. 12,‏ )109( 
.2015 
EWS. “Palestine Agenda,” Nation, Dec. 12, 1988, 637; PD, 147.‏ )110( 
(111) من سعید إلى مارل کروبر فی 5 مارس 1974 من سعید إلى جوتن کول فی ٤۷۷8۶,‏ 
AOTREL‏ 
EWSBP, 13:24:1.1‏ .1990 / 5 / 7 
Ben Letzler, “Sometimes Wrong, Never in Doubt”, Colunbia Daily‏ )112( 
Spectator, Jan. 28, 2000.‏ 
Stern, D.‏ )113( 


484 


الهوامش 


(114) David. 
(115) Stern, D. 
(116) Yelin 
(117) Wieseltier. 
(118) Burns. 
(119) EWS” An Unresolved Paradox”, MLA Newsletter (Summer 1999): 3. 
(120) Said, N. 
(121) Yerushalmi 
(122) Poole. 
(123) Said, N. 
. EW8, 5:3:1.11973 من سعید إلى إنغل فی 22 نوفمبر‎ )124( 
(125) Ruth Halikman, West Advocates”, Columbia Daily Spectator, Oct. 18, 
1993: 

(126) من سعید الى «جمي» ف 16 ديسمىر 1972ء5:4:1.1 EWSP,‏ . 
Miller.‏ )127( 
Burns.‏ )128( 
Davis.‏ )129( 


الفصل التاسع 
Alain, a.k.a. Emile Auguste Chartier, “Propos sur language religion”‏ )1( 
.)1924( 
يصف سعید في كتابه خارج المكان كيف أنه قرأ ألان في العام 1957 التي قضاها في 
القاهرة (ص258). 
PPC, 205.‏ )2( 
Ibid., 139.‏ )3( 
Poole; Said, N.‏ )4( 
Said, W.‏ )5( 
Levin on Spitzer, 129.‏ )6( 
Guttenplan.‏ )7( 
Wypijewski.‏ )8( 
Carrol; Said, W.‏ )9( 
Said, W.‏ )10( 
EWS, Mount Hermon Commencement Speech, June 2002.‏ )11( 
Said, N.‏ )12( 
Greene.‏ )13( 
Said, N.‏ )14( 
Said Makdisi, J.‏ )15( 
(16) رسالة تلفونية من سعيد إلى جين ستاين بتاريخ 19 نوفمبر 1994. أرسلتها جين ستاين 
إلى املف في 24 فبراير 2017. 


485 


إدورد سعيد 


Ben Sonnenberg, “My Montparnasse”, Raritan 10, no. 4 (Spring 1991).‏ )17( 
(18) م تنقطع علاقته بوسائل الإعلام تماما. فقد دعاه جيمز إ. غرينفيلد لحضور غداء لهيئة 
تحرير مجلة «نيويورك تاهز» بتاريخ 14 مارس 1989 على أمل أن الأحاديث المتبادلة 

ستتمخض عنها مقالة ما (12:8:1.1 .)٤EW88,‏ 
(19) باستثناء الرسائل إلى المحرر. لكن انظر رسالة باربرة إپستاين إلى سعيد في شهر مارس 
9 وفيها تدعوه إلى الكتابة عن الروائي الألباني إسماعيل قاداري 1.1:12:8. 

EH WSF, 1.‏ من سعید إلى سلقرز فی 9 ینایر 1983 (20) 

(21) Wanger. 

(22) Ibid. 

(23) Salman Rushdie, Joseph Anton, 23233-. 

(24) Warner. 

(25) Ibid. 

(26) Ibid. 

(27) Wilmers. 

(28) Ibid. 

(29) Ibid 

(30) Rosenthal. 

(31) Wilmers. 

(32) Ibid. 

(33) Hovsepian. 

(34) EWS, “Who's in Charge?”, Arena Magazine, April 4, 2003, 40; Glass. 

(35) Wypijewski. 

(36) Ibid. 

(37) Ibid. 

(38) Said, M. 

(39) JoAnn, Wypijewski, “Mementos”, sent to the author on Feb. 19, 2016. 

(40) Said, N. 

(41) Margaronis. 

(42) PPC, 76. 

(43) Michael Riffaterre, “A Stylistic Approach to Literary Theory”, New 
Literary History 2, no. 1 (Autumn 1970): 39, 46. 

(44) WTC, 1920-. 

(45) 70:16IL.2. 

(46) WTC, 118. 

(47)EWS to Independent, Aug. 29, 1990, EWSP, 71:6:11.2. 

(48) ملاحظات آرسلها چومسکي إلى سعید فی 20 پوليو 1985ء 8:17:1.1 EW8,‏ . 

(49) Jon Whitman to MLA, Sept. 11, 1998; 70:8:I1.2. 

(50) EWS to MLA, Oct. 8, 1998; 70:8:I1.2. 

(51) EWS to Ha'aretz, August 28, 2000; 71:1:11.2. 

(52) WTC, 28. 


486 


الهوامش 


(53) منهم على سبيل اممثال مهدي عامل» وإعجاز أحمد» ومانفرد سنغ ومريم يونس» وجلبير 
أشقرء وآخرون. كانت محاولة أحمد أفضل هذه التحدّيات ها أبدته من فهم ممنطلقات 
سعيد الأدبية. 

Seamus Deane, “A Late Style of Humanism”, Field Day Review 1‏ )54( 
.198 ,)2005( 
In, for example, The New Republic; RE, 141.‏ )55( 
ظهرت هذه التهمة في مراجعة لكتاب «الاستشراق» كنبها لبون ويسلتيرء أحد طلبة 
سعيد السابقين» ومع أن التهمة أقرب إلى اللغو فإنها استثارته ليرد على ا مجلة في 10 
أبريل 1979: «هذا شيء أقرب إلى تصيّد الشيوعيين على طريقة مكاري وكون [«طه٤]‏ 
لیس أکٹر» (5:15:1.1 .)EW82,‏ 
(56) سعید إلى ردغریف ف 9 آکتوبر 1992 17:5:1.1 .٤EW۷8۶,‏ 
EWS, “A Palestinian Voice”, Columbia Forum 12, no. 4 (Winter 1969):‏ )57( 
:31 

وهنا كانت الفكرة أن الدعم السوقييتي جاء متأخُرا وأقلٌ من اللازم على رغم أهميته. 

(58) EWS, “Palestinian Prospects Now: Edward W. Said Speaks with Mark 
Bruzonsky”, Worldview 22:5 (May 1979), 8. 
(59) “A Palestinian Voice”, 27. 

(60) جری ترتيب جولة یتحدّث فیا سعید في كوبا على سبيل المثال في العام 2000ء ولكن 
الجولة ألغيت بسبب تعارض المواعيد. انظر رسالة معهد الكتاب الكوبي إلى سعيد 
بتاريخ 23 مارس 2000 31:2:11.2 ,EWS8؛‏ 32:49:11.2 EWP,‏ رسالة سعید إلى 
آلکزاندر ج. بیرن بتاریخ 8 فبرایر 2001 31:2:11.2 .8W8۶,‏ 

(61) Christopher Hitchens, Hitch 22 (New York: Twelve, 2010): 386. 
(62) Yelin, Rosenthal, Al-Banna. 

(63) HDC, 21. 

(64) Ibid. 

(65) في رسالة التوصية الحارّة التي كتبها دعما للاقتصادي الاشتراي الأمريكي واطمحرر المشارك 

.)£W88 8:2:1.1( الذي قارنه بسقراط‎ Mad مَغْدُّف‎ gرla‎ Monthly Review J 
(66) ESR, 435 
(67) WTC, 238 - 41. 
(68) WTC, 19-20. 
(69) CI, 50. 
(70) CI. 49, PPC, 335. 
(71) EWS, “The Limits of the Artistic Imagination”, EWSP, 75:21:11.3. 
(72) Mitchell. 
(73) Traboulsi; Wood. 
(74) Al-Azm. 
(75) Chomsky. 

(76) في القسم ا مخصص للسؤال والجواب بعد خطبة التخرج في هافرفورد طرح عليه 

سؤال يقول: «ما الذي يجب إصلاحه ف رايك؟» فاجاب: «الاقتصاد. الاقتصاد» د. 


487 


إدورد سعيد 


(77) Aijaz Ahmed, In Theory: Classes, Nations, Literatures (London: Verso, 
1992). 
.)1985 مهدي عامل: هل القلب للشرق والعقل للغرب؟ (بيروت: دار الفارايي»‎ 
(78) EWS, “Interview”, Diacritics 6, no. 3 (Fall 1976): 36. 
(79) QP, 56. 
(80) RE, 143; “Interview,” Diacritics (op. cit.), 39. 
(81) 29:251.1. 
(82) WTC, 78. 
(83) 77:2411.4. 
(84) EWS, “Notes on the Arab Intellectuals at Home and Abroad” (undated 
speech to the AAUG); 77:2:11.3. 
(85) EPP, 30. 
.EW8۴ 5:5:1.1 من سعید إلى سامي البتا فی 7 فبرایر 1973ء‎ )86( 
(87) Sharon. 
(88) B, 158. 
(89) Macleod. 
(90) Said, M; Said, W. 
(91) 1112:2512. 
(92) EWS, “Swifts Tory Anarchy”, Eighteenth-Century Studies (Fall 1969), 
60. 
٤ ۷W8۴, من سعيد إلى جاك غلنر في جامعة جونز هُپکنز بتاریخ 28 آکتوبر 1968ء‎ )93( 
.97:25:11.1 
.£EW88, 30:6:1.1 ›1972 من سعید إلى البتا في 31 يوليو‎ )94( 
(95) EWS, “Witholding, Avoidance, and Recognition” (op. cit.) 9. 
(96) EWS to Sami Al-Banna (op. cit.). 
(97) Hannah Arendt, The Portable Hannah Arendt, edited by Peter Baehr 
(New York: Penguin, 2000), 169. 
(98) 78:5IL.4. 
.۴×٤, 31 سعید» مقتبسا کلاما من جوزف یروشلمي في‎ )99( 
(100) ENE, 41; EPP, xiv; PD, 119. 
.EW 88, 5:4:1.1 1972 من سعید إلى براون فی 6 دیسمبر‎ )101( 
(102) Rose. 
(103) JC. 
(104) EWS, “Linguistics and the Archaeology of Mind” International 
Philosophical Quarterly 11:1 (Mar. 1971). 
(105) 110:111IL.3. 
(106) FNE, 52. See in this respect, EWS, “A Jew without Jewishness.” Review 
of Philip Roth’s The Counterlife. Guardian (England) (March 13, 1987). 
(107) David. 
(108) PPC, 61. 


488 


الهوامش 


(109) Ibid, 217. 
.EW۷8۴, 13:3:1.1 1989 من سعید إلى شخص ل یذکر اسمه» في 31 أکتوبر‎ )110( 
(111) RE, xx. 
(112) PPC, 147. 
(113) ME, xv. 
(114) Ibid., 43. 
(115) Ibid., 44. 
(116) EWS, “Music”, the Nation (Feb. 7, 1987), 160. 
(117) Rose; FNE, 72-5. 
(118) Said, M. 
(119) OP, 11; Said, G. 
(120) Ali; Wypijewski. 
(121) Bilgrami. 


الفصل العاشر 


(1) EWS, “The Castle”, written in 1952, MH. 
مقابلة مع سعيد نشرتها جريدة «القبس» في 7 - 8 أكتوبر 1989ء وأعيد نشرها ف:‎ )2( 
Israel & Palestine Political Report 
.EW 88, 15:3:1.1 من سعید إلى لیلی شھید فی 28 مارس 1991ء‎ )3( 

(4) EWSP, 11:5:1.1.; EWS the Nation, July 2, 1990, EWSP, 71:8:1I1.2. 

(5) Jerome M. Segal, “Why Israel Needs Arafat”, New York Times, Feb. 7, 
1988. 

(6) EWS, “Response”, Critical Inquiry 15, no. 3 (Spring 1989): 634 - 46. 

(7) EWS, “Freedom and Resistance”, EWSP, 78:5:I1.4. 

(8) Jean-Francois Lyotard “The Wall, the Gulf, the System”, in Postmodern 
Fables, trans. George Van Den Abbeele (Minneapolis: University of 
Minneapolis Press, 1997), 67 - 82. 

(9) Said, G. 

(10) Tariq Ali, Conversations with Edward Said (Oxford, U.K.: Seagull 
Books, 2006), 125, 123. 

(11) مسوّدة الرواية وملاحظات عليها أرسلها مايكل وود إلى الولف في 8 أغسطس 2016. 

(12) «إملي» هو اسم والدة فريد حدّادء وكذلك اسم والدة ابنة عمه آي Abie‏ في بلدة 
كوينز s١٥eں)‏ التي يعاملها بقسوة في خارج اممكان. 

(13) من حنان عشراوي إلى سعید في 3 مارس 1980 5:19:1.1 EW8,‏ . 

(14) EWS, “The Limits of the Artistic Imagination”, EWSP, 75:21:11.3. 

(15) EWS et al., July 2, 1991, EWSP, 30:3:1.2. 

(16) OP, 215. 

(17) ESR, 11. 

(18) Said, M. 


489 


إدورد سعيد 


(19) Rai. 
(20) OP, 216. 
(21) EWS, “Said’s Lost Essay on Jerusalem: “The Current Status of Jerusalem”, 
Jerusalem Quarterly 45 (2011): 5772-. 
(22) Bergson, D.; Parry 
(23) RE, 291. 
(24) Ibid. 
.EW۷8۶, 17:6:1.1 1992 من سعید إلى کارتر فی 16 سبتمبر‎ )25( 
في 31 مارس 1998 قدّم «حديثا مع إذْوَرّد سعيد عن الشرق الأوسط» انظر التقرير‎ )26( 
.61 السنوي مجلس العلاقات الخارجية من 1 يوليو 1997 إلى 30 يونيو 1998» ص6‎ 
وف سبتمبر 1989 لب منه رسمیا فی اجتماع ترأسه سایرس فانس ورچرد و. میرف أن‎ 
يرد على تقرير وكالة ا مخابرات المركزية عن سورية.‎ 
.٤W۷8۴, 7:18:1.1 من روکفلر إلى سعید فی 31 آبریل 1984ء‎ )27( 
.4 مقابلة مع سعید نشرت ف «القبس الدولي»‎ )28( 
. ۷1۲ من چومسکي إلى سعید فی 6 أبریل 1982ء أوراق چومسکي في‎ )29( 
(30) Elena Cabral, “CU Professors Awarded Fellowships at Academy”, 
Columbia Daily Spectator, June 12, 1991. 
(31) Becky Geller, “Ceremony Honors Professors”, Columbia Daily 
Spectator, April 12, 1994. 
.EW 88, 29:7:1.1 1993 من سعید إلى جورج رپ [ممں۸] في 10 ونیو‎ )32( 
.2003 مكاممة هاتفية مع المؤلف في اغسطس»‎ )33( 


(34) سعید» ن. 
OP. 215.‏ )35( 
Said, W.‏ )36( 
EWS to George Rupp, June 10, 1993.‏ )37( 
Bergson, A.‏ )38( 
.وود )39( 
(40) حبشي. 


(41) من سعيد إلى لفن في 26 ديسمبر 1985ء مكتبة جامعة هارقرد. 

(42) ناثانیل دو وسارا بکلي: «سعید يرفض عرضا للتعلیم في هارقرد» انه aزbصCo1u‏ 
22 ectat0مSp‏ ابریل 1993. 

(43) EWSP, 29:12:1.1. 

(44) المحاضرات التي ألقاها في الكوليج دي فرانس» وهي محاضرات تختلف من بعض 
النواحي عما نجده في كتاب في الأسلوب المتأخر ألقيت تحت العنوان العام «من أجل 
تفسیر جدید للأشكال الثقافية». 

(45) من سعید إلى بوردیو في 1 أغسطس 1996ء 31:3:1.2 E۷8۶,‏ (الترجمة من صنعي). 

(46) روز. 

(47) في رسالة لجان ستاروبنسكي بتاريخ 22 نوفمبر 1967 عبر سعيد عن إعجاب خاص 
بكتاب لوكاتش التاريخ والوعي الطبقي» حيث يتوسّع المؤلف في الكلام عن مفهوم 
التشْبُۇْ. انظر 30:3:1.1 .£W۷8۶۴,‏ 


490 


الهوامش 


(48) من سعید إلى ستاروبنسکي في 22 نوفمبر 1967. 
(49) من سعید إلى إنغل ف 7 فبرایر 1989 12:2:1.1 .EW8۶,‏ 

(50) EWSP, 71:12:11.2. 

(51) C&L, 13. 

(52) Harry Levin, The Gates of Horn: A Study of Five French Realists (New 
York: Oxford University Press, 1963), viii. 

(53) C&L 5. 

(54) من سعید إلى مونرو إنغل في 7 فبراير 1989. 

(55) Susan Fraiman, “Jane Austen and Edward Said: Gender, Culture, and 
Imperialisn?”, Critical Inquiry 21, no. 4 (Summer 1995); Ralph Locke, 
“Aida and Nine Readings of Empire”, Nineteenth-Century Music 
Review 3 (2006). 

(56) Al-Azm. 

(57) Chomsky. 

(58) Robert Hughes, “Envoy to Two Cultures”, Time, June 21, 1993, 60. 

(59) C&L, 8. 

(60) Ibid., 292. 

(61) Cole. 

(62) C&L, xii-xiii. 

(63) Ibid., 9; see, for example, Conor Cruise O’Brien, Edward Said, and 
John Lukacs, “The Intellectual in the Post-colonial World: Response and 
Discussion,” Salmagundi, no. 7071/ (Spring-Summer 1986): 69. 

(64) EWS to Harvard University Press, Jan. 11, 1996, EWSP, 29:6:1.1. 

(65) C&L, 28, 30. 

(66) Ibid., 332. 

(67) Ibid. 24, 65. 

(68) Ibid., 55, 278. 

(69) Ibid., 41. 

(70) Ibid., 194. 

(71) Ibid. 

(72) Locke, “Aida and Nine Readings of Empire,” 59. 

(73) المؤرخ المقصود هو نيل پَينتر. انظر رسالة ه. ل. غيتس إلى سعيد في 5 يناير 1992 
.EWSP, 16:7:1.1‏ 

(74) EWS, “The Politics of Knowledge”, in RE, 572 - 74. 

(75) EWS, “Identity, Authority, and Freedom: The Potentate and Traveler”, 
in RE, 387. 

(76) Camille Paglia, “Junk Bonds and Corporate Raiders: Academe in the 
Hour of the Wolf”, Arion: A Journal of Humanities and the Classics I, 
no. 2 (Spring 1991): 176 - 77. 

(77) EWS, to Paglia, Aug. 15, 1991, EWSP. 15:21:1.1. 


491 


إدورد سعيد 


(78) حدیٹ مع المؤْلف في نيويورك» ف أکتوبرء 1997. 

(79) بلغرامي. 

(80) من سعید إلى لاینل ترلنغ فی 25 ینایر 1973 5:5:1.1 .€EW۷88,‏ 
(81) نفسه»› 376 .8. 

(82) RE, 63. 

(83) For example, Deutsche Literatur Im Zeitalter des Imperislismus [1947; 
German literature of the imperialist period], The Young Hegel (1938), 
and The Destruction of Reason (1935, 1942, 1954). 

(84) EWS, “Opponents, Audiences, Constituencies, and Cmmunity”, in the 
Anti-aesthetic: Essays on Postmodern Culture, ed. Hal Foster (Port 
Townsend, Wash.: Bsy Press, 1982), 141. 

(85) C& I, 186. 

(86) Georg Lukacs, “The Ideology of Modernisn?”, in the Lukacs Reader, ed. 
Arpad Kadarkay (Oxford, U.K.: Blackwell, 1995), 187 - 88, C& I, 188. 

(87) C& I, 189. 

(88) من سعید إلى هابْسمث في 17 پونيو 1988ء 11:6:1.1 ,88 .£W‏ 

(89) PPC, 70. 

(90) «Reflections on Twenty Years of Palestinian History”, EWSP, 70:16:11.2. 

(91) WTC, 114. 

(92) EWS, “The Totalitarianism of Mind”, review of The Savage Mind, by 
Claude Lévi-Strauss, Kenyon Review 29, no. 2 (March 1967): 262. 

(93) Stern, M. 

(94) EWS, from the poem “Retrospect”, EWSP, 77:32:11.4. 

(95) EWS, “Hans von Bülow in Cairo, EWSP, 77:32:11.4. 

(96) RE, 562. 

(97) EWS, “the Music Itself: Glenn Gould’s Contrapuntal Vision”, in Glenn 
Gould by Himself and His Friends, ed. John McGreevy (Toronto: 
Doubleday, 1983), 54. 

(98) ML, 5. 

(99) Ibid., 255. 

(100) Nicholas Cook, review of ME, Music and Letters 75, no. 4 (Nov. 1992) 
617019. 

(101) ME, xix: “Classical Music participates in the differentiation of social 
space, its elaboration if you will.» 

(102) Ibid., 84. 

(103) Ibid., 119. 

(104) Frruccio Busoni, Sketch of a New Esthetic of Music (New York: G. 
Schirmer, 1911), 2. 

(105) Ews, graduate student notes, EWSP, 77:32:11.4. 

(106) Seminar notes, “Music, Cultural Analysis, and Critical Theory”, 1987, 


492 


الهوامش 


EWSB, 77:32:11.4 

(107) EWS, “The Future of Criticism” (1984), in RE, 165072. The author 
attended these seminars. 

(108) Cook, review of ME, Music and Letters 73:4 (Nov. 1992), 617 - 19. 

(109) EWSP, 77:18:1I.4. 

(110) Painter. 

(111) Ibid., 162 - 4; ME, xvii. 

(112) See ML, 3 - 95, especially “Music and Feminisn?. He assigned, for 
example, Alan Durant's Condition of Music (1984) and Richard Leppert 
and Susan McClary’s Music and Society (1987) in a seminar in 1991. 

(113) Sybotnik to EWS, June 1, 1987, EWSP, 10:4:1.1. 

(114) Kofi Agawu, “Wrong Notes”, Transition 55 (1992): 162 - 66, 

(115) Frisch to EWS, April 30, 1993, EWSP, 29:7:1.1. 

(116) Abu Deeb, Archive of the Salzburger Festspiele. 

(117) C&L, 11617-. 

(118) ML, 200, 161, 152. 

(119) Barenboim. 

(120) Ibid. 

(121) For example, EWS to London Review of Books, Sept 9, 1997, EWSP, 
29:8:1.1. 

(122) ML, 89. 

(123) ME, 66, 122, 137. 

(124) ML, 89. 

(125) Menuhin to EWS, July 25, 1990, EWSP, 13:29:1.1. 

(126) Grimshaw. 

(127) James to EWS, Aug. 13, 1987, EWSP, 1:8:1.1. 

(128) ML, 206. 

(129) Allen Evans, Ignaz Friedman: Romantic Master Pianist (Bloomington, 


Indians University Press, 2009) 242. 


الفصل الحادى عشر 

(1) EPP, 56. 

(2) Eli Sanders, “Chomsky, Said Criticize ‘So-Called Peace Process,” 
Columbia Daily Spectator, April 12, 1999. 

(3) Said, W. 

(4) Al-Banna. 

(5) Uwaid Bilban, “The Other Edward Said”, Masharef 23 (Winter 2003). 

(6) EWS to Roselle Tekiner, March 8, 1989, EWSP, 12:7:1.1. Dr. Nasser 
Aruri, A Jewish Thinker in the Tradition of Humanistic Universalism”, 
Washington Papers on Middle East Affairs (Jan/Feb. 1997), 24, 84. 


493 


إدورد سعيد 


(7) Ella Shohat “The ‘Postcolonial in Translation: Reading Said in Hebrew”, 
in Edward Said: A Legacy of Emancipation and Representation, ed. 
Adel Iskandar and Hakem Rustom (Berkeley: University of California 
Press, 2010), 343. 

(8) CR, 5. 

(9) Ashrawi. 

(10) PeD, 121. 

(11) Ibid. 7. 

(12) Alexander Cockburn, “Said’s Legacy”, Mother Jones, Sept. 10, 2003. 

(13) Ashrawi. 

(14) PeD, 119 - 25. 

(15) CR, 5, 13, 17. 

(16) EPP, xvi. 

(17) Musallam. 

(18) EWSP, 31:1:1.1. 

(19) Istrabadi. 

(20) EWS to Al-Rashid, Sept.25, 1990, EWSP, 14:1:1.1. 

(21) Ashrawi. 

(22) Said, N. 

(23) «ينصبٌ اهتمامي بالثقافة الشعبية على ما هو موجود في العام العربي»» (156 .)۶۲٥,‏ 

(24) EWS, preface to After the Last Sky (New York: Columbia University 
Press, 1999).vi. 
من سعيد إلى أطلس في 1 فبراير 1988. وافق أطلس على نشر القطعة مادامت سيرة‎ )25( 
.W۴٤8۴, 10:23:1.1 »1988 شخصية وليست سياسية: أطلس إلى سعيد في 24 فبراير‎ 

.WESFP, 30:23:1.1 وكذلك‎ 

(26) Mitchell. 

(27) Said, G. 

(28) Said, M. 

(29) EWS, “On Critical Consciousness: Gramsci and Lukéacs”, EWSP, 
78:10:11.4. 

(30) ESR, 420. 

(31) OP, 33. 

(32) Don Guttenplan to EWS, Dec. 16, 194 EWSP, 29:10:1.1; Exiles: Edward 
Said, directed by Christopher Sykes (BBC2, 1986). 

(33) OP, viii; Wanger. 
سعيد مقدسي. كان [إدورد] يدعي أن ذاكرته ذاكرة فوتوغرافية ويقول لأخواته إنهن‎ )34( 

يفتقرن إليها. 

(35) New York Times, May 5, 2000, EWSP, 31:3:I1.2. 

(36) Said, N. 

(37) Gordimer to EWS, Sept. 13 2000, EWSP, 28:13:1.1. 


494 


الهوامش 


(38) Roth to EWS, Feb 4, 1985, EWSP, 8:2:1.1; EWS to Theroux, Sept.12, 
1990, EWSP, 14:4:1.1. 

(39) Robert Hughes, “Envoy to Two Cultures”, Time, June 21, 1993, 60. 

(40) Ali. 

(41) OP, 239. 

(42) EWS, “An Ark for the Listener”, EWSP, 77:2:I1.3. 

(43) Highsmith to EWS, May 27, 1988, EWSP, 11:6:1.1. 

(44) Oe to Grand Street about EWS Sept. 9, 2003, EWSP, 28:13:1.1. 

(45) Oe to EWS, Jan. 28, 2002, EWSP, 28:13:1.1. 

(46) Gordimer to EWS, Oct. 7, 2001, EWSP, 28:13:1.1. 

(48) Rai. 

(49) Gordimer to EWS, Jan. 8, 2002, EWSP, 28:13:1.1. 

(49) Ahdaf Soueif, The Map of Love (London: Bloomsbury, 1999), 51; 
Dominique Eddé, Kite, trans. Ros Schwartz (London: Seagull, 2012, 
published originally as Cerf-volant (Paris: LArpenteur, 2003). 

(50) Soueif, the Map of Love, 49. 

(51) Eddé, Kite, 114 - 15. 

(52) David Lehman. “Goodbye Instructions”, in Some Nerve (New York: 
Columbia Review Press, 1973). 

(53) Shahak to EWS, Oct. 6, 1986, EWSP, 28:15:1.1. 

(54) EWS, “The Limits of the Artistic Imagination”, EWSP, 75:21:11.3. 

(55) Ashrawi to EWS, March 3, 1980, EWSP, 5:19:1.1. 

(56) JoAnn Wypyjewski, “Mementos”, sent to author, Feb 19, 2016. 

(57) Said, M. 

(58) Eqbal Ahmad, the Selected Writings of Eqbal Ahmad, ed. Carollee 
Bengelsdorf et al. (New York: Columbia University Press, 2006). 

(59) Eqbal Ahmad, Confronting Empire, forewords by Edward W. Said and 
Pervez Hoodbhoy (Cambridge, Mass.: South End Press, 2000). 

(60) Ahmad to Tim May and Frank Hanly, BBC Television, Dec. 7, 1992, 
EWSP, 29:14:1.1. 

(61) OI, 98, 102. 

(62) EPP, 278. 

(63) Ibid., 11, 74 - 107, 249 - 255, 303 - 311. 

(64) Ashrawi. 

(65) Said, W. 

(66) Tom Farer to EWS, March 12, 1991, EWSP, 15:3:1.1. 

(67) O1, 155. 

(68) Ibid, 228 - 29. 

(69) Shahak to EWS, June 25, 1980, EWSP, 5:16:1.1. 

(70) Hadidi. 


495 


إدورد سعيد 


(71) EWS to Zahi Khoury, July 20, 1989, EWSP, 12:14:1.1. 

(72) Ibid.; EWS, “Palestine, Then and Now: An Exiles Journey Through 
Israel and the Occupied Territories”. Harper Magazine, Dec. 1992, 51. 

(73) Discussion with Carol Hakim, Jens Hanssen, and Joe Farag, April 10, 
2017, Minneapolis. 

(74) Ashrawi. 

(75) Ammar. 

(76) Eisenzweig to EWS, Nov. 10, 1979, EWSP, 5:14:1.1. 

(77) EWS, “Palestine, Memory, Invention, and Place”, quoted in Elaine 
Hagopian, “Palestinian Landscape”, a review of The Landscape of 
Palestine: Equivocal Poetry, ed Ibrahim Abu-Lughud, Roger Heacock, 
and Khaled Nashef, Trans Arab Research Institute. 

(78) Said, M; Said, W. Traboulsi. 

(79) Traboulsi to author, March 31, 2018. 

(80) «Columbia Professor Admits to Stoning”, New York Daily News, July 
8, 2000. 2. 

(81) Cole. 

(82) Karen W. Arensen, “Columbia Debates a Professor's Gesture”, New 
York Times, Oct. 19, 2000, B3. 

(83) Hovsepian. 

(84) Said, M. 

(85) Ibid. 

(86) Barenboim. 

(87) Ibid. 

(88) ML, 261. 

(89) Barenboim. 

(90) Said, G. 

(91) PP, x. 

(92) Barenboim. 

(93) PP, 29. 

(94) Barenboim. 

(95) Rose. 


الفصل الثاني عشر 
Theodor Adorno, Minima Moralia: Reflections from Damaged Life‏ )1( 
London: Verso, 1999), 25.‏ ;1951( 
OP, 105.‏ )2( 
Wood.‏ )3( 
Said, M.‏ )4( 
Said, W:; Said N.‏ )5( 


496 


الهوامش 


(6) Rai. 

(7) Said, M. 

(8) Soueif. 

(9) EWSP, 78:13:11.4. 

(10) Alexander Cockburn, “Edward Said: A Mighty and Passionate Heart”, 
CounterPunch, Sept. 25, 2003. 

(11) Rai. 

(12) Emily Eakin, “Look Homeward, Edward”, New York, Sept. 27, 1999. 

(13) EWS, “Timeliness and Lateness: Health and Style”, talk delivered at the 
Faculty of Medicine, College of Physicians and Surgeons of Columbia 
University, Dec. 12, 2000), EWSP, 75:12:11.3. 

(14) Rai. 

(15) Ben Letzler, “Edward Said: Fat”, Columbia Daily Spectator, Sept. 25, 
2000. 

(16) Quoted in Awi Federgruen and Robert Pollack, “Rock-Throwing by 
Said Should Not Be Excused,” Columbia Daily Spectator, Sept. 5, 2000. 

(17) Shaheen. 

(18) Mariam Said to author, Feb 24, 2019. 

(19) H. Aram Veeser, Edward Said: The Charisma of Criticism (New York: 
Routledge, 2010). 

(20) RE, 116. 

(21) Alexander Cockburn, “Remembering Ben Sonnenberg”, Counerr 
Punch, Sept. 16, 2010. 

(22) Dominique Eddé, Edward Said: Le roman de sa pensée (Paris: Language 
Fabrique, 2017. 

(23) Khalidi, R. 

(24) Camus’s “jejune formula: and so on (C&L, 176, 179); Orwell's “Cold 
War polemic... comfortably protected from history’s ‘unique fuss” and 
so on (ibid., 21, 27). 

(25) Blythe. 

(26) Abu Deeb. 

(27) EWS, review of Walter Lippmann and the American Century, by 
Ronald Steel, London Review of Books, 5 - 18 March, 1981. 

(28) EWS, “Introduction to Noam Chomsky”, EWSP, 75:11:11.3. 

(29) EWS, “Chomsky and the Question of Palestine”, in PD. 

(30) Aijaz Ahmad, In Theory: Classes, Nations, Literatures (London: Verso, 
1992). 

(31) HDC. 71. 

(32) These included “Intellectuals and Comparative Literature”. EWSP, 


111:20:11.3; and “Comparative Literature as Critical Investigation” and 


497 


إدورد سعيد 


“Translation and the New Humanism”, EWSP, 70:16:11.2. 

(33) Especially in essays for the Arab press: “Millenial Reflections: Heroism 
and Humanism”, Al-Hayat, Jan. 12, 2000, and “Humanism: Backlash 
and Backtrack”, Al-Ahram Weekly, Sept. 27- Oct. 3, 2001. 

(34) Dan Laidman, “Prof. Said Speaks of Humanism”, Columbia Daily 
Spectator, Feb.17, 2000. 

(35) PPC, 70; Harry Levin, Grounds for Comparison, (Cambridge, Mass: 
Harvard University Press, 1972), 92. 

(36) EWS, “Humanism and Heroism”, Al-Ahram, 6 - 12 Jan., 2000. 

(37) PPC, 191. 

(38) At the Italian Academy for Advanced Studies (Columbia University), at 
the he University of London, and at Wolfson College, Oxford. 

(39) B, 260. 

(40) “Too Much Work?” (1999), EWSP, 71:12:11.2, published in Al-Ahram, 
Feb. 7, 2001. 

(41) Ibid, 261. 

(42) EWS, “Diary: My Encounter with Sartre”, London Review of Books, 
June 1, 2000. 

(43) David Shspiro to EWS, April 5, 1984, EWSP, 7:11:1.1.; Andreas 
Huyssen to EWS, Jan.9, 1984, EWSP, 7:7:1.1.; the essay in question was 
“Remembrance of Things Played” (1985). See ML, 17 - 19. 

(44) EWSP, 97:9:IIL.1. 

(45) ML, 272 - 73. 

(46) Ibid., 153. 

(47) Ibid., 33. 

(48) Ibid., 51. 

(49) LS, 14. 

(50) Ibid., 21. 

(51) Class notes for the seminar “Culture and Criticism”, EWSP, 97:4:I11.1. 

(52) Theodor W. Adorno, “Late Style in Beethoven”, trans. Susan H. 
Gillespie, Raritan 13, no.1 (Summer 1993): 102 - 107. 

(53) Ibid. 

(54) ML, 300 - 301. 

(55) FNE, 28 - 29. 

(56) EWSP, 80:41:11.5. 

(57) “EWS, “Adorno as Lateness Itself”, in Apocalypse Theory and the Ends 
of the World, ed. Malcolm Bull (Oxford, U.K,: Blackwell, 1995), 264- 
81. 

(58) PPC, 458. 

(59) Hovsepian 


498 


الهوامش 


(60) Stone to EWS, 1978, EWSP, 28:15:1.1. 

(61) Said, W. 

(62) EWS, “Cosi fan tutte at the limits”, Grand Street 16, no. 2 (Fall 1997): 
93 - 106 

(63) Giuseppe di Lampedusa, The Leopard, Trans Archibald Colquhoun 
(1958; New York: Pantheon, 1960), 205, 

(64) Luchno Visconti, The Leopard (film), 1963; cf. the novel, 209. 

(65) مكاممة تلفونية مع المؤلّف في يونيو 2003. 

(66) EWS to Oe, March 6, 2002, EWSP, 28:13:1.1. 

(67) EWS interview with Oe, Grand Street, 1995, EWSP, 80:19:11.5. 

(68) EWS to Oe, n.d. (ca. Jan. 2002), EWSP, 28:13:1.1. 

(69) EWS to Rachel Feldhay Brenner, Dec. 11, 1991, EWSP, 15:28:1/1. 

(70) Berger. 

(71) Sharon. 

(72) R.P. Blackmur, A Primer of Ignorance, ed. Joseph Frank (1940; New 
York: Harcourt, Brace & World, 1967), 7. 

(73) Wypijewski, “Mementos”, sent to the author on Feb. 19, 2016. 


499 


إذوزد سعيد 


500 


مفتاح للمصادر 


Withe 


مفتاح للمصادر 


أعمال يكثر سعيد من الاستشهاد بها 


بعد السماء الأخيرة 

البدايات 

لوم الضحايا 

حوارات مع دورد سعید 

الثقافة والإمبريالية 

تغطية الإسلام 

الثقافة والمقاومة 

إدورد سعيد: بين الحرب والسلام 
نهاية عملية السلام 

من کتابات إذوزد سعيد 
المساواة أو لا شيء 

فرويد وغير الأوروي 

الإنسانية والنقد الدهقراطي 
مقابلات مع إذوزد سعيد 
جوزف كونراد ورواية السرة الذاتية 
في الأسلوب المتأخر 

الموسيقى في حذّها الأقصى 
الاستشراق 


من أوسلو إلى العراق وخريطة الطريق 


After the Last Sky 

Beginnings 

Blaming the Victims 
Conversations with Edward Said 
Culture and Imperialism 

Covering Islam 

Culture and Resistance 

Edward Said: Entre Guerre et Paix 
The End of the Peace Process 

The Edward Said Reader 

Egalité ou rien 

Freud and the Non-European 
Humanism and Democratic Criticism 


Interviews with Edward Said 


Joseph Conrad and the Fiction of 
Autobiography 


On Late Style 
Musical Elaborations 
Music at the Limit 
Orientalism 


From Oslo to Iraq and the Road Map 


ALS 


EGP 


EPP 


ESR 


ER 


FNE 


HDC 


IES 


JC 


LS 


OI 


503 


إدورد سعيد 


Out of PLace خارج الممكان‎ 
The Politics of Dispossession سياسة الحرمان‎ 
Peace and Its Discontents السلام ومشکلاته‎ 
Parallels and Paradoxes المتشابهات واممفارقات‎ 
Power, Politics, and Culture القوةء والسياسةء والثقافة‎ 
The Pen and the Sword القلم والسيف‎ 
The Question of Palestine المسألة الفلسطينية‎ 
Reflections on Exile تأملات حول المنفى‎ 
The World, the Text, and the Critic العام» والنص» والناقد‎ 
الأر شیفات‎ 


Constantine Zurayk Papers, American University of Beirut. 


أوراق قسطنطين زريق» الجامعة الأمريكية في بيروت. 


Ihe Eqbal Ahmad Papers, 1956-1999. Archives, Hampshire College, 
Amherst, MA 01002. 


أوراق إقبال أحمد» 1999-1956. الأرشيف» جامعة همشفير» أمهيرست» أم أي 01002. 


Edward W. Said Papers (1940s-2006), MS 1524, Rare Book and Manuscript 

Library, Columbia University Library. 

أوراق إذْوَرّد و. سعيد (منذ الأربعينيات حتى العام 2006). امخطوطة 1524. مكتبة الكتب 

النادرة والمخطوطات» في مكتبة جامعة كومبيا. كل الإحالات إلى هذا الأرشيف ف الهوامش 

ستستخدم الترتيب الآن: الصندوق: الملف: السلسلة: السلسلة الفرعية. هذا مثال: الرقم 
يشير إلى الصندوق 48ء الملف 1ء السلسلة 2ء السلسلة الفرعية 48:1:11:1.1 


Edward William Said, FBI Vault. 
إذوزد وليم سعيد» سرداب مكتب التحقيقات الفيدرال.‎ 


Harry Levin Papers, Levin-Said Correspondence, MS Am. 2461 (859), 
Houghton Library, Harvard University. 

أوراق هاري لَقْنْء مراسلات لَفْنْ - سعيد » امخطوطات الأمريكيةء 2461 (859)» مكتبة هوتنء 
جامعة هارقرد. 


504 


PeD 


PPC 


WTC 


CZ 


EA 


EWSP 


FBI 


HE 


مفتاح للمصادر 


Edward W. Said, Harvard University Graduate Student Transcript. 
إذوَرّد و. سعيد» سجل علامات طالب الدراسات العليا في جامعة هارقرد.‎ 


Ian P. Watt Papers (SC0401), Department of Special Collections and University 
Archives, Stanford University Libraries, Stanford, California. 

أوراق إِيّن پ. وات (المجموعات الخاصّة 0401)» قسم المجموعات الخاصة وأرشيفات 
الجامعة. مكتبات جامعة ستانغره ستانفره كاليفورنيا. 


Northfield Mount Hermon School Transcripts, Said, 18790MH.01, 02, 03. 
18790 علامات مدرسة نورٹفیلد ماونت هیرمن» سعید»‎ فوشکM‎ 1.01, 02, 03. 


Noam Chomsky Papers, Chomsky-Said Correspondence, MC 600, Box 85,‏ 
MIT Library.‏ 
أوراق نعوم جومسكي» مراسلات جومسكي - سعيد آم سي 600 صندوق رقم 85 مكتبة آم 


Undergraduate Academic Files, box 169, Said, Edward (1957), AC198, 
Princeton University Library. 

الملفات الأكادهية لطلبة ا مرحلة الجامعية الأولىء الصندوق رقم 169 مكتبة جامعة پرنستنء 
سعد إِذْوَرُد (۸€°198.)1957) 


Edward Said Papers of the Center for Advanced Study in the Behavioral 

Sciences Records (SC1055), Department of Special Collections and 

University Archives, Stanford University Libraries, Stanford, Calif. 

أوراق إذوزد سعيد في سجلات مركز الدراسات المتقدّمة في العلوم السلوكية (العلوم السلوكية 

5 قسم المجموعات الخاصة وأرشيفات الجامعة. مكتبات جامعة ستانفرد ستافرد 
کالیفورنیا. 


HU 


IW 


MH 


NC 


PT 


ST 


505 


إدورد سعيد 
امقابلات 5 


الأسماء العربية 
أبو ديب» كمال» 2016/1/18 أوكسفردء ا مملكة المتحدة. 
أبو لُخّدء ليلى» 2018/4/15 نيويورك. 
آتاسي» محمد علي» 2016/11/28ء بیروت. 
إدةء دومنيك» 2016/7/8 بیروت. 
إدريس» سماح» 8›/›),ء ‏ بيروت. 
إسترابادي زینب» 2016/1/6 بلومنغتن» إنديانا. 
البناه سامي» 2016/3/30» 2016/6/4 2016/8/4 بَتسداء مریلاند. 
جندي» نادياء 2017/5/4 القاهرة. 
حبشي» نزیه» 2016/1/23 نيويورك. 
خذيدي» صبحي» 2015/12/9» باریس. 
حکیم» کارول» 2017/4/10» منیاپٌاس. 
الحوت» بیان» 2017/2/26 بيروتٽ. 
خالدي» رشید» 2018/4/13 نيويورك. 
خالدي» طریف» 2015/12/15 بیروت. 
خالدي» محمد علي» 2018/9/11» تورونتو. 
خير اللهء سعد 2016/11/25 بيروت. 
سعيد مقدسي» جين سعيد مقدسي» 2016/11/25 بيروت. 
سعید» غریس» 2016/11/25» بیروت. 
سعید» مريم» 2015/9/29 2016/8/14 2017/7/11 نيويورك. 
سعيد. نجلا 2016/5/30 2016/8/1» نيويورك. 
سعید. ودیع» 2016/2/16» 2019/3/10 کومبیاء ساوث کارولاینا. 
سويف» أهداف» 2017/4/2 لندن. 
شاهین» محمد 2016/2/15 2016/11/25 بیروت وعمان. 
صبّاغ» کارل» 2016/2/23 لندن. 
طرابلسي» فواز» 2016/1/24» بیروت. 
عشراوي» حنان» 2018/6/7 رام الله. 
العظم» صادق» 2015/12/19 برلين. 
علي» طارق 2016/6/2 لندن. 
عما إبراهیم 2017/5/5 وودبري» نیو جیرزي. 
غزول» فريال» 2016/4/6 القاهرة. 
فاهی» ساندرل 4/1/ 2016› نيويورك. 
قرظاس: ندیم» 2016/11/26 بیروت. 


(#٭) وضع المؤلّف جميع الأسماء في قانمة ألفبائية واحدةء لكن الترتيب الألفباني يضطرب قليلا عند كتابة الأسماء 


باللغة العربيةء لذلك رأيت أن من الأفضل وضع قانمتين» واحدة للأسماء العربية وواحدة للأسماء الأجنبيةء واعتماد 
الاسم الأخير في الحالتين. . [امترجم]. 


506 


مفتاح للمصادر 


کردوش» جورج» 0,)›),ء),ء مصرء البحر الأحمر. 
مالك نبیل («بل»)» 2018/8/17 پورتسمُث» رود آیلند. 
مسلم باسم»2015/12/17» كيمبرج» المملكة امتحدة. 


الأسماء الأجنبية 
ألپرزء سقتلاناء 2017/12/5ء نيويورك (باممراسلة). 
أوكونل» دان» 2018/8/13 نيويورك. 
بارسمیان» دیقد.» 2018/5/7 بولدر» کولورادو. 
بارنبویم» دانيل» 2017/1/22 نيويورك. 
بریغر» غوتفرید. 2015/12/1 دیترويْت. 
بلایذء چارلز» 2015/11/30 کیمبرج» ماسچوستس. 
بلغرامي» أكيل» 3/25/ 2017 نيويورك. ˆ 
بندر» جون» 2017/4/1 منیاپاس. 
بیرغر» جون» 12/2/ 2015» أنتونيء فرتسا. 
بیرغسن» د» دیردره» 2015/9/23 نيویورك. 
بيرغسن» أء ألن» 2015/9/23 نيويورك. 
بيرنزء رك» 2016/6/6 نيويورك. 
پاري» بنیتاه 2018/11/23 مند لاندغاي» ویلز. 
پولء ديرا 2016/4/4 بولتمور. ˆ 
پیتربیرغ غیبریل» 2015/12/3» لوس أنجلس. 
پینترء کارن» 2015/12/16 منیابُاس. 
چومسک ذو 2016/2/12 کیمبرج» ماسچوسٽس. 
دکستاین» مورس» 2016/4/9 نيويورك. 
دلیني» شیا 2017/6/23 فانکوقر. 
دیقد. دیردره. 2015/12/11 نيویورك. 
دیقس» لتردء 2018/11/10 نيويورك. 
راي» کانتي» 2015/12/21 نيويورك. 
رچتي» جون» 2017/4/1 منياپٌاس. 
روز» جاکلین» 2016/2/10 لندن. 
روزنثال» مایکل» 2015/12/22 نيويورك. 
ستاین» جین» 2017/3/24 نيويورك. 
ستیرن» دیقد» 2016/4/14 کیمبرج» ماسچوستس. 
ستیرن» مایکل» 2015/12/22 سان فرانسسکو. 
سفتن» إلزبث» 2017/1/20ء نيويورك. 
سولّم» جون» 2015/12/11 وستپورت» کتتکت. 
شارون» أندربهء 2016/2/19 نيويورك. ڪڪ 
غالغّرء دوروڻ» 2016/7/19 نيويورك. 
غتنپلان» دون» 16/1/5» 2016/1/6 لندن. 
غْرمشوء آناء 2018/2/7 أتلانتا. 
غرین» غیل» 2017/8/8 بیرکلي» کالیفورنیا. 


507 


إدورد سعيد 
غلاس» چارلز 2016/2/24» نيويورك. 
فرید» مایکل. 2018/12/2 بولتمور. 
فریدمان» روبرت» 2015/12/18 نيويورك. 
فير توم 2017/7/15» دنقر. 
کارٌل» کلیرء 2015/12/4 نيويورك. 
کارنیچلي» توم 2016/8/3 مین. 
کول» جوتتن» 2016/1/11 نيويورك. 
لُك رالف (مراسلات). 
لنْتن» رونت» 2016/1/18 دبلن. 
لیمان» دیشد (مراسلات). 
مارغرونس» ماریاء 2016/3/12 لندن. 
مچلء و. ج. ت» 2015/12/14 شیکاغو. 
مکلاود. الکزاندرء 2015/12/3 ناشقیل. 
ملرء هلس» 2016/1/7 کتتکت. 
مننْس» أن 2016/1/5 نيويورك. 
مور جین» 2017/4/28 جنیقف. 
هُفسپیان» نوبارء 2016/2/10» کالیفورنیا. 
وانغرء شلي» 2016/4/27 نيويورك. 
ویپیشقسکي» جوآن» 2016/2/26 نیویورك. 
وممرزء ميري کي» 2016/2/22 لندن. 
وود» مایکل» 2016/5/27»› پرنستن» نيو جيرزي. 
وورنرء ماریناء 2015/12/26 لندن. 
ويسلتيء ليون» 2015/12/9 واشنطن» مقاطعة كومبيا. 
یروشلمي» دیقد. 2016/7/26 القدس. 


بّلن» لویزء 2015/12/7 نيويورك. 


508 


ببلیوعرافیا 


Withe 


ببلیوغرافیا 


After the Last Sky: Palestinian Lives. Photographs by Jean Mohr. New York: Columbia 
University Press, 1986. 

The Arabs Today: Alternatives for Tomorrow. Cleveland: Follet, 1972. 

Beginnings: Intention and Method. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1975. 
Conversations with Edward Said (interview with Tariq Ali). Oxford, U.K.: Seagull Books, 
2006. 

Covering Islam: How the Media and the Experts Determine How We See the Rest of the 
World. New York: Pantheon, 1981. 

Culture and Imperialism. New York: Alfred A. Knopf, 1993. 

Culture and Resistance: Interviews by David Barsamian. Cambridge, Mass.: South End 
Press, 2003. 

The Edward Said Reader. Edited by Moustafa Bayoumi and Andrew Rubin. New York: 
Vintage, 2000. 

The End of the Peace Process: Oslo and After. New York: Pantheon, 2000. 

Entre guerre et paix. Translated by Béatrice Vierne. Preface by Tzvetan Todorov. Paris: 
Arléa, 1997. 

Freud and the Non- European. New York: Verso, 2003. From Oslo to Iraq and the Road 
Map. New York: Pantheon Books, 2004. 

From Oslo to Iraq and the Road Map (NY: Pantheon Books, 2004). 

Humanism and Democratic Criticism. New York: Columbia University Press, 2004. 
Interviews with Edward Said. Edited by Amritjit Singh and Bruce G. Johnson. Jackson: 
University Press of Mississippi, 2004. 

Israël, Palestine: Légalité ou rien. Translated by Dominique Eddé and Eric Hazan. Paris: 
La Fabrique, 1999. 

Joseph Conrad and the Fiction of Autobiography. Cambridge, Mass.: Harvard University 
Press, 1966. 

Musical Elaborations. New York: Columbia University Press, 1991. 

Music at the Limits. New York: Columbia University Press, 2008. 

On Late Style: Music and Literature Against the Grain. New York: Pantheon, 2006. 
Orientalism. New York: Vintage, 1978. 

Out of Place: A Memoir. New York: Vintage, 1999. 

Peace and Its Discontents: Essays on Palestine in the Middle East Peace Process. New 
York: Vintage, 1993. 

The Pen and the Sword: Conversations with David Barsamian. Chicago: Haymarket 
Books, 1994. 

The Politics of Dispossession: The Struggle for Palestinian Self-Determination, 1969- 
1994. New York: Pantheon, 1994. 

Power, Politics, and Culture: Interviews with Edward Said. Edited by Gauri Viswanathan. 


New York: Vintage, 2001. 


511 


إدورد سعيد 


The Question of Palestine. New York: Times Books, 1979. 

Reflections on Exile and Other Essays. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2000. 
Representations of the Intellectual. New York: Pantheon, 1994. 

The World, the Text, and the Critic. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1983. 
Yeats and Decolonization. Cork: Cork University Press and Field Day Pamphlets, 1988. 


کتب مع آخرین 
Acts of Aggression: Policing Rogue States. With Noam Chomsky and Ramsey Clark. New‏ 
York: Seven Stories, 1999.‏ 
Blaming the Victims: Spurious Scholarship and the Palestinian Question. With‏ 
Christopher Hitchens. New York: Verso, 1988.‏ 
The Entire World as a Foreign Land. With Mona Hatoum and Sheena Wagstaff. London:‏ 
Tate Gallery, 2000.‏ 
Intellectuals. With George Steiner, William Pfaff, and John Lukacs. Edited by Robert‏ 
Boyer. Saratoga Springs, N.Y.: Skidmore College, 1986.‏ 
Nationalism, Colonialism, and Literature. With Terry Eagleton and Fredric Jameson.‏ 
Minneapolis: University of Minnesota Press, 1990.‏ 
Parallels and Paradoxes: Explorations in Music and Society. With Daniel Barenboim.‏ 
Edited by Ara Guzelimian. New York: Vintage, 2002.‏ 
A Profile of the Palestinian People. With Ibrahim Abu-Lughod, Janet L. Abu-Lughod,‏ 
Muhammed Hallaj, and Elia Zureik. Chicago: Palestine Human Rights Campaign, 1983.‏ 
Reaction and Counterrevolution in the Contemporary Arab World. With Walter Carroll‏ 
and Samih Farsoun. N.p.: AAUG, 1978.‏ 


کتب محرَرة 
The Arabs Today: Alternatives for Tomorrow. With Fuad Suleiman. Columbus, Ohio:‏ 
Forum Associates, 1973.‏ 
Henry James: Complete Stories, 1884-1891. New York: Library of America, 1999.‏ 
Kim. By Rudyard Kipling. London: Penguin, 1987.‏ 
Literature and Society: Selected Papers from the English Institute, 1978. Baltimore: Johns‏ 
Hopkins University Press, 1980.‏ 


مقدمات» كلمات افتتاحيةء كلمات تمهيدية» كلمات ختامية 
“Afterword: The Consequences of 1948”. In The War for Palestine: Rewriting the History‏ 
of 1948. Edited by Eugene Rogan and Avi Shlaim. London: Cambridge University Press,‏ 
.2001 
Foreword to Beyond the Storm: A Gulf Crisis Reader. Edited by Phyllis Bennis and Michel‏ 
Moushabeck. Brooklyn: Olive Branch Press, 1991.‏ 
Foreword to the Fateful Triangle: The United States, Israel, and the Palestinians, by Noam‏ 


512 


ببلیوغرافیا 
Chomsky. Chicago: Haymarket, 1983.‏ 
Foreword to I Saw Ramallah, by Mourid Barghouti. Cairo: American University of Cairo‏ 
Press, 2000.‏ 
Foreword to Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three Thousand Years, by‏ 
Israel Shahak. London: Pluto Press, 1997.‏ 
Foreword to Language and Colonial Power: The Appropriation of Swahili in the Former‏ 
Belgian Congo, 1880-1938, by Johannes Fabian. Berkeley: University of California‏ 
Press, 1986.‏ 
Foreword to The Oriental Renaissance: Europe's Rediscovery of India and the East, 1680-‏ 
by Raymond Schwab. Translated by Gene Patterson-Black and Victor Reinking.‏ ,1880 
New York: Columbia University Press, 1984.‏ 
Foreword to Peace under Fire: Israel, Palestine, and the International Solidarity‏ 
Movement. Edited by Ghassan Andoni, Huwaida Arraf, Nicholas Blincoe, Hussein‏ 
Khalili, Marissa McLaughlin, Radhika Sainath, and Josie Sandercock. New York: Verso,‏ 
.2004 
Foreword to the Performing Self: Compositions and Decompositions in the Languages of‏ 
Contemporary Life, by Richard Poirier. New Brunswick, N.J.: Rutgers University Press,‏ 
:1992 
Foreword to Selected Subaltern Studies. Edited by Ranajit Guha and Gayatri Chakravorty‏ 
Spivak. Oxford: Oxford University Press, 1988.‏ 
Foreword to Thoughts on a War. Edited by Phyllis Bennis et al. Edinburgh: Canongate,‏ 
,1992 
Foreword to Unholy Wars: Afghanistan, America, and International Terrorism, by John‏ 
Cooley. London: Pluto Press, 1999.‏ 
Introduction to the Cairo Trilogy: Palace Walk, Palace of Desire, Sugar Street, by Naguib‏ 
Mahfouz. London: Everymar’s Library, 2001.‏ 
Introduction to the Language of Modern Music, by Donald Mitchell. London: Faber &‏ 
Faber, 1993.‏ 
Introduction to Mimesis: Representations of Reality in Western Literature, by Erich‏ 
Auerbach Princeton, N.J.: Princeton University Press, 2003.‏ 
Introduction to Moby-Dick, by Herman Melville. New York: Vintage, 1991.‏ 
Introduction to “Saint François FAssise: An Excerpt from an Opera in 3 Acts and 8‏ 
Tableaux” , by Olivier Messiaen. Grand Street 36 (1990).‏ 
Introduction to Three Novels, by Joseph Conrad. New York: Washington Square Press,‏ 
.1970 
“Introduction: Homage to Joe Sacco”. In Palestine, by Joe Sacco, Seattle: Fantagraphics‏ 
Books, 1997.‏ 
“Introduction: The Right of Return at Last”. In Palestinian Refugees: The Right of Return.‏ 
Edited by Naseer Aruri. London: Pluto Press, 2001.‏ 
Preface to Beirut Reclaimed, by Samir Khalaf. Beirut: Al-Nahar Press, 1993.‏ 


513 


إدورد سعيد 


Preface to CIA et Jihad, 1950-2001: Contre PURSS une désastreuse alliance, by John K. 
Cooley. Paris: Autrement, 2002. 


أعمال غير منشورة 


أعمال إبداعية 
“An Ark for the Listener” (short story, 1957-65).‏ 
“Betrayal” (novel draft, 1987-92).‏ 
Elegy (novel draft, 1957-62).‏ 
Poetry: “The Castle”, “A Celebration in Three Movements”, “Desert Flowers”, “The early‏ 
morning gently forges...”, “Hans von Bülow in Cairo”, “Little Transformation”, “Old‏ 


People of the Village”, “Requiem,” “Retrospect”, “Song of an Eastern Humanist’, “Vision's 


Haze”, “Windy corners of empty corridors...”, “Wistful Music”. 


مقالات ومحاضرات 
“Adonis and Arab Culture” (address to the UN, October 3, 1980).‏ 
“The Arab Nation: What Future?”.‏ 
“The Arabs and the West and the Legacies of the Past”.‏ 
“Comparative Literature as Critical Investigation”.‏ 
“Freedom and Resistance”.‏ 
“Great Issues of Our Time: India and Palestine”.‏ 
“History, Literature, and Geography” (1994).‏ 
“Intellectuals and Comparative Literature”.‏ 
“Introduction” to B. Rajan (on Milton and the East India Company).‏ 
“Jonathan Swift? (Columbia lecture, May 4, 1967).‏ 
“Language as Method and Imagination”.‏ 
“Lecture on Critical Theory”.‏ 
“Literary Criticism and Politics?”‏ 
“Literary Criticism and the Problematic of Language”.‏ 
“Living with Conrad”.‏ 
“The Media and Cultural Identity: National Authority or Exilic Wandering?”.‏ 
“Modernity and Critical Consciousness”.‏ 
“Note on the Arab Intellectuals at Home and Abroad”.‏ 
“On Critical Consciousness: Gramsci and Lukacs”.‏ 
“Response to Richard Kuhns’s ‘Affect and Reality in Philosophy and Literature”.‏ 
“The Second and a Half World”.‏ 
“T. E. Lawrence Lecture”.‏ 
“Translation and the New Humanisrr?.‏ 
“Unresolved Geographies, Embattled Landscapes”.‏ 
“Witholding, Avoidance, and Recognition” (published only in Arabic).‏ 


514 


ببلیوغرافیا 
In Search of Palestine, a segment of “Films for the Humanities and Sciences.” Directed by‏ 
Charles Bruce. BBC, 1998.‏ 
In the Shadow of the West, a segment of The Arabs: A Living History, a ten-part series.‏ 
Directed by Geoff Dunlop. Landmark Films, 1986.‏ 
The Palestinians. With Ibrahim Abu-Lughod. Two-part documentary. Directed by David‏ 
Edgar. BBC Channel 4, 1988.‏ 
Pontecorvo: The Dictatorship of Truth. BBC TV, 1992.‏ 


أفلام عن سعيد 

Exiles: Edward Said. Directed by Christopher Sykes. BBC2, 1986. 
The Other (El Akhar, Lautre). French/Egyptian feature film. Directed by Youssef Chahine. 
1999, 
Out of Place: Memories of Edward Said. Directed by Makoto Sato. 2006. 
Selves and Others: A Portrait of Edward Said. Directed by Emmanuel Hamon. Wamip 
Films, 2004. 

قانمة قصيرة من محاضرات ألقاها سعيد ومقابلات مصورة أجريت معه 
“Altered States”, Relative Values. Directed by Jake Auerbach. BBC, 1991.‏ 
“The Arab World: Who They Are, Who They Are Not.” With Bill Moyers. April 1, 1991.‏ 
www.youtube.com/watch?v=eI6mj FL8OXE.‏ 
“Edward Said: The Last Interview.” Directed by Michael Dibb. Icarus Films, 2004. www.‏ 
youtube.com/watch?v=CxWOuJBWVIY.‏ 
“Edward Said on Orientalism.” Directed by Sut Jhally. Media Education Foundation,‏ 
www.youtube.com/watch?v=fVC8SEYd_Z_g.‏ .1998 
“End of Millennium Conversation: Sebastiao Salgado, Eduardo Galeano, Edward Said,‏ 
South African National Assembly Speaker Frene Ginwala, Noam Chomsky, Manning‏ 
Marable, Film Maker John Pilger.” Democracy Now!, Dec. 29, 2000. www.democracynow.‏ 
org/200029/12//end_of_millennium_conversation_sebastiao_salgad.‏ 
“Global Empire: A Conversation with Edward Said.” Tariq Ali, 1994. www.youtube.com/‏ 
watch?v=YvR3qeroQ2M.‏ 
“In Conversation—Daniel Barenboim and Edward Said.” BBC, 2005.‏ 
“The MESA Debate: The Scholars, the Media, and the Middle East.” With Christopher‏ 
Hitchens, Bernard Lewis, and Leon Wieseltier. Nov. 22, 1986. www.youtube.com/‏ 
watch?v=hn VHuA6xlOo.‏ 
“Professionals and Amateurs”. Edward Said: Representations of the Intellectual, The Reith‏ 
Lectures 4. BBC Radio 4, July 14, 1993. www.bbc.co.uk/programmes/p00gxqz0.‏ 
Raymond Williams and the Legacy of His Work. British Film Institute, 1989.‏ 
“The Reith Lecturer Interview: Edward Said.” BBC Radio 4, 1993 www.youtube.com/‏ 
watch?v=7R-mOAtzEc4&t=449s.‏ 


515 


إدورد سعيد 


مقذمات تعريفية مفهوم الاستشراق بالفيديو 
Clip from Aladdin: www.youtube.com/watch?v=fgbuTSxky3A.‏ 
“Edward Said: An Introduction to Orientalism.” MACAT: Macat Analysis. www.youtube.‏ 
com/watch?v=l1aNwMpV6bVs.‏ 
“Orientalism” (Eilwen Jones). www.youtube.com/watch?v=UI-cbPX8ho!I.‏ 
“Orientalism Explained” with clips from Disney’s Aladdin, Indiana Jones, Pirates of the‏ 
Caribbean, and so on (Dania Khan and Sarah Kaddour). www.youtube.com/‏ 


watch?v=dH4s7ezptv4. 


516 


المؤلف فب سطور 
تشد رنت 
8 يعمل مدرسا للعلوم الإنسانية في جامعة منيسوتا بالولايات اممتحدة. 
8 حاصل على زمالات من برنامج فلْرايْت» وا مجلس الأمريكي للجمعيّات العلمية 
وايمؤسسة الأمانية للبحث» والوقفية الوطنية للعلوم الإنسانية. 
8# نشر له عدد من الكتب منها: 
At Home in the World: Cosmopolitanism Now‏ - 1 
Borrowed Light: Vico, Hegel, and the Colonies‏ - 2 
Salman Rushdie and the Third World: Myths of the Nation‏ - 3 
ونش ت کتاباته في مچلتي The Nation The Times Literary Supplement‏ 
وغیرهما. 


المترجم في سطور 

محمد عصفور 

8 حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة إنديانا بالولايات 
المتحدة في العام 1973. 

8# عمل في عدد من الجامعات العربية. 

8 شغل منصب رئاسة قسم اللغة الإنجليزية وعمادة كلية الآداب في أكثر من 
جامعة عربية. 

18 عضو مجمع اللغة العربية الأردني. 

8# له اهتمامات بحثية في الأدبين الإنجليزي والعري. 

8 له أبحاث باللغة الإنجليزية عن شليء وسّذي» وتوماس مورء وشيكسبير والدكتور 
جونسّن» وجبرا إبراهيم جبرا. وله أبحاث بالعربية عن جبراء ومحمود درويش» وأي 
القاسم الشاي... إلخ. 


517 


8 من جهوده في الترجمة: ترجمة رواية جبرا «صيادون في شارع ضيق»» و«تشريح 
النقد» لنورثرپ فراي» و«الرواية والأمة» لپاترك پارندر» و«جينالوجيا الدين» لطلال 
أسد وثلاثة كتب لإدورد سعيد. 
8 صدرت له الأعمال التالية عن سلسلة «عام اممعرفة»: 

1 - «البدائية» من تحریر أشلي مونتاگيو العدد 53. 

2 - «مفاهيم نقدية» لرنيه ولك العدد 110. 

3 - «البنيوية وما بعدها» من تحرير جون سترك» العدد 206. 

4 - «فجر العلم الحديث» (جزءان) لتوي هف العددان 219 و220. 
8 نال جائزة مؤسسة الكويت للتقدّم العلمي للترجمة (1982). وجائزة جامعة 
فيلادلفيا للتميز في الترجمة (2004)» وأخيرا جائزة الدولة الأردنية التقديرية للتميز 
في الترجمة (2012). 
8 من آهم كتبه: «نرجس وامرايا» عن جبرا إبراهيم جبراء و«دراسات في الترجمة 
ونقدها»» وکتاب «درویش والسیاب» و«دراسات آخری» وقد صدرت جميعها عن 
المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 


سلسلة عاتم المعرفة 


«عامم ا معرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر في مطلع كل شهر ميلادي عن اممجلس الوطني للثقافة 
والفنون والآداب - دولة الكويت - وقد صدر العدد الأول منها في شهر يناير من العام 1978. 

تهدف هذه السلسلة إلى تزويد القارئ مادة جيدة من الثقافة تغطي جميع فروع الممعرفةء 
وكذلك ربطه بأحدث التيارات الفكرية والثقافية المعاصرة. ومن الموضوعات التي تعالجها تأليفا 
وترجمة: 

1 - الدراسات الإنسانية: تاريخ فلسفة - أدب الرحلات - الدراسات الحضارية - تاريخ الأفكار. 

2 - العلوم الاجتماعية: اجتماع - اقتصاد - سياسة - علم نفس - جغرافيا - تخطيط - دراسات 
استراتيجية - مستقبليات. 

3 - الدراسات الأدبية واللغوية: الأدب العربي - الآداب العاطمية - علم اللغة. 

4 - الدراسات الفنية: علم الجمال وفلسفة الفن - اممسرح - الموسيقى - الفنون التشكيلية 
والفنون الشعبية. 

5 - الدراسات العلمية: تاريخ العلم وفلسفته» تبسيط العلوم الطبيعية (فيزياء 
كيمياءء علم الحياة. فلك) - الرياضيات التطبيقية (مع الاهتمام بالجوانب الإنسانية لهذه 
العلوم)» والدراسات التكنولوجية. 

أما بالنسبة إلى نشر الأعمال الإبداعية - ا مترجمة أو ال مؤلفة - من شعر وقصة ومسرحيةء وكذلك 
الأعمال اممتعلقة بشخصية واحدة بعينها فهذا أمر غير وارد في الوقت الحالي. 

وتحرص سلسلة «عامم ا معرفة» على أن تكون الأعمال المترجمة حديثة النشر. 

وترحب السلسلة باقتراحات التأليف والترجمة الممقدمة من اممتخصصينء على ألا يزيد حجمها 
على 350 صفحة من القطع المتوسط وأن تكون مصحوبة بنبذة وافية عن الكتاب وموضوعاته 
وأهميته ومدى جدته وف حالة الترجمة ترسل نسخة مصورة من الكتاب بلغته الأصلية كما ترفق 
مذكرة بالفكرة العامة للكتاب» وكذلك يجب أن تدؤن أرقام صفحات الكتاب الأصلي المقابلة للنص 
المترجم على جانب الصفحة المترجمة» والسلسلة لا مكنها النظر في آي ترجمة ما فم تكن 
مستوفية لهذا الشرط. والمجلس غير ملزم بإعادة المخطوطات والكتب الأجنبية في حالة الاعتذار عن 
عدم نشره. وفي جميع الحالات ينبغي إرفاق سيرة ذاتية مقترح الكتاب تتضمن البيانات الرئيسية 
عن نشاطه العلمي السابق. 

وفي حال ال موافقة والتعاقد على الموضوع - المؤلف أو ال مترجم - تصرف مكافأة للمؤلف مقدارها 
ألفا دينار كويتي» وللمترجم مكافأة معدل ثلاثين فلسا عن الكلمة الواحدة في النص الأجنبي (وبحد أقصى 
مقداره ألفان وخمسمائة دينار کویتي). 


519 


520 


سعر النسخة 
الكويت ودول الخليج 
الدول العربية 
خارج الوطن العربي 
الاشتراكات 

دولة الكويت 

للأفراد 

للمؤسسات 

دول الخليج 

للأفراد 

للمؤسساٹ 

الدول العريية 
للأفراد 

للمؤسسات 

خارج الوطن العربي 
للأفراد 

للمؤسسات 


دنار کویتي 
ما یعادل دولارا أمریكيا 
أربعة دولارات أمريكية 


5ك 
5 د. ك 


7 د. ك 
0 د. ك 


5 دولارا أمریکیا 
0 دولارا آمریکیا 


50 دولارا آمريكيا 
0 دولار آمریکی 


تسدد الاشتراكات واممبيعات مقدما نقدا أو بشيك باسم المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب» مع مراعاة سداد عمولة البنك المحول عليه المبلغ 


في الكويت» ويرسل إلينا بالبريد ا مسجل على العنوان التالي: 


ا مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص. ب 23996 الصفاة - الرمزي البريدي 13100 


دولة الكويت 


بدالة: 22416006 (00965) 
داخلى: 1196/ 1195/ 1194/ 1153/1193/ 1152 


يمكنكم الاشتراك والحصول على نسختكم الورقية من إصدارات المجلس الوطني 
للتقافة والفنون والذداب من خلال الدخول إلى موقعنا الإلكتروني: 
https://www.nccal.gov.kw/#CouncilPublications‏ 


د.ك | دولار | د.ك دولار د.ك دولار د.ك ‏ دولار د.ك | دولار 
مؤسسة داخل الكويت 25 12 12 20 20 
أفراد داخل الكويت 15 6 6 10 10 
مؤسسات دول الخليج العري | 30 16 16 24 24 
أفراد دول الخليج العربي 2 8 8 12 12 
مؤسسات خارج الوطن العري 100 50 40 100 100 
أفراد خارج الوطن العربي 50 25 20 50 50 
مؤسسات في الوطن العريي 50 30 20 50 50 
أفراد في الوطن العربي 25 15 10 25 25 


قسيمة اشتراك في إصدارات 
المجلس الوطني للذقافة والفنون والآداب 


الرجاء ملء البيانات في حالة رغبتكم ف: تسجيل اشتراك تجديد اشتراك 


المدينة: الرمز البريدي: 


رقم الهاتف: 


البريد الإلكتروني: 

اسم المطبوعة: مدة الاشتراك: 

اممبلخ اممرسل: نقدا/ شيك رقم: 

التوقيع: التاريخ: / / 20م 


ا مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - إدارة النشر والتوزيع - مراقبة التوزيع 
ص.ب: 23996 - الصفاة - الرمز البريدي 13100 
دولة الكويت 


521 


Wıithe 


523 


6e0 Hp <| Î EE @ me 
I Ire se cif f 6 STTSLOSTI6PTOO 1 
(EI: 6e0 - nefa - 3 (FT ~ aA 
î e? Im rr 6ER / L96OOESSOFTT / L6OOSSSOFTT wozooueA@pdpreNe 
Ui gr? e O I (E 6p / 0L600008086TZ / OL6OOSEIPI6TT sddpa@ssasse an 
wuorxaue ses 
T1 If? Eg IME Iffefe ¬ S§SSES9/ T<9600560F0TL6L / TI6OOSELLEES9 
01 EA Ise Ire mE TI66RSTESTITOO IC Ee - r rere - < SE me 
6 ا‎ Isr Imfrrîp / 91TOO66PTTETL 1 9TTOOPOOETETL uruo'dnos@ssardnos 
2 / 1960009TES91 
8 me? fry of (erey mE S1/ FIS9991 19600 
N O0 IHN A / 196O06STES9T 
su SIuas1@ 00P908ST ZOTOO 
سا چ‎ fry (oC / TOTOOOPSTSLST woz peunoydşootees pau 
S/F/E/T/UOOLTSLST TOTOO 
9 f se <I MEE ¬ TP6ITIPF/ FL6OOTSITTIPF / FL6OOOOSITIPF 
E *TrE E frre pens EER ~ SPLIT = EG6TGPET/ $60O66ET6FPT / 8960000TE6PT 
7 RID se RAID TF Sirr Sirf £/T/ TOSIT6EF IL6O00 ¬ PSEBT6EP/ T[L6OO6TOST6EF 
چ‎ erte frre IAS mR ¬ EELLTOLT/ £L6OOSIT9199E 1 SL6OOPPLLTILT 
ج‎ \frefçîy Ise Irmfcîp (rÇ PIPILSFTT99600 ¬ 99LITIT1/ 99600PLLTITI 
9F IE a 
1 gf ITivfse IRR IMATE T/1/ OTSITSPT S9600 / S96OOSTSITSPT os wr 
ل‎ rr Gn mR Ea G9 MS” (fr (REP 
SG: IEE pe - céfe Ins 
AO Ese IME 


Wıithe 


إشعار 
للاطلاع عله قائمة كثب السليسلة انظر عدد 


ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة. حيث نوجد 
قائمة كاملة بأسماء الكثب المنشورث 
في السلدسلة منذ ينابر 1978. 


525 


Withe 


عددنا المقبل 


في النظرية السياسية النسوية 


تأليف: أ. د. رعد عبدالجليل 
د. حسام الدين علي مجيد 


ّل هذا الكتاب مرجعا يعطي صورة بانورامية للنسوية في جانبها السياسي؛ 
وذلك ا يحتويه من تأصيل نظريْ للنسوية» وعرض تاريخيّ للموجات التي 
تبلورت خلالها» وسرد لأنواعها التي تختلف في المنطلقات والنتائج. وتقييم 
لتطبيقاتها بعد أن تمكنت من ترسيخ أقدامها على أرض الواقع. 


527 


528 


المجاس لوطي 
للتفافتء والفنون والآداب 


يصف الدكتور رشيد الخالديء الأستاذ في جامعة كوممبياء هذا الكتاب بأنه «يقدّم صورة إدورد سعيد بكل 
أبعادهاء ويكشف الزوايا العديدة لحياته وأعماله التي يجهلها أقرب اممقرّبين له». ويقول إن ثي رن يعطينا 
فيه صورة رثائية مرهفة لشخصية من أبعد شخصيات القرن امماضي تأثيرا. ۰ 

كان إدوّرد سعيد شخصية محبوبة يختلف الناس 2 وكان رائدا لدراسات ما بعد الاستعمارء وناقدا 
أدبا واسع الثقافة لاتزال كتبه» ولاسيما كتاب «الاستشراق»» تارك أثرا بليغا في الطلبة وامفكرين في هذه الأَّام. 
کان ثي بدن تلميذا من تلاميذ سعيد» وبقي صديقا له حتی وفاته في العام 2003 وهو يعطينا في هذا 
الكتاب أوّل سيرة كاملة للمشرف على أطروحتهء ذلك اممشرف الذي يتبين لنا من هذا الكتاب أنه كان مدافعا 
- برقة وبلاغة - عن التأثير الذي يتركه الأدب في السياسة والحياة المدنية. 

يتتبّع الكتاب المسار الفكري الذي الخذه سعيد ويستنتج أنه كان من المحطمين اللامعين للأصنام 
التقليدية: كان صاحب إستراتيجية مخادعة مفكرا من مفكري نيويورك. وكان يتردد على بيروت» ويعمل على 

تيب الحفلات امموسيقية في فاارء ويبرع في سرد الحكايات على شاشة التلفزيون القوميةء ويفاوض من أجل 

ف وزارة الخارجية الأمريكية وهثل ف آفلام يؤذي فیها دوره في حیاته. وقد استقصی رن التأثرات 
العربية في فكر سعيد إلى جانب بتَلمُذه على يد بعض من رجال الدولة اللبنانيين. وكان حداثيا نسيج وحده. 
اعا من آدباء تورك اعا ف ابات رج الحا الام إل الله دقن سيت ها بر بد 
من فكر ثاقب وسحر شخصي» من صياغة هذه المعارف بحيث غدت تراثا مغايرا من امذهب الإنساني على 
خلفية التفوق العلمي والتكنولوجي والحرب الدينية. وقد أعطى للعلوم الإنسانية بوضوح ليس له مثيلء 
مكانة جديدة في عصر ريغن» وهي مكانة لاتزال تحتفظ بها إلى يومنا هذا. 

استفاد رن من شهادات حصل عليها من عائلة سعید» ومن أصدقائه» وتلامیذه» وخصومه على حدٌ سواء 
کا استعان بسجلات مكتب الفحقیقاف الفدرالي وبكتابات سعيد غير امنشورةء ومسودات روایاته» ورسائله 
الشخصية. وبذء فإن هذا الكتاب يرسم من ابمجال الفكري الواسع لسعيدء ومن التأثير الذي خلفه» صورة ذات 
حميمية لا سابقة لها لصاحب واحد من أعظم العقول في القرن العشرين. 


إصدارات المجلس متوافرة إلكترونيا على موقعنا: 
WWW.NCCAL. GOV. KW, 4 PUBLICATIONS‏